الاشْتغال
حَقِيقَةُ الاشْتِغال
أنْ يَتَقدَّم اسمٌ وَيَتَأخَّرَ عنْه عاملٌ (1) مُشتَغِلٌ عن الاسم المتقدِّم بعمله في ضَميرِه ، أو في سَبَبِ(2) ضمِيره ، بواسطةٍ أو بِغيْرِهَا ، ويكونُ العاملُ بحيث لو سُلِّطَ على الاسم المتَقَدِّم لنصَبَه لَفظاً أو مَحَلاً.
نحو : "محمداً كلمتُه" و "هذا علَّمْتُه" أي : كلمتُ محمداً كلمته ، وعَلَّمتُ هذا عَلَّمته ، وحينَئذٍ فيُضمَرُ للاسم السَّابِق إذا نُصِب عَامِلٌ مُنَاسِب للعَامِل الظاهر ، ومناسبتُه له:
- إمَّا بكونِه مِثْلَه كما مرّ.
- أو مُرادِفَه نحو : "هَاشِماً مَرُرْتُ به" تقديره : جاوزتُ هاشماً.
- أو لازمَه نحو : "عليّاً ضربتُ عَدُوَّه" ، فيقدر "أَكْرَمْتُ عليّاً أو سررتُ عليّاً" ؛ لأنَّه اللازمُ لضَرْب العَدُوّ.
شرْطُ الاسمِ المتقدم ، وشَرْط العاملِ
- شرطُ الاسمِ المُتَقدِّمِ أن يكونَ قابلاً للإضمارِ ، فلا يقعُ الاشتغالُ عن حالٍ ولا تَمْييزٍ
- وشَرْط العاملِ المَشْغُولِ أن يَصْلُح للعمل فيما قَبْله ، فلا يكونُ صِفةً مٌشَبَّهَةً ، ولا مَصْدَراً ، ولا اسمَ فِعلٍ ، ولا فِعْلاً جَامِداً كَفِعْلي التَّعَجُّب ، وألاَّ يُفْصَلَ بينه وبين الاسم السابق بأجْنبي.
حكمُ الاسمِ السابق
الأصلُ أنَّ ذلك الاسم يَجوزُ فيه وَجْهان :
أحدهما : رَاجحٌ وهو الرفعُ بالابتداءِ ، لِسَلامَته من التقدير.
الثاني : مَرْجُوحٌ وهو النَّصْبُ ، لاحتياجه إلى تقدير فعلٍ موافقٍ للمذكور ، أو مُرادِفٍ له ، أو لازمٍ مَحْذُوفٍ وجوباً ، فما بعده لا محل له لأنه مُفَسِّر.
وقد يَعرِضُ له ما يُوجِبُ نَصْبَه، أو رَفعَه، أو يٌرجِّحُ أحَدَهما، أو يُسوِّي بينهما فله حينئذٍ خمسُ أحوال :
1- وُجُوبُ النَّصْب :
يجبُ نصبُ الاسمِ المتقدّم إذا وقعَ بعد "أَدَاةٍ تَخْتَصُّ بالفعل كأدوات التَحْضيض" نحو "هَلاّ أحاكَ أكرمتَه" و "أدَواتِ الاستِفهام" غير الهمزة نحو "هل المدينةَ رَأيتَها" و "متى عَمْراً لقيتَه" و "أدوات الشَّرط" نحو "حَيْثُما عَلياً تَلْقَهُ فأكرِمْه" ؛ إلاَّ أنَّ الاشتغالَ لا يقعُ بعد أدوات الشَّرط والاستِفهامِ إلاَّ في الشعر إلاّ إذا كانت أداةُ الشرطِ "إذا" مطلقاً أو "إن" والفعلُ ماضياً فيقع في النثرِ والنظمِ نحو "إذا السائلَ لَقِيتَه أو تَلْقاه فتصَّدق عليه" و "أنِ المِسكينَ وجدتَه فارفقْ بحاله".
2- وجوبُ الرفع : يجب رفعُ الاسمِ المتقدِّم في مَوْضِعين :
(أ) أنْ يَقَع الاسمُ بعدَ أداةٍ تختص بالدخُول على المبتدأ كـ "إذا الفُجَائِية" نحو : "خَرجتُ فإذا الجَوُّ مَلأَهُ الغُبار" و "ليتَ" المقرونة بـ "مَا" نحو "ليْتَما خالدٌ زُرْتَهُ" لأنَّ "إذا" المفاجأة و "ليْتَ" المكفوفة لا يَليهما فِعلٌ، ولو نَصَبت مَا تَعدهُما كان على تقدير الفعل، ولا يتأتَّى ذلك.
(ب) أن يقعَ بعدَ الاسمِ المُشتَغَل عنه أدَاةٌ لا يَعملُ ما بعدها فيما قبلها نحو "خالِدٌ إن عَلَّمتَه يكافَئك" و "مدارسُ العِلم هَلاَّ زُرْتَها".
3- رُجحانُ النَّصْب : يَرْجَحُ نصبُ الاسمَ المتقدم في خمسةِ مواضِع:
(أ) أن يَقعَ قبلَ فعلٍ طَلَبيّ وهو "الأمرُ والدعاءُ" ولو بصيغةِ الخَبَر، والفعل مقرون بأداة الطلب، نحو "خليلاً أرشدْه" و "محمداً رحمَه اللَّهُ" و "خالداً ليُكرمْه صديقهُ" و "محموداً لا تُهْمِله".
وإنما وجب الرفعُ في نحو "محمدٌ أكْرِم به". لأن الضمير في "به" محلُّه الرفع لأنه في حقيقته فاعل.
(ب) أن يقعَ الاسمُ بعد أداةِ يَغلبُ دخولُها على الأفعال كـ "همزة الاستفهام" نحو : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُه).
فإن فصَلْتَ الهمزةَ فالمختار الرفع نحو "أأنتَ محمدٌ تُكَلِّمُه" ؛ إلا في الفصل بالظرف نحو "أكلَّ يومٍ ولدَك تَزْجُرُه" لأنَّ الفصلَ به لا تُعتَدُّ به ومثلُ الهمزة النفيُ بـ "ما" أو "لا" أو "أن" نحو "ما عَدُوَّك كلَّمتُه" أو "لا أخَاك رأيتُه" أو "أنْ زيداً رَأَيْتَه" ومنها: "حَيْثُ" نحو "حيْثَ زَيْداً تَلْقاه فأكْرِمْه" لأنَّها تُشْبِه أدَوَات الشرط فلا يَليها في الغالِب إلا فِعْل. فإن اقترنت بـ "ما" صَارت أداة شَرط واختَصَّتْ بالفعل.
(ج) أن يقع الاسمُ بعدَ عاطفٍ مسبوق بجملةٍ فعليةٍ، وهو غَيرُ مفصُول بـ "أما" نحو : "لقيتُ زيداً ومحمداً كلمتُه" ، ليَكونَ منعَطفِ الفعلِ على مثله ، وهو أنسبُ ، بخلاف "أصْلَحتُ الأَرضَ وأَمَّا الشجرُ فسقَيْتُه" لأَنَّ "أما" تَقْطَعُ ما تعدَها عما قبلها فيُختار الرَّفعُ، و "حتَّى ولَكن وبَل" كالعاطف نحو "حدَّثْتُ أهلَ المَحْفِلِ حتى الرئيسَ حَدَّثته" و "ما رأيتُ محمداً ولكن خَالِداً رأيت أَخَاه".
(د) أن يُجاتَ به اسْتِفْهامٌ عن منصوب نحو "خالداً اسْتشَرتُه" جواباً لمن سأَلك "من اسْتَشَرت؟".
(هـ) أن يكون النصبُ لا الرفعُ نصّاً في المقصود نحو : (إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) ، إذ لو رفع "كل" لأَوهم أن جملةَ خَلَقناه صفةٌ لشيْءٍ، و "بقَدَر" خَبَرٌ عن كل (فيهم أن الذي يقدر هو الشيء الموصوف بخلق الله، وأن هناك شيئاً ليس مخلوقاً له، وهو خلاف الواقع، وإنما لم يتوهم ذلك في النصب لأن "خَلَقناه" يتعين أن يكون مفسِّراً للعامل المحذوف لا صفة لشيء لأن الوصفَ لا يعملُ فيما قبله، فلا يُفَسِّر عاملاً) ، ومن ثَمَّ وَجَبَ الرفعُ في قوله تعالى: (وكلُّ شَيْءٍ فَعَلوه في الزُّبُر) ، وأن الفعل صفَة.
4- استواء الرَّفعِ والنَّصب :
يَستَوي الرفعً والنَّصب في الاسمِ المُتَقدم إذا وَقَع الاسمُ بعد عاطف تَقَدَّمتهُ جُملةٌ ذاتُ وجْهين (الجملة ذات الوجهين : هي جملة صدرها اسم وعجزها فعل كالأمثلة الواردة) بشرط أن يكون في الجملة المُفسَّرة ضميرُ المبتَدأ ، أو تكون معطوفة بالفاء نحو "عَليٌّ سافَرَ وحَسَناُ أكْرمْتُه في داره" (الهاء في داره تعود على المبتدأ وهو علي) أو "فحَسناً أكرمتُه" أو "حسَنٌ" بالنصب والرفعُ فيهما لحُصولِ المُشاكلة في كِلا الوَجهين.
5- رُجحانُ الرفع على النَّصب :
يَتَرَجَّح الرفعُ على النَّصبِ في غير المَواضِعِ المُتَقَدِّمة.
المشتَغِلُ يَكونُ فعلاً أو اسماً
كل ما مَرَّ مِنَ الاشْتِغَال يَتَعلَّقُ بالأفعال المشتغِلةِ فيما بَعدَها عما قَبْلها ، أما الاسم فقد يَشْتَغِلُ بشروط ثلاثة :
(1) أن يكُونَ وَصْفاً .
(2) عَامِلاً .
(3) صَالِحَاً للعمل فيما قَبْلَه نحو "الكتابَ أنا قَارِئُه الآنَ أو غَداً".
فيخرجُ بالشرط الأول اسمُ الفعلُ والمصدرُ نحو "محمدٌ عَلَيْكه وأخوك إحتراماً إياه" ، وبالشَّرط الثاني: الوَصْفُ للمُضِيّ لأنَّه لا تَعملُ نحو "البابُ أَنا مُصْلِحُه أمسِ" ، وبالثالث: الصفةُ المشبَّهة نحو "وجهُ الأب محمدٌ حسنُه"(3)
رابطةُ الاشتغال
لا بُدَّ في صِحةِ الاشْتِغَال من رَابِطةٍ بين العامل والاسمِ السَّابق ، وتحصل "الرابطة" بضمِيرِه المتصلِ بالعاملِ، نحو "تَكراً أكرمته".
أو بضَمِيره المنفصل من العامل بحرف جَر نحو "عليّاً مررتُ به" ، أو باسمِ مضافٍ للضميرِ نحو "محمداً كلمتُ أخاه" ، أو باسمِ أَجْنَبِيٍّ أُتْبعَ بِتَابع مُشتَمِلٍ على ضمِير الاسم بشرطِ أن يَكُونَ التابعُ نعتاً له نحو "خالداً استشرتُ رجلاً يُحبُّه" أو عطفاً بالواو نحو "محمداً علمتُه عَمْراً وأَخَاه"، أو عطفَ بيان نحو "خالداً كلَّمت علياً صديقه" لا بَدَلاً ؛ لأنَّه في نية تَكرار العاملِ، فتخلو الجملة الأولى من الرابط.
-------------------------
(1) المراد بالعامل هنا: فعلٌ متصرف أو اسمُ فاعل أو اسم مَفْعول فقط.
(2) سبب ضميره: هو الاسمُ الظاهرُ المضافُ إلى ضميرِ الاسمِ السابق نحو "علي أكْرمْتَ ابنَه" و "ابنه" هو السبب.
(3) و "وجهُ" واجب رفعهُ بالابتداء، وجملة "محمد حسنُه" خبره، ولا يجوز نصبهما لأن الصفةَ وهو "حَسن" لا تعمل فيما قبلها، وهذا التركيب وإن مثل به عُلماء النحو فهو بعيد عن فصاحة العربية وأصل التركيب محمد حسنٌ وجهُ الأب، فجرَّب النحاة أن يقدموا معمول الحَسَن ويُعيدوا عليه ضميرهُ ليرُوا هَل لا يَزال يَعمل فيه لفظ الحسن فقرروا أن الصفة المشبهة لا تعنل فيما قبلها فيتعين أن الاسمَ المتقدم هو مبتدأ ومن هنا جاء هذا التركيب.
=========
المصدر :
انظر كتاب " معجم القواعد العربية " للشيخ/ عبد الغنى الدقر.
حَقِيقَةُ الاشْتِغال
أنْ يَتَقدَّم اسمٌ وَيَتَأخَّرَ عنْه عاملٌ (1) مُشتَغِلٌ عن الاسم المتقدِّم بعمله في ضَميرِه ، أو في سَبَبِ(2) ضمِيره ، بواسطةٍ أو بِغيْرِهَا ، ويكونُ العاملُ بحيث لو سُلِّطَ على الاسم المتَقَدِّم لنصَبَه لَفظاً أو مَحَلاً.
نحو : "محمداً كلمتُه" و "هذا علَّمْتُه" أي : كلمتُ محمداً كلمته ، وعَلَّمتُ هذا عَلَّمته ، وحينَئذٍ فيُضمَرُ للاسم السَّابِق إذا نُصِب عَامِلٌ مُنَاسِب للعَامِل الظاهر ، ومناسبتُه له:
- إمَّا بكونِه مِثْلَه كما مرّ.
- أو مُرادِفَه نحو : "هَاشِماً مَرُرْتُ به" تقديره : جاوزتُ هاشماً.
- أو لازمَه نحو : "عليّاً ضربتُ عَدُوَّه" ، فيقدر "أَكْرَمْتُ عليّاً أو سررتُ عليّاً" ؛ لأنَّه اللازمُ لضَرْب العَدُوّ.
شرْطُ الاسمِ المتقدم ، وشَرْط العاملِ
- شرطُ الاسمِ المُتَقدِّمِ أن يكونَ قابلاً للإضمارِ ، فلا يقعُ الاشتغالُ عن حالٍ ولا تَمْييزٍ
- وشَرْط العاملِ المَشْغُولِ أن يَصْلُح للعمل فيما قَبْله ، فلا يكونُ صِفةً مٌشَبَّهَةً ، ولا مَصْدَراً ، ولا اسمَ فِعلٍ ، ولا فِعْلاً جَامِداً كَفِعْلي التَّعَجُّب ، وألاَّ يُفْصَلَ بينه وبين الاسم السابق بأجْنبي.
حكمُ الاسمِ السابق
الأصلُ أنَّ ذلك الاسم يَجوزُ فيه وَجْهان :
أحدهما : رَاجحٌ وهو الرفعُ بالابتداءِ ، لِسَلامَته من التقدير.
الثاني : مَرْجُوحٌ وهو النَّصْبُ ، لاحتياجه إلى تقدير فعلٍ موافقٍ للمذكور ، أو مُرادِفٍ له ، أو لازمٍ مَحْذُوفٍ وجوباً ، فما بعده لا محل له لأنه مُفَسِّر.
وقد يَعرِضُ له ما يُوجِبُ نَصْبَه، أو رَفعَه، أو يٌرجِّحُ أحَدَهما، أو يُسوِّي بينهما فله حينئذٍ خمسُ أحوال :
1- وُجُوبُ النَّصْب :
يجبُ نصبُ الاسمِ المتقدّم إذا وقعَ بعد "أَدَاةٍ تَخْتَصُّ بالفعل كأدوات التَحْضيض" نحو "هَلاّ أحاكَ أكرمتَه" و "أدَواتِ الاستِفهام" غير الهمزة نحو "هل المدينةَ رَأيتَها" و "متى عَمْراً لقيتَه" و "أدوات الشَّرط" نحو "حَيْثُما عَلياً تَلْقَهُ فأكرِمْه" ؛ إلاَّ أنَّ الاشتغالَ لا يقعُ بعد أدوات الشَّرط والاستِفهامِ إلاَّ في الشعر إلاّ إذا كانت أداةُ الشرطِ "إذا" مطلقاً أو "إن" والفعلُ ماضياً فيقع في النثرِ والنظمِ نحو "إذا السائلَ لَقِيتَه أو تَلْقاه فتصَّدق عليه" و "أنِ المِسكينَ وجدتَه فارفقْ بحاله".
2- وجوبُ الرفع : يجب رفعُ الاسمِ المتقدِّم في مَوْضِعين :
(أ) أنْ يَقَع الاسمُ بعدَ أداةٍ تختص بالدخُول على المبتدأ كـ "إذا الفُجَائِية" نحو : "خَرجتُ فإذا الجَوُّ مَلأَهُ الغُبار" و "ليتَ" المقرونة بـ "مَا" نحو "ليْتَما خالدٌ زُرْتَهُ" لأنَّ "إذا" المفاجأة و "ليْتَ" المكفوفة لا يَليهما فِعلٌ، ولو نَصَبت مَا تَعدهُما كان على تقدير الفعل، ولا يتأتَّى ذلك.
(ب) أن يقعَ بعدَ الاسمِ المُشتَغَل عنه أدَاةٌ لا يَعملُ ما بعدها فيما قبلها نحو "خالِدٌ إن عَلَّمتَه يكافَئك" و "مدارسُ العِلم هَلاَّ زُرْتَها".
3- رُجحانُ النَّصْب : يَرْجَحُ نصبُ الاسمَ المتقدم في خمسةِ مواضِع:
(أ) أن يَقعَ قبلَ فعلٍ طَلَبيّ وهو "الأمرُ والدعاءُ" ولو بصيغةِ الخَبَر، والفعل مقرون بأداة الطلب، نحو "خليلاً أرشدْه" و "محمداً رحمَه اللَّهُ" و "خالداً ليُكرمْه صديقهُ" و "محموداً لا تُهْمِله".
وإنما وجب الرفعُ في نحو "محمدٌ أكْرِم به". لأن الضمير في "به" محلُّه الرفع لأنه في حقيقته فاعل.
(ب) أن يقعَ الاسمُ بعد أداةِ يَغلبُ دخولُها على الأفعال كـ "همزة الاستفهام" نحو : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُه).
فإن فصَلْتَ الهمزةَ فالمختار الرفع نحو "أأنتَ محمدٌ تُكَلِّمُه" ؛ إلا في الفصل بالظرف نحو "أكلَّ يومٍ ولدَك تَزْجُرُه" لأنَّ الفصلَ به لا تُعتَدُّ به ومثلُ الهمزة النفيُ بـ "ما" أو "لا" أو "أن" نحو "ما عَدُوَّك كلَّمتُه" أو "لا أخَاك رأيتُه" أو "أنْ زيداً رَأَيْتَه" ومنها: "حَيْثُ" نحو "حيْثَ زَيْداً تَلْقاه فأكْرِمْه" لأنَّها تُشْبِه أدَوَات الشرط فلا يَليها في الغالِب إلا فِعْل. فإن اقترنت بـ "ما" صَارت أداة شَرط واختَصَّتْ بالفعل.
(ج) أن يقع الاسمُ بعدَ عاطفٍ مسبوق بجملةٍ فعليةٍ، وهو غَيرُ مفصُول بـ "أما" نحو : "لقيتُ زيداً ومحمداً كلمتُه" ، ليَكونَ منعَطفِ الفعلِ على مثله ، وهو أنسبُ ، بخلاف "أصْلَحتُ الأَرضَ وأَمَّا الشجرُ فسقَيْتُه" لأَنَّ "أما" تَقْطَعُ ما تعدَها عما قبلها فيُختار الرَّفعُ، و "حتَّى ولَكن وبَل" كالعاطف نحو "حدَّثْتُ أهلَ المَحْفِلِ حتى الرئيسَ حَدَّثته" و "ما رأيتُ محمداً ولكن خَالِداً رأيت أَخَاه".
(د) أن يُجاتَ به اسْتِفْهامٌ عن منصوب نحو "خالداً اسْتشَرتُه" جواباً لمن سأَلك "من اسْتَشَرت؟".
(هـ) أن يكون النصبُ لا الرفعُ نصّاً في المقصود نحو : (إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) ، إذ لو رفع "كل" لأَوهم أن جملةَ خَلَقناه صفةٌ لشيْءٍ، و "بقَدَر" خَبَرٌ عن كل (فيهم أن الذي يقدر هو الشيء الموصوف بخلق الله، وأن هناك شيئاً ليس مخلوقاً له، وهو خلاف الواقع، وإنما لم يتوهم ذلك في النصب لأن "خَلَقناه" يتعين أن يكون مفسِّراً للعامل المحذوف لا صفة لشيء لأن الوصفَ لا يعملُ فيما قبله، فلا يُفَسِّر عاملاً) ، ومن ثَمَّ وَجَبَ الرفعُ في قوله تعالى: (وكلُّ شَيْءٍ فَعَلوه في الزُّبُر) ، وأن الفعل صفَة.
4- استواء الرَّفعِ والنَّصب :
يَستَوي الرفعً والنَّصب في الاسمِ المُتَقدم إذا وَقَع الاسمُ بعد عاطف تَقَدَّمتهُ جُملةٌ ذاتُ وجْهين (الجملة ذات الوجهين : هي جملة صدرها اسم وعجزها فعل كالأمثلة الواردة) بشرط أن يكون في الجملة المُفسَّرة ضميرُ المبتَدأ ، أو تكون معطوفة بالفاء نحو "عَليٌّ سافَرَ وحَسَناُ أكْرمْتُه في داره" (الهاء في داره تعود على المبتدأ وهو علي) أو "فحَسناً أكرمتُه" أو "حسَنٌ" بالنصب والرفعُ فيهما لحُصولِ المُشاكلة في كِلا الوَجهين.
5- رُجحانُ الرفع على النَّصب :
يَتَرَجَّح الرفعُ على النَّصبِ في غير المَواضِعِ المُتَقَدِّمة.
المشتَغِلُ يَكونُ فعلاً أو اسماً
كل ما مَرَّ مِنَ الاشْتِغَال يَتَعلَّقُ بالأفعال المشتغِلةِ فيما بَعدَها عما قَبْلها ، أما الاسم فقد يَشْتَغِلُ بشروط ثلاثة :
(1) أن يكُونَ وَصْفاً .
(2) عَامِلاً .
(3) صَالِحَاً للعمل فيما قَبْلَه نحو "الكتابَ أنا قَارِئُه الآنَ أو غَداً".
فيخرجُ بالشرط الأول اسمُ الفعلُ والمصدرُ نحو "محمدٌ عَلَيْكه وأخوك إحتراماً إياه" ، وبالشَّرط الثاني: الوَصْفُ للمُضِيّ لأنَّه لا تَعملُ نحو "البابُ أَنا مُصْلِحُه أمسِ" ، وبالثالث: الصفةُ المشبَّهة نحو "وجهُ الأب محمدٌ حسنُه"(3)
رابطةُ الاشتغال
لا بُدَّ في صِحةِ الاشْتِغَال من رَابِطةٍ بين العامل والاسمِ السَّابق ، وتحصل "الرابطة" بضمِيرِه المتصلِ بالعاملِ، نحو "تَكراً أكرمته".
أو بضَمِيره المنفصل من العامل بحرف جَر نحو "عليّاً مررتُ به" ، أو باسمِ مضافٍ للضميرِ نحو "محمداً كلمتُ أخاه" ، أو باسمِ أَجْنَبِيٍّ أُتْبعَ بِتَابع مُشتَمِلٍ على ضمِير الاسم بشرطِ أن يَكُونَ التابعُ نعتاً له نحو "خالداً استشرتُ رجلاً يُحبُّه" أو عطفاً بالواو نحو "محمداً علمتُه عَمْراً وأَخَاه"، أو عطفَ بيان نحو "خالداً كلَّمت علياً صديقه" لا بَدَلاً ؛ لأنَّه في نية تَكرار العاملِ، فتخلو الجملة الأولى من الرابط.
-------------------------
(1) المراد بالعامل هنا: فعلٌ متصرف أو اسمُ فاعل أو اسم مَفْعول فقط.
(2) سبب ضميره: هو الاسمُ الظاهرُ المضافُ إلى ضميرِ الاسمِ السابق نحو "علي أكْرمْتَ ابنَه" و "ابنه" هو السبب.
(3) و "وجهُ" واجب رفعهُ بالابتداء، وجملة "محمد حسنُه" خبره، ولا يجوز نصبهما لأن الصفةَ وهو "حَسن" لا تعمل فيما قبلها، وهذا التركيب وإن مثل به عُلماء النحو فهو بعيد عن فصاحة العربية وأصل التركيب محمد حسنٌ وجهُ الأب، فجرَّب النحاة أن يقدموا معمول الحَسَن ويُعيدوا عليه ضميرهُ ليرُوا هَل لا يَزال يَعمل فيه لفظ الحسن فقرروا أن الصفة المشبهة لا تعنل فيما قبلها فيتعين أن الاسمَ المتقدم هو مبتدأ ومن هنا جاء هذا التركيب.
=========
المصدر :
انظر كتاب " معجم القواعد العربية " للشيخ/ عبد الغنى الدقر.