ينقسم الفعل إلى: مؤكد؛ وغير مؤكد.
فالمؤكَّد: ما لحقته نون التوكيد، ثقيلة كانت أو خفيفة، نحو: {لَيُسْجَنَنّ وَلَيَكُوناً مّن الصّاغِرِينَ} (يوسف: 32).
وغير المؤكد: ما لم تلحقه، نحو: يُسجن ويكون، فالماضي لا يؤكد مطلقاً وأما قوله:
دامَنَّ سَعْدُكِ إن رحْمتِ مُتَيَّما *** لولاكِ لم يكُ للصَّبابة جَانِحا
فضرورة شاذَّة، سهَّلها ما في الفعل من معنى الطلب، فعومل معاملة الأمر.
كما شذَّ توكيد الاسم في قوله:
أقائِلُنَّ أحْضِروا الشُّهُودَا ***
والأمر يجوز توكيده مطلقاً، نحو: اكُتَبن واجْتَهِدَنْ.
وأما المضارع: فله ست حالات:
الأولى: أن يكون توكيده واجباً.
الثانية: أن يكون قريباً من الواجب.
الثالثة: أن يكون كثيراً.
الرابعة: أن يكون قليلاً.
الخامسة: أن يكون أقل.
السادسة: أن يكون ممتنعا.
1- فيجب تأكيده إذا كان مُثبتاً مستقبلاً في جواب قسم، غير مفصول من لامه بفاصل، نحو: {وَتَاللّهِ لأكِيدَنّ أَصْنَامَكُمْ} (الأنبياء: 57)، ويجب توكيده باللام والنون عند البصريين، وخُلُوُّه من أحدهما شاذّ أو ضرورة.
2- ويكون قريباً من الواجب إذا كان شرطاً، لإنَّ المؤكَّدة بما الزائدة، نحو: {وَإِمّا تَخَافَنّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً} (الأنفال: 58)، {فَإِمّا نَذْهَبَنّ بِكَ} (الزخرف: 41)، {فَإِمّا تَرَيِنّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِيَ إِنّي نَذَرْتُ لِلرّحْمَنِ صَوْماً} (مريم: 26)، ومن ترك توكيده قوله:
يا صَاح إمَّا تَجدنْي غيرَ ذي جِدَةٍ *** فَمَا التَّخَلَّي عَنِ الخُلاَّنِ مِنْ شِيَمِي
وهو قليل في النثر، يختص بالضرورة.
3- ويكون كثيراً إذا وقع بعد أداة طلب: أمْرِ، أو نَهْي، أو دُعاءٍ، أو عَرْض، أو ثَمَنّ، أو استفهام، نحو: ليقومن زيد وقوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنّ اللّهَ غَافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ} (إبراهيم: 42).
وقول خِرْنِق بنت هَفَّان:
لا يَبْعُدَنْ قومي الَّذينَ هُمُ *** سمُّ العُداةِ وآفَـةُ الجُزُرِ
وقول الشاعر:
هلا تَمُنَّنْ بوَعْدٍ غيْرَ مُخْلِفَةٍ *** كَمَا عهِدْتُكِ فِي أيَّامِ ذي سَلَم
وقوله:
فَلَيْتَكِ يَوْمَ المُلْتَقَى تَرَيِنَّني *** لكَيْ تَعْلَمِي أنِّي امْرُؤ بكِ هائِمُ
وقوله:
أفَبَعْدَ كِنْدَةَ تَمْدَحَنَّ قَبِيلا ***
ويكون قليلاً إذا كان بعد لا النافية أو ما الزائدة التي لم تسبق بإن الشرطية، كقوله تعالى: {وَاتّقُواْ فِتْنَةً لاّ تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصّةً} (الأنفال: 25)، وإنما أكِّد مع النافي، لأنه يشبه أداة النهي صورة، وقوله:
إذا مات منهُم سَيِّدٌ سَرَقَ ابْنُهُ *** وَمِنْ عِضَه ما يَنْبُتَنَّ شَكِيرُها
وكقول حاتم:
قليلاً به ما يَحْمَدَنَّك وارِثٌ *** إذا نَالَ مما كنْتَ تَجْمَعُ مَغْنَما
وما زائدة في الجميع، وشمل الواقعة بعد رُبَّ، كقوله:
رُبَّمَـا أوْفَيْـُـت فـي عَلَــمٍ *** تَرْفَعَــنْ ثَوْبــي شَمَــالاتُ
وبعضهم منعها بعدها، لمضي الفعل بعد رُبَّ معنىً، وخصه بعضهم بالضرورة.
ويكون أقل إذا كان بعد «لم»، وبعد أداة جزاء غير «إمَّا» شرطاً كان المؤكد أو جزاء، كقوله في وصف جبل:
يَحسَبُهُ الجَاهلْ ما لَم يَعْلَما *** شيخاً عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا
أي يعلمن وكقوله:
مَنْ تَثْقَفَنْ منهم فليْس بآيبٍ *** أبداً وقَتْلُ بنيِ قتَيبَةَ شَافي
وقوله:
ومَهْمَا تَشَأ منه فزارةُ تمْنَعَا ***
أي تمنعَنْ.
5- ويكون ممتنعاً إذا انتفت شروط الواجب، ولم يكن مما سبق، بأن كان في جواب قسم منفي ولو كان النافي مقدراً، نحو: تاللّه لا يذهب العرف بين اللّه والناس، ونحو قوله تعالى: {تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} (يوسف: 85)، أي لا تفتأ، أو كان حالاً كقراءة ابن كثير: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (القيامة: 1).
