ينقسم الفعل إلى: مجرَّد ومزيد.
فالمجرَّد: ما كانت جميع حروفه أصلية، لا يسقط حرف منها في تصاريف الكلمة بغير علَّة؛ والمزيد: ما زيد فيه حرف أو أكثر على حروفه الأصلية.
والمجرَّد قسمان: ثلاثيّ ورباعي. والمزيد قسمان: مزيد الثلاثيّ، ومزيد الرُّباعيّ. أما الثلاثيّ المجرَّد فله باعتبار ماضيه فقط: ثلاثة أبواب، لأنه دائماً مفتوح الفاء، وعينه إما أن تكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، نحو: نَصَرَ وضَرَبَ وفَتَحَ، ونحو كَرُم، ونحو فَرِحَ وحَسِبَ.
وباعتبار الماضي مع المضارع له ستة أبواب، لأن عين المضارع إما مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة، وثلاثة في ثلاثة بتسعة، يمتنع كسر العين في الماضي مع ضمها في المضارع، وضم العين في الماضي مع كسرها أو فتحها في المضارع، فإذن تكون أبواب الثلاثيّ ستة.
الباب الأول: فَعَل يَفعُل
بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع كنَصَرَ يَنْصُر، وقَعَدَ يَقْعُدُ، وأخذ يَأْخُذُ، وبرأ يَبْرُؤ، وقال يقول، وغَزَا يغْزُو، ومَرَّ يَمُرُّ.
الباب الثاني: فَعَل يَفْعِل
بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، كضَرَب يضْرِب، وجَلَسَ يَجْلِسُ، ووَعَد يَعِد، وباع يبيع، ورَمى يَرمِي، ووقى يَقِي، وطَوَى يَطْوِي، وفَرَّ يَفِرُّ، وأتى يأتي، وجاء يجيء، وأبَر النخل يأبِرُه، وهَنَأ يهنئ، وأَوى يَأوي، ووَأى يَئي، بمعنى وعد.
الباب الثالث: فَعَل يَفْعَل
بالفتح فيهما، كفتَح يفتَح، وذَهب يذهَب، وسَعى يَسْعى، ووَضعَ يضَع، ويفَع يَيْفَعُ، ووَهَلَ يَوْهَل، وألَهَ يألَه، وسَأل يَسْأل، وَقَرأ يقرأُ.
وكل ما كانت عينه مفتوحة في الماضي والمضارع، فهو حلقي العين أو اللام. وليس كل ما كان حلقياً كان مفتوحاً فيهما.
وحروف الحلق ستة: الهمزة، والهاء، والحاء، والخاء، والعين، والغين.
وما جاء من هذا الباب دون حرف حلقي فشاذّ، كأَبى يأَبى، وهلَكَ يَهْلِك، في إحدى لغتيه، أو من تداخل اللغات كرَكَن يرْكن، وقَلَى يَقْلَى: غير فصيح، وبَقَى يَبْقَى: لغة طيِّء، والأصل كسر العين في الماضي، ولكنهم قلبوه فتحة تخفيفاً، وهذا قياس عندهم.
الباب الرابع: فَعِل يَفْعَل
بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع، كفَرِح يَفْرَح، وعلِم يعْلَم، ووجِل يَوْجَل، ويَبِس يَيْبَس، وخاف يَخاف، وهاب يَهاب، وغيدَ يغْيَد، وعَوِر يَعْوَر، ورَضِي يَرْضَى، وقَوِي يَقْوَى، ووَجِي يَوْجَي، وعَضَّ يَعَضَ، وأَمِنَ يَأْمَن، وسَئِم يَسْأَم، وصَدِئ يَصْدَأ.
