آداب طالب العلم مع شيخه وقدوته وما يجب عليه من عظيم حرمته
وهو ثلاثة عشر نوعًا:
الأول:
أنه ينبغي للطالب أن يقدم النظر ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته واشتهرت صيانته وكان أحسن تعليمًا وأجود تفهيمًا ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل.
فعن بعض السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وليحذر من التقييد بالمشهورين وترك الأخذ عن الخاملين فقد عدّ الغزالي وغيره ذلك من الكبر على العلم وجعله عين الحماقة؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها، ويتقلد المنّة لمن ساقها إليه فإنه يهرب من مخافة الجهل كما يهرب من الأسد، والهارب من الأسد لا يأنف مِنْ دلالة مَنْ يدله على الخلاص كائنًا من كان.
فإذا كان الخامل ممن ترجى بركته كان النفع به أعم والتحصيل من جهته أتم، وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفع يحصل غالبًا والفلاح يدرك طالبًا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيب وافر، وعلى شفقته ونصحه للطلبة دليل ظاهر.
وكذلك إذا اعتبرت المصنفات وجدت الانتفاع بتصنيف الأتقى الأزهد أوفر والفلاح بالاشتغال به أكثر.
وليجتهد على أن يكون الشيخ ممن له على العلوم الشرعية تمام الإطلاع، وله مع من يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع، لا ممن أخذ عن بطون الأوراق ولم يعرف بصحبة المشايخ الحذاق. قال الشافعي رضي الله عنه: من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام. وكان بعضهم يقول: من أعظم البلية تشيخ الصحيفة. أي الذين تعلموا من الصحف.
الثاني:
أن ينقاد لشيخه في أموره ولا يخرج عن رأيه وتدبيره، بل يكون معه كالمريض مع الطبيب الماهر، فيشاروه فيما يقصده ويتحرى رضاه فيما يعتمده، ويبالغ في حرمته يتقرب إلى الله تعالى بخدمته، ويعلم أن ذله لشيخه عز، وخضوعه له فخر، وتواضعه له رفعة.
ويقال إن الشافعي رضي الله عنه عوتب على تواضعه للعلماء، فقال:
ولن تكرم النفس التي لا تهينها أهين لهم نفسي فهم يكرمونها
وأخذ ابن عباس رضي الله عنهما مع جلالته ومرتبته بركاب زيد بن ثابت الأنصاري وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا.
وقال أحمد بن حنبل لخلف الأحمر: لا أقعد إلا بين يديك، أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه.
وقال الغزالي: لا ينال العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع، قال: ومهما أشار عليه شيخه بطريق في التعليم فليقلده وليدع رأيه فخطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه، وقد نبه الله تعالى على ذلك في قصة موسى والخضر عليهما السلام بقوله: { إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [الكهف: 67]، هذا مع علو قدر موسى الكليم في الرسالة والعلم حتى شرط عليه السكوت فقال: { فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } [الكهف: 70].
الثالث:
أن ينظره بعين الإجلال ويعتقد فيه درجة الكمال فإن ذلك أقرب إلى نفعه به، وكان بعض السلف إذا ذهب إلى شيخه تصدق بشيء وقال: اللهم استر عيب شيخي عني ولا تذهب بركة علمه مني.
وقال الشافعي رضي الله عنه: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحًا رفيقًا هيبة له لئلا يسمع وقعها.
وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ هيبة له.
وحضر بعض أولاد الخليفة المهدي عند شريك فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث فلم يلتفت إليه شريك، ثم عاد فعاد شريك بمثل ذلك، قال: تستخف بأولاد الخلفاء؟! قال: لا، ولكن العلم أجلّ عند الله من أن أضيعه، ويروى العلم أزين عند أهله من أن يضيعوه. وينبغي أن لا يخاطب شيخه بتاء الخطاب وكافه، ولا يناديه مِنْ بُعْدٍ بل يقول: يا سيدي ويا أستاذي.
وقال الخطيب: يقول: أيها العالم، وأيها الحافظ ونحو ذلك، وما تقولون في كذا وما رأيكم في كذا وشبه ذلك، ولا يسميه في غيبته أيضًا باسمه إلا مقرونًا بما يشعر بتعظيمه كقوله قال الشيخ أو الأستاذ كذا، وقال شيخنا أو قال حجة الإسلام أو نحو ذلك.
الرابع:
أن يعرف له حقه ولا ينسى له فضله، قال شعبة: كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدًا ما يحيا، وقال: ما سمعت من أحد شيئًا إلا واختلفت إليه أكثر مما سمعت منه.
ومن ذلك أن يعظم حرمته ويرد غيبته ويغضب لها، فإن عجز عن ذلك قام وفارق ذلك المجلس.
وينبغي أن يدعو له مدة حياته ويرعى ذريته وأقاربه وأوداءه بعد وفاته، ويتعمد زيارة قبره والاستغفار له والصدقة عنه ويسلك في السمت والهدى مسلكه، ويراعي في العلم والدين عادته ويقتدي بحركاته وسكناته، في عاداته وعباداته، ويتأدب بآدابه ولا يدع الاقتداء به.
الخامس:
أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه أو سوء خلق ولا يصده ذلك عن ملازمته وحسن عقيدته، ويتأول أفعاله التي يظهر أن الصواب خلافها على أحسن تأويل، ويبدأ هو عند جفوة الشيخ بالاعتذار والتوبة مما وقع والاستغفار، وينسب الموجب إليه ويجعل العَتْبَ عليه فإن ذلك أبقى لمودة شيخه واحفظ لقلبه وأنفع للطالب في دنياه وآخرته.
وعن بعض السلف: من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة.
ولبعضهم:
واصبر لجهلك إن جفوت معلمًا اصبر لدائك إن جفوت طبيبه
وعن ابن عباس: ذللت طالبًا فعززت مطلوبًا. وقال قبله:
إن المعلم والطبيب كليهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما
وقال معافى بن عمران: مثل الذي يغضب على العالم مثل الذي يغضب على أساطين الجامع.
وقال الشافعي رضي الله عنه: قيل لسفيان بن عيينة: إن قومًا يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم يوشك أن يذهبوا أو يتركوك، فقال للقائل: هم حمقى إذًا مثلك إن تركوا ما ينفعهم لسوء خلقي.
وقال أبو يوسف رحمه الله: خمسة يجب على الإنسان مُدَاراتهم، وعد منهم العالم ليقتبس من علمه.
السادس:
أن يشكر الشيخ على توقيفه على ما فيه فضيلة، وعلى توبيخه على ما فيه نقيصة، أو على كسل يعتريه، أو قصور يعاينه أو غير ذلك مما في إيقافه عليه وتوبيخه إرشاده وصلاحه، ويعد ذلك من الشيخ من نعم الله تعالى عليه باعتناء الشيخ به ونظره إليه، فإن ذلك أمثل إلى قلب الشيخ وأبعث على الاعتناء بمصالحه.
وإذا أوقفه الشيخ على دقيقة من أدب أو نقيصة صدرت منه وكان يعرفه من قبل فلا يظهر أنه كان عارفًا به وغفل عنه، بل يشكر الشيخ على إفادته ذلك واعتنائه بأمره، فإن كان له في ذلك عذر وكان إعلام الشيخ به أصلح فلا بأس به وإلا تركه، إلا أن يترتب على ترك بيان العذر مفسدة فيتعين إعلامه به.
السابع:
أن لا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام إلا باستئذان سواء كان الشيخ وحده أو كان معه غيره، فإن استأذن بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن له انصرف ولا يكرر الاستئذان، وإن شك في علم الشيخ به فلا يزيد في الاستئذان فوق ثلاث مرات أو ثلاث طرقات بالباب أو الحلقة، وليكن طرق الباب خفيًا بأدب بأظفار الأصابع، ثم بالأصابع، ثم بالحلقة قليلاً قليلاً، فإن كان الموضع بعيدًا عن الباب والحلقة فلا بأس برفع ذلك بقدر ما يسمع لا غير، وإذا أذن وكانوا جماعة يُقَدَّم أفضلهم وأسنهم بالدخول والسلام عليه، ثم سلم عليه الأفضل فالأفضل.
وينبغي أن يدخل على الشيخ كامل الهيئة متطهر البدن والثياب نظيفهما بعدما يحتاج إليه من أخذ ظفر وشعر وقطع رائحة كريهة لاسيما إن كان يقصد مجلس العلم فإنه مجلس ذكر واجتماع في عبادة.
ومتى دخل على الشيخ في غير المجلس العام وعنده من يتحدث معه فسكتوا عن الحديث أو دخل والشيخ وحده يصلي أو يذكر أو يكتب أو يطالع فترك ذلك أو سكت ولم يبدأه بكلام أو بسط حديث فليسلم ويخرج سريعًا إلا أن يحثه الشيخ على المكث، وإذا مكث فلا يطيل إلا أن يأمره بذلك.
وينبغي أن يدخل على الشيخ أو يجلس عنده وقلبه فارغ من الشواغل له وذهنه صاف لا في حال نعاس أو غضب أو جوع شديد أو عطش أو نحو ذلك؛ لينشرح صدره لما يقال ويعي ما يسمعه.
وإذا حضر مكان الشيخ فلم يجده جالسًا انتظره كيلا يفوت على نفسه درسه؛ فإن كل درس يفوت لا عوض له ولا يطرق عليه ليخرج إليه، وإن كان نائمًا صبر حتى يستيقظ أو ينصرف ثم يعود والصبر خير له، فقد روي عن ابن عباس كان يجلس في طلب العلم على باب زيد بن ثابت حتى يستيقظ فيقال له: ألا نوقظه لك؟ فيقول: لا، وربما طال مقامه وقرعته الشمس، وكذلك كان السلف يفعلون.
ولا يطلب من الشيخ إقراءه في وقت يشق عليه فيه أو لم تجر عادته بالإقراء فيه ولا يخترع عليه وقتًا خاصًا به دون غيره وإن كان رئيسًا كبيرًا لما فيه من الترفع والحمق على الشيخ والطلبة والعلم، وربما استحيا الشيخ منه فترك لأجله ما أهم عنده في ذلك الوقت فلا يفلح الطالب، فإن بدأه الشيخ بوقت معين أو خاص بعذر عائق له عن الحضور مع الجماعة أو لمصلحة رآها الشيخ فلا بأس بذلك.
.
وهو ثلاثة عشر نوعًا:
الأول:
أنه ينبغي للطالب أن يقدم النظر ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته واشتهرت صيانته وكان أحسن تعليمًا وأجود تفهيمًا ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل.
فعن بعض السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وليحذر من التقييد بالمشهورين وترك الأخذ عن الخاملين فقد عدّ الغزالي وغيره ذلك من الكبر على العلم وجعله عين الحماقة؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها، ويتقلد المنّة لمن ساقها إليه فإنه يهرب من مخافة الجهل كما يهرب من الأسد، والهارب من الأسد لا يأنف مِنْ دلالة مَنْ يدله على الخلاص كائنًا من كان.
فإذا كان الخامل ممن ترجى بركته كان النفع به أعم والتحصيل من جهته أتم، وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفع يحصل غالبًا والفلاح يدرك طالبًا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيب وافر، وعلى شفقته ونصحه للطلبة دليل ظاهر.
وكذلك إذا اعتبرت المصنفات وجدت الانتفاع بتصنيف الأتقى الأزهد أوفر والفلاح بالاشتغال به أكثر.
وليجتهد على أن يكون الشيخ ممن له على العلوم الشرعية تمام الإطلاع، وله مع من يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع، لا ممن أخذ عن بطون الأوراق ولم يعرف بصحبة المشايخ الحذاق. قال الشافعي رضي الله عنه: من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام. وكان بعضهم يقول: من أعظم البلية تشيخ الصحيفة. أي الذين تعلموا من الصحف.
الثاني:
أن ينقاد لشيخه في أموره ولا يخرج عن رأيه وتدبيره، بل يكون معه كالمريض مع الطبيب الماهر، فيشاروه فيما يقصده ويتحرى رضاه فيما يعتمده، ويبالغ في حرمته يتقرب إلى الله تعالى بخدمته، ويعلم أن ذله لشيخه عز، وخضوعه له فخر، وتواضعه له رفعة.
ويقال إن الشافعي رضي الله عنه عوتب على تواضعه للعلماء، فقال:
ولن تكرم النفس التي لا تهينها أهين لهم نفسي فهم يكرمونها
وأخذ ابن عباس رضي الله عنهما مع جلالته ومرتبته بركاب زيد بن ثابت الأنصاري وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا.
وقال أحمد بن حنبل لخلف الأحمر: لا أقعد إلا بين يديك، أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه.
وقال الغزالي: لا ينال العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع، قال: ومهما أشار عليه شيخه بطريق في التعليم فليقلده وليدع رأيه فخطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه، وقد نبه الله تعالى على ذلك في قصة موسى والخضر عليهما السلام بقوله: { إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [الكهف: 67]، هذا مع علو قدر موسى الكليم في الرسالة والعلم حتى شرط عليه السكوت فقال: { فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } [الكهف: 70].
الثالث:
أن ينظره بعين الإجلال ويعتقد فيه درجة الكمال فإن ذلك أقرب إلى نفعه به، وكان بعض السلف إذا ذهب إلى شيخه تصدق بشيء وقال: اللهم استر عيب شيخي عني ولا تذهب بركة علمه مني.
وقال الشافعي رضي الله عنه: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحًا رفيقًا هيبة له لئلا يسمع وقعها.
وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ هيبة له.
وحضر بعض أولاد الخليفة المهدي عند شريك فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث فلم يلتفت إليه شريك، ثم عاد فعاد شريك بمثل ذلك، قال: تستخف بأولاد الخلفاء؟! قال: لا، ولكن العلم أجلّ عند الله من أن أضيعه، ويروى العلم أزين عند أهله من أن يضيعوه. وينبغي أن لا يخاطب شيخه بتاء الخطاب وكافه، ولا يناديه مِنْ بُعْدٍ بل يقول: يا سيدي ويا أستاذي.
وقال الخطيب: يقول: أيها العالم، وأيها الحافظ ونحو ذلك، وما تقولون في كذا وما رأيكم في كذا وشبه ذلك، ولا يسميه في غيبته أيضًا باسمه إلا مقرونًا بما يشعر بتعظيمه كقوله قال الشيخ أو الأستاذ كذا، وقال شيخنا أو قال حجة الإسلام أو نحو ذلك.
الرابع:
أن يعرف له حقه ولا ينسى له فضله، قال شعبة: كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدًا ما يحيا، وقال: ما سمعت من أحد شيئًا إلا واختلفت إليه أكثر مما سمعت منه.
ومن ذلك أن يعظم حرمته ويرد غيبته ويغضب لها، فإن عجز عن ذلك قام وفارق ذلك المجلس.
وينبغي أن يدعو له مدة حياته ويرعى ذريته وأقاربه وأوداءه بعد وفاته، ويتعمد زيارة قبره والاستغفار له والصدقة عنه ويسلك في السمت والهدى مسلكه، ويراعي في العلم والدين عادته ويقتدي بحركاته وسكناته، في عاداته وعباداته، ويتأدب بآدابه ولا يدع الاقتداء به.
الخامس:
أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه أو سوء خلق ولا يصده ذلك عن ملازمته وحسن عقيدته، ويتأول أفعاله التي يظهر أن الصواب خلافها على أحسن تأويل، ويبدأ هو عند جفوة الشيخ بالاعتذار والتوبة مما وقع والاستغفار، وينسب الموجب إليه ويجعل العَتْبَ عليه فإن ذلك أبقى لمودة شيخه واحفظ لقلبه وأنفع للطالب في دنياه وآخرته.
وعن بعض السلف: من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة.
ولبعضهم:
واصبر لجهلك إن جفوت معلمًا اصبر لدائك إن جفوت طبيبه
وعن ابن عباس: ذللت طالبًا فعززت مطلوبًا. وقال قبله:
إن المعلم والطبيب كليهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما
وقال معافى بن عمران: مثل الذي يغضب على العالم مثل الذي يغضب على أساطين الجامع.
وقال الشافعي رضي الله عنه: قيل لسفيان بن عيينة: إن قومًا يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم يوشك أن يذهبوا أو يتركوك، فقال للقائل: هم حمقى إذًا مثلك إن تركوا ما ينفعهم لسوء خلقي.
وقال أبو يوسف رحمه الله: خمسة يجب على الإنسان مُدَاراتهم، وعد منهم العالم ليقتبس من علمه.
السادس:
أن يشكر الشيخ على توقيفه على ما فيه فضيلة، وعلى توبيخه على ما فيه نقيصة، أو على كسل يعتريه، أو قصور يعاينه أو غير ذلك مما في إيقافه عليه وتوبيخه إرشاده وصلاحه، ويعد ذلك من الشيخ من نعم الله تعالى عليه باعتناء الشيخ به ونظره إليه، فإن ذلك أمثل إلى قلب الشيخ وأبعث على الاعتناء بمصالحه.
وإذا أوقفه الشيخ على دقيقة من أدب أو نقيصة صدرت منه وكان يعرفه من قبل فلا يظهر أنه كان عارفًا به وغفل عنه، بل يشكر الشيخ على إفادته ذلك واعتنائه بأمره، فإن كان له في ذلك عذر وكان إعلام الشيخ به أصلح فلا بأس به وإلا تركه، إلا أن يترتب على ترك بيان العذر مفسدة فيتعين إعلامه به.
السابع:
أن لا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام إلا باستئذان سواء كان الشيخ وحده أو كان معه غيره، فإن استأذن بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن له انصرف ولا يكرر الاستئذان، وإن شك في علم الشيخ به فلا يزيد في الاستئذان فوق ثلاث مرات أو ثلاث طرقات بالباب أو الحلقة، وليكن طرق الباب خفيًا بأدب بأظفار الأصابع، ثم بالأصابع، ثم بالحلقة قليلاً قليلاً، فإن كان الموضع بعيدًا عن الباب والحلقة فلا بأس برفع ذلك بقدر ما يسمع لا غير، وإذا أذن وكانوا جماعة يُقَدَّم أفضلهم وأسنهم بالدخول والسلام عليه، ثم سلم عليه الأفضل فالأفضل.
وينبغي أن يدخل على الشيخ كامل الهيئة متطهر البدن والثياب نظيفهما بعدما يحتاج إليه من أخذ ظفر وشعر وقطع رائحة كريهة لاسيما إن كان يقصد مجلس العلم فإنه مجلس ذكر واجتماع في عبادة.
ومتى دخل على الشيخ في غير المجلس العام وعنده من يتحدث معه فسكتوا عن الحديث أو دخل والشيخ وحده يصلي أو يذكر أو يكتب أو يطالع فترك ذلك أو سكت ولم يبدأه بكلام أو بسط حديث فليسلم ويخرج سريعًا إلا أن يحثه الشيخ على المكث، وإذا مكث فلا يطيل إلا أن يأمره بذلك.
وينبغي أن يدخل على الشيخ أو يجلس عنده وقلبه فارغ من الشواغل له وذهنه صاف لا في حال نعاس أو غضب أو جوع شديد أو عطش أو نحو ذلك؛ لينشرح صدره لما يقال ويعي ما يسمعه.
وإذا حضر مكان الشيخ فلم يجده جالسًا انتظره كيلا يفوت على نفسه درسه؛ فإن كل درس يفوت لا عوض له ولا يطرق عليه ليخرج إليه، وإن كان نائمًا صبر حتى يستيقظ أو ينصرف ثم يعود والصبر خير له، فقد روي عن ابن عباس كان يجلس في طلب العلم على باب زيد بن ثابت حتى يستيقظ فيقال له: ألا نوقظه لك؟ فيقول: لا، وربما طال مقامه وقرعته الشمس، وكذلك كان السلف يفعلون.
ولا يطلب من الشيخ إقراءه في وقت يشق عليه فيه أو لم تجر عادته بالإقراء فيه ولا يخترع عليه وقتًا خاصًا به دون غيره وإن كان رئيسًا كبيرًا لما فيه من الترفع والحمق على الشيخ والطلبة والعلم، وربما استحيا الشيخ منه فترك لأجله ما أهم عنده في ذلك الوقت فلا يفلح الطالب، فإن بدأه الشيخ بوقت معين أو خاص بعذر عائق له عن الحضور مع الجماعة أو لمصلحة رآها الشيخ فلا بأس بذلك.
.