ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    البيان والتبيين للجاحظ

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    البيان والتبيين للجاحظ Empty البيان والتبيين للجاحظ

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة يناير 04, 2013 4:56 am

    كتاب البيان والتبيين من أعظم مؤلفات الجاحظ، وهو يلي كتاب الحيوان من حيث الحجم ويربو على سائر كتبه. وإذا كان كتاب الحيوان يعالج موضوعاً علمياً فإن كتاب البيان والتبيين ينصب على معالجة موضوع أدبي. ولكن الجاحظ في هذين الكتابين، شأنه في جميع كتبه، ينحو منحى فلسفياً. فهو لا يقتصر في كتاب الحيوان على أخبار الحيوانات وخصالها وطباعها، بل يتطرق إلى موضوعات فلسفية كالكمون والتولد، والجواهر والأعراض، والجزء الذي لا يتجزأ، والمجوسية والدهرية الخ. وفي كتاب البيان والتبيين لا يكتفي بعرض منتخبات أدبية من خطب ورسائل وأحاديث وأشعار، بل يحاول وضع أسس علم البيان وفلسفة اللغة.

    ويعني الجاحظ بالبيان الدلالة على المعنى، وبالتبيين الإيضاح، وقد عرف الكتاب خير تعريف بقوله الوارد في مطلع الجزء الثالث: "هذا أبقاك الله الجزء الثالث من القول في البيان والتبيين، وما شابه ذلك من غرر الأحاديث، وشاكله من عيون الخطب، ومن الفقر المستحسنة، والنتف المستخرجة، والمقطعات المتخيرة، وبعض ما يجوز في ذلك من أشعار المذاكرة والجوابات المنتخبة".

    بعض اقوال القدماء فيه
    فيه يقول أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري[1] في الصناعتين، عند الكلام على كتب البلاغة: ((وكان أكبرها واشهرها كتاب البيان والتبيين، لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. وهولعمري كثير الفوائد، جم المنافع، لما اشتمل عليه من الفصول الشريفة، والفقر اللطيفة، والخطب الرائعة، والأخبار البارعة، وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء، وما نبه عليه من مقاديرهم في البلاغة والخطابة وغير ذلك من فنونه المختارة، ونعوته المستحسنة. إلا أن الابانة عن حدود البلاغة واقسام البيان والفصاحة، مبثوثة في تضاعيفه، ومتثرة في اثنائه، فهي ضالة بين الامثلة، لا توجد الا بالتأمل الطويل، والتصفح الكثير)).

    و يقول ابن رشيق القيرواني (390هـ - 463هـ) في العمدة[2]: ((و قد استفرغ أبو عثمان الجاحظ—وهو علامة وقته - الجهد، وصنع كتابا لا يبلغ جودة وفضلا، ثم ما ادعى احاطته بهذا الفن، لكثرته، وان كلام الناس لا يحيط به الا الله عز وجل)).

    اما ابن خلدون المغربي (732هـ - 808هـ)فيسجل لنا رأي قدماء العلماء في هذا الكتاب، إذ يقول عند الكلام على علم الأدب: ((وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين: وهي أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب الأمالي لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها)).

    و نلفي في كل جزء من أجزاء الكتاب الثلاثة بحثاً في البيان والتبيين، ومجموعات من الأحاديث والخطب والمقطعات والجوابات والأشعار. ولقد التزم الجاحظ هذا التصميم وقصد إليه قصداً ليجنب القارئ الملل أو السأم بتنويع الموضوعات. وقد عبر عن ذلك بقوله: "وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يداوي مؤلفه نشاط القارئ له، ويسوقه إلى حظه بالاحتيال له، فمن ذلك أن يخرجه من شيء إلى شيء، ومن باب إلى باب، بعد أن لا يخرجه من ذلك الفن، ومن جمهور ذلك العلم".

    بهذا برر الجاحظ طرقه الموضوعات ذاتها في كل جزء من أجزاء الكتاب. فموضوع علم البيان وفلسفة اللغة توزع على الأجزاء الثلاثة: في الجزء الأول تحدث عن مفهوم البيان وأنواعه، وآفات اللسان، والبلاغة والفصاحة. وفي الجزء الثاني تحدث عن الخطابة وطبقات الشعراء, وفي الجزء الثالث تكلم على أصل اللغة وقيمة الشعر. وفي كل جزء من الأجزاء الثلاثة أورد أبو عثمان منتخبات من كلام الأنبياء، خطباً ومقطعات وأحاديث ورسائل وأشعاراً، نسبها إلى مختلف طبقات الناس: عقلاء وحمقى، نساك ومتهتكين، أعراب ومتحضرين، رؤساء وسوقة.

    [عدل]بعض ماورد في الكتاب

    35ـ الخروج مما بُني عليه أول الكلام إِسهاب.

    44ـ وأجرأ من رأيت بظهر عيب.......على عيب الرجال ذوو العيوب

    58ـ القلم أحد اللسانين، والقلم أبقى أثراً، واللسان أكثر هذراً.

    66ـ إذا كان الحب يعمي عن المساوي فالبغض يعمي عن المحاسن.

    74ـ حدِّث الناس ما حرجوك بأبصارهم وأذنوا لك بأسماعهم، فإن رأيت منهم فترة فأمسك.

    81ـ كان السلف يخافون من فتنة القول أكثر مما يخافون من فتنة السكوت.

