أثر اللغة العربية في صحة المعتقد
بقلم / عبد الله بن رجب
الحمد لله الذي رفع المؤمنين في أعلى عليين، وخفض الكفار والمشركين في أسفل سافلين، بعد أن نصب الموازين؛ ليحق الحق، ويبطل الباطل، فهو سبحانه فعَّال لما يريد، لا يُسأل عما يفعل، وهم يُسألون، وهو على كل شيء قدير.
أما بعد...
فمن رحمة الله تعالى أنه أنزل القرآن الكريم، خير كتاب على أفضل رسول، وهو محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين؛ هدايةً ورحمةً للعالمين، وجعله الله تعالى مُتعَبدًا بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار. ومما لاشك فيه. أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته الذين اعتنوا به خير اعتناء، فحفظوه في صدورهم، وتعلموه وبذلوا جهدًا في تأديته للناس وتعليمهم. ففي الحديث الذي رواه الإمام البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» [رواه مسلم] فأهل القرآن هم الذين اتصلوا به من كل طريق فرفعهم الله في الدنيا والآخرة قال الله تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف:44].
وروى الإمام مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين». ولذلك اعتنى المسلمون بهذا الكتاب خير عناية منذ العهد الأول إلى يومنا هذا وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها وذلك دليل على حفظ الله تعالى لهذا القرآن. قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9].
قال الأستاذ/ علي محمد البجاوي ـ حفظه الله ـ في مقدمة تحقيقه لكتاب التبيان في إعراب القرآن: «فالقرآن الكريم قِبلة المؤمنين يحفظونه في صدورهم ويجعلونه أمامهم في كل وقت وحين؛ ولهذا أقبل عليه العلماء يدرسون ويبحثون، فمنهم من أقبل عليه مفسِّرًا يبين معاني ألفاظه، ومرامي آياته، ويوضح أحكامه، ومنهم من توفر على بحث جانب واحد من جوانبه الكثيرة، كإعرابه، أو تفسير مشكله، أو تكرار آياته، أو ناسخه ومنسوخه، أو استخلاص أحكامه، أو قراءاته، أو دلائل إعجازه، أو علومه أو أمثاله، ولايزال هذا دأبَ العلماء يتناولونه باحثين، ويقبلون عليه دارسين في كل العصور. ومن مجالات البحث ومدارسة القرآن الكريم إعراب ألفاظه. وقديما قالوا: «الإعراب فرع المعنى». ]«والذي يجلي لنا إعرابه يكشف لنا عن معانٍ فيه».
وهذا الفن الإعرابي نشأ مع النحو، واستعان به المفسرون في توضيح الآيات في كتبهم المفسرة. ولذلك كان تعلم الضبط الإعرابي، وقواعد النحو أمرًا ضروريًا كما قال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله: الغرض من دراسة قواعد النحو فهم القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف»؛ لأنه إذا اختلف الضبط الصحيح فسد المعنى:
وإليك الأمثلة التي توضح أهمية الضبط الإعرابي في فهم القرآن الكريم والحديث الشريف.
أولا: في سورة براءة من الآية (3): قوله تعالى: {أن الله برئٌ من المشركين ورسوله}.
لو قرئت ورسولِه بكسر اللام أي بعطف رسوله على المشركين لفسد المعنى تمامًا، فيكون المعنى الفاسد. أن الله برئ من المشركين وبرئ من رسوله كذلك. وسبب ذلك الفساد هو الضبط غير الصحيح ولكن الضبط الصحيح هو: «ورسولُه» بضم اللام بالعطف المرفوع على الابتداء فيكون المعنى الصحيح «أن الله برئ من المشركين، ورسولُه برئ من المشركين كذلك.
ثانيًا: في سورة البقرة من الآية (132): قوله تعالى: {ووصَّى بها إبراهيم بنيه ويعقوبُ}.
لو قرئت ويعقوبَ: بفتح الباء على النصب بالعطفَ على بنيه، لفسد المعنى تمامًا. إذ كيف يوصي إبراهيم يعقوب وهو لم يُولد بعد. فالضبط الصحيح برفع يعقوب على الابتداء المستأنف ويكون المعنى الصحيح «ويعقوبُ وصى بنيه كذلك».
ثالثًا: في سورة فاطر في الآية (28): قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماءُ}.
لو قرئت «إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ» أي برفع لفظ الجلالة ونصب العلماءَ لفسد المعنى تمامًا وأدى إلى خلل في العقيدة إذ كيف يخشى الله القوي العزيز الجبار عباده الضعاف الأذلاء؟ فالضبط الصحيح: نصب لفظ الجلالة بالفتح على أنه مفعول به مقدم للتعظيم، ورفع العلماء بالضم على أنه فاعل مؤخر ويكون المعنى الصحيح أن أشد العباد خشيةً لله تعالى هم العلماء العاملون حقًا.
رابعًا: في سورة النساء من الآية (164): قوله تعالى: {وكلَّمَ اللهُ موسى تكليمًا}.
لو قرئت «وكلَّم اللهَ موسى تكليمًا» أي بنصب لفظ الجلالة بالفتح على أنه مفعول به مقدم، وموسى فاعل مؤخر لفسد المعنى، ونفي الكلام عن الله تعالى مما تعتقده الفرقة الضالة من المعتزلة. ولكن الضبط الصحيح: رفع لفظ الجلالة بالضم وإثبات صفة الكلام لله تعالى وهو مذهب أهل السنة الصحيح وللمزيد من الفهم الصحيح لهذه الآية أنقل إليك تعليق الإمام الحافظ ابن كثير على هذه الآية المباركة: «قوله: «وكلَّم اللهُ موسى تكليمًا» وهذا تشريف لموسى عليه السلام بهذه الصفة، ولهذا يقال له الكليم. وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان المالكي، حدثنا مسيح بن حاتم، حدثنا عبد الجبار بن عبد الله، قال جاء رجل إلى أبي بكر بن عياش فقال سمعت رجلا يقرأ: «وكلم اللهَ موسى تكليمًا» فقال أبو بكر ما قرأ هذا إلا كافر، قرأت على الأعمش، وقرأ الأعمش على يحيى بن وثاب، وقرأ يحىى بن وثاب على أبي عبد الرحمن السلمي، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي على عليِّ بن أبي طالب، وقرأ علي بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، «وكلم اللهُ موسى تكليمًا». وإنما اشتد غضب أبي بكر بن عياش ـ رحمه الله ـ على مَنْ قرأ كذلك لأنه حرَّف لفظ القرآن ومعناه، وكان من المعتزلة الذين ينكرون أن يكون الله كلم موسى عليه السلام أو يكلم أحدًا من خلقه كمَا رويناه عن بعض المعتزلة أنه قرأ على بعض المشايخ. «وكلم اللهَ موسى تكليمًا» فقال له: يا ابن اللخناء: كيف تصنع بقوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربُّه} يعني أن هذا لا يحتمل التحريف، ولا التأويل» لأن قراءة «ربُّه» بالرفع على أنه فاعل. أرأيت أخي القارئ الكريم كيف أن الضبط مهمٌ فهذه حركة غيرت المعنى وأفسدت المعتقد.
خامسًا: في سورة الفاتحة: الآية السابعة: في قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمتَ عليهم...}.
فسياق الآية دعاء وخطاب لله تعالى. لو قرئت «أنعمتُ عليهم» أي بضم تاء الفاعل وتحول الخطاب إلى المتكلم ونسب الكلام للمخلوق لفسد المعنى واختل لأنه نسب الإنعام لغير الله وهو المُنعِم المتفضِل سبحانه، وهذا تحريف للفظ القرآن وربما فسدت به الصلاة للحن في سورة الفاتحة.. والصحيح أن تقرأ: بفتح تاء الفاعل لأن الخطاب لله تعالى «... أنعمتَ عليهم».
سادسًا: في سورة المللك «تبارك» الآية (16): في قوله تعالى: {أأمنتم مَنْ في السماء...}
لو استعمل حرف الجر «في» هنا بمعنى الظرفية الذي يفيد الدخول والحلول لفسد المعنى واختل المعتقد إذ هذا اعتقاد الحلولية الباطل. والصحيح في هذه الآية أن الجر «في» بمعنى «على» وحروف الجر يستعمل بعضها مكان البعض لسياق المعنى الصحيح. والدليل على هذا الاستعمال الصحيح: الحديث الشريف: «ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء». فاستعمال «في» في الجملة الأولى بمعنى على أي على الأرض وهو الذي يدب عليها، وليس معنى «في» الدخول والحلول، وكذلك يكون المعنى الصحيح في الجملة الثانية «مَنْ في السماء» مَنْ على السماء، فالله عز وجل مستو على عرشه استواءً يليق بجلاله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. والدليل الأخير على استعمال «في» بمعنى على قوله تعالى على لسان فرعون وهو يخاطب المؤمنين {... ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه:71]. فاستعمال «في» هنا بمعنى «على» أي على جذوع النخل وليس «في» بمعنى الدخول والحلول إذ كيف يُعقل أن يصلبهم داخل النخل.
سابعًا: قول الرجل «ما شاء الله وشئت»
فهذا قول غير صحيح ومعتقد باطل لاستعمال حرف العطف «الواو» الذي يفيد الجمع والمشاركة، فأشرك مشيئة المخلوق الضعيف مساوية لمشيئة الله الخالق القوي الذي هو على كل شيء قدير، وهذا شرك وذنب عظيم. والصحيح استعمال حرف العطف «ثم» الذي يفيد التراخي «ما شاء الله ثم شئت» فوضع حرف مكان حرف غير المعنى.
وأخيرًا أخي الكريم: أختي الكريمة: أرأيت أثر اللغة العربية في الفهم الصحيح وصحة المعتقد؟
ومن هنا كان تعلم اللغة العربية ودراستها أمرًا ضروريًا خاصة هذه الأيام التي أصبحنا بالنسبة لها كالأعاجم حتى عزفنا عنها تحدثًا وكتابة وتعلمًا وتعليمًا. واللغة العربية من أدوات فهم القرآن الكريم والحديث الشريف فالقرآن نزل باللسان العربي المبين على الرسول العربي الأمين صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: التفسير على أربعة أوجه وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله.
وإحدى أدوات المفسر والمجتهد علمُه بقواعد اللغة العربية وبلاغتها. فالواجب علينا معشر المسلمين الإقبال على تعلم اللغة العربية خاصة القواعد النحوية ومحاولة فهمها ودراستها والتحدث بها، لأن الغاية من تعلمها إصلاح اللسان عند التحدث وإصلاح القلم عند الكتابة، وتركُ التحدث والكتابة باللهجة العامية المضادة للغة العربية الفصيحة
بقلم / عبد الله بن رجب
الحمد لله الذي رفع المؤمنين في أعلى عليين، وخفض الكفار والمشركين في أسفل سافلين، بعد أن نصب الموازين؛ ليحق الحق، ويبطل الباطل، فهو سبحانه فعَّال لما يريد، لا يُسأل عما يفعل، وهم يُسألون، وهو على كل شيء قدير.
أما بعد...
فمن رحمة الله تعالى أنه أنزل القرآن الكريم، خير كتاب على أفضل رسول، وهو محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين؛ هدايةً ورحمةً للعالمين، وجعله الله تعالى مُتعَبدًا بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار. ومما لاشك فيه. أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته الذين اعتنوا به خير اعتناء، فحفظوه في صدورهم، وتعلموه وبذلوا جهدًا في تأديته للناس وتعليمهم. ففي الحديث الذي رواه الإمام البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» [رواه مسلم] فأهل القرآن هم الذين اتصلوا به من كل طريق فرفعهم الله في الدنيا والآخرة قال الله تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف:44].
وروى الإمام مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين». ولذلك اعتنى المسلمون بهذا الكتاب خير عناية منذ العهد الأول إلى يومنا هذا وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها وذلك دليل على حفظ الله تعالى لهذا القرآن. قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9].
قال الأستاذ/ علي محمد البجاوي ـ حفظه الله ـ في مقدمة تحقيقه لكتاب التبيان في إعراب القرآن: «فالقرآن الكريم قِبلة المؤمنين يحفظونه في صدورهم ويجعلونه أمامهم في كل وقت وحين؛ ولهذا أقبل عليه العلماء يدرسون ويبحثون، فمنهم من أقبل عليه مفسِّرًا يبين معاني ألفاظه، ومرامي آياته، ويوضح أحكامه، ومنهم من توفر على بحث جانب واحد من جوانبه الكثيرة، كإعرابه، أو تفسير مشكله، أو تكرار آياته، أو ناسخه ومنسوخه، أو استخلاص أحكامه، أو قراءاته، أو دلائل إعجازه، أو علومه أو أمثاله، ولايزال هذا دأبَ العلماء يتناولونه باحثين، ويقبلون عليه دارسين في كل العصور. ومن مجالات البحث ومدارسة القرآن الكريم إعراب ألفاظه. وقديما قالوا: «الإعراب فرع المعنى». ]«والذي يجلي لنا إعرابه يكشف لنا عن معانٍ فيه».
وهذا الفن الإعرابي نشأ مع النحو، واستعان به المفسرون في توضيح الآيات في كتبهم المفسرة. ولذلك كان تعلم الضبط الإعرابي، وقواعد النحو أمرًا ضروريًا كما قال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله: الغرض من دراسة قواعد النحو فهم القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف»؛ لأنه إذا اختلف الضبط الصحيح فسد المعنى:
وإليك الأمثلة التي توضح أهمية الضبط الإعرابي في فهم القرآن الكريم والحديث الشريف.
أولا: في سورة براءة من الآية (3): قوله تعالى: {أن الله برئٌ من المشركين ورسوله}.
لو قرئت ورسولِه بكسر اللام أي بعطف رسوله على المشركين لفسد المعنى تمامًا، فيكون المعنى الفاسد. أن الله برئ من المشركين وبرئ من رسوله كذلك. وسبب ذلك الفساد هو الضبط غير الصحيح ولكن الضبط الصحيح هو: «ورسولُه» بضم اللام بالعطف المرفوع على الابتداء فيكون المعنى الصحيح «أن الله برئ من المشركين، ورسولُه برئ من المشركين كذلك.
ثانيًا: في سورة البقرة من الآية (132): قوله تعالى: {ووصَّى بها إبراهيم بنيه ويعقوبُ}.
لو قرئت ويعقوبَ: بفتح الباء على النصب بالعطفَ على بنيه، لفسد المعنى تمامًا. إذ كيف يوصي إبراهيم يعقوب وهو لم يُولد بعد. فالضبط الصحيح برفع يعقوب على الابتداء المستأنف ويكون المعنى الصحيح «ويعقوبُ وصى بنيه كذلك».
ثالثًا: في سورة فاطر في الآية (28): قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماءُ}.
لو قرئت «إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ» أي برفع لفظ الجلالة ونصب العلماءَ لفسد المعنى تمامًا وأدى إلى خلل في العقيدة إذ كيف يخشى الله القوي العزيز الجبار عباده الضعاف الأذلاء؟ فالضبط الصحيح: نصب لفظ الجلالة بالفتح على أنه مفعول به مقدم للتعظيم، ورفع العلماء بالضم على أنه فاعل مؤخر ويكون المعنى الصحيح أن أشد العباد خشيةً لله تعالى هم العلماء العاملون حقًا.
رابعًا: في سورة النساء من الآية (164): قوله تعالى: {وكلَّمَ اللهُ موسى تكليمًا}.
لو قرئت «وكلَّم اللهَ موسى تكليمًا» أي بنصب لفظ الجلالة بالفتح على أنه مفعول به مقدم، وموسى فاعل مؤخر لفسد المعنى، ونفي الكلام عن الله تعالى مما تعتقده الفرقة الضالة من المعتزلة. ولكن الضبط الصحيح: رفع لفظ الجلالة بالضم وإثبات صفة الكلام لله تعالى وهو مذهب أهل السنة الصحيح وللمزيد من الفهم الصحيح لهذه الآية أنقل إليك تعليق الإمام الحافظ ابن كثير على هذه الآية المباركة: «قوله: «وكلَّم اللهُ موسى تكليمًا» وهذا تشريف لموسى عليه السلام بهذه الصفة، ولهذا يقال له الكليم. وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان المالكي، حدثنا مسيح بن حاتم، حدثنا عبد الجبار بن عبد الله، قال جاء رجل إلى أبي بكر بن عياش فقال سمعت رجلا يقرأ: «وكلم اللهَ موسى تكليمًا» فقال أبو بكر ما قرأ هذا إلا كافر، قرأت على الأعمش، وقرأ الأعمش على يحيى بن وثاب، وقرأ يحىى بن وثاب على أبي عبد الرحمن السلمي، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي على عليِّ بن أبي طالب، وقرأ علي بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، «وكلم اللهُ موسى تكليمًا». وإنما اشتد غضب أبي بكر بن عياش ـ رحمه الله ـ على مَنْ قرأ كذلك لأنه حرَّف لفظ القرآن ومعناه، وكان من المعتزلة الذين ينكرون أن يكون الله كلم موسى عليه السلام أو يكلم أحدًا من خلقه كمَا رويناه عن بعض المعتزلة أنه قرأ على بعض المشايخ. «وكلم اللهَ موسى تكليمًا» فقال له: يا ابن اللخناء: كيف تصنع بقوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربُّه} يعني أن هذا لا يحتمل التحريف، ولا التأويل» لأن قراءة «ربُّه» بالرفع على أنه فاعل. أرأيت أخي القارئ الكريم كيف أن الضبط مهمٌ فهذه حركة غيرت المعنى وأفسدت المعتقد.
خامسًا: في سورة الفاتحة: الآية السابعة: في قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمتَ عليهم...}.
فسياق الآية دعاء وخطاب لله تعالى. لو قرئت «أنعمتُ عليهم» أي بضم تاء الفاعل وتحول الخطاب إلى المتكلم ونسب الكلام للمخلوق لفسد المعنى واختل لأنه نسب الإنعام لغير الله وهو المُنعِم المتفضِل سبحانه، وهذا تحريف للفظ القرآن وربما فسدت به الصلاة للحن في سورة الفاتحة.. والصحيح أن تقرأ: بفتح تاء الفاعل لأن الخطاب لله تعالى «... أنعمتَ عليهم».
سادسًا: في سورة المللك «تبارك» الآية (16): في قوله تعالى: {أأمنتم مَنْ في السماء...}
لو استعمل حرف الجر «في» هنا بمعنى الظرفية الذي يفيد الدخول والحلول لفسد المعنى واختل المعتقد إذ هذا اعتقاد الحلولية الباطل. والصحيح في هذه الآية أن الجر «في» بمعنى «على» وحروف الجر يستعمل بعضها مكان البعض لسياق المعنى الصحيح. والدليل على هذا الاستعمال الصحيح: الحديث الشريف: «ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء». فاستعمال «في» في الجملة الأولى بمعنى على أي على الأرض وهو الذي يدب عليها، وليس معنى «في» الدخول والحلول، وكذلك يكون المعنى الصحيح في الجملة الثانية «مَنْ في السماء» مَنْ على السماء، فالله عز وجل مستو على عرشه استواءً يليق بجلاله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}. والدليل الأخير على استعمال «في» بمعنى على قوله تعالى على لسان فرعون وهو يخاطب المؤمنين {... ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه:71]. فاستعمال «في» هنا بمعنى «على» أي على جذوع النخل وليس «في» بمعنى الدخول والحلول إذ كيف يُعقل أن يصلبهم داخل النخل.
سابعًا: قول الرجل «ما شاء الله وشئت»
فهذا قول غير صحيح ومعتقد باطل لاستعمال حرف العطف «الواو» الذي يفيد الجمع والمشاركة، فأشرك مشيئة المخلوق الضعيف مساوية لمشيئة الله الخالق القوي الذي هو على كل شيء قدير، وهذا شرك وذنب عظيم. والصحيح استعمال حرف العطف «ثم» الذي يفيد التراخي «ما شاء الله ثم شئت» فوضع حرف مكان حرف غير المعنى.
وأخيرًا أخي الكريم: أختي الكريمة: أرأيت أثر اللغة العربية في الفهم الصحيح وصحة المعتقد؟
ومن هنا كان تعلم اللغة العربية ودراستها أمرًا ضروريًا خاصة هذه الأيام التي أصبحنا بالنسبة لها كالأعاجم حتى عزفنا عنها تحدثًا وكتابة وتعلمًا وتعليمًا. واللغة العربية من أدوات فهم القرآن الكريم والحديث الشريف فالقرآن نزل باللسان العربي المبين على الرسول العربي الأمين صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: التفسير على أربعة أوجه وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله.
وإحدى أدوات المفسر والمجتهد علمُه بقواعد اللغة العربية وبلاغتها. فالواجب علينا معشر المسلمين الإقبال على تعلم اللغة العربية خاصة القواعد النحوية ومحاولة فهمها ودراستها والتحدث بها، لأن الغاية من تعلمها إصلاح اللسان عند التحدث وإصلاح القلم عند الكتابة، وتركُ التحدث والكتابة باللهجة العامية المضادة للغة العربية الفصيحة