نهاية الملكية العراقية - الجزء الثالث
مصرع نوري السعيد
بعد سماع نوري باشا السعيد للتفاقم المتلاحق الاحداث بعد اعلان الجمهورية والتي لم تمنحه الوقت الكافي لاللمقاومة ولاللهرب ، الا انه حاول الاختباء ولمدة يومين كاملين تمهيدا للهرب ومقاومة النظام الجديد كما فعل عند قيام حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 . عرف نوري السعيد بمقدم قوة عسكرية من المهجمين بغرض القاء القبض عليه ، وتنكر بزي امرأة ليتمكن من العبور من بين المهاجمين والحشود الملتفة حولهم ، استقل سيارة انطلق بها إلى إلى منطقة الكاظمية لاجئا لبيت صديقه الحاج محمود الاستربادي التاجر الكبير وعميد عائلة الاستربادي المعروفة ، كما فعلها سابقا بعد ثورة 1941 حيث لجأ نوري السعيد إلى بيت الحاج محمود الاستربادي خلال حركة رشيد عالي الكيلاني التي ساعدته على الانتقال خارج بغداد إلى محافظة العمارة وانتقل من هناك إلى خارج العراق مع الوصي عبد الاله ليتدبروا اسقاط حكومة الثورة يومذاك .
وبعد جلاء الموقف امام القادة الجدد ادكوا مخاوفهم بان هرب نوري السعيد المعروف بدهائه وحنكته سيسبب لهم مصاعب جمة وربما باسلوبة واطلاعه على خبايا الامور سيقنع الانجليز بالاطاحة بالحكم الجمهوري الجديد. في مساء 14 يوليو/ تموز اعلن القائد المنفذ للحركة عبد السلام عارف مكافئة مالية للقبض على السعيد ، وبعد يوم من ذلك قام من جانبه عبد الكريم قاسم زعيم الحركة ورئيس وزرائها بتكرار اعلان ذلك ، وتوالت اعلانات هرب نوري السعيد بشكل هستيري من خلال بيانات اذاعتها وزارة الداخلية من دار الاذاعة العراقية مما وجه اهتمام الشارع نحو البحث عن السعيد بشكل تراجيدي محموم ، واسقطت من يد السعيد كل محاولات اللاختباء والهرب وبدأت تضيق الدائرة حول تحركاته ، كان هدفه ان لا يبقى مختبئا بل الفرار إلى خارج العراق ليتدبر امر مقاومة النظام الجديد. ففي يوم 16 يوليو/ تموز انطلق على وجه السرعة تاركا خلفه بيت الاسترابادي في محاولة منه للتقدم بخطوة للامام نحو خارج العراق متوجها نحو بيت الشيخ محمد العريبي عضو مجلس النواب وأحد المقربين في منطقة البتاويين وسط بغداد التي كانت تأن الفوضى التي تعج بها جراء سقوط النظام الملكي وانهيار الدولة ، حيث امتزجت فيها مشاعر الفرح بنجاح الحركة واعلان الجمهورية بالحزن جراء اعمال العنف والقتل العشوائي من قبل الدهماء والغوغائيين والاحزاب الشيوعية التي اخذت تمارس القتل المنظم بسحل معارضيها في الشوارع . توجه السعيد على عجل إلى البتاويين تعرف اليه أحد الشبان في منطقة الكاظمية وهو يروم الركوب في السيارة بعد ان انكشفت ملابسه التنكرية ، ابلغ الشاب السلطات بتزويدها برقم السيارة المنطلقة. وبعد اجتياز عدد من الحواجز والطرقات الفرعية بصعوبة جمة ، وصل إلى بيت البصام وتصحبه الحاجة زوجة الحاج محمود الاستربادي للدلاله ، وبعد ترجله من السيارة تعرفت المفارز الامنية على السيارة فتمت ملاحقته وما لبث ان تطورت المواجهة إلى اشتباك بالاسلحة الخفيفة بين نوري السعيد وعناصر القوة الامنية حيث اصابت رصاصة طائشة اثناء تبادل اطلاق النار, السيدة الاسترابادي واردتها قتيلة ، في حين حوصر السعيد ولم يتمكن من دخول البيت او الهرب عبر الازقة المجاورة ، وهنا اختلفت الروايات حول مصرع الباشا فاحدى الروايات تذكر بانه اقيب بعدد من الاطلاقات من قبل أحد عناصر القوة المهاجمة والتي ادت إلى وفاته ، وتذكر رواية اخرى وردت في مذكرات الدكتور صالح البصام أحد اصدقاء نوري السعيد الشخصيين ، بانه عندما وجد نفسه محاصرا وان مصيره سيكون مشابه لمصير الامير عبد الاله فانه اطلق على نفسه رصاصة الرحمة ، كي لايعطي فرصة لخصومة بالامساك به واهانته وتعذيبه.
وهنالك رواية اخرى ضعيفة اوردها وصفي طاهر المرفقة الياور لنوري سعيد والذي يعد من المقربين لعبد الكريم قاسم وذو الميول الماركسية بانه وعندما وصل اسماع الحكومة بانه تم العثور على نوري السعيد ارسلت وزارة الدفاع مفرزة عسكرية بامرة العقيد وصفي طاهر للتحقق من ذلك, وعند وصول المفرزة اطلق النار عليه ، وكانه كان بانتظارهم طوال فترة وصول المعلومات للقيادة ومن ثم تجهيز المفرزة والذهاب إلى البتاويين البعيدة عن وزارة الدفاع ومن ثم الاستدلال على مكان الاشتباك, ويورد بعض الشهود من المتجمهرين بانه وعندما وصل وصفي طاهر كان نوري السعيد قد مات منذ فترة وقام طاهر باطلاق بعض الاعيرة النارية ابتهاجا بمصرع الباشا على مكان الحادث بضمنها جثة السعيد. وضعف هذه الرواية يكمن في ان وصفي طاهر كان الياور المرافق لنوري سعيد حتى قيام الجمهورية وبعد ترنح النظام الملكي وبوادر انتهائه تقرب للضباط الوطنيين وخصوصا عبد الكريم قاسم الذي عرف قبل حركة 1958 بانه كان يلف حوله مجموعة من العناصر الشيوعية من مدنيين وعسكريين . وبقي طوال حكم قاسم مقربا منه وعينه المدعي العام للمحكمة العسكرية الخاصة مع ابن خالته ذو الاتجاه الشيوعي المقدم فاضل المهدوي رئيس المحكمة, والذين اعدموا جميعاً في حركة 8 قبراير/ شباط 1963 .