    85ـ كانوا يمدحون جهور الصوت، ومدحوا سعة الفم.

    94ـ قيل لعبد الملك بن مروان : عجل لك الشيب فقال : وكيف لا يعجل علي، وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين.

    110ـ مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها.

    119ـ قال الحسن : لسان العاقل وراء قلبه فإذا أراد الكلام تفكر، فإن كان له قال، وإن كان عليه سكت.

    131ـ دع الاعتذار، فإنه يخالطه الكذب.

    ـ يهلك الناس في فضول الكلام وفضول المال.

    141ـ يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق.

    144ـ إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.

    164ـ كان عمر بن الخطاب لا يعرض له أمراً إلا أنشد فيه شعراً.

    173ـ عليك بأوساط الأمور فإنها.....نجاة ولا تركب ذلولاً ولا صعبا

    183ـ السكوت عن قول الحق هو في معنى النطق بالباطل.

    200ـ قال عمر : استغزروا الدموع بالتذكر.

    38ـ خطب أحدهم.. ثم قال أحد السامعين هذا خطيب العرب، لو كان في خطبته شيء من القران.

    40ـ طبقات الشعراء : شاعر، شويعر، شعرور.

    58ـ نشاط القائل على قدر فهم السامع.

    59ـ سوء الاستماع نفاق.

    ـ التثبت نصف العفو.

    80ـ إنما الناس أحاديث فإن استطعت أن تكون أحسنهم حديثاً فافعل.

    81ـ من لم يصبر على كلمة سمع كلمات.

    84ـ اصحب من يتناسى معرف لديك ويتذكر إحسانك إليه، وحقوقك عليه.

    89ـ لكل داخل دهشته فآنسوه بالتحية.

    92ـ ما قرأتُ كتاب رجل قط إلا عرفت فيه عقله.

    93ـ قال حذيفة : كن في الفتنة كابن لبون لا ظهر فيركب ولا لبن فيُحلب.

    96ـ ثلاثة أشياء تدل على عقل صاحبها : الكتاب، الرسول، الهدية.

    100ـ قيل لبعض العلماء : أي الأمور أمتع ؟ قال : مجالسة الحكماء، ومذاكرة العلماء.

    167ـ لا تسم غلامك إلا باسم يخف على لسانك.

    171ـ قال عمر : تعلموا اللحن كما تعلمون السنن والفرائض.

    173ـ قيل لأعرابي : ألقي عليك بيتاً قال : على نفسك فألقه.

    213ـ كن إلى الاستماع أسرع منك إلى القول.

    ـ العلم مثل السراج من مر به اقتبس منه.

    5ـ قال عمر : من خير صناعات العرب الأبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته، يستنزل بها الكريم، ويستعطف بها اللئيم.

    9ـ قيل لعمر : فلان لا يعرف الشر، قال : ذلك أجدر أن يقع فيه.

    26ـ قال أيوب : في أصحابي من أرجو دعوته ولا أقبل شهادته.

    27ـ وإن سيادة الأقوام فاعلم لها صعداء مطلعها طويل

    71ـ قال أحد العلماء : اقصد من أصناف العلم إلى ما هو أشهى إلى نفسك وأخف على قلبك فإن نفاذك فيه على حسب شهوتك له، وسهولته عليك.

    117ـ سئل عمر بن عبد العزيز عن قتلة عثمان، فقال : تلك دماء كف الله يدي عنها، فأنا لا أحب أن أغمس لساني فيها.

    163ـ قال ابن واسع : الإبقاء على العمل أشد من العمل.

    165ـ رأيت صلاح المرء يصلح أهله..........ويعديهم داء الفساد إذا فسد

    يُعظم في الدنيا بفضل صلاحه.......ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد

    [عدل]تصحيح عنوان الكتاب

    وُجّه سؤال لفضيلة العلامة المحقق عبد السلام هارون: (سمعتكم تقولون... «البيان والتبَيُّن»، وقد كان المتداول في اسم الكتاب هو «البيان والتبيين» ما تفسيركم لذلك ؟

    هذه ملاحظة وجيهة بلا ريب، وأنا معك في أنّ المعروف المتداول في اسم الكتاب هو «البيان والتبيين» – بياءين – ولكن طبيعة الأمور ترى أنّ هذه التسمية لا تتمشى مع المنطق، فإنّ البيان هو التبيين بعينه، ونحن نربأ بالجاحظ أن يقع في مثل هذا العيب في تسمية أشهر كتبه وأسيرها. والدارس لهذا الكتاب يرى أنه ذو شقين متداخلين:

    الشق الأول: هو ما اختاره الجاحظ من النصوص والأخبار والأحاديث والخطب والوصايا، وكلام الأعراب والزهّاد ونحو ذلك، وهو يعنيه الجاحظ بكلمة «البيان».

    والشق الثاني: هو النقد الأدبي في صورته المبكرة، فللجاحظ في هذا الكتاب نظرات فاحصة في نصوصه، وفي الكلام بصفة عامة، تسمى بعد ذلك بفن «النقد»، فهذه النظرات والقواعد التي ساقها الجاحظ هو ما عناه بكلمة «التبيُّن».

