من طرف أحمد الجمعة فبراير 07, 2014 11:40 pm
على الرغم من أنّ الكوفيّين الأوائل تتلمذوا على أيدي علماء البصرة إلاّ أنّهم كانوا يقصدون أن تكون لهم في النحو مدرسة يستقلّون بها , وحاولوا جاهدين أن يميّزوا نحوهم بمصطلحات تغاير مصطلحات البصريّين , وأن يكون لهم آراء مستقلّة خاصّة بهم
من ذلك مصطلح عامل الخلاف , وهو عامل معنوي أثّر على وظيفة الكلمة الإعرابيّة , ومحلّها فمثلا :
جاء في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف حول عامل النصب في الظرف إذا وقع خبرا :
"ذهب الكوفيون إلى أن الظرف ينتصب على الخلاف إذا وقع خبرا للمبتدأ نحو (زيد أمامك) و(عمرو وراءك) وما أشبه ذلك .
وذهب البصريون إلى أنه ينتصب بفعل مقدر والتقدير فيه : زيد استقر أمامك , وعمرو استقر وراءك .
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا إنما قلنا إنه ينتصب بالخلاف وذلك لأن خبر المبتدأ في المعنى هو المبتدأ , ألا ترى أنك إذا قلت : زيد قائم وعمرو منطلق كان قائم في المعنى هو زيد ومنطلق في المعنى هو عمرو ؟
فإذا قلت : زيد أمامك وعمرو وراءك , لم يكن أمامك في المعنى هو زيد ولا وراءك في المعنى هو عمرو كما كان قائم في المعنى هو زيد ومنطلق في المعنى هو عمرو فلما كان مخالفا له نصب على الخلاف ليفرقوا بينهما "
وفي مسألة القول في عامل النصب في المفعول معه , جاء في المصدر السابق :
"ذهب الكوفيون إلى أن المفعول معه منصوب على الخلاف وذلك نحو قولهم : استوى الماء والخشبة , وجاء البرد والطيالسة .
أماالكوفيون فاحتجوا بأن قالوا إنما قلنا إنه منصوب على الخلاف وذلك لأنه إذا قال استوى الماء والخشبة لا يحسن تكرير الفعل فيقال استوى الماء واستوت الخشبة لأن الخشبة لم تكن معوجة فتستوى فلمالم يحسن تكرير الفعل كما يحسن في جاء زيد وعمرو فقد خالف الثاني الأول فانتصب على الخلاف كما بينا في الظرف نحو زيد خلفك وما أشبه ذلك "
وفي مسألة عامل النصب في الفعل المضارع بعد فاء السببية , من المصدر السابق أيضا :
"ذهب الكوفيون إلى أن الفعل المضارع الواقع بعد الفاء في جواب الستة الأشياء التي هي الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض ينتصب بالخلاف وذهب البصريون إلى أنه ينتصب بإضمار أن وذهب أبو عمر الجرمي إلى أنه ينتصب بالفاء نفسها لأنها خرجت عن باب العطف وإليه ذهب بعض الكوفيين ,
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا إنما قلنا ذلك لأن الجواب مخالف لما قبله لأن ما قبله أمر أو نهى أو استفهام أو نفي أو تمن أو عرض ألا ترى أنك إذا قلت :إيتنا فنكرمك , لم يكن الجواب أمرا , فإذا قلت : لا تنقطع عنا فنجفوك , لم يكن الجواب نهيا , وإذا قلت : ما تأتينا فتحدثنا , لم يكن الجواب نفيا , وإذا قلت : أين بيتك فأزورك , لم يكن الجواب استفهاما , وإذا قلت : ليت لي بعيرا فأحج عليه , لم يكن الجواب تمنيا , وإذا قلت : ألا تنزل فتصيب خيرا , لم يكن الجواب عرضا , فلما لم يكن الجواب شيئا من هذه الأشياء كان مخالفا لما قبله وإذا كان مخالفا لما قبله وجب أن يكون منصوبا على الخلاف "
وقد اعتمدوا هذا العامل ( عامل الخلاف ) في النصب في مسائل أخرى , خالفوا فيها رأي البصريّين , ممّا يدل على أنّهم كانوا يسعون , بل ويتعمّدون ذلك قصدا أن يكون لهم مذهب نحويّ خاصّ , ومدرسة مستقلّة لها آراؤها ومصطلحاتها المميّزة