ويأتي من هذا الباب الأفعال الدالَّة على الفرح وتوابعه، والامتلاء والخُلْو، والألوان والعيوب، والخلق الظاهرة التي تذكر لتحلية الإنسان في الغَزَل: كفرِحَ وطرِب وبطِرَ وأشر، وكغضب وحزن، وكشبع وروي، وسَكِر، وكعطِش وظمِئ، وصَدِيَ وَهَيِم، وكحَمِر وسَوِد، وكعور وعَمِشَ، وجَهرِ وكغَيد وهيَف ولمِيَ.
الباب الخامس: فعُل يفعُل
بضم العين فيهما، كشرُف يَشْرُف، وحسُن يَحْسُن، ووسُم يوسُم، ويَمُن ييمُن، وأسُل يأسُل، ولؤُم يلؤُم، وجرُؤ يجْرؤُ، وسَرُوَ يَسْرُو.
ولم يرد من هذا الباب يائي العين إلاَّ لفظة هَيُؤَ: صار ذا هيئة، ولا يائي اللام وهو متصرف إلاَّ نَهُو: من النُّهْية، بمعنى العقل، ولا مضاعفاً إلاَّ قليلاً كشَرَرْت مُثَلَّثَ الراء، ولَبْبْت، بضم العين وكسرها، والمضارع تَلَبُّ، بفتح العين لا غير.
وهذا الباب للأوصاف الخِلْقية وهي التي لها مكث.
ولك أن تحول كل فعل ثلاثيّ إلى هذا الباب للدلالة على أن معناه صار كالغريزة في صاحبه، وربما استعملت أفعال هذا الباب للتعجب فتنسلخ عن الحدث.
الباب السادس: فعِل يَفْعِل
بالكسر فيهما، كحسِب يَحسِب، ونعِم ينعِم، وهو قليل في الصحيح كثير في المعتلَّ، كما سيأتي.
تنبيهات
الأوَّل: كل أفعال هذه الأبواب تكون متعدية ولازمة، إلاَّ أفعال الباب الخامس فلا تكون إلاَّ لازمة. وأما رَحْبَتْك الدارُ فعلى التوسع، والأصل رَحُبَتْ بك الدارُ، والأبواب الثلاثة الأولى تسمى دعائم الأبواب، وهي في الكثرة على ذلك الترتيب.
الثَّاني: أن فَعَلَ المفتوح العين، إن كان أوَّله همزة أو واواً، فالغالب أنه من باب ضرب، كأسَر يأسِر، وأَتَى يأتي، ووعد يعِد، ووزَن يزِن، ومن غير الغالب: أخَذ وأكَل ووهَل. وإن كان مضاعفاً فالغالب أنه من باب نصر، إن كان متعدِّياً كَمَدّه يَمُدُّه، وصدّه يَصُدُّه. ومن باب ضرب، إن كان لازماً، كخَفَّ يخَفُّ، وشذَّ يَشذُّ، بالذال المعجمة.
الثَّالث: مما تقدَّم من الأمثلة تعلم:
1- أن المضاعف يجيء من ثلاثة أبواب: من باب نصر وضرب وفرح، نحو: سرّه يسرُّه، وفرَّ يفرُّ، وعضَّه يعَضُّه.
2- ومهموز الفاء يجيء من خمسة أبواب: من باب نصر وضرب وفتح وفرح وشرُف، نحو: أخذ يأخُذ، وأسَرَ يأسر، وأهَب يأهَبُ، وأمِن يأمَن، وأسُل يأسُل.
3- ومهموز العين يجيء من أربعة أبواب: من باب ضرب وفتح وفرح وشرُف، نحو: وأى يَئي، وسأل يسأل، وسئم يسأل، ولَؤُم يَلْؤُم.
4- ومهموز اللام يجيء من خمسة أبواب: من باب نصر وضرب وفتح وشرُف نحو: بَرَأ يبرُؤ، وهَنَأ يهنئ، وقَرَأ يقرَأ، وصدئ يَصْدَأ، وجرُؤ يجرُؤ.
