الحمد لله القائل في محكم كتابه: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.
والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه:" تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة".
وبعد: فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آدابا في الإسلام، قد ذهل عنها أو جهلها أكثر الناس، حتى المتعبدين منهم، فأحببت أن أضع في بيانها هذه الرسالة المفيدة بمناسبة زفاف أحد الأحبة،أعانةً له ولغيره من الإخوة المؤمنين على القيام بما شرعه سيد المرسلين عن رب العالمين.
وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة، وإنما يعنيني منها -في هذه العجالة- ما ثبت في السنة المحمدية مما لا مجال لإنكارها من حيث إسنادها، أو محاولة التشكيك فيها من جهة مبناها؛ حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه وثقة في أمره.
1- ما ينوي الزوجان بالنكاح؟
ينبغي لهما أن ينويا بنكاحهما إعفاف نفسيهما وإحصانها من الوقوع فيما حرم الله؛ فإنه تكتب مُباضعتهما صدقة لهما، لحديث أبي ذر رضي الله عنه: " أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله: ذهب أهل الدُّثُور(أي الأموال) بالأجور؛ يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة وبكل تهليلة صدقة وبكل تحميدة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضعِ أحدكم صدقة! قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أريتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر" رواه مسلم.
2- ملاطفة الزوجة عند البناء - الدخول- بها:
يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها، كأن يقدم إليها شيئا من الشراب ونحوه؛ لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن، وفيه: "فجاء (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) فجلس إلى جنبها (أي عائشة) فأتي بعُس لبن (القدح الكبير) فشرب، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتُها وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأخذت فشربت شيئا" أخرجه أحمد.
3-وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:
وينبغي له أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك، وأن يسمي الله تبارك وتعالى، ويدعو بالبركة ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليأخذ بناصيتها (منبت الشعر) ولْيُسمِّ الله عز وجل وليدع بالبركة، وليقل: "اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه" (أي خلقتها عليه). أخرجه البخاري.
4- صـلاة الزوجين معا:
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا، لأنه منقول عن السلف.
فعن شقيق قال:"جاء رجل يقال له أبو حريز فقال: إني تزوجت جاريةً شابة بكراً، وإني أخاف أن تفركني (أي تُبغضني) فقال عبد الله بن مسعود: "إن الإلف من الله والفِرك (أي البغض) من الشيطان، يريد أن يكرِّه إليكم ما أحل الله لكم، فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين، وقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم فيَّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرِّق بيننا إذا فرقت إلى خير". أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وسنده صحيح.
5-ما يقول حين يجامعها:
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله: " بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا"
قال صلى الله عليه وسلم:" فإن قضى الله بينهما ولداً لم يضره الشيطان أبـداً". أخرجه البخاري.
وقد سئل الإمام الألباني في سلسلة الهدى والنور/ شريط رقم (12)
السائل:إذا نسي الرجل وهو يجامع زوجته أن يذكر اسم الله فهل جامعها شيطانها؟
الشيخ: "الله أعلم، إذا كان الرجل من عادته أن يذكر الله في جلسته هذه فهو - في ظني- أن الله يحـفظه؛لأن الأمر يُنظر إليه من الزاوية الغالبة على الإنسان، أما إذا كان ليس ذلك من دأبه فيقال بأنه يشاركه". انتهى .
6-كيف يأتيها؟
ويجوز له أن يأتيها في قُبُلها من أي جهة شاء، من خلفها أو من أمامها، لقول الله تبارك وتعالى:{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
مقبلة ومدبرة، ويدل لذلك حديث جابر رضي الله عنه قال: "كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول! فنزلت: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مقبلة ومدبرة، إذا كان ذلك في الفرج" رواه البخاري.
7- تحريم الدبر:
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة:{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
قال صلى الله عليه وسلم " لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها" أخرجه النسائي في العِشرة، والترمذي، وابن حبان. وسنده حسن.
وقال:" ملعون من يأتي النساء في محاشهنَّ ". يعني أدبارهن. أخرجه ابن عدي بسند حسن.
8- الوضوء بين الجماعين:
وإذا أتاها في المحل المشروع ثم أراد أن يعود إليها توضأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا؛ فإنه أنشط في العود". أخرجه مسلم، وأبو نعيم في الطب.
9- الغسل أفضل:
لكن الغسل-أي الغسل قبل الجماع الثاني- أفضل من الوضوء؛ لحديث أبى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال:فقلت له: يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحداً قال:"هذا أزكى وأطيب وأطهر" رواه أبو داود. وأبو نعيم في الطب بسند حسن.
10-اغتسال الزوجين معا:
ويجوز لهما أن يغتسلا معا في مكان واحد، ولو رأى منها ورأت منه.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت:" كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ بيني وبينه واحد، تختلف أيدينا فيه، فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي، قالت: وهما جنبان" رواه البخاري ومسلم.
