الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين ، وصحبه المنتجبين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيرا. وبعد..
إنَّ التحقيق : إخراجُ كتابٍ مخطوطٍ من عالم النسيانَ إلى عالم النور، دون زيادة أو نقص، وفق أسس منهجية صحيحة محكمة يعتمدها المحقق؛ ليكون من المساهمين في إحياء التراث العربي من جهة ، ثم إيصاله بحلّة تتلاءم مع استجابة المتلقي المعاصر من جهة أخرى ؛ لذا تعين عليه أن يسير بخطوات ثابتة متسلسلة لا تسبق أحدها الأخرى ؛ لأنّ اجتياز كل خطوة من خطوات البحث العلمي متوقف على اجتياز الخطوة التي تسبقها، فمراحل تحقيق النص مجموعة من الخطوات المنهجية المستقيمة ،الالتزام بها يوفر الجهد والوقت ،وعليه يمكن تقسيم مراحل تحقيق النص على مراحلَ ثلاث كل منها تضم مجموعة من الخطوات وفي ما يأتي بيان ذلك:
المرحلة الأولى:(المرحلة النظرية الإعدادية )[1]وتشتمل على مجموعة من الخطوات :
1ـ اختيار الموضوع :إنَ اختيار الباحث لموضوع بحثه هو مدخل واسع وسليم للعمل بالتحقيق تعقبه خطوات منطقية تنطلق من معرفة ودراسة تسبقها الرغبة المصاحبة للصبر، ولابد للباحث أن يحدد التخصص الدقيق للعلم الذي يريد الخوض فيه ، لتضييق نطاق البحث وتحديده أكثر فأكثر، مثلا: يختار مخطوطة في علوم اللغة العربية وبهذا قد حدد الموضوع من منطلق عام ، ثم يحدد فرعا من فروعها وليكن علم البلاغة ، ثم يختار من البلاغة المجاز ومن المجاز الاستعارة .... وقس على ذلك . بعدها يشرع بالبحث عن مكان تواجد المخطوطات .
2ـ التعرف على مكان وجود المخطوطات : باستطاعة الباحث التعرف على مراكز المخطوطات في العالم ، سيما وأن شبكات الانترنيت تتيح للباحث الوصول إلى أبعد نقطة في العالم ؛ لذلك وجب على من أراد تحقيق مخطوطة ٍ، أن يستقصيَ ويجمع مالها من نسخ ، من خلال اطلاعه على الفهارس بنوعيها( العامة و الخاصة )،وإن كان العمل ــ بالرجوع إلى الفهارس الخاصة ــ على حد تعبير أحد الباحثين [2]:عمل ضيق جداً ؛ لوجود نسخة واحدة أو أكثر من المخطوط في مكتبة واحدة فقط وليس في جميع مكتبات العالم ، ومع ذلك فهي تشتمل على مواصفات المخطوط بتوسع ، فتذكر جميع ما يريده الباحث من مواصفات لكتابه وهذا ما لا توفره الفهارس العامة ، وهذه الأخيرة تفيد في توثيق أسماء الكتب ، وصحة نسبتها إلى مؤلفيها ، وبيان عرض موجز لمضمونها ومحتواها ،فضلا عن توفيرها لجميع النسخ الخطية للكتاب الواحد ، بأماكن وجودها وأرقامها [3].
3 ـ اختيار المشرف : يُشترط في المشرف على التحقيق أن يكون ، متخصصا في تحقيق النصوص والعمل بها ، عالما بقواعد التحقيق ، وفهارس المخطوطات ، وما طبع منها ، هذا إلى جانب كونه متخصصا في العلم الذي سيشرف على التحقيق فيه [4].
4 ـ اختيار عنوان المخطوط : إنّ تحقيق أي كتاب ـ ليكون في متناول أيدي الدارسين والباحثين للوقوف عليه والإفادة من أخطائه ،بعد أن كان حبيسَ خزائن المخطوطات ـ عملٌ يستحق التقدير؛ لكن ليس كل ما وجد من تراث العربية يصلح لأن تنصرف إليه جهودُ المحققين ، وأن يصُرف فيه من الوقت والجهد ، لو بذل في غيره لكانت الفائدةُ أعم و أكبر[5].
عند اختيار الباحث اسم المخطوطة ، يجب أن يكون الاختيار مستوفيا للشروط ، هي : تناسب حجم المخطوط مع مرحلة الدراسة فلا تتجاوز(70)ورقة ، أو أقل من (50) ورقة في مرحلة الماجستير، أما في دراسة الدكتوراه فعليه أن يختار كتابا يقع في حدود (75ـ 125) ، ويجب أن لا يكون مطبوعا أو محققا ، ثم أن يكون مؤلفه عالم كبير ، فضلا عن ضرورة توفر أكثر من نسخة ، أو وجود نسخة بخط المؤلف نفسه ، عندها تكون هي الأصل ، هذا مع مراعاة قدم المخطوط وصحته واكتماله [6]، من الأفضل أن يبحث عن ثلاث مخطوطات كي يبقى المجال مفتوحا في حال عدم استيفاء الكتاب للشروط المتقدم ذكرها .
أجاز بعض العلماء تحقيق كتاب مطبوع ، لكنهم وضعوا شروطا منها : رداءة تحقيق الطبعة السابقة ، وخلوها من التعليقات المفيدة ، والفهارس المساعدة ، ومع ذلك تبقى مسألة إعادة تحقيق المطبوع من المسائل غير المرغوب بها ؛ وعلى الباحث أن يتأكد من عدم طبع الكتاب الذي قام باختياره ، ولا يعتمد فقط على ثقافته وحدها ؛ بل يلجأ إلى سؤال أساتذته ، وأهل التخصص ؛ثم عليه أن يرجع إلى المكتبات الإلكترونية ومراجعة فهارسها وهي في متناول الأيدي ، فضلا عن ضرورة تصفح الإنترنيت ، وهناك بعض المعاجم وضعها الباحثون دليلا للمحققين والمشتغلين بالتراث الإسلامي .
المرحلة الثانية : ( المرحلة العملية :التحقيق)[7]
هي المرحلة التي يحصل فيها الباحث على جميع النسخ الخطية ، فيقوم بدراستها ثم تقييم النسخة الأصل فالفرع ثم فرع الفرع ، ويعطي لكل نسخة رمزا ، بعدها يشرع بنسخ النص من النسخة الأصل بعد مقابلته سائر النسخ عليها ؛ ليحدد الفوارق بينها ، والتعليق على النص ؛ ثم كتابة المقدمة والخاتمة. وفيما يأتي بيان الخطوات التي يجب أن يستعين المحقق بها في عملية التحقيق:
أولا: جمع النسخ المخطوطة واختيار الأصل :[8]
هي مرحلة لا تخلو من الصعوبة ، فهي "الأساس في إخراج النص محققا تحقيقا علميا مع المرحلتين بعدها وهما تحقيق عنوان الكتاب وتحقيق نسبته إلى مصنفه"[9]. وهي أشبه بالامتحان للمحقق ، فهي تعكس دقة الكاتب وأمانته في نسخ النص ، ومدى قدرته على التنظيم والتبويب والترجيح والتعليل والاستدلال والمناقشة .
بعد أن تأكد الباحث أن الكتاب الذي اختاره لم يطبع ؛ وذلك بإطلاعه على معجمات المطبوعات الخاصة كنشرة التراث التي يصدرها معهد المخطوطات في الجامعة العربية ، وتيقن أن هذا الكتاب يستحق الدراسة وأنّ مصنفه عالم كبير وبعد أن تمكن من الحصول على جميع النسخ للكتاب ، ينتقل المحقق من مجال الإعداد إلى التطبيق .
في البداية يشرع المحقق في قراءة النسخ الواحدة تلو الأخرى قراءة دقيقة ،وهنا تظهر عقبة وهي الخط الذي كتبت به المخطوطات ، لذا ينبغي للمحقق أن يتصف بتمرسه في معرفة الخطوط القديمة وقدرته على قراءتها وتمييز اختلافاتها ، ويمكن أن نعد مسألة معرفة الخطوط شرطا من شروط والمحقق ومؤهلاته. فإذا كان عارفا بالخطوط القديمة ، ومصطلحات العلماء التي كانوا يستعملونها في كتبهم ، استطاع أن ينسخها دون خطأ أو تصحيف أو تحريف ،و"إنّ هذه المعرفة تأتي عن طريق ممارسة قراءة المخطوطات والإدمان على قراءة الخطوط العربية في عصورها المختلفة "[10]
فإذا انتهى المحقق من قراءة نسخ المخطوطة جميعا ينبغي للمحقق أن يدرسها لينتقي منها الأصل والنسخ الباقية تكون للمقابلة ، وتقيّم النسخ بالنظر في صفحة العنوان ، وأولها وآخرها ،فقد يجد سند قراءة مالك الكتاب على أحد العلماء إلى مؤلفه ، أو اسم الناسخ وتاريخ النسخ في آخر الكتاب ، كل هذه الأمور وغيرها ، ترفع قيمة النسخة وتقدمها على غيرها، وإذا كانت النسخ متفاوتة فيقوم المحقق بترتيبها وفق أعلاها قيمة وأصلا وجعل الباقي نسخا ثانوية .
وتقدم النسخة التي بخط المصنف ـ إن وجدت ـ بعدها النسخة التي أملاها المؤلف على تلميذه ، فالنسخة التي قرأها المؤلف بنفسه وكَتبَ بخط يده ما يثبت قراءته لها، تعقبها النسخة التي قُرأت على المؤلف وأثبت بخط يده سماعه لها ،ثم النسخة المنقولة عن نسخة المؤلف ، ثم النسخة المقابلة على نسخة المؤلف ، ثم النسخة المكتوبة في عصر المؤلف وعليها سماعات من العلماء مثبتة بخطوطهم ، ثم النسخة المكتوبة في عصر المؤلف وليس عليها سماعات ، ثم النسخة التي كتبت بعد عصر المؤلف وعليها سماعات ، أخيرا النسخة التي كتبت بعد عصر المؤلف وليس عليها سماعات ، وكل هذا يؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم النسخ إذا كانت النسخ مؤرخة ما لم يعارض ذلك اعتبارات أخرى فيجعل بعض النسخ أولى من بعض في الثقة والاطمئنان ، فقد يلجأ المحقق إلى الاعتماد على نسخة حديثة منسوخة على نسخة أخرى قديمة قد تعرضت للتلف ، فإن كانت غير مؤرخة رجع إلى النسخ الأخرى لمعرفة تاريخها عن طريق اختبار الورق والحبر والخط وقد يعثر على قرائنَ تضمنها الكتاب كاسم الناسخ ، أو عبارة تشير إلى عصر نسخها [11]. ثم يقوم المحقق بتسمية كل نسخة أو يرمز لها برمز معين فيرمز ـ مثلا ـ للنسخة الأصل ب(أصل) أو(أ أ ) ،والنسخة الثانية ب (س ) وهكذا مع باقي النسخ ، مشيرا إلى ذلك عند شرحه لمنهجه في التحقيق[12].
أما إذا حصل المحقق على النسخة واحدة لأي سبب من الأسباب عنها يشترط اكتمال المخطوط من أوله إلى آخره ، فضلا عن وجود مصادر تكفي لتعين المحقق في إتمام عمله .[13]
ثانيا :نسخ المخطوط والمقابلة بين النسخ: هي مرحلة إخراج النص كما أراده المؤلف ، فبعد القراءة الكشفية الدقيقة ، والإشارة إلى القضايا البارزة ، وتقييد ما يحتاج إلى شرح وإبانة ، يبدأ المحقق بضبط النص ابتداءً من الصفحة الأولى فإن صادفته كلمة غير مقروءة ، وَضَعها بين زاويتين حادتين<>,مشيرا في الهامش بأنها كذا في الأصل ، وإن وجدها في نسخة أخرى ، فله أن يضعها في المتن ويحصرها بين عضادتين {}،ويقول في الهامش :زيادة يقتضيها السياق,ولا يصح المعنى إلا بذكرها [14]، وعلى المحقق في هذه المرحلة أن يراعي الأمور الآتية :
أ ـ تقطيع النص وتوزيع فقراته [15]: لابد للمحقق من أن يتقيد بالنص الذي وجد عليه المخطوط ، ولكن هناك بعض الكتب خالية من التقسيمات فالكتاب من أوله إلى آخره واحد ؛ عندها يسعى المحقق إلى تقديمه للقارئ العصري من خلال تهذيبه وتقطيعه وتقسيمه على أبواب ففصول ثم فقرات ، وتوزيع هذه الفقرات إلى جمل،وبإمكان المحقق أن يضع عناوين رئيسة للفصول ، وفرعية للفقرات ، مع مراعاة حصرها بين قوسين للإشارة إلى أنها من إضافات المحقق ، ويلتزم بوضع علامات الترقيم الحديثة من إشارات ورموز ونقط وغيرها [16].
