قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: "الغذاء ضربان: أحدهما: ما لا يستغنى عنه في تربية البدن كالطعام الذي به يتغذى والماء الذي به يروى، والإنسان إذا تناول من ذلك مقدارًا لا يمكن التبلغ بأقل منه على ما يجب وكما يجب فهو معذور، بل مشكور ومأجور، وعلى هذا ما روي عند أكل الصالحين تنزل الرحمة، وحقه أن يتناوله تناول مضطر عالم بقذارة مآله، وأن يرى إدخاله في نفسه كدخول المستراح، ويتحقق أن نسبة الإنسان إلى الثمار والفواكه نسبة الجعل إلى الروث، فلو نطق الشجر لقال لك: أنت تأكل فضالتي كما يأكل الجعل فضالتك، والخنزير إذا استطاب لفاظة الإنسان فما هو إلا كاستطابتنا لفاظة الشجر، وبهذا تعلم أن شرف المطعم والمشرب بالإضافة لا بالإطلاق، فألقِ يا إنسان عن مناكبك الدثار وجَلِّ البصيرة،واستعمل الاعتبار تجد صدق ما قلت. ومن تناول من الطعام أكثر من ذلك كره له طبًّا وشرعًا؛ أما طبًّا: فيدل عليه قول الشاعر
فإن الداء أكثر ما تراه
يكون من الطعام أو الشراب
وأما شرعا: فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ؛ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ: فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»، وفي لفظ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ؛ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ: فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ».
وذاك أن امتلاء البطن مقوٍ للشهوة، وقوة الشهوة داعية للهوى، والهوى أعظم جند للشيطان، ومن آثر هواه وانتشر في بدنه حل في كل عضو منه جزء بقدر وسعه له فَكَثَّر جنود الشيطان، والشيطان إذا تسلط على الإنسان سباه من ربه وصرفه عن بابه، وقد قيل لحكيم: ما بالك مع كبرك لا تتفقد بدنك وقد انهد؟ فقال: لأنه سريع المرح فاحش الأشر، فأخاف أن يجمع بي فيورطني، ولأن أحمله على الشدائد أحب إلي من أن يحملني على الفواحش.
والضرب الثاني من المطعم: ما يستغنى عنه ولو توهمناه مفقودًا لم يختل بافتقاده البدن، وأعظمه ضررًا المسكر".
ثم قال رحمه الله تعالى: "فإن قيل فقد قال تعالى:{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} (الأعراف: 32)، فلم يخص من الحلال قدرًا دون قدر ولا جنسًا دون جنس، قيل: الطَّيب التام الطِّيْب هو الذي جمع اللذة والنفع والفضيلة، وذلك هو القدر المتبلغ به على ما يجب وكما يجب، ألا ترى كيف ذم من لم يكن ذلك قصده، فقال تعالى:{ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون}(الحجر: 3)، وقال تعالى:{والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}(محمد: 12).
ومن الدلالة على خسة كثرة الأكل: ادعاء العامة الاستغناء بالقليل، وقلة وجود المفتخر بكثرة الأكل، وقد قيل: من كانت همته ما يدخل بطنه فقيمته ما يخرج من بطنه، وقد استحسن قول الشاعر:
فإنك مهما تعط بطنك سؤله
وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ؛ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ»،وقال صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»؛ فنبه في الخبرين أنه لا يستحب للإنسان إلا الأكل في سبع بطنه، وهو ما ذكره من اللقيمات، وذلك دون عشر لقيمات؛ لأن جمع القلة بالألف والتاء لما دون العشرة، ثم رخص لمن غلب عليه النهم أن يبلغ إلى ثلث بطنه، فحصل من ذلك أن أكل المؤمن في اليوم ينبغي أن يكون سبع بطنه أو ثلث بطنه".
قال ابن جماعة: "فإن زاد على ذلك فالزيادة إسراف خارج عن السنة، وقد قال الله تعالى:{وكلوا واشربوا ولاتسرفوا}(الأعراف:31).
قال بعض العلماء: جمع الله بهذه الكلمات الطب كله".
فـينبغي لطالب العلم أن يخفف من المطعم والمشرب؛ لأن البطن إذا امتلأ تبلَّد الذِّهن، وكسل الجسم، وقلَّ الحفظ، ونقص الفهم.
"فمن رام الفلاح في العلم وتحصيل البغية منه مع كثرة الأكل والشرب والنوم فقد رام مستحيلاً في العادة".
"ولم يُر أحد من الأولياء والأئمة العلماء يصف شاكرًا، أو يوصف بكثرة الأكل ولا حُمد به، وإنما تُحمد كثرة الأكل من الدواب التي لا تعقل، بل هي مرصدة للعمل".
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم والبطنة؛ فإنها ثقل في الحياة، نتن في الممات.
وقال لقمان لابنه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.
وقد قيل: من شبع دخل عليه ست آفات:
1- فقد حلاوة المناجاة.
2- تعذر حفظ الحكمة.
3- حرمان الشفقة على الخلق.
4- ثقل العبادة.
5- زيادة الشهوات.
6- كثرة التردد على الخلاءات.
وقال محمد بن واسع رحمه الله: "مَنْ قَلَّ طعامه فَهِمَ وأفهم، وصفا ورقَّ، وإنَّ كثرة الطعام لتُثقل صاحبها عن كثير مما يريد".