    هذا من ناحية، وهناك ناحية أخرى تاريخية وثائقية فإنّ النسخ العتيقة من هذا الكتاب – وقد أثبتُّ صورتها في تقديمي للكتاب – تقطع بأنّ عنوانه هو «البيان والتبيُّن» وهذا ما يجده القاريء بوضوح في مصورة مخطوطة كوبريلي المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (4370 أدب)، وتاريخ كتابتها هو سنة 684، وكذلك نقرأ هذا العنوان بوضوح في مصورة مخطوطة مكتبة فيض الله، وهي في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية تحت رقم (887) وهناك بحمد الله صورة منها، وهذه النسخة مكتوبة بخط أبي عمرو محمد بن يوسف بن حجاج اللخمي. وقد قرأها على الإمام أبي ذر ابن محمد بن مسعود الخشني في سنة 587 هج، وكتب هذا الناسخ أنه وجد في آخر السِّفرالذي نسخ منه الثلث الثالث من هذا الكتاب ما نصه:

    «كتب هذا السفر، وهو مشتمل على كتاب البيان والتبيُّن نسخة أبي جعفر البغدادي، وهي النسخة الكاملة، فتم بعون الله وتأييده في غرة ربيع الآخر من سنة سبع وأربعين وثلثمئة». أي بعد وفاة الجاحظ بمدة لا تزيد على 92 سنة.

    وسأُعيد هذه التسمية الصحيحة إلى نصابها في الطبعة الخامسة إن شاء الله.) انتهى. «قطوف أدبية» (ص: 97 – 98).
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    البيان والتبيين للجاحظ Empty رد: البيان والتبيين للجاحظ

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 05, 2013 7:08 am

    التعريف بالمصنِّف
    الجاحظ : أبو عمرو عثمان بن بحر (159هـ - 255هـ)

