قدِمَ النعمانُ بنُ المنذر ِ على كِسرى ، وعنده وفودُ الروم ِ والهندِ والصين ِ ، فذكروا مِن ملوكِهم وبلادِهم . فافتخرَ النعمان ُ بالعرب ِ وفضلـِهم على جميع ِ الأمم ِ ، لا يستثني فارسًا ولا غيرَها. فقالَ كسرى - وأخذتــْـه عزة ُ المُــلك ِ - يا نعمانُ ، لقد فكرتُ في أمر ِ العرب ِ وغيرِهم من َ الأمم ِ ، ونظرتُ في حال ِ مَن يَـقدُمُ عليّ مِن وفودِ الأمم ِ ، فوجدتُ الرومَ لها حظ ٌّ في اجتماع ِ ألفتـِـها ، وعِظم ِ سلطانـِـها ، وكثرةِ مدائنـِها ، ووثيق ِ بنيانِـها ، وأنّ لها دِيناً يبينُ حلالـَــها وحرامَها ، ويردُّ سفيهَها ، ويقيمُ جاهلـَـها . ورأيتُ الهندَ نحوًا مِن ذلك في حكمتِـها وطِـبـِّـها ، معَ كثرةِ أنهارِ بلادِها وثمارِها ، وعجيبِ صناعاتِها ، وطيب ِ أشجارِها ، ودقيق ِ حسابـِـها ، وكثرةِ عددِها . وكذلك الصينُ في اجتماعِها ، وكثرةِ صناعاتِ أيديها في آلةِ الحربِ وصناعةِ الحديدِ ، وفروسيتـِها وهمتـِها، وأنّ لها ملكًا يجمعُها . والتركُ والـخـَـزَرُ على ما بهم مِن سوءِ الحال ِ في المعاش ِ، وقلةِ الرِّيفِ(1) والثمارِ والحصونِ ، وما هو رأسُ عمارةِ الدنيا منَ المساكنِ والملابسِ ، لهم ملوكٌ تضمُّ قواصيَهم ، وتدبرُ أمرَهم ، ولم أرَ للعربِ شيئًا مِن خِصَالِ الخير ِفي أمرِ دينٍ ولا دُنياً ، ولا حزمَ ولا قوة َ معَ أنّ مما يدلُّ على مهانتِها وذُلــهَـا وصِغـَـر ِهمتِها مَــحِــلــَّــتـَـهم (2) التي هم بها مع الوحوش ِ النافرةِ ، والطيرِ الحائرةِ . يقتلون أولادَهم من الفاقـَـةِ ، ويأكلُ بعضُهم بعضًا منَ الحاجةِ . قد خرجوا مِن مطاعم ِ الدنيا وملابسِها ولهوِها ولذتِها . فأفضلُ طعامٍ ظفرَ به ناعمُهم لحومُ الإبل ِ التي يعافـُـها كثيرٌ منَ السباع ِ ، لثقلِها وسوءِ طعمِها وخوفِ دائِها . وإنْ قرى أحدُهم ضيفًا عدَّها مَكْرُمة ً ، وإنْ أطعمَ أكلة ً عدَّها غنيمة ً تنطقُ بذلك أشعارُهم ، وتفتخرُ بذلك رجالـُـهم ، ما خلا هذه التنوخية َ التي أسَّـسَ جدي اجتماعَها ، وشدَّ مملكتـَـها ، ومنعَها مِن عدوِّها ، فجرى لها ذلك إلى يومِنا هذا . وإنّ لها معَ ذلك آثارًا ولبوسًا (3)، وقرىً وحصونًا ، وأمورًا تشبه بعضَ أمورِ الناس ِ - يعني اليمن َ - ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلةِ والقِــلــَّـةِ، والفاقةِ والبؤس ِ، حتى تفتخروا وتريدوا أنْ تنزلوا فوقَ مراتبِ الناس ِ.
قالَ النعمان ُ:
" أصلحَ اللهُ الملكَ ، حـُــق َّ(4) لأمةٍ الملك منها أن يسموَ فضلـُـها، ويعظـُـمُ خطبـُـها ، وتعلو درجتــُـها إلا أنّ عندي جوابًا في كلِّ ما نطقَ به الملكُ ، وفي غيرِ ردٍّ عليه ، ولا تكذيب ٍ له ، فإن أمَّنني مِن غضبــِه نطقتُ به " . قالَ كسرى : قلْ ، فأنتَ آمنٌ.
فقالَ النعمانُ:
" أما أمتــُـكَ - أيها الملكُ - فليستْ تنازعُ في الفضل ِ ؛ لموضعـِها الذي هي به من عقولـِها وأحلامـِها ، وبَسْطـَـةِ مَــحـِـلـِّـها، وبُحـْـبــُوحةِ عزِّها ، وما أكرمَها اللهُ به مِن ولايةِ آبائـِـك وولايتـِـك. وأما الأممَ التي ذكرتَ ، فأيُّ أمةٍ تـَــقـْــرِنـُـها بالعربِ إلا فـَـضَلتـْـها. قالَ كِسرى : بماذا ؟
قالَ النعمانُ : بعزِّها ومنعتِها وحسن ِ وجوهِها وبأسِها وسخائِها وحكمةِ ألسنتِها وشدةِ عقولِها وأنفتِها ووفائِها.
فأما عزُّها ومنعتـُـها، فإنها لم تزلْ مجاورةً لآبائـِـك الذين دوَّخوا البلادَ ، ووطـَّـدوا الملكَ ، وقادوا الجـُـندَ ، لم يطمعْ فيهم طامعٌ، ولم ينلـْــهم نائلٌ ، حصونـُـهم ظهورُ خيلـِـهم ، ومهادُهم الأرضُ ، وسقوفـُـهم السماءُ ، وجُــنَّــتـُـهُمُ السيوفُ ، وعُــدَّتـُـهُم الصبرُ ؛ إذ غيرُها منَ الأمم ِ ، إنما عزُّها منَ الحجارةِ والطين ِ وجزائر ِ البحور ِ.
وأما حُسْنُ وجوهِها وألوانُها، فقد يعرفُ فضلـَـهم في ذلك على غيرِهم منَ الهندِ المُنْحَرفةِ ، والصينِ الــمُـــنــْحَــفـَـةِ ، والتركِ المُـشَـوَّهَـةِ ، والرومِ المُــقـَـشـَّـرةِ .
وأما أنسابُها وأحسابُها، فليستْ أمة ٌ منَ الأمم ِ إلا وقد جَهـِـلـَـتْ آباءَها وأصولــَـها وكثيرًا منْ أولِها ، حتى إنّ أحدَهم ليـُـسْألُ عمن وراءَ أبيه دنيًا (5)، فلا ينسبُه ولا يعرفـُـه ، وليسَ أحدٌ منَ العرب ِ إلا يُسمي آباءَه أبًا فأبًا، حاطوا بذلكَ أحسابَهم ، وحفظوا به أنسابـَـهم ، فلا يدخلُ رجلٌ في غيرِ قومِه ، ولا ينتسبُ إلى غيرِ نسبـِـه ، ولا يُـدعَى إلى غيرِ أبيه .
وأما سخاؤها ، فإنّ أدناهم رجلاً الذي تكونُ عندَه البـَـكـْـرَةُ والنابُ(6) ، عليها بلاغـُـهُ(7) في حُمُولِه(8) وشِــبـَـعِــه و رِيِّه ِ، فيطرقــُـه الطارقُ الذي يـَـكتـَـفي بالــفـَـلـْـذة ِ(9) ويجتزئُ بالشـَّـرْبةِ ، فيعقرُها له ، ويرضى أنْ يخرجَ عنْ دنياهُ كلـِّــها فيما يكسبُه من حُسْنِ الأحدوثةِ وطيبِ الذكرِ.
وأما حكمة ُ ألسنتـِهم ، فإنّ الله - تعالى - أعطاهم في أشعارِهم ورونق ِ كلامِهم وحسنِه ووزنِه وقوافيه معَ معرفتِهم بالأشياءِ ، وضربــِهم للأمثالِ ، وإبلاغِهم في الصفاتِ ما ليسَ لشيءٍ من ألسنةِ الأجناسِ . ثم خيلـُـهم أفضلُ الخيل ِ ، ونساؤهم أعفُّ النساء ِ ، ولباسُهم أفضلُ اللباس ِ ، ومعادنـُـهم الذهبُ والفضة ُ ، وحجارةُ جبالـِـهم الجَزْع ِ(10) ، ومطاياهم التي لا يبلغُ على مثلِها سفرٌ ولا يـُـقطعُ بمثلـِـها بلدٌ قــَـفـْـرٌ.
وأما دينـُـها وشريعتـُـها ، فإنهم متمسكون به ، حتى يبلغَ أحدُهم من نـُـسُـكِــه بدينِه أنّ لهم أشهرًا حُـرُمًا ، وبلدًا مُحَرَّمًا ، وبيتــًا محجوجًا ، ينسكون فيه مناسكـَـهم ، ويذبحون فيه ذبائحَـهم ، فيلقى الرجلُ قاتلَ أبيه أو أخيه ، وهو قادرٌ على أخـْـذِ ثأرِه وإدراكِ رَغـْـمِهِ(11) منه ، فيحجزُه كرمُه ، ويمنعُه دينـُـه عن تناولـِـه بأذىً .
وأما وفاؤها ، فإنّ أحدَهم يلحظ ُ اللحظة َ ، ويومئُ الإيماءة َ فهي وَلـْـثٌ(12) وعُــقدةٌ لا يحلــُّـها إلا خروجُ نـَـفـَـسِــهِ . وإنّ أحدَهم ليرفعُ عودًا منَ الأرضِ فيكونُ رهنًا بدينِه ،
فلا يـَـغـْـلَــَـقُ رهنـُـه(13) ، ولا تـُـخـْـفـَـرُ(14) ذمتــُـه . وإنّ أحدَهم ليبلغُه أنّ رجلاً استجارَ به ، وعسى أنْ يكونَ نائيًا عنْ دارِه، فيصابُ ، فلا يرضى حتى يفنيَ تلك القبيلة َ التي أصابتـْـه أو تفنى قبيلتــُـه ، لما أُخـْـفِــرَ من جوارِه ، وإنه ليلجأ ُ إليهم المجرمُ المُحْدِثُ منْ غيرِ مَعْرفةٍ ولا قرابةٍ ، فتكونُ أنفسُهم دونَ نفسِه ، وأموالـُـهم دونَ مالِه.
وأما قولـُــك - أيها الملكُ - : ( يئدون أولادَهم ) ، فإنما يفعلـُـه مَنْ يفعلـُـه منهم بالإناثِ أنفة ً منَ العار ِ وغـَـيـْـرَة ً منَ الأزواج ِ .
أما قولـُـك: ( إنّ أفضلَ طعامِهم لحومُ الإبل ِ ) على ما وصفتَ منها ، فما تركوا ما دونها إلا احتقارًا له ، فعمدوا إلى أجلـِّــها وأفضلـِـها ، فكانتْ مراكبـُـهم وطعامُهم ؛ معَ أنها أكثرُ البهائم ِ شحومًا ، وأطيبـُها لحومًا ، وأرقــُّـها ألبانًــا ، وأقلــُّـها غائلة ً(15) ، وأحلاها مَـضْـغـَة ً، وإنه لا شيءَ منَ اللــُّـحْـمَان ِ يُعَالجُ ما يُعَالجُ به لحمُها إلا استبانَ فضلـُـها عليه .
وأما تحاربُهم وأكــْـلُ بعضِهم بعضًا ، وتركـُـهم الانقيادَ لرجل ٍ يسوسُهم ويجمعُهم ؛ فإنما يفعلُ ذلك مَنْ يفعلـُـه منَ الأمم ِ إذا أنِسَتْ منْ نفسِها ضعفــًا ، وتخوَّفتْ نهوضُ عدوِّها إليها بالزحفِ، وإنه إنما يكونُ في المملكةِ العظيمةِ أهلُ بيتٍ واحدٍ يُعرفُ فضلـُـهم على سائرِ غيرِهم ، فيلقون إليهم أمورَهم ، وينقادون لهم بأزمَّــتـِـهم ، وأما العربُ فإنّ ذلك كثيرٌ فيهم ، حتى لقد حاولوا أنْ يكونوا ملوكــًا أجمعين ، مع أنـَـفـَـتـِـهم منْ أداءِ الخراج ِ والوَطـْـثِ(16) بالعـَــسْـــفِ.
وأما اليمنُ التي وصفَها الملكُ ، فإنما أتى جدَّ الملكَ الذي(17) أتاه عندَ غلبةَ الحُـبشِ له ، على مُلكٍ مُــتـَّـــسِــق ٍ ، وأمرٍ مجتمع ٍ ، فأتاه مسلوبًا طريدًا مستصرخًا قد تقاصرَ عن إيوائِه ، وصَغـُـرَ في عينه ما شـُــيـِّـدَ مِن بنائِه ؛ ولولا ما وترَ به مَن يليه مِنْ العربِ ، لمَال إلى مجالٍ ، ولوجدَ مَن يُجيدُ الطـِّــعَان ِ ، ويغضبُ للأحرارِ ، مِنْ غلبةِ العبيدِ الأشرارِ " .
قالَ: فعَجـِـبَ كسرى لما أجابَه النعمانُ به ، وقالَ : إنك لأهلٌ لموضعِك منَ الرياسةِ في أهلِ إقليمِك ولما هو أفضلُ . ثم كساه كِسْوَتــَه ، وسرَّحَه إلى موضعِه مِنْ الحِــيْــرةِ .
فلما قدمَ النعمانُ الحِــيـْـرة َ وفي نفسِه ما فيها مما سمعَ مِن كسرى مِن تنقـُّـصِ العرب ِ
وتهجين ِ(18) أمرِهم ، بعثَ إلى أكثمَ بن ِ صيفي ٍّ ، وحاجب ِ بن ِزُرَارة َ التميميين ، وإلى الحارثِ بن ِعُبَادٍ، وقيسِ بن ِ مسعودٍ البــكْــريين، وإلى خالدِ بن ِ جعفرَ ، وعلقمة َ بن ِ عـُـلاثة َ ، وعامرِ بن ِ الطـُّــفـَـيل ِ العامريين، وإلى عمرو ِ بن ِ الشـَّـريد ِ السُّــلــَميِّ ، وعمرو ِ بن ِمَعْدِ يكربَ الزبيديِّ، والحارثِ بن ِ ظالم ٍ المُرِّيِّ . فلما قدموا عليه في الخورنق ِ ، قالَ لهم : قد عرفتـُـم هذه الأعاجمَ ، وقــُـرْبَ جوارِ العرب ِمنها ، وقد سمعتُ مِن كسرى مقالاتٍ تخوَّفــْـتُ أنْ يكونَ لها غـَــوْرٌ، أو يكونَ إنما أظهرَها لأمرٍ أرادَ أن يتخذ َ به العربَ خـَــوَلاً كبعض ِ طـَـمَاطـِــمـَـتِه(19) في تأديتِهم الخراجَ إليه(20) ، كما يفعلُ بملوكِ الأمم ِ الذين حولـَـه ، فاقتصَّ مقالاتِ كِسرى وما ردَّ عليه . فقالوا :
أيها الملكُ - وفقك اللهُ - ما أحسنَ ما رددتَ ، وأبلغَ ما حججْتــَه به ! فمُـرْنا بأمرِك ، وادعُنا إلى ما شئتَ. قالَ: إنما أنا رجلٌ منكم ، وإنما ملكتُ وعززتُ بمكانِكم ، وما يتخوفُ من ناحيتِكم، وليسَ شيءٌ أحبَ إليّ مما سددَ اللهُ أمرَكم ، وأصلحَ به شأنــَـكم ، وأدامَ به عـِــزَّكــم . والرأيُ أنْ تسيروا بجماعتـِـكم - أيها الرَّهْـط ُ- وتنطلقوا إلى كسرى ، فإذا دخلتم نــطـَـقَ كلُّ رجلٍ منكم بما حضرَه ، ليعلمَ أنّ العربَ على غيرِ ما ظنَّ أو حدثتـْـه نفسُه ، ولا ينطقُ رجلٌ منكم بما يُغضبُه ، فإنه مَلكٌ عظيمُ السلطان ِ ، كثيرُ الأعوان ِ ، مُتــْرَفٌ مُـعْـجَـبٌ بنفسِه . ولا تنخزلوا(21) له انخزالَ الخاضع ِ الذليل ِ ، وليكنْ أمرًا بين ذلك تظهرُ به وثاقة ُ حلومِكم ، وفضلُ منزلتِكم ، وعظمة ُ أخطارِكم . وليكنُ أولُ مَن يبدأ ُ منكم بالكلام ِ أكثمَ بنَ صيفيٍّ ، لسَــنـِـي مَحِلــِّه ، ثم تتابعوا على الأمرِ مِن منازلكم التي وضعتـُـكم بها. وإنما دعاني إلى التـَّـقـْـدِمَةِ بينكم عِلمي بميلِ كلِّ رجلٍ منكم إلى التقدُّمِ قبلَ صاحبـِه ، فلا يكونـَـنَّ ذلك منكم فيجدَ في آدابـِـكم مَطـْـعَــنًا ، فإنه ملكٌ مُترفٌ ، وقادرٌ مُسَلطٌ . ثم دعا لهم بما في خزانتِه من طرائفِ حُــلل ِ الملوكِ كلُّ رجل ٍ منهم حُلة ً، وعَـمَّــمَه عِمَامة ً وختمَه بياقوتةٍ ، وأمرَ لكلِّ رجلٍ منهم بنجيبةٍ مَــهْــرِيـَّـةٍ (22) وفرسٍ نجيبةٍ ، وكتبَ معهم كتابًا :
أما بعدُ ، فإنّ الملكَ ألقى إليّ مِن أمرِ العربِ ما قد عَــلِمَ ، وأجبتـُـه بما قد فهمَ ، بما أحببتُ أنْ يكونَ منه على علم ٍ ، ولا يتلجلجُ في نفسِه أنّ أمة ً منَ الأمم ِ التي احتجزتْ دونـَه بمملكتِها ، وحَـمَتْ ما يليها بفضل ِ قوتـِها تبلغـُـها في شيءٍ منَ الأمور ِ التي يتعزز ُ بها ذوو الحزم ِ والقوةِ والتدبيرِ والمَــكـِـيدة ِ ، وقد أوفدْتُ - أيها الملكُ - رَهـْـطاً منَ العربِ لهم فضلٌ في أحسابــِهم وأنسابــِهم ، وعقولِهم وآدابــِهم ، فليسمع ِ الملكُ ، وليغمُضْ عن جفاءٍ إنْ ظهرَ مِنْ منطقِهم ، وليكرمْني بإكرامِهم ، وتعجيل ِ سراحـِهم ، وقد نسبتـُـهم في أسفلِ كتابي هذا إلى عشائـِـرهم".
فخرجَ القومُ في أهْبـَـتـِـهم ، حتى وقفوا ببابِ كِسرى بالمدائن ِ ، فدفعوا إليه كتابَ النعمان ِ، فقرأه ، وأمرَ بإنزالهم إلى أنْ يجلسَ لهم مَجْلسًا يسمعُ منهم . فلما أنْ كانَ بعدَ ذلك بأيامٍ
أمرَ مَرازبَـتـَـه(23) ووجوهَ أهل ِ مملكتِه ، فحضروا ، وجلسُوا على كراس ٍ عن يمينِه وشمالِه ، ثم دعا بهم على الوِلاءِ (24) والمراتبِ التي وصفــَهم النعمانُ بها في كتابِه ، وأقامَ الترجمان َ(25) ليؤديَ إليه كلامَهم ، ثم أذنَ لهم في الكلام ِ.
فقامَ أكثمُ بنُ صيفيٍّ فقالَ :
يــــــــــــتـــــــــــــــبـــــــــــــع بإذن الله .
* العقد الفريد 1/ 101 .
_______________________________
1- الريف : أرض فيها زرع و خصب ، والسعة في المأكل والمشرب .
2- محلتهم : حلَّ المكان وبه يحل بالكسر والضم .
3- لبُــوسًـا : دروعًا .
4- حُـــق : حُــقَّ لك أن تفعل كذا ، وحققت أن تفعله بمعنىً .
5- دنيًا : تقول العرب : هو ابن عمي دنيًا ( بضم الدال وكسرها مع التنوين) أي : لحمًا .
6- الناب : الناقة المسنة .
7- بلاغه : البلاغ هو : الكفاية .
8- حموله : الحمول والأحمال جمع حمل .
9- الفلذة : القطعة من الشيء .
10- الجزع : ( بفتح الجيم وكسرها ) الخرز اليماني الصيني فيه سواد وبياض تـــُــشبه به العيون .
11-رغمه : الرغم الذل .
12- وَلـــْـــث : عهد .
13- يغلق رهنه : غـَــلقَ الرهن : استحقه المرتهن ، وذلك إذا لم يفتك في الوقت المشروط .
14- تخفر : خفر به ، وأخفره أي : نقض عهده وغدره .
15- غائلة : شرًّا .
16- الوطث : الضرب الشديد بالرجل على الأرض .
17- هو سيف بن ذي يزن .
18- تهجين : تقبيح واستهجان ، والهجنة من الكلام : ما يعيبه .
19- طماطمته : رجل طمطم و طمطمي ( بكسر الطاءين ، وطمطماني ( بضمهما ) : في لسانه عجمة .
20- كان الفرس يعفون عرب الحيرة من دفع الإتاوة مقابل أن يقوموا بحمايتهم من كل غارة من نواحيهم .
21- تنخزلوا : الانخزال مشية في تثاقل .
22- مهرية : البعير والفرس إذا كانا كريمين عتيقين ، والمهرية : نسبة إلى مهرة بن حيدان ( حي ٌّ تنسب إليه الإبل النجيبة ) .
23- مرازبته : جمع مرزبان ( بفتح الميم وضم الزاي ) وهو الرئيس من الفرس .
24- الولاء : التتابع والتوالي مصدر ( والى ) .
قالَ النعمان ُ:
" أصلحَ اللهُ الملكَ ، حـُــق َّ(4) لأمةٍ الملك منها أن يسموَ فضلـُـها، ويعظـُـمُ خطبـُـها ، وتعلو درجتــُـها إلا أنّ عندي جوابًا في كلِّ ما نطقَ به الملكُ ، وفي غيرِ ردٍّ عليه ، ولا تكذيب ٍ له ، فإن أمَّنني مِن غضبــِه نطقتُ به " . قالَ كسرى : قلْ ، فأنتَ آمنٌ.
فقالَ النعمانُ:
" أما أمتــُـكَ - أيها الملكُ - فليستْ تنازعُ في الفضل ِ ؛ لموضعـِها الذي هي به من عقولـِها وأحلامـِها ، وبَسْطـَـةِ مَــحـِـلـِّـها، وبُحـْـبــُوحةِ عزِّها ، وما أكرمَها اللهُ به مِن ولايةِ آبائـِـك وولايتـِـك. وأما الأممَ التي ذكرتَ ، فأيُّ أمةٍ تـَــقـْــرِنـُـها بالعربِ إلا فـَـضَلتـْـها. قالَ كِسرى : بماذا ؟
قالَ النعمانُ : بعزِّها ومنعتِها وحسن ِ وجوهِها وبأسِها وسخائِها وحكمةِ ألسنتِها وشدةِ عقولِها وأنفتِها ووفائِها.
فأما عزُّها ومنعتـُـها، فإنها لم تزلْ مجاورةً لآبائـِـك الذين دوَّخوا البلادَ ، ووطـَّـدوا الملكَ ، وقادوا الجـُـندَ ، لم يطمعْ فيهم طامعٌ، ولم ينلـْــهم نائلٌ ، حصونـُـهم ظهورُ خيلـِـهم ، ومهادُهم الأرضُ ، وسقوفـُـهم السماءُ ، وجُــنَّــتـُـهُمُ السيوفُ ، وعُــدَّتـُـهُم الصبرُ ؛ إذ غيرُها منَ الأمم ِ ، إنما عزُّها منَ الحجارةِ والطين ِ وجزائر ِ البحور ِ.
وأما حُسْنُ وجوهِها وألوانُها، فقد يعرفُ فضلـَـهم في ذلك على غيرِهم منَ الهندِ المُنْحَرفةِ ، والصينِ الــمُـــنــْحَــفـَـةِ ، والتركِ المُـشَـوَّهَـةِ ، والرومِ المُــقـَـشـَّـرةِ .
وأما أنسابُها وأحسابُها، فليستْ أمة ٌ منَ الأمم ِ إلا وقد جَهـِـلـَـتْ آباءَها وأصولــَـها وكثيرًا منْ أولِها ، حتى إنّ أحدَهم ليـُـسْألُ عمن وراءَ أبيه دنيًا (5)، فلا ينسبُه ولا يعرفـُـه ، وليسَ أحدٌ منَ العرب ِ إلا يُسمي آباءَه أبًا فأبًا، حاطوا بذلكَ أحسابَهم ، وحفظوا به أنسابـَـهم ، فلا يدخلُ رجلٌ في غيرِ قومِه ، ولا ينتسبُ إلى غيرِ نسبـِـه ، ولا يُـدعَى إلى غيرِ أبيه .
وأما سخاؤها ، فإنّ أدناهم رجلاً الذي تكونُ عندَه البـَـكـْـرَةُ والنابُ(6) ، عليها بلاغـُـهُ(7) في حُمُولِه(8) وشِــبـَـعِــه و رِيِّه ِ، فيطرقــُـه الطارقُ الذي يـَـكتـَـفي بالــفـَـلـْـذة ِ(9) ويجتزئُ بالشـَّـرْبةِ ، فيعقرُها له ، ويرضى أنْ يخرجَ عنْ دنياهُ كلـِّــها فيما يكسبُه من حُسْنِ الأحدوثةِ وطيبِ الذكرِ.
وأما حكمة ُ ألسنتـِهم ، فإنّ الله - تعالى - أعطاهم في أشعارِهم ورونق ِ كلامِهم وحسنِه ووزنِه وقوافيه معَ معرفتِهم بالأشياءِ ، وضربــِهم للأمثالِ ، وإبلاغِهم في الصفاتِ ما ليسَ لشيءٍ من ألسنةِ الأجناسِ . ثم خيلـُـهم أفضلُ الخيل ِ ، ونساؤهم أعفُّ النساء ِ ، ولباسُهم أفضلُ اللباس ِ ، ومعادنـُـهم الذهبُ والفضة ُ ، وحجارةُ جبالـِـهم الجَزْع ِ(10) ، ومطاياهم التي لا يبلغُ على مثلِها سفرٌ ولا يـُـقطعُ بمثلـِـها بلدٌ قــَـفـْـرٌ.
وأما دينـُـها وشريعتـُـها ، فإنهم متمسكون به ، حتى يبلغَ أحدُهم من نـُـسُـكِــه بدينِه أنّ لهم أشهرًا حُـرُمًا ، وبلدًا مُحَرَّمًا ، وبيتــًا محجوجًا ، ينسكون فيه مناسكـَـهم ، ويذبحون فيه ذبائحَـهم ، فيلقى الرجلُ قاتلَ أبيه أو أخيه ، وهو قادرٌ على أخـْـذِ ثأرِه وإدراكِ رَغـْـمِهِ(11) منه ، فيحجزُه كرمُه ، ويمنعُه دينـُـه عن تناولـِـه بأذىً .
وأما وفاؤها ، فإنّ أحدَهم يلحظ ُ اللحظة َ ، ويومئُ الإيماءة َ فهي وَلـْـثٌ(12) وعُــقدةٌ لا يحلــُّـها إلا خروجُ نـَـفـَـسِــهِ . وإنّ أحدَهم ليرفعُ عودًا منَ الأرضِ فيكونُ رهنًا بدينِه ،
فلا يـَـغـْـلَــَـقُ رهنـُـه(13) ، ولا تـُـخـْـفـَـرُ(14) ذمتــُـه . وإنّ أحدَهم ليبلغُه أنّ رجلاً استجارَ به ، وعسى أنْ يكونَ نائيًا عنْ دارِه، فيصابُ ، فلا يرضى حتى يفنيَ تلك القبيلة َ التي أصابتـْـه أو تفنى قبيلتــُـه ، لما أُخـْـفِــرَ من جوارِه ، وإنه ليلجأ ُ إليهم المجرمُ المُحْدِثُ منْ غيرِ مَعْرفةٍ ولا قرابةٍ ، فتكونُ أنفسُهم دونَ نفسِه ، وأموالـُـهم دونَ مالِه.
وأما قولـُــك - أيها الملكُ - : ( يئدون أولادَهم ) ، فإنما يفعلـُـه مَنْ يفعلـُـه منهم بالإناثِ أنفة ً منَ العار ِ وغـَـيـْـرَة ً منَ الأزواج ِ .
أما قولـُـك: ( إنّ أفضلَ طعامِهم لحومُ الإبل ِ ) على ما وصفتَ منها ، فما تركوا ما دونها إلا احتقارًا له ، فعمدوا إلى أجلـِّــها وأفضلـِـها ، فكانتْ مراكبـُـهم وطعامُهم ؛ معَ أنها أكثرُ البهائم ِ شحومًا ، وأطيبـُها لحومًا ، وأرقــُّـها ألبانًــا ، وأقلــُّـها غائلة ً(15) ، وأحلاها مَـضْـغـَة ً، وإنه لا شيءَ منَ اللــُّـحْـمَان ِ يُعَالجُ ما يُعَالجُ به لحمُها إلا استبانَ فضلـُـها عليه .
وأما تحاربُهم وأكــْـلُ بعضِهم بعضًا ، وتركـُـهم الانقيادَ لرجل ٍ يسوسُهم ويجمعُهم ؛ فإنما يفعلُ ذلك مَنْ يفعلـُـه منَ الأمم ِ إذا أنِسَتْ منْ نفسِها ضعفــًا ، وتخوَّفتْ نهوضُ عدوِّها إليها بالزحفِ، وإنه إنما يكونُ في المملكةِ العظيمةِ أهلُ بيتٍ واحدٍ يُعرفُ فضلـُـهم على سائرِ غيرِهم ، فيلقون إليهم أمورَهم ، وينقادون لهم بأزمَّــتـِـهم ، وأما العربُ فإنّ ذلك كثيرٌ فيهم ، حتى لقد حاولوا أنْ يكونوا ملوكــًا أجمعين ، مع أنـَـفـَـتـِـهم منْ أداءِ الخراج ِ والوَطـْـثِ(16) بالعـَــسْـــفِ.
وأما اليمنُ التي وصفَها الملكُ ، فإنما أتى جدَّ الملكَ الذي(17) أتاه عندَ غلبةَ الحُـبشِ له ، على مُلكٍ مُــتـَّـــسِــق ٍ ، وأمرٍ مجتمع ٍ ، فأتاه مسلوبًا طريدًا مستصرخًا قد تقاصرَ عن إيوائِه ، وصَغـُـرَ في عينه ما شـُــيـِّـدَ مِن بنائِه ؛ ولولا ما وترَ به مَن يليه مِنْ العربِ ، لمَال إلى مجالٍ ، ولوجدَ مَن يُجيدُ الطـِّــعَان ِ ، ويغضبُ للأحرارِ ، مِنْ غلبةِ العبيدِ الأشرارِ " .
قالَ: فعَجـِـبَ كسرى لما أجابَه النعمانُ به ، وقالَ : إنك لأهلٌ لموضعِك منَ الرياسةِ في أهلِ إقليمِك ولما هو أفضلُ . ثم كساه كِسْوَتــَه ، وسرَّحَه إلى موضعِه مِنْ الحِــيْــرةِ .
فلما قدمَ النعمانُ الحِــيـْـرة َ وفي نفسِه ما فيها مما سمعَ مِن كسرى مِن تنقـُّـصِ العرب ِ
وتهجين ِ(18) أمرِهم ، بعثَ إلى أكثمَ بن ِ صيفي ٍّ ، وحاجب ِ بن ِزُرَارة َ التميميين ، وإلى الحارثِ بن ِعُبَادٍ، وقيسِ بن ِ مسعودٍ البــكْــريين، وإلى خالدِ بن ِ جعفرَ ، وعلقمة َ بن ِ عـُـلاثة َ ، وعامرِ بن ِ الطـُّــفـَـيل ِ العامريين، وإلى عمرو ِ بن ِ الشـَّـريد ِ السُّــلــَميِّ ، وعمرو ِ بن ِمَعْدِ يكربَ الزبيديِّ، والحارثِ بن ِ ظالم ٍ المُرِّيِّ . فلما قدموا عليه في الخورنق ِ ، قالَ لهم : قد عرفتـُـم هذه الأعاجمَ ، وقــُـرْبَ جوارِ العرب ِمنها ، وقد سمعتُ مِن كسرى مقالاتٍ تخوَّفــْـتُ أنْ يكونَ لها غـَــوْرٌ، أو يكونَ إنما أظهرَها لأمرٍ أرادَ أن يتخذ َ به العربَ خـَــوَلاً كبعض ِ طـَـمَاطـِــمـَـتِه(19) في تأديتِهم الخراجَ إليه(20) ، كما يفعلُ بملوكِ الأمم ِ الذين حولـَـه ، فاقتصَّ مقالاتِ كِسرى وما ردَّ عليه . فقالوا :
أيها الملكُ - وفقك اللهُ - ما أحسنَ ما رددتَ ، وأبلغَ ما حججْتــَه به ! فمُـرْنا بأمرِك ، وادعُنا إلى ما شئتَ. قالَ: إنما أنا رجلٌ منكم ، وإنما ملكتُ وعززتُ بمكانِكم ، وما يتخوفُ من ناحيتِكم، وليسَ شيءٌ أحبَ إليّ مما سددَ اللهُ أمرَكم ، وأصلحَ به شأنــَـكم ، وأدامَ به عـِــزَّكــم . والرأيُ أنْ تسيروا بجماعتـِـكم - أيها الرَّهْـط ُ- وتنطلقوا إلى كسرى ، فإذا دخلتم نــطـَـقَ كلُّ رجلٍ منكم بما حضرَه ، ليعلمَ أنّ العربَ على غيرِ ما ظنَّ أو حدثتـْـه نفسُه ، ولا ينطقُ رجلٌ منكم بما يُغضبُه ، فإنه مَلكٌ عظيمُ السلطان ِ ، كثيرُ الأعوان ِ ، مُتــْرَفٌ مُـعْـجَـبٌ بنفسِه . ولا تنخزلوا(21) له انخزالَ الخاضع ِ الذليل ِ ، وليكنْ أمرًا بين ذلك تظهرُ به وثاقة ُ حلومِكم ، وفضلُ منزلتِكم ، وعظمة ُ أخطارِكم . وليكنُ أولُ مَن يبدأ ُ منكم بالكلام ِ أكثمَ بنَ صيفيٍّ ، لسَــنـِـي مَحِلــِّه ، ثم تتابعوا على الأمرِ مِن منازلكم التي وضعتـُـكم بها. وإنما دعاني إلى التـَّـقـْـدِمَةِ بينكم عِلمي بميلِ كلِّ رجلٍ منكم إلى التقدُّمِ قبلَ صاحبـِه ، فلا يكونـَـنَّ ذلك منكم فيجدَ في آدابـِـكم مَطـْـعَــنًا ، فإنه ملكٌ مُترفٌ ، وقادرٌ مُسَلطٌ . ثم دعا لهم بما في خزانتِه من طرائفِ حُــلل ِ الملوكِ كلُّ رجل ٍ منهم حُلة ً، وعَـمَّــمَه عِمَامة ً وختمَه بياقوتةٍ ، وأمرَ لكلِّ رجلٍ منهم بنجيبةٍ مَــهْــرِيـَّـةٍ (22) وفرسٍ نجيبةٍ ، وكتبَ معهم كتابًا :
أما بعدُ ، فإنّ الملكَ ألقى إليّ مِن أمرِ العربِ ما قد عَــلِمَ ، وأجبتـُـه بما قد فهمَ ، بما أحببتُ أنْ يكونَ منه على علم ٍ ، ولا يتلجلجُ في نفسِه أنّ أمة ً منَ الأمم ِ التي احتجزتْ دونـَه بمملكتِها ، وحَـمَتْ ما يليها بفضل ِ قوتـِها تبلغـُـها في شيءٍ منَ الأمور ِ التي يتعزز ُ بها ذوو الحزم ِ والقوةِ والتدبيرِ والمَــكـِـيدة ِ ، وقد أوفدْتُ - أيها الملكُ - رَهـْـطاً منَ العربِ لهم فضلٌ في أحسابــِهم وأنسابــِهم ، وعقولِهم وآدابــِهم ، فليسمع ِ الملكُ ، وليغمُضْ عن جفاءٍ إنْ ظهرَ مِنْ منطقِهم ، وليكرمْني بإكرامِهم ، وتعجيل ِ سراحـِهم ، وقد نسبتـُـهم في أسفلِ كتابي هذا إلى عشائـِـرهم".
فخرجَ القومُ في أهْبـَـتـِـهم ، حتى وقفوا ببابِ كِسرى بالمدائن ِ ، فدفعوا إليه كتابَ النعمان ِ، فقرأه ، وأمرَ بإنزالهم إلى أنْ يجلسَ لهم مَجْلسًا يسمعُ منهم . فلما أنْ كانَ بعدَ ذلك بأيامٍ
أمرَ مَرازبَـتـَـه(23) ووجوهَ أهل ِ مملكتِه ، فحضروا ، وجلسُوا على كراس ٍ عن يمينِه وشمالِه ، ثم دعا بهم على الوِلاءِ (24) والمراتبِ التي وصفــَهم النعمانُ بها في كتابِه ، وأقامَ الترجمان َ(25) ليؤديَ إليه كلامَهم ، ثم أذنَ لهم في الكلام ِ.
فقامَ أكثمُ بنُ صيفيٍّ فقالَ :
يــــــــــــتـــــــــــــــبـــــــــــــع بإذن الله .
* العقد الفريد 1/ 101 .
_______________________________
1- الريف : أرض فيها زرع و خصب ، والسعة في المأكل والمشرب .
2- محلتهم : حلَّ المكان وبه يحل بالكسر والضم .
3- لبُــوسًـا : دروعًا .
4- حُـــق : حُــقَّ لك أن تفعل كذا ، وحققت أن تفعله بمعنىً .
5- دنيًا : تقول العرب : هو ابن عمي دنيًا ( بضم الدال وكسرها مع التنوين) أي : لحمًا .
6- الناب : الناقة المسنة .
7- بلاغه : البلاغ هو : الكفاية .
8- حموله : الحمول والأحمال جمع حمل .
9- الفلذة : القطعة من الشيء .
10- الجزع : ( بفتح الجيم وكسرها ) الخرز اليماني الصيني فيه سواد وبياض تـــُــشبه به العيون .
11-رغمه : الرغم الذل .
12- وَلـــْـــث : عهد .
13- يغلق رهنه : غـَــلقَ الرهن : استحقه المرتهن ، وذلك إذا لم يفتك في الوقت المشروط .
14- تخفر : خفر به ، وأخفره أي : نقض عهده وغدره .
15- غائلة : شرًّا .
16- الوطث : الضرب الشديد بالرجل على الأرض .
17- هو سيف بن ذي يزن .
18- تهجين : تقبيح واستهجان ، والهجنة من الكلام : ما يعيبه .
19- طماطمته : رجل طمطم و طمطمي ( بكسر الطاءين ، وطمطماني ( بضمهما ) : في لسانه عجمة .
20- كان الفرس يعفون عرب الحيرة من دفع الإتاوة مقابل أن يقوموا بحمايتهم من كل غارة من نواحيهم .
21- تنخزلوا : الانخزال مشية في تثاقل .
22- مهرية : البعير والفرس إذا كانا كريمين عتيقين ، والمهرية : نسبة إلى مهرة بن حيدان ( حي ٌّ تنسب إليه الإبل النجيبة ) .
23- مرازبته : جمع مرزبان ( بفتح الميم وضم الزاي ) وهو الرئيس من الفرس .
24- الولاء : التتابع والتوالي مصدر ( والى ) .
عدل سابقا من قبل أحمد في الخميس أكتوبر 16, 2008 2:56 am عدل 1 مرات