5- والمثال يجيء من خمسة أبواب: من باب ضرب وفتح وفرح وشرُف وحسب، نحو: وعَد يعِد، ووهِل يَوْهَل، ووجِل يوجَل، ووسُم يَوْسُم، وورِث يرِث، وقد ورد من باب نصر لفظة واحدة في لغة عامرية: وهي وَجَدَ يَجُد قال جرير:
لو شِئتِ قد نَقَعَ الفُؤادُ بِشَرْبَةٍ *** تَدَعُ الصَّوَادِي لا يَجُدْنَ غَليلا
رُوي بضم الجيم وكسرها. يقول لمحبوبته: لو شئت قد روي الفؤاد بشربة من ريقك تترك الصَّوَادِي أي العطاش لا يجدن حرارة العطش.
6- والأجوف يجيء من ثلاثة أبواب: من باب نَصَر وضرب وفرح، نحو: قال يقول، وباع يبيع، وخاف يخاف، وغَيِد يَغْيَد، وعَور يعوَر، إلاَّ أن شرطه أن يكون في الباب الأوَّل واوياً، وفي الثاني يائياً، وفي الثالث مطلقاً، وجاء طال يطول فقط من باب شرُف.
7- والناقص يجيء من خمسة أبواب: من باب نصر وضرب وفتح وفرح وشرف، نحو: دعا ورمى وسعى ورضى وسرُو، ويشترط في الناقص من الباب الأوَّل والثاني ما اشترط في الأجوف منهما.
8- واللفيف المفروق يجيء من ثلاثة أبواب: من باب شرب وفرح وحسب، نحو: وَفَى يَفِي، ووجِيَ يَوْجَي، وولِيَ يَلِي.
9- واللفيف المقرون: يجيء من بابي ضرب وفرح، نحو: روَى يرْوي، وقوىَ يَقْوَى، ولم يرد يائي العين واللام إلاَّ في كلمتين من باب فرح، هما عَيِيَ، وحَيِيَ.
الرَّابع: الفعل الأجوف، إن كان بالألف في الماضي، وبالواو في المضارع، فهو من باب نصر، كقال يقول، ما عدا طال يطول، فإنه من باب شرُف، وإن كان بالألف في الماضي وبالياء في المضارع، فهو من باب شرب كباع يبيع، وإن كان بالألف أو بالياء أو بالواو فيهما، فهو من باب فرح، كخاف يخاف، وغَيِدَ يَغيد، وعوِر يَعور.
والناقص إن كان بالألف في الماضي وبالواو في المضارع، فهو من باب نصر، كدعا يدعو، وإن كان بالألف في الماضي وبالياء في المضارع، فهو من باب ضرب، كرمى يرمي، وإن كان بالألف فيهما، فهو من باب فتح، كسعَى يسعَى، وإن كان بالواو فيهما، فهو من باب شرف، كسرُو يسرُو، وإن كان بالياء فيهما، فهو من باب حسب كوَلِيَ يَلِي، وإن كان بالياء في الماضي والألف في المضارع، فهو من باب فرح، كرضِي يرضَى.
الخامس: لم يرد في اللغة ما يجب كسر عينه في الماضي والمضارع إلاَّ ثلاثة عشر فعلاً، وهي: وثِقَ به، ووجد عليه: أي حزن، وورِث المال، وورِع عن الشبهات، وورِك: أي اضطجع، وورِم الجُرح، وورِي المخ: أي اكتنز، ووعِق عليه: أي عجل، ووفِق أمره: أي صادفه موافقاً، ووقِه له: أي سمع، ووكِم: أي اغتمَّ، وولِي الأمر، وومِق: أي أحب.
وورد أحد عشر فعلاً، تُكْسَر عينها في الماضي، ويجوز الكسر والفتح في المضارع، وهي: بَئِس، بالباء الموحدة، وحسِب، ووبق: أي هلك، ووحمتِ الحُبْلَى، ووحِرَ صدره، ووَغِر: أي اغتاظ فيهما، وولغ الكلب، وولِه، ووهِل: أي اضطرب فيهما، ويئِس منه، ويبِس الغصن.
