من طرف أحمد السبت أكتوبر 11, 2014 9:56 pm
النابغة الذبياني
هو زياد بن معاوية بن ضباب البياني ؛ كنيته أبو أمامة ، و لقبه النابغة ، لقب به نبوغه في الشعر
و إكثاره منه بعدما احتنك .
قال عنه ابن رشيق في عمدته : " إن شعره كان نظيفاً من العيوب ، لأنه قاله كبيراً ،
و مات عن قرب و لم يهتر " أراد أنه لم يخرف و يضعف عقله .
و هو أحد شعراء الطبقة الأولى ، المقدمين على سائر الشعراء ، عده ابن سلام بعد امرئ القيس و قبل زهير و الأعشى . و كان عمر بن الخطاب يعده أشعر العرب .
أخبر ربعي بن مراش قال : قال عمر : يا معشر غطفان ، من الذي يقول :
أتيتك عارياً خلقـاً ثيابـي ؛؛ على خوف ، تظن بي الظنون
قلنا : النابغة . قال : ذاك أشعر شعرائكم .
و روى الشعبي أن عمر قال : من أشعر الناس ؟ قالوا : أنتم أعلم يا أمير المؤمنين . قال : من الذي يقول :
إلا سليمان ، إذ قال الإلـه لـه :قم في البرية ، و احددها عن الفند
و خيس الجن ، إني قد أذنت لهميبنون تدمر بالصفـاح و العمـد
قالوا : النابغة . قال : فمن الذي يقول
حلفت ، فلم أترك لنفسك ريبـة ،و ليس ، وراء الله ، للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني وشايـة ،لمبلغك الواشي أغـش و أكـذب
و لست بمستبـق أخـاً لا تلمـهعلى شعث ، أي الرجال المهذب ؟
قالوا : النابغة . قال : فذا أشعر الععرب .
و روى ابن المؤمل قال : قام رجل إلى ابن عباس فقال : أي الناس أشعر ؟ فقال ابن عباس : أخبره يا أبا الأسود الدؤلي . قال : الذي يقول :
فإنك كالليل الذي هـو مدركـي ؛؛ و إن خلت أن المنتأى عنك واسع
و النابغة شاعر بلاط تردد إلى قصور الملوك في العراق و الشام و مدحهم و أخذ جوائزهم .
و قد حظي عند أبي قابوس النعمان بن المنذر ملك الحيرة ، فقربه إليه دون سائر الشعراء ، و جعله في حاشيته ينادمه و يؤاكله في آنية من الفشة و الذهب .
و هو أول شاعر تكسب بشعره ، فكثر ماله . و قد جر عليه تقريب النعمان له ، و إغداقه عليه العطايا ، حسد المنخل اليشكري ، الشاعر ، و أبناء عوف بن قريع ، و كانوا من بطانة النعمان ، فأخذوا يتربصون به ليبعدوه عن بلاط المناذرة .
و اتفق أن نظم النابغة قصيدته الشهيرة في المتجردة زوج النعمان ، و ذكر في وصفه لها ما لا يليق ذكره . فاتخذها المنخل اليشكري ، و كان يهوى المتجردة ، حجة لإيغار صدر النعمان عليه ، فخاف النابغة ، و هرب إلى قبيلته ، فاغتنم الأقارع فرصة غيابه و نظموا ، على لسانه ، أبيات هجو للنعمان ، و أوصلوها إليه فزادوا في نقمته عليه . و على كونه كان سيداً من سادات قبيلته يرجعون إليه في خطوبهم ، فيليبهم ، لم يسلم من حسد بني قومه لعفته و شرفه ؛ فنالوا منه بألسنتهم ، فتضايق و انطلق إلى الغساسنة في الشام ، و نزل بعمرو بن الحارث الأصغر ، فمدحه و مدح أخاه النعمان . ثم انقطع بعد موت النعمان الغساني إلى أخيه عمرو ، فلبث عنده إلى أن رضي عنه النعمان بن المنذر ، فعاد إليه و بقي في بلاط المناذرة إلى أن مات .
و كان في أثناء نزوله عند الغساسنة ، يمدح النعمان بن المنذر ، و يعتذر إليه ، مبرئاً نفسه مما رماه به أبناء عوف بن قريع . و هذه القصائد ، التي مدح بها النععمان و اعتذر إليه ، هي التي تسمى الاعتذاريات . و هي من أجمل شعر النابغة ، اشتهر فيها بلياليه التي صور فيها خشيته النعمان ، حتى ضرب المثل فيها فقيل : ليلة نابغية .
و سئل عمرو بن العلاء بذلك فقيل له : أمن مخافته امتدح النعمان و أتاه بعد هربه أم لغير ذلك ؟
فقال : " لا لعمر الله ، لا لمخافته فعل ، إن كان لآمناً من أن يوجه إليه جيشاً ، و ما كانت عشيرته لتسلمه لأول وهلة ، و لكنه رغب في عطاياه و عصافيره . " و العصافير نوق كرائم من ذوات السنامين ، كانت للنعمان ، و كان االنعمان يعطي النابغة منها .
و كان النابغة حكم سوق عكاظ تضرب له قبة من أدم ، و يأتيه الشعراء ، فيعرضون عليه أشعارهم ، فيحكم لأفضلهم بالجائزة التي كانت تقدمها قريش ، أو الغساسنة .
و اختياره لهذا المنصب دليل على ما كان له من مقام رفيع ، و على ملكة النقد الأدبي المتأصلة قيه ،
و حسن تذوقه لفن الشعر .
و كان يستعبد قريحته لفنه فيعنى بتهذيب شعره و تنقيحه ، و بحسن اختيار الألفاظ الجميلة الموسيقية .
قيل : إنه كان يقول : إن في شعري عاهة ما أقف عليها . و كانت هذه العاهة الأقواء ، و هو اختلاف حركة الروي فتكون في بيت ضمة ، و في آخر كسرة . " فلما قدم المدينة هابوه أن يقولوا له : إنه يقوي ، فدعوا قينة و أمروها أن تغني في شعره ، ففعلت ؛ فلما سمع قوله : واتقتنا باليد ؛ و يكاد من اللطافة يعقد ، تبين له ، لما مدت باليد فصارت الكسرة ياء ، و مدت يعقد فصارت الضمة كالواو ، ففطن ، فغيره و جعله : عنم على أغصانه لم يعقد . و كان يقول : وردت يثرب و في شعري بعض العاهة ، فصدرت عنها و أنا أشعر الناس . "
و النابغة شاعر مطبوع ، و مصور بارع ، و من صوره ما هو حسي و ما هو خيالي ، يدخل فيها قصصاً لذيذاً ، تحليه جزالة صنع حاذق ، دقيق الاحساس بجمال اللفظ ، بعيد من التكلف و الهجنة . و قد أصاب ابن سلام حين وصفه بقوله : " إنه كان أحسنهم ديباجة شعر ، و أكثرهم رونق كلام ، و أجزلهم بيتاً ، كأن شعره كلام ليس فيه تكلف