http://www.afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=421
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
لم تعرِف كتابتنا العربية علامات الترقيم بشكلها الحالي إلا في فترة مبكِّرة في مطلَع القرن الميلادي الماضي، وتعد محاولة أحمد زكي باشا (ت 1934م) في رسالته "الترقيم وعلاماته" التي ألفها سنة 1912م أول محاولة لإرساء شكل منظَّم لعلامات الترقيم في كتابتنا العربية.
وحسَب ما ذكَر أحمد زكي باشا في كتابه فإنه قد سبق مؤلَّفه محاولاتٌ لوضع علامات الترقيم في النصوص، ولكن هذه المحاولات لم يكن يجمعُها طريقة محددة ومنهج منضبِط.
والحقيقة أن كتابتنا كانت قد عرَفت بعض الرموز استخدمها ناسخو المصاحف والمحدثون لأغراضٍ عِدَّةٍ، فعلى سبيل المثال كان ناسخو المصاحف يستخدمون بعض الرموز للدلالة على الوَقْف أو الرَّوم أو الإشمام، ولكنها اقتصرت فقط على كتابة المصحف الشريف، ولم تتعدها إلى غير ذلك من الكتابات في سائر الفنون، رغم الحاجة المُلِحَّة إليها للقارئ من أجل تنظيم قراءاته وفَهمِه للنص دون عَناءٍ كبيرٍ.
أيضًا أدرك المحدِّثُون مدى أهمية وقدسية النص النبوي الشريف، فحرِصوا على وضع بعض العلامات المهمَّة لهم أنفسهم عند متابعتهم لما كتبوه، أو مهمة لمن يطلع على ما كتبوا. وانظر مثلا إلى ما ذكر ابنُ الصَّلاح في مقدمته حيث قال:
"... ينبغي أن يجعَل بين كل حديثيْنِ دَارَةً تَفْصِلُ بينهما وتميِّز. وممن بلغنا عنه ذلك من الأئمة أبو الزِّناد، وأحمد بن حنبل، وإبراهيم بن إسحاق الحَرْبيّ، ومحمد بن جرير الطَّبَري رضِي الله عنهم".
وتابع: "واستحب الخَطيب الحافظ أن تكون الدارات غُفْلًا، فإذا عارَض فكل حديث يفرَغُ من عَرْضه ينقُط في الدارة التي تليه نقطةً، أو يخُطُّ في وسطها خطًّا؛ قال: وقد كان بعض أهل العلم لا يَعتدّ مِن سماعه إلا بما كان كذلك، أو في معناه. والله أعلم". اهـ.
نُضيف إلى ذلك علامة التضبيب وهي ضـ توضع فوق الكلمة للدلالة على استشكالها، أو أنها وردت كذلك. كذلك علامة الإلحاق عند ورود سقط، حيث يُكتب هذا السقط في هامش اللوحة المخطوطة.
وقد عُرف عن نساخ الحديث أساليب وطرق لتجويد النص النبوي، وذلك عن طريق مثلا وضع عناوين في وسط اللوحة للدلالة على بداية مسند جديد في كتب المسانيد، أو على عنوان جديد في الكتب الجوامع، وأحيانا كانت تلون هذه الكلمات بلون أحمر لِتَظهر وتُميز عن سائر الكلام.
كذلك نلاحظ في كثير من النُّسَخ الخطية كتابة لفظة "حدثنا" في أول الحديث بشكل مميز دلالة على بداية حديث جديد.
كل هذه الأمور، وإن كان بعضها يدُل على أمور تنسيقية، إلا أن الدلالة الأكبر فيها هي حِرص الناسخ على أن يُريح عين القارئ في التنقل بين صفحات اللوحة دون عناء.
نظرة عن كثب إلى تجربة أحمد زكي باشا:
حقيقة كانت تجربة أحمد زكي باشا في كتابه "علامات الترقيم" على قدر كبير من الأهمية؛ وذلك لأن كتابه – فيما نعلم - يعد الأول من نوعه في مكتبتنا العربية في جانب تناول علامات الترقيم. وهو يذكر في مقدمة كتابه أنه اطلع على ما توفر له من مراجع أجنبية بالإضافة إلى مراجعة كتب الوقف والابتداء في تجويد القرآن الكريم، وذلك للوصول إلى منهج متميز لعلامات الترقيم العربية المقترحة ومواضع استخدامها.
