قال عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب:
(( كل ما في الجسد منه شيءٌ واحد، لا ينفصل كالرأس، والأنف واللسان، والظهر، والبطن، والقلب، فإنك إذا ضممت إليه مثله، جاز فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: الجمع
وهو الأكثر نحو قوله تعالى: "فقد صغت قلوبكما". وإنما عبروا بالجمع، والمراد التثنية لأنها جمع. وهذا لا يلبس. وشبهوا هذا النوع بقولهم: نحن فعلنا. قال سيبويه: وسألت الخليل عن: ما أحسن وجوههما، فقال: لأن الاثنين جميع، وهذا بمنزلة قول الاثنين: نحن فعلنا ذاك، ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفردًا، وبين ما يكون شيئًا من شيء. يريد أنهم قد استعملوا في قولهم: ما أحسن وجوه الرجلين الجمع موضع الاثنين، كما يقول الاثنان: نحن فعلنا، ونحن إنما هو ضميرٌ موضوعٌ للجماعة. وإنما استحسنوا ذلك لما بين التثنية والجمع من التقارب، من حيث كانت التثنية عددًا تركب من ضم واحدٍ إلى واحد. وأول الجمع وهو الثلاثة، تركب من ضم واحدٍ إلى اثنين، فلذلك قال: لأن الاثنين جميع.
وقوله: "ولكنهم أرادوا أن يفرقوا" إلخ، معناه أنهم أعطوا المفرد حقه من لفظ التثنية، فقالوا في رجل رجلان، وفي وجهٍ وجهان، ولم يفعل ذلك أهل اللغة العليا في قولهم: ما أحسن وجوه الرجلين، وذلك أن الوجه المضاف إلى صاحبه إنما هو شيءٌ من شيء، فإذا ثنيت الثاني منهما علم السامع ضرورةً أن الأول لا بد أن يكون وافقه في العدة؛ فجمعوا الأول كراهة أن يأتوا بتثنيتين متلاصقتين في مضاف ومضاف إليه. والمتضايفان يجريان مجرى الاسم الواحد، فلما كرهوا أن يقولوا: ما أحسن وجهي الرجلين، فيكونوا كأنهم قد جمعوا في اسم واحد بين تثنيتين، غيروا لفظ التثنية الأولى بلفظ الجمع، إذِ العلمُ محيط بأنه لا يكون للاثنين أكثر من وجهين، فلما أمنوا اللبس في وضع الوجوه موضع الوجهين، استعملوا أسهل اللفظين. كذا في أمالي ابن الشجري. وهذا علة البصريين.
وقال الفراء: إنما خص هذا النوع بالجمع، لأن الشيء الواحد منه يقوم مقام الشيئين، حملاً على الأكثر، فإذا ضم إلى ذلك شيءٌ مثله، كان كأنه أربعة، فأتى بلفظ الجمع. وهذا معنًى حسنٌ من معاني الفراء.
قال ابن يعيش: وهذا من أصول الكوفيين. ويؤيده أن ما في الجسد منه شيء واحد، ففيه الدية كاملة كاللسان والرأس. وأما ما فيه شيئان كالعين فإن فيه نصف الدية.
وهذه عبارة الفراء، نقلناها تبركًا؛
قال في تفسيره، عند قوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما":
وفي قراءة عبد الله: "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما" وإنما قال أيديهما لأن كل شيءٍ موحد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافًا إلى اثنين فصاعدًا جمع، فقيل: قد هشمت رؤوسهما، وملأت ظهورهما وبطونهما ضرباً. ومثله: "فقد صغت قلوبكما".
وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين في الإنسان: اليدين، والرجلين، والعينين فلما جرى أكثره على هذا ذهب بالواحد منه مذهب التثنية. وقد يجوز هذا فيما ليس من خلق الإنسان، وذلك أن تقول للرجلين: خليتما نساءكما، وأنت تريد امرأتين، وخرقتما قُمُصكما. وإنما ذكرت ذلك لأن من النحويين من كان لا يجيزه إلا في خلق الإنسان. وكلٌّ سواء.
وكذا قال ابن الشجري في هذا، قال: وجروا على هذا السنن في المنفصل عن الجسد، فقالوا: مد الله في أعماركما، ونسأ الله في آجالكما. ومثله في المنفصل فيما حكاه سيبويه: ضع رحالهما. أقول: كذا في الشرح أيضًا.
وحكاه سيبويه في أوائل كتابه: وَضَعا رحالَهُما بالماضي لا بالأمر. قال: وقالوا: وضعا رحالهما، يريد رحلي راحلتين. وحَدُّ الكلام أن يقول: وضعت رحلي الراحلتين. وقال في أواخر كتابه: زعم يونس أنهم يقولون: ضع رحالهما وغلمانهما، وإنما هما اثنان.
هذا حكم ما كان منه في الجسد شيءٌ واحد، فإن كان اثنين كاليد والرجل فتثنيته إذا ثنيت المضاف إليه واجبة، لا يجوز غيرها. تقول: فقأت عينيهما، وقطعت أذنيهما، لأنك لو قلت: أعينهما وآذانهما لالتبس بأنك أوقعت الفعل بالأربع.
فإن قيل: فقد جاء في القرآن: "فاقطعوا أيديهما" فجمع اليد، وفي الجسد يدان، فهذا يوجب بظاهر اللفظ إيقاع القطع بالأربع.
فالجواب أن المراد فاقطعوا أيمانهما. وكذلك هي في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. فلما علم بالدليل الشرعي أن القطع محله اليمين وليس في الجسد إلا يمينٌ واحدة، جرت مجرى آحاد الجسد، فجمعت كما جمع الوجه، والظهر، والبطن.
الثاني من الوجوه الثلاثة: الإفراد.
ولم يذكره سيبويه هذه المسألة، وذلك نحو قولك: ما أحسن رأسهما، وضربت ظهر الزيدين، وذلك لوضوح المعنى، إذ لكل واحد شيءٌ واحد من هذا النوع، فلا يشكل، فأتي بلفظ الإفراد إذ كان أخف.
قال الفراء في تفسير تلك الآية: وقد يجوز أن تقول في الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يمينهما، لأن المعنى اليمين من كل واحدٍ منهما، كما قال الشاعر:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا .............. فإن زمانكم زمنٌ خميص
وقال الآخر:
الواردون وتيمٌ في ذرا سبأٍ .............. قد عض أعناقهم جلد الجواميس
من قال: ذرا بالضم جعل سبأ جبلاً، ومن قال: ذرا بالفتح أراد موضعًا. ويجوز في الكلام أن تقول: ائتني برأس شاتين، ورأسي شاة. فإذا قلت: رأسي شاة فإنما أردت رأس هذا الجنس. وإذا قلت: برأس شاتين فإنك تريد به الرأس من كل شاة.
قال الشاعر في ذلك:
كأنه وجه تركيين قد غضبا .............. مستهدفٌ لطعانٍ غير تذبيب
وقوله: "رأسي شاة" هذه مسألة زائدة على ما ذكروا في هذا الباب، استفيد جوازها منه.
قال ابن خلف: وقرأ بعض القراء: "فبدت لهما سوءتهما" بالإفراد. والعجب من ابن الشجري في حمله الإفراد على ضرورة الشعر، فإنه لم يقل أحدٌ إنه من قبيل الضرورة. قال: ولا يكادون يستعملون هذا إلا في الشعر. وأنشدوا شاهداً عليه:
كأنه وجه تركيين قد غضبا . . . . . . . . . . . . . البيت
وقال في آخره: ذب فلانٌ عن فلان: دفع عنه. وذبب في الطعن والدفع، إذا لم يبالغ فيهما.
وتبعه ابن عصفور في كتاب ضرائر الشعر، والصحيح أنه غير مختص بالشعر.
الثالث: التثنية؛
وهذا على الأصل وظاهر اللفظ. قال سيبويه: وقد يثنون ما يكون بعضًا لشيء؛ زعم يونس أن رؤبة كان يقول: ما أحسن رأسيهما، وقال الراجز:
ظهراهما مثل ظهور الترسين
قال الفراء في تفسير تلك الآية: وقد يجوز تثنيتهما. قال أبو ذوئب الشاعر:
فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ .............. كنوافذ العبط التي لا ترقع
وقال ابن الشجري: ومن العرب من يعطي هذا حقه كله من التثنية، فيقولون: ضربت رأسيهما، وشققت بطنيهما، وعرفت ظهريكما، وحيا الله وجهيكما. فمما ورد بهذه اللغة قول الفرزدق:
بما في فؤادينا من الشوق والهوى
وقول أبي ذؤيب:
فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ . . . . . . . . . . . . . . البيت
أراد: بطعناتٍ نوافذ كنوافذ العبط: جمع العبيط، وهو البعير الذي ينحر لغير داء.
والجمع في هذا الباب هو الجيد المختار، وبه نزل القرآن العظيم. )) انتهى.
قلت: وقد وقع شيء من ذلك للمتنبي في قوله يصف ناقته:
وتكرمت ركباتها عن مبـركٍ .............. تقعان فيه وليس مسكاً أذفرا
قال الواحدي شارح ديوانه:
(( والركبات جمع ركبة، وهذا جمع أريد به الاثنان كقوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} وكقول الشاعر:
ظهراهما مثل ظهور الترسين
وهو كثير، وذلك أن أول الجمع اثنان، فجاز أن يعبر عنهما بلفظ الجمع لما كانا جمعا، فيدل على أنه أراد بلفظ الجمع الاثنين أنه لما أخبر كما يخبر عن الاثنين بقوله تقعان )).
وقد انتقد ابن الأثير في المثل السائر هذا على المتنبي [وعنه القلقشندي في صبح الأعشى] فقال:
(( وهذا من أظهر ظواهر النحو وقد خفي على مثل المتنبي ))!
قلت: ومما ورد من ذلك في القرآن الكريم:
= {تجري بأعيننا}
= {هذان خصمان اختصموا في ربهم}
= {إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان}
= {ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين}
= {فإذا هم فريقان يختصمون}
(( كل ما في الجسد منه شيءٌ واحد، لا ينفصل كالرأس، والأنف واللسان، والظهر، والبطن، والقلب، فإنك إذا ضممت إليه مثله، جاز فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: الجمع
وهو الأكثر نحو قوله تعالى: "فقد صغت قلوبكما". وإنما عبروا بالجمع، والمراد التثنية لأنها جمع. وهذا لا يلبس. وشبهوا هذا النوع بقولهم: نحن فعلنا. قال سيبويه: وسألت الخليل عن: ما أحسن وجوههما، فقال: لأن الاثنين جميع، وهذا بمنزلة قول الاثنين: نحن فعلنا ذاك، ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفردًا، وبين ما يكون شيئًا من شيء. يريد أنهم قد استعملوا في قولهم: ما أحسن وجوه الرجلين الجمع موضع الاثنين، كما يقول الاثنان: نحن فعلنا، ونحن إنما هو ضميرٌ موضوعٌ للجماعة. وإنما استحسنوا ذلك لما بين التثنية والجمع من التقارب، من حيث كانت التثنية عددًا تركب من ضم واحدٍ إلى واحد. وأول الجمع وهو الثلاثة، تركب من ضم واحدٍ إلى اثنين، فلذلك قال: لأن الاثنين جميع.
وقوله: "ولكنهم أرادوا أن يفرقوا" إلخ، معناه أنهم أعطوا المفرد حقه من لفظ التثنية، فقالوا في رجل رجلان، وفي وجهٍ وجهان، ولم يفعل ذلك أهل اللغة العليا في قولهم: ما أحسن وجوه الرجلين، وذلك أن الوجه المضاف إلى صاحبه إنما هو شيءٌ من شيء، فإذا ثنيت الثاني منهما علم السامع ضرورةً أن الأول لا بد أن يكون وافقه في العدة؛ فجمعوا الأول كراهة أن يأتوا بتثنيتين متلاصقتين في مضاف ومضاف إليه. والمتضايفان يجريان مجرى الاسم الواحد، فلما كرهوا أن يقولوا: ما أحسن وجهي الرجلين، فيكونوا كأنهم قد جمعوا في اسم واحد بين تثنيتين، غيروا لفظ التثنية الأولى بلفظ الجمع، إذِ العلمُ محيط بأنه لا يكون للاثنين أكثر من وجهين، فلما أمنوا اللبس في وضع الوجوه موضع الوجهين، استعملوا أسهل اللفظين. كذا في أمالي ابن الشجري. وهذا علة البصريين.
وقال الفراء: إنما خص هذا النوع بالجمع، لأن الشيء الواحد منه يقوم مقام الشيئين، حملاً على الأكثر، فإذا ضم إلى ذلك شيءٌ مثله، كان كأنه أربعة، فأتى بلفظ الجمع. وهذا معنًى حسنٌ من معاني الفراء.
قال ابن يعيش: وهذا من أصول الكوفيين. ويؤيده أن ما في الجسد منه شيء واحد، ففيه الدية كاملة كاللسان والرأس. وأما ما فيه شيئان كالعين فإن فيه نصف الدية.
وهذه عبارة الفراء، نقلناها تبركًا؛
قال في تفسيره، عند قوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما":
وفي قراءة عبد الله: "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما" وإنما قال أيديهما لأن كل شيءٍ موحد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافًا إلى اثنين فصاعدًا جمع، فقيل: قد هشمت رؤوسهما، وملأت ظهورهما وبطونهما ضرباً. ومثله: "فقد صغت قلوبكما".
وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين في الإنسان: اليدين، والرجلين، والعينين فلما جرى أكثره على هذا ذهب بالواحد منه مذهب التثنية. وقد يجوز هذا فيما ليس من خلق الإنسان، وذلك أن تقول للرجلين: خليتما نساءكما، وأنت تريد امرأتين، وخرقتما قُمُصكما. وإنما ذكرت ذلك لأن من النحويين من كان لا يجيزه إلا في خلق الإنسان. وكلٌّ سواء.
وكذا قال ابن الشجري في هذا، قال: وجروا على هذا السنن في المنفصل عن الجسد، فقالوا: مد الله في أعماركما، ونسأ الله في آجالكما. ومثله في المنفصل فيما حكاه سيبويه: ضع رحالهما. أقول: كذا في الشرح أيضًا.
وحكاه سيبويه في أوائل كتابه: وَضَعا رحالَهُما بالماضي لا بالأمر. قال: وقالوا: وضعا رحالهما، يريد رحلي راحلتين. وحَدُّ الكلام أن يقول: وضعت رحلي الراحلتين. وقال في أواخر كتابه: زعم يونس أنهم يقولون: ضع رحالهما وغلمانهما، وإنما هما اثنان.
هذا حكم ما كان منه في الجسد شيءٌ واحد، فإن كان اثنين كاليد والرجل فتثنيته إذا ثنيت المضاف إليه واجبة، لا يجوز غيرها. تقول: فقأت عينيهما، وقطعت أذنيهما، لأنك لو قلت: أعينهما وآذانهما لالتبس بأنك أوقعت الفعل بالأربع.
فإن قيل: فقد جاء في القرآن: "فاقطعوا أيديهما" فجمع اليد، وفي الجسد يدان، فهذا يوجب بظاهر اللفظ إيقاع القطع بالأربع.
فالجواب أن المراد فاقطعوا أيمانهما. وكذلك هي في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. فلما علم بالدليل الشرعي أن القطع محله اليمين وليس في الجسد إلا يمينٌ واحدة، جرت مجرى آحاد الجسد، فجمعت كما جمع الوجه، والظهر، والبطن.
الثاني من الوجوه الثلاثة: الإفراد.
ولم يذكره سيبويه هذه المسألة، وذلك نحو قولك: ما أحسن رأسهما، وضربت ظهر الزيدين، وذلك لوضوح المعنى، إذ لكل واحد شيءٌ واحد من هذا النوع، فلا يشكل، فأتي بلفظ الإفراد إذ كان أخف.
قال الفراء في تفسير تلك الآية: وقد يجوز أن تقول في الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يمينهما، لأن المعنى اليمين من كل واحدٍ منهما، كما قال الشاعر:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا .............. فإن زمانكم زمنٌ خميص
وقال الآخر:
الواردون وتيمٌ في ذرا سبأٍ .............. قد عض أعناقهم جلد الجواميس
من قال: ذرا بالضم جعل سبأ جبلاً، ومن قال: ذرا بالفتح أراد موضعًا. ويجوز في الكلام أن تقول: ائتني برأس شاتين، ورأسي شاة. فإذا قلت: رأسي شاة فإنما أردت رأس هذا الجنس. وإذا قلت: برأس شاتين فإنك تريد به الرأس من كل شاة.
قال الشاعر في ذلك:
كأنه وجه تركيين قد غضبا .............. مستهدفٌ لطعانٍ غير تذبيب
وقوله: "رأسي شاة" هذه مسألة زائدة على ما ذكروا في هذا الباب، استفيد جوازها منه.
قال ابن خلف: وقرأ بعض القراء: "فبدت لهما سوءتهما" بالإفراد. والعجب من ابن الشجري في حمله الإفراد على ضرورة الشعر، فإنه لم يقل أحدٌ إنه من قبيل الضرورة. قال: ولا يكادون يستعملون هذا إلا في الشعر. وأنشدوا شاهداً عليه:
كأنه وجه تركيين قد غضبا . . . . . . . . . . . . . البيت
وقال في آخره: ذب فلانٌ عن فلان: دفع عنه. وذبب في الطعن والدفع، إذا لم يبالغ فيهما.
وتبعه ابن عصفور في كتاب ضرائر الشعر، والصحيح أنه غير مختص بالشعر.
الثالث: التثنية؛
وهذا على الأصل وظاهر اللفظ. قال سيبويه: وقد يثنون ما يكون بعضًا لشيء؛ زعم يونس أن رؤبة كان يقول: ما أحسن رأسيهما، وقال الراجز:
ظهراهما مثل ظهور الترسين
قال الفراء في تفسير تلك الآية: وقد يجوز تثنيتهما. قال أبو ذوئب الشاعر:
فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ .............. كنوافذ العبط التي لا ترقع
وقال ابن الشجري: ومن العرب من يعطي هذا حقه كله من التثنية، فيقولون: ضربت رأسيهما، وشققت بطنيهما، وعرفت ظهريكما، وحيا الله وجهيكما. فمما ورد بهذه اللغة قول الفرزدق:
بما في فؤادينا من الشوق والهوى
وقول أبي ذؤيب:
فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ . . . . . . . . . . . . . . البيت
أراد: بطعناتٍ نوافذ كنوافذ العبط: جمع العبيط، وهو البعير الذي ينحر لغير داء.
والجمع في هذا الباب هو الجيد المختار، وبه نزل القرآن العظيم. )) انتهى.
قلت: وقد وقع شيء من ذلك للمتنبي في قوله يصف ناقته:
وتكرمت ركباتها عن مبـركٍ .............. تقعان فيه وليس مسكاً أذفرا
قال الواحدي شارح ديوانه:
(( والركبات جمع ركبة، وهذا جمع أريد به الاثنان كقوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} وكقول الشاعر:
ظهراهما مثل ظهور الترسين
وهو كثير، وذلك أن أول الجمع اثنان، فجاز أن يعبر عنهما بلفظ الجمع لما كانا جمعا، فيدل على أنه أراد بلفظ الجمع الاثنين أنه لما أخبر كما يخبر عن الاثنين بقوله تقعان )).
وقد انتقد ابن الأثير في المثل السائر هذا على المتنبي [وعنه القلقشندي في صبح الأعشى] فقال:
(( وهذا من أظهر ظواهر النحو وقد خفي على مثل المتنبي ))!
قلت: ومما ورد من ذلك في القرآن الكريم:
= {تجري بأعيننا}
= {هذان خصمان اختصموا في ربهم}
= {إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان}
= {ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين}
= {فإذا هم فريقان يختصمون}