ب ـ ضبط النص وتقويمه ، وتخريج النصوص: هي رسم النص كما وضعه صاحبه ، لكن مع ومراعاة الطريقة الحديثة وكتابة النص وفق الكتابة القياسية مع تشكيل الكلمات والالتزام بالحركات الإعرابية ومراعاة كتابة الآيات بالرسم القرآني ثم تخريج الآيات والأحاديث والأشعار والأمثال وترجمة للأعلام ، والأماكن ، والقبائل ، ويقوم المحقق بإرجاع كل نص نقله المصنف ـ ولم يذكر مصدره ـ إلى مصدره وأصله مبينا في الحاشية إلى ما فيه من زيادة أو نقص أو اختلاف، أما إذا أشار المؤلف إلى كتاب معين فعلى المحقق الرجوع إلى ذلك الكتاب للتأكد من صحة النسبة، وإن اقتبس المؤلف نصا ولم ينسبه إلى قائله كأن يبدأ بعبارة (قيل : ) فعلى المحقق أن يسعى لمعرفة صاحب النص وهو أساس العمل الحقيقي ؛ نظراً لما يكلف المحقق من وقت في البحث والتخريج والنسخ ، وجهد في الضبط ، فضلا عن عدم ترتيب صفحات المخطوط ، فقد تخلو بعض المخطوطات من الترقيم ، ثم اعتماد بعض النسّاخ التنقيط الجزئي والذي تلازمه صعوبة التفريق بين الأحرف [17].
ج ـ ترجيح الروايات : وربما يجد المحقق اختلافا في الروايات في نسخ المخطوط المتعددة للكتاب الواحد، وهو إما بسبب إخراج المؤلف لكتابه أكثر من مرة ، أو بسبب تصرف العلماء المتأخرين بكتب العلماء المتقدمين ، وهنا تبرز مهارة المحقق في ترجيح الروايات ، أو الربط بينها مقيدا ما وجده في النسخ بين قوسين مع الإشارة لها في الهامش ، أوقد يثبت في المتن ما توصل إلى صحته بعد دراسة وفحص لكل رواية ، مشيرا في الهامش إلى المصحف والمحرف والخطأ .[18]
د ـ تثبيت الفروق الحاصلة عند مقابلة النسخ : وهي على النحو الآتي :
1ـ الزيادة والنقصان: وهي وجود كلمة أو سطر أو صفحة أو غيرها في نسخة أو أكثر وعدم وجودها في أخرى أوأخريات ، فإن كانت الزيادة مما يقتضيه سياق النص ، ثبتها في الهامش بين قوسي الزيادة مع الإشارة في الهامش إلى النسخة أو النسخ التي وجدت فيها . أما الزيادة التي يزيدها المحقق لغرض التوضيح أو لغيره من الأسباب ، فيجب ذكرها في الهامش [19].
2ـ التصحيف والتحريف : يحدث التصحيف بسبب تقديم نقطة أو تأخير أخرى ، وقد يكون بتقدم أو تأخير حرف في بنية الكلمة وقد يحذف في أحايين أخرى . بينما يكون التحريف بتغيير الكلمة أصلا ، عندها يقع على المحقق مسؤولية التحري ، هل هو من الناسخ أم هو من المؤلف نفسه [20]؟.
3ـ الخطأ : قد يجد المحققون في بعض المخطوطات العديد من الأخطاء منها ما يتعلق بالإعراب ومنها مايتعلق بالإملاء ، وعلى المحقق ـ أولاـ أن يتأكد أن ما يراه من الأخطاء الإعرابية ليس له وجه من وجوه الإعراب ،فما يراه المحقق خطأً قد يكون صوابا عند بعض النحاة ، وعليه أن يكون على معرفة كاملة بالمصنف وهل تقع منه أخطاءً إعرابية أو إملائية أم لا ؟[21]، وذهب المحققون في مسألة تصويب الأخطاء مذهبين ، الأول وهو ما سار عليه المحققون الأوائل وهو المشهور ، وهو إبقاء الكلمة كما هي ، ويذكر تصويبها في الهامش ؛ أما الثاني : فهو تصحيح الكلمة في المتن بين قوسين ويذكر في الهامش ماكانت عليه . ويفضل أن يشار في كلا الطريقتين إلى نوعية التغيير بعبارة ( ورد سهوا )
ثالثا : الدراسة : ليس الهدف من التحقيق إظهار الكتاب لعالم الوجود فقط ؛ بل لابد من دراسته دراسة مفصلة تبين كل ما يتعلق بالمؤلف وعصره ومكانة الكتاب ومكانة مصنفه ، وتعرض رؤيته في الموضوع الذي كتبه ، ثم رأي معاصريه من العلماء ، ومدى تبني تلاميذه لآرائه ومدى تأثرهم بها ، مع التطرق الدراسات التي سبقته في التأليف بهذا الموضوع ، وهل أفاد من المتقدمين ، وهل أفاد منه المتأخرون ، ثم هل كان في كتابه هذا متحيزا لمذهب معين وإن كان كذلك فهل جاء بحجة يستدل بها على رأيه ، أم أنه كان معتدلا في آرائه ، فيؤيد هذا في موضع وقد يعارضه في موضع آخر ،مع استعراض لآرائه وكيفية مناقشته لها ، مع الاستدلال بآرائه في كتبه الأخرى ـ المطبوعة ـ وكل هذه الأمور تقع في المقدمة التي غالبا ما تكون في حدود ( 50 ـ 100 ) ، يذكر فيها المحقق خمسة أمور[22]، وفيما يأتي توضيح ذلك :
1 ـ ترجمة المؤلف : ( عصر المؤلف، اسمه ، نسبه ، كنيته ، زمان ولادته ومكانها ، عائلته ،علمه وشيوخه وتلاميذه ومعاصروه ، مؤلفاته ، آراء العلماء فيه ،وفاته ) وكل ما يذكره المحقق يتقيد بذكر مصدره معتمدا الأقدم فالأقدم .
2 ـ أهمية الكتاب وموضوعه : وفيه يتناول المحقق ما يأتي :
أ ـ تحقيق اسم المؤلف ،وصحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه : إنّ اشتراك كثير من المؤلفين في عنوانات الكتب يحمل المحققين على الحذر الشديد في إثبات اسم المؤلف ، مع مراعاة اعتبارات تحقيقية ؛ إما لاشتباه اسم المؤلف واسم أبيه باسم مؤلف آخر أو يتفق مؤلفان بالكنية واللقب أو الشهرة ، أو بسبب التعريف أو التصحيف الذي يعتري أسماء المؤلفين المثبت في الكتب فالنصري قد يحرف بالبصري ، والحسن بالحسين [23]، وأحيانا تتعرض المخطوطة للتلف بسبب عوامل الطبيعة كالرطوبة ،والأرضة وغيرها، فعله الرجوع إلى فهارس المؤلفين والكتب منها الفهرست ، وكشف الظنون، ومعاجم الشيوخ وهي إما :مؤلف على أسماء الشيوخ بحسب ترتيب المعجم ،مثاله المجمع المؤسس للمعجم المفهرس ،و إما أن يكون على العلوم والفنون ، ومثاله : المعجم المفهرس ، وكلاهما لابن حجر العسقلاني ،ويمكن الرجوع إلى كتب التراجم والطبقات ، ثم فهارس المكتبات العامة والخاصة .
ب ـ تحقيق اسم الكتاب : إن تحقيق عنوان المخطوطة ليس بالأمر الهين ، فبعض المخطوطات قد يخلو من العنوان ، وبعضها تخلو من العنوان بس تلف الورقة الأولى من المخطوط أو لأسباب أخرى ، بينما يحدث العكس فتتعدد الأسماء للمخطوطة الواحدة ، وقد يجد المحقق عنوانا زائفا لا يناسب مضمون المخطوط ، فلابد من وضع عنوان للمخطوط بالرجوع إلى كتب المؤلف المحققة قد يكون المؤلف أشار إليه في أحدها ، ومراجعة كتب التراجم والمؤلفات.
ج ـ منهج الكتاب وأسلوبه : فمثلا هل المؤلف يميل إلى التفصيل ، أو هل قد إلى الاستطراد ، أو الاختصار أو قد يمتاز أسلوبه بالطرافة ، أو ميله إلى التحليل المنطقي ...
د ـ أهمية الكتاب: بيان قيمة الكتاب بين الكتب المؤلفة في الموضوع نفسه .
هـ ـ مصادر المؤلف في كتابه :
و ـ موضوع الكتاب ومن تناوله بالدراسة قبل المؤلف : عرض موضوع المخطوط والدراسات التي دارت حوله قبل المؤلف وأثناء حياته .
ز ـ دور المؤلف فيه : الإضافات التيوالنتائج التي توصل إليها المؤلف ومدى أصابته فيها .
ح ـ تطور الموضوع بعد المؤلف : فعلى سبيل المثال نظرية النظم تطورت كثيرا بعد وفاة عبد القاهر الجرجاني( 474) وطبقت في مجالات كثيرة ووفق وناهج حديثة .
3 ـ دراسة النسخ وعرض نماذج منها [24]: يعرض المحقق جميع النسخ التي حصل عليها ويستعرضها جميعا ، ثم يبين أرقامها ، وأماكن وجودها ، وقيمتها ويقدم النسخة الأصل ، معللا سبب اعتماده عليها ثم يذكر النسخ الفرعية ببيانات مفصلة (مكانها ، رقمها في المكتبة ، عدد أوراقها ، نوع الخط ، حجمها طولا وعرضا ، ذكر أولها وآخرها ، مع وصف حالها ـ كاملة /ناقصة /أصابها التلف ، أو الأرضة / اسم ناسخها / تاريخ النسخ / بيان القراءات والسماعات ، وتواقيع العلماء عليها /وأخيرا يعرض نماذج مصورة من الصفحة الأولى والأخيرة لكل نسخة ، مع وضع رمز لكل نسخة)
4ـ منهج التحقيق : يكتب المحقق منهجه في تحقيق المخطوط ، ويحرص على بيان الأمور الآتية :
أ ـ نسخ النص بكامله من النسخة الأصل ، ومقابلة النسخ والطريقة التي اعتمدها في المتن ثم بيان الفروق بين النسخ مع ترجيحه الأصوب من جميع النسخ ووضعه في المتن والإشارة إليه في الهامش .
ب ـ ضبطه النص وتقويمه .
ج ـ تعليقه على النص في الهوامش ، ومناقشة آراء المؤلف، أو الاستدلال لها .
د ـ تخريجه للآيات والقراءات والأحاديث والأشعار والأمثال والأقوال ، وتوثيق نقول العلماء من كتبهم ، وترجمته للأعلام وتعريفه للأماكن والبلدان واكتب ،
هـ ـ فهرسة شاملة وهي أنواع:
1ـ فهرسة الآيات .
2ـ فهرس للقراءات ـ إن وجدت ـ .
3ـ فهرس الأحاديث .
4ـ فهرس الأشعار .
5- فهرس الأقوال .
7 ـ فهرس الأماكن .
8 ـ فهرس الأعلام .
9- فهرس الأشخاص .
10 ـ فهرس الموضوعات.
5- الخاتمة : ويعرض فيها المحقق أهم ما توصل إليه ، ثم يبين ما يمكن أن يضيفه هذا الكتاب من فائدة في مجال تخصصه .
المرحلة الثالثة : وهي المرحلة النهائية التي تتم فيها طباعة الكتاب وتنقيحه من الأخطاء النحوية والإملائية .وهي بمثابة إخراج نهائي ، تليها مرحلة المناقشة ، ثم إعادة تنقيح الكتاب وفق إرشادات اللجنة ثم إعادة طبعه بالشكل النهائي.
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلي محمد واله وصحبه المنتجبين وسلم تسليما كثيرا
فرح الفاضلي
[1]ـ ظ : يوسف المرعشلي: أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، 208ـ 249.
[2]ـ يوسف المرعشلي في كتابه أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات : 246.
[3]ـ ظ : م . ن ، و زهير غازي زاهد : في تحقيق التراث : 64 .
[4]ـ ظ : يوسف المرعشلي: أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات :247.
[5]ـ ظ : علي موسى الشمولي : تجربتي مع التحقيق ، 141.
[6]ـ ظ : م . ن :247 ـ 248 .
[7]ـ ظ : م . ن :250 ـ 312 .
[8]ـ ظ : زهير زاهد : في تحقيق التراث ، 64ـ 69 .
[9]ـ م . ن : 64 .
[10]ـ م . ن : 86.
[11]ـ ظ : عبد السلام هارون :تحقيق النصوص ونشرها ، 35 ـ 38.
[12]ـ ظ : علي موسى الشمولي : تجربتي مع التحقيق ، 144.
[13]ـ ظ : يوسف المرعشلي : أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، 251 ـ 252 .
[14]ـ ظ : زهير زاهد : تحقيق التراث ، 89 ـ 97.
[15]ـ ظ : فهمي سعد و طلال مجذوب : تحقيق النصوص بين النظرية والتطبيق ، 30.
[16]ـ ظ : م . ن ،31 ، و علي موسى الشمولي : تجربتي مع التحقيق ،146.
[17]ـ ظ : فهمي سعد و طلال مجذوب : تحقيق النصوص بين النظرية والتطبيق ، 31 ـ 34 ، و علي موسى الشمولي: تجربتي مع التحقيق ، 146، ويوسف المرعشلي : أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، 292 ـ 293 .
[18]ـ ظ : م . ن ، 38 ـ 40 .
[19]ـ ظ : عبد السلام هارون : تحقيق النصوص ونشرها ، 72.
[20]ـ ظ : علي موسى الشمولي : تجربتي مع التحقيق ، 145 .
[21]ـ ظ : م . ن .
[22]ـ ظ : يوسف المرعشلي : أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، 296 ـ 299 ، و ظ : علي موسى الشمولي ، تجربتي مع التحقيق ، 145 .
[23]ـ ظ : عبد السلام هارون تحقيق المخطوطات ونشرها ، 41 ـ 42 .
[24] ـ ظ : : يوسف المرعشلي : أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، 297 ـ 298 .
http://www.maqalaty.com/%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B5--2769
إنَّ التحقيق : إخراجُ كتابٍ مخطوطٍ من عالم النسيانَ إلى عالم النور، دون زيادة أو نقص، وفق أسس منهجية صحيحة محكمة يعتمدها المحقق؛ ليكون من المساهمين في إحياء التراث العربي من جهة ، ثم إيصاله بحلّة تتلاءم مع استجابة المتلقي المعاصر من جهة أخرى ؛ لذا تعين عليه أن يسير بخطوات ثابتة متسلسلة لا تسبق أحدها الأخرى ؛ لأنّ اجتياز كل خطوة من خطوات البحث العلمي متوقف على اجتياز الخطوة التي تسبقها، فمراحل تحقيق النص مجموعة من الخطوات المنهجية المستقيمة ،الالتزام بها يوفر الجهد والوقت ،وعليه يمكن تقسيم مراحل تحقيق النص على مراحلَ ثلاث كل منها تضم مجموعة من الخطوات وفي ما يأتي بيان ذلك:
المرحلة الأولى:(المرحلة النظرية الإعدادية )[1]وتشتمل على مجموعة من الخطوات :
1ـ اختيار الموضوع :إنَ اختيار الباحث لموضوع بحثه هو مدخل واسع وسليم للعمل بالتحقيق تعقبه خطوات منطقية تنطلق من معرفة ودراسة تسبقها الرغبة المصاحبة للصبر، ولابد للباحث أن يحدد التخصص الدقيق للعلم الذي يريد الخوض فيه ، لتضييق نطاق البحث وتحديده أكثر فأكثر، مثلا: يختار مخطوطة في علوم اللغة العربية وبهذا قد حدد الموضوع من منطلق عام ، ثم يحدد فرعا من فروعها وليكن علم البلاغة ، ثم يختار من البلاغة المجاز ومن المجاز الاستعارة .... وقس على ذلك . بعدها يشرع بالبحث عن مكان تواجد المخطوطات .
2ـ التعرف على مكان وجود المخطوطات : باستطاعة الباحث التعرف على مراكز المخطوطات في العالم ، سيما وأن شبكات الانترنيت تتيح للباحث الوصول إلى أبعد نقطة في العالم ؛ لذلك وجب على من أراد تحقيق مخطوطة ٍ، أن يستقصيَ ويجمع مالها من نسخ ، من خلال اطلاعه على الفهارس بنوعيها( العامة و الخاصة )،وإن كان العمل ــ بالرجوع إلى الفهارس الخاصة ــ على حد تعبير أحد الباحثين [2]:عمل ضيق جداً ؛ لوجود نسخة واحدة أو أكثر من المخطوط في مكتبة واحدة فقط وليس في جميع مكتبات العالم ، ومع ذلك فهي تشتمل على مواصفات المخطوط بتوسع ، فتذكر جميع ما يريده الباحث من مواصفات لكتابه وهذا ما لا توفره الفهارس العامة ، وهذه الأخيرة تفيد في توثيق أسماء الكتب ، وصحة نسبتها إلى مؤلفيها ، وبيان عرض موجز لمضمونها ومحتواها ،فضلا عن توفيرها لجميع النسخ الخطية للكتاب الواحد ، بأماكن وجودها وأرقامها [3].
3 ـ اختيار المشرف : يُشترط في المشرف على التحقيق أن يكون ، متخصصا في تحقيق النصوص والعمل بها ، عالما بقواعد التحقيق ، وفهارس المخطوطات ، وما طبع منها ، هذا إلى جانب كونه متخصصا في العلم الذي سيشرف على التحقيق فيه [4].
4 ـ اختيار عنوان المخطوط : إنّ تحقيق أي كتاب ـ ليكون في متناول أيدي الدارسين والباحثين للوقوف عليه والإفادة من أخطائه ،بعد أن كان حبيسَ خزائن المخطوطات ـ عملٌ يستحق التقدير؛ لكن ليس كل ما وجد من تراث العربية يصلح لأن تنصرف إليه جهودُ المحققين ، وأن يصُرف فيه من الوقت والجهد ، لو بذل في غيره لكانت الفائدةُ أعم و أكبر[5].
عند اختيار الباحث اسم المخطوطة ، يجب أن يكون الاختيار مستوفيا للشروط ، هي : تناسب حجم المخطوط مع مرحلة الدراسة فلا تتجاوز(70)ورقة ، أو أقل من (50) ورقة في مرحلة الماجستير، أما في دراسة الدكتوراه فعليه أن يختار كتابا يقع في حدود (75ـ 125) ، ويجب أن لا يكون مطبوعا أو محققا ، ثم أن يكون مؤلفه عالم كبير ، فضلا عن ضرورة توفر أكثر من نسخة ، أو وجود نسخة بخط المؤلف نفسه ، عندها تكون هي الأصل ، هذا مع مراعاة قدم المخطوط وصحته واكتماله [6]، من الأفضل أن يبحث عن ثلاث مخطوطات كي يبقى المجال مفتوحا في حال عدم استيفاء الكتاب للشروط المتقدم ذكرها .
أجاز بعض العلماء تحقيق كتاب مطبوع ، لكنهم وضعوا شروطا منها : رداءة تحقيق الطبعة السابقة ، وخلوها من التعليقات المفيدة ، والفهارس المساعدة ، ومع ذلك تبقى مسألة إعادة تحقيق المطبوع من المسائل غير المرغوب بها ؛ وعلى الباحث أن يتأكد من عدم طبع الكتاب الذي قام باختياره ، ولا يعتمد فقط على ثقافته وحدها ؛ بل يلجأ إلى سؤال أساتذته ، وأهل التخصص ؛ثم عليه أن يرجع إلى المكتبات الإلكترونية ومراجعة فهارسها وهي في متناول الأيدي ، فضلا عن ضرورة تصفح الإنترنيت ، وهناك بعض المعاجم وضعها الباحثون دليلا للمحققين والمشتغلين بالتراث الإسلامي .
المرحلة الثانية : ( المرحلة العملية :التحقيق)[7]
هي المرحلة التي يحصل فيها الباحث على جميع النسخ الخطية ، فيقوم بدراستها ثم تقييم النسخة الأصل فالفرع ثم فرع الفرع ، ويعطي لكل نسخة رمزا ، بعدها يشرع بنسخ النص من النسخة الأصل بعد مقابلته سائر النسخ عليها ؛ ليحدد الفوارق بينها ، والتعليق على النص ؛ ثم كتابة المقدمة والخاتمة. وفيما يأتي بيان الخطوات التي يجب أن يستعين المحقق بها في عملية التحقيق:
أولا: جمع النسخ المخطوطة واختيار الأصل :[8]
هي مرحلة لا تخلو من الصعوبة ، فهي "الأساس في إخراج النص محققا تحقيقا علميا مع المرحلتين بعدها وهما تحقيق عنوان الكتاب وتحقيق نسبته إلى مصنفه"[9]. وهي أشبه بالامتحان للمحقق ، فهي تعكس دقة الكاتب وأمانته في نسخ النص ، ومدى قدرته على التنظيم والتبويب والترجيح والتعليل والاستدلال والمناقشة .
بعد أن تأكد الباحث أن الكتاب الذي اختاره لم يطبع ؛ وذلك بإطلاعه على معجمات المطبوعات الخاصة كنشرة التراث التي يصدرها معهد المخطوطات في الجامعة العربية ، وتيقن أن هذا الكتاب يستحق الدراسة وأنّ مصنفه عالم كبير وبعد أن تمكن من الحصول على جميع النسخ للكتاب ، ينتقل المحقق من مجال الإعداد إلى التطبيق .
في البداية يشرع المحقق في قراءة النسخ الواحدة تلو الأخرى قراءة دقيقة ،وهنا تظهر عقبة وهي الخط الذي كتبت به المخطوطات ، لذا ينبغي للمحقق أن يتصف بتمرسه في معرفة الخطوط القديمة وقدرته على قراءتها وتمييز اختلافاتها ، ويمكن أن نعد مسألة معرفة الخطوط شرطا من شروط والمحقق ومؤهلاته. فإذا كان عارفا بالخطوط القديمة ، ومصطلحات العلماء التي كانوا يستعملونها في كتبهم ، استطاع أن ينسخها دون خطأ أو تصحيف أو تحريف ،و"إنّ هذه المعرفة تأتي عن طريق ممارسة قراءة المخطوطات والإدمان على قراءة الخطوط العربية في عصورها المختلفة "[10]
فإذا انتهى المحقق من قراءة نسخ المخطوطة جميعا ينبغي للمحقق أن يدرسها لينتقي منها الأصل والنسخ الباقية تكون للمقابلة ، وتقيّم النسخ بالنظر في صفحة العنوان ، وأولها وآخرها ،فقد يجد سند قراءة مالك الكتاب على أحد العلماء إلى مؤلفه ، أو اسم الناسخ وتاريخ النسخ في آخر الكتاب ، كل هذه الأمور وغيرها ، ترفع قيمة النسخة وتقدمها على غيرها، وإذا كانت النسخ متفاوتة فيقوم المحقق بترتيبها وفق أعلاها قيمة وأصلا وجعل الباقي نسخا ثانوية .
وتقدم النسخة التي بخط المصنف ـ إن وجدت ـ بعدها النسخة التي أملاها المؤلف على تلميذه ، فالنسخة التي قرأها المؤلف بنفسه وكَتبَ بخط يده ما يثبت قراءته لها، تعقبها النسخة التي قُرأت على المؤلف وأثبت بخط يده سماعه لها ،ثم النسخة المنقولة عن نسخة المؤلف ، ثم النسخة المقابلة على نسخة المؤلف ، ثم النسخة المكتوبة في عصر المؤلف وعليها سماعات من العلماء مثبتة بخطوطهم ، ثم النسخة المكتوبة في عصر المؤلف وليس عليها سماعات ، ثم النسخة التي كتبت بعد عصر المؤلف وعليها سماعات ، أخيرا النسخة التي كتبت بعد عصر المؤلف وليس عليها سماعات ، وكل هذا يؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم النسخ إذا كانت النسخ مؤرخة ما لم يعارض ذلك اعتبارات أخرى فيجعل بعض النسخ أولى من بعض في الثقة والاطمئنان ، فقد يلجأ المحقق إلى الاعتماد على نسخة حديثة منسوخة على نسخة أخرى قديمة قد تعرضت للتلف ، فإن كانت غير مؤرخة رجع إلى النسخ الأخرى لمعرفة تاريخها عن طريق اختبار الورق والحبر والخط وقد يعثر على قرائنَ تضمنها الكتاب كاسم الناسخ ، أو عبارة تشير إلى عصر نسخها [11]. ثم يقوم المحقق بتسمية كل نسخة أو يرمز لها برمز معين فيرمز ـ مثلا ـ للنسخة الأصل ب(أصل) أو(أ أ ) ،والنسخة الثانية ب (س ) وهكذا مع باقي النسخ ، مشيرا إلى ذلك عند شرحه لمنهجه في التحقيق[12].
أما إذا حصل المحقق على النسخة واحدة لأي سبب من الأسباب عنها يشترط اكتمال المخطوط من أوله إلى آخره ، فضلا عن وجود مصادر تكفي لتعين المحقق في إتمام عمله .[13]
ثانيا :نسخ المخطوط والمقابلة بين النسخ: هي مرحلة إخراج النص كما أراده المؤلف ، فبعد القراءة الكشفية الدقيقة ، والإشارة إلى القضايا البارزة ، وتقييد ما يحتاج إلى شرح وإبانة ، يبدأ المحقق بضبط النص ابتداءً من الصفحة الأولى فإن صادفته كلمة غير مقروءة ، وَضَعها بين زاويتين حادتين<>,مشيرا في الهامش بأنها كذا في الأصل ، وإن وجدها في نسخة أخرى ، فله أن يضعها في المتن ويحصرها بين عضادتين {}،ويقول في الهامش :زيادة يقتضيها السياق,ولا يصح المعنى إلا بذكرها [14]، وعلى المحقق في هذه المرحلة أن يراعي الأمور الآتية :
أ ـ تقطيع النص وتوزيع فقراته [15]: لابد للمحقق من أن يتقيد بالنص الذي وجد عليه المخطوط ، ولكن هناك بعض الكتب خالية من التقسيمات فالكتاب من أوله إلى آخره واحد ؛ عندها يسعى المحقق إلى تقديمه للقارئ العصري من خلال تهذيبه وتقطيعه وتقسيمه على أبواب ففصول ثم فقرات ، وتوزيع هذه الفقرات إلى جمل،وبإمكان المحقق أن يضع عناوين رئيسة للفصول ، وفرعية للفقرات ، مع مراعاة حصرها بين قوسين للإشارة إلى أنها من إضافات المحقق ، ويلتزم بوضع علامات الترقيم الحديثة من إشارات ورموز ونقط وغيرها [16].
ب ـ ضبط النص وتقويمه ، وتخريج النصوص: هي رسم النص كما وضعه صاحبه ، لكن مع ومراعاة الطريقة الحديثة وكتابة النص وفق الكتابة القياسية مع تشكيل الكلمات والالتزام بالحركات الإعرابية ومراعاة كتابة الآيات بالرسم القرآني ثم تخريج الآيات والأحاديث والأشعار والأمثال وترجمة للأعلام ، والأماكن ، والقبائل ، ويقوم المحقق بإرجاع كل نص نقله المصنف ـ ولم يذكر مصدره ـ إلى مصدره وأصله مبينا في الحاشية إلى ما فيه من زيادة أو نقص أو اختلاف، أما إذا أشار المؤلف إلى كتاب معين فعلى المحقق الرجوع إلى ذلك الكتاب للتأكد من صحة النسبة، وإن اقتبس المؤلف نصا ولم ينسبه إلى قائله كأن يبدأ بعبارة (قيل : ) فعلى المحقق أن يسعى لمعرفة صاحب النص وهو أساس العمل الحقيقي ؛ نظراً لما يكلف المحقق من وقت في البحث والتخريج والنسخ ، وجهد في الضبط ، فضلا عن عدم ترتيب صفحات المخطوط ، فقد تخلو بعض المخطوطات من الترقيم ، ثم اعتماد بعض النسّاخ التنقيط الجزئي والذي تلازمه صعوبة التفريق بين الأحرف [17].
ج ـ ترجيح الروايات : وربما يجد المحقق اختلافا في الروايات في نسخ المخطوط المتعددة للكتاب الواحد، وهو إما بسبب إخراج المؤلف لكتابه أكثر من مرة ، أو بسبب تصرف العلماء المتأخرين بكتب العلماء المتقدمين ، وهنا تبرز مهارة المحقق في ترجيح الروايات ، أو الربط بينها مقيدا ما وجده في النسخ بين قوسين مع الإشارة لها في الهامش ، أوقد يثبت في المتن ما توصل إلى صحته بعد دراسة وفحص لكل رواية ، مشيرا في الهامش إلى المصحف والمحرف والخطأ .[18]
د ـ تثبيت الفروق الحاصلة عند مقابلة النسخ : وهي على النحو الآتي :
1ـ الزيادة والنقصان: وهي وجود كلمة أو سطر أو صفحة أو غيرها في نسخة أو أكثر وعدم وجودها في أخرى أوأخريات ، فإن كانت الزيادة مما يقتضيه سياق النص ، ثبتها في الهامش بين قوسي الزيادة مع الإشارة في الهامش إلى النسخة أو النسخ التي وجدت فيها . أما الزيادة التي يزيدها المحقق لغرض التوضيح أو لغيره من الأسباب ، فيجب ذكرها في الهامش [19].
2ـ التصحيف والتحريف : يحدث التصحيف بسبب تقديم نقطة أو تأخير أخرى ، وقد يكون بتقدم أو تأخير حرف في بنية الكلمة وقد يحذف في أحايين أخرى . بينما يكون التحريف بتغيير الكلمة أصلا ، عندها يقع على المحقق مسؤولية التحري ، هل هو من الناسخ أم هو من المؤلف نفسه [20]؟.
3ـ الخطأ : قد يجد المحققون في بعض المخطوطات العديد من الأخطاء منها ما يتعلق بالإعراب ومنها مايتعلق بالإملاء ، وعلى المحقق ـ أولاـ أن يتأكد أن ما يراه من الأخطاء الإعرابية ليس له وجه من وجوه الإعراب ،فما يراه المحقق خطأً قد يكون صوابا عند بعض النحاة ، وعليه أن يكون على معرفة كاملة بالمصنف وهل تقع منه أخطاءً إعرابية أو إملائية أم لا ؟[21]، وذهب المحققون في مسألة تصويب الأخطاء مذهبين ، الأول وهو ما سار عليه المحققون الأوائل وهو المشهور ، وهو إبقاء الكلمة كما هي ، ويذكر تصويبها في الهامش ؛ أما الثاني : فهو تصحيح الكلمة في المتن بين قوسين ويذكر في الهامش ماكانت عليه . ويفضل أن يشار في كلا الطريقتين إلى نوعية التغيير بعبارة ( ورد سهوا )
ثالثا : الدراسة : ليس الهدف من التحقيق إظهار الكتاب لعالم الوجود فقط ؛ بل لابد من دراسته دراسة مفصلة تبين كل ما يتعلق بالمؤلف وعصره ومكانة الكتاب ومكانة مصنفه ، وتعرض رؤيته في الموضوع الذي كتبه ، ثم رأي معاصريه من العلماء ، ومدى تبني تلاميذه لآرائه ومدى تأثرهم بها ، مع التطرق الدراسات التي سبقته في التأليف بهذا الموضوع ، وهل أفاد من المتقدمين ، وهل أفاد منه المتأخرون ، ثم هل كان في كتابه هذا متحيزا لمذهب معين وإن كان كذلك فهل جاء بحجة يستدل بها على رأيه ، أم أنه كان معتدلا في آرائه ، فيؤيد هذا في موضع وقد يعارضه في موضع آخر ،مع استعراض لآرائه وكيفية مناقشته لها ، مع الاستدلال بآرائه في كتبه الأخرى ـ المطبوعة ـ وكل هذه الأمور تقع في المقدمة التي غالبا ما تكون في حدود ( 50 ـ 100 ) ، يذكر فيها المحقق خمسة أمور[22]، وفيما يأتي توضيح ذلك :
1 ـ ترجمة المؤلف : ( عصر المؤلف، اسمه ، نسبه ، كنيته ، زمان ولادته ومكانها ، عائلته ،علمه وشيوخه وتلاميذه ومعاصروه ، مؤلفاته ، آراء العلماء فيه ،وفاته ) وكل ما يذكره المحقق يتقيد بذكر مصدره معتمدا الأقدم فالأقدم .
2 ـ أهمية الكتاب وموضوعه : وفيه يتناول المحقق ما يأتي :
أ ـ تحقيق اسم المؤلف ،وصحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه : إنّ اشتراك كثير من المؤلفين في عنوانات الكتب يحمل المحققين على الحذر الشديد في إثبات اسم المؤلف ، مع مراعاة اعتبارات تحقيقية ؛ إما لاشتباه اسم المؤلف واسم أبيه باسم مؤلف آخر أو يتفق مؤلفان بالكنية واللقب أو الشهرة ، أو بسبب التعريف أو التصحيف الذي يعتري أسماء المؤلفين المثبت في الكتب فالنصري قد يحرف بالبصري ، والحسن بالحسين [23]، وأحيانا تتعرض المخطوطة للتلف بسبب عوامل الطبيعة كالرطوبة ،والأرضة وغيرها، فعله الرجوع إلى فهارس المؤلفين والكتب منها الفهرست ، وكشف الظنون، ومعاجم الشيوخ وهي إما :مؤلف على أسماء الشيوخ بحسب ترتيب المعجم ،مثاله المجمع المؤسس للمعجم المفهرس ،و إما أن يكون على العلوم والفنون ، ومثاله : المعجم المفهرس ، وكلاهما لابن حجر العسقلاني ،ويمكن الرجوع إلى كتب التراجم والطبقات ، ثم فهارس المكتبات العامة والخاصة .
ب ـ تحقيق اسم الكتاب : إن تحقيق عنوان المخطوطة ليس بالأمر الهين ، فبعض المخطوطات قد يخلو من العنوان ، وبعضها تخلو من العنوان بس تلف الورقة الأولى من المخطوط أو لأسباب أخرى ، بينما يحدث العكس فتتعدد الأسماء للمخطوطة الواحدة ، وقد يجد المحقق عنوانا زائفا لا يناسب مضمون المخطوط ، فلابد من وضع عنوان للمخطوط بالرجوع إلى كتب المؤلف المحققة قد يكون المؤلف أشار إليه في أحدها ، ومراجعة كتب التراجم والمؤلفات.
ج ـ منهج الكتاب وأسلوبه : فمثلا هل المؤلف يميل إلى التفصيل ، أو هل قد إلى الاستطراد ، أو الاختصار أو قد يمتاز أسلوبه بالطرافة ، أو ميله إلى التحليل المنطقي ...
د ـ أهمية الكتاب: بيان قيمة الكتاب بين الكتب المؤلفة في الموضوع نفسه .
هـ ـ مصادر المؤلف في كتابه :
و ـ موضوع الكتاب ومن تناوله بالدراسة قبل المؤلف : عرض موضوع المخطوط والدراسات التي دارت حوله قبل المؤلف وأثناء حياته .
ز ـ دور المؤلف فيه : الإضافات التيوالنتائج التي توصل إليها المؤلف ومدى أصابته فيها .
ح ـ تطور الموضوع بعد المؤلف : فعلى سبيل المثال نظرية النظم تطورت كثيرا بعد وفاة عبد القاهر الجرجاني( 474) وطبقت في مجالات كثيرة ووفق وناهج حديثة .
3 ـ دراسة النسخ وعرض نماذج منها [24]: يعرض المحقق جميع النسخ التي حصل عليها ويستعرضها جميعا ، ثم يبين أرقامها ، وأماكن وجودها ، وقيمتها ويقدم النسخة الأصل ، معللا سبب اعتماده عليها ثم يذكر النسخ الفرعية ببيانات مفصلة (مكانها ، رقمها في المكتبة ، عدد أوراقها ، نوع الخط ، حجمها طولا وعرضا ، ذكر أولها وآخرها ، مع وصف حالها ـ كاملة /ناقصة /أصابها التلف ، أو الأرضة / اسم ناسخها / تاريخ النسخ / بيان القراءات والسماعات ، وتواقيع العلماء عليها /وأخيرا يعرض نماذج مصورة من الصفحة الأولى والأخيرة لكل نسخة ، مع وضع رمز لكل نسخة)
4ـ منهج التحقيق : يكتب المحقق منهجه في تحقيق المخطوط ، ويحرص على بيان الأمور الآتية :
أ ـ نسخ النص بكامله من النسخة الأصل ، ومقابلة النسخ والطريقة التي اعتمدها في المتن ثم بيان الفروق بين النسخ مع ترجيحه الأصوب من جميع النسخ ووضعه في المتن والإشارة إليه في الهامش .
ب ـ ضبطه النص وتقويمه .
ج ـ تعليقه على النص في الهوامش ، ومناقشة آراء المؤلف، أو الاستدلال لها .
د ـ تخريجه للآيات والقراءات والأحاديث والأشعار والأمثال والأقوال ، وتوثيق نقول العلماء من كتبهم ، وترجمته للأعلام وتعريفه للأماكن والبلدان واكتب ،
هـ ـ فهرسة شاملة وهي أنواع:
1ـ فهرسة الآيات .
2ـ فهرس للقراءات ـ إن وجدت ـ .
3ـ فهرس الأحاديث .
4ـ فهرس الأشعار .
5- فهرس الأقوال .
7 ـ فهرس الأماكن .
8 ـ فهرس الأعلام .
9- فهرس الأشخاص .
10 ـ فهرس الموضوعات.
5- الخاتمة : ويعرض فيها المحقق أهم ما توصل إليه ، ثم يبين ما يمكن أن يضيفه هذا الكتاب من فائدة في مجال تخصصه .
المرحلة الثالثة : وهي المرحلة النهائية التي تتم فيها طباعة الكتاب وتنقيحه من الأخطاء النحوية والإملائية .وهي بمثابة إخراج نهائي ، تليها مرحلة المناقشة ، ثم إعادة تنقيح الكتاب وفق إرشادات اللجنة ثم إعادة طبعه بالشكل النهائي.
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلي محمد واله وصحبه المنتجبين وسلم تسليما كثيرا
فرح الفاضلي
[1]ـ ظ : يوسف المرعشلي: أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، 208ـ 249.
[2]ـ يوسف المرعشلي في كتابه أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات : 246.
[3]ـ ظ : م . ن ، و زهير غازي زاهد : في تحقيق التراث : 64 .
[4]ـ ظ : يوسف المرعشلي: أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات :247.
[5]ـ ظ : علي موسى الشمولي : تجربتي مع التحقيق ، 141.
[6]ـ ظ : م . ن :247 ـ 248 .
[7]ـ ظ : م . ن :250 ـ 312 .
[8]ـ ظ : زهير زاهد : في تحقيق التراث ، 64ـ 69 .
[9]ـ م . ن : 64 .
[10]ـ م . ن : 86.
[11]ـ ظ : عبد السلام هارون :تحقيق النصوص ونشرها ، 35 ـ 38.
[12]ـ ظ : علي موسى الشمولي : تجربتي مع التحقيق ، 144.
[13]ـ ظ : يوسف المرعشلي : أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، 251 ـ 252 .
[14]ـ ظ : زهير زاهد : تحقيق التراث ، 89 ـ 97.
[15]ـ ظ : فهمي سعد و طلال مجذوب : تحقيق النصوص بين النظرية والتطبيق ، 30.
[16]ـ ظ : م . ن ،31 ، و علي موسى الشمولي : تجربتي مع التحقيق ،146.
[17]ـ ظ : فهمي سعد و طلال مجذوب : تحقيق النصوص بين النظرية والتطبيق ، 31 ـ 34 ، و علي موسى الشمولي: تجربتي مع التحقيق ، 146، ويوسف المرعشلي : أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، 292 ـ 293 .
[18]ـ ظ : م . ن ، 38 ـ 40 .
[19]ـ ظ : عبد السلام هارون : تحقيق النصوص ونشرها ، 72.
[20]ـ ظ : علي موسى الشمولي : تجربتي مع التحقيق ، 145 .
[21]ـ ظ : م . ن .
[22]ـ ظ : يوسف المرعشلي : أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، 296 ـ 299 ، و ظ : علي موسى الشمولي ، تجربتي مع التحقيق ، 145 .
[23]ـ ظ : عبد السلام هارون تحقيق المخطوطات ونشرها ، 41 ـ 42 .
[24] ـ ظ : : يوسف المرعشلي : أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ، 297 ـ 298 .
http://www.maqalaty.com/%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B5--2769