والذهن الصحيح أشرف من تبديده وتعطيله بالقدر الحقير من طعام يؤول أمره إلى ما قد عُلِم، ولو لم يكن من آفات كثرة الطعام والشراب إلا الحاجة إلى كثرة دخول الخلاء لكان ينبغي للعاقل اللبيب أن يصون نفسه عنه.
وقال عمرو بن قيس رحمه الله: إياكم والبطنة؛ فإنها تقسي القلب.
وقال الشافعي رحمه الله: "الشبع يُثقل البدن، ويُزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.
وقال سحنون رحمه الله: لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع.
فإن الداء أكثر ما تراه
يكون من الطعام أو الشراب
وأما شرعا: فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ؛ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ: فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»، وفي لفظ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ؛ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ: فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ».
وذاك أن امتلاء البطن مقوٍ للشهوة، وقوة الشهوة داعية للهوى، والهوى أعظم جند للشيطان، ومن آثر هواه وانتشر في بدنه حل في كل عضو منه جزء بقدر وسعه له فَكَثَّر جنود الشيطان، والشيطان إذا تسلط على الإنسان سباه من ربه وصرفه عن بابه، وقد قيل لحكيم: ما بالك مع كبرك لا تتفقد بدنك وقد انهد؟ فقال: لأنه سريع المرح فاحش الأشر، فأخاف أن يجمع بي فيورطني، ولأن أحمله على الشدائد أحب إلي من أن يحملني على الفواحش.
والضرب الثاني من المطعم: ما يستغنى عنه ولو توهمناه مفقودًا لم يختل بافتقاده البدن، وأعظمه ضررًا المسكر".
ثم قال رحمه الله تعالى: "فإن قيل فقد قال تعالى:{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} (الأعراف: 32)، فلم يخص من الحلال قدرًا دون قدر ولا جنسًا دون جنس، قيل: الطَّيب التام الطِّيْب هو الذي جمع اللذة والنفع والفضيلة، وذلك هو القدر المتبلغ به على ما يجب وكما يجب، ألا ترى كيف ذم من لم يكن ذلك قصده، فقال تعالى:{ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون}(الحجر: 3)، وقال تعالى:{والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}(محمد: 12).
ومن الدلالة على خسة كثرة الأكل: ادعاء العامة الاستغناء بالقليل، وقلة وجود المفتخر بكثرة الأكل، وقد قيل: من كانت همته ما يدخل بطنه فقيمته ما يخرج من بطنه، وقد استحسن قول الشاعر:
فإنك مهما تعط بطنك سؤله
وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ؛ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ»،وقال صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»؛ فنبه في الخبرين أنه لا يستحب للإنسان إلا الأكل في سبع بطنه، وهو ما ذكره من اللقيمات، وذلك دون عشر لقيمات؛ لأن جمع القلة بالألف والتاء لما دون العشرة، ثم رخص لمن غلب عليه النهم أن يبلغ إلى ثلث بطنه، فحصل من ذلك أن أكل المؤمن في اليوم ينبغي أن يكون سبع بطنه أو ثلث بطنه".
قال ابن جماعة: "فإن زاد على ذلك فالزيادة إسراف خارج عن السنة، وقد قال الله تعالى:{وكلوا واشربوا ولاتسرفوا}(الأعراف:31).
قال بعض العلماء: جمع الله بهذه الكلمات الطب كله".
فـينبغي لطالب العلم أن يخفف من المطعم والمشرب؛ لأن البطن إذا امتلأ تبلَّد الذِّهن، وكسل الجسم، وقلَّ الحفظ، ونقص الفهم.
"فمن رام الفلاح في العلم وتحصيل البغية منه مع كثرة الأكل والشرب والنوم فقد رام مستحيلاً في العادة".
"ولم يُر أحد من الأولياء والأئمة العلماء يصف شاكرًا، أو يوصف بكثرة الأكل ولا حُمد به، وإنما تُحمد كثرة الأكل من الدواب التي لا تعقل، بل هي مرصدة للعمل".
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم والبطنة؛ فإنها ثقل في الحياة، نتن في الممات.
وقال لقمان لابنه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.
وقد قيل: من شبع دخل عليه ست آفات:
1- فقد حلاوة المناجاة.
2- تعذر حفظ الحكمة.
3- حرمان الشفقة على الخلق.
4- ثقل العبادة.
5- زيادة الشهوات.
6- كثرة التردد على الخلاءات.
وقال محمد بن واسع رحمه الله: "مَنْ قَلَّ طعامه فَهِمَ وأفهم، وصفا ورقَّ، وإنَّ كثرة الطعام لتُثقل صاحبها عن كثير مما يريد".
والذهن الصحيح أشرف من تبديده وتعطيله بالقدر الحقير من طعام يؤول أمره إلى ما قد عُلِم، ولو لم يكن من آفات كثرة الطعام والشراب إلا الحاجة إلى كثرة دخول الخلاء لكان ينبغي للعاقل اللبيب أن يصون نفسه عنه.
وقال عمرو بن قيس رحمه الله: إياكم والبطنة؛ فإنها تقسي القلب.
وقال الشافعي رحمه الله: "الشبع يُثقل البدن، ويُزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.
وقال سحنون رحمه الله: لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع.