قال ابن فارس :
حاجة أهل الفقه والفتيا إلى معرفة اللغة العربية
أقول: إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لاغناء بأحد منهم عنه. وذلك أن القرآن نازلٌ بلغة العرب، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، عربي. فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جل وعز، وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كل كلمة غريبة أو نظم عجيب - لم يجر من العلم باللغة بُدّا. ولسنا نقول: إن الذي يلزمه من ذلك الإحاطة بكل ما قالته العرب؛ لأن ذلك غير مقدور عليه، ولا يكون إلا لنبي، كما قلناه أولاً. بل الواجب علم أصول اللغة والسنن التي بأكثرها نزل القرآن وجاءت السنة. فأما أن يكلف القارئ أو الفقيه أو المحدث معرفة أوصاف الإبل وأسماء السباع ونعوت الأسلحة، وما قالته العرب في الفلوات والفيافي، وما جاء عنهم من شواذ الأبنية وغرائب التصريف - فلا. ولقر غلط أبو بكر بن داود أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، في كلمات ذكر أنه أخطأ فيها طريق اللغة. وليس يبعر أن يغلء في مثلها مثله في فصاحته. لكن الصواب على ما قاله أصوب. فأما الكلمات فمنها: إيجابه ترتيب أعضاء الوضوء في الوضوء، مع إجماع العربية أن الواو تقتضي الجمع المطل لا التوالي. ومنها: قوله في التزويج: إذا قال الولي: زوجتك فلانة، فقال المزوج: قد قبلتها - : إن ذلك ليس بنكاح حتى يقول: قد تزوجتها أو قبلت تزويجها. قال: ةمعلوم أن الكلام إذا خرج جواباً فقد فهم أنه جواب عن سؤال، قال الله جل وعز: )فهل وجد نم ما وعد ربكم حقاً قالوا: نعم( وقال: )ألست بربكم قالو بلى( فاكتفى من المحبين بهذا، وما كلفوا أن يقولوا: بلى أنت ربنا. قال: ومنها تسمية البكر التي لا توطأ حائلا. وابن داود يقول: إنما تسمى حائلا إذا كانت حاملاً مرة، أو توقع منها حمل فحالت. ومنها قوله في الطائفة: إنها تكون ثلاثة وأكثر. وقد قال مجاهد: الطائفة تقع على الواحد. ومنها قوله في قول الله جل وعز: )ذلك أدنى ألا تعولوا( أي لا يكثر من تعولون. والعرب تقول في كثرة العيال: أعال الرجل فهو معيل. ومنها قوله في القروء: إنها الأطهار. فإن القرء من قولهم: يقرى الماء في حوضه. قال والعرب تقول: لا تطأ جاريتك حتى تقريها. وقال صلى الله عليه وسلم: دعى الصلاة" أيامَ أقْرائِكَ. قال أبو بكر: ومن العظيم أنَّ علياً وعمرَ رضي الله عنهما قَدْ قالا "القُرْؤُ الحَيضُ" فهل يُجْتَرا عَلَى تجهيلهما باللغة? ومنها قوله فِي قوله جلّ ثناؤه "حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال" أنه أرادَ الذكور دون الإناث. قال: وهذا من غريب مَا يَغلَط فِيهِ مثله. يقول الله جلّ ثناؤه "يَا بني آدم!" أفَتُراه أراد الرِّجالَ دون النساء? قال ابن داود: وإنَّ قبيحاً مُفْرِط القَبَاحة بمن يعيب مالك لن أنسٍ بأنه لَحَنَ فِي مخاطَبَةِ العامَّة بأن قال: "مُطرنا البارحة مطراً أيَّ مطراً" أن يرضَى هو لنفسه أن يتكلم بمثل هَذَا. لأن النَّاس لَمْ يزالوا يلحنون ويَتَلاحَنُون فيما يخاطب بعضُهم بعضاً اتِّقَاءً للخروج عن عادة العامة فلا يَعيبُ ذَلِكَ من يُنْصِفِهم من الخاصة، وإنّما العيب عَلَى من غلِط من جهة اللغة فيما يغير بِهِ حكَم الشريعة والله المستعان. فلذلك قلنا: إنّ علم اللغة كالواجب عَلَى أهل العلم، لئلاَّ يحيدوا فِي تألبفهم أَوْ فتياهم عن سَنن الاستواء. وكذلك الحاجة إِلَى علم العربية، فإن الإعراب هو الفارق بَيْنَ المعاني. ألا ترى أن القائل إِذَا قال: "مَا أحسن زيد" لَمْ يفرّق بَيْنَ التعجب والاستفهام والذمّ إِلاَّ بالأعراب. وكذلك إِذَا قال: "رب أخوك أخانا" و "وَجْهُك وجهُ حُرّ" و "وجهُك وجهٌ حرٌّ" وَمَا أشْبَه ذَلِكَ من الكلام المشْتَبه. هَذَا وَقَدْ روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعْرِبوا القرآن". وَقَدْ كَانَ الناس قديماً يجتنبون اللحن فيما يكتبونه أَوْ يقرأونه اجتنابَهم بعضَ الذنوب. فأما الآن فقد تجوزا حَتَّى أن المحدّث يحدث فليحن. والفقيه يؤلف فيلحن. فإذا نُبها قالا: مَا ندري مَا الإعراب وإنم انحن محدّثون وفقهاء. فهما يسران بما يُساء بِهِ اللبيب. ولقد كلمت بعض من يذهبُ بنفسه ويراها من فقه الشافعي بالرتبة العُليا فِي القياس، فقلت لَهُ: مَا حقيقة القياس ومعناه، ومن أي شيء هو? فقال: لَيْسَ عليَّ هَذَا وإنما علي إقامة الدَّليل عَلَى صحته. فقل الآن في رجل يروم إقامة الدليل على صحة شيء لا يعرف معناه، ولا يدري ما هو. ونعوذ بالله من سوء الاختيار.
حاجة أهل الفقه والفتيا إلى معرفة اللغة العربية
أقول: إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لاغناء بأحد منهم عنه. وذلك أن القرآن نازلٌ بلغة العرب، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، عربي. فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جل وعز، وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كل كلمة غريبة أو نظم عجيب - لم يجر من العلم باللغة بُدّا. ولسنا نقول: إن الذي يلزمه من ذلك الإحاطة بكل ما قالته العرب؛ لأن ذلك غير مقدور عليه، ولا يكون إلا لنبي، كما قلناه أولاً. بل الواجب علم أصول اللغة والسنن التي بأكثرها نزل القرآن وجاءت السنة. فأما أن يكلف القارئ أو الفقيه أو المحدث معرفة أوصاف الإبل وأسماء السباع ونعوت الأسلحة، وما قالته العرب في الفلوات والفيافي، وما جاء عنهم من شواذ الأبنية وغرائب التصريف - فلا. ولقر غلط أبو بكر بن داود أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، في كلمات ذكر أنه أخطأ فيها طريق اللغة. وليس يبعر أن يغلء في مثلها مثله في فصاحته. لكن الصواب على ما قاله أصوب. فأما الكلمات فمنها: إيجابه ترتيب أعضاء الوضوء في الوضوء، مع إجماع العربية أن الواو تقتضي الجمع المطل لا التوالي. ومنها: قوله في التزويج: إذا قال الولي: زوجتك فلانة، فقال المزوج: قد قبلتها - : إن ذلك ليس بنكاح حتى يقول: قد تزوجتها أو قبلت تزويجها. قال: ةمعلوم أن الكلام إذا خرج جواباً فقد فهم أنه جواب عن سؤال، قال الله جل وعز: )فهل وجد نم ما وعد ربكم حقاً قالوا: نعم( وقال: )ألست بربكم قالو بلى( فاكتفى من المحبين بهذا، وما كلفوا أن يقولوا: بلى أنت ربنا. قال: ومنها تسمية البكر التي لا توطأ حائلا. وابن داود يقول: إنما تسمى حائلا إذا كانت حاملاً مرة، أو توقع منها حمل فحالت. ومنها قوله في الطائفة: إنها تكون ثلاثة وأكثر. وقد قال مجاهد: الطائفة تقع على الواحد. ومنها قوله في قول الله جل وعز: )ذلك أدنى ألا تعولوا( أي لا يكثر من تعولون. والعرب تقول في كثرة العيال: أعال الرجل فهو معيل. ومنها قوله في القروء: إنها الأطهار. فإن القرء من قولهم: يقرى الماء في حوضه. قال والعرب تقول: لا تطأ جاريتك حتى تقريها. وقال صلى الله عليه وسلم: دعى الصلاة" أيامَ أقْرائِكَ. قال أبو بكر: ومن العظيم أنَّ علياً وعمرَ رضي الله عنهما قَدْ قالا "القُرْؤُ الحَيضُ" فهل يُجْتَرا عَلَى تجهيلهما باللغة? ومنها قوله فِي قوله جلّ ثناؤه "حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال" أنه أرادَ الذكور دون الإناث. قال: وهذا من غريب مَا يَغلَط فِيهِ مثله. يقول الله جلّ ثناؤه "يَا بني آدم!" أفَتُراه أراد الرِّجالَ دون النساء? قال ابن داود: وإنَّ قبيحاً مُفْرِط القَبَاحة بمن يعيب مالك لن أنسٍ بأنه لَحَنَ فِي مخاطَبَةِ العامَّة بأن قال: "مُطرنا البارحة مطراً أيَّ مطراً" أن يرضَى هو لنفسه أن يتكلم بمثل هَذَا. لأن النَّاس لَمْ يزالوا يلحنون ويَتَلاحَنُون فيما يخاطب بعضُهم بعضاً اتِّقَاءً للخروج عن عادة العامة فلا يَعيبُ ذَلِكَ من يُنْصِفِهم من الخاصة، وإنّما العيب عَلَى من غلِط من جهة اللغة فيما يغير بِهِ حكَم الشريعة والله المستعان. فلذلك قلنا: إنّ علم اللغة كالواجب عَلَى أهل العلم، لئلاَّ يحيدوا فِي تألبفهم أَوْ فتياهم عن سَنن الاستواء. وكذلك الحاجة إِلَى علم العربية، فإن الإعراب هو الفارق بَيْنَ المعاني. ألا ترى أن القائل إِذَا قال: "مَا أحسن زيد" لَمْ يفرّق بَيْنَ التعجب والاستفهام والذمّ إِلاَّ بالأعراب. وكذلك إِذَا قال: "رب أخوك أخانا" و "وَجْهُك وجهُ حُرّ" و "وجهُك وجهٌ حرٌّ" وَمَا أشْبَه ذَلِكَ من الكلام المشْتَبه. هَذَا وَقَدْ روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعْرِبوا القرآن". وَقَدْ كَانَ الناس قديماً يجتنبون اللحن فيما يكتبونه أَوْ يقرأونه اجتنابَهم بعضَ الذنوب. فأما الآن فقد تجوزا حَتَّى أن المحدّث يحدث فليحن. والفقيه يؤلف فيلحن. فإذا نُبها قالا: مَا ندري مَا الإعراب وإنم انحن محدّثون وفقهاء. فهما يسران بما يُساء بِهِ اللبيب. ولقد كلمت بعض من يذهبُ بنفسه ويراها من فقه الشافعي بالرتبة العُليا فِي القياس، فقلت لَهُ: مَا حقيقة القياس ومعناه، ومن أي شيء هو? فقال: لَيْسَ عليَّ هَذَا وإنما علي إقامة الدَّليل عَلَى صحته. فقل الآن في رجل يروم إقامة الدليل على صحة شيء لا يعرف معناه، ولا يدري ما هو. ونعوذ بالله من سوء الاختيار.
عدل سابقا من قبل أحمد في الأحد فبراير 16, 2014 10:10 am عدل 1 مرات