    نسبه :
    * هو : أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني - قيل : صليبةً، وقيل : ولاءً ، فإن جده كان أسود جَمَّالا لعمرو بن قلع الكناني- البصري ، الشهير بالجاحظ ، ليروز واضح في عينيه () ، وكان يقال له أيضا الحَدَقي لذلك () .
    نشأته العلمية وشيوخه :
    * ولد بالبصرة سنة 159 هجرية في خلافة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين، ونشأ يتيما في حجر أمه، حيث توفي أبوه وهو صغير . وعاش في صباه حياة بائسة، إذ ابتلي باليتم والفقر ودمامة الخِلقة، كان يبيع الخبز والسمك في سوق البصرة، ولم يكن ذلك يمنعه من التردد إلى حِلق العلم في مساجد البصرة وكتاتيبها، ومجالس علمائها وأدبائها ، فخالط العلماء والرواة ونهل من معينهم ، وكان باقعة في قوة الحفظ . وربما ضايق ذلك والدته، حيث كان جُل اشتغاله بتحصيل العلم، وكان تحصيل لقمة العيش بالنسبة إليه أمرا ثانويا؛ حتى أنها قدمت ذات مرة حين طلب الطعام طبقاً عليه كراريس من الأوراق ؟ فقال : ما هذا ؟! قالت هذا الذي تجيء به ؟
    * كان الجاحظ منهوم علم لا يشبع، ومنهوم عقل لا يرضى إلا بما يقبله عقله بالحجج القوية البالغة، ولما كانت أرض العراق حاضرة الدنيا في زمانه، فقد كان أكثر من يُشار إليهم بالبنان يسكنونها أو يفدون إليها ، فكان الجاحظ محظوظا من هذا الوجه، حيث تهيَّا له من الشيوخ أئمة في شتى الفنون ، ومن أبرز هؤلاء الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد الأنصاري في علوم العربية وآدابها، والأخفش في علم النحو والتصريف، وأخذ عن القاضي أبي يوسف وتبحر في علم الكلام على يد بلديِّه أبى إسحق النظام وثمامة بن أشرس ، وكان يأتي مِربد البصرة فيأخذ اللغة مشافهة من الأعراب .
    وكان مع ذلك يناقش حُنَين بن إسحاق وسَلمويه فيتعرَّف على الثقافة اليونانية، ويقرأ لابن المقفع فيتصل بالثقافة الفارسية، بل وكان يستأجر دكاكين الوارقين ويبيت فيها ليقرأ كل ما فيها من كتب العربية والمترجمة ، فيجمع بذلك كل الثقافات السائدة في عصره؛ من عربية وفارسية ويونانية وهندية أيضا .
    قال أبو هفان : «ثلاثة لم أر قط ولا سمعت أحب إليهم من الكتب والعلوم: الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسحاق القاضي؛ فأما الجاحظ، فإنه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائنا ما كان حتى أنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويثبُت فيها للنظر...» () .
    ذاع صيت الجاحظ، وبلغ أمره الخليفة المأمون ، فاستدعاه إلى بغداد ، وولاَّه ديوان الرسائل نيابة عن ابراهيم بن العباس الصولي ، فلم يبق فيه غير ثلاثة أيام ثم استعفى، لأنه رأى في الديوان موظفين غير مؤهلين، فقال كلمته المشهورة : ظواهر نظيفة ، وبواطن سخيفة !
    شخصيته :
    * كان الجاحظ مطبوعا على الظرف ، وربما حدث معه أمور غريبة ؛ فقد قال : «نسيت كنيتى ثلاثة أيام، فأتيت أهلي، فقلت : بمن أكنى ؟ فقالوا : بأبي عثمان» () . وقال أيضا : «وقفت أنا وأبو حرب على قاص فأردت الولع به، فقلت لمن حوله : إنه رجل صالح لا يحب الشهرة، فتفرقوا عنه ! فتفرقوا ؛ فقال لي : حسيبك الله، إذا لم ير الصياد طيرا كيف يمد شبكته ؟» () . وحكى عنه المبرد : «أنه آذاه رجل؛ فقال له : أنت والله أحوج إلى هوان من كريم إلى إكرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر» () .
    ومن شعره :
    يَـطِيبُ الـعَيشُ أَن تَـلقَـى حَكِـيـمًـا غَــدَاةَ الــعِـلــمِ وَالظَّـنِّ المُــصِيبِ
    فَـيَـكـشِـفُ عَـنـكَ حَيـرَةَ كُلِّ جَهلٍ وَفَـضـلُ الـعِـلـمِ يَـعـــرِفُهُ الأَدِيبُ
    سِـقَـــامُ الـحِـرصِ لَيسَ لَـهُ شِفَـاءٌ وَدَاءُ الـجَـهـلِ لَـيـسَ لَـهُ طَبيبُ ()
    وأنشد له المبرد :
    إن حَـالَ لَــونُ الـرَّأسِ عَن حَـالِــهِ فَـفِـي خِـضَـابِ الـرَّأسِ مُـسـتَـمتَعُ
    هَـب مَـن لَــهُ شَـيـبٌ لَـهُ حِـيـلَــةٌ فَـمَـا الَّــذِي يَـحـتَـالُهُ الأَصلَعُ ()
    قال أبو العيناء -وهو ابن أخت الجاحظ- : «دخل عليه رجل فقال: يا أبا عثمان، كيف حالك ؟ فقال: سألتني عن الجملة، فاسمعها مني واحدا واحدا، حالي أن الوزير يتكلم برأيي، وينفذ أمري، ويواتر الخليفة الصِّلات إلي، وآكل من لحم الطير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها، وأجلس على اللَّين الطبري، وأتكىء على هذا الريش، ثم أصبر على هذا حتى يأتي الله بالفرج. فقال الرجل : الفرج ما أنت فيه، قال : بل أحب أن تكون الخلافة لي، ويعمل محمد بن عبد الملك - يعني : الوزير - بأمري، ويُختلَف إليَّ، فهذا هو الفرج» () .
    معتقده :
    تأثر الجاحظ بإمام المعتزلة في زمانه إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام تأثرا كبيرا ؛ فأخذ عنه طريقته، وتبنى الكثير من آرائه، بل وانفرد هو بآراءَ كلامية ، تلقَّفها طائفة ممن تتلمذوا عليه أو قرؤوا كتبه، وعرف أولئك بالجاحظية ، وقد نسب بذلك إلى رداءة الاعتقاد ، وربما جاز به بعضهم إلى الانحلال حتى قيل في المثل : يا ويح من كفره الجاحظ ! () وقد قالالحافظ ابن حجر في لسان الميزان معلقاً على ثناء المأمون _الخليفةالمعتزلي – على مؤلفات الجاحظ : "وهذه والله صفة كتب الجاحظ كلها فسبحانمن أضله على علم".
    فلنا ما صفا من أدبه ، وعليه بدعته وضلالته .
    منهجه العلمي :
    * ولأن الجاحظ كان غزير العلم، مستوعبًا لثقافات عصره، فقد كانت مراجعه في كتبه تمتد لتشمل القرآن الكريم والحديث النبوي، والتوراة والإنجيل، وأقوال الحكماء والشعراء وعلوم اليونان، وأدب فارس وحكمة الهند، بالإضافة إلى تجاربه العلمية ومشاهداته وملاحظاته الخاصة .
    فكانت كتبه دوائر معارف يتناول فيها بعض المعارف الطبيعية والفلسفية، وتحدث في سياسة الأفراد والأمم، والنزاع بين أهل الكلام وغيرهم من الطوائف الدينية، وربما تعرض إلى ما يتعلق بعلم الهيئة (الجغرافيا) والطب وعادات الأعراب وبعض مسائل الفقه ، هذا عدا ما امتلأ به تلك الكتب من شعر وفكاهة تصل إلى حد المجون .
    إن الكتب لم تحجب الجاحظ عن الناس بجميع فئاتهم، فكان يُخالط ويسأل، يأخذ ما لا يعرفه ويُصّحح ما قد يكون عند بعضهم من أخطاء لا يقبلها العقل، إنه لا يقبل المسموع من تجارب الآخرين كما هو، بل يعمد إلى التجربة بنفسه إذا أمكن ذلك؛ حدث أن قال له أحدهم إن نوعاً من العشب يقتل الأفعى برائحته إذا ألقيته عليها فاستحضر الجاحظ ذلك العشب ، وألقاه على الأفعى وتبين له أن ما سمعه كان كذبا ‍.
    أسلوبه الكتابي :
    * والأسلوب أحد أبرز مميزات الجاحظ؛ فهو سهل واضح، فيه عذوبة وفكاهة واستطراد بلا ملل، وفيه موسوعية ونظر ثاقب، وإيمان بالعقل لا يتزعزع ، ويمكن أن يعرف على أنه أسلوب عقلاني علمي تمحيصي .
    دعا الجاحظ من خلال ما كتب لتحرير الأسلوب من الجمود والصنعة السائدين قبله، فقرّب النثر من الحياة وحملّه همومها، فأصبحت اللغة مع الجاحظ تحمل نبض الحياة والناس وتعيش قضاياهم .
    وإذا كان بعض المبدعين قد جاء إلى الحياة من الأدب، فإن الجاحظ قد جاء إلى الأدب من الحياة، كانت الحياة عنده أولاً وجاء الأدب ليعبر عن حقائق هذه الحياة، وجعل للأدب غايةً لا يفترق فيها الجانب الجمالي عن الجانب الاجتماعي، فأسهم بأن جعل الثقافة للجماهير حين قصدها وتوّجه إليها فيما يكتب .
    وكان كما يقول الشاعر بدر شاكر السياب : «أول أديب عربي نزل إلى السوق فصوَّر لنا أحوال الشعب تصويراً ينبض بالصدق والحياة، بأسلوب حسبنا أن نقول فيه: أنه أسلوب الجاحظ، والذي كان بحق مدرسة في الأسلوب تخرج منها أدباء شباب وامتاز بأنه الأسلوب البسيط الذي يخفي تحته أفكاراً في تجدّدٍ دائم، أو تحفزُ علىالتجديد، وفي كثير من النقاط يمكن مقارنةالجاحظ مع فولتير» .
    وكان الجاحظ في الأدب العربي القديم مثل ( برنارد شو ) في الأدب الانجليزي الحديث؛ كان الجاحظ جاداً وهو يضحك، مُتفلسفاً وهو يسخر، حيث عالج أخطر المشكلات بأسلوبه الساخر وخفة ظلّه المعروفة .
    تصانيفه :
    * كان الجاحظ عالما موسوعيا، أخذ من كل علم بنصيب وافر، يعرف ذلك من قرأ له، قال الوزير ابن العميد : «كتب الجاحظ تعلم العقل أولا، والأدب ثانيا» () . ويعد الجاحظ من أغزر كتّاب العالم ؛ فقد كتب حوالي 360 مؤلف ما بين كتاب في مجلدات ورسالة صغيرة، تدل على قوة ذهنه وجودة تصرفه . وقد طرق في تصانيفه موضوعات شتى؛ دينية، وأدبية، واجتماعية، ونفسية، وسياسية، وتاريخية، وجغرافية، وأخلاقية ، وغيرها .
    فمن كتبه : كتاب «نظم القرآن»، وكتاب «التوحيد»، وكتاب «الوعيد»، وكتاب «الحجة والنبوة»، وكتاب «الرد على أصحاب الإلهام»، وكتاب «الرد على المشبهة»، وكتاب «الرد على النصارى»، وكتاب «الرد على اليهود»، وكتاب «الدمامة»، وكتاب «المحاسن والأضداد»، وكتاب «البخلاء»، وكتاب «النساء»، وكتاب «البرصان والعرجان»، وكتاب «البغال» ، وكتاب «ذم البخل»، وكتاب «التربيع والتدوير»، وكتاب «الطفيلية»، وكتاب «فضائل الترك»، وكتاب «المعلمين»، وكتاب «البلدان» .
    مرضه ووفاته :
    * أصابه في أواخر عمره الفالج - الشلل النصفي - فكان يَطلي نصفه الأيمن بالصندل () والكافور لشدة حرارته، والنصف الأيسر لو قرض بالمقاريض لما أحس به من خدره وشدة برده . وقال في مرضه للطبيب : اصطلحت على جسدي الأضداد؛ إن أكلت باردا أخذ برجلي، وإن أكلت حارا أخذ برأسي .
    قال المبرد : دخلت على الجاحظ في آخر أيامه وهو عليل فقلت له كيف أنت فقال كيف يكون من نصفه مفلوج ولو نشر بالمناشير ما حس به ونصفه الأخر منقرَس () لو طار الذباب بقربه لألمه ، والآفة في جميع هذا أني قد جزت التسعين ثم أنشدنا
    أَتـرجُـو أَن تَـكُـونَ وَأَنـتَ شَـيـخٌ كَـمَــا قَـد كُـنـتَ أَيَّــامَ الـشَّبَابِ
    لَـقَـد كَـذَّبـتـكَ نَفسُكَ لَيسَ ثَوبٌ دَرِيـسٌ كاَلـجَـدِيدِ مِنَ الثِّيَابِ ()
    قال يزيد بن محمد المهلبي : قال لي المعتز بالله : يا يزيد ورد الخبر بموت الجاحظ؛ فقلت: لأمير المؤمنين طول البقاء ودوام العز، قال : وذلك في سنة خمس وخمسين ومائتين. قال المعتز : لقد كنت أحب أن أشخِصَه إليَّ وأن يقيم عندي، فقلت له : إنه كان قبل موته عَطِلا بالفالج . وكانت وفاته بالبصرة في المحرم من السنة المذكورة ، وقد جاوز التسعين عاما، قيل : كان موته بسقوط مجلدات العلم عليه . رحمه الله تعالى، وجزاء عن العلم وأهله خير الجزاء () .
    التعريف بالمصنَّف " البيان والتبيين "

    شرح العنوان :
    * لما كان المركب يعرف بشرح مفرداته ؛ رأينا أن نشرح مفردات هذا العنوان ، لنقف على معناه بجلاء .
    1/فالبيان ؛ من بانَ الشيء يَبينُ بَياناً اتضح فهو بَيِّنٌ، وكذلك أَبانَ الشيءُ فهو مُبـينٌ .فالمراد به الدلالة وغيرهِا مما يوضح به الشيءُ ، وكذلك الفهم وذكاء القلب مع اللِّسان اللَّسِن . يقال : فلان أبْيَنُ من فلان أي أفصح منه، وأوضح كلاما .
    2/والتبيين ؛ من تَبَـيَّنَ الشيءُ إذا ظَهَرَ ، و التَّبْـيـينُ: الإِيضاح والوُضوحُ . وفي المثل : قد بَيَّنَ الصبح لذي عينين () .
    المبحث الثاني : لماذا هذا الكتاب ؟
    * يذكر الجاحظ في : «...وقال تبارك وتعالى (وَمَا أَرسَلنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بلِسَانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم) [إبراهيم:4]؛ لأن مدار الأمر على البيان والتبيين، وعلى الإفهام والتفهيم، وكلَّما كان اللسان أبيَنَ، كان أحمدَ، كما أنه كلما كان القلب أشد استبانة، كان أحمد. والمُفهِّم لك والمُتفهِّم عنك شريكان في الفضل، إلا أن المفهِّم أفضل من المتفهم، وكذلك المعلم والمتعلم» () .
    ما الغرض من تصنيف هذا الكتاب ؟ :
    * واضح من أوائل الكتاب أنه مصنف لشخص يجله المصنف، فهو في أكثر من مقام يعترض كلامه بعبارة (أبقاك الله) () ، وربما خاطبه بضمير الجمع ، كقوله : «...والذي نحن ذاكروه من ذلك في هذا الموضع قليل من كثير مما ذكرناه في كتاب العرجان، فإن أردتموه فهو هناك موجودٌ، إن شاء الله تعالى» () ، وقوله : «...بكلام مستكرة تجدهم في الجزء الثالث» ()، وقوله : «وهذا باب يقع في كتاب الجوارح... وهو وارد عليكم بعد هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى» () .
    ولم نقف على تسمية الشخص المراد في الكتاب ، لكن قد نقلت كتب التراجم عن الجاحظ قوله : «أهديت إلى محمد بن عبد الملك كتاب «الحيوان»، فأعطاني خمسة آلاف دينار، وأهديت كتاب «البيان والتبيين» إلى أحمد بن أبي دؤاد، فأعطاني كذلك، وأهديت كتاب «الزرع والنخل» إلى ابراهيم الصولي، فأعطاني مثلها فرجعت إلى البصرة ومعي ضيعة، لا تحتاج إلى تحديد ولا إلى تسميد» () . وهؤلاء الثلاثة الذين سمّاهم كلهم وزراء ، والمعني منهم بهذا الكتاب ابن أبي دؤاد .
    أسلوب الكتاب ومنهجه :
    * يعتبر البيان والتبيين من أواخر مؤلفات الجاحظ ، فقد ألف كتاب الحيوان وعمره اثنان وثمانون عاما، ونراه هنا يحيل عليه ، فهو من أواخر تصانيفه، بلا ريب، وهو كتاب في الأدب يتناول فيه موضوعات متفرقة مثل الحديث عن الأنبياء والخطباء والفقهاء والأمراء والحديث عن البلاغة واللسان والصمت والشعر والخطب والرد على الشعوبية واللحن والحمقى والمجانين ووصايا الأعراب ونوادرهم والزهد، وغير ذلك .
    * ولقد شبه بعضهم أسلوب الجاحظ بأسلوب قصص ألف ليلة وليلة المتداخلة؛ إذ أن شهرزاد تحكي لشهريار قصة ، ثم يحكي أحد أبطال هذه القصة قصة فرعية، وتتخلل القصة الفرعية قصة ثالثة ورابعة أحيانًا، ثم تعود للقصة الأساسية. فالجاحظ يتناول موضوعًا ثم يتركه ليتناول غيره، ثم يعود للموضوع الأول، وقد يتركه ثانية قبل أن يستوفيه وينتقل إلى موضوع جديد، وهكذا؛ فكل فصل من الفصول من «البيان والتبيين» - كما يقول أحمد أمين - : «فوضى لا تضبط، واستطراد لا يحد» .
    بل وقد حمَّل بعضهم الجاحظ مسؤولية الفوضى التي تسود كتب الأدب العربي، لأنها جرت على منواله، واحتذت حذوه، فالمبرد تأثر به في تأليفه، والكتب التي ألفت بعد كـ«عيون الأخبار» و«العقد الفريد» فيها شيء من روح الجاحظ، وإن دخلها شيء من الترتيب والتبويب .
    والذي يظهر أن الاستطراد في المواضيع الجانبية ، لم يكن ضربا من الاعتباط والعبثية ، وإنما كان سياسة للجاحظ في كتبه ، يدلنا على ذلك قوله - لما اعتذر عن استطراده في ذكر قصة لقمان وابنه لقيم - : «...وهذا الباب يقع في كتاب الانسان من كتاب «الحيوان» وفي فضل ما بين الذكر والأنثى تاما، وليس هذا الباب مما يدخل في باب «البيان والتبيين»، ولكن قد يجرى السبب، فيجري معه بقدر ما يكون تنشيطا لقارىء الكتاب، لأن خروجه من الباب إذا طال لبعض العلم، كان ذلك أروح على قلبه وأزيد في نشاطه . إن شاء الله» () . ونحو ذلك قوله في «الحيوان» : «متى خرج -القارئ- من آي القرآن صار إلى الأثر، ومتى خرج من أثر صار إلى خبر، ثم يخرج من الخبر إلى الشعر، ومن الشعر إلى النوادر، ومن النوادر إلى حكم عقلية ومقاييس شداد، ثم لا يترك هذا الباب ولعله أن يكون أثقل والملال أسرع حتى يفضي به إلى مزح وفكاهة، وإلى سخف وخرافة ولست أراه سخفًا» .
    وفي هذا الكتاب لما عقد باب البيان ؛ وتعرض إلى تعريفه وما قيل فيه ، عقب على ذلك بقوله قال : «وكان في الحق أن يكون هذا الباب في أول هذا الكتاب، ولكنا أخرناه لبعض التدبير» () ، ولعلَّ من تدبيره أنه ابتدأه بذكرالعي وقلة الفصاحة ، ليصل إلى تفصيل القول في سيرة واصل بن عطاء رأس المعتزلة وإمامهم، متوسلا إلى ذلك بذكر عقدة اللثغة التي استطاع تجاوزها ، والمنافحة عن آرائه .
    فالأمر عنده يجري على نسق معين ، وكوننا لا نصل إلى مبتغانا من كتاباته إلا بشق الأنفس ، لا ينفي أن يكون له نظام في تلك الفوضى .
    * وقد جزأ المصنف كتابه إلى ثلاثة أجزاء ، مقسمة إلى صدر وصلب ، وربما قطع الجزء الواحد بأكثر من بسملة ، ولعل ذلك لأنه كان يؤلفه على مراحل ، فكلما استأنف العمل فيه ، ابتدأ بالبسملة تبركا واستعانة () .
    وختم بقوله : «وهذا -أبقاك الله- آخر ما ألفناه من كتاب «البيان والتبيين»، ونرجو أن نكون غير مقصرين فيما اخترناه من صنعته، وأردناه من تأليفه، فإن وقع على الحال التي أردنا، وبالمنزلة التي أملنا؛ فذلك بتوفيق الله وحسن تأييده، وإن وقع بخلافها، فما قصَّرنا في الاجتهاد، ولكن حُرمنا التَّوفيق . والله تعالى أعلم» () .
    محتوى الكتاب :
    * لاحظ أبو هلال حسن بن عبد الله العسكري (ت395هـ) عسر تحصيل المباحث اللغوية والأدبية من كتاب «البيان والتبيين»، وقرَّر ذلك في كتابه «صناعتا النظم والنثر» قائلا : «إن أنواع البيان والبلاغة مبثوثة في تضاعيفه ومنتشرة، لا توجد إلا بالتأمل» () . وبناء على هذا الكلام يمكننا أن نقسم الكتاب إلى بابين كبيرين؛ هما :
    باب الكلام : ويندرج تحته مجموعة فصول تتعلق باللسان وما يتصل به من مخارج الحروف واختلاف طرق الأداء واللحن ، والفصاحة .
    وباب البلاغة: ويضم فصولا تشتمل على تعريفها ، وذكر ما يتعلق بها ، وذكر الخطبة وآدابها وشروطها وأصحابها ، وعلومها.
    على أن تضاعيف السطور لا تخلو من مباحث ، لو رحنا نستقصيها ، لجعلناها في أبواب مفردة كثيرة، كمثل تراجم الأعلام من الشعراء والخطباء وغيرهم، وذكر معتقدات بعضهم كبشار بن برد، وعقد الموازنات بين الشعراء والخطباء ، وإيراد الانتقادات على جامعي اللغة وأئمتها، في سلسلة يطول ذكرها ، ولا يعرف تفصيلها إلا بمباشرتها .
    القيمة العلمية للكتاب :
    * أجمع جل من ترجموا للجاحظ على أن كتابيه «الحيوان» و«البيان والتبيين» هما أجل تصانيفه، وأوسعها فائدة، وأوسعها انتشارا . قال ابن خلكان : «ومن أحسن تصانيفه وأمتعها كتاب «الحيوان» فلقد جمع كل غريبة ، وكذلك كتاب «البيان والتبيين»» () .
    * في معرض حديثه ربما أشار الجاحظ إلى كتاب من كتبه ، بسط فيه العبارة ؛ فمن الكتب التي ذكرها: كتاب «الأسماء والكنى» () ، و«أنباء السراري» ()، وكتاب «الحيوان» ، وكتاب «الجوارح وعللها» ()، وكتاب «الزرع والنخل» () .
    * والجاحظ نفسه يثني على كتابه هذا، ويحث على مدارسته؛ يقول -رحمه الله-: «ولما قرأ المأمون كتبي في الإمامة، فوجدها على ما أمر به، وصرت إليه، وقد كان أمر اليزيدي بالنظر فيها ليخبره عنها، قال لي : قد كان بعض من نرتضي عقله ونصدق خبره خبرنا عن هذه الكتب بإحكام الصنعة وكثرة الفائدة، فقلت قد تربي الصفة على العيان، فلما رأيتها رأيت العيان قد أربى على الصفة، فلما فليتها أربى الفَلي على العيان، كما أربى العيان على الصفة . وهذا كتاب لا يحتاج إلى حضور صاحبه، ولا يفتقر إلى المحتجين عنه، قد جمع استقصاء المعاني، واستيفاء جميع الحقوق مع اللفظ الجزل، والمخرج السهل، فهو سوقي ملوكي، وعامي خاصي» () .
    خاتمة

    عاصر الجاحظ اثنا عشر خليفة عباسياً هم : المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون، والمعتصم والواثق ، والمتوكل والمنتصر، والمستعين والمعتز والمهتدي بالله، وعاش القرن الذي كانت فيه الثقافة العربية في ذروة ازدهارها .
    والجاحظ بهذا الفكر، وهذه الثقافة المتنوعة الجامعة، وذاك العمر المديد بما يعطيه للمرء من خبرات وتجارب، وهذا الأسلوب المميز: استحق مكانه المتميز في تاريخ الثقافة العربية بما له من تأثير واضح قوي في كل من جاءوا بعده .
    وقد كانت ثمرة هذه الحياة يانعة ، فقد وصلتنا بعض كتبه ، وما وصل غيض من فيض ، لكن أحدها وهو كتاب البيان والتبيين، كان بحق أحد أعمدة الأدب الأربعة ؛ فقد شحنه بالتأصيلات العلمية ، والفوائد اللغوية ، والتحليلات البيانية واللسانية ، وتعرض إلى مباحث شائكة ، فيسر عسيرها ، وصاغها صياغة تمكن من حسن تصورها .
    هذا جهد المقل ، فإن أصبنا فمن الله وحده ، وإن كان غير ذلك ، فعذرنا أننا قد بذلنا ما في وسعنا و(ما على المحسنين من سبيل). وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين . والحمد لله رب العالمين .



    قائمة المصادر والمراجع


    01- «البداية والنهاية» ، إسماعيل بن عمر الدمشقي . مكتبة المعارف. بيروت. د-ط .د-ت.
    02- «البيان والتبيين» ، عمرو بن بحر الجاحظ . دار صعب. بيروت . ط1. 1967. تحقيق : فوزي عطوي .
    03- «تاريخ بغداد» ، الخطيب البغدادي. دار الكتب العلمية. بيروت. د-ط .
    04- «سير أعلام النبلاء» ، محمد بن أحمد الذهبي . مؤسسـة الرسالـة. سوريا. ط9. 1997. تحقيق : شعيب الأرناؤوط ومحمد العرقسوسي .
    05- «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» ، عبد الحي بن أحمد الدمشقي . دار الكتب العلمية . بيروت . د-ط .د-ت.
    06- «الفهرست»، محمد بن إسحق النديم. دار المعرفة. بيروت. ط1. 1978.
    07- «كشف الظنون»، مصطفى بن عبد الله . دار الكتب العلمية. بيروت. ط1. 1993. تحقيق : إبراهيم الزيبق .
    08- «لسان العرب» ، محمد بن مكرم ابن منظور. دار صادر. بيروت. ط1. 1993. تحقيق : إبراهيم الزيبق .
    09- «المقدمة» ، عبد الرحمن بن محمد . دار القلم. بيروت ط5. تحقيق : محمود يوسف زايد .
    10- «المنتظم» ، عبد الحمن بن علي ابن الجوزي . دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة الأولى. 1997. تحقيق : محمد ومصطفى عطا .
    11- «وفيات الأعيان» ، أحمد بن محمد ابن خلكان . دار الثقافة. بيروت. ط1. 1967. تحقيق : إحسان عباس.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    البيان والتبيين للجاحظ Empty رد: البيان والتبيين للجاحظ

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء أبريل 03, 2013 12:44 pm

    ذكر العلاَّمة عبد السلام هارون رحمه الله في كلمته * في حفل تكريمه بجائزة الملك فيصل - في الدقيقة (4: 7) - اسمَ كتاب الجاحظ المشهور فقال : (البيان والتبيُّن) - بياء واحدة مشدَّدة - وهذا ما لفت نظر محاوره الأريب يوسف نوفل في مجلة الفيصل (العدد 54 - 1401هـ) فسأله عن كلمة "التبيُّن" التي قالها في حفل التكريم ، وتفسيره لشيوع كلمة التبيين ؛ فكان مما أجابه به الشيخ أنَّ هذه التسمية - أي التبيين- لا تتمشى مع المنطق ؛ فإن البيان هو التبيين بعينه ، ونحن نربأ بالجاحظ أن يقع في مثل هذا العيب في تسميته أشهر كتبه وأسيرها . والدارس لهذا الكتاب يرى أنه ذو شقين متداخلين : الشق الأول هو ما اختاره الجاحظ من النصوص والأخبار والأحاديث والخطب والوصايا ... ونحو ذلك، وهو ما يعنيه الجاحظ بكلمة (البيان) . والشق الثاني هو النقد الأدبي في صورته المبكرة ، فللجاحظ في هذا الكتاب نظرات فاحصة في نقد نصوصه ، وفي الكلام بصفة عامة تَسمَّى بعد ذلك بفن (النقد) فهذه النظرات وهذه القواعد التي ساقها الجاحظ هو ما عناه بكلمة (التبيُّن) . وأشار الشيخ إلى أن النسخ العتيقة لمخطوطات الكتاب تقطع بأن عنوانه هو (البيان والتبيُّن) ، وقال لمحاوره : "وسأعيد هذه التسمية الصحيحة إلى نصابها في الطبعة الخامسة إن شاء الله" ** . ولكن المنية وافته رحمه الله قبل أن يحقِّق مراده .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * رابط الكلمة : https://www.youtube.com/watch?v=iz5rpxE-BFY&feature=youtu.be .
    ** قطوف أدبية حول تحقيق التراث ص 97 ، 98 .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 6:52 pm