فوائد متفرقة من كتب التراجم و السير

حلاوة اللسان في «سير أعلام النبلاء» ترجمة لأبي حمزة السُّكَّري،وفيها: «ولم يكن يبيع السُّكَّر، وإنما سُمِّيَ السُّكَّرِيَّ لحلاوةِ كلامِه».

جاء رجل إلى الإمام القاضي أبي يعلى الحنبلي رحمه الله؛ ليدرس عليه الفقه الحنبلي، فسأله عن بلده، وعرف أن أهل بلده شافعية، فرفض تدريسه، وقال: أنت شافعيٌّ، وأهل بلدك شافعيّة، فكيف تشتغل بمذهب أحمد؟!
قال: قد أحببته لأجلك! فقال: يا ولدي ما هو مصلحة؛ تبقى وحدك في بلدك ما لك من تذاكره، ولا تذكر له درسا، وتقع بينكم خصومات، وأنت وحيد لا يطيب عيشك.
فقال: إنّما أحببته وطلبته لما ظهر من دينك وعلمك!
قال: أنا أدلّك على من هو خيرٌ منّي! الشّيخ أبو إسحاق؛ فقال: يا سيدّي، إنّي لا أعرفه، فقال: أنا أمضي معك إليه".
ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.

اجْتَمَعَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَابْنُ الْمُقَفَّعِ بِالْمِرْبَدِ فَتَفَاوَضَا ، ثُمَّ تَفَرَّقَا ، فَسُئِلَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ عَنِ الْخَلِيلِ ، فَقَالَ : هُوَ نِهَايَةٌ فِي الْعِلْمِ لا تَلِدُ النِّسَاءُ مِثْلَهُ أَبَدًا فِي زَمَانِنَا هَذَا ، وَفِيهِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ عِلْمِهِ ، عَقْلُهُ أَكْثَرُ مِنْ عِلْمِهِ . وَسُئِلَ الْخَلِيلُ عَنِ ابْنِ الْمُقَفَّعِ ، فَقَالَ : لا تَلِدُ النِّسَاءُ إِلَى أَلْفِ سَنَةٍ مثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ عَيْبًا . قِيلَ لَهُ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : عِلْمُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَقْلِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ أَكْثَرَ مِنَ الْعَقْلِ ، فَهُوَ مُضِرٌّ بِصَاحِبِهِ .
من كتاب المجالسة وجواهر العلم للدينوري

قال الأستاذ أحمد مجدي قطب:
نَزعَتْ نفْسي إلى مطالَعة طرف من حديث أهل الحديث عن إمام الفقهاء الحبر الجليل أبي حنيفةَ النُّعمان -رحمه الله، ورضي عنه!-، فهالَني ما انطوتْ عليه قلوبُهم من بغضِه، وما ولغتْ فيه ألسنتُهم من شتْمِه وثلْبِه!
فقد روى الخطيب في تاريخ بغداد عن مالك -رحمه الله، وعفا عنه!- قوله: "ما وُلد في الإسلام مولودٌ أضرُّ على أهل الإسلام من أبي حنيفة!"، ونحوه عن سُفيان الثّوريّ.
وعن عبدالرَّحْمَن بن مهدي -رحمه الله، وعفا عنه!- قولَه: "ما أعلمُ في الإسلامِ فتنةً بعد فتنة الدّجّال أعظمَ مِن رأي أبي حنيفة!".
وعن شَريك بن عبدالله -رحمه الله، وعفا عنه!- قوله: "لأنْ يكونَ في كل حيٍّ من الأحياء خمّارٌ = خيرٌ من أن يكون فيه رجلٌ من أصحاب أبي حنيفة!".
وعن الأوزاعيّ -رحمه الله، وعفا عنه!- قوله: "عَمَدَ أَبُو حنيفةَ إلى عُرَى الإسلام، فنقضَها عُروةً عُروةً!".
وعن سليمان بن حرب -رحمه الله، وعفا عنه!- قوله: "وأبو حنيفة وأصحابه ممّن يصدّون عن سبيل الله!".
وعن أحمد بن حنبل -رحمه الله، وعفا عنه!- قوله: "أبو حنيفة أشدُّ على المسلمِين مِن عمرو بن عُبَيد، لأنّ له أصحابا!".
***
أفكان هذا منهم حسدًا على ما أوتي من دقّة نظر، وشدّة ذكاء، وسَعةِ فقه، وحُسن تصرُّف، وجَلالة أصحاب، وقَبول لدى العامّة؟ أم كان جمودًا على طريقةٍ ظنّوا الخروج عنها مخالفةً للسّنّة وطرْقًا لباب الابتداع؟ أم كان شيئًا خفي علينا علمُه؟
لقد ذهب بغيُهم جُفاءً، ومكثَ علمُ أبي حنيفةَ في الأرض؛ فاعتبروا، يا أولي الأبصار!

ذكرت كتب التراجم أن سبب وفاة أبي جعفر النحّاس [ت 338 هـ] صاحب كتاب "شرح القصائد التسع المشهورات" = أنه جلس على درج المقياس بمصر على شاطئ النيل وهو فى مدّه وزيادته، ومعه كتاب العروض، وهو يقطّع منه بحرًا، فسمعه بعض العوام، فقال: هذا يسحر النيل، حتى لا يزيد، فتغلو الأسعار، ثم دفعه برجله، فذهب فى المدّ، فلم يوقف له على خبر.

الَ ابْنُ العميد: ما كنتُ أظنُّ أنَّ في الدُّنيا حلاوةً ألذَّ مِن الرِّئاسة والوزارة التي أنا فيها!،
حتى شاهدتُ مذاكرةَ أبي القاسم الطبرانيِّ، وأبي بكرٍ الجِعَابيِّ بحضرتي.
فكانَ الطبرانيُّ يغلب أبا بكرٍ بكثرةِ حِفْظِه، وكانَ أبو بكر يغلبُ بفطنتِه وذكائِه حتّى ارتفعَتْ أصواتُهُـمَا، ولا يكاد أحدُهُما يغلب صاحبَه!
فقالَ الجِعَابِيُّ: عندي حديثٌ ليس في الدُّنيا إلا عندي!
فقال: هات!
فقال: حدَّثَنَا أبو خليفةَ الجُمَحيُّ، حدَّثنا سليمان بن أيوب، وحدَّثَ بحديثٍ.
فقال الطَّبرانيُّ: [أنا] هو سليمان بن أيوبَ!! ومنّي سمعه أبو خليفةَ!!
فاسمع مِنّي حتى يعلو فيه إسنادك، فَخَجِلَ الجعابي.
فوددتُ أن الوزارة لم تكن، وكنتُ أنا الطبراني، وفرحتُ كفرحِه.
سير أعلام النبلاء للذهبي