هل حديث: ((إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدُكم عملاً أن يتقنه))، صحيح؟
بقلم: خالد الحايك.
هذا الحديث رواه أبو يعلى في ((مسنده)) (7/349)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (1/275)، وابن عَدي في ((الكامل)) (6/361)، كلّهم عن مصعب بن عبدالله بن مصعب بن ثابت، عن بشر بن السري، عن مصعب بن ثابت، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه)).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن هشام إلا مصعب. تفرد به بشر!".
وقال ابن عدي: "وهذا لم يروه عن هشام غير مصعب هذا، وعن مصعب: بشر بن السري".
وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/98): "رواه أبو يعلى، وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة".
قلت: ورواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (4/334) من طريق مطين، قال: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا بشر بن السري، عن مصعب بن ثابت، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أرهقوا القبلة -قال أبو حفص -يعني مطين: أي ادنوا إليها- فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّ الله تبارك وتعالى يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).
ثُم رواه البيهقي عن أبي عبدالله الحافظ، عن أبي بكر بن أبي دارم الحافظ، قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن المستلم، قال: حدثنا مصعب بن عبدالله بن مصعب الزبيري، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).
قال البيهقي: "كذا قال! وأظنه غلطاً فقد أخبرنا أبو عبدالله الحافظ: حدثنا أبو العباس الأصم: أخبرنا محمد بن إسحاق الصغاني. [ح] وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم العطار المقرئ: حدثنا إدريس بن عبدالكريم قالا: حدثنا مصعب بن عبدالله الزبيري، قال: حدثني بشر بن السري، عن مصعب بن ثابت، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أن الله جلّ وعزّ يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))".
قال البيهقي: "هذا أصح، وليس لمالك فيه أصل، والله أعلم. ورواه أيضاً أبو الأزهر عن بشر بن السري".
قلت: هذا الحديث تفرد به مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير المدني، وكان صدوقاً كثير الغلط، ولهذا ليّنه أهل الحديث. وإنما ذكره ابن حبان في الثقات لأنه في أصله صدوقاً، ولكثرة غلطه ذكره في الضعفاء، فلا يصح قول الهيثمي: "وثقه ابن حبان"! لأن ذلك يوهم أنه ثقة عنده مطلقاً، وليس كذلك، فهو نفسه قد نبّه على أنه ذكره في الضعفاء.
قال ابن حبان في ((الثقات)) (7/478): "مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير بن العوام. يروي عن عامر بن عبدالله بن الزبير. روى عنه ابن المبارك وبشر بن السري. مات سنة سبع وخمسين ومئة. كنيته أبو عبدالله، وهو جد مصعب بن عبدالله الزبيري. وقد أدخلته في الضعفاء وهو ممن استخرت الله فيه".
وقال في ((المجروحين)) (3/29): "يروي عن هشام بن عروة. روى عنه أهل العراق. منكر الحديث! ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير فلما كثر ذلك منه استحق مجانبة حديثه. مات سنة سبع وخمسين ومئة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، ويكنى أبا عبدالله. سمعت محمد بن محمود يقول: سمعت الدارمي يقول: سألت يحيى بن معين عن مصعب بن ثابت؟ فقال: ضعيف".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/304): سألت أبي عن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير؟ فقال: "صدوقٌ كثير الغلط، ليس بالقوي". وقال عبدالرحمن: سئل أبو زرعة عن مصعب بن ثابت؟ فقال: "ليس بقوي".
قلت: وهذا الحديث أصله مرسلٌ.
روى ابن شبّة في ((أخبار المدينة)) (1/67) قال: حدثنا أبو عاصم –هو الضحاك بن مَخلد-، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء –هو ابن أبي رباح- قال: ((لما دفن إبراهيم رأى النبيّ في القبر جحر. فقال: سدوا الجحر، فإنه أطيب للنفس. إن الله يحب إذا عمل العبد عملاً أن يتقنه)).
وطلحة بن عمرو المكي ضعيف الحديث، فلو كان هذا الحديث مرفوعاً لما قبلناه منه، ولكنه مرسل، وهو أصل الحديث المرفوع، فلا يرد حديثه هذا.
ومصعب بن ثابت يروي عن عطاء بن أبي رباح، فكأنه سمع هذا الحديث منه، ولكن عندما حدّث به أخطأ فيه وسلك الجادة: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وتفرد مصعب عن هشام لا يُحتمل؛ لأنه كثير الغلط.
وحديث القبر المرسل قد رُوي مرفوعاً.
رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (1/143) عن محمد بن عمر الواقدي، قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن المنذر بن عبيد، عن عبدالرحمن بن حسّان بن ثابت، عن أمّه سيرين، قالت: حضرت موت إبراهيم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا، فلما مات نهانا عن الصياح، وغسله الفضل بن عباس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان، ثم حمل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر، والعباس جالس إلى جنبه، ونزل في حفرته الفضل بن عباس وأسامة بن زيد، وأنا أبكي عند قبره ما ينهاني أحد، وخسفت الشمس ذلك اليوم فقال الناس لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته)). ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في اللبن فأمر بها أن تسد، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ((أما إنها لا تضر ولا تنفع، ولكن تقر عين الحي، وإن العبد إذا عمل عملاً أحب الله أن يتقنه)).
ورواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (34/290) ثُم قال: "هذا حديثٌ غريبٌ".
قلت: هذا الحديث فيه نكارة شديدة، والواقدي كذّاب لا يحتج بحديثه.
ورواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (24/306) من طريق الزبير بن بكّار، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي، عن محمد بن طلحة التيمي، عن إسحاق بن إبراهيم بن عبدالله بن حارثة بن النعمان، عن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت، عن أمه سيرين قالت، الحديث بطوله.
قلت: ومحمد بن الحسن بن زبالة ليس بثقة، مُتَّهم، كان يسرق الحديث.
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (7/227): سألت أبي عن محمد بن الحسن ابن زبالة المديني؟ فقال: "ما أشبه حديثه بحديث عمر بن أبي بكر المؤملي، والواقدي، ويعقوب الزهري، والعباس بن أبي شملة، وعبدالعزيز بن عمران الزهري، وهم ضعفاء مشايخ أهل المدينة".
قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن ابن زبالة؟ فقال: "واهي الحديث، ضعيف الحديث، ذاهب الحديث، منكر الحديث، عنده مناكير وليس بمتروك الحديث".
والحديث مركّب من مجموعة أحاديث لا يصح منها إلا ما ذكر في خسوف الشمس. وهو ما رواه البخاري في ((صحيحه)) (1/354)، ومسلم في ((صحيحه)) (2/630) من طرقٍ عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبة، قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم. فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا الله)).
وسيرين زوج حسّان بن ثابت وأم عبدالرحمن بن حسان بن ثابت لا يوجد لها رواية، وقد اعتمد ابن عبدالبر في كتابه في الصحابة، وكذلك المزي على هذه الرواية المكذوبة في إثبات روايتها، وذكر ذلك أيضاً ابن حجر، ولا يصح.
قال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (4/1868): "سيرين أخت مارية القبطية. أهداهما جميعاً المقوقس صاحب مصر والإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مأبور الخصي فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية لنفسه، ووهب سيرين لحسّان بن ثابت، وهي أم عبدالرحمن بن حسان بن ثابت. روى عنها ابنها عبدالرحمن بن حسان، قالت: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في قبر ابنه إبراهيم فأمر بها فسُدت، وقال: إنها لا تضر ولا تنفع، ولكن تقر عين الحي، وإن العبد إذا عمل شيئاً أحب الله منه أن يتقنه".
وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (7/722): "وروى عبدالرحمن بن حسان عن أمه سيرين قالت: لما احتضر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم كنت كلما صحت أنا وأختي نهانا عن الصياح... الحديث".
وللحديث شاهدٌ رواه قطبة بن العلاء، ولا يصح! وأصله مرسل أيضاً، وقد تكلمت عليه في موضعٍ آخر، ولله الحمد والمنّة.
والحاصل أن الحديث ضعيف بكلّ طرقه، ولا يصح عمل الشيخ الألباني بتقويته بالشواهد الواهية، وذكره له في ((الصحيحة)) (1113).
وكتب: خالد الحايك.
17 جمادى الأولى 1429هـ.
بقلم: خالد الحايك.
هذا الحديث رواه أبو يعلى في ((مسنده)) (7/349)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (1/275)، وابن عَدي في ((الكامل)) (6/361)، كلّهم عن مصعب بن عبدالله بن مصعب بن ثابت، عن بشر بن السري، عن مصعب بن ثابت، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه)).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن هشام إلا مصعب. تفرد به بشر!".
وقال ابن عدي: "وهذا لم يروه عن هشام غير مصعب هذا، وعن مصعب: بشر بن السري".
وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/98): "رواه أبو يعلى، وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة".
قلت: ورواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (4/334) من طريق مطين، قال: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا بشر بن السري، عن مصعب بن ثابت، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أرهقوا القبلة -قال أبو حفص -يعني مطين: أي ادنوا إليها- فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّ الله تبارك وتعالى يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).
ثُم رواه البيهقي عن أبي عبدالله الحافظ، عن أبي بكر بن أبي دارم الحافظ، قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن المستلم، قال: حدثنا مصعب بن عبدالله بن مصعب الزبيري، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).
قال البيهقي: "كذا قال! وأظنه غلطاً فقد أخبرنا أبو عبدالله الحافظ: حدثنا أبو العباس الأصم: أخبرنا محمد بن إسحاق الصغاني. [ح] وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم العطار المقرئ: حدثنا إدريس بن عبدالكريم قالا: حدثنا مصعب بن عبدالله الزبيري، قال: حدثني بشر بن السري، عن مصعب بن ثابت، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أن الله جلّ وعزّ يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))".
قال البيهقي: "هذا أصح، وليس لمالك فيه أصل، والله أعلم. ورواه أيضاً أبو الأزهر عن بشر بن السري".
قلت: هذا الحديث تفرد به مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير المدني، وكان صدوقاً كثير الغلط، ولهذا ليّنه أهل الحديث. وإنما ذكره ابن حبان في الثقات لأنه في أصله صدوقاً، ولكثرة غلطه ذكره في الضعفاء، فلا يصح قول الهيثمي: "وثقه ابن حبان"! لأن ذلك يوهم أنه ثقة عنده مطلقاً، وليس كذلك، فهو نفسه قد نبّه على أنه ذكره في الضعفاء.
قال ابن حبان في ((الثقات)) (7/478): "مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير بن العوام. يروي عن عامر بن عبدالله بن الزبير. روى عنه ابن المبارك وبشر بن السري. مات سنة سبع وخمسين ومئة. كنيته أبو عبدالله، وهو جد مصعب بن عبدالله الزبيري. وقد أدخلته في الضعفاء وهو ممن استخرت الله فيه".
وقال في ((المجروحين)) (3/29): "يروي عن هشام بن عروة. روى عنه أهل العراق. منكر الحديث! ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير فلما كثر ذلك منه استحق مجانبة حديثه. مات سنة سبع وخمسين ومئة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، ويكنى أبا عبدالله. سمعت محمد بن محمود يقول: سمعت الدارمي يقول: سألت يحيى بن معين عن مصعب بن ثابت؟ فقال: ضعيف".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/304): سألت أبي عن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير؟ فقال: "صدوقٌ كثير الغلط، ليس بالقوي". وقال عبدالرحمن: سئل أبو زرعة عن مصعب بن ثابت؟ فقال: "ليس بقوي".
قلت: وهذا الحديث أصله مرسلٌ.
روى ابن شبّة في ((أخبار المدينة)) (1/67) قال: حدثنا أبو عاصم –هو الضحاك بن مَخلد-، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء –هو ابن أبي رباح- قال: ((لما دفن إبراهيم رأى النبيّ في القبر جحر. فقال: سدوا الجحر، فإنه أطيب للنفس. إن الله يحب إذا عمل العبد عملاً أن يتقنه)).
وطلحة بن عمرو المكي ضعيف الحديث، فلو كان هذا الحديث مرفوعاً لما قبلناه منه، ولكنه مرسل، وهو أصل الحديث المرفوع، فلا يرد حديثه هذا.
ومصعب بن ثابت يروي عن عطاء بن أبي رباح، فكأنه سمع هذا الحديث منه، ولكن عندما حدّث به أخطأ فيه وسلك الجادة: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وتفرد مصعب عن هشام لا يُحتمل؛ لأنه كثير الغلط.
وحديث القبر المرسل قد رُوي مرفوعاً.
رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (1/143) عن محمد بن عمر الواقدي، قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن المنذر بن عبيد، عن عبدالرحمن بن حسّان بن ثابت، عن أمّه سيرين، قالت: حضرت موت إبراهيم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا، فلما مات نهانا عن الصياح، وغسله الفضل بن عباس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان، ثم حمل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر، والعباس جالس إلى جنبه، ونزل في حفرته الفضل بن عباس وأسامة بن زيد، وأنا أبكي عند قبره ما ينهاني أحد، وخسفت الشمس ذلك اليوم فقال الناس لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته)). ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في اللبن فأمر بها أن تسد، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ((أما إنها لا تضر ولا تنفع، ولكن تقر عين الحي، وإن العبد إذا عمل عملاً أحب الله أن يتقنه)).
ورواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (34/290) ثُم قال: "هذا حديثٌ غريبٌ".
قلت: هذا الحديث فيه نكارة شديدة، والواقدي كذّاب لا يحتج بحديثه.
ورواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (24/306) من طريق الزبير بن بكّار، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي، عن محمد بن طلحة التيمي، عن إسحاق بن إبراهيم بن عبدالله بن حارثة بن النعمان، عن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت، عن أمه سيرين قالت، الحديث بطوله.
قلت: ومحمد بن الحسن بن زبالة ليس بثقة، مُتَّهم، كان يسرق الحديث.
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (7/227): سألت أبي عن محمد بن الحسن ابن زبالة المديني؟ فقال: "ما أشبه حديثه بحديث عمر بن أبي بكر المؤملي، والواقدي، ويعقوب الزهري، والعباس بن أبي شملة، وعبدالعزيز بن عمران الزهري، وهم ضعفاء مشايخ أهل المدينة".
قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن ابن زبالة؟ فقال: "واهي الحديث، ضعيف الحديث، ذاهب الحديث، منكر الحديث، عنده مناكير وليس بمتروك الحديث".
والحديث مركّب من مجموعة أحاديث لا يصح منها إلا ما ذكر في خسوف الشمس. وهو ما رواه البخاري في ((صحيحه)) (1/354)، ومسلم في ((صحيحه)) (2/630) من طرقٍ عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبة، قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم. فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا الله)).
وسيرين زوج حسّان بن ثابت وأم عبدالرحمن بن حسان بن ثابت لا يوجد لها رواية، وقد اعتمد ابن عبدالبر في كتابه في الصحابة، وكذلك المزي على هذه الرواية المكذوبة في إثبات روايتها، وذكر ذلك أيضاً ابن حجر، ولا يصح.
قال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (4/1868): "سيرين أخت مارية القبطية. أهداهما جميعاً المقوقس صاحب مصر والإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مأبور الخصي فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية لنفسه، ووهب سيرين لحسّان بن ثابت، وهي أم عبدالرحمن بن حسان بن ثابت. روى عنها ابنها عبدالرحمن بن حسان، قالت: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في قبر ابنه إبراهيم فأمر بها فسُدت، وقال: إنها لا تضر ولا تنفع، ولكن تقر عين الحي، وإن العبد إذا عمل شيئاً أحب الله منه أن يتقنه".
وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (7/722): "وروى عبدالرحمن بن حسان عن أمه سيرين قالت: لما احتضر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم كنت كلما صحت أنا وأختي نهانا عن الصياح... الحديث".
وللحديث شاهدٌ رواه قطبة بن العلاء، ولا يصح! وأصله مرسل أيضاً، وقد تكلمت عليه في موضعٍ آخر، ولله الحمد والمنّة.
والحاصل أن الحديث ضعيف بكلّ طرقه، ولا يصح عمل الشيخ الألباني بتقويته بالشواهد الواهية، وذكره له في ((الصحيحة)) (1113).
وكتب: خالد الحايك.
17 جمادى الأولى 1429هـ.