مقتطفات من الحياة الأدبية والأجتماعية في العصر العباسي - الجزء الاول
ان حديثي هذا عبارة عن عصارة دراسات مستفيضة لمعلومات تاريخية جرت احداثها في العصر العباسي الأول والثاني جمعها الأستاذ الباحث شوقي ضيف في مؤلفات عديدة , فهي بحق ثروة ثقافية غنية , تركها الأديب للأجيال لكي تنهل منها علما وادبا . وقد جاهدت مخلصا ان الخصها في صفحات معدودات واصيغها بشكل يهيئ للقارئ الكريم الأستفادة منها بيسر .
اهتم الأدباء باللغة العربية في كل من البصرة والكوفة في بداية العصر العباسي اهتماما بالغا في تجميع الفاظ اللغة واشعار العرب في العصر الجاهلي , و كان سبب هذا الأهتمام هو حاجة الأمم التي دخلت في الأسلام حديثا الى تعلم لغة القرأن الكريم خاصة بعد ما شاع اللحن على السنة الموالي و بعض العرب انفسهم بسبب اختلاطهم بالأقوام الأخرى او نشأتهم في حجور امهاتهم من الأماء والجواري اللآئ جلبن من البلدان الأجنبية , اذ كان منهم من يبدل الظاء زايا والزاى والتاء سينا والعين والقاف كافا . لقد انكب علماء اللغة على جمع الألفاظ الصحيحة لكيلا تتبدد وتضيع بين طيات لغات الشعوب المستعربة , وبغية الحفاظ على مقوماتها الأساسية فقد حرصوا ان لا يأخذوا اللغة من عربي سكن المدن وانما يذهبوا بعيدا في طلبهم ويتوغلوا الى باطن الجزيرة العربية ليكتسبوها من ينابيعها الصافية حيث اللغة الفصيحة ذات السليقة السليمة فوصلوا الى مناطق نجد عند قبائل العرب , امثال قيس وتميم وبني اسد فأن هؤلاء هم الذين عنهم اكثر ما اخذ .
لم تؤخذ اللغة العربية من المناطق المتاخمة لدول الجوار كالشام مثلا لأنتشار الكتب العبرية فيها ولا من اليمن لقربها من لغة الأحباش ولامن عرب عمان لأختلاطهم بأقوام السند ولا من الجزيرة لتأثرها بلغة البيزنطيين ولا من مصر لمحاكاتها لغة الأقباط ولا من المدن القريبة لبلاد فارس .
لم تمر فترة طويلة حتى اقبل طائفة كبيرة من الأعراب الفصحاء على مدينتي الكوفة والبصرة عائدين من نجد بعدما ساهموا في ترسيخ ثوابت اللغة العربية الفصحى , كان من بينهم ثور ابن يزيد الذي اصبح فيما بعد معلم ابن المقفع في علم الفصاحة .
كانت البادية خلال العصر العباسي تمد المدن بفيض من الشعراء ذوي السليقة العربية الأصيلة , وقد تحول بعض هؤلاء الى معلمين يربون الناشئة على العربية الفصحى واداب الشعر القديم , في الوقت الذي كان يقابلهم في المدن شعراء لم ينشأوا في البادية لكنهم استوعبوا ملكة اللغة العربية التي تمثلت في دخائلهم فيما بعد حتى اصبحوا لا يقلون عن شعراء البادية نصاعة وبيانا .
لقد حافظ معظم الخلفاء العباسيين على لغة القرأن وحثوا اهل العلم على دراستها والتعمق في معانيها ومعرفة مكنوناتها , فكانوا لا يستوزرون الا من حذق في اللغة العربية وبرع في ادائها وادابها , وكانت مجالس الخلفاء عموما تكتظ باللغويين وعلماء الكلام من امثال الكسائي والأصمعي . وكان الشعراء يعرضون قصائدهم على الخليفة , فأن استحسنها مضوا ينشدونها , وان لم ذهبوا يصنعون غيرها .
وعلى هذا النحو سيطر اللغويون على سوق الأدب العباسي ومضوا متمسكين بقواعد الشعر القديم تمسكا شديدا , وكان اعتقادهم انه لا يجوز تفضيل شعر عصر على غيره من عصر اخر انما كان المراد هو جودة الشعر نفسه بصرف النظر عن عصره , فالجودة الفنية لا تقاس بالقدم والحداثة , ان الشعر الجيد جيد في كل زمان ومكان
وعلى هذا النحو دفع التحضر بشعراء العصر الى استحداث اسلوب جديد يعتمد على الألفاظ الواسطة بين لغة البدو الزاخرة بالكلمات الجزلة ولغة الحضر المليئة بالكلمات المبتذلة وجعلوا منه اسلوبا جديدا اشبه بعنقود من الجواهر اذ تحول الشعراء الى ما يشبه الصاغة , كل يحاول ان يثبت مهارته في صياغة وسبك الشعر من الكلمات التي يكون وقعها في السمع حسنا و تأثيرها في القلب كفعل المطر في التربة الكريمة .
وبشار ابن برد هو في طليعة من ارسى هذا الأسلوب الجديد فكان شعره انقى من الراح واصفى من الزجاج واسلس من الماء العذب , كما امتاز اسلوبه بالنصاعة والرصانة والصفاء والرونق , هذا ما يصرح به ابن المعتز .
لو استعرضنا الأحداث الأدبية خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة لاحظنا وفرة المعلومات التي وردت الى اللغة العربية , فقد جمعت مادتها جمعا مستفيضا صنفت في مباحث متعددة , وكان اللغويون لا يذكرون صيغة لغوية فيها اشتباه . لقد استطاعوا ان يضعوا قواعد النحو العربي وضعا نهائيا ويضبطوا قواعد القوافي والأوزان الشعرية وبذلك اصبحوا قادرين ان يضعوا الأسس اللازمة لصنع المعجم العربي مثلما هو معروف عن معجم العين المنسوب الى الخليل بن احمد معلم سيبويه , لقد كتب الجاحظ البيان والتبين الذي اتاح به للشباب ان يقفوا في غير مشقة على خصائص اللغة العربية وادابها الجمالية والموسيقية , اذ اصبح من المتيسر ان يقرؤا اشعارها من دون عناء ويتذوقوها في غير تكلف . و يحسن بنا القول ان مدينة البصرة بدأت تزدهر بسوق باديتها المعروف بالمربد الذي تحول اسمه بمرور الزمن الى مهرجان المربد . كان يجتذب اليه الشباب الطموح للقاء الفصحاء من الأعراب القادمين من البادية تمرينا لألسنتهم وصقلا لمواهبهم واغناء لمادة اللغة الزاخرة بالجودة والصفاء .
كان الخليفة العباسي المأمون منهلا للثقافة, فقد حول دار الخلافة الى منتدى لأساطين العلم والمعرفة وكبار البلغاء و المترجمين الذين نقلوا الى العربية العلوم اليونانية واللاتينية والهندية والفارسية والسريانية وبها غدت بغداد منارا للأشعاع الفكري المنير المتوج بعصرها الذهبي المنشود , كما انشأ المأمون مرصدا كبيرا جعله تحت اشراف محمد الخوارزمي كبير العلماء الرياضيين والفلكيين الذي اكتشف علم الجبر وقواعده مثلما قادته مباحثه الى تثبيت محيط الأرض على اساس كرويتها قبل ان يعلنها الفلكي الأيطالي غاليلو غاليلي بأكثر من خمسمائة عام .
كان لدخول صناعة الورق من الصين الى بغداد من قبل فضل البرمكي اثرها البالغ في نشر الثقافة في المجتمع , وعلى اثر ذلك ظهرت مكتبات عامة كمكتبة الحكمة في بغداد ومكتبات خاصة في كل مكان . وحينها وصف الجاحظ شغف العراقيين بالقراءة كأنقضاض الأسد على فريسته .
لقد اذكى الأسلام جذوة المعرفة في النفوس ودفعها الى التعلم دفعا قويا , واسست الكتاتيب لتعليم مبادئ القراءة والكتابة , واهتموا في تعليم البنات و تحفيظهن القرأن وخاصة سورة النور, وكان للناشئة الواح من الخشب يكتبون فيها دروسهم , و اجور المعلمين في الغالب كانت لا تتجاوز رغفان من الخبز , و من كان يريد اكمال تحصيله , انتقل الى حلقات الدرس داخل المساجد , التي لم تكن بيوتا للعبادة فحسب بل كانت ايضا معاهد لتعليم الشباب حيث يتلقون المحاضرات من اساتذة متخصصين , كان تأثيرهم الثقافي على النهضة الحضارية كبيرا , فقد ازهرت هذه الحركة واعطت ثمارها في ظهور بوادر ادبية رائعة واثار علمية باهرة وقصائد شعرية خالدة , تمثلت في نخبة من الأعلام كمثل ابن سينا في الطب والرازي في العلوم والطبري في التاريخ وابن حيان في الكيمياء والكندي في الطبيعيات وابن ماسوية في علم التشريح وابن النفيس في الدورة الدموية والأدريسي في الجغرافيا وابن الهيثم البصري المولد يصفه الكاتب الأمريكي المعاصر ميشيل هاملتون مورغان بأنشتاين زمانه , فبفضل نظرياته تمكن كل من كوبرنيكوس وغالبلو ونيوتن من تحقيق اهدافهم العلمية بعد 600 سنه من رحيله - كتابه lost history مكتبة الكونغرس واشنطن 2007 .
ونتيجة لأمتزاج الثقافات في الأمبراطورية العباسية دخلت الى العربية الفاظ اجنبية كالفارسية خاصة ما يتعلق بأسماء الطعام والشراب والملبس , و هندية مثل ابنوس والفلفل والببغاء , وكذلك مفردات يونانية من قبيل القيراط والأوقية والقولنج .
هذه لمحات مقتضبة عن الحياة الأدبية في العهد العباسي , اما اذا اردنا ان نلقي نظرة سريعة على الحياة الأجتماعية , فأقول ان انتقال الخلافة الأسلامية من دمشق الى بغداد عام 132 للهجرة بعد معركة الزاب كان ايذانا بغلبة الطوابع الفارسية على المرافق العامة في المجتمع العراقي , فقد قلد العباسيون الساسانيين في عاداتهم وثقافاتهم وازيائهم وطرائق معيشتهم وحتى في محاكات عمائرهم , فقد بنى الخليفة ابو جعفرالمنصور مدينة بغداد على شاكلة طيسيفون – المدائن – دائرية , مثلما بنى قصره المعروف بقصر الذهب على طراز قصورهم , المتميزة بالدواوين الفخمة , وان اثار سامراء وغيرها لا زالت شاهدة للعيان . فقد اقتبس العباسيون عن الفرس مقومات الحضارة المعاصرة وعلى رأسها نظام ادارة الدولة والتشكيلات العسكرية بحذافيرها , وصاغوا القوانين صياغة ساسانية جعلت من الخليفة العباسي ملكا كسرويا يحكم الدولة الأسلامبة حكما استبداديا دينيا وراثيا مطلقا , يحيط نفسه بهالة من التقديس و بحفنة من عاظ سلاطين , ينصاعون لأهوائه ويعلنون للملآ ان الخليفة هو ظل الله في ارضه وبذلك ظهر ابشع حكم فردي ظالم لايقيم للشعب وزنا وليس له من الأمر شيئا .
كان معظم الوزراء من الفرس , يستأثرون بشؤون الخلافة وينالون اعلى المراتب , يتسم حكمهم بطابع القهر والتعسف لا يعرف رفقا ولا لينا .
لقد اعتبر الخلفاء العباسيين انفسهم ورثة الخلافة الشرعية وزعموا ان النبي قال لعمه العباس بأن الخلافة ستكون في ولده من بعده , وبهذا الأدعاء الذي ليس له سند , بدوأ يلاحقون ابناء عمومتهم العلويين , العلويون الذين كانوا لهم العون الأكبر في اسقاط سلطة بني امية , حتى تجرؤا بالفتك بأئمتهم , كان زعيمهم الروحي موسى بن جعفر اول الضحايا . كما تجاهل العباسيون كسلفهم الأمويين دستور النبي الكريم الذي وضعه في المدينة المنورة في السنة الخامسة للهجرة الذي ضمن حقوق وواجبات الرعية في الأمة الأسلامية , ورغم ذلك كان يحلو للخلفاء ان يكثروا من ترديد الأية الكريمة
– قل اللهم ملك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير -
كان الخلفاء العباسيين شغوفين بالجواري , فكان لكل منهم جيشا منهن , يرفلن في ابهى الكساء والحلل , يبالغن في اناقتهن و زينتهن و يتبارين في ثياب السندس والأستبرق ويختلن في الجواهر النفيسة متخذات منها تيجانا واقراطا وخلاخيل وقلائد . فكان شغف الرشيد بالعربيات و شغف المأمون بالمسيحيات اما شغف المعتصم فكان بالغلمان والجواري التركيات الذي اضطر اخيرا الى نقل مركز الخلافة الى مدينة سامراء ليجنب اهالي بغداد شرهم واذاهم .
لقد انحدر معظم الجواري من دول وثقافات مختلفة , كان تأثيرهن على المحيط العربي بالغا حتى ان قسما منهن دخلن قصر الخلافه وصار بعض الخلفاء من ابنائهن , فالمنصور امه جارية حبشية والرشيد امه جارية رومية والمأمون امه جارية فارسية .
كان الرشيد يستكثر منهن في قصوره حتى تجاوز عددهن عن اربعة الاف جارية , كانت ضياء وخنث وسحر افضلهن عنده ولسان حاله
ملك الثلاث الأنسات عناني وحللن من قلبي بكل مكاني
مالي تطاوعني البرية كلها واطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك الا ان سلطان الهوى وبه عززن اعز من سلطاني
كان بعض الجواري يحسن نظم الغزل المثير , يكتبنه على عصائبهن وثيابهن ومناديلهن
منها هذا البيت : اتهون الحياة بلا جنون ؟ فكفوا عن ملاحقة العيون
وفي اخبار الخليفة المهدي ان جاريته اهدت اليه تفاحة بعد ان نقشت عليها
هدية مني الى المهدي تفاحة تقطف من خدي
محمرة مصفرة طيبة كأنها من جنة الخلد
كما روي عن الخليفة المتوكل انه رأى جارية وقد نقشت اسمه على خدها فأعجبه ذلك وطلب ان ينشد الحدث نظما ملحنا فأنطلقت شاعرة القصر عريب تغني بصحبة الأوتار
لئن اودعت خطا من المسك خدها فقد اودعت قلبي من الوجد اسطرا
كن بعض الجواري يتقن نظم الشعر وفن الغناء او الرقص معا مما كان يرفع من مستواهن الفني و يزيد من انوثتهن سحرا واغراء , فيغدون فتنة من فتن العصر كالجارية عريب مطربة المتوكل والجارية دنانير مطربة البرامكة .
كان العرب يستعذبون سماع قصائد ابن الجهم , ينشدونها في مجالس افراحهم منها
الورد يضحك والأوتار تصطخب والناى يندب اشجانا وينتحب
والراح تعرض في نور الربيع كما تجلى العروس عليها الدر والذهب
كانت اعياد المسلمين العرب تشمل عيد الفطر وعيد الأضحى المبارك فكانوا يستهلون الصباح الأول منه بصلاة العيد ثم يتبادلون التهاني و الزيارات العائلية او يلتقون في الساحات العامة يمرحون او يجتمعون حول ابي الشمقمق في بغداد الذي كان يضحكهم بنوادره او يخرجون الى احضان الطبيعة لشم النسيم , فمنهم من يتهادى على صفحة مياه دجلة في زوارق جميلة يضجون بالغناء مسرورين ومنهم من يختلي بين الخمائل تحت ظلال الشجرعلى طريقتهم الخاصة وفي هذا السياق ينشد الشاعر البحتري مزهوا
اشرب على زهر الرياض يشوبه زهر الخدود وزهرة الصهباء
من قدح ينسي الهموم ويبعث الشوق الذي قد ضل في الأحشاء
اما اعياد المسلمين الفرس فكانت المهرجان و الربيع , لكن الأخير – نوروز – كان اكبر اعيادهم , يخرجون فيه مع بزوغ الشمس الى المروج الخضراء بملابسهم الزاهية محتفلين مغتبطين , يتبادلون التهاني والهدايا والتهادي بالورد , يقضون النهار بطوله في احضان الطبيعة يمرحون ويستمتعون بأريج زهبرات الفصل البهيج .
اما الفرس المجوس فكان من عادتهم ان يحتفلوا بعيدهم بعد غروب الشمس , حيث كانوا يقضون ساعات الليل يرقصون حول لهيب النيران المشتعلة وهم فرحين يعلون اصواتهم بالغناء منشدين
- قد قابلتنا الكوؤس ودابرتنا النحوس واليوم هرمزد روز قد عظمته المجوس
وهرمزد هذا هو اسم اله النور على حد زعمهم - .
اما اعياد النصارى فكانت كثيرة لكن اهمها كانت عيد الميلاد و الفصح و الشجرة وكانوا يزينون روؤسهم بأكاليل الورد وفي ايدهم الخوص والزيتون كما كانوا يحيطون مجالسهم بالزهور والرياحين ودفئ الشموع . وكان احتفالهم بعيد الفصح متميزا , وعندهم ان النبي الله عيسى عرج الى السماء في مثل هذا اليوم بعد صلبه بثلاثة ايام . كان اكثر مناطق العراق احتفالية هي الدير الأعلى في الموصل ودير سمالو في شرق بغداد وكان عشاق الطرب يسافرون اليها اما عن طريق الدواب او عن طريق نهر دجلة وكان المحتفلون يتبارون في زيهم و زينتهم , يشربون الأنخاب و يضجون في اغاني راقصة صاخبة حتى الصباح , و يصف الشاعر عبد الملك هذه المشاهد قوله ,
ورب يوم في سمالو تم لي فيه السرور وغيبت احزانه
فتلاعبت بعقولنا نشواته وتوقدت بخدودنا نيرانه
حتى حسبت ان البساط سفينة والدير ترقص حولنا حيطانه
كانت البساتين في ضواحي المدن تحتضن الحانات التي كانت تعج بالجواري والغلمان صباح مساء , تخفق لأغانيها المعازف والطنابير والدفوف وتهيئ لروادها اللهو المباح و غير المباح , ومن حولهم الشياطين , يكثر فيها حديث الفسق والصبوة و ثرثرة المجوس و الزنادقة الذين كانوا يفتحون الباب على مصراعيه للتهجم على العرب والنيل من تاريخهم و ثقافتهم بل والدس على الأسلام نفسه متشامخين بحضارتهم القديمة , وكان البرامكة دوما يذكون هذه التحرشات .
وفي هذا الجو المتوتر كان الدور التاريخي للثقافة العربية المرتبط بالمضمون الحضاري الأسلامي الديني والوطني والعرقي يتعرض لخطر فقدان الهوية من الجذور .
فقد شكلت هذه التصورات الخاطئة ارضية خصبة في اشتداد نزعة الشعوبية التي تتعارض مع الأسلام الذي اعلن منذ اليوم الأول انه لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى , اذ ليست العروبة ولا العجمة ميزة في ذاتها تعلي من شأن صاحبها - ...... كان الفرس قبل الأسلام مجوسا , والمجوسيه منحدرة من الدين الزرادشتي الذي ظهر 700 سنه قبل الميلاد , يعتقد بوجود الهين هما – اهورامزدا – منبع النور واصل الخير في العالم و – اهرمن – وهو رمز الظلمة ومبدأ الشر في الوجود , وعندهم النار شعار الطهر , فهم يقدسونها لكنهم لا يعبدونها , ثم تليها المانوئية وهي الفكر المجوسي الثاني الذي ظهر 300 سنة بعد الميلاد . تحرم ذبح الحيوان لكنها تبيح الزواج من المحارم وعقيدتهم هي مزيج من الزرادشتية والنصرانية والبوذية ولها طقوس عبادية خاصة بها. واما الفكر المجوسي الثالث فهي المزدكية , اخطر من سابقاتها لأنها تضيف الى العقيدة المجوسية نزعة الأباحية . وقد عمل الداعية الخليع شلمخان من هذه المحرمات سننا وشرائع........ هكذا كانت هذه المعتقدات الشاذة وبالا على الأسلام , والغريب في الأمر ان المسلمين لم ينتبهوا الى حقيقة المجوسية في بادئ الأمر و اعتبروها ضربا من التعاليم السماوية . و نظروا اليها بأحترام , لذلك ظلت حية قوية حتى ادرك الخليفة المهدي العباسي ابعاد كفرها فأنقلب يفتك بهم , وعلى اثر ذلك اقبل الكثير من المجوس واعلنوا اسلامهم , لكن هذا الأسلام كان في لسانهم لا في قلوبهم .