http://www.afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=236
دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 1
دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 2
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، ووفقنا للتفقه في دينه ، ويسر لنا سبل التعلم ، ونجانا من العوائق والشواغل والصوارف ، نحمده تعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه
ونسأله القبول والتوفيق والسداد ، اللهم ألهمنا رشدنا ، وقنا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، واهدنا لما يرضيك عنا ويقربنا إليك
ونصلي ونسلم على نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد:
فهذه دورة مختصرة في أحكام الصيام ، عقدناها استجابة لاقتراح اقترح علينا ، ولنتهيأ للصيام بتذاكر مسائله وأحكامه ،
رجاء أن يجعلنا الله تعالى ممن يعبده على بصيرة كما يحب ويرضى .
وسيكون المقرر في هذه الدورة كتاب الصيام من الملخص الفقهي للشيخ : صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ، لسهولة عبارته وحسن اختصاره .
وسأحشي عليه - إن شاء الله - بما يفتح الله به وييسره من تلخيص لأقوال أهل العلم وتبيين لما يحتاج إلى شرح ، وإجابة على ما يرد من أسئلة
وأسأل الله تعالى أن يوفقني للصواب ، ويجنبني الزلل والخطل ، وأن يصلح نياتنا ويسدد أقوالنا وأعمالنا إنه كريم مجيب.
ونسأله القبول والتوفيق والسداد ، اللهم ألهمنا رشدنا ، وقنا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، واهدنا لما يرضيك عنا ويقربنا إليك
ونصلي ونسلم على نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد:
فهذه دورة مختصرة في أحكام الصيام ، عقدناها استجابة لاقتراح اقترح علينا ، ولنتهيأ للصيام بتذاكر مسائله وأحكامه ،
رجاء أن يجعلنا الله تعالى ممن يعبده على بصيرة كما يحب ويرضى .
وسيكون المقرر في هذه الدورة كتاب الصيام من الملخص الفقهي للشيخ : صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ، لسهولة عبارته وحسن اختصاره .
وسأحشي عليه - إن شاء الله - بما يفتح الله به وييسره من تلخيص لأقوال أهل العلم وتبيين لما يحتاج إلى شرح ، وإجابة على ما يرد من أسئلة
وأسأل الله تعالى أن يوفقني للصواب ، ويجنبني الزلل والخطل ، وأن يصلح نياتنا ويسدد أقوالنا وأعمالنا إنه كريم مجيب.
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 3
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
قال الشيخ : صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -
كتاب الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في وجوب الصيام ووقته
صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام , وفرض من فروض الله , معلوم من الدين بالضرورة .
ويدل عليه الكتاب والسنة والإجماع :
- قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...} إلى قوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..} الآية .
ومعنى " كتب " : فرض , وقال : {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} والأمر للوجوب .
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بني الإسلام على خمس" وذكر منها "صوم رمضان" . والأحاديث في الدلالة على فرضيته وفضله كثيرة مشهورة .
- وأجمع المسلمون على وجوب صومه , وأن من أنكره كفر .
كتاب الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في وجوب الصيام ووقته
صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام , وفرض من فروض الله , معلوم من الدين بالضرورة .
ويدل عليه الكتاب والسنة والإجماع :
- قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...} إلى قوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..} الآية .
ومعنى " كتب " : فرض , وقال : {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} والأمر للوجوب .
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بني الإسلام على خمس" وذكر منها "صوم رمضان" . والأحاديث في الدلالة على فرضيته وفضله كثيرة مشهورة .
- وأجمع المسلمون على وجوب صومه , وأن من أنكره كفر .
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 4
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
معنى الصيام وحكمه
تعريف الصيام:
الصيام لغـة: مصدر صام يصوم صوماً وصياماً، وأصله في اللغة يطلق على الإمساك والركود (السكون)
قال النابغة:
خـيـل صيــام وخـيـل غيــر صـائمة ... تـحت العجاج وخيك تعلك اللُّجُما
يعني بالصائمة الممسكة عن الصهيل، قاله ابن قدامة.
والصحيح أنه أعم من ذلك
قال أبو عبيد: (الصائم من الخيل: القائم الساكت الذي لا يَطْعَم شيئاً)
وقال مزرد الغطفاني يصف حصانه:
تقول إذا أبصرته وهو صائم ... خباء على نشز أو السيد ماثل
وقال الخليل: (الصوم القيام بلا عمل، والصوم الإمساك عن الطعام).
وقال ابن دريد: (كل شيء سكنت حركته فقد صام صوماً)
ومنه قولهم للريح إذا ركدت (صامت)
والصوم استواء الشمس في كبد السماء عند انتصاف النهار
قال ابن فارس: (كأنها ركدت عن تدويرها، وكذلك يقال صام النهار، قال امرئ القيس: إذا صام النهار وهجرا).
قلت: البيت من قصيدة طويلة لامرئ القيس قالها عند ذهابه إلى قيصر يستنجده على بني أسد، مطلعها:
سـما لك شـــوق بـعــد مـا كـان أقصـرا ... وحلَّت سليمى بطن قوٍّ فعرعرا
والبيت موضع الشاهد قوله:
فـدع ذا وســــل الـهـم عـنـك بـجسـرة ... ذمـول إذا صام النهار وهجرا
الجسرة: الناقة القوية الجسورة على السير، أي المتحملة له.
والذمول: السريعة.
قوله: إذا صام النار وهجرا، أي إذا انتصف النهار واشتد حر الهاجرة.
ومنه قوله تعالى: { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } أي إمساكاً عن الكلام دل عليه قوله: { فلن أكلم اليوم إنسياً } .
والخلاصة أن الصيام في اللغة يطلق على مطلق الإمساك، ويفسر المراد بنوع الإمساك سياق الكلام
فربما أريد به الإمساك عن الحركة
وربما أريد به الإمساك عن الكلام
وربما أريد به الإمساك عن الطعام والشراب.
فهذا معنى الصيام في اللغة
وفائدة بحث العلماء للمعاني اللغوية أن يدرك الطالب التناسب بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي، وهذا يفيد في معرفة الأركان والشروط والنواقض لبعض العبادات إذا المعنى الشرعي مخصص للمعنى اللغوي وبينهما تناسب وثيق.
وسنأتي بإذن الله على ذكر بعض المسائل التي استند فيها بعض العلماء إلى المعنى اللغوي لترجيح قول على قول.
وأما الصيام في الشرع فا المختار في تعريفه أنه : التعبد لله تعالى بالإمساك عن أشياء مخصوصة (المفطرات) في وقت مخصوص (النهار) من مكلف به (أخرج أهل الأعذار)، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تـعالى.
حكم الصيام: صيام رمضان فرض واجب بالكتاب والسنة والإجماع.
دلالة الكتاب: قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }.
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس وذكر منها: صيام رمضان)) أخرجاه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ولحديث طلحة بن عبيد رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يُفهم ما يقول... الحديث وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وصيام رمضان قال هل علي غيره قال: لا إلا أن تطوع)) رواه البخاري ومسلم والنسائي.
وحديث وفد عبد القيس وفيه: ((آمركم بالإيمان تدرون ما الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا البيت الحرام)) رواه البخاري ومسلم والبيهقي واللفظ له (7891) من حديث ابن عباس.
والأحاديث في الأمر بالصيام كثيرة معلومة.
وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب صيام رمضان، فمن جحد وجوبه فقد جحد معلوماً من الدين بالضرورة فيكفر بذلك.
منزلته من الدين: الصيام من شعائر الإسلام وأحد أركانه العظام، وفيه الأحاديث المتقدمة.
حكم تارك الصيام: من ترك الصيام جاحداً لوجوبه فهو كافر بإجماع العلماء لتكذيبه القرآن إلا من أسلم حديثاً أو كان جاهلاً معذورا ً فتقام عليه الحجة فإن نزع وإلا فهو كافر.
وأما من ترك الصيام المفروض وهو مقرٌ بوجوبه فأصح أقوال العلماء أنه لا يكفر وهو مع ذلك قد ارتكب ذنباً عظيماً فيه وعيد شديد (حديث أبي أمامة الباهلي).
معنى الصيام وحكمه
تعريف الصيام:
الصيام لغـة: مصدر صام يصوم صوماً وصياماً، وأصله في اللغة يطلق على الإمساك والركود (السكون)
قال النابغة:
خـيـل صيــام وخـيـل غيــر صـائمة ... تـحت العجاج وخيك تعلك اللُّجُما
يعني بالصائمة الممسكة عن الصهيل، قاله ابن قدامة.
والصحيح أنه أعم من ذلك
قال أبو عبيد: (الصائم من الخيل: القائم الساكت الذي لا يَطْعَم شيئاً)
وقال مزرد الغطفاني يصف حصانه:
تقول إذا أبصرته وهو صائم ... خباء على نشز أو السيد ماثل
وقال الخليل: (الصوم القيام بلا عمل، والصوم الإمساك عن الطعام).
وقال ابن دريد: (كل شيء سكنت حركته فقد صام صوماً)
ومنه قولهم للريح إذا ركدت (صامت)
والصوم استواء الشمس في كبد السماء عند انتصاف النهار
قال ابن فارس: (كأنها ركدت عن تدويرها، وكذلك يقال صام النهار، قال امرئ القيس: إذا صام النهار وهجرا).
قلت: البيت من قصيدة طويلة لامرئ القيس قالها عند ذهابه إلى قيصر يستنجده على بني أسد، مطلعها:
سـما لك شـــوق بـعــد مـا كـان أقصـرا ... وحلَّت سليمى بطن قوٍّ فعرعرا
والبيت موضع الشاهد قوله:
فـدع ذا وســــل الـهـم عـنـك بـجسـرة ... ذمـول إذا صام النهار وهجرا
الجسرة: الناقة القوية الجسورة على السير، أي المتحملة له.
والذمول: السريعة.
قوله: إذا صام النار وهجرا، أي إذا انتصف النهار واشتد حر الهاجرة.
ومنه قوله تعالى: { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } أي إمساكاً عن الكلام دل عليه قوله: { فلن أكلم اليوم إنسياً } .
والخلاصة أن الصيام في اللغة يطلق على مطلق الإمساك، ويفسر المراد بنوع الإمساك سياق الكلام
فربما أريد به الإمساك عن الحركة
وربما أريد به الإمساك عن الكلام
وربما أريد به الإمساك عن الطعام والشراب.
فهذا معنى الصيام في اللغة
وفائدة بحث العلماء للمعاني اللغوية أن يدرك الطالب التناسب بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي، وهذا يفيد في معرفة الأركان والشروط والنواقض لبعض العبادات إذا المعنى الشرعي مخصص للمعنى اللغوي وبينهما تناسب وثيق.
وسنأتي بإذن الله على ذكر بعض المسائل التي استند فيها بعض العلماء إلى المعنى اللغوي لترجيح قول على قول.
وأما الصيام في الشرع فا المختار في تعريفه أنه : التعبد لله تعالى بالإمساك عن أشياء مخصوصة (المفطرات) في وقت مخصوص (النهار) من مكلف به (أخرج أهل الأعذار)، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تـعالى.
حكم الصيام: صيام رمضان فرض واجب بالكتاب والسنة والإجماع.
دلالة الكتاب: قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }.
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس وذكر منها: صيام رمضان)) أخرجاه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ولحديث طلحة بن عبيد رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يُفهم ما يقول... الحديث وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وصيام رمضان قال هل علي غيره قال: لا إلا أن تطوع)) رواه البخاري ومسلم والنسائي.
وحديث وفد عبد القيس وفيه: ((آمركم بالإيمان تدرون ما الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا البيت الحرام)) رواه البخاري ومسلم والبيهقي واللفظ له (7891) من حديث ابن عباس.
والأحاديث في الأمر بالصيام كثيرة معلومة.
وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب صيام رمضان، فمن جحد وجوبه فقد جحد معلوماً من الدين بالضرورة فيكفر بذلك.
منزلته من الدين: الصيام من شعائر الإسلام وأحد أركانه العظام، وفيه الأحاديث المتقدمة.
حكم تارك الصيام: من ترك الصيام جاحداً لوجوبه فهو كافر بإجماع العلماء لتكذيبه القرآن إلا من أسلم حديثاً أو كان جاهلاً معذورا ً فتقام عليه الحجة فإن نزع وإلا فهو كافر.
وأما من ترك الصيام المفروض وهو مقرٌ بوجوبه فأصح أقوال العلماء أنه لا يكفر وهو مع ذلك قد ارتكب ذنباً عظيماً فيه وعيد شديد (حديث أبي أمامة الباهلي).
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 5
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
تاريخ فرض الصيام في الإسلام
فُرِض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات.
قال محمد بن إسحاق: قال ابن عباس: أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم.
قال الزهري: فرض الصيام بالمدينة قبل بدر، ذكره ابن عبد البر في التمهيد.
قال النووي: (صام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنين لانه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفى النبي صلي الله عليه وسلم في شهر ربيع الاول سنة احدى عشرة من الهجرة).
وقد حكي الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم صام تسع رمضانات، حكاه عدد من أهل العلم.
مبدأ فرض الصيام في الإسلام:
تدرج فرض الصيام في أول الإسلام وهذا ملخص لذلك
1: فأما قبل الهجرة فلم يفرض شيء من الصيام.
2: فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فرض صيام يوم عاشوراء
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه)) متفق عليه.
وفي الحديث دلالة على أن صيام عاشوراء كان واجباً قبل فرض صيام رمضان.
وكان في صيام عاشوراء أمور نسخت
منها أنه لم يكن قد شرع القضاء، فمن علم به وجب عليه الإمساك وإن كان قد أكل أول النهار.
3: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصومون ثلاثة أيام من كل شهر قبل فرض صيام رمضان، لما رواه البيهقي من طريق الأعمش ثنا عمرو بن مرة ثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى ثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: ((أحيل الصوم على ثلاثة أحوال:
قدم الناس المدينة ولا عهد لهم بالصيام فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل شهر رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم فكان من أطعم مسكيناً كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك ونسخه: { وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون } قال: فأمروا بالصيام)) أ.هـ.
وقد علق البخاري بعضه وسيأتي إن شاء الله قريباً.
وفي رواية عند الإمام أحمد وأبي داوود من طريق المسعودي عن عمرو بن مرة أن الصحابي الذي حدثه بذلك معاذ بن جبل ، وفي لفظه اختلاف ولكن المسعودي ضعيف.
4: ثم لما كانت السنة الثانية للهجرة نزل فرض الصيام بقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياماً معدوات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ومن تطوع خيراً فهو خيراً له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون }
إلا أن من أراد ترك الصيام فله أن يفتدي منه بالإطعام والصوم أفضل لدلالة الآية ولحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لما نزلت: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. كلهم من طريق بكير الأشج عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة.
5: ثم نسخ التخيير بين الصيام والإطعام بنزول قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر...) الآية.
كما دل عليه حديث سلمة بن الأكوع المتقدم ذكره.
وما رواه البخاري وغيره من حديث عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قرأ: { فدية طعام مساكين } قال: هي منسوخة.
قال البخاري: وقال ابن نمير: حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ((نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها: { وأن تصوموا خيرٌ لكم } فأمروا بالصوم))
قال الحافظ ابن حجر (4/222): وصله أبو نعيم في المستخرج والبيهقي من طريقه.
وكان في الصيام أمور نسخت وخفف الله عن المسلمين:
أ: من ذلك أن من أفطر ثم نام لم يحل له الأكل والنساء بعد ذلك ليلته تلك ولا يومه بعده حتى يمسي، لحديث أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت:لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قال: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزلت: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي والترمذي والدارمي والبيهقي.
وفي سنن أبي داوود والبيهقي من حديث علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) فكان الناس على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صَلوُا العَتَمَةَ؛ حَرُمَ عليهم الطعامُ والشرابُ والنساءُ، وصاموا إلى القابلة، فاخْتَانَ رجلٌ نَفْسَهُ، فجامع امرأته؛ وقد صلى لعشاء ولم يُفْطِرْ، فأراد الله أن يجعل ذلك يُسْراً لمن بقي، ورُخْصةً ومنفعةً، فقال سبحانه: (عِلَمَ الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) ، وكان هذا مما نفع الله به الناس، ورخص لهم ويسَّر.
قال الألباني: إسناده حسن صحيح.
ب: ومن ذلك أن إتيان النساء كان محرماً في ليالي رمضان لما روى البخاري من حديث أبي إسحاق السبيعي قال: سمعت البراء يقول لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم ) الآية البقرة.
والجمع بين حديث البراء وحديث ابن عباس بأحد أمرين:
الأول: أن قول ابن عباس: (إذا صلوا العتمة (أي: العشاء) حرم عليهم الطعام والشراب والنساء) أتى ذكر النساء تبعاً مع حرمته في جميع ليالي رمضان.
الأمر الثاني: أن ذلك وقع على التدرج.
والله تعالى أعلم.
فهذه لمحة موجزة عن تاريخ فرض الصيام في الإسلام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فُرِض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات.
قال محمد بن إسحاق: قال ابن عباس: أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم.
قال الزهري: فرض الصيام بالمدينة قبل بدر، ذكره ابن عبد البر في التمهيد.
قال النووي: (صام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنين لانه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفى النبي صلي الله عليه وسلم في شهر ربيع الاول سنة احدى عشرة من الهجرة).
وقد حكي الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم صام تسع رمضانات، حكاه عدد من أهل العلم.
مبدأ فرض الصيام في الإسلام:
تدرج فرض الصيام في أول الإسلام وهذا ملخص لذلك
1: فأما قبل الهجرة فلم يفرض شيء من الصيام.
2: فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فرض صيام يوم عاشوراء
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه)) متفق عليه.
وفي الحديث دلالة على أن صيام عاشوراء كان واجباً قبل فرض صيام رمضان.
وكان في صيام عاشوراء أمور نسخت
منها أنه لم يكن قد شرع القضاء، فمن علم به وجب عليه الإمساك وإن كان قد أكل أول النهار.
3: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصومون ثلاثة أيام من كل شهر قبل فرض صيام رمضان، لما رواه البيهقي من طريق الأعمش ثنا عمرو بن مرة ثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى ثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: ((أحيل الصوم على ثلاثة أحوال:
قدم الناس المدينة ولا عهد لهم بالصيام فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل شهر رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم فكان من أطعم مسكيناً كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك ونسخه: { وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون } قال: فأمروا بالصيام)) أ.هـ.
وقد علق البخاري بعضه وسيأتي إن شاء الله قريباً.
وفي رواية عند الإمام أحمد وأبي داوود من طريق المسعودي عن عمرو بن مرة أن الصحابي الذي حدثه بذلك معاذ بن جبل ، وفي لفظه اختلاف ولكن المسعودي ضعيف.
4: ثم لما كانت السنة الثانية للهجرة نزل فرض الصيام بقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياماً معدوات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ومن تطوع خيراً فهو خيراً له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون }
إلا أن من أراد ترك الصيام فله أن يفتدي منه بالإطعام والصوم أفضل لدلالة الآية ولحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لما نزلت: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. كلهم من طريق بكير الأشج عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة.
5: ثم نسخ التخيير بين الصيام والإطعام بنزول قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر...) الآية.
كما دل عليه حديث سلمة بن الأكوع المتقدم ذكره.
وما رواه البخاري وغيره من حديث عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قرأ: { فدية طعام مساكين } قال: هي منسوخة.
قال البخاري: وقال ابن نمير: حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ((نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها: { وأن تصوموا خيرٌ لكم } فأمروا بالصوم))
قال الحافظ ابن حجر (4/222): وصله أبو نعيم في المستخرج والبيهقي من طريقه.
وكان في الصيام أمور نسخت وخفف الله عن المسلمين:
أ: من ذلك أن من أفطر ثم نام لم يحل له الأكل والنساء بعد ذلك ليلته تلك ولا يومه بعده حتى يمسي، لحديث أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت:لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قال: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزلت: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي والترمذي والدارمي والبيهقي.
وفي سنن أبي داوود والبيهقي من حديث علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) فكان الناس على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صَلوُا العَتَمَةَ؛ حَرُمَ عليهم الطعامُ والشرابُ والنساءُ، وصاموا إلى القابلة، فاخْتَانَ رجلٌ نَفْسَهُ، فجامع امرأته؛ وقد صلى لعشاء ولم يُفْطِرْ، فأراد الله أن يجعل ذلك يُسْراً لمن بقي، ورُخْصةً ومنفعةً، فقال سبحانه: (عِلَمَ الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) ، وكان هذا مما نفع الله به الناس، ورخص لهم ويسَّر.
قال الألباني: إسناده حسن صحيح.
ب: ومن ذلك أن إتيان النساء كان محرماً في ليالي رمضان لما روى البخاري من حديث أبي إسحاق السبيعي قال: سمعت البراء يقول لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم ) الآية البقرة.
والجمع بين حديث البراء وحديث ابن عباس بأحد أمرين:
الأول: أن قول ابن عباس: (إذا صلوا العتمة (أي: العشاء) حرم عليهم الطعام والشراب والنساء) أتى ذكر النساء تبعاً مع حرمته في جميع ليالي رمضان.
الأمر الثاني: أن ذلك وقع على التدرج.
والله تعالى أعلم.
فهذه لمحة موجزة عن تاريخ فرض الصيام في الإسلام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 6
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
فضل شهر رمضان
أشرف ما ورد في فضل شهر رمضان قول الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان...)
وقد روي في فضل شهر رمضان وفضل صيامه وقيامه أحاديث كثيرة منها:
- ما في الصحيحين من حديث نافع بن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين).
أبو أنس هو: مالك بن أبي عامر الأصبحي عم الإمام مالك بن أنس.
- ومنها: حديث عمر بن إسحاق مولى زائدة عن أبيه عن أبي هريرة رَضِيّ اللهُ عَنْه: أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم قال: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي.
قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: (وقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم والأئمة على أن من الذنوب كبائر وصغائر، قال الله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)، وقال تعالى: (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم)، وفى الصحيح عنه أنه قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلي رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)
وهذه الأعمال المكفَّرة لها ثلاث درجات:
إحداها: أن تَقْصُرَ عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها والقيام بحقوقها بمنزلة الدواء للضعيف الذى ينقص عن مقاومة الداء كمية وكيفية.
الثانية: أن تقاوم الصغائر ولا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر.
الثالثة : أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر فتأمل هذا فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة).
قلت: ويدل على تفاضل الناس في العمل الواحد قول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الجهنية: (قال لقد تابت توبة ً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم) . رواه مسلم من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنهما.
وقال في شأن الغامدية: (مهلاً يا خالد فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت) رواه مسلم من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
- ومنها: حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي منادٍ يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)) رواه الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
- ومنها: حديث أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي هريرة رَضِيّ الله عَنْه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم: ((أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم فيها فقد حرم)). رواه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة وعبد الرزاق والنسائي والبيهقي وغيرهم من طرق عن أيوب به.
- ومنها: حديث عمران القطان عن قتادة عن أنس بن مالك قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم). رواه ابن ماجه والبزار
قال البوصيري: (هذا إسناد فيه مقال عمران بن أبي داود القطان مختلف فيه مشاه أحمد ووثقه عفان والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات وضعفه ابن ماجة والنسائي وابن معين وابن عدي ومحمد بن بلال).
والحديث صححه الألباني في تمام المنة وصحيح سنن ابن ماجه.
- ومنها: حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم: ((إن لله عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة)) رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
وقد رواه الإمام أحمد والبيهقي والطبراني من حديث الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعاً
والحسين بن واقد الرازي ثقة له أوهام أثنى عليه ابن المبارك وأنكر الإمام أحمد بعض زياداته حتى قال: في أحاديثه زيادة ما أدري أيش هي ونفض يده.
وأبو غالب مختلف فيه ، قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات
وهذا الحديث قد وافق فيه الثقات، ولذلك قال الألباني: إسناد لا بأس به.
أشرف ما ورد في فضل شهر رمضان قول الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان...)
وقد روي في فضل شهر رمضان وفضل صيامه وقيامه أحاديث كثيرة منها:
- ما في الصحيحين من حديث نافع بن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين).
أبو أنس هو: مالك بن أبي عامر الأصبحي عم الإمام مالك بن أنس.
- ومنها: حديث عمر بن إسحاق مولى زائدة عن أبيه عن أبي هريرة رَضِيّ اللهُ عَنْه: أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم قال: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي.
قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: (وقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم والأئمة على أن من الذنوب كبائر وصغائر، قال الله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)، وقال تعالى: (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم)، وفى الصحيح عنه أنه قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلي رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)
وهذه الأعمال المكفَّرة لها ثلاث درجات:
إحداها: أن تَقْصُرَ عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها والقيام بحقوقها بمنزلة الدواء للضعيف الذى ينقص عن مقاومة الداء كمية وكيفية.
الثانية: أن تقاوم الصغائر ولا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر.
الثالثة : أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر فتأمل هذا فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة).
قلت: ويدل على تفاضل الناس في العمل الواحد قول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الجهنية: (قال لقد تابت توبة ً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم) . رواه مسلم من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنهما.
وقال في شأن الغامدية: (مهلاً يا خالد فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت) رواه مسلم من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
- ومنها: حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي منادٍ يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)) رواه الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
- ومنها: حديث أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي هريرة رَضِيّ الله عَنْه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم: ((أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم فيها فقد حرم)). رواه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة وعبد الرزاق والنسائي والبيهقي وغيرهم من طرق عن أيوب به.
- ومنها: حديث عمران القطان عن قتادة عن أنس بن مالك قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم). رواه ابن ماجه والبزار
قال البوصيري: (هذا إسناد فيه مقال عمران بن أبي داود القطان مختلف فيه مشاه أحمد ووثقه عفان والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات وضعفه ابن ماجة والنسائي وابن معين وابن عدي ومحمد بن بلال).
والحديث صححه الألباني في تمام المنة وصحيح سنن ابن ماجه.
- ومنها: حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم: ((إن لله عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة)) رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
وقد رواه الإمام أحمد والبيهقي والطبراني من حديث الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعاً
والحسين بن واقد الرازي ثقة له أوهام أثنى عليه ابن المبارك وأنكر الإمام أحمد بعض زياداته حتى قال: في أحاديثه زيادة ما أدري أيش هي ونفض يده.
وأبو غالب مختلف فيه ، قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات
وهذا الحديث قد وافق فيه الثقات، ولذلك قال الألباني: إسناد لا بأس به.
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 7
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
فضل صيام رمضان
ورد في فضل صيام شهر رمضان أحاديث:
منها: حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رَضِيّ اللهُ عَنْه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) رواه البخاري ومسلم.
ومنها: عطاء عن أبي صالح الزيات عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم قال: قال الله عز وجل: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزئ به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم (مرتين) والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسلك وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه)) رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي.
وفي رواية أخرى للبخاري من طريق الإمام مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رَضِيّ اللهُ عَنْه أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم قال: ((الصيام جنة (فإذا كان أحدكم صائماً) فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم – مرتين – والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها)) وما بين القوسين زيادة في الموطأ.
وللحديث ألفاظ أخرى مقاربة.
خُلوف: بضم الخاء: أي تغير رائحة الفم من الصيام.
قوله: (الصيام جنة) :
- زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد: (جنة من النار).
- وللنسائي من حديث عثمان بن أبي العاص: ((الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال)).
- ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة رَضِيّ اللهُ عَنْه: ((جنة وحصن حصين من النار)).
- وله من حديث أبي عبيدة بن الجراح: ((الصيام جنة ما لم يخرقها)) زاد الدارمي بالغيبة.
قال الحافظ في الفتح (4/125) ثم قال: (وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار) وبهذا جزم ابن عبد البر وأما صاحب النهاية فقال: (معنى كونه جنة: أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات) أ.هـ.
قلت: ومعنى كونه جنة من النار يتضمن معنى كونه جنة من أسبابها وهي الشهوات المفضية إلى المعاصي التي هي سبب دخول النار.
واختلف في معنى كون خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك: فمن أهل العلم من سلك مسلك التأويل فقالوا: إن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع إلى شيء فتستطيبه وتنفر من شيء فتستقذره والله تعالى متقدس عن ذلك لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك في الصوم لتقريبه من الله تعالى، هذا قول المازري.
ثم اختلفوا في تأويلهم على أقوال:
أولها: أن المعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم وإلى ذلك أشار ابن عبد البر.
والثاني: ذكره القاضي عياض عن بعضهم: أن المعنى يجازيه الله تعالى في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما أن دم الشهد يكون ريحه ريح المسك.
القول الثالث: يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك.
القول الرابع: أن ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك.
القول الخامس: المعنى أن الخلوف أكثر ثواباً من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر.
وهذه الأقوال ذكرها الحافظ في الفتح (4/128)وقبله النووي في شرح مسلم (8/261). وكلها سوى القول الثاني باطلة فإنها تأويل وتحريف للكلم عن مواضعه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الوابل الصيب (52): في هذا الحديث: (تأويلهم إياه بالثناء على الصائم والرضى بفعله على عادة كثير منهم بالتأويل من غير ضرورة حتى كأنه قد بورك فيه فهو موكل به، وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله والرضى بفعله وإخراج اللفظ عن حقيقته؟!
وكثير من هؤلاء ينشئء للَّفظ معنى، ثم يدّعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له.
ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم بأن مراده من كلامه كيت وكيت فإن لم يكن ذلك معلوماً بوضع اللفظ لذلك المعنى أو عرف الشارع صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به وإلا كانت شهادة باطلة وأدنى أحوالها أن تكون شهادة بلا علم).
ومن المعلوم أن أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك ( ) فمثل النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا وأعظم ونسبة استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوقين من ذلك كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه، وصفاته لا تشبه صفاتهم وأفعاله لا تشبه أفعالهم وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه والعمل الصالم فيرفعه وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا.
ثم إن تأويله لا يرفع الإشكال إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله في الرضى.
فإن قال: رضى ليس كرضى المخلوقين.
فقولوا: استطابة ليست كاستطابة المخلوقين.
وعلى هذا جميع ما يجيء من هذا الباب أ.هـ كلامه رحمه الله تعالى.
هذا وقد اختلف الشيخان الجليلان أبو محمد العز بن عبد السلام وأبو عمرو بن الصلاح في هذه الاستطابة أهي في الدنيا أم في الآخرة؟
فقال أبو محمد: إنها في الآخرة خاصة وصنف في هذه المسألة كتاباً.
وذهب الشيخ أبو عمرو إلى أنها في الدنيا والآخرة وصنف في ذلك كتاباً رد فيه على أبي محمد.
واحتج أبو محمد برواية: ((لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك)) رواه ابن حبان من طريق ابن جريج عن عطاء عن أبي صالح الزيات عن أبي هريرة، واحتج أبو عمرو برواية: ((لخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام أطيب عند الله تعالى من ريح المسك)) رواه ابن حبان من طريق شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي هريرة.
قال أبو عمرو: (وأما ذكر يوم القيامة في الحديث فلأنه يوم الجزاء وفيه يظهر رجحان المخلوف في الميزان على المسك المستعمل بدفع الرائحة الكريهة طلباً لرضى الله تعالى حيث يؤمر باجتنابها واجتلاب الرائحة الطيبة كما في المساجد والصلوات وغيرها من العبادات فخص يوم القيامة بالذكر في بعض الروايات كما خص في قوله تعالى: { إن ربهم بهم يومئذ لخبير} وأطلق في باقيها نظراً إلى أن أصل أفضليته ثابت في الدارين) أ.هـ.
قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى، ولله در من لقبه بشمس الدين: وفصل النزاع في المسألة أن يقال: حيث أخبر النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم بأن ذلك الطيب يكون يوم القيامة، فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال وموجباتها من الخير والشر فيظهر للخلق طيب ذلك الخلوف على المسك، كما يظهر فيه رائحة الدم المكلوم في سبيله كرائحة المسك وكما تظهر فيه السرائر وتبدو على الوجوه وتصير علانية ويظهر فيه قبح رائحة دم الكفار وسواد وجوههم.
وحيث أخبر بأن ذلك حين يخلف وحين يمسون فلأنه الوقت ظهور العبادة ن ويكون حينئذ طيبها زائداً على ريح المسك عند الله تعالى وعند ملائكته، وإن كانت تلك الرائحة كريهة للعباد، فرب مكروه عند الناس، محبوب عند الله تعالى وبالعكس، فإن الناس يكرهونه لمنافرته طباعهم، والله تعالى يستطيبه ويحبه لموافقته أمره ورضاه ومحبته فيكون عنده أطيب من ريح المسك عندنا.
فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد وصار علانية، وهكذا سائر آثار الأعمال من الخير والشر.
وإنما يكمل ظهورها ويصير علانية في الآخرة، وقد يقوى العمل ويتزايد، حتى يستلزم ظهور بعض أثره على العبد في الدنيا في الخير والشر كما هو مشاهد بالبصر والبصيرة.
قال ابن عباس: (إن للحسنة ضياءً في الوجه، نوراً في القلب وقوة في البدن، وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق).
وقال عثمان بن عفان رَضِيّ اللهُ عَنْه: (ما عمل رجلاً عملاً إلا ألبسه الله تعالى رداءه إن خيراً فخيراً وأن شراً فشراً).
وهذا أمر معلوم يشترك فيه وفي العلم به أصحاب البصائر وغيرهم حتى إن الرجل الطيب البّر لتُشم منه رائحة الطيب وإن لم يمس طيباً فيظهر طيب رائحة روحه على بدنه وثيابه، والفاجر بالعكس.
والمزكوم الذي أصابه ملأَ مسامَّ قلبه لا يشم لا هذا ولا هذا بل زكامه يحمله على الإنكار.
فهذا فصل الخطاب في هذه المسألة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب أ.هـ. الوابل الصيب (55-56).
والأحاديث في فضائل شهر رمضان وفضل صيامه وقيامه كثيرة ضمنها كثير من أهل العلم أبواباً في مصنفاتهم.
وقد أفرد الحافظ ابن أبي الدنيا جزءاً في فضائل رمضان أورد فيه ثلاثة وستين حديثاً وهو مطبوع.
لكن مما ينبغي التنبيه عليه ما اشتهر ولم يصح من الأحاديث في فضائل شهر رمضان أو فضل الصيام
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا حسن الفقه في كتبك وسنة نبيك ، واجعلنا من أهل العلم والإيمان ربنا إنك سميع مجيب.
ورد في فضل صيام شهر رمضان أحاديث:
منها: حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رَضِيّ اللهُ عَنْه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) رواه البخاري ومسلم.
ومنها: عطاء عن أبي صالح الزيات عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم قال: قال الله عز وجل: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزئ به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم (مرتين) والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسلك وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه)) رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي.
وفي رواية أخرى للبخاري من طريق الإمام مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رَضِيّ اللهُ عَنْه أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم قال: ((الصيام جنة (فإذا كان أحدكم صائماً) فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم – مرتين – والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها)) وما بين القوسين زيادة في الموطأ.
وللحديث ألفاظ أخرى مقاربة.
خُلوف: بضم الخاء: أي تغير رائحة الفم من الصيام.
قوله: (الصيام جنة) :
- زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد: (جنة من النار).
- وللنسائي من حديث عثمان بن أبي العاص: ((الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال)).
- ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة رَضِيّ اللهُ عَنْه: ((جنة وحصن حصين من النار)).
- وله من حديث أبي عبيدة بن الجراح: ((الصيام جنة ما لم يخرقها)) زاد الدارمي بالغيبة.
قال الحافظ في الفتح (4/125) ثم قال: (وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار) وبهذا جزم ابن عبد البر وأما صاحب النهاية فقال: (معنى كونه جنة: أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات) أ.هـ.
قلت: ومعنى كونه جنة من النار يتضمن معنى كونه جنة من أسبابها وهي الشهوات المفضية إلى المعاصي التي هي سبب دخول النار.
واختلف في معنى كون خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك: فمن أهل العلم من سلك مسلك التأويل فقالوا: إن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع إلى شيء فتستطيبه وتنفر من شيء فتستقذره والله تعالى متقدس عن ذلك لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك في الصوم لتقريبه من الله تعالى، هذا قول المازري.
ثم اختلفوا في تأويلهم على أقوال:
أولها: أن المعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم وإلى ذلك أشار ابن عبد البر.
والثاني: ذكره القاضي عياض عن بعضهم: أن المعنى يجازيه الله تعالى في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما أن دم الشهد يكون ريحه ريح المسك.
القول الثالث: يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك.
القول الرابع: أن ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك.
القول الخامس: المعنى أن الخلوف أكثر ثواباً من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر.
وهذه الأقوال ذكرها الحافظ في الفتح (4/128)وقبله النووي في شرح مسلم (8/261). وكلها سوى القول الثاني باطلة فإنها تأويل وتحريف للكلم عن مواضعه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الوابل الصيب (52): في هذا الحديث: (تأويلهم إياه بالثناء على الصائم والرضى بفعله على عادة كثير منهم بالتأويل من غير ضرورة حتى كأنه قد بورك فيه فهو موكل به، وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله والرضى بفعله وإخراج اللفظ عن حقيقته؟!
وكثير من هؤلاء ينشئء للَّفظ معنى، ثم يدّعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له.
ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم بأن مراده من كلامه كيت وكيت فإن لم يكن ذلك معلوماً بوضع اللفظ لذلك المعنى أو عرف الشارع صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به وإلا كانت شهادة باطلة وأدنى أحوالها أن تكون شهادة بلا علم).
ومن المعلوم أن أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك ( ) فمثل النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا وأعظم ونسبة استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوقين من ذلك كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه، وصفاته لا تشبه صفاتهم وأفعاله لا تشبه أفعالهم وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه والعمل الصالم فيرفعه وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا.
ثم إن تأويله لا يرفع الإشكال إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله في الرضى.
فإن قال: رضى ليس كرضى المخلوقين.
فقولوا: استطابة ليست كاستطابة المخلوقين.
وعلى هذا جميع ما يجيء من هذا الباب أ.هـ كلامه رحمه الله تعالى.
هذا وقد اختلف الشيخان الجليلان أبو محمد العز بن عبد السلام وأبو عمرو بن الصلاح في هذه الاستطابة أهي في الدنيا أم في الآخرة؟
فقال أبو محمد: إنها في الآخرة خاصة وصنف في هذه المسألة كتاباً.
وذهب الشيخ أبو عمرو إلى أنها في الدنيا والآخرة وصنف في ذلك كتاباً رد فيه على أبي محمد.
واحتج أبو محمد برواية: ((لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك)) رواه ابن حبان من طريق ابن جريج عن عطاء عن أبي صالح الزيات عن أبي هريرة، واحتج أبو عمرو برواية: ((لخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام أطيب عند الله تعالى من ريح المسك)) رواه ابن حبان من طريق شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي هريرة.
قال أبو عمرو: (وأما ذكر يوم القيامة في الحديث فلأنه يوم الجزاء وفيه يظهر رجحان المخلوف في الميزان على المسك المستعمل بدفع الرائحة الكريهة طلباً لرضى الله تعالى حيث يؤمر باجتنابها واجتلاب الرائحة الطيبة كما في المساجد والصلوات وغيرها من العبادات فخص يوم القيامة بالذكر في بعض الروايات كما خص في قوله تعالى: { إن ربهم بهم يومئذ لخبير} وأطلق في باقيها نظراً إلى أن أصل أفضليته ثابت في الدارين) أ.هـ.
قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى، ولله در من لقبه بشمس الدين: وفصل النزاع في المسألة أن يقال: حيث أخبر النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم بأن ذلك الطيب يكون يوم القيامة، فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال وموجباتها من الخير والشر فيظهر للخلق طيب ذلك الخلوف على المسك، كما يظهر فيه رائحة الدم المكلوم في سبيله كرائحة المسك وكما تظهر فيه السرائر وتبدو على الوجوه وتصير علانية ويظهر فيه قبح رائحة دم الكفار وسواد وجوههم.
وحيث أخبر بأن ذلك حين يخلف وحين يمسون فلأنه الوقت ظهور العبادة ن ويكون حينئذ طيبها زائداً على ريح المسك عند الله تعالى وعند ملائكته، وإن كانت تلك الرائحة كريهة للعباد، فرب مكروه عند الناس، محبوب عند الله تعالى وبالعكس، فإن الناس يكرهونه لمنافرته طباعهم، والله تعالى يستطيبه ويحبه لموافقته أمره ورضاه ومحبته فيكون عنده أطيب من ريح المسك عندنا.
فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد وصار علانية، وهكذا سائر آثار الأعمال من الخير والشر.
وإنما يكمل ظهورها ويصير علانية في الآخرة، وقد يقوى العمل ويتزايد، حتى يستلزم ظهور بعض أثره على العبد في الدنيا في الخير والشر كما هو مشاهد بالبصر والبصيرة.
قال ابن عباس: (إن للحسنة ضياءً في الوجه، نوراً في القلب وقوة في البدن، وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق).
وقال عثمان بن عفان رَضِيّ اللهُ عَنْه: (ما عمل رجلاً عملاً إلا ألبسه الله تعالى رداءه إن خيراً فخيراً وأن شراً فشراً).
وهذا أمر معلوم يشترك فيه وفي العلم به أصحاب البصائر وغيرهم حتى إن الرجل الطيب البّر لتُشم منه رائحة الطيب وإن لم يمس طيباً فيظهر طيب رائحة روحه على بدنه وثيابه، والفاجر بالعكس.
والمزكوم الذي أصابه ملأَ مسامَّ قلبه لا يشم لا هذا ولا هذا بل زكامه يحمله على الإنكار.
فهذا فصل الخطاب في هذه المسألة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب أ.هـ. الوابل الصيب (55-56).
والأحاديث في فضائل شهر رمضان وفضل صيامه وقيامه كثيرة ضمنها كثير من أهل العلم أبواباً في مصنفاتهم.
وقد أفرد الحافظ ابن أبي الدنيا جزءاً في فضائل رمضان أورد فيه ثلاثة وستين حديثاً وهو مطبوع.
لكن مما ينبغي التنبيه عليه ما اشتهر ولم يصح من الأحاديث في فضائل شهر رمضان أو فضل الصيام
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا حسن الفقه في كتبك وسنة نبيك ، واجعلنا من أهل العلم والإيمان ربنا إنك سميع مجيب.
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 8
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
قال الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - :
والحكمة في شرعية الصيام أن فيه تزكية للنفس وتطهيرا وتنقية لها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة ; لأنه يضيق مجاري الشيطان في بدن الإنسان ; لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم , فإذا أكل أو شرب , انبسطت نفسه للشهوات , وضعفت إرادتها , وقلت رغبتها في العبادات , والصوم على العكس من ذلك .
وفي الصوم تزهيد في الدنيا وشهواتها , وترغيب في الآخرة , وفيه باعث على العطف على المساكين وإحساس بآلامهم , لما يذوقه الصائم من ألم الجوع والعطش , لأن الصوم في الشرع هو الإمساك بنية عن أشياء مخصوصة من أكل وشرب وجماع وغير ذلك مما ورد به الشرع , ويتبع ذلك الإمساك عن الرفث والفسوق .
والحكمة في شرعية الصيام أن فيه تزكية للنفس وتطهيرا وتنقية لها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة ; لأنه يضيق مجاري الشيطان في بدن الإنسان ; لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم , فإذا أكل أو شرب , انبسطت نفسه للشهوات , وضعفت إرادتها , وقلت رغبتها في العبادات , والصوم على العكس من ذلك .
وفي الصوم تزهيد في الدنيا وشهواتها , وترغيب في الآخرة , وفيه باعث على العطف على المساكين وإحساس بآلامهم , لما يذوقه الصائم من ألم الجوع والعطش , لأن الصوم في الشرع هو الإمساك بنية عن أشياء مخصوصة من أكل وشرب وجماع وغير ذلك مما ورد به الشرع , ويتبع ذلك الإمساك عن الرفث والفسوق .
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 9
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
الشرح:
ذكر الشيخ – حفظه الله – أنواعاً من الحكم من مشروعية الصيام منها حكم دينية شرعية، ومنها مصالح تعود على المسلم في صحته وخلقه وحياته الاجتماعية.
ورأس هذه الحكم وأصلها ولبها ما نص الله تعالى عليه في كتابه الكريم بقوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ).
فالصيام معين على تحصيل التقوى لما يذكر به من دوام مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، والامتناع عن المفطرات إيماناً واحتساباً ، رهبة ورغبة، وتقرباً إلى الله تعالى، ولتعويده النفس على الكف عن بعض ملذاتها، وكبح جماحها، وتذكر أهل الجوع والفاقة.
وكل تلك من الأمور المعينة على تحصيل التقوى وتعويد النفس عليها.
ثم من جرب ترك الطعام والشراب لأجل الله تعالى هان عليه ما دون ذلك مما تهواه النفس وتطلبه
ثم من ذاق فرحة الفطر وتناول ما حرم عليه بسبب الصوم تذكر أن عاقبة الصبر حميدة وأن تركه لما تهواه نفسه مما حرمه الله عليه خير له عند ربه وأنه سيأتي عليه يوم يعوضه الله في كل ما تركه من أجله خيراً، لا يضيع عند الله شيء من ذلك،
بل يوفيه أجره على صبره بغير حساب.
فالصوم مدرسة وتربية وتحفيز على تحصيل التقوى وتكميلها
نسأل الله تعالى من فضله.
قال البغوي – رحمه الله- : ( { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } يعني بالصوم لأن الصوم وصلة إلى التقوى لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات).
وقال ابن الجوزي – رحمه الله –في زاد المسير : (قوله تعالى : { لعلكم تتقون } لأن الصيام وصلة إلى التقى ، إذ هو يكف النفس عن كثير مما تتطلع إليه من المعاصي).
وقال الألوسي في تفسيره: ( { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي كي تحذروا المعاصي فإن الصوم يعقم الشهوة التي هي أمها أو يكسرها).
فهذه الآية أصل في بيان الحكمة من مشروعية الصيام
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصومُ جنة) المتقدم ذكره في الدرس السابق تبيان له وتفسير
قال ابن العربي: (إنما كان الصوم جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات؛ فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النار في الآخرة).
وهذا الشرح من باب التقريب، وإلا فالمعنى أعم من ذلك، فإن الصوم وقاية للصائم كما يتقي المحارب بالترس من ضرب السهام لئلا تقتله أو تجرحه
والمحارب شديد الحرص على سلامة ترسه من الخروق والضعف لعلمه بأنه متى خرق ترسه لم يأمن أن يأتيه من خلال الخروق سهم قاتل
والمرء في هذه الحياة في حرب مع شيطانه وهوى نفسه
فالحديث حث للصائم على المحافظة على سلامة صيامه فإنه وقاية له من سهام الشهوات والمعاصي ما لم يخرق هذه الوقاية
وهذا المعنى جاء مصرحاً به كما في سنن النسائي من حديث مطرف بن عبد الله قال: دخلت على عثمان بن أبي العاص فدعا لي بلبن فقلت: إني صائم
قال عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصوم جنة من النار كجنة أحدكم من القتال).
ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم الصائم على المحافظة على تكميل صومه واجتناب ما يحول دون تحصيل التقوى التي هي حقيقة مقصود الصوم
كما في صحيح البخاري وسنن النسائي من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل في الصوم فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم).
فالفقيه حقاً من عرف مقاصد العبادات وأداها كما أراد الله تعالى متبعاً هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم رحمه الله – في زاد المعاد في هدي خير العباد: (فصل: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصيام
لما كان المقصودُ مِن الصيام حبسَ النفسِ عن الشهواتِ، وفِطامَها عن المألوفات، وتعديلَ قوتها الشهوانية، لتستعِدَّ لطلب ما فيه غايةُ سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتُها الأبدية، ويكسِر الجوعُ والظمأ مِن حِدَّتِها وسَوْرتِها، ويُذكِّرها بحال الأكبادِ الجائعةِ من المساكين، وتضيق مجارى الشيطانِ من العبد بتضييق مجارى الطعام والشراب، وتُحبس قُوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرُّها فى معاشها ومعادها، ويُسكِّنُ كُلَّ عضوٍ منها وكُلَّ قوةٍ عن جماحه، وتُلجَمُ بلجامه، فهو لجامُ المتقين، وجُنَّةُ المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرَّبين، وهو لربِّ العالمين مِن بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعلُ شيئاً، وإنما يتركُ شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده، فهو تركُ محبوبات النفس وتلذُّذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته، وهو سِرٌّ بين العبد وربه لا يَطَّلِعُ عليهِ سواه، والعبادُ قد يَطَّلِعُونَ منه على تركِ المفطرات الظاهرة، وأما كونُه تركَ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل معبوده، فهو أمرٌ لا يَطَّلِعُ عليه بَشرٌ، وذلك حقيقةُ الصوم.
وللصوم تأثيرٌ عجيب فى حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحِميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التى إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصومُ يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويُعيد إليها ما استلبته منها أيدى الشهوات، فهو من أكبر العونِ على التقوى كما قال تعالى: {يأَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وقال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّوْمُ جُنَّة". وأمَرَ مَنِ اشتدَّتْ عليه شَهوةُ النكاح، ولا قُدرة لَه عليه بالصِّيام، وجعله وجَاءَ هذه الشهوة.
والمقصود: أن مصالحَ الصومِ لمَّا كانت مشهودةً بالعقول السليمةِ، والفِطَرِ المستقيمة، شرعه اللهُ لعباده رحمة بهم، وإحساناً إليهم، وحِميةً لهم وجُنَّةً.
وكان هَدْى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه أكَملَ الهَدْى، وأعظمَ تحصيل للمقصود، وأسهلَه على النفوس.
ولما كان فَطْمُ النفوسِ عن مألوفاتِها وشهواتِها مِن أشق الأمور وأصعبها، تأخَّر فرضُه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطَّنَتِ النفوسُ على التوحيد والصلاة، وأَلِفَت أوامِرَ القرآنِ، فَنُقِلَت إليه بالتدريج).
وقال في زاد المعاد أيضاً: (الصوم جُنَّةٌ من أدواء الروح والقلب والبدن، منافِعُه تفوت الإحصاء، وله تأثيرٌ عجيب فى حفظ الصحة، وإذابةِ الفضلاتِ، وحبْسِ النفسِ عن تناول مؤذياتها، ولا سِيَّما إذا كان باعتدالٍ وقصدٍ فى أفضلِ أوقاته شرعاً، وحاجَةُ البدنِ إليه طبعاً.
ثم إنَّ فيه من إراحة القُوَى والأعضاء ما يحفظُ عليها قُواها، وفيه خاصيةٌ تقتضى إيثارَه، وهى تفريحُه للقلب عاجلاً وآجلاً، وهو أنفعُ
شىءٍ لأصحاب الأمزجة البارِدةِ والرطبة، وله تأثيرٌ عظيم فى حفظ صحتهم.
وهو يدخلُ فى الأدوية الروحانية والطبيعية، وإذا راعى الصائمُ فيه ما ينبغى مراعاتُه طبعاً وشرعاً، عظُمَ انتفاعُ قلبه وبدنه به، وحبس عنه الموادَّ الغريبةَ الفاسدةَ التى هو مستعدٌ لها، وأزال الموادَّ الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه، ويحفظ الصائمَ مما ينبغى أن يُتحفَّظَ منه، ويُعينه على قيامه بمقصود الصوم وسرّه وعلته الغائية، فإن القصدَ منه أمر آخر وراءَ تركِ الطعام والشراب، وباعتبار ذلك الأمر اختُصَّ من بين الأعمال بأنه لله سبحانه، ولمَّا كان وقايةً وجُنَّةً بين العبد وبين ما يؤذى قلبه وبدنه عاجلاً وآجلاً، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 188]. فأحدُ مقصودَى الصيام الجُنَّةُ والوِقاية، وهى حِمية عظيمةُ النفع، والمقصودُ الآخر: اجتماعُ القلب والهم على الله تعالى، وتوفيرُ قُوَى النفس على محابِّه وطاعته).
وقال في مفتاح دار السعادة: (وأما الصوم فناهيك به من عبادة تكف النفس عن شهواتها وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين فإن النفس إذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم فإذا كفت شهواتها لله ضيقت مجاري الشيطان وصارت قريبة من الله بترك عادتها وشهواتها محبة له وإيثارا لمرضاته وتقربا إليه فيدع الصائم أحب الأشياء إليه وأعظمها لصوقا بنفسه من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه فهو عبادة ولا تتصور حقيقتها إلا بترك الشهوة لله فالصائم يندع طعامه وشرابه وشهواته من أجل ربه وهذا معنى كون الصوم له تبارك وتعالى وبهذا فسر النبي صلى الله عليه و سلم هذه الإضافة في الحديث فقال يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها قال الله إلا الصوم فأنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلى حتى أن الصائم ليتصور بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا في تحصيل رضى الله وأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة وتقمع النفس وتحي القلب وتفرحه وتزهد في الدنيا وشهواتها وترغب فيما عند الله وتذكر الأغنياء بشأن المساكين وأحوالهم وأنهم قد أخذوا بنصيب من عيشهم فتعطف قلوبهم عليهم ويعلمون ما هم فيه من نعم الله فيزدادوا له شكرا وبالجملة فعون الصوم على تقوى الله أمر مشهور فما استعان أحد على تقوى الله وحفظ حدوده
واجتناب محارمه بمثل الصوم فهو شاهد لمن شرعه وأمر به بأنه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأنه إنما شرعه إحسانا إلى عباده ورحمة بهم ولطفا بهم لا بخلا عليهم برزقه ولا مجرد تكليف وتعذيب خال من الحكمة والمصلحة بل هو غاية الحكمة والرحمة والمصلحة وإن شرع هذه العبادات لهم من تمام نعمته عليهم ورحمته بهم).
والله تعالى أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ذكر الشيخ – حفظه الله – أنواعاً من الحكم من مشروعية الصيام منها حكم دينية شرعية، ومنها مصالح تعود على المسلم في صحته وخلقه وحياته الاجتماعية.
ورأس هذه الحكم وأصلها ولبها ما نص الله تعالى عليه في كتابه الكريم بقوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ).
فالصيام معين على تحصيل التقوى لما يذكر به من دوام مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، والامتناع عن المفطرات إيماناً واحتساباً ، رهبة ورغبة، وتقرباً إلى الله تعالى، ولتعويده النفس على الكف عن بعض ملذاتها، وكبح جماحها، وتذكر أهل الجوع والفاقة.
وكل تلك من الأمور المعينة على تحصيل التقوى وتعويد النفس عليها.
ثم من جرب ترك الطعام والشراب لأجل الله تعالى هان عليه ما دون ذلك مما تهواه النفس وتطلبه
ثم من ذاق فرحة الفطر وتناول ما حرم عليه بسبب الصوم تذكر أن عاقبة الصبر حميدة وأن تركه لما تهواه نفسه مما حرمه الله عليه خير له عند ربه وأنه سيأتي عليه يوم يعوضه الله في كل ما تركه من أجله خيراً، لا يضيع عند الله شيء من ذلك،
بل يوفيه أجره على صبره بغير حساب.
فالصوم مدرسة وتربية وتحفيز على تحصيل التقوى وتكميلها
نسأل الله تعالى من فضله.
قال البغوي – رحمه الله- : ( { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } يعني بالصوم لأن الصوم وصلة إلى التقوى لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات).
وقال ابن الجوزي – رحمه الله –في زاد المسير : (قوله تعالى : { لعلكم تتقون } لأن الصيام وصلة إلى التقى ، إذ هو يكف النفس عن كثير مما تتطلع إليه من المعاصي).
وقال الألوسي في تفسيره: ( { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي كي تحذروا المعاصي فإن الصوم يعقم الشهوة التي هي أمها أو يكسرها).
فهذه الآية أصل في بيان الحكمة من مشروعية الصيام
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصومُ جنة) المتقدم ذكره في الدرس السابق تبيان له وتفسير
قال ابن العربي: (إنما كان الصوم جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات؛ فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النار في الآخرة).
وهذا الشرح من باب التقريب، وإلا فالمعنى أعم من ذلك، فإن الصوم وقاية للصائم كما يتقي المحارب بالترس من ضرب السهام لئلا تقتله أو تجرحه
والمحارب شديد الحرص على سلامة ترسه من الخروق والضعف لعلمه بأنه متى خرق ترسه لم يأمن أن يأتيه من خلال الخروق سهم قاتل
والمرء في هذه الحياة في حرب مع شيطانه وهوى نفسه
فالحديث حث للصائم على المحافظة على سلامة صيامه فإنه وقاية له من سهام الشهوات والمعاصي ما لم يخرق هذه الوقاية
وهذا المعنى جاء مصرحاً به كما في سنن النسائي من حديث مطرف بن عبد الله قال: دخلت على عثمان بن أبي العاص فدعا لي بلبن فقلت: إني صائم
قال عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصوم جنة من النار كجنة أحدكم من القتال).
ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم الصائم على المحافظة على تكميل صومه واجتناب ما يحول دون تحصيل التقوى التي هي حقيقة مقصود الصوم
كما في صحيح البخاري وسنن النسائي من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل في الصوم فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم).
فالفقيه حقاً من عرف مقاصد العبادات وأداها كما أراد الله تعالى متبعاً هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم رحمه الله – في زاد المعاد في هدي خير العباد: (فصل: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصيام
لما كان المقصودُ مِن الصيام حبسَ النفسِ عن الشهواتِ، وفِطامَها عن المألوفات، وتعديلَ قوتها الشهوانية، لتستعِدَّ لطلب ما فيه غايةُ سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتُها الأبدية، ويكسِر الجوعُ والظمأ مِن حِدَّتِها وسَوْرتِها، ويُذكِّرها بحال الأكبادِ الجائعةِ من المساكين، وتضيق مجارى الشيطانِ من العبد بتضييق مجارى الطعام والشراب، وتُحبس قُوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرُّها فى معاشها ومعادها، ويُسكِّنُ كُلَّ عضوٍ منها وكُلَّ قوةٍ عن جماحه، وتُلجَمُ بلجامه، فهو لجامُ المتقين، وجُنَّةُ المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرَّبين، وهو لربِّ العالمين مِن بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعلُ شيئاً، وإنما يتركُ شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده، فهو تركُ محبوبات النفس وتلذُّذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته، وهو سِرٌّ بين العبد وربه لا يَطَّلِعُ عليهِ سواه، والعبادُ قد يَطَّلِعُونَ منه على تركِ المفطرات الظاهرة، وأما كونُه تركَ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل معبوده، فهو أمرٌ لا يَطَّلِعُ عليه بَشرٌ، وذلك حقيقةُ الصوم.
وللصوم تأثيرٌ عجيب فى حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحِميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التى إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصومُ يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويُعيد إليها ما استلبته منها أيدى الشهوات، فهو من أكبر العونِ على التقوى كما قال تعالى: {يأَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وقال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّوْمُ جُنَّة". وأمَرَ مَنِ اشتدَّتْ عليه شَهوةُ النكاح، ولا قُدرة لَه عليه بالصِّيام، وجعله وجَاءَ هذه الشهوة.
والمقصود: أن مصالحَ الصومِ لمَّا كانت مشهودةً بالعقول السليمةِ، والفِطَرِ المستقيمة، شرعه اللهُ لعباده رحمة بهم، وإحساناً إليهم، وحِميةً لهم وجُنَّةً.
وكان هَدْى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه أكَملَ الهَدْى، وأعظمَ تحصيل للمقصود، وأسهلَه على النفوس.
ولما كان فَطْمُ النفوسِ عن مألوفاتِها وشهواتِها مِن أشق الأمور وأصعبها، تأخَّر فرضُه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطَّنَتِ النفوسُ على التوحيد والصلاة، وأَلِفَت أوامِرَ القرآنِ، فَنُقِلَت إليه بالتدريج).
وقال في زاد المعاد أيضاً: (الصوم جُنَّةٌ من أدواء الروح والقلب والبدن، منافِعُه تفوت الإحصاء، وله تأثيرٌ عجيب فى حفظ الصحة، وإذابةِ الفضلاتِ، وحبْسِ النفسِ عن تناول مؤذياتها، ولا سِيَّما إذا كان باعتدالٍ وقصدٍ فى أفضلِ أوقاته شرعاً، وحاجَةُ البدنِ إليه طبعاً.
ثم إنَّ فيه من إراحة القُوَى والأعضاء ما يحفظُ عليها قُواها، وفيه خاصيةٌ تقتضى إيثارَه، وهى تفريحُه للقلب عاجلاً وآجلاً، وهو أنفعُ
شىءٍ لأصحاب الأمزجة البارِدةِ والرطبة، وله تأثيرٌ عظيم فى حفظ صحتهم.
وهو يدخلُ فى الأدوية الروحانية والطبيعية، وإذا راعى الصائمُ فيه ما ينبغى مراعاتُه طبعاً وشرعاً، عظُمَ انتفاعُ قلبه وبدنه به، وحبس عنه الموادَّ الغريبةَ الفاسدةَ التى هو مستعدٌ لها، وأزال الموادَّ الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه، ويحفظ الصائمَ مما ينبغى أن يُتحفَّظَ منه، ويُعينه على قيامه بمقصود الصوم وسرّه وعلته الغائية، فإن القصدَ منه أمر آخر وراءَ تركِ الطعام والشراب، وباعتبار ذلك الأمر اختُصَّ من بين الأعمال بأنه لله سبحانه، ولمَّا كان وقايةً وجُنَّةً بين العبد وبين ما يؤذى قلبه وبدنه عاجلاً وآجلاً، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 188]. فأحدُ مقصودَى الصيام الجُنَّةُ والوِقاية، وهى حِمية عظيمةُ النفع، والمقصودُ الآخر: اجتماعُ القلب والهم على الله تعالى، وتوفيرُ قُوَى النفس على محابِّه وطاعته).
وقال في مفتاح دار السعادة: (وأما الصوم فناهيك به من عبادة تكف النفس عن شهواتها وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين فإن النفس إذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم فإذا كفت شهواتها لله ضيقت مجاري الشيطان وصارت قريبة من الله بترك عادتها وشهواتها محبة له وإيثارا لمرضاته وتقربا إليه فيدع الصائم أحب الأشياء إليه وأعظمها لصوقا بنفسه من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه فهو عبادة ولا تتصور حقيقتها إلا بترك الشهوة لله فالصائم يندع طعامه وشرابه وشهواته من أجل ربه وهذا معنى كون الصوم له تبارك وتعالى وبهذا فسر النبي صلى الله عليه و سلم هذه الإضافة في الحديث فقال يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها قال الله إلا الصوم فأنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلى حتى أن الصائم ليتصور بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا في تحصيل رضى الله وأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة وتقمع النفس وتحي القلب وتفرحه وتزهد في الدنيا وشهواتها وترغب فيما عند الله وتذكر الأغنياء بشأن المساكين وأحوالهم وأنهم قد أخذوا بنصيب من عيشهم فتعطف قلوبهم عليهم ويعلمون ما هم فيه من نعم الله فيزدادوا له شكرا وبالجملة فعون الصوم على تقوى الله أمر مشهور فما استعان أحد على تقوى الله وحفظ حدوده
واجتناب محارمه بمثل الصوم فهو شاهد لمن شرعه وأمر به بأنه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأنه إنما شرعه إحسانا إلى عباده ورحمة بهم ولطفا بهم لا بخلا عليهم برزقه ولا مجرد تكليف وتعذيب خال من الحكمة والمصلحة بل هو غاية الحكمة والرحمة والمصلحة وإن شرع هذه العبادات لهم من تمام نعمته عليهم ورحمته بهم).
والله تعالى أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 10
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
قال الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - :
ويبتدئ وجوب الصوم اليومي بطلوع الفجر الثاني , وهو البياض المعترض في الأفق , وينتهي بغروب الشمس ,
قال الله تعالى : { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ( يعني الزوجات ) وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }
ومعنى : {يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} أن يتضح بياض النهار من سواد الليل .
ويبتدئ وجوب الصوم اليومي بطلوع الفجر الثاني , وهو البياض المعترض في الأفق , وينتهي بغروب الشمس ,
قال الله تعالى : { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ( يعني الزوجات ) وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }
ومعنى : {يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} أن يتضح بياض النهار من سواد الليل .
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 11
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
قال الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - :
ويبدأ وجوب صوم شهر رمضان إذا علم دخوله وللعلم بدخوله ثلاث طرق :
الطريقة الأولى : رؤية هلاله , قال تعالى : {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : {صوموا لرؤيته} فمن رأى الهلال بنفسه , وجب عليه الصوم .
الطريقة الثانية : الشهادة على الرؤية , أو الإخبار عنها , فيصام برؤية عدل مكلف , ويكفي إخباره بذلك , لقول ابن عمر : تراءى الناس الهلال , فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته , فصام , وأمر الناس بصيامه رواه أبو داود وغيره , وصححه ابن حبان والحاكم .
والطريقة الثالثة : إكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يوما , وذلك حينما لا يرى الهلال ليلة الثلاثين من شعبان مع عدم وجود ما يمنع الرؤية من غيم أو قتر أو مع وجود شيء من ذلك , لقوله صلى الله عليه وسلم : {إنما الشهر تسعة وعشرون يوما , فلا تصوموا حتى تروا الهلال , ولا تفطروا حتى تروه , فإن غم عليكم , فاقدروا له } ومعنى " اقدروا له " أي : أتموا شهر شعبان ثلاثين يوما , لما ثبت في حديث أبي هريرة : {فإن غم عليكم , فعدوا ثلاثين}
ويبدأ وجوب صوم شهر رمضان إذا علم دخوله وللعلم بدخوله ثلاث طرق :
الطريقة الأولى : رؤية هلاله , قال تعالى : {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : {صوموا لرؤيته} فمن رأى الهلال بنفسه , وجب عليه الصوم .
الطريقة الثانية : الشهادة على الرؤية , أو الإخبار عنها , فيصام برؤية عدل مكلف , ويكفي إخباره بذلك , لقول ابن عمر : تراءى الناس الهلال , فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته , فصام , وأمر الناس بصيامه رواه أبو داود وغيره , وصححه ابن حبان والحاكم .
والطريقة الثالثة : إكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يوما , وذلك حينما لا يرى الهلال ليلة الثلاثين من شعبان مع عدم وجود ما يمنع الرؤية من غيم أو قتر أو مع وجود شيء من ذلك , لقوله صلى الله عليه وسلم : {إنما الشهر تسعة وعشرون يوما , فلا تصوموا حتى تروا الهلال , ولا تفطروا حتى تروه , فإن غم عليكم , فاقدروا له } ومعنى " اقدروا له " أي : أتموا شهر شعبان ثلاثين يوما , لما ثبت في حديث أبي هريرة : {فإن غم عليكم , فعدوا ثلاثين}
أحمد- إدارة ثمار الأوراق
- عدد الرسائل : 16801
الموقع : القاهرة
نقاط : 39133
تاريخ التسجيل : 17/09/2008
- مساهمة رقم 12
رد: دورة معهد آفاق التيسير في أحكام الصيام
آخر ما نقل:
افتراضي بم يثبت دخول شهر رمضان؟
http://www.afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=236
افتراضي بم يثبت دخول شهر رمضان؟
http://www.afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=236