السادس: كون الثلاثيّ على وزن معين من الأوزان الستة المتقدمة سماعي، فلا يعتمد في معرفتها على قاعدة، غير أنه يمكن تقريبه بمراعاة هذه الضوابط. ويجب فيه مراعاة صورة الماضي والمضارع معاً، لمخالفة صورة المضارع للماضي الواحد كما رأيت، وفي غيره تراعي صورة الماضي فقط، لأن لكل ماض مضارعاً لا تختلف صورته فيه.
السابع: ما بُني من الأفعال مطلقاً للدلالة على الغلَبَة في المفاخرة، فقياس مضارعه ضم عينه، كسابقني زيد فسبقته، فأنا أسبُقه، ما لم يكن واويَّ الفاء، أو يائي العين أو اللام، فقياس مضارعه كسر عينه، كواثبته فوَثَبْته فأنا أثِبه، وبايعته فبِعته فأنا أبيعه، وراميته فرميته فأنا أرمِيه.
أوزان الرُّباعيّ المجرَّد وملحقاته
للرباعي المجرَّد وزن واحد وهو فعلل، كدحرج يدحرج، ودَرْبَخَ يدربخ. ومنه أفعال نحتتها العرب من مركبات فتحفظ ولا يقاس عليها، كبسمل إذا قال: بسم اللّه، وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلاَّ باللّه، وطلبق إذا قال: أطال اللّه بقاءك، ودمعز إذا قال: أدام اللّه عزك، وجعفل إذا قال: جعلني اللّه فداءك.
وملحقاته سبعة:
الأوَّل: فعلل كجلبَبَه: أي ألبسه الجلباب.
الثَّاني: فوعل كجوربه: أي ألبسه الجورب.
الثَّالث: فعْوَل كرَهْوَك في مشيته: أي أسرع.
الرَّابع: فَيْعَل كبَيْطَر: أي أصلح الدواب.
الخامس: فعْيَلَ كشَرْيَف الزرع: قطع شريانَه.
السادس: فَعْلىَ كسَلْقَى، إذا إستلقى على ظهره.
السابع: فَعْنَل كقَلْنَسَهُ: ألبسه القلنسوة.
والإلحاق: أن تزيد في البناء زيادة لتلحقه بآخر أكثر منه، فيتصرف تصرفه.
أوزان الثلاثيّ المزيد فيه
الفعل الثلاثيّ المزيد فيه ثلاثة أقسام: ما زيد فيه حرف واحد، وما زيد فيه حرفان، وما زيد فيه ثلاثة أحرف. فغاية ما يبلغ الفعل بالزيادة ستة؛ بخلاف الاسم، فإنه يبلغ بالزيادة سبعة، لثقل الفعل، وخفة الاسم، كما سيأتي، فالذي زيد فيه حرف واحد، يأتي على ثلاثة أوزان:
الأوَّل: أفْعَلَ كأكرم، وأولى وأعطى وأقام وآتى وآمن وأقّر.
الثَّاني: فاعَلَ، كقاتل، وآخذ، ووالى.
الثَّالث: فَعَّلَ بالتضعيف، كفرَّح وزكَّى وولَّى وبَرَّأ.
والذي زيد فيه حرفان يأتي على خمسة أوزان:
الأوَّل: انفعَلَ، كانكسر وانشقَّ وانقاد وانمحى.
الثَّاني: افتعلّ كاجتمع واشتقَّ، واحتار، وادَّعى واتَّصل واتَّقى واصطبر واضطرب.
الثَّالث: افْعّلَّ، كأحمرَّ وأصفرَّ وأعورَّ. وهذا الوزن يكون غالباً في الألوان والعيوب؛ وندر في غيرهما نحو: ارفضَّ عرَقاً، واخضلَّ الروضُ، ومنه ارْعَوَى.