وقول الشاعر:
يميناً لأُبغِضُ كلَّ امرِئٍ *** يزخرفُ قولاً ولا يفْعَلُ
أو كان مفصولاً من اللام، نحو: {وَلَئِنْ مّتّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} (آل عمران: 158)، ونحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَىَ} (الضحى: 5).
حكم آخر الفعل المؤكد بنون التوكيد
1- إذا لحقت النون الفعل، فإن كان مسنداً إلى اسم ظاهر أو إلى ضمير الواحد المذكر فتح آخره لمباشرة النون له ولم يحذف منه شيء سواء كان صحيحاً أو معتلاً، نحو: ليَنْصُرَنَّ زيد، وليَقضِيَنّ، وليَغْزُوَنَّ، وليَسْعَيَنَّ، بردِّ لام الفعل إلى أصلها.
2- وإن كان مسنداً إلى ضمير الاثنين لم يُحذف أيضاً من الفعل شيء، وحُذِفت نون الرفع فقط، لتوالي الأمثال، وكُسِرتَ نون التوكيد، تشبيهاً لها بنون الرفع، نحو: لتَنْصُرانِّ يا زيدان، ولتَقضِيانِّ، ولتَغزُوَانِّ، ولتَسْعَيانِّ.
3- وإن كان مسنداً إلى واو الجمع، فإن كان صحيحاً حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال وواو الجمع لالتقاء الساكنين، نحو: لتَنْصُرُنَّ يا قوم، وإن كان ناقصاً وكانت عين الفعل مضمومة أو مكسورة حذفت أيضاً لام الفعل زيادة على ما تقدَّم، نحو: لتغزن ولتقضن يا قوم بضم ما قبل النون في الأمثلة الثلاثة للدلالة على المحذوف. فإن كانت العين مفتوحة حذفت لام الفعل فقط وبقي فتح ما قبلها وحركت واو الجمع بالضمة، نحو: لتَخْشَوُنَّ، ولتَسْعَوُنَّ.
وسيأتي الكلام على ذلك في الحذف لالتقاء الساكنين إن شاء اللّه تعالى.
4- وإن كان مسنداً إلى ياء المخاطبة حذفت الياء والنون، نحو: لتنصرن يا دعد، ولتَغْزِنّ، ولتَرْمِنّ، بكسر ما قبل النون. إلاَّ إذا كان الفعل ناقصاً وكانت عينه مفتوحة، فتبقى ياء المخاطبة حركة بالكسر مع فتح ما قبلها، نحو: لتَسْعَيِنَّ، ولتَخْشَيِنَّ يا دَعدُ.
5- وإن كان مسنداً إلى نون الإناث زيدت لوقوعها بعد الألف، نحو: لتَنْصُرْنَانِّ يا نسوة، ولتَسْعَيْنَان ولتَغْزُونَانِّ ولتَرْمِينَانِّ.
والأمر مثل المضارع في جميع ذلك، نحو: اضربَنّ يا زيد واغزُوَنَّ وارْمِيَنَّ واسْعِيَنَّ ونحو: اضْرِبَانِّ يا زيدانِ واغزوانِّ وارمِيانِّ واسعِيانِّ ونحو: اضرُبَنّ يا زيدون واغْزُنّ واقضن ونحو: اخْشَوُنَّ واسْعَوُنّ... إلخ.
وتختص الخفيفة بأحكام أربعة:
الأوَّل: أنها لا تقع بعد الألف الفارقة بينها وبين نون الإناث لالتقاء الساكنين على غير حَدِّهِ فلا تقول اخْشَيْنان.
الثَّاني: أنها لا تقع بعد ألف الاثنين فلا تقول لا تضربان يا زيدان لما تقدَّم ونقل الفارسي عن يونس إجازته فيهما ونظر له بقراءة نافع (ومَحْيايْ) بسكون الياء بعد الألف.
الثَّالث: أنها تحذف إذا وليها ساكن كقول الأضبط بن قُريع السَّعْدِيِّ:
فَصِلْ حِبالَ البَعـيدِ إنْ وَصَلَ *** الحْبلَ وأقصِ القَرِيبَ إن قَطَعَهْ
ولا تُـهِينَ الفقـيرَ عَلَّكَ أنْ *** تَرْكَـعَ يَوْماً والدَّهْـرُ قَدْ رَفعَهْ
أي لا تهينن.
الرَّابع: أنها تُعْطَي في الوقت حكم التنوين، فإن وقعت بعد فتحة قلبت ألف، نحو: (لنسفعا) (وليكونا) ونحو:
وَإيَّاكَ والمَيْتَاتِ لا تَقْرَبَنَّهَا *** ولا تعبدِ الشَّيْطَانَ واللّهَ فاعبُدَا
وإن وقعت بعد ضمة أو كسرة حُذِفت، ورُدَّ ما حذف في الوصل لأجلها. تقول في الوصل: اضرُبنْ يا قوم، واضرِبنْ يا هند، والأصل: اضْرِبُون واضْرِبِينْ، فإذا وقفت عليها حذفن النون، لشبهها بالتنوين، فترجع الواو والياء، لزوال الساكنين، فتقول: اضربوا واضربي.
المصدر : كتاب شذا العرف في فن الصرف