من طرف أحمد الثلاثاء أبريل 07, 2015 2:32 pm
جامع الدروس العربية
(الجامد والمتصرف)
الفعلُ - من حيث أداؤُهُ معنىً لا يتعلَّقُ بزمان، أو يَتعلقُ به - قسمان جامدٌ ومُتصرفٌ.
(لأنه، ان تعلق بزمان؛ كان ذلك داعياً الى اختلاف صوره، لافادة حدوثه في زمان مخصوص. وإن لم يتعلق بزمان، كان هذا موجباً لجموده على صورة واحدة) .
الفعل الجامد
الفعلُ الجامد هو ما أشبهَ الحرفَ، من حيث أداؤه معنًى مُجرَّداً عن الزمان والحدَثِ المُعتبرينِ في الأفعال، فلزِمَ مِثله طريقةٍ واحدةٌ في التعبير، فهو لا يَقبَلُ التحوُّلَ من صورةٍ إلى صورة، بل يلزَمُ صورةً واحدةً لا يُزايِلُها
وذلك مثل "ليسَ وعَسى وهَبَّ ونِعمَ وبِئسَ".
(فالفعل الجامد - كما علمت - لا يتعلق بالزمان، وليس مراداً به الحدث. فخرج بذلك عن الأصل في الأفعال من الدلالة على الحدث والزمان، فأشبه الحرف من هذه الجهة، فكان مثله في جموده ولزومه صيغة واحدة في التعبير. وإذا كان مجرداً عن معنى الحدث والزمان لم يحتج الى التصرف، لان معناه لا يختلف باختلاف الازمنمة الداعي الى تصريف الفعل على صور مختلفة، لأداء المعاني فى أزمنتها المختلفة، فمعنى الترجّي المفهوم من (عسى) ومعنى الذم المفهوم من (بئس) ومعنَى المدح المفهوم من (نعم) ، ومعنى التعجب المفهوم من (ما أشعر زهيراً) ، لا يختلف باختلاف الزمان, لان الحدوث فيها غير مراد ليصح وقوعه في أزمنة مختلفة تدعو إلى تصرفه على حسبها.
فشبه الفعل بالحرف يمنعه التصرف ويلزمه الجمود، كما أن شبه الاسم بالحرف يمنعه أن يتأثر ظاهراً بالعوامل، فلزم آخره طريقة واحدة لا ينفك عنها، إن اختلفت العوامل الداعية إلى تغير الآخر. فالجمود في الفعل كالبناء في الإسم، كلاهما مسبب عن الشبه بالحرف) .
وهو، إما ان يُلازمَ صيغةَ الماضي، مثل "عسى وليسَ ونِعْمَ وبِئس وتبارك اللهُ" (أي تقدَّسَ وتنزَّهَ) ، أو صيغةَ المضارع، مثل "يَهبطُ" (بمعنى يصيحُ ويَضِجُّ) ، أو صيغةَ الأمر، مثل "هَبْ وهاتِ وتعالَ"،
ومثل "هلُمَّ" في لغة تَمِيمٍ.
(هلم - في لغة تميم - فعل أمر، لأنه عندهم يقبل علامته، فتلحقه الضمائر، نحو "هلمي وهلما وهلموا وهلمين". أما في لغة الحجاز فهي اسم فعل أمر لأنها تكون عندهم بلفظ واحد للجميع، فلا تلحقها الضمائر، فتقول "هلم" بلفظ واحد للواحد والواحدة والاثنين والاثنتين والجمع المذكر والمؤنث. وبها نزل القرآن الكريم، قال تعالى "هلم شركاءكم") .
ومن الأفعال الجامدة "قَلَّ" - بصيغة الماضي - للنفي المَحضِ، فترفعُ الفاعلَ مَتلُوًّا بصفةٍ مُطابقةٍ له نحو "قَلَّ رجلٌ يفعلُ ذلك، وَقلَّ رجلانِ يفعلانِ ذلك"، بمعنى "ما رجلٌ يفعلُ ذلك".
(ذكر ذلك السيوطي في "همع الهوامع" غير أن الكثير في استعمالها للنفي إذا كانت ملحقة بما الزائدة الكافة كمنا سيأتي) .
