نهايه الملكية العراقية - الجزء الرابع
مصير اركان الحكم الملكي والمحكمة الخاصة
أصدر رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم قرارا بتشكيل المحكمة العسكرية العليا الخاصة لمحاكمة النظام الملكي ورموزه والتي سميت لاحقا بمحكمة الشعب او محكمة المهداوي نسبة لرئيسها المقدم فاضل عباس المهداوي ابن خالة قاسم ، وكانت النخب المثقفة وقطاعات كبيرة من الشعب تنتظر محاكمة سياسية ، أي المجيء برموز النظام الملكي والدخول معهم في جدل وحساب على جميع مواقف النظام الملكي الذي كان يمثل العراق يوما من الايام ومن خلال ابراز الوثائق والادلة الثبوتية والشهود, لكي يعي الشعب والرأي العام او قل الضمير العام بحقائق الامور وملابسات القرارات السياسية منذ تاسيس المملكة العراقية وحتى زوالها ولكي يعي الجميع وبضمنهم الحكام الجدد الاخطاء والخطايا التي لايمكن ان ينساها التاريخ .
الا ان المحكمة التي شكلت لم تكن بالمستوى الفكري والمهني المطلوب وبدلا عن ان تكون محكمة تاريخية سياسية لتلك الحقبة ، اصبحت وللاسف منبرا للتعسف واستخدام الاساليب القهرية في استجواب المتهمين واهانتهم بالشتائم والسباب وامام شاشات التلفزيون الني كانت تبث على الهواء مباشرة . وقد انحدرت المحكمة بشكل خطير من خلال اساليب الاستجواب التي خرقت من خلالها كل مواثيق حقوق الانسان حيث كانت اساليب التعذيب المختلفة تجري على قدم وساق وجيء بعدد من المتهمين لقفص الاتهام وهم محمولون على النقالات الطبية من هول ما لاقوه من تعذيب وقمع ، ووصل الامر إلى حد اغتصاب بعض المتهمين من الرجال ، وفي احدى اللقاءات كان يوصي رئيس المحكمة مساعديه المترددين باستجواب المتهمين من امريهم الارفع رتبة احتراما لهم او تقديرا لذكريات العشرة والصداقه ، فكان يصرح رئيس المحكمة بانه اوصى مساعديه بان لايابهوا بهؤلاء "الخونه" وعليهم التخلص من عقدة الخوف منهم بسبهم ولعنهم لكي تسقط صورتهم القديمة من مخيلتهم !
بهذه العقلية كانت تدار المحاكمات التي اضحت حلبة للتهريج ، والتي نددت بها جهات قضائية عديدة في العالم ولجان حقوق الانسان علاوة على الصحافة العربية والعالمية.وربما كان السبب في اخفاق المحكمة العليا العسكرية الخاصة في الاداء بمهامها هو طاقم المحكمة من رئيسها إلى المستشارين إلى الادعاء العام إلى اساليب الاستجواب والاستدعاء. فالمقدم فاضل عباس المهداوي لم يكن في الاساس قاضيا ولا يحمل أي شهادة اكاديمية في القانون كما ان خبرته العسكرية قليلة كونه رائد كان قد رقي قريبا إلى مفدم كما ان ملفته في إدارة الضباط لاتشير له بالكفاءة وحسن السلوك فكانت تقارير التقييم نصف السنوية من امرية تشير إلى اهماله وتعاطيه المسكرات بكثرة كما كانت اه ميول واعجاب ببعض الشخصيات الماركسية ، الا انه لم تعرف له أي انتماءات سياسية او حزبية الا بعد نجاح الحركة حيث بدأ علنا يظهر من اعضاء الحزب الشيوعي. وعند صدور امر اعدامه بعد حركة 8 فبراير / شباط 1963 طلب منه اثناء تنفيذ الحكم بنطق الشهادة ، فردد بدلا عن الشهادة " يعيش الحزب الشيوعي". وكذلك الحال مع بقية طاقم المحكمة التي سيطر عليها صغار الشيوعيين واثروا على قراراتها ومصداقيتها ، كالادعاء العام ماجد محمد امين وغيرهم .
عقدت المحكمة اولى جلساتها لمحاكمة الفريق الركن غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة وصدر عليه حكم الاعدام مع تسعة ضباط آخرين والذي خفف عنه الحكم لاحقا ، ثم تمت محاكمة الدكتور فاضل الجمالي وزير الخارجية والذي اهين وعذب قبل محاكمته ونشرت الصحف يومذاك صوا له وهو في حاله يرثى لها داخل زنزانته . ثم توالت المحاكمات للعسكريين والمدنيين المحسوبين على النظام الملكي ، ثم جيء بموظفين اداريين لاذنب لهم سوى انهم كانوا يعملون موظفين في موسسات النظام الملكي وحكموا باحكام مختلفة. ثم مالبث ان تبدلت مهمة هذه المحكمة من محاكمة رموز النظام الملكي إلى وسيلة لتصفية الخصوم السياسيين من ضباط الحركة اعضاء تنظيم الضباط الوطنيين" اوالاحرار" .
الانقلاب الخفي على تنظيم الضباط الاحرار وتفرد قاسم عام 1959 تم محاكمة الرجل الثاني في الدولة عبد السلام عارف بتهمة الشروع بقلب نظام الحكم عند مجيئة لبغداد على اثر مرض والدة والذي توفي على اثره حيث دحض عارف هذه التهم مبرزا البرقية التي بعثها له اخيه عبد السميع حول ضرورة مجيئه الفوري بسبب مرض والده ، ثم تمت محاكمة مجموعة العقيد الشواف الذي حاول التمرد على الحكومة في الموصل ولقي حتفه في المواجهات المسلحة وحوكم من معه بالاعدام والسجن حسب دورهم في التمرد. وقد زج معهم العديد من الخصوم السياسيين بغية التصفية السياسية اهمهم مجموعة العميد الركن ناظم الطبقجلي ثم المحاكمة المثيرة للجدل للشخصية الوطنية رئيس الوزراء الاسبق ورشيد عالي باشا الكيلاني. وقد هزت تصرفات المحكمة مصداقية النظام الجمهوري الجديد وشوهت صورته وكانت مؤشرا لمرحله جديدة من الصراع بين التيارات السياسية المختلفة داخل النظام الجديد والتي انتصر في جولتها الاولى عبد الكريم قاسم ضد خضومة من اعضاء تنظيم الضباط الوطنيين وعلى راسهم عبد السلام عارف وناظم الطبقجلي ومجموعة عبد الوهاب الشواف ثم رشيد عالي باشا الكيلاني. وكانت المحكمة تمثل تيار عبد الكريم قاسم وهو يصفي خصومة من التيارات المعارضة من خلال جلساتها .المراجع
• د.جلال النعيمي :حكام العراق .
• عبد الرزاق أحمد النصيري، نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية حتى عام 1932، بغداد: مكتبة اليقظة العربية, 1988, ص9.
• في الذكرى 47 لثورة 14 تموز 1958. ابن شقيقة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم . المجلة.
• دراسة في حركة الضباط الأحرار في العراق 1948-1958 . د. عقيل الناصري . ميدل ايست اونلاين . • مذكرات وأسرار هروب نوري السعيد . د. صالح البصام. دار الانتشار العربي في بيروت 2005 .
• " تشريع قانون للأحوال الشخصية يوم استبد بالحكم طاغية تلاعب بشريعة الله سبحانه " . مذكرة العلماء الشيعة إلى عبد السلام عارف . المركز الوثائقي لتراث أهل البيت ع 2/2/1964 .
• صفحات مطوية من تاريخ العراق السياسي . كاظم السعدي. البينة صحيفة تصدر عن حزب الله في العراق .
• كرونولوجيا ثورة أيلول الكردية 1961-1975. صلاح برواري .موقع نوروز 12/10/2004 . • الأحزاب السياسية في العراق السرية والعلنية . د. هادي حسن عليوي . دار رياض الريس للنشر/ بيروت .
• الجيش والدولة في العراق. سامح رشيد القبج.
• من هو عبد الكريم قاسم . ريــاض الحسيني .
• الاستاذ محمد حسنين هيكل . سيرة حياة . قناة الجزيرة الفضائية.
• عارف عبد الرزاق برنامج شاهد على العصر. قناة الجزيرة الفضائية.
• رئيس الاركان اللواء فؤاد عارف. برنامج ذاكرة. قناة الشرقية الفضائية.
• صفحات من تاريخ العراق مع كمال مظهر. برنامج ذاكرة. قناة الشرقية الفضائية.
• د.عدنان الباجه جي . برنامج ذاكرة. قناة الشرقية الفضائية.
• تايه عبد الكريم. برنامج ذاكرة. قناة الشرقية الفضائية.
• عبد الكريم هاني. برنامج ذاكرة. قناة الشرقية الفضائية.
• حتى لا ننسى ثورة 8 شباط المباركة. د. فاضل بدران.
• قيام الجمهوريةالعراقية - لعبة الأمم .
• مذكرات الزعيم ناظم الطبقجلي.
• مذكرات حازم جواد.
• عبد الرحمن منيف، أرض السواد ، تاريخ العراق الحديث.
• محمد أنيس: الدولة العثمانية والشرق العربي 1514-1914 – مكتبة الأنجلو – القاهرة – بدون تاريخ.
• قدري قلعجي: الثورة العربية الكبرى – بيروت – الطبعة الأولى – 1993م.
هاني حسن عليوي: الاتجاهات الوحدوية في الفكر القومي العربي المشرقي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – 2000م.
• عمر عبد العزيز عمر: تاريخ المشرق العربي 1516-1922 – دار النهضة العربية – بيروت – بدون تاريخ.
• هروب نوري السعيد, فيصل حسن ، 2005, دار الانتشار العربي سمعان بطرس: العلاقات السياسية الدولية في القرن العشرين ـ مكتبة الأنجلو المصرية- الطبعة الثانية – 1980م.
• حكمت فريحات: السياسة الفرنسية تجاه الثورة العربية ـ دار الراتب الجامعية الأردن ـ بدون تاريخ.
أمين سعيد: الثورة العربية الكبرى ـ مكتبة مدبولي ـ القاهرة . • مجموعة مؤلفين: دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة ـ دار اقرأ ـ بيروت ـ الطبعة الثانية 1984.
• توفيق السويدي، مذكراتي: نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية، بيروت: دار الكاتب العربي، 1969، ص 320-321.
• أحمد الشقيري، 40 عاماً في الحياة العربية والدولية، بيروت، دار النهار، 1969، ص 190-191.
• محمود شبيب، أسرار عراقية في وثائق إنكليزية وعربية وألمانية 1918-1941، بغداد: مطبعة سلمى، 1977، ص 129.
•سعاد رؤوف شير محمد، نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية حتى عام 1945، مصدر سبق ذكره، ص 203.
حسين الخزاعي (الفوهرر) - العراق