قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت:1376هـ):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الفرقان الفارق بين الحلال والحرام، والسعداء والأشقياء، والحق والباطل.
وجعله برحمته هدى للناس عموما، وللمتقين خصوصا، من ضلال الكفر والمعاصي والجهل، إلى نور الإيمان والتقوى والعلم، وأنزله شفاء للصدور من أمراض الشبهات والشهوات، ويحصل به اليقين والعلم في المطالب العاليات، وشفاء للأبدان من أمراضها وعللها وآلامها وسقمها. وأخبر أنه لا ريب فيه ولا شك بوجه من الوجوه، وذلك لاشتماله على الحق العظيم في أخباره، وأوامره، ونواهيه، وأنزله مباركا، فيه الخير الكثير، والعلم الغزير، والأسرار البديعة، والمطالب الرفيعة، فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والآخرة، فسببها الاهتداء به واتباعه، وأخبر أنه مصدق ومهيمن على الكتب السابقة، فما يشهد له فهو الحق، وما رده فهو المردود، لأنه تضمنها وزاد عليها، وقال تعالى فيه: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} فهو هاد لدار السلام، مبين لطريق الوصول إليها، وحاث عليها، كاشف عن الطريق الموصلة إلى دار الآلام ومحذر عها، وقال تعالى مخبرا عنه: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} فبين آياته أكمل تبيين، وأتقنها أي إتقان، وفصلها بتبيين الحق من الباطل والرشد من الضلال، تفصيلا كاشفا للبس، لكونه صادرا من حكيم خبير، فلا يخبر إلا بالصدق والحق واليقين، ولا يأمر إلا بالعدل والإحسان والبر، ولا ينهى إلا عن المضار الدينية والدنيوية.
وأقسم تعالى بالقرآن ووصفه بأنه، "مجيد"، والمجد: سعة الأوصاف وعظمتها، وذلك لسعة معاني القرآن وعظمتها، ووصفه بأنه "ذو الذكر" أي: يتذكر به العلوم الإلهية والأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة، ويتعظ به من يخشى.
وقال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} فأنزله بهذا اللسان لنعقله ونتفهمه، وأمرنا بتدبره، والتفكر فيه، والاستنباط لعلومه، وما ذاك إلا لأن تدبره مفتاح كل خير، محصل للعلوم والأسرار. فلله الحمد والشكر والثناء، الذي جعل كتابه هدى وشفاء ورحمة ونورا، وتبصرة وتذكرة، وبركة، وهدى وبشرى للمسلمين.
فإذا علم هذا، علم افتقار كل مكلف لمعرفة معانيه والاهتداء بها.
وكان حقيقا بالعبد أن يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في تعلمه وتفهمه بأقرب الطرق الموصلة إلى ذلك.
وقد كثرت تفاسير الأئمة رحمهم الله لكتاب الله، فمن مطول خارج في أكثر بحوثه عن المقصود، ومن مقصر، يقتصر على حل بعض الألفاظ اللغوية. بقطع النظر عن المراد.
وكان الذي ينبغي في ذلك، أن يجعل المعنى هو المقصود، واللفظ وسيلة إليه. فينظر في سياق الكