ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب)

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب) Empty خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب)

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أكتوبر 16, 2008 12:39 am

    قدِمَ النعمانُ بنُ المنذر ِ على كِسرى ، وعنده وفودُ الروم ِ والهندِ والصين ِ ، فذكروا مِن ملوكِهم وبلادِهم . فافتخرَ النعمان ُ بالعرب ِ وفضلـِهم على جميع ِ الأمم ِ ، لا يستثني فارسًا ولا غيرَها. فقالَ كسرى - وأخذتــْـه عزة ُ المُــلك ِ - يا نعمانُ ، لقد فكرتُ في أمر ِ العرب ِ وغيرِهم من َ الأمم ِ ، ونظرتُ في حال ِ مَن يَـقدُمُ عليّ مِن وفودِ الأمم ِ ، فوجدتُ الرومَ لها حظ ٌّ في اجتماع ِ ألفتـِـها ، وعِظم ِ سلطانـِـها ، وكثرةِ مدائنـِها ، ووثيق ِ بنيانِـها ، وأنّ لها دِيناً يبينُ حلالـَــها وحرامَها ، ويردُّ سفيهَها ، ويقيمُ جاهلـَـها . ورأيتُ الهندَ نحوًا مِن ذلك في حكمتِـها وطِـبـِّـها ، معَ كثرةِ أنهارِ بلادِها وثمارِها ، وعجيبِ صناعاتِها ، وطيب ِ أشجارِها ، ودقيق ِ حسابـِـها ، وكثرةِ عددِها . وكذلك الصينُ في اجتماعِها ، وكثرةِ صناعاتِ أيديها في آلةِ الحربِ وصناعةِ الحديدِ ، وفروسيتـِها وهمتـِها، وأنّ لها ملكًا يجمعُها . والتركُ والـخـَـزَرُ على ما بهم مِن سوءِ الحال ِ في المعاش ِ، وقلةِ الرِّيفِ(1) والثمارِ والحصونِ ، وما هو رأسُ عمارةِ الدنيا منَ المساكنِ والملابسِ ، لهم ملوكٌ تضمُّ قواصيَهم ، وتدبرُ أمرَهم ، ولم أرَ للعربِ شيئًا مِن خِصَالِ الخير ِفي أمرِ دينٍ ولا دُنياً ، ولا حزمَ ولا قوة َ معَ أنّ مما يدلُّ على مهانتِها وذُلــهَـا وصِغـَـر ِهمتِها مَــحِــلــَّــتـَـهم (2) التي هم بها مع الوحوش ِ النافرةِ ، والطيرِ الحائرةِ . يقتلون أولادَهم من الفاقـَـةِ ، ويأكلُ بعضُهم بعضًا منَ الحاجةِ . قد خرجوا مِن مطاعم ِ الدنيا وملابسِها ولهوِها ولذتِها . فأفضلُ طعامٍ ظفرَ به ناعمُهم لحومُ الإبل ِ التي يعافـُـها كثيرٌ منَ السباع ِ ، لثقلِها وسوءِ طعمِها وخوفِ دائِها . وإنْ قرى أحدُهم ضيفًا عدَّها مَكْرُمة ً ، وإنْ أطعمَ أكلة ً عدَّها غنيمة ً تنطقُ بذلك أشعارُهم ، وتفتخرُ بذلك رجالـُـهم ، ما خلا هذه التنوخية َ التي أسَّـسَ جدي اجتماعَها ، وشدَّ مملكتـَـها ، ومنعَها مِن عدوِّها ، فجرى لها ذلك إلى يومِنا هذا . وإنّ لها معَ ذلك آثارًا ولبوسًا (3)، وقرىً وحصونًا ، وأمورًا تشبه بعضَ أمورِ الناس ِ - يعني اليمن َ - ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلةِ والقِــلــَّـةِ، والفاقةِ والبؤس ِ، حتى تفتخروا وتريدوا أنْ تنزلوا فوقَ مراتبِ الناس ِ.
    قالَ النعمان ُ:
    " أصلحَ اللهُ الملكَ ، حـُــق َّ(4) لأمةٍ الملك منها أن يسموَ فضلـُـها، ويعظـُـمُ خطبـُـها ، وتعلو درجتــُـها إلا أنّ عندي جوابًا في كلِّ ما نطقَ به الملكُ ، وفي غيرِ ردٍّ عليه ، ولا تكذيب ٍ له ، فإن أمَّنني مِن غضبــِه نطقتُ به " . قالَ كسرى : قلْ ، فأنتَ آمنٌ.
    فقالَ النعمانُ:
    " أما أمتــُـكَ - أيها الملكُ - فليستْ تنازعُ في الفضل ِ ؛ لموضعـِها الذي هي به من عقولـِها وأحلامـِها ، وبَسْطـَـةِ مَــحـِـلـِّـها، وبُحـْـبــُوحةِ عزِّها ، وما أكرمَها اللهُ به مِن ولايةِ آبائـِـك وولايتـِـك. وأما الأممَ التي ذكرتَ ، فأيُّ أمةٍ تـَــقـْــرِنـُـها بالعربِ إلا فـَـضَلتـْـها. قالَ كِسرى : بماذا ؟
    قالَ النعمانُ : بعزِّها ومنعتِها وحسن ِ وجوهِها وبأسِها وسخائِها وحكمةِ ألسنتِها وشدةِ عقولِها وأنفتِها ووفائِها.
    فأما عزُّها ومنعتـُـها، فإنها لم تزلْ مجاورةً لآبائـِـك الذين دوَّخوا البلادَ ، ووطـَّـدوا الملكَ ، وقادوا الجـُـندَ ، لم يطمعْ فيهم طامعٌ، ولم ينلـْــهم نائلٌ ، حصونـُـهم ظهورُ خيلـِـهم ، ومهادُهم الأرضُ ، وسقوفـُـهم السماءُ ، وجُــنَّــتـُـهُمُ السيوفُ ، وعُــدَّتـُـهُم الصبرُ ؛ إذ غيرُها منَ الأمم ِ ، إنما عزُّها منَ الحجارةِ والطين ِ وجزائر ِ البحور ِ.
    وأما حُسْنُ وجوهِها وألوانُها، فقد يعرفُ فضلـَـهم في ذلك على غيرِهم منَ الهندِ المُنْحَرفةِ ، والصينِ الــمُـــنــْحَــفـَـةِ ، والتركِ المُـشَـوَّهَـةِ ، والرومِ المُــقـَـشـَّـرةِ .
    وأما أنسابُها وأحسابُها، فليستْ أمة ٌ منَ الأمم ِ إلا وقد جَهـِـلـَـتْ آباءَها وأصولــَـها وكثيرًا منْ أولِها ، حتى إنّ أحدَهم ليـُـسْألُ عمن وراءَ أبيه دنيًا (5)، فلا ينسبُه ولا يعرفـُـه ، وليسَ أحدٌ منَ العرب ِ إلا يُسمي آباءَه أبًا فأبًا، حاطوا بذلكَ أحسابَهم ، وحفظوا به أنسابـَـهم ، فلا يدخلُ رجلٌ في غيرِ قومِه ، ولا ينتسبُ إلى غيرِ نسبـِـه ، ولا يُـدعَى إلى غيرِ أبيه .
    وأما سخاؤها ، فإنّ أدناهم رجلاً الذي تكونُ عندَه البـَـكـْـرَةُ والنابُ(6) ، عليها بلاغـُـهُ(7) في حُمُولِه(8) وشِــبـَـعِــه و رِيِّه ِ، فيطرقــُـه الطارقُ الذي يـَـكتـَـفي بالــفـَـلـْـذة ِ(9) ويجتزئُ بالشـَّـرْبةِ ، فيعقرُها له ، ويرضى أنْ يخرجَ عنْ دنياهُ كلـِّــها فيما يكسبُه من حُسْنِ الأحدوثةِ وطيبِ الذكرِ.
    وأما حكمة ُ ألسنتـِهم ، فإنّ الله - تعالى - أعطاهم في أشعارِهم ورونق ِ كلامِهم وحسنِه ووزنِه وقوافيه معَ معرفتِهم بالأشياءِ ، وضربــِهم للأمثالِ ، وإبلاغِهم في الصفاتِ ما ليسَ لشيءٍ من ألسنةِ الأجناسِ . ثم خيلـُـهم أفضلُ الخيل ِ ، ونساؤهم أعفُّ النساء ِ ، ولباسُهم أفضلُ اللباس ِ ، ومعادنـُـهم الذهبُ والفضة ُ ، وحجارةُ جبالـِـهم الجَزْع ِ(10) ، ومطاياهم التي لا يبلغُ على مثلِها سفرٌ ولا يـُـقطعُ بمثلـِـها بلدٌ قــَـفـْـرٌ.
    وأما دينـُـها وشريعتـُـها ، فإنهم متمسكون به ، حتى يبلغَ أحدُهم من نـُـسُـكِــه بدينِه أنّ لهم أشهرًا حُـرُمًا ، وبلدًا مُحَرَّمًا ، وبيتــًا محجوجًا ، ينسكون فيه مناسكـَـهم ، ويذبحون فيه ذبائحَـهم ، فيلقى الرجلُ قاتلَ أبيه أو أخيه ، وهو قادرٌ على أخـْـذِ ثأرِه وإدراكِ رَغـْـمِهِ(11) منه ، فيحجزُه كرمُه ، ويمنعُه دينـُـه عن تناولـِـه بأذىً .
    وأما وفاؤها ، فإنّ أحدَهم يلحظ ُ اللحظة َ ، ويومئُ الإيماءة َ فهي وَلـْـثٌ(12) وعُــقدةٌ لا يحلــُّـها إلا خروجُ نـَـفـَـسِــهِ . وإنّ أحدَهم ليرفعُ عودًا منَ الأرضِ فيكونُ رهنًا بدينِه ،
    فلا يـَـغـْـلَــَـقُ رهنـُـه(13) ، ولا تـُـخـْـفـَـرُ(14) ذمتــُـه . وإنّ أحدَهم ليبلغُه أنّ رجلاً استجارَ به ، وعسى أنْ يكونَ نائيًا عنْ دارِه، فيصابُ ، فلا يرضى حتى يفنيَ تلك القبيلة َ التي أصابتـْـه أو تفنى قبيلتــُـه ، لما أُخـْـفِــرَ من جوارِه ، وإنه ليلجأ ُ إليهم المجرمُ المُحْدِثُ منْ غيرِ مَعْرفةٍ ولا قرابةٍ ، فتكونُ أنفسُهم دونَ نفسِه ، وأموالـُـهم دونَ مالِه.
    وأما قولـُــك - أيها الملكُ - : ( يئدون أولادَهم ) ، فإنما يفعلـُـه مَنْ يفعلـُـه منهم بالإناثِ أنفة ً منَ العار ِ وغـَـيـْـرَة ً منَ الأزواج ِ .
    أما قولـُـك: ( إنّ أفضلَ طعامِهم لحومُ الإبل ِ ) على ما وصفتَ منها ، فما تركوا ما دونها إلا احتقارًا له ، فعمدوا إلى أجلـِّــها وأفضلـِـها ، فكانتْ مراكبـُـهم وطعامُهم ؛ معَ أنها أكثرُ البهائم ِ شحومًا ، وأطيبـُها لحومًا ، وأرقــُّـها ألبانًــا ، وأقلــُّـها غائلة ً(15) ، وأحلاها مَـضْـغـَة ً، وإنه لا شيءَ منَ اللــُّـحْـمَان ِ يُعَالجُ ما يُعَالجُ به لحمُها إلا استبانَ فضلـُـها عليه .
    وأما تحاربُهم وأكــْـلُ بعضِهم بعضًا ، وتركـُـهم الانقيادَ لرجل ٍ يسوسُهم ويجمعُهم ؛ فإنما يفعلُ ذلك مَنْ يفعلـُـه منَ الأمم ِ إذا أنِسَتْ منْ نفسِها ضعفــًا ، وتخوَّفتْ نهوضُ عدوِّها إليها بالزحفِ، وإنه إنما يكونُ في المملكةِ العظيمةِ أهلُ بيتٍ واحدٍ يُعرفُ فضلـُـهم على سائرِ غيرِهم ، فيلقون إليهم أمورَهم ، وينقادون لهم بأزمَّــتـِـهم ، وأما العربُ فإنّ ذلك كثيرٌ فيهم ، حتى لقد حاولوا أنْ يكونوا ملوكــًا أجمعين ، مع أنـَـفـَـتـِـهم منْ أداءِ الخراج ِ والوَطـْـثِ(16) بالعـَــسْـــفِ.
    وأما اليمنُ التي وصفَها الملكُ ، فإنما أتى جدَّ الملكَ الذي(17) أتاه عندَ غلبةَ الحُـبشِ له ، على مُلكٍ مُــتـَّـــسِــق ٍ ، وأمرٍ مجتمع ٍ ، فأتاه مسلوبًا طريدًا مستصرخًا قد تقاصرَ عن إيوائِه ، وصَغـُـرَ في عينه ما شـُــيـِّـدَ مِن بنائِه ؛ ولولا ما وترَ به مَن يليه مِنْ العربِ ، لمَال إلى مجالٍ ، ولوجدَ مَن يُجيدُ الطـِّــعَان ِ ، ويغضبُ للأحرارِ ، مِنْ غلبةِ العبيدِ الأشرارِ " .
    قالَ: فعَجـِـبَ كسرى لما أجابَه النعمانُ به ، وقالَ : إنك لأهلٌ لموضعِك منَ الرياسةِ في أهلِ إقليمِك ولما هو أفضلُ . ثم كساه كِسْوَتــَه ، وسرَّحَه إلى موضعِه مِنْ الحِــيْــرةِ .
    فلما قدمَ النعمانُ الحِــيـْـرة َ وفي نفسِه ما فيها مما سمعَ مِن كسرى مِن تنقـُّـصِ العرب ِ
    وتهجين ِ(18) أمرِهم ، بعثَ إلى أكثمَ بن ِ صيفي ٍّ ، وحاجب ِ بن ِزُرَارة َ التميميين ، وإلى الحارثِ بن ِعُبَادٍ، وقيسِ بن ِ مسعودٍ البــكْــريين، وإلى خالدِ بن ِ جعفرَ ، وعلقمة َ بن ِ عـُـلاثة َ ، وعامرِ بن ِ الطـُّــفـَـيل ِ العامريين، وإلى عمرو ِ بن ِ الشـَّـريد ِ السُّــلــَميِّ ، وعمرو ِ بن ِمَعْدِ يكربَ الزبيديِّ، والحارثِ بن ِ ظالم ٍ المُرِّيِّ . فلما قدموا عليه في الخورنق ِ ، قالَ لهم : قد عرفتـُـم هذه الأعاجمَ ، وقــُـرْبَ جوارِ العرب ِمنها ، وقد سمعتُ مِن كسرى مقالاتٍ تخوَّفــْـتُ أنْ يكونَ لها غـَــوْرٌ، أو يكونَ إنما أظهرَها لأمرٍ أرادَ أن يتخذ َ به العربَ خـَــوَلاً كبعض ِ طـَـمَاطـِــمـَـتِه(19) في تأديتِهم الخراجَ إليه(20) ، كما يفعلُ بملوكِ الأمم ِ الذين حولـَـه ، فاقتصَّ مقالاتِ كِسرى وما ردَّ عليه . فقالوا :
    أيها الملكُ - وفقك اللهُ - ما أحسنَ ما رددتَ ، وأبلغَ ما حججْتــَه به ! فمُـرْنا بأمرِك ، وادعُنا إلى ما شئتَ. قالَ: إنما أنا رجلٌ منكم ، وإنما ملكتُ وعززتُ بمكانِكم ، وما يتخوفُ من ناحيتِكم، وليسَ شيءٌ أحبَ إليّ مما سددَ اللهُ أمرَكم ، وأصلحَ به شأنــَـكم ، وأدامَ به عـِــزَّكــم . والرأيُ أنْ تسيروا بجماعتـِـكم - أيها الرَّهْـط ُ- وتنطلقوا إلى كسرى ، فإذا دخلتم نــطـَـقَ كلُّ رجلٍ منكم بما حضرَه ، ليعلمَ أنّ العربَ على غيرِ ما ظنَّ أو حدثتـْـه نفسُه ، ولا ينطقُ رجلٌ منكم بما يُغضبُه ، فإنه مَلكٌ عظيمُ السلطان ِ ، كثيرُ الأعوان ِ ، مُتــْرَفٌ مُـعْـجَـبٌ بنفسِه . ولا تنخزلوا(21) له انخزالَ الخاضع ِ الذليل ِ ، وليكنْ أمرًا بين ذلك تظهرُ به وثاقة ُ حلومِكم ، وفضلُ منزلتِكم ، وعظمة ُ أخطارِكم . وليكنُ أولُ مَن يبدأ ُ منكم بالكلام ِ أكثمَ بنَ صيفيٍّ ، لسَــنـِـي مَحِلــِّه ، ثم تتابعوا على الأمرِ مِن منازلكم التي وضعتـُـكم بها. وإنما دعاني إلى التـَّـقـْـدِمَةِ بينكم عِلمي بميلِ كلِّ رجلٍ منكم إلى التقدُّمِ قبلَ صاحبـِه ، فلا يكونـَـنَّ ذلك منكم فيجدَ في آدابـِـكم مَطـْـعَــنًا ، فإنه ملكٌ مُترفٌ ، وقادرٌ مُسَلطٌ . ثم دعا لهم بما في خزانتِه من طرائفِ حُــلل ِ الملوكِ كلُّ رجل ٍ منهم حُلة ً، وعَـمَّــمَه عِمَامة ً وختمَه بياقوتةٍ ، وأمرَ لكلِّ رجلٍ منهم بنجيبةٍ مَــهْــرِيـَّـةٍ (22) وفرسٍ نجيبةٍ ، وكتبَ معهم كتابًا :
    أما بعدُ ، فإنّ الملكَ ألقى إليّ مِن أمرِ العربِ ما قد عَــلِمَ ، وأجبتـُـه بما قد فهمَ ، بما أحببتُ أنْ يكونَ منه على علم ٍ ، ولا يتلجلجُ في نفسِه أنّ أمة ً منَ الأمم ِ التي احتجزتْ دونـَه بمملكتِها ، وحَـمَتْ ما يليها بفضل ِ قوتـِها تبلغـُـها في شيءٍ منَ الأمور ِ التي يتعزز ُ بها ذوو الحزم ِ والقوةِ والتدبيرِ والمَــكـِـيدة ِ ، وقد أوفدْتُ - أيها الملكُ - رَهـْـطاً منَ العربِ لهم فضلٌ في أحسابــِهم وأنسابــِهم ، وعقولِهم وآدابــِهم ، فليسمع ِ الملكُ ، وليغمُضْ عن جفاءٍ إنْ ظهرَ مِنْ منطقِهم ، وليكرمْني بإكرامِهم ، وتعجيل ِ سراحـِهم ، وقد نسبتـُـهم في أسفلِ كتابي هذا إلى عشائـِـرهم".
    فخرجَ القومُ في أهْبـَـتـِـهم ، حتى وقفوا ببابِ كِسرى بالمدائن ِ ، فدفعوا إليه كتابَ النعمان ِ، فقرأه ، وأمرَ بإنزالهم إلى أنْ يجلسَ لهم مَجْلسًا يسمعُ منهم . فلما أنْ كانَ بعدَ ذلك بأيامٍ
    أمرَ مَرازبَـتـَـه(23) ووجوهَ أهل ِ مملكتِه ، فحضروا ، وجلسُوا على كراس ٍ عن يمينِه وشمالِه ، ثم دعا بهم على الوِلاءِ (24) والمراتبِ التي وصفــَهم النعمانُ بها في كتابِه ، وأقامَ الترجمان َ(25) ليؤديَ إليه كلامَهم ، ثم أذنَ لهم في الكلام ِ.
    فقامَ أكثمُ بنُ صيفيٍّ فقالَ :
    يــــــــــــتـــــــــــــــبـــــــــــــع بإذن الله .


    * العقد الفريد 1/ 101 .
    _______________________________
    1- الريف : أرض فيها زرع و خصب ، والسعة في المأكل والمشرب .
    2- محلتهم : حلَّ المكان وبه يحل بالكسر والضم .
    3- لبُــوسًـا : دروعًا .
    4- حُـــق : حُــقَّ لك أن تفعل كذا ، وحققت أن تفعله بمعنىً .
    5- دنيًا : تقول العرب : هو ابن عمي دنيًا ( بضم الدال وكسرها مع التنوين) أي : لحمًا .
    6- الناب : الناقة المسنة .
    7- بلاغه : البلاغ هو : الكفاية .
    8- حموله : الحمول والأحمال جمع حمل .
    9- الفلذة : القطعة من الشيء .
    10- الجزع : ( بفتح الجيم وكسرها ) الخرز اليماني الصيني فيه سواد وبياض تـــُــشبه به العيون .
    11-رغمه : الرغم الذل .
    12- وَلـــْـــث : عهد .
    13- يغلق رهنه : غـَــلقَ الرهن : استحقه المرتهن ، وذلك إذا لم يفتك في الوقت المشروط .
    14- تخفر : خفر به ، وأخفره أي : نقض عهده وغدره .
    15- غائلة : شرًّا .
    16- الوطث : الضرب الشديد بالرجل على الأرض .
    17- هو سيف بن ذي يزن .
    18- تهجين : تقبيح واستهجان ، والهجنة من الكلام : ما يعيبه .
    19- طماطمته : رجل طمطم و طمطمي ( بكسر الطاءين ، وطمطماني ( بضمهما ) : في لسانه عجمة .
    20- كان الفرس يعفون عرب الحيرة من دفع الإتاوة مقابل أن يقوموا بحمايتهم من كل غارة من نواحيهم .
    21- تنخزلوا : الانخزال مشية في تثاقل .
    22- مهرية : البعير والفرس إذا كانا كريمين عتيقين ، والمهرية : نسبة إلى مهرة بن حيدان ( حي ٌّ تنسب إليه الإبل النجيبة ) .
    23- مرازبته : جمع مرزبان ( بفتح الميم وضم الزاي ) وهو الرئيس من الفرس .
    24- الولاء : التتابع والتوالي مصدر ( والى ) .


    عدل سابقا من قبل أحمد في الخميس أكتوبر 16, 2008 2:56 am عدل 1 مرات
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب) Empty رد: خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب)

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أكتوبر 16, 2008 12:41 am

    قام أكثمُ بنُ صَيْفِيٍّ، فقال :
    إِنَّ أفضلَ الأشياءِ أعاليها، وأعلى الرِّجالِ مُلوكُها، وأفضلَ الملوكِ أعَمُّها نفعًا، وخيرَ الأزمنةِ أَخْصَبُها، وأفضلَ الخُطَباءِ أَصْدَقُها، الصِّدقُ مَنْجَاةٌ، والكَذِبُ مَهْوَاةٌ، والشَّرُّ لَجَاجَةٌ، والحَزْمُ مَرْكَبٌ صَعْبٌ، والعَجْزُ مَرْكَبٌ وَطِيئٌ، آفَةُ الرَّأي الهوى، والعَجْزُ مِفْتاحُ الفَقْرِ، وخيرُ الأمورِ الصَّبرُ، إِصلاحُ فَسَادِ الرَّعِيَّةِ خيرٌ مِن إِصلاحِ فَسَادِ الرَّاعِي، مَن فَسَدَتْ بِطَانَتُه كان كالغاصِّ بالماءِ، شَرُّ البِلادِ بِلادٌ لا أميرَ بها، شَرُّ الملوكِ مَن خَافَهُ البَرِيءُ، المَرْءُ يَعْجَزُ لا مَحَالَةَ، أفضلُ الأولادِ البَرَرَةُ، خيرُ الأعوانِ مَن لم يُرَاءِ بالنَّصيحةِ، أَحَقُّ الجنودِ بالنَّصرِ مَن حَسُنَتْ سَريرتُهُ، يكفيكَ مِن الزَّادَ ما بَلَّغَك المَحَلَّ، حَسْبُك مِن شَرٍّ سَمَاعَهُ، الصَّمْتُ حُكْمٌ وقليلٌ فاعِلُهُ، البلاغةُ الإيجازُ، مَن شَدَّدَ نَفَّرً، ومَن تَرَاخَى تَأَلَّفَ.
    فتَعَجَّبَ كسرى مِن أكثمَ، ثم قال :
    ويحك! يا أكثمُ، ما أحكمَك، وأوثقَ كلامَك، لولا وَضْعُك كلامَك في غيرِ موضِعِه.
    قال أكثمُ :
    الصِّدقُ يُنْبِىءُ عنك لا الوعيدُ.
    قال كسرى :
    لو لم يكن للعربِ غيرُك لَكَفَى.
    قال أكثم :
    رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِن صَوْلٍ.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب) Empty رد: خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب)

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أكتوبر 16, 2008 1:12 am

    * ثم قامَ حاجبُ بنُ زُرَارَة َ التميميُّ ، فقالَ :
    " ورى (1) زِنـْــدُك ، وعلتْ يدُك ، وهِيبَ سلطانـُـك . إنّ العربَ أمة ٌ قد غَــلـُــظتْ أكبادُها ، واستَحْصَدَتْ(2) مِــرَّتـُـها ، ومُــنـِـعَتْ دِرَّتــُها(3) ، وهي لك وامقة ٌ ما تألفتـَـها ، مسترسلة ٌ ما لاينتـَـها ، سامعة ٌ ما سامحتـَـها ، وهي العَــلـْـقـَـمُ مَـرارة ً ، والصَّابُ(4) غَضَاضة ً (5) ، والعسلُ حَـلاوة ً ، والماءُ الزُّلالُ(6) سَلاسَة ً(7) . ونحن وفودُها إليكَ ، وألسنتـُـها لديكَ . ذمتـُـنا محفوظة ٌ ، وأحسابـُـنا ممنوعة ٌ ، وعشائرُنا فينا سامعة ٌ مطيعة ٌ . إنْ نؤبْ لك حامدين خيرًا فلك بذلك عمومُ مَحْـمَدَتـِـنا ، وإنْ نذمَّ لم نُخَصَّ بالذم ِّ دونـَها " .
    قالَ كسرى : يا حاجبُ ، ما أشبَه الحَــجَــرُ التلال َ بألوان ِ صخرِها . قالَ حاجبُ :
    " بل زئيرُ الأسد ِ بصولــتــِها " قالَ كسرى : وذلكَ .

    * العقد الفريد 1/101

    ______________________________________
    1- ورى : ورى الزند ( بفتح الراء وكسرها وريًا و رية فهو وارٍ ، و ورى أي : خرجت ناره . و أوريته ، واستوريته ، والزند : العود الذي تقدح به النار وجمعه زناد و أزند و أزناد .
    2- استحصدت : استحصد الحبل أي : استحكم ، والــمِـــرَّة : طاقة الحبل . والقوة : العقل . كناية عن قوتهم .
    3- الدِّرة : اللبن الدر .
    4- الصَّابُ : عصارة ُ شجرٍ مـُـرٍّ .
    5- غضاضة : هي احتمال المكروه ، والذلة والمنقصة .
    6-الزلال : ماء زلال سريع المر في الحلق بارد عذب صاف سهل سلس .
    7-سلاسة : السهل اللين المنقاد .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب) Empty رد: خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب)

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أكتوبر 16, 2008 1:13 am

    إكمالُ وفودِ أشرافِ العربِ على كِسْرى

    * ثم قامَ الحارثُ بنُ عبادٍ البكريُّ ، فقالَ :
    " دامتْ لك المملكة ُ باستكمال ِ جزيل ِ حظـِّـها ، وعلوِّ سَنائِها . مَنْ طالَ رِشاؤه(1) كَـثـُرَ مَــتــْحُــه (2) ، ومَنْ ذهبَ مالـُـه قلَّ مَــنـْـحُـه . تناقلُ الأقاويل ِ يُعرِّفُ اللـُّـبَّ ، وهذا مَـقـَـامٌ سيـُـوجـِـفُ (3) بما ينطقُ فيه الركبُ ، وتعرفُ به كـُـنـْـهَ حالـِـنا العُـجْـمُ والعربُ . ونحن جيرانـُك الأدنونَ ، وأعوانـُـك المعينونَ . خيولـُـنا جَمَّة ٌ، وجيوشـُـنا فـَخْـمَة ٌ. إن ِ استنجدْتـَـنا فغيرُ رُبُض ٍ(4) ، وإن ِ استطرقـْـتـَـنا(5) فغيرُ جُـهُـض ٍ(6) ، وإنْ طلبتـَـنا فغيرُ غـُـمُـض ٍ(7) . لا ننثني لذعْرٍ ، ولا نتنكـَّـرُ لدهْرٍ. رماحُنا طوالٌ ، وأعمارُنا قِصَارٌ " .
    قالَ كسرى: أنـْـفـُـسٌ عزيزة ٌ ، وأمَّة ٌ ضعيفة ٌ.
    قالَ الحارث ُ:
    " أيها الملك ُ ، وأنَّى يكونُ لضعيفٍ عِـزَّة ٌ ، أو لصغير ٍ مِــرَّة ٌ ؟! "
    قالَ كسرى: لو قــَـصُــرَ عمرُك لم تستول ِ على لسانِـك نفسُك.
    قالَ الحارث ُ:
    " أيها الملكُ ، إنّ الفارسَ إذا حملَ نفسَه على الكتيبةِ ، مُغـَرِّرًا بنفسِه على الموتِ ، فهي مَـنِـيَّـة ٌ استقبلـَـها ، وحياة ٌ استدبرَها . والعربُ تعلمُ أني أبعثُ الحربَ قـُـدُماً(8) ، وأحبسُها وهي تَصَرَّفُ بهم حتى إذا جاشَتْ نارُها ، وسَعَرَتْ لظاها ، وكشفَتْ عن ساقِها ، جعلتُ مَـقادَها رُمْحي ، وبرقـَـها سيفي ، ورعدَها زئيري ، ولم أقــَـصِّــرْ عن خوْضِ
    خَضَخَـاضِها (9) ، حتى أنغمسَ في غمراتِ لـُـجَــجـِـها، وأكون َ فـُــلـْــكــًا لفرساني إلى بـُـحْــبـُـوحَـةِ كبشِها(10) ، فأستمطرُها دمًـا ، وأتركُ حـُـمَــاتـَـها جَــزَرَ(11) السِّــبَاع ِ وكلَّ نـَـسْـرٍ قـَـشـْـعَــم َ (12) " .
    ثم قالَ كسرى لمَنْ حضَرَه منَ العربِ : أكذلك هو ؟! قالوا : فعالـُـه أنطقُ مِنْ لسانِه .
    قالَ كسرى : ما رأيتُ كاليوم ِ وفـْــدًا أحْــشَــدَ ، ولا شـُـهُــودًا أوْفـَـدَ .

    * العقد الفريد 1/ 104

    _______________________________________
    1- رشاؤه : الرشاء الحبل .
    2- متحه : المَـتــْــح هو : نزع الماء من البئر .
    3-سيوجف : وجف الفرس والبعير أي : عدا ، وأوجفته أي : أعديته .يقال : أوجف فأعجف . ومنه قوله تعالى : ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) أي : ما أعملتم .الحشر الآية 6 .
    4- رُبُض :يقال : رجل ربض عن الحاجات أي : لا ينهض فيها . وهو هنا جمع ربوض ( بالفتح ) من ربضت الشاة كـــبركت الناقة . والمعنى : لا نتقاعس عن نصرتك ، ولا نحجم .
    5- استطرقتنا : يقال : استطرقه فحــلا أي : طلب منه ليضرب في إبله ، هذا هو الأصل . والمعنى هنا : استعنت بنا .
    6- جهض : أجهضت الناقة والمرأة ولدها أي : أسقطته ناقص الخلق . والسقط : جهيض ، وجمعه جـُــهُــض . والمعنى هنا : أن فحلنا إذا ضرب النياق ( جامعها ) لم تأتِ بجهض بل تنتج .والمراد منه : أنه إن استنجد بهم أثمر ذلك الاستنجاد ، ولم يخب .
    7- غمض : من الغمض وهو النوم . يقال : ما غمضت ، ولا أغمضت ، ولا اغتمضت .فالوصف من الأولى غامض . وللمبالغة غموض ، والجمع غــُــمُــض .أي : لا ننام عن نصرتك .
    8-قدمًا : القدم : المضي أمام أمام ، وهو يمشي القدم : إذا مضى في الحرب .
    والقدم : المقدام الشجاع . وفي الحديث " طوبى لعبد مغبر قدم في سبيل الله " .
    9- خضخاضها : الخضخاض : نفط أسود رقيق تهنأ ( تطلى ) به الإبل الجرب .
    ( ولعله خضاخضها ) بضم الخاء ، والخضاخض : المكان الكثير الماء .
    10- كبشها : الكبش هنا سيد القوم وقائدهم .
    11- جزر : أي قطعًا .
    12- قشعم : القشعم هو النسر المسن .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب) Empty رد: خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب)

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أكتوبر 16, 2008 1:18 am

    إكمالُ وفودِ العربِ على كِسْرى

    * ثم قامَ عمرُو بنُ الشـَّـريدِ السُّلميُّ ، فقالَ :
    " أيها الملكُ ، نـَـعِــمَ بالـُـك ، ودامَ في السرورِ حالـُـك ، إنَّ عاقبة َ الكلام ِ مُـتـَدَبـَّرة ٌ ، وأشكالَ الأمور ِ مُعْتبرَة ٌ، وفي كثير ٍ ثـِـقـْـلة ً ، وفي قليل ٍ بُـلـْغـَة ً ، وفي الملوك ِ سَــوْرَة َ(1) العِــز ِّ . وهذا منطق ٌ له ما بَعدَه . شـَــرُفَ فيه مَنْ شـَـرُفَ ، وخـَمَـلَ فيه مَنْ خـَمَـلَ . لم نأتِ لضَــيـْـمِـكَ ، ولم نـَـفِــدْ لسُخْـطِــكَ ، ولم نـَتـَعَـرَّضْ لرِفـْـدِكَ (2) . إنّ في أموالِنا مُـنـْـتـَـقـَـدًا(3) ، وعلى عزِّنا مُعْـتـَـمَدًا . إنْ أوْرَينا(4) نارًا أثـْـقـَـبـْـنا ، وإنْ أوِدَ (5) دهرٌ بنا اعتدلــْـنا . إلا أنـَّــا معَ هذا لجوارِك حافظون ، ولمَنْ رامَكَ كافحون حتى يـُحْـمَـدَ الصَّدْرُ(6) ، ويُـسْـتـَـطـابَ الخبرُ " .
    قالَ كسرى : ما يقومُ قــَـصْــدُ مَــنـْـطِــقِــكَ بإفراطِكَ ، ولا مَدْحُكَ بذمِّــكَ .
    قالَ عمرٌو :
    " كفى بقليل ِ قـَـصْدي هاديًا ، وبأيسرِ إفراطي مُـخْــبــِرًا . ولم يـُـلــَــمْ مَنْ غـَـرَبَتْ نفسُه عما يَعـْـلــَـمُ ، و رَضَيَ مِـنَ القـَـصْــد ِ بما بـَـلـَــغَ " .
    قالَ كسرى : ما كلُّ ما يَعْرِفُ المرءُ ينطـِـقُ به .
    اجلسْ

    * العقد الفريد 1 / 107

    ___________________________________
    1- سَـوْرة : سورة المجد : أثره وعلامته ، وسورة السلطان : سطوته .
    والسَّـورة : المنزلة .
    2- رِفدك : الرِّفـْــدُ : العطاء .
    3- منتقدًا : تقول العرب : انتقدَ الدراهمَ أي : قبضها .
    4- أورينا : أوقدنا .
    5- أود : اعوجَّ .
    6- الصدر : الرجوع .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب) Empty رد: خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب)

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أكتوبر 16, 2008 1:20 am

    إكمالُ وفودِ أشرافِ العرب ِ على كسرى

    * ثم قامَ خالدُ بنُ جعفرَ الكلابيُّ ، فقالَ :

    " أحضَـرَ اللهُ المَـلكَ إسعَادًا ، وأرشدَه إرشادًا . إنّ لكلِّ مَـنـْـطِـق ٍ فـُـرْصَة ً ، ولكلِّ حاجةٍ غُـصَّـة ً . و عِيُّ الـمَــنـْـطِــق ِ أشدُّ مِن عِـيِّ السُّـكوتِ ، وعِــثــَارُ القول ِ أنـْــكـَـــأ ُ (1) مِنْ عِــثـَـار ِ الوَعْــثِ (2) . وما فـُـرْصَة ُ المنطق ِ عِندَنا إلا بما نهوَى ، وغـُــصَّـة ُ المنطق ِ بما لا نهوَى غيرُ مُســْتـَـسَاغـَـة ٍ(3) ، وتــَــرْكـِـي ما أعلمُ مِن نفسي ، ويـُـعْـــلـَـمُ مِن سمعي أنني له مـُـطِــيق ٌ أحبُّ إليّ مِـن تكلـُّــفِـي ما أتخوَّفُ و يتخوَّفُ مني . وقد أوْفـَــدَنا إليكَ مَــلِـكـُــنا النعمان ُ ، وهو لكَ مِن خيرِ الأعوان ِ ، ونِــعـْـمَ حاملُ المعروف ِ والإحسان ِ . أنفسُنا لكَ بالطاعةِ باخِــعَــة ٌ (4) ، ورقابـُـنا بالنصيحةِ خاضعة ٌ ، وأيدينا لكَ بالوفاءِ
    رهينة ٌ " .
    قالَ كسرى : نطقتَ بعقل ٍ ، وسَــمَــوْتَ بفضْـل ٍ ، وعلوْتَ بنـُـبْــل ٍ .

    * العقد الفريد 1/108
    ___________________________________

    1- أنكأ : نكأ العدوَّ ، ونكاه نكاية ً أي : قتلَ وجرحَ ، وأنكأ أي : أشدُّ نكاية ً وقهرًا .
    2- الوَعْـث ُ : المكان السهل الدَّهْسُ تغيبُ فيه الأقدامُ ، وكذلك الطريق العسر .
    3- مستساغة :أساغ الغصة َ أي : ابتلعَها . وساغ الشرابَ أي : سهل مدخله في الحلق .
    4- باخعة : خاضعة ومُــقِــرَّة ، وبخعَ بالحق أي : أقرّ به ، وخضع له .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب) Empty رد: خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب)

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أكتوبر 16, 2008 1:27 am

    * ثم قامَ عَــلـْــقـَـمَـة ُ بنُ عـُـلاثة َ العامريُّ ، فقالَ :
    " نـَهَـجَـتْ (1) لك سُـبُـلُ الرَّشَادِ ، وخـَـضَـعَـتْ لكَ رقابُ العِــبَــادِ .
    إنّ للأقاويل ِ مَــنـَـاهجَ ، وللآراء ِ مَوَالج َ(2) ، وللعَــويص ِ مخارجَ ، وخيرَ القول ِ أصدقـُـه ، وأفضلَ
    الطلب ِ أنجحُه . إنـَّـا وإنْ كانتِ المحبة ُ أحضرتـْـنا ، والوفادة ُ قــَــرَّبـتـْـنا ، فليسَ مَنْ حضرَكَ منـّـا بأفضلَ ممّنْ عَــزَبَ عنكَ . بل لو قِسْتَ كلَّ رجل ٍ منهم ، وعَــلِــمْتَ منهم ما علمْنا لوجدت َ له في آبائِه دُنيًا أندادًا وأكفاءً . كـلــُّـهم إلى الفـَــضْـل ِ منسوبٌ ، وبالشرف ِ والسُّــؤدَد ِ(3) موصوف ٌ ، وبالرأي ِ الفاضل ِ والأدب ِ
    النافذ ِ(4) معروف ٌ . يَحْمي حِمَاهُ ، ويـُرْوي نداماه (5) ، ويَــذودُ أعداه . لا تـَـخـْـمُــدُ (6) نارُه ، ولا يَـحْــتـَـرزُ منه جارُه .
    - أيها الملكُ - مَن يبلُ العربَ يعرفْ فـَــضْـــلــَـهم ، فاصْطـَـنع ِ(7) العربَ ؛ فإنها الجبالُ الرواسي عِـــزًّا ، والبحورُ الزواخِــرُ طـُـمْــيًا (8) ، والنجومُ الزواهرُ شـَـرَفــًا ، والحصى عددًا . فإنْ تعرفْ لهم فــضـلــَــهم يـُـعـِـزُّوكَ ، وإنْ تــسْــتـَـصْرخـْـهُــم (9) لا يـَـخـْـذِلوكَ " .
    قالَ كسرى - وخشِيَ أنْ يأتيَ منه كلامٌ يحمــِـلــُــه على السـُّـخْـط ِ - :
    حسبـُـكَ أبلغتَ ، وأحسنتَ .

    * العقد الفريد 1 / 109

    _________________________________

    1- نهجت : وضحت .
    2- موالج : مداخل ، وهي جمع مولج كمجلس والفعل منه : ولج يلج ولوجًا و لجة .
    3- السؤدد : ( بفتح الدال وضمها ) السيادة .
    4- النافذ : الظاهر أثره .
    5- نداماه : ندامى جمع ندمان ، وهو النديم ، وجع النديم نـُـدَمَاء . ونادَمَه أي :جالسه على الشراب .
    * فائدة : ندمان بمعنى منادم مصروف ؛ لأن مؤنثه ندمانة ، أما ندمان بمعنى نادم فلا يصرف ؛ لأن مؤنثه ندمى .
    6- تخمد : خمد كنصر وسمع .
    7 - اصطنعْ : اختر ، واصطفِ .
    8 - طـُـمْــيًا : طمى الماءُ يطمي طميًا أي : علا . وطما النبتُ أي : طال . وطما البحرُ أي : امتلأ . وطما الرجلُ أي : علت همتـُـه .
    9 - تستصرخهم : تستنجد بهم .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب) Empty رد: خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب)

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أكتوبر 16, 2008 2:59 am

    [size=24]* ثم قامَ قيسُ بنُ مسعودٍ الشيبانيُّ ، فقالَ :
    " أطابَ اللهُ بكَ المَراشدَ ، وجـنَّـبَـكَ المصائبَ ، ووقاكَ مكروهَ
    الـشَّــصَائب ِ (1) . ما أحــقــَّـنا - إذ أتيناكَ - بإسماعِـك ما لا يُـحْـنِــقُ صدرَكَ ، ولا يزرعُ لنا حِـقـْـدًا في قلبـِـكَ ! لم نـَـقـْـدَمْ - أيها الملكُ - لمُسَامَاةٍ ، ولم ننتسبْ لمُعَاداةٍ ، ولكنْ لِــتـَـعْــلـَـمَ أنت ورعيتــُـك ومَن حضرَكَ مِن وفودِ الأمم ِ أنـَّـا في المنطق ِ غيرُ مُحْجمين ، وفي الناس ِ غيرُ مـُـقـَـصِّـرين . إنْ جُوْرينا فغيرُ مَسْبُوقين ، وإنْ سومينا فغيرُ مغلوبين " .
    قالَ كسرى : غيرَ أنكم إذا عاهدتـُـم غيرُ وافين ( وهو يعرِّضُ به في تركـِـهِ الوفاءَ بضمانِه السـَّــوَادَ (2) .
    قالَ قيسٌ :
    " أيها الملكُ ، ما كنتُ في ذلك إلا كوافٍ غـُـدِرَ به ، أو كـَـخـَـافِــر ٍ أخْــفِــرَ بذمَّــتـِـه " .
    قالَ كسرى : ما يكون ُ لضعيفٍ ضَـمَـان ٌ ، ولا لذليل ٍ خفارة ٌ .
    قالَ قيسٌ :
    " أيها الملكُ ، ما أنا فيما أخْــفِــرَ مِن ذمتي أحق ُّ بإلزامي العارَ منك فيما قـُــتـِـل مِن رعيـتِـك ، وانـْــتـُـهـِـــكَ مِن حُرْمـَـتِــكَ " .
    قالَ كسرى : ذلك لأنَّ مَن ِ ائتمن َ الخانة َ (3) ، واسْـتـَــنـْــجَـدَ الأئمة َ نالـَـه مِن َ الخطأ ِ ما نالني ، وليسَ كلُّ الناس ِ سواءً :
    كيفَ رأيت َ حاجبَ بن َ زُرَارَة َ ؟
    لـِــم َ يـُـحْــكِــمُ قواه فــيُــبْــرمُ ، ويَــعْــهَــدُ فـيُــوفـِـي ، و يـَـعِــدُ فــيُــنـْـجـِــز ُ ؟!
    قالَ قيسٌ :
    " ما أحقــَّــهُ بذلكَ ! وما رأيتــُـه إلا لي " .
    قالَ كسرى : القومٌ بـُــزُلٌ (4) ، فأفضلـُـها أشدُّها .

    * العقد الفريد 1 / 110

    _______________________________________

    1- الشصائب : جمع شصيبة وهي : الشدة .
    2- أي سواد العراق .
    3- الخانة : الخانة والخونة جمع خائن .
    4- بزل : البازل : الجمل في السنة التاسعة ، والرجل الكامل في تجربته جمع بَـزْل .
    &&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
    * ثم قامَ عامرُ بنُ الطُّــفـَـيْــل ِ ، فقالَ :
    " كـَــثــُـرَ فنونُ المنطق ِ ، ولــَــبْــسُ القول ِ أعمى مِن حِــنـْـدِس ِ (1) الظلماء ِ ، وإنما الــفـَخْــرُ في الفِـعَـال ِ ، والــعَــجـْـزُ في الــنـَّــجـْـدَة ِ ، والسُّــؤدَدُ مطاوعة ُ الــقـُـدْرة ِ (2) . وما أعْــلمَـكَ بقدرِنا ، وأبصرَك بفضلِــنا ! وبالحَرَى(3) إنْ أدَالـَـتِ (4) الأيامُ ، وثابَـتِ الأحلامُ أنْ تـُـحْــدِثَ لنا أمورًا
    لها أعلامٌ (5) " .
    قالَ كسرى : وما تلك الأعلامُ ؟
    قالَ عامرٌ :
    " مُـجْـتـَـمَـعُ (6) الأحياء ِ مِن ربيعة َ و مُـضَـرَ على أمر ٍ يـُـذكـَــرُ " .
    قالَ كسرى : وما الأمرُ الذي يــُــذكرُ ؟
    قالَ عامرٌ : " ما لي علمٌ بأكثرَ مما خَــبـَّـرَني به مُخـْـبــِـرٌ " .
    قالَ كسرى : متى تكاهــنـْــتَ يا بنَ الطفيل ِ ؟!
    قالَ عامرٌ : " لستُ بكاهن ٍ ، ولكني بالرمح ِ طاعن ٌ " .
    قالَ كسرى : فإنْ أتاكَ آتٍ من جهة ِ عينـِـك العوراء ِ ما أنتَ صانعٌ ؟
    قالَ عامرٌ :
    " ما هيبتي في قفايَ بدون ِ هيبتي في وجهي ، وما أذهبَ عيني عَــيْــث ٌ (7) ، ولكنْ مُـطـَـاوَعـَـة ُ العَــبَــث ِ " .

    * العقد الفريد 1 / 111

    ___________________________________

    1- حندس : الليل المظلم والظلمة .
    2- أي أن يأتيَ المرءُ ما يقدرُ عليه ، فإنّ ذلكَ يُــبْــلغُــه السؤددَ .
    3- الحَــرَى : أي خليق ٌ وجديرٌ .
    4- أدالت : نصَرَت .
    5- أعلام : أي أخبار مسموعة .
    6- مجتمع : اجتماع .
    7- عيث : إفسادٌ ، والعيثُ هو : الإفسادُ .


    &&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
    * ثم قامَ عمرُو بنُ معد يكربَ الزبيديُّ ، فقالَ :

    " إنما المرءُ بأصْـغَـرَيْهِ : قلبــِـه ولسانـِـه ، فبلاغ ُ المنطق ِ الصوابُ ، ومـِـلاك ُ النــُّـجْــعَــةِ (1) الارتيادُ ، وعفوُ الرأي ِ خيرٌ مِن استكراه ِ الفكرة ِ ، وتوقيفُ الـخِـبْـرة ِ خيرٌ من اعتساف ِ الحَــيـْـرَةِ ، فاجتبذ ْ(2) طاعتـَـنا بلفظــِـك ، واكتظم ْ بادِرَتـَــنا بحِــلـمِـك ، وألـِــنْ لنا كَــنـَـفـَــكَ يَسْـلـَـسْ لك قيادُنا ، فإنــّـا أناسٌ لم يـُـوَقــِّــسْ (3) صَــفـَــاتــَـنا قِـرَاعُ مناقير ِ (4) مَنْ أرادَ لنا قــَــضْــمًا (5) ، ولكنْ مَـنـَعْــنا حِمَانا مِن كلِّ مَن رامَ لنا هـَــضْــمًا " .

    * العقد الفريد 1/ 113

    _______________________________________

    1- النجعة : طلبُ الكلأ ( العشب) في موضعه .
    2- اجتبذ : اجتذب .
    3- يوقس : الوقس هو : انتشار الجرب في البدن . والتوقيس : الإجراب أي : لم يخدش صَــفـَــاتـَـنــا ، ويؤثر فيها .
    4- مناقير : جمع منقار وهو : حديدة كالفأس ينقر بها .
    5- قضمًا : أصله الأكل بأطراف الأسنان
    . [/size]
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب) Empty رد: خطب وفود العرب على كسرى قبل الإسلام (مناقب العرب)

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أكتوبر 16, 2008 3:01 am

    * ثم قامَ الحارثُ بنُ ظالم ٍ المريُّ ، فقالَ :
    " إنّ مِن آفة ِ المنطق ِ الكذبَ ، ومِن لـُــــؤْم ِ الأخلاق ِ الــمَــلـَــقَ ، ومن خَـطـَـل ِ الرَّأي ِ خِــفـَّـة َ الملكِ المُــسَــلـَّـــط ِ . فإنْ أعلمْناك أنّ مُواجهتـَـنا لك عَـن ِ الائتلاف ِ ، وانقيادَنا لك عنْ تـَـصَــافٍ، فما أنتَ لقـَـبـُـول ِ ذلكَ منـّـا بخليق ٍ ، ولا للاعتماد ِ عليه بحقيق ٍ ، ولكنّ الوفاءَ بالعهود ِ ، وإحكامَ وَلـْــث ِ العقود ِ ، والأمرَ بيننا وبينك مُعْـتدلٌ ما لم يأت ِ مِن قـِـبَــلـَـك مَــيـْـلٌ أو زلـَـلٌ " .
    قالَ كسرى : مَن أنتَ ؟
    قالَ : الحارثُ بنُ ظالم ٍ .
    قالَ كسرى : إنّ في أسماء ِ أبائـِـك لـَـــدَليلاً على قِــلـَّــةِ وفائـِــك ، وأنْ تكونَ أولى بالغدر ِ ، وأقربَ مِن َ الوِزْرِ .
    قالَ الحارثُ :
    " إنّ في الحق ِّ مَــغْــضَبة ً . والسَّـرْوَ (1) التغافلُ . لن يَـسْـتـَـوْجـِـبَ أحدٌ الحِــلـْــمَ إلا مع الــقـُـدْرة ِ ؛ فـَــلـْــتـُــشْــبـِـهْ أفعالـُــكَ مَـجْــلِـسَـكَ .
    قالَ كسرى : هذا فتى القوم ِ .
    ثم قالَ كسرى : قد فهمتُ ما نطقـَـتْ به خُطـباؤكم ، وتفنـَّـنَ به متكـلـِّــموكم ، ولولا أني أعلمُ أنّ الأدبَ لم يُــثــَــقــِّــفْ أوَدَكم ، ولم يُحْــكِــمْ أمرَكم ، وأنه ليسَ لكم مـَلِــكٌ يـَجْـمَـعُـكم ، فتنطقون عنده مَــنـْـطِــقَ الرَّعِـيَّةِ الخاضعةِ الباخعةِ ، فنطقتـُـم بما استولى على ألسنتِكم ، وغـَــلـَـبَ على طِــبـَـاعِكم ، ولم أُجـِــزْ لكم كثيرًا مما تكلمتـُـم به ، وإني لأكرهُ أنْ أجَبـِّـهَ وفودي ، أو أُحْــنِــقَ صدورَهم ، والذي أحبُّ مِن إصلاح ِ مُدَبِّرِكم ، وتألــُّــفِ شواذِّكم ، والإعذارِ إلى اللهِ فيما بيني وبينكم ، وقد قبلتُ ما كان في منطقِكم من صواب ٍ ، وصفحتُ عما كانَ فيه من خلل ٍ ، فانصرفوا إلى ملكِكم ، فأحسنوا مؤازرتـَـه ، والتزموا طاعتــَـه ، واردعوا سفهاءكم ، وأقيموا أوَدَهم ، وأحسنوا أدبـَـهم ، فإنّ في ذلك صلاحَ العامةِ .

    * العقد الفريد 1 / 114
    __________________________________

    1- السرو : المروءة في شرف .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 9:07 pm