قال سِيبويه "كما في القاموس وشرحهِ"، يقال "قُلُّ رجلٍ (بِضمِّ القاف) وأَقلُّ رجلٍ يقول ذلك إِلاَّ زيدٌ"، أي ما رجلٌ يقوله إِلا هو.
(ومما حينئذ اسمان مرفوعان بالابتداء، ولا خبر لهما، لمضارعتهما حرف النفي. والجملة بعدهما في محل جر صفة للمجرور بالاضافة لهما) .
وإذا لحِقته (ما) الزائدةُ كفَّتهُ عن العمل، فلا يَليه حينئذ إلا فعلٌ. ولا فاعلَ له، لجريانهِ مجرى حرف النفي، نحو "قلَّما فعلتُ هذا، وقَلما
أفعلهُ"، أي ما فعلت، ولا أفعل، ومنه قول الشاعر [من الخفيف]
قَلَّما يَبْرَح اللَّبيبُ، إِلى ما ... يُورِثُ المجدَ، داعياً أو مُجيبا
أي لا يزالُ اللبيب داعياً. وقد يليه الاسم في ضرورة الشعر، كقوله [من الطويل]
صدَدْتِ، فأطوَلتِ الصُّدودَ، وقَلَّما ... وِصالٌ على طُول الصُّدود يَدُومُ
(وقد يراد بقولك "قلما أفعل" اثبات الفعل القليل (كما في الكليات لأبي البقاء) غير ان الكثير استعمالها للنفي الصرف) .
ومما يدل على أنها للنفي المحض أداؤها معنى (لا) النافية في البيت السابق "قلما يبرح اللبيب ... لأن (برح) وأخواتها لا تعمل عمل (كان) الناقصة إلا إذا تقدمها نفي أو شبهه، كما هو معروف. ومما يدل على ذلك أيضاً أنها إذا سبقت فاء السببية أو المعية نصب الفعل بعدهما، كقولك "قلّ رجل يهملُ فينجحَ، ومما يدل على ما ذكر صحة الاستثناء بعدهما كما يستثنى من المنفي نحو "قلما يفعل هذا إلا كريم" - كما تقول "لا يفعله إلا كريم". وهذا اللفظ كما في النهاية - مستعمل في نفي أصل الفعل، كقوله تعالى "قليلا ما يؤمنون". أي فهم لا يؤمنون. ومنه الحديث "إنه كان يقلّ اللغو" أي كان لا يلغو) .
ومثل "قلَّما" في عدم التَّصرُّفِ "طالما وكثُرَ ما، وقَصُرَ ما، وشَدَّ ما فإنَّ (ما) فيهنَّ زادة للتوكيد، كافةٌ لهنَّ عن العمل، فلا فاعلَ لهنَّ. ولا يَليهنّ إلا فعلٌ، فَهُنَّ كقلما.
(قال في لسان العرب "فارقت (طل وقلّ) بالتركيب الحادث فيهما
ما كانتا عليه من طلبهما الأسماء ألا ترى أن لو قلت طالما زيد عندنا، أو قلما محمد في الدار لم يجز. والتركيب يحدث في المركبين معنى لم يكن قبل فيهما" اهـ. وقال ابو علي الفارسي "طالما وقلما ونحوهما افعالٌ لا فاعل لها مضمراً ولا مظهراً، لان الكلام لما كان محمولا على النفي سوّغَ ذلك أن لا يحتاج إليه. و (ما) دخلت عوضاً عن الفاعل" اهـ. وقال بعض العلماء ان (ما) في مثل ذلك مصدرية فما بعدها في تأويل مصدر فاعل. فان قلت "طالما فعلت" كان التأويل "طال فعلي". ولو كان الأمر كما قال لوجب فصلها عن الفعل في الخط، لأنها لا توصل باسم ولا فعل ولا حرف إلا إذا كانت زائدة، إلا ما اصطلحوا عليه من وصلها ببعض حروف الجر. ولم نرهم كتبوها موصولة بهذه الافعال قطّ. فدل ذلك على ما ذكرناه. على ان قوله لا يخلوا من رائحة الصحة، لأن ما بعدها صالح للتأويل بالمصدر) .
ومن الأفعال الجامدة قولهم "سُقِط في يده" بمعنى "نَدِم، وَتحيَّرَ، وزلَّ، وأخطأ". وهو مُلازمٌ صورةَ الماضي المجهول، قال تعالى "ولَمَّا سُقِطَ في أيديهم". وقد يُقال "سَقَط في يده"، بالمعلوم.
(وهذا من باب الكناية لا الحقيقة. ويقال لكل من ندم أو تحير أو عجز أو حزن أو تحسر على فائت من فعل أو ترك "قد سقط فى يده". وهذا الكلام لم يسمع قبل القرآن الكريم، ولا عرفته العرب. كما في شرح القاموس نقلا عن هذا الباب) .
ومنها "هَدَّ" في قولهم "هذا رجُلٌ هَدَّكَ من رجل" أى كفاك من رجل. وقيل معناه أثقلَكَ وصفُ محاسنه. وقال الزمخشري في الأساس "هذا رجلٌ هَدَّكَ من رجلٍ". إذا وُصِفَ بِجَلدٍ وشدَّةٍ، أي "غَلبك وكسرك". وهو يُثنى ويُجمَعُ ويُذكّر ويُؤنث، إذا كان ما هو له كذلك،
تقول "هذا رجلٌ هدَّك من رجل. وهذه امرأةٌ هَدَّتكَ من امرأَة"، كما تقول "كفاك وكفَتْك" وقِسْ على ذلك أمثلةَ المثنى والجمع.
(ومن العرب من يُجريه مجرى المصدر الموصوف به، فيجعله مصدراً لهدّ يهد هدّاً. وإذا كان كذلك بقي بلفظ واحد للجميع. ويتبع ما قبله في اعرابه على أنه نعت له - تقول "هذا رجل هدّك من رجل" (بالرفع) ، و"مررت بأمرأة هدك من امرأة" (بالجر) و"أكرمت رجلين هدّك من رجلين" (بالنصب) . كما تقول "هذا رجل حسبك من رجل" (بالرفع) و"مررت بامرأة حسبك من امرأة" (بالجر) ؛ و"أكرمت رجلين حسبك من رجلين (بالنصب) .
ويُقالُ "لَهَدَّ الرجل"، للمدحِ، بمعنى "نِعْمَ"، وذلك إذا أُثنيَ عليهِ بجَلدٍ وشِدَّة. ويقال "لَهَدَّ الرجلُ! "، للتَّعجُّب، بمعنى "ما أجلَدَه! " وفي الحديث "إن أَبا لهَبٍ قال لَهَدَّ ما سَحَركم صاحبُكم! "، أراد التعجُّبَ. واللاَّم فيها للتأكيد.
(وفي (الفائق) للزمخشري عند شرح هذا الحديث إن معناه لنعم ما سحركم، وفي (النهاية) لابن الأثير إن معناه التعجب. قال"لهدّ" كلمة يتعجب بها يقال لهدّ الرجل! أي ما أجلده. ثم ذكر أنها تكون ايضاً بمعنى "نعمَ" وفي لسان العرب وتاج العروس نحو ذلك. وكونها هنا للتعجب أقرب إلى واقعة الحال، لأن أبا لهب (تبت يداه) إنما يتعجب من مصيرهم وجلدهم على تصديقهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما جاءهم به، حتى زعم أنه قد سحرهم، فكأنه قال ما أصبركم وما أجلدكم على سحر صاحبكم إِياكم) .
ومن الأفعال الجامدة "كذَبَ"، التي تُستعمَلُ للاغراءِ بالشيء والحث عليه، ويرادُ بها الأمر به ولزومهُ وإِتيانُهُ، لا الإخبارُ عنه. ومنه قولهم
"كذَبك الأمرُ، وكذَبَ عليك". يُريدونَ الإغراءَ به والحملَ على إتيانه، أي عليكَ به فالزَمهُ وائتهِ، وقولهم "كذبَك الصَّيدُ أي أَمنك فارْمِه. وأصلُ المعنى كذبَ فيما أَراكَ وخدَعكَ ولم يَصدُقك، فلا تُصدِّقه فيما أَراك، بل عليك به والزَمه وائته. قال ابن السّكَّيت "تقول للرجل إذا أَمرتهُ بشيءٍ وأَغريتهُ. كذَبَ عليك كذا وكذا، أي "عليك به، وهي كلمةٌ نادرة"اهـ.
ثم جرى هذا الكلامُ مَجرى الأمر بالشيء والإغراء به والحثِّ عليه والحضِّ على لزومه وإِتيانه، من غير التفاتٍ إلى أصل المعنى، لأنه جرى مَجرى المثل، والأمثالُ لا يُلاحَظُ فيها أصلُ معناها وما قيلتْ بسَببه، وإنما يُلاحظُ فيها المعنى المجازيُّ الذي نُقِلت إليه وأشرِبتهُ.
(وهذا الكلام، إما من قولهم "كذبته عينه"، أي أرته ما لا حقيقة له. كما قال الأخطل [من الكامل]
كذَبَتْكَ عَيْنُكَ؟ أَم رأَيتَ بِواسطٍ ... غَلَسَ الظلاَمِ من الرَّبابِ خيالاً
(وإما من قولهم "كذَب نفسه، وكذبته نفسه". إذا غرّها أو غرته، وحدثها او حدثته بالأماني البعيدة والأمور التي يبلغها وسعه ومقدرته. ومنه قيل النفس "الكذوب"، وجمعها "كُذُب" - بضمتين - قال الشاعر "حتى إِذا صدقته كُذبه"، أي نفوسه، جعل له نفوساً لتفرّق رأيه وتشتته وانتشاره. وقالوا ضد ذلك "صدقته نفسه" أي ثبطته واضعفت عزيمته كما قال الشاعر [من المتقارب]
فأقبَلَ يجري على قَدرِهِ ... فَلَما دَنا صَدَقتْهُ الكَذُوبُ
أي فلما دنا من الامر الذى وطد عزيمته عليه ثبطته نفسه وكسرت من همته وقال لبيد [من الرمل]
واكْذِب النَّفْسَ، إِذا حَدَّثْتَها ... إِنّ صدْقَ النَّفْسِ يُزْري بالأَمَلْ
(والمعنى نشطها وقوِّها ومَتّنْها، ولا تثبطها، فانك، إن صدقتها، (أي ثبطتها وفترتها) كان ذلك داعياً إلى عجزها وكلالها وفتورها، خشية التعب في سبيل ما أنت تريده) .
ومن ذلك حديثُ "فمنِ احتجمَ، فيومُ الخميس والأحدِ كذَباك، أي عليك بهذين اليومين، فاحتجمْ فيهما.
ومنه قولُ أعرابيّ، وقد نظرَ إلى جمل نِضْو كذبَ عليك البزْرُ والنَّوى، وفي رواية "القَتُّ والنَّوى"، أي عليك بهما والزَمهما فإنهما يُسمّنانِكَ. وفي حديث عُمَرَ "شَكا إليه عَمْرو بنُ مَعد يكرِبَ، أوغيرهُ، النّقْرِسَ فقال "كذَب عليك الظهائرُ"، أي عليك بالمشي فيها. وفي روايةٍ "كذَب عليك الظواهرُ". وفي جديثٍ له آخر إنَّ عَمْروَ بنَ مَعد يِكرِب شكا إليه المَعَص، فقال "كذَبَ عليك العَسَلُ"،
يُريدُ العَسلانَ، (وهو مشى الذِّئبِ) أي عليك بِسُرْعة المشي. وفي حديثٍ له غيرِه أنهُ قال كذَب عَليكمُ الحَجُّ، كذب عليكم العُمْرةُ، كذب عليكُم الجِهادُ، ثلاثةُ أسفارٍ كذبْن عليكم" أي الزمُوا ذلك وعليكم به.
(وهذا كلام يراد به الاغراءُ بالشيء والحث عليه ولزومه، كما قدمناه، وهو خبر في معنى الأمر، كما في قولك "رحمه الله" أي اللهم ارحمه، ونحو "امكنتك الفرصة، وأمكنك الصيد، يريد الاغراءُ بهما والأمر باتيهانهما. والمعنى عليكم بالحج والعمرة والجهاد، فأتوهن، فانهن واجبات عليكم. قال الزمخشري في (الفائق) (إنها كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم. ولذلك لم تنصرف، ولزمت طريقة واحدة في كونها فعلا ماضياً معلقاً بالمخاطب ليس إلا. وهي في معنى الأمر، كقولهم في الدعاء رحمك الله، والمراد بالكذب الترغيب والبعث، من قول العرب كذبته نفسه إذا منته الأماني، وخيلت من الآمال ما لا يكاد يكون. وذلك ما يرغب الرجل في الأمور، ويبعثه على التعرض لها. ومن ثمة قالوا للنفس "كذوب" اهـ. وقال (الاعلم) العرب تقول "كذبك التمر واللبن"، أي عليك بهما. وأصل الكذب الامكان. وقولك للرجل "كذبتَ" أي امكنت من نفسك وضعفت فلهذا اتسع فأغريَ به، لأنه متى أغريَ بشيء فقد جعل المغرى به ممكناً مستطاعاً إن رامه المغري"اهـ. وقال الجوهري "كذب" معناه هنا وجب.
وقد ذكرنا لك من قبل ما فيه الكفاية في الكشف عن حقيقة هذا الكلام. فاعتصم به فانه يقول هو القول. فلا غاية وراءَه والله اعلم) .
ومن الأفعال الجامدة فِعلا التَّعجُّبِ وأفعالُ المدْحِ والذَّمّ وسيأتي الكلام عليها
الفعل المتصرف
الفعلُ المتصرِّف هو ما لم يُشبِه الحرفَ في الجُمود، أي في لُزومه طريقةً واحدةً في التعبير لانه يدُلُّ على حَدث مقترن بزمان، فهو يَقبَل التحوُّلَ من صورة إلى صورة لأداءِ المعاني في أزمنتها المختلفة. وهو قسمان
تامُّ التصرُّف وهو ما يأتي منه الأفعال الثلاثةُ باطِرادٍ، مثل
"كتبَ ويكتُبُ واكتُبْ". وهو كلُّ الأفعال، إِلا قليلا منها.
ونَاقصُ التَّصرُّفِ وهو ما يأتي منه فعلانِ فقط. إما الماضي والمضارع، مثل "كادَ يَكادُ، وأوشكَ يُوشكُ، وما زالَ وما يزالُ، وما انفكَّ وما ينفكُّ، وما بَرِحَ وما يَبرحُ". وكلُّها من الأفعال الناقصة. وإما المضارع والأمر، نحو "يَدَعُ ودَعْ ويَذَرُ وذَرْ".
(وقد سمع سماعاً نادراً الماضي من "يَدَعُ ويذَرُ"، فقالوا (ودَع ووَذر) ، بوزن (وضع) ، إلا ان ذلك شاذ في الاستعمال، لأن العرب كلهم، إلا قليلا منهم، فقد اميت هذا الماضي من لغاتهم. وليس المعنى انهم لم يتكلَّما به البتة، بل قد تكلموا به دهراً طويلا، ثم أماتوه باهمالهم استعماله فلما جمع العلماء ما وصل إليهم من لغات العرب وجدوه مماتاً، إلا ما سمع منه سماعاً نادراً. ومن هذا النادر حديث "دَعوا الحبشة وما وَدَعوكم". وقرئ شذوذاً {ما ودّعك ربك وما قلى} ، بتخفيف الدال. وسمع المصدر، من (يدعُ) كحديث "لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات"، أي عن تركهم إياها، وسمع منها اسم الفاعل واسم المفعول في أبيات الشعر وكل ذلك نادر في الاستعمال.
وذكر السيوطي في (همع الهوامع) . أن (ذر ودع) يُعدان في الجوامد، إذ لم يستعمل منهما إلا الأمر. وهذا غفلة منه (رحمه الله) فإن
(يدع) مضارع (دع) مستعمل كثيراً. وأما المضارع من (ذر) فقد جاء مستفيضاً في أفصح الكلام وأشرفه وقد أحصيت ما ورد منه في القرآن الكريم، فكان عشرين ونيفاً) .