الرَّابع: تَفَعَّل، كتعلَّم وتزكَّى، ومنه اذَّكَّر واطَّهر.
الخامس: تَفاعَلَ كتباعَدَ وتشاوَرَ، ومنه تبارك وتعالى، وكذا اثَّاقل وادَّارك.
والذي زيد فيه ثلاثة أحرف يأتي على أربعة أوزان:
الأوَّل: استفْعَلَ، كاستخرج واستقام.
الثَّاني: افْعَوعَلَ، كاغدودن الشعر: إذا طال، واعشوشب المكان: إذا كثر عُشْبه.
الثَّالث: افعالَّ، كإحمارّ واشهابَّ: قويت حُمرته وشُهبته.
الرَّابع: افْعَوَّلَ كاجلوَّذ: إذا أسرع، واعلَوَّط: أي تعلق بعنق البعير فركبه.
أوزان الرُّباعيّ المزيد فيه وملحقاته
ينقسم الرُّباعيّ المزيد فيه إلى قسمين: ما زيد فيه حرف واحد، وما زيد فيه حرفان، فالذي زيد فيه حرف واحد، وهو تفَعللَ كتدحرج، والذي زيد فيه حرفان وزنان:
الأوَّل: افعنلَلَ، كاحرنجم.
والثاني: افعلَلَّ، كاقشعرّ، واطمأنَّ.
والملحق بما زيد فيه حرف واحد يأتي على ستة أوزان:
الأوَّل: تفعللَ، كتجلببَ.
الثَّاني: تفعولَ، كتَرَهْوَكَ.
الثَّالث: تُفَيْعَل، كتَشَيْطَن.
الرَّابع: تَفَوْعَل، كتجوربَ.
الخامس: تَمَفْعَل، كتمسكن.
السادس: تفَعَلَى، كتَسَلَقى.
والملحق بما زيد فيه حرفان وزنان:
الأوَّل: افعنلَلَ، كاقعنسَس.
والثاني: افعنلَى، كاسلنقى.
والفرق بين وزني احرنجم واقعنسس، أن اقعنسَسَ إحدى لاميه زائدة للإلحاق، بخلال احرنجم، فإنهما فيه أصليتان.
تنبيهان
الأوَّل: ظهر لك مما تقدَّم أن الفعل باعتبار مادته أربعة أقسام: ثلاثيّ ورباعي وخُماسيّ وسداسي، وباعتبار هيئته الحاصلة من الحركات والسكنات: سبعة وثلاثون باباً.
الثَّاني: لا يلزم في كل مجرَّد أن يستعمل له مزيد، ولا في كل مزيد أن يستعمل له مُجرَّد، ولا فيما استعمل فيه بعض المزيدات، أن يستعمل فيه البعض الآخر، بل المدار في كل ذلك على السماع. ويستثنى من ذلك الثلاثيّ اللازم، فتَطَّرِدُ زيادة الهمزة في أوَّله للتعدية، فيقال في ذهب أذهب، وفي خرج أخرج.
فصل في معاني صيغ الزوائد
1- أفْعَلَ: تأتي لعدة معان:
الأوَّل: التَّعدية، وهي تصيير الفاعل بالهمزة مفعولاً، كأقمت زيداً وأقعدته وأقرأته، الأصل قام زيد وقعد وقرأ، فلما دخلت عليه الهمزة صار زيد مُقاماً مُقْعَداً مُقْرَأ. فإذا كان الفعل لازماً صار بها متعدِّياً لواحد، وإذا كان متعدِّياً لواحد صار بها متعدِّياً لاثنين، وإذا كان متعدِّياً لاثنين صار متعدِّياً لثلاثة. ولم يوجد في اللغة ما هو متعدِّ لاثنين، وصار بالهمزة متعدِّياً لثلاثة، إلاَّ رأى وعَلِمَ، كرأى وعلم زيد بكراً قائماً، تقول: أريتُ أو أعلمتُ زيداً بكر قائماً.
الثَّاني: صيرورة شيء ذا شيء، كألبن وأتمر وأفلس، صار ذا لبن وتمر وفلوس.
الثَّالث: الدخول في شيء، مكاناً كان أو زماناً، كأَشْأَم وأَعْرَق، وأصْبَح وأمْسَى، أي دخل في الشام والعراق والصباح والمساء.
الرَّابع: السلب والإزالة، كأقذيت عين فلان، وأعجمْتُ الكتاب: أي أزلت القذى عن عينه، وأزلت عُجمة الكتاب بنقطه.
الخامس: مصادفة الشيء على صفة، كأحمدت زيداً وأكرمته وأبخلته: أي صادفته محموداً أو كريماً أو بخيلاً.
السادس: الاستحقاق، كأَحْصَدَ الزرع، وأَزْوَجَتْ هند: أي استحق الزرع الحصاد، وهند الزَّواج.
السابع: التعريض، كأرْهَنْتُ المتاع وأبَعْتُهُ: أي عرضته للرهن والبيع.
الثامن: أن يكون بمعنى استفعل، كأعظمته: أي استعظمته.
التاسع: أن يكون مطاعاً لفَعَّل بالتشديد نحو: فطَّرته فأفطر وبشَّرته فأبشر.
العاشر: التمكين، كأحفرته النهر: أي مكَّنْتُه من حَفْرِه.
وربما جاء المهموز كأصله، كسَرَى وأسْرَى، أو أغنى عن أصله لعدم وروده، كأفلح: أي فاز، وندر مجيء الفعل متعدِّياً بلا همزة، ولازماً بها، كنَسَلْتُ ريش الطائر، وأَنْسَل الريش، وعرضت الشيء: أظهرته، وأعرض الشيء: ظهر، وكبَبْتُ زيداً على وجهه، وأكَبَّ زيد على وجهه، وقَشَعَتِ الريحُ السحاب، وأقشعَ السحابُ قال الشاعر:
كما أبْرَقَتْ قَوماً عِطاشاً سَحابة *** فلمَّا رأوها أَقْشَعَتْ وَتَجلَّتِ
2- وفَاعَل: يكثر استعماله في معنيين:
أحدهما: التشارك بين اثنين فأكثر، وهو أن يفعل أحدهما بصاحبه فعلاً فيقابله الآخر بمثله، وحينئذ فيُنسب للبادئ نسبة الفاعلية وللمقابل نسبة المفعولية، فإذا كان أصل الفعل لازماً صار بهذه الصيغة متعدِّياً نحو: ماشيته، والأصل مَشَيْت ومشى، وفي هذه الصيغة معنى المغالبة، ويدل على غلبة أحدهما بصيغة فَعَل من باب نَصَر ما لم يكن واوي الفاء، أو يائي العين أو اللام، فإنه يدل على الغلبة من باب ضَرَب كما تقدَّم، ومتى كان فعلل للدلالة على الغلبة كان متعدِّياً، وإن كان أصله لازماً، وكان من باب نصر أو ضرب على ما تقدَّم من أي بابٍ كان.
وثانيهما: الموالاة، فيكون بمعنى أفعل المتعدي، كواليت الصوم وتابعته، بمعنى أوليت وأتبعتُ بعضه بعضاً.
وربما كان بمعنى فعَّلَ المضعَّف للتكثير كضاعفت الشيء وضعّفته، وبمعنى فَعَلَ، كدافع ودَفع، وسافر وسفَر، وربما كانت المفاعلة بتنزيل غير الفعل منزلته، كـ: {يخادعون اللّه}، جعلت معاملتهم للّه بما انطوت عليه نفوسهم من إخفاء الكفر وإظهار الإسلام، ومجازاته لهم مخادعة.
3- وفَعَّلَ: يكثر استعمالها في ثمانية معان، تشارك أفعل في اثنين منها، وهما التَّعدية، كقوَّمت زيداً وقعَّدته، والإزالة كجَرَّبتُ البعير، وقشَّرْتُ الفاكهة: أي أزلت جربه وأزلت قشرها.
وتنفرد بستة:
أولها: التكثير في الفعل، كجَوَّل وطوَّف: أكثر الجولان والطوفان، أو في المفعول، كغلَّقَتِ الأبواب، أو في الفاعل، كموّتَتِ الإبل، وبرَّكَتْ.
وثانيها: صيرورة شيء شبه شيء، كقوَّس زيدٌ، وحجَّر الطين: أي صار شبه القوس في الانحناء، والحجر في الجمود.
وثالثها: نسبة الشيء إلى أصل الفعل، كفَسَّقْتُ زيداً أو كفَّرته: نسبته إلى الفسق أو الكفر.
ورابعها: التوجه إلى الشيء، كشرَّقتُ أو غرَّبت: توجهت إلى الشرق أو الغرب.
وخامسها: اختصار حكاية الشيء، كهلَّل وسبَّح ولبَّى وأمَّن، إذا قال: لا إله إلاَّ اللّه وسبحان اللّه ولبيك وآمين.
وسادسها: قبول الشيء، كشفَّعت زيداً: قبلت شفاعته.
وربما ورد بمعنى أصله أو بمعنى تفعَّل، كولَّى وتولَّى وفكَّر وتفكَّر. وربما أغنى عن أصله لعدم وروده، كعيَّرَهُ: إذا عابه، وعجَّزَتْ المرأة: بلغت السن العالية.
4- وانْفَعَلَ: يأتي لمعنى واحد هو: المطاوعة. ولهذا لا يكون إلاَّ لازماً ولا يكون إلاَّ في الأفعال العلاجية، ويأتي لمطاوعة الثلاثيّ كثيراً كقطعته فانقطع، وكسرته فانكسر، ولمطاوعة غيره قليلاً، كأطلقته فانطلق وعدلَّته- بالتضعيف- فانعدل، ولكونه مختصاً بالعلاجيات لا يقال: علَّمته فانعلم، ولا فهمته فانفهم.
والمطاوعة هي قبول تأثير الغير.
5- وافْتَعَلَ: اشتهر في ستة معان:
أحدها: الاتخاذ، كاختتم زيد، واختدم: اتخذ له خاتماً وخادماً.
وثانيها: الاجتهاد والطلب، كاكتسب واكتتب: أي اجتهد وطلب الكسب والكتابة.
وثالثها: التشارك، كاختصم زيد وعمرو: اختلفا.
ورابعها: الإظهار، كاعتذر واعتظم: أي أظهر العُذر والعظمة.
وخامسها: المبالغة في معنى الفعل، كاقتدر وارتد: أي بالغ في القدرة والرَّدَّة.
وسادسها: مطاوعة الثلاثيّ كثيراً، كعدلته فاعتدل، وجمعته فاجتمع.
وربما أتى مطاوعاً للمضعَّف ومهموز الثلاثيّ، كقربته فاقترب، وأنصفته فانتصف. وقد يجيء بمعنى أصله لعدم وروده، كارتجل الخطبة، واشتمل الثوب.
6- وافْعلَّ: يأتي غالباً لمعنى واحد، وهو قوة اللون أو العيب، ولا يكون إلاَّ لازماً، كاحمرَّ وابيضَّ واعورَّ واعمشَّ: قويت حُمْرَتُه وبياضُه وعَوَرُه وعَمَشُه.
7- وتَفَعَّل: تأتي لخمسة معان:
أحدها: مطاوعة فعَّل مُضعَّف العين، كنبَّهته فتنبَّه، وكسَّرته فتكَسَّر.
وثانيها: الاتخاذ، كتوسد ثوبه: اتخذه وسادة.
وثالثها: التكلُّف، كتصبَّر وتحَلَّم: تكلف الصَبْرَ والحِلْمَ.
ورابعها: التجنُّب كتحرَّج وتهجَّد: تجنب الحَرَج والهُجود، أي النوم.
وخامسها: التدريج، كتجرَّعت الماء، وتحَفَّظْت العلم: أي شربت الماء جرعة بعد أخرى، وحفظت العلم مسألة بعد أخرى، وربما أغنت هذه الصيغة عن الثلاثيّ لعدم وروده، كتكلَّم وتصدَّى.
8- وتَفَاعَلَ: اشتهرت في أربعة معان:
أحدها: التشريك بين اثنين فأكثر، فيكون كل منهما فاعلاً في اللفظ، مفعولاً في المعنى، بخلاف فاعَلَ المتقدم، ولذلك إذا كان فاعل المتقدم متعدِّياً لاثنين صار بهذه الصيغة متعدِّياً لواحد كجاذب زيد عمراً ثوباً، وتجاذب زيد وعمرو ثوباً، وإذا كان متعدِّياً لواحد صار بها لازماً كخاصم زيد عمار، وتخاصم زيد وعمرو.
وثانيها: التظاهر بالفعل دون حقيقته، كتَناوَمَ وتَغافَلَ وتَعَامَى: أي أظهر النوم والغفلة والعمى، وهي منتفية عنه، قال الشاعر:
ليسَ الغَبِيُّ بسيِّدٍ فِي قَومِهِ *** لكِنَّ سيِّد قَومِهِ المُتَغَابِي
وقال الحريري:
ولما تعامىَ الدهرُ وهو أبو الوَرَى *** عـن الرُّشْدِ في أنحائـه ومَقَاصِـدِهِ
تَعَامَيْتُ حتـى قيلَ إني أخو عَمًى *** ولا غُرْوَ أن يَحْذُو الفَتَى حَذْوُ والِـده
وثالثها: حصول الشيء تدريجاً، كتزايد النيلُ، وتواردت الإبل: أي حصلت الزيادة والورود بالتدريج شيئاً فشيئاً.
ورابعها: مطاوعة فاعَلَ، كباعدته فتباعد.
9- واستفعل: كثر استعمالها في ستة معان:
أحدهما: الطلب حقيقة، كاستغفرت اللّه: أي طلبت مغفرته، أو مجازاً كاستخرجت الذهب من المعدن، سُمِّيت الممارسة في إخراجه والاجتهاد في الحصول عليه طلباً، حيث لا يمكن الطلب الحقيقي.
وثانيها: الصيرورة حقيقة، كاستحجر الطين واستحصن المُهْرُ: أي صار حجراً وحِصاناً أو مجازاً كقوله:
إن البُغاث بأرَضِنا يَستَنْسِرُ ***
أي يصير كالنِّسر في القوة، والبُغاثَ: طائر ضعيف الطيران، ومعناه: إن الضعيف بأرضنا يصير قوياً لاستعانته بنا.
وثالثها: اعتقاد صفة الشيء، كاستحسنت كذا واستصوبته: أي اعتقدت حُسنه وصوابه.
ورابعها: اختصار حكاية الشيء، كاسترجع إذا قال: إنا للّه وإنا إليه راجعون.
وخامسها: القوة، كاستهتر واستكبر: أي قوي هِتْرُه وكِبْرُه.
وسادسها: المصادفة، كاستكرمت زيداً أو استبخلته: أي صادفته كريماً أو بخيلاً.
وربما كان بمعنى أفعَلَ، كأجاب واستجاب، ولمطاوعته كأحكمته فاستحكم، وأقمته فاستقام.
ثم إن باقي الصيغ تدل على قوة المعنى زيادة عن أصله. فمثلاً: اعشوشب المكان، يدل على زيادة عُشْبه أكثر من عَشب، واخشوشن يدل على قوة الخشونة أكثر من خَشُن، واحمارَّ يدل على قوة اللون، أكثر من حَمرُ واحمرَّ، وهكذا.
المصدر : كتاب شذا العرف في فن الصرف