الشّلوبين (عمر بن محمد ـ)
(562 ـ 645هـ/1166 ـ 1247م)
عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله، الأستاذ أبو علي الشلوبين. نزيل إشبيلية والمتصدّر بها، نحوي فاضل من قريةٍ من قرى إشبيلية، اسمها: شلوبينية.
وحكى ابن مكتوم (أحمد بن عبد القادر، ت:947هـ) عن شيخه أبي حيان الأندلسي (محمد بن يوسف، ت:547هـ) قال: لا يقال له الشلوبيني؛ إنما هو الشلوبين ـ غير منسوب ـ وذلك لقب عليه، ثم قال: وليس قول من قال: إنه منسوب إلى شلوبينية بشيء. وقيل: وقد غلط من قال: إن الشلوبيني هو الأشقر بلغة أهل الأندلس. ويترجّح مما سبق أنّه الشلوبين، وقد نصّ على ذلك أيضاً كثير من المصادر النحوية التي نقلت آراءه.
ولد بإشبيلية، ولازم أبا بكر محمد بن خلف بن الإشبيلي (ت: 585) حتى أحكم فنّ العربية، وأخذ عن ابن ملكون (إبراهيم ابن محمد، ت:185هـ) وغيره.
كان إماماً في علم النحو، مستحضراً له غاية الاستحضار، وكان أصحابه يقولون: ما يتقاصر الشيخ أبو علي الشلوبين عن الشيخ أبي علي الفارسي (الحسن بن أحمد، ت:773هــ)، ويغالون فيه مغالاة زائدة، وقالوا: فيه مع هذه الفضيلة غفلة وصورة بله في الصورة الظاهرة، حتى قالوا: إنه كان يوماً على جانب النهر وبيده كراريس فوقع منه كراسة في الماء، وبعدت عنه، فلم تصل يده إليها ليأخذها، فأخذ كراسة أخرى وجذبها بها فتلفت الأخرى بالماء. وقيل: وله مثل هذه الأسباب الدالة على البله.
وقال القِفْطي (علي بن يوسف، ت:646هـ): له في بلاده ذكر كثير، وهو متصدر هناك، وسألت عنه من رآه من أهل النحو فقال لي: لم تكن عبارته بليغة، وإن قلمه في التصنيف لأجود من عبارته. وقال أيضاً: والذي وقع لي منه أنه غير عاشق في هذه الصناعة، وإنما يريدها للارتزاق، وذلك أنه لما قدم علينا أبو العباس أحمد بن مفرج بن الرومية العشّاب الإشبيلي (ت:736هـ) وهو أثبت من رأيت وأسكن، أخبرني أنه لما عزم على الخروج إلى الشرق للحج ابتاع من عمر الشلوبين الأندلسي كتاب (العالم في اللغة) لأحمد بن أبان بن سيّد الإشبيلي الأندلسي في أربعين مجلداً، وهو كتاب غريب عجيب لا يسوغ لعالم عاشق في علم العربية أن يخرج عن يده، واستدللت بهذا على ما قلت. وقال أيضاً: وهو في زماننا هذا بإشبيلية يفيد هذا الشأن، ويقرأ عليه السوقة والأعيان.
قال ابن مكتوم يردّ على القفطي: لم يعرف القفطي شيئاً من أحوال الأستاذ أبي علي، وجهل مكانته في علم العربية، فلذلك ذكر عنه ما كتبنا: حكى لنا شيخنا الحافظ أبو حيان أنه كان يلثغ بالسين المهملة، فيجعلها ثاء مثلثة، فيقول في الحسين مثلاً: (الحثين). ثم قال: وكان الأليق بالقفطي، إذا لم يعرف أبا علي ولا طبقته في العلم، أن ينبّه على اسمه ويسكت عما ذكره من ترهات القول، وقد تخرّج بالأستاذ أبي علي ومهر بين يديه نحو أربعين رجلاً: كأبي الحسين بن عصفور، وأبي الحسين بن أبي الربيع، وأبي الحسن الأبّذي، وأبي علي بن أبي الأحوص، وأبي جعفر اللبلي، وأبي القاسم الصفار، وأبي العباس بن الحاج، وغيرهم، وكلهم علماء مصنّفون في علم العربية وغيره، قد طبقوا بعلمه الآفاق، وملؤوا بفوائده وفرائده الأوراق. وروى عن السهيلي ( ت:185) وابن بَشْكُوَال (ت: 875هـ) وغيرهما، وأجاز له السِّلَفِي (أحمد بن محمد، ت:675هـ) وغيره. وأما من أخذ عنه، وتمثّل بين يديه للتّعلم منه فعالم لا يحصى. وقيل: كان إمام عصره بلا مدافع، آخر أئمة هذا الشأن بالمشرق والمغرب، ذا معرفة بنقد الشعر وغيره، بارعاً في التعليم، ناصحاً، أبقى الله به ما بأيدي أهل المغرب من العربية، وأقرأ نحو ستين سنة، وعلا صيته، واشتهر ذكره، وبرع من طلبته جلّة، وقلما تأدب بالأندلس أحد من أهل وقته إلاّ قرأ عليه واستند ولو بواسطة إليه، ولهذا ذكر أنه كان خاتمة أئمة النحو.
توفي في إشبيلية.
أما مؤلفاته فقد قال القفطي عنها: صنّف شرحاً لكتاب سيبويه لم يظهر بعد، وصنّف شرحاً للمقدمة الجزولية، رأيت فصولاً منه، قد أوردها الجياني النحوي في شرحه منسوبة إليه، لم يكن فيها كبير أمر. وشرح المقدمة الجزولية شرحين: كبيراً ومتوسطاً، وله كتاب في النحو سمّاه: «التوطئة»، وهو مطبوع.
محمد موعد
مراجع للاستزادة:
ـ السيوطي، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (المكتبة العصرية، صيدا، لبنان).
ـ القفطي، إنباه الرواة على أنباه النحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (دار الفكر العربي، القاهرة، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت 1986م).
ـ اليماني، إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين، تحقيق عبد المجيد دياب (مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، السعودية).
رقم صفحه البحث ضمن المجلد:756
(562 ـ 645هـ/1166 ـ 1247م)
عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله، الأستاذ أبو علي الشلوبين. نزيل إشبيلية والمتصدّر بها، نحوي فاضل من قريةٍ من قرى إشبيلية، اسمها: شلوبينية.
وحكى ابن مكتوم (أحمد بن عبد القادر، ت:947هـ) عن شيخه أبي حيان الأندلسي (محمد بن يوسف، ت:547هـ) قال: لا يقال له الشلوبيني؛ إنما هو الشلوبين ـ غير منسوب ـ وذلك لقب عليه، ثم قال: وليس قول من قال: إنه منسوب إلى شلوبينية بشيء. وقيل: وقد غلط من قال: إن الشلوبيني هو الأشقر بلغة أهل الأندلس. ويترجّح مما سبق أنّه الشلوبين، وقد نصّ على ذلك أيضاً كثير من المصادر النحوية التي نقلت آراءه.
ولد بإشبيلية، ولازم أبا بكر محمد بن خلف بن الإشبيلي (ت: 585) حتى أحكم فنّ العربية، وأخذ عن ابن ملكون (إبراهيم ابن محمد، ت:185هـ) وغيره.
كان إماماً في علم النحو، مستحضراً له غاية الاستحضار، وكان أصحابه يقولون: ما يتقاصر الشيخ أبو علي الشلوبين عن الشيخ أبي علي الفارسي (الحسن بن أحمد، ت:773هــ)، ويغالون فيه مغالاة زائدة، وقالوا: فيه مع هذه الفضيلة غفلة وصورة بله في الصورة الظاهرة، حتى قالوا: إنه كان يوماً على جانب النهر وبيده كراريس فوقع منه كراسة في الماء، وبعدت عنه، فلم تصل يده إليها ليأخذها، فأخذ كراسة أخرى وجذبها بها فتلفت الأخرى بالماء. وقيل: وله مثل هذه الأسباب الدالة على البله.
وقال القِفْطي (علي بن يوسف، ت:646هـ): له في بلاده ذكر كثير، وهو متصدر هناك، وسألت عنه من رآه من أهل النحو فقال لي: لم تكن عبارته بليغة، وإن قلمه في التصنيف لأجود من عبارته. وقال أيضاً: والذي وقع لي منه أنه غير عاشق في هذه الصناعة، وإنما يريدها للارتزاق، وذلك أنه لما قدم علينا أبو العباس أحمد بن مفرج بن الرومية العشّاب الإشبيلي (ت:736هـ) وهو أثبت من رأيت وأسكن، أخبرني أنه لما عزم على الخروج إلى الشرق للحج ابتاع من عمر الشلوبين الأندلسي كتاب (العالم في اللغة) لأحمد بن أبان بن سيّد الإشبيلي الأندلسي في أربعين مجلداً، وهو كتاب غريب عجيب لا يسوغ لعالم عاشق في علم العربية أن يخرج عن يده، واستدللت بهذا على ما قلت. وقال أيضاً: وهو في زماننا هذا بإشبيلية يفيد هذا الشأن، ويقرأ عليه السوقة والأعيان.
قال ابن مكتوم يردّ على القفطي: لم يعرف القفطي شيئاً من أحوال الأستاذ أبي علي، وجهل مكانته في علم العربية، فلذلك ذكر عنه ما كتبنا: حكى لنا شيخنا الحافظ أبو حيان أنه كان يلثغ بالسين المهملة، فيجعلها ثاء مثلثة، فيقول في الحسين مثلاً: (الحثين). ثم قال: وكان الأليق بالقفطي، إذا لم يعرف أبا علي ولا طبقته في العلم، أن ينبّه على اسمه ويسكت عما ذكره من ترهات القول، وقد تخرّج بالأستاذ أبي علي ومهر بين يديه نحو أربعين رجلاً: كأبي الحسين بن عصفور، وأبي الحسين بن أبي الربيع، وأبي الحسن الأبّذي، وأبي علي بن أبي الأحوص، وأبي جعفر اللبلي، وأبي القاسم الصفار، وأبي العباس بن الحاج، وغيرهم، وكلهم علماء مصنّفون في علم العربية وغيره، قد طبقوا بعلمه الآفاق، وملؤوا بفوائده وفرائده الأوراق. وروى عن السهيلي ( ت:185) وابن بَشْكُوَال (ت: 875هـ) وغيرهما، وأجاز له السِّلَفِي (أحمد بن محمد، ت:675هـ) وغيره. وأما من أخذ عنه، وتمثّل بين يديه للتّعلم منه فعالم لا يحصى. وقيل: كان إمام عصره بلا مدافع، آخر أئمة هذا الشأن بالمشرق والمغرب، ذا معرفة بنقد الشعر وغيره، بارعاً في التعليم، ناصحاً، أبقى الله به ما بأيدي أهل المغرب من العربية، وأقرأ نحو ستين سنة، وعلا صيته، واشتهر ذكره، وبرع من طلبته جلّة، وقلما تأدب بالأندلس أحد من أهل وقته إلاّ قرأ عليه واستند ولو بواسطة إليه، ولهذا ذكر أنه كان خاتمة أئمة النحو.
توفي في إشبيلية.
أما مؤلفاته فقد قال القفطي عنها: صنّف شرحاً لكتاب سيبويه لم يظهر بعد، وصنّف شرحاً للمقدمة الجزولية، رأيت فصولاً منه، قد أوردها الجياني النحوي في شرحه منسوبة إليه، لم يكن فيها كبير أمر. وشرح المقدمة الجزولية شرحين: كبيراً ومتوسطاً، وله كتاب في النحو سمّاه: «التوطئة»، وهو مطبوع.
محمد موعد
مراجع للاستزادة:
ـ السيوطي، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (المكتبة العصرية، صيدا، لبنان).
ـ القفطي، إنباه الرواة على أنباه النحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (دار الفكر العربي، القاهرة، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت 1986م).
ـ اليماني، إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين، تحقيق عبد المجيد دياب (مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، السعودية).
رقم صفحه البحث ضمن المجلد:756