نبذة عن آداب وادي الرافدين القديم ...
بعد ان قضى الانسان الشطر الاعظم من حياته في اطوار التوحش , فيما يسمى بعصور ماقبل التاريخ ( التي استغرقت نحو 99 % من حياة الانسان والتي تقدر بنحو مليوني عام ) , دخلت البشرية في اخطر تجربة وامتحان لها وذلك بانتقالها الى طور الحضارة المدنية الناضجة ... وقد تحقق ذلك على يد سكان وادي الرافدين بانتقالهم من عصور ماقبل التاريخ في أواخر الالف الخامس ق.م. الى حياة الحضارة والمدينة بمختلف عناصر الحضارة الاساسية المميزة كظهور المدن وانظمة الحكم والكتابة والتدوين والقوانين المنظمة للحياة الاجتماعية والفنون المختلفة والآداب , والممارسات الدينية ومؤسساتها العامة كالمعابد والكهنة , واسس العلوم والمعارف , والممارسات التقنية واجهزة الري والزراعة , وبداية السيطرة على البيئة وتسخير امكانياتها .. وكانت هذه اول انجازات البشرية وصدرتها للعالم والى يومنا هذا ..
وعند ذلك شرع انسان وادي الرافدين ينظر في هذا الكون العجيب ويفكر في الحياة الاجتماعية الجديدة ومعانيها وقيمها , فاخذ يعبر عن تصوراته وافكاره والانطباعات التي تركتها فيه . وسلك في تعبيره عن هذه الامور سبلاً مختلفة , فتارةً كان ينظر الى الاشياء نظرة موضوعية ليستفيد من امكانياتها ويسخرها له , فنشأت عنده اسس العلوم والمعارف والاساليب التقنية ... وتارةً اخرى كان ينظرلى ااشياء نظرة خيالية او اسطورية فيعبر عن مظاهر الكون والحياة تعبيراً فنياً خلّفه على هيئة قطع فنية او ادبية سميت رسماً او نحتاً او قصة اسطورية او ملحمة .
لم تتجاوز معرفة الانسان الحديث بهذه الحقائق المدهشة في تاريخ تطور النوع الانساني الا في منتصف القرن الماضي , اي زهاء القرن وربع القرن تقريباً , حيث بدأت التنقيبات والتحريات عن باقيا المدن القديمة .... فكان اروع اسهام للحضارة الحديثة وفي تقدم المعارف البشرية وهي الكشوفات المهمة التي حققها علم الاثار واحدثت انقلاباً خطيراً في معرفة الانسان بتاريخه وغسل جميع الرواسب وجلي جميع الصدأ الذي كان على فكر الانسان عن اشياء كان يعتقد بها والتي اتت اليه من جيل الى اخر واصبحت مع مرور الاجيال معتقدات او قوانين يؤمنون بها يؤمنون بما هو ليس لهم او ليس موجود اصلاً ... كذلك تغيرت آراء الباحثون والمؤرخون التي كانت تعتمد على بقايا حضارت امم اخرى وتنسب لها تطور الفرد البشري وجذوره ...فقد كان الباحثون الغربيون يحصرونها تقريباً في تراث الحضارة اليونانية وعلى انها اساس كل شئ واساس التمدن والحضارة الاولى وان كثير من تلك الحضارت القديمة لم يكن يعرف عنها شئ حتى اسمائها .... وجاء الدليل والبرهان من باطن ارض العراق العظيم الذي اخرس جميع العالم قاطبةً لتغير مجرى التاريخ البشري باجمعه , وحددت اين كانت الحضارة الاولى واين كان الانسان الاول ومن هم الذين لهم الفضل الكبير على العالم والى يومنا هذا ... وكيفية المراحل المختلفة التي مربها ذلك التطور العظيم .
ولهذا اجمع الباحثون والمؤرخون ان اقدم الحضارات التي اكشفت عنها الاثار هي حضارة وادي الرافدين ... والتي كانت اساس واصل حضارة وادي النيل
أقدم أدب عرفته البشرية هو أدب حضارة وادي الرافدين /
ان ادب وادي الرافدين القديم هو اقدم ادب عرفه العالم القديم والحديث او يكون اساس واصل الادب العالمي باجمعه , ولكي يتحقق ما قلته لابد لي من مقارنة ادبنا باداب الحضارت القديمه ونرى من هو اقدمها وكيفية مواضعيه .... فعلى الرغم من ان معظم الالواح المدونه بالادب السومري والبابلي مما جاء الينا لا يتجاوز عهد تدوينه من الالف الرابع ق.م. , الا ان هذه الاداب قد تم ابداعها ونضجها في الالف الثالث ق.م. , فاذا قارنا قدم هذه الاداب سواء كان ذلك من ناحية زمن انتاجها ام زمن تدوينها , باقدام الاداب البشرية الاخرى وجدناها تسبق جميع ماانتجه الفكر البشري .... فبالنسبة الى مصر القديمة مثلاً لم ياتنا من ادابها شئ يذكر من عصر الاهرامات ( وهو العصر ازدهارها ونضجها وكان في الالف الثالث ق.م. ) . وكذلك عند اكتشاف المنقبون في مدينة أوغاريت المدينة الكنعانية القديمة ادباً كنعانياً لم يتعدى حدود تدوينه الى منتصف الاف الثاني ق.م. اي بعد تدوين سكان وادي الرافدين آدابهم بحدود 500 - 1500 عام , وهذا كذلك ينطبق على الادب العبراني المتمثل بالتوراة فهو متاخر كثيراً بالنسبة لآداب وادي الرافدين , اذ تدوين هذا التوراة لايتعدى زمن تدوينة بين القرنين السادس والخامس ق.م. ..... كذلك اذكر على سبيل المثال المقارنة بين الالياذة والاوديسه المنسوبتين الى هوميروس ( ملحمتان يونانيتان ) واللتان تمثلان اقدم نماذج الادب اليوناني ... وملحمة " رج فيدا " الممثلة للادب الهندي القديم وال "أفستا " الممثلة لاقدم ادب فارسي ... وبين ادب وادي الرافدين نرى ان جميع هذه الاداب المذكورة قد دونت جميعها تقريباً في النصف الاول من القرن الاول ق.م. ... اي ان ان زمن تدوين آداب العراق العظيم يسبقها بما لايقل عن الفي عام .
وبالاضافة الى ميزة القدم فهناك ميزة اخرى تميز بها ادب العراق القديم عن الاداب العالمية القديمة الاخرى ... وهي ان جميع ما ذكر من اداب العالم بما فيها التوراة قد عانت الكثير من التحوير والتبديل والاضافة على يد النسّاخ والجامعين والشرّاح في حين ان الادب السومري والبابلي قد جاء الينا على هيئته الاصلية الغير محورة اي كما كتب ودوّن باقلام الكتبة السومرين والبابلين على الواح الطين ....
وعلى الرغم من هذا القدم الموغل في الزمن , فالطريف مايرويه عن السومرين انهم كانوا يتصوروا انفسهم حديثين العهد في المدينة والحضارة بل عدّوا انفسهم ورثاء ماضٍ بعيد مجيد من اجيال اجيال اجدادهم الذين كانوا قد عاشوا على نفس الارض .... اذ تخيلوا ذلك الماضي على هيئة عصر ذهبي كان السلام والوئام فيه يسودان العالم فلا خوف ولاحزن ولابغضاء وكان الخير يعم الكون كله وكان البشر يتكلمون بلسان واحد يمجدون فيه الاله أنليل !!!
وسوف ياتي اليوم الموعود الذي يعود فيه هذا العصر الذهبي بكل صفاته ولكن في اخر الزمان !!!!
وقد اشاعت هذه الافكار بالحضارت المتعاقبة التي تلتهم في العالم كله وجيل بعد جيل والى يومنا هذا بفكرة الماضي الذهبي والعصر الذهبي المرتقب !!
أشهر الموضوعات الأدبية /
تناول ادب وادي الرافدين كان شعراً ام نثراً موضوعات عديدة كانت تشغل بال القوم في حياتهم العامة والخاصة ... وفي مقدمة ذلك نظرتهم الى الحياة والكون واصل الوجود والاشياء والمجتمع البشري ومشاكلهم وسلوك الافراد والقيم الاجتمااعية وحياتهم الروحية والعاطفية ولغز الموت والحياة وعالم مابعد الموت والخلود ومسألة الخير والشر والعدالة الالهية مع وجود الشر , الى غير ذلك من الموضوعات التي لاتقتصر على كونها خير مايصور لنا حياة حضارتنا بجميع اوجهها ومقوماتها وفي ادوار ازدهارها وحيويتها وازماتها وركودها .
ويمكن ان نصنف هذه الموضوعات في الابواب والاصناف الاتية :
1- الخليقة واصل الوجود والأشياء : وياتي في مقدمة هذا الصنف اصل الالهة والاشياء وخلق الانسان واصل العمران والحضارة وياتي معضم هذه المواضيع في عالم الاساطير تحت موضوعين هما :
أ- أصل الكون والوجود .
ب- أصل الالهة .
2- الملاحم واعمال الابطال والالهة واشباه الالهة :
وهو مايطلح عليه بادب الملاحم واحسن مايمثل هذا الصنف ملحمة جلجامش ( كلكامش ) وملحمة اتراحاسس وغيرهما ..
3- قصص الطوفان .
4- أساطير عالم مابعد الموت .
5-أدب الحكمة :
مثل الحكم والوصايا والنصائح والامثال وموضوع الخير والشر والعدل الالهي .
6- أدب السخرية والفكاهة وقصص الحيوان .
7-أدب المفاخرة والمناظرة والحوار .
8-أدب الرثاء :
ولاسيما رثاء وندب تدمير المدن ومراكز العمران وسقوط السلالات الحاكمة .
9- أدب الغزل والحب .
10- الصوات والابتهالات والتراتيل والادعية والترانيم .
منقول