إذن فعلامات الترقيم نفسها هي علامات غَربِيَّة وغَرِيبَة عن كتابتنا العربية، ولكن يُحسَب له جُهدُه في محاولة اختيار أماكنها في الجملة العربية مراعاة للنبر والوقف والابتداء وغير ذلك.
ولكن:
حقيقة يعد منهج أحمد زكي باشا في كتابتنا الحديثة غريبًا إلى حد كبير عن واقعنا الآن، حيث ذكر بعض العلامات غير المستخدمة، كذلك فقد تغيرت استخدامات بعض العلامات الآن في واقع كتابتنا المعاصر.
على أية حال فما سنعرضه من خلال المحاضرات التالية - بمشيئة الله - سيكون مصدره الرئيس قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1932م، ثم الكتابات التي تناولته بعد ذلك؛ كما في كتاب "قواعد الإملاء وعلامات الترقيم" للأستاذ المحقق عبد السلام هارون، وغيره من الكتابات. كذلك سنحاول قدر الإمكان ألا نغفل الواقع المعاصر وكيف أصبح لعلامات الترقيم دور هام في فهم النصوص.
ونحن إذ نذكر هذا الكلام فإننا نشير إلى أمر هام لا يمكننا غض النظر عنه، يتمثل هذا الأمر في أن علامات الترقيم في كثير من الأحيان تكون ذوقية، وإن كان هذا الذوق المشار إليه لا يَنفي وُجود أمورٍ لا خِلافَ فيها أشبه بثوابتَ لا تتغير.
تعريف علامات الترقيم
عرف أحمد زكي باشا الترقيم قائلا: "هو وضع رموز مخصوصة في أثناء الكتابة لتعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء وأنواع النبرات الصوتية والأغراض الكلامية في أثناء القراءة".
وهذا التعريف -كما ترى- يدلنا على ماهية علامات الترقيم ووظيفتها:
أما ماهيتها فهي رموز مخصوصة في أثناء الكتابة.
وأما وظيفتها فهي تعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء وأنواع النبرات الصوتية والأغراض الكلامية في أثناء القراءة.
وأما الهدف منها فهو أن تُعين القارئ -قدر الإمكان- على فهم النص المقروء وتلقينه المواضع التي يحسن به الوقوف عندها، وكيفية هذا الوقوف، والمواطن التي يحذر عليه أن يقف عندها، بالإضافة إلى أهداف أخرى سنذكرها بمشيئة الله.
وعرف الترقيم دكتور رمضان عبد التواب قائلا: "الترقيم وضع علامات بين أجزاء الكلام المكتوب؛ لتمييز بعضه من بعض، أو لتنويع الصوت به عند قراءاته".
إذن فالأصل أن تكون علامات الترقيم معينة للقارئ، وإذا خرجت عن هذا الإطار فقد تُضلِّل القارئ، وذلك بأن توضع في غير أماكنها، ويكون ضررها والحال هذه لا يقِلّ خطرًا عما إذا كان النص عاريًا منها.
كلمة أخيرة في هذه المحاضرة:
إن سلفنا السابق كانوا حريصينَ تمامَ الحِرص على أن تَظهَر النصوصُ المكتوبةُ في صورة طيِّبة لا تُشكِل على القارئ؛ حيث تطورت طريقة الكتابة من مرحلة كانت تُكتَب فيها الكلمات بدون نقط إلى مرحلة وضع فيها النقط على الكلمات، ثم ظهر الضبط، وأخيرًا ظهرت علامات الترقيم لتزيد النص بهاءً وتجعله أكثر قُدرةً على الوصول إلى ذهن القارئ دون عناء.
وسوف نستعرض – بمشيئة الله - علامات الترقيم المعروفة والمستخدمة محاولين توضيح مواضع استخدام كل منها بشيء من التفصيل، ولعل أهم المصادر التي اعتمدنا عليها هنا ما كتبه دكتور رمضان عبد التواب في كتابه "مناهج تحقيق التراث" ، بالإضافة إلى غيره من الكتابات القليلة التي تحدثت عن علامات الترقيم، مع التحدث بقدر كبير عن الواقع الممارس الآن في الكتابات الحديثة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
لم تعرِف كتابتنا العربية علامات الترقيم بشكلها الحالي إلا في فترة مبكِّرة في مطلَع القرن الميلادي الماضي، وتعد محاولة أحمد زكي باشا (ت 1934م) في رسالته "الترقيم وعلاماته" التي ألفها سنة 1912م أول محاولة لإرساء شكل منظَّم لعلامات الترقيم في كتابتنا العربية.
وحسَب ما ذكَر أحمد زكي باشا في كتابه فإنه قد سبق مؤلَّفه محاولاتٌ لوضع علامات الترقيم في النصوص، ولكن هذه المحاولات لم يكن يجمعُها طريقة محددة ومنهج منضبِط.
والحقيقة أن كتابتنا كانت قد عرَفت بعض الرموز استخدمها ناسخو المصاحف والمحدثون لأغراضٍ عِدَّةٍ، فعلى سبيل المثال كان ناسخو المصاحف يستخدمون بعض الرموز للدلالة على الوَقْف أو الرَّوم أو الإشمام، ولكنها اقتصرت فقط على كتابة المصحف الشريف، ولم تتعدها إلى غير ذلك من الكتابات في سائر الفنون، رغم الحاجة المُلِحَّة إليها للقارئ من أجل تنظيم قراءاته وفَهمِه للنص دون عَناءٍ كبيرٍ.
أيضًا أدرك المحدِّثُون مدى أهمية وقدسية النص النبوي الشريف، فحرِصوا على وضع بعض العلامات المهمَّة لهم أنفسهم عند متابعتهم لما كتبوه، أو مهمة لمن يطلع على ما كتبوا. وانظر مثلا إلى ما ذكر ابنُ الصَّلاح في مقدمته حيث قال:
"... ينبغي أن يجعَل بين كل حديثيْنِ دَارَةً تَفْصِلُ بينهما وتميِّز. وممن بلغنا عنه ذلك من الأئمة أبو الزِّناد، وأحمد بن حنبل، وإبراهيم بن إسحاق الحَرْبيّ، ومحمد بن جرير الطَّبَري رضِي الله عنهم".
وتابع: "واستحب الخَطيب الحافظ أن تكون الدارات غُفْلًا، فإذا عارَض فكل حديث يفرَغُ من عَرْضه ينقُط في الدارة التي تليه نقطةً، أو يخُطُّ في وسطها خطًّا؛ قال: وقد كان بعض أهل العلم لا يَعتدّ مِن سماعه إلا بما كان كذلك، أو في معناه. والله أعلم". اهـ.
نُضيف إلى ذلك علامة التضبيب وهي ضـ توضع فوق الكلمة للدلالة على استشكالها، أو أنها وردت كذلك. كذلك علامة الإلحاق عند ورود سقط، حيث يُكتب هذا السقط في هامش اللوحة المخطوطة.
وقد عُرف عن نساخ الحديث أساليب وطرق لتجويد النص النبوي، وذلك عن طريق مثلا وضع عناوين في وسط اللوحة للدلالة على بداية مسند جديد في كتب المسانيد، أو على عنوان جديد في الكتب الجوامع، وأحيانا كانت تلون هذه الكلمات بلون أحمر لِتَظهر وتُميز عن سائر الكلام.
كذلك نلاحظ في كثير من النُّسَخ الخطية كتابة لفظة "حدثنا" في أول الحديث بشكل مميز دلالة على بداية حديث جديد.
كل هذه الأمور، وإن كان بعضها يدُل على أمور تنسيقية، إلا أن الدلالة الأكبر فيها هي حِرص الناسخ على أن يُريح عين القارئ في التنقل بين صفحات اللوحة دون عناء.
نظرة عن كثب إلى تجربة أحمد زكي باشا:
حقيقة كانت تجربة أحمد زكي باشا في كتابه "علامات الترقيم" على قدر كبير من الأهمية؛ وذلك لأن كتابه – فيما نعلم - يعد الأول من نوعه في مكتبتنا العربية في جانب تناول علامات الترقيم. وهو يذكر في مقدمة كتابه أنه اطلع على ما توفر له من مراجع أجنبية بالإضافة إلى مراجعة كتب الوقف والابتداء في تجويد القرآن الكريم، وذلك للوصول إلى منهج متميز لعلامات الترقيم العربية المقترحة ومواضع استخدامها.
إذن فعلامات الترقيم نفسها هي علامات غَربِيَّة وغَرِيبَة عن كتابتنا العربية، ولكن يُحسَب له جُهدُه في محاولة اختيار أماكنها في الجملة العربية مراعاة للنبر والوقف والابتداء وغير ذلك.
ولكن:
حقيقة يعد منهج أحمد زكي باشا في كتابتنا الحديثة غريبًا إلى حد كبير عن واقعنا الآن، حيث ذكر بعض العلامات غير المستخدمة، كذلك فقد تغيرت استخدامات بعض العلامات الآن في واقع كتابتنا المعاصر.
على أية حال فما سنعرضه من خلال المحاضرات التالية - بمشيئة الله - سيكون مصدره الرئيس قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1932م، ثم الكتابات التي تناولته بعد ذلك؛ كما في كتاب "قواعد الإملاء وعلامات الترقيم" للأستاذ المحقق عبد السلام هارون، وغيره من الكتابات. كذلك سنحاول قدر الإمكان ألا نغفل الواقع المعاصر وكيف أصبح لعلامات الترقيم دور هام في فهم النصوص.
ونحن إذ نذكر هذا الكلام فإننا نشير إلى أمر هام لا يمكننا غض النظر عنه، يتمثل هذا الأمر في أن علامات الترقيم في كثير من الأحيان تكون ذوقية، وإن كان هذا الذوق المشار إليه لا يَنفي وُجود أمورٍ لا خِلافَ فيها أشبه بثوابتَ لا تتغير.
تعريف علامات الترقيم
عرف أحمد زكي باشا الترقيم قائلا: "هو وضع رموز مخصوصة في أثناء الكتابة لتعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء وأنواع النبرات الصوتية والأغراض الكلامية في أثناء القراءة".
وهذا التعريف -كما ترى- يدلنا على ماهية علامات الترقيم ووظيفتها:
أما ماهيتها فهي رموز مخصوصة في أثناء الكتابة.
وأما وظيفتها فهي تعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء وأنواع النبرات الصوتية والأغراض الكلامية في أثناء القراءة.
وأما الهدف منها فهو أن تُعين القارئ -قدر الإمكان- على فهم النص المقروء وتلقينه المواضع التي يحسن به الوقوف عندها، وكيفية هذا الوقوف، والمواطن التي يحذر عليه أن يقف عندها، بالإضافة إلى أهداف أخرى سنذكرها بمشيئة الله.
وعرف الترقيم دكتور رمضان عبد التواب قائلا: "الترقيم وضع علامات بين أجزاء الكلام المكتوب؛ لتمييز بعضه من بعض، أو لتنويع الصوت به عند قراءاته".
إذن فالأصل أن تكون علامات الترقيم معينة للقارئ، وإذا خرجت عن هذا الإطار فقد تُضلِّل القارئ، وذلك بأن توضع في غير أماكنها، ويكون ضررها والحال هذه لا يقِلّ خطرًا عما إذا كان النص عاريًا منها.
كلمة أخيرة في هذه المحاضرة:
إن سلفنا السابق كانوا حريصينَ تمامَ الحِرص على أن تَظهَر النصوصُ المكتوبةُ في صورة طيِّبة لا تُشكِل على القارئ؛ حيث تطورت طريقة الكتابة من مرحلة كانت تُكتَب فيها الكلمات بدون نقط إلى مرحلة وضع فيها النقط على الكلمات، ثم ظهر الضبط، وأخيرًا ظهرت علامات الترقيم لتزيد النص بهاءً وتجعله أكثر قُدرةً على الوصول إلى ذهن القارئ دون عناء.
وسوف نستعرض – بمشيئة الله - علامات الترقيم المعروفة والمستخدمة محاولين توضيح مواضع استخدام كل منها بشيء من التفصيل، ولعل أهم المصادر التي اعتمدنا عليها هنا ما كتبه دكتور رمضان عبد التواب في كتابه "مناهج تحقيق التراث" ، بالإضافة إلى غيره من الكتابات القليلة التي تحدثت عن علامات الترقيم، مع التحدث بقدر كبير عن الواقع الممارس الآن في الكتابات الحديثة.