قال ابن قدامة (حنبلي) رحمه الله :
" والحيوان قسمان : نجس وطاهر .
فالنجس نوعان : أحدهما ما هو نجس , رواية واحدة , وهو الكلب , والخنزير , وما تولد منهما , أو من أحدهما , فهذا نجس , عينه , وسؤره , وجميع ما خرج منه , روي ذلك عن عروة , وهو مذهب الشافعي , وأبي عبيد , وهو قول أبي حنيفة في السؤر خاصة .
وقال مالك , والأوزاعي , وداود : سؤرهما طاهر , يتوضأ به ويشرب , وإن ولغا في طعام لم يحرم أكله .
النوع الثاني : ما اختلف فيه , وهو سائر سباع البهائم , إلا السنور وما دونها في الخلقة , وكذلك جوارح الطير , والحمار الأهلي والبغل ; فعن أحمد أن سؤرها نجس , إذا لم يجد غيره تيمم , وتركه . وروي عن ابن عمر : أنه كره سؤر الحمار . وهو قول الحسن , وابن سيرين , والشعبي , والأوزاعي , وحماد , وإسحاق .
وعن أحمد رحمه الله : أنه قال في البغل والحمار : إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه . وهو قول أبي حنيفة , والثوري . وهذه الرواية تدل على طهارة سؤرهما ; لأنه لو كان نجسا لم تجز الطهارة به وروي عن إسماعيل بن سعيد : لا بأس بسؤر السباع ; لأن عمر قال في السباع : ترد علينا , ونرد عليها . ورخص في سؤر جميع ذلك الحسن , وعطاء , والزهري , ويحيى الأنصاري , وبكير بن الأشج , وربيعة , وأبو الزناد , ومالك , والشافعي , وابن المنذر ...
والصحيح عندي : طهارة البغل والحمار ; لأن النبي كان يركبها , وتركب في زمنه , وفي عصر الصحابة , فلو كان نجسا لبين النبي ذلك ; ولأنهما لا يمكن التحرز منهما لمقتنيهما . فأشبها السِّنَّوْر , وقول النبي (إنها رجس) . أراد أنها محرمة , كقوله تعالى في الخمر والميسر والأنصاب والأزلام إنها (رجس) , ويحتمل أنه أراد لحمها الذي كان في قدورهم , فإنه رجس , فإن ذبح ما لا يحل أكله لا يطهره .
القسم الثاني : طاهر في نفسه , وسؤره وعرقه , وهو ثلاثة أضرب :
الأول : الآدمي , فهو طاهر , وسؤره طاهر , سواء كان مسلما أم كافرا , عند عامة أهل العلم , إلا أنه حكي عن النخعي أنه كره سؤر الحائض .
الضرب الثاني : ما أكل لحمه ; فقال أبو بكر ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن سؤر ما أكل لحمه يجوز شربه , والوضوء به .
الضرب الثالث : السِّنَّور [ الهرة] وما دونها في الخلقة ; كالفأرة , وابن عرس , فهذا ونحوه من حشرات الأرض سؤره طاهر , يجوز شربه والوضوء به . ولا يكره . وهذا قول أكثر أهل العلم ; من الصحابة , والتابعين , من أهل المدينة , والشام , وأهل الكوفة أصحاب الرأي , إلا أبا حنيفة , فإنه كره الوضوء بسؤر الهر , فإن فعل أجزأه "
"المغني" (1/ 43- 45).