11- توضؤ الجنب قبل النوم:
ولا يناما جنبين إلا إذا توضآ؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال: يا رسول الله: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ".
واغتسالهما قبل النوم أفضل.
12- تحريم إتيان الحائض:
ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها لقوله تبارك وتعالى:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}.
{أذي}: أي هو شيء تتأذى به المرأة.
{حتى يطهرن} هو انقطاع دم الحيض، وهو ما لا يكون بفعل النساء، بخلاف التطهر في قوله:{فإذا تطهرن} فإنه من عملهن، وهو استعمال الماء منهن. وقوله صلى الله عليه وسلم:
" من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" حديث صحيح؛ رواه أصحاب السنن الأربعة، إلا النسائي.
13- ما يحل له من الحائض:
ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض، لقوله صلى الله عليه وسلم:" واصنعوا كل شيء إلا النكاح" أي الجماع.
وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:" إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا ثم صنع ما أراد" أخرجه أبو داود، وسنده صحيح على شرط مسلم.
14- متى يجوز إتيانها إذا طهرت؟
فإذا طهرت من حيضها وانقطع الدم عنها جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط أو تتوضأ أو تغتسل، أي ذلك فعلت جاز له إتيانها؛ لقوله تبارك وتعالى:{فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}. قال ابن حزم: والوضوء تطهر بلا خلاف، وغسل الفرج بالماء تطهر كذلك،وغسل جميع الجسد تطهر، فبأي هذه الوجوه تطهرت التي رأت الطُهر من الحيض فقد حل به لنا إتيانها.وبالله التوفيق.
15- وجوب إحسان عشرة النساء:
ويجب عليه أن يحسن عشرتها ويسايرها فيما أحل الله -لا فيما حرم الله- ولا سيما إذا كانت حديثة السن، وفي ذلك أحاديث:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم:" خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" رواه الطحاوي. وسنده صحيح.
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:" ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عَوانٍ عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة (أي ظاهرة) فإذا فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطِئنَ فرشكم مَن تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" أخرجه الترمذي، وابن ماجة.
الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يَفْرك (أي لا يبغض) مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خُلقا رضي منها آخر".
الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم:" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلُقا، وخيارهم خيارهم لنسائهم" أخرجه الترمذي.
16- وصايا للزوجين:
أولا: أنيتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى، وإتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة، ولا يقدما عليها تقليداً أو عادة غلبت على الناس أو مذهبا، فقد قال الله عز وجل:{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيَرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}.
ثانيا: أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر، فلا تطلب الزوجة-مثلا- أن تساوي الرجل في جميع حقوقه، ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة والرياسة فيظلمها ويضربها بدون حق، فقد قال الله تعالى:{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} وقال:{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا}.
أيإذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها - مما أباحه الله له منها- فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها.
وقوله:{إن الله كان عليا كبيراْ} تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن، كذا في تفسير ابن كثير.
ثالثا: وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها، فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء، كما في الآيتين السابقتين:{الرجال قوامون على النساء}، {وللرجال عليهن درجة} وقدجاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى ومبينة بوضوح ما للمرأة وما عليها إذا هي أطاعت زوجها أو عصته، فلا بد من إيراد بعضها، لعل فيها تذكيرا لنساء زماننا، فقد قال الله تعالى:{وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.
الحديث الأول:" لايحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد (أي حاضر مقيم في البلد) إلا بإذنه غير رمضان، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي.
الثاني:" إذادعا الرجل امرأته إلى فراشه (كناية عن الجماع) فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح".
(وفي رواية: أو حتى ترجع، وفي أخرى: حتى يرضى عنها)". رواه البخاري ومسلم.
الثالث:" والذي نفس محمد بيده، لا تؤذي المرأة حق ربها حتى تؤذي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتَب ( أي رحل) لم تمنعه نفسها". حديث صحيح: رواه ابن ماجة وأحمد.
الرابع: "لاتؤذي امرأةٌ زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل ( أي ضيف) يوشك أن يفارقك إلينا". رواه الترمذي وابن ماجة.
وختاما:
فهذه بعض آداب النكاح، فينبغي لمن أقدم على هذه العبادة الجليلة أن يتعلم آدابها وأحكامها ليبارك الله له في نكاحه.
وإنا لندعو للزوجين بما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم بــعـــد البناء (الدخلة) فنقول: "بارك الله لك، وبارك الله عليك، وجمع بينكما في خير".
وإني لأنصح كل عروس- ذكراً كان العروس أو أنثى- أن يرجع إلى كتاب الإمام الألباني:" آداب الزفاف في السنة المطهرة" فإنه من أفضل الكتب المصنفة في هذا الباب
منقول :15665:
والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه:" تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة".
وبعد: فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آدابا في الإسلام، قد ذهل عنها أو جهلها أكثر الناس، حتى المتعبدين منهم، فأحببت أن أضع في بيانها هذه الرسالة المفيدة بمناسبة زفاف أحد الأحبة،أعانةً له ولغيره من الإخوة المؤمنين على القيام بما شرعه سيد المرسلين عن رب العالمين.
وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة، وإنما يعنيني منها -في هذه العجالة- ما ثبت في السنة المحمدية مما لا مجال لإنكارها من حيث إسنادها، أو محاولة التشكيك فيها من جهة مبناها؛ حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه وثقة في أمره.
1- ما ينوي الزوجان بالنكاح؟
ينبغي لهما أن ينويا بنكاحهما إعفاف نفسيهما وإحصانها من الوقوع فيما حرم الله؛ فإنه تكتب مُباضعتهما صدقة لهما، لحديث أبي ذر رضي الله عنه: " أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله: ذهب أهل الدُّثُور(أي الأموال) بالأجور؛ يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة وبكل تهليلة صدقة وبكل تحميدة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضعِ أحدكم صدقة! قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أريتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر" رواه مسلم.
2- ملاطفة الزوجة عند البناء - الدخول- بها:
يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها، كأن يقدم إليها شيئا من الشراب ونحوه؛ لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن، وفيه: "فجاء (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) فجلس إلى جنبها (أي عائشة) فأتي بعُس لبن (القدح الكبير) فشرب، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتُها وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأخذت فشربت شيئا" أخرجه أحمد.
3-وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:
وينبغي له أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك، وأن يسمي الله تبارك وتعالى، ويدعو بالبركة ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليأخذ بناصيتها (منبت الشعر) ولْيُسمِّ الله عز وجل وليدع بالبركة، وليقل: "اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه" (أي خلقتها عليه). أخرجه البخاري.
4- صـلاة الزوجين معا:
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا، لأنه منقول عن السلف.
فعن شقيق قال:"جاء رجل يقال له أبو حريز فقال: إني تزوجت جاريةً شابة بكراً، وإني أخاف أن تفركني (أي تُبغضني) فقال عبد الله بن مسعود: "إن الإلف من الله والفِرك (أي البغض) من الشيطان، يريد أن يكرِّه إليكم ما أحل الله لكم، فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين، وقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم فيَّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرِّق بيننا إذا فرقت إلى خير". أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وسنده صحيح.
5-ما يقول حين يجامعها:
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله: " بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا"
قال صلى الله عليه وسلم:" فإن قضى الله بينهما ولداً لم يضره الشيطان أبـداً". أخرجه البخاري.
وقد سئل الإمام الألباني في سلسلة الهدى والنور/ شريط رقم (12)
السائل:إذا نسي الرجل وهو يجامع زوجته أن يذكر اسم الله فهل جامعها شيطانها؟
الشيخ: "الله أعلم، إذا كان الرجل من عادته أن يذكر الله في جلسته هذه فهو - في ظني- أن الله يحـفظه؛لأن الأمر يُنظر إليه من الزاوية الغالبة على الإنسان، أما إذا كان ليس ذلك من دأبه فيقال بأنه يشاركه". انتهى .
6-كيف يأتيها؟
ويجوز له أن يأتيها في قُبُلها من أي جهة شاء، من خلفها أو من أمامها، لقول الله تبارك وتعالى:{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
مقبلة ومدبرة، ويدل لذلك حديث جابر رضي الله عنه قال: "كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول! فنزلت: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مقبلة ومدبرة، إذا كان ذلك في الفرج" رواه البخاري.
7- تحريم الدبر:
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة:{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
قال صلى الله عليه وسلم " لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها" أخرجه النسائي في العِشرة، والترمذي، وابن حبان. وسنده حسن.
وقال:" ملعون من يأتي النساء في محاشهنَّ ". يعني أدبارهن. أخرجه ابن عدي بسند حسن.
8- الوضوء بين الجماعين:
وإذا أتاها في المحل المشروع ثم أراد أن يعود إليها توضأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا؛ فإنه أنشط في العود". أخرجه مسلم، وأبو نعيم في الطب.
9- الغسل أفضل:
لكن الغسل-أي الغسل قبل الجماع الثاني- أفضل من الوضوء؛ لحديث أبى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال:فقلت له: يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحداً قال:"هذا أزكى وأطيب وأطهر" رواه أبو داود. وأبو نعيم في الطب بسند حسن.
10-اغتسال الزوجين معا:
ويجوز لهما أن يغتسلا معا في مكان واحد، ولو رأى منها ورأت منه.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت:" كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ بيني وبينه واحد، تختلف أيدينا فيه، فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي، قالت: وهما جنبان" رواه البخاري ومسلم.
11- توضؤ الجنب قبل النوم:
ولا يناما جنبين إلا إذا توضآ؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال: يا رسول الله: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ".
واغتسالهما قبل النوم أفضل.
12- تحريم إتيان الحائض:
ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها لقوله تبارك وتعالى:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}.
{أذي}: أي هو شيء تتأذى به المرأة.
{حتى يطهرن} هو انقطاع دم الحيض، وهو ما لا يكون بفعل النساء، بخلاف التطهر في قوله:{فإذا تطهرن} فإنه من عملهن، وهو استعمال الماء منهن. وقوله صلى الله عليه وسلم:
" من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" حديث صحيح؛ رواه أصحاب السنن الأربعة، إلا النسائي.
13- ما يحل له من الحائض:
ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض، لقوله صلى الله عليه وسلم:" واصنعوا كل شيء إلا النكاح" أي الجماع.
وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:" إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا ثم صنع ما أراد" أخرجه أبو داود، وسنده صحيح على شرط مسلم.
14- متى يجوز إتيانها إذا طهرت؟
فإذا طهرت من حيضها وانقطع الدم عنها جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط أو تتوضأ أو تغتسل، أي ذلك فعلت جاز له إتيانها؛ لقوله تبارك وتعالى:{فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}. قال ابن حزم: والوضوء تطهر بلا خلاف، وغسل الفرج بالماء تطهر كذلك،وغسل جميع الجسد تطهر، فبأي هذه الوجوه تطهرت التي رأت الطُهر من الحيض فقد حل به لنا إتيانها.وبالله التوفيق.
15- وجوب إحسان عشرة النساء:
ويجب عليه أن يحسن عشرتها ويسايرها فيما أحل الله -لا فيما حرم الله- ولا سيما إذا كانت حديثة السن، وفي ذلك أحاديث:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم:" خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" رواه الطحاوي. وسنده صحيح.
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:" ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عَوانٍ عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة (أي ظاهرة) فإذا فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطِئنَ فرشكم مَن تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" أخرجه الترمذي، وابن ماجة.
الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يَفْرك (أي لا يبغض) مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خُلقا رضي منها آخر".
الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم:" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلُقا، وخيارهم خيارهم لنسائهم" أخرجه الترمذي.
16- وصايا للزوجين:
أولا: أنيتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى، وإتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة، ولا يقدما عليها تقليداً أو عادة غلبت على الناس أو مذهبا، فقد قال الله عز وجل:{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيَرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}.
ثانيا: أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر، فلا تطلب الزوجة-مثلا- أن تساوي الرجل في جميع حقوقه، ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة والرياسة فيظلمها ويضربها بدون حق، فقد قال الله تعالى:{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} وقال:{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا}.
أيإذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها - مما أباحه الله له منها- فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها.
وقوله:{إن الله كان عليا كبيراْ} تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن، كذا في تفسير ابن كثير.
ثالثا: وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها، فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء، كما في الآيتين السابقتين:{الرجال قوامون على النساء}، {وللرجال عليهن درجة} وقدجاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى ومبينة بوضوح ما للمرأة وما عليها إذا هي أطاعت زوجها أو عصته، فلا بد من إيراد بعضها، لعل فيها تذكيرا لنساء زماننا، فقد قال الله تعالى:{وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.
الحديث الأول:" لايحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد (أي حاضر مقيم في البلد) إلا بإذنه غير رمضان، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي.
الثاني:" إذادعا الرجل امرأته إلى فراشه (كناية عن الجماع) فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح".
(وفي رواية: أو حتى ترجع، وفي أخرى: حتى يرضى عنها)". رواه البخاري ومسلم.
الثالث:" والذي نفس محمد بيده، لا تؤذي المرأة حق ربها حتى تؤذي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتَب ( أي رحل) لم تمنعه نفسها". حديث صحيح: رواه ابن ماجة وأحمد.
الرابع: "لاتؤذي امرأةٌ زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل ( أي ضيف) يوشك أن يفارقك إلينا". رواه الترمذي وابن ماجة.
وختاما:
فهذه بعض آداب النكاح، فينبغي لمن أقدم على هذه العبادة الجليلة أن يتعلم آدابها وأحكامها ليبارك الله له في نكاحه.
وإنا لندعو للزوجين بما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم بــعـــد البناء (الدخلة) فنقول: "بارك الله لك، وبارك الله عليك، وجمع بينكما في خير".
وإني لأنصح كل عروس- ذكراً كان العروس أو أنثى- أن يرجع إلى كتاب الإمام الألباني:" آداب الزفاف في السنة المطهرة" فإنه من أفضل الكتب المصنفة في هذا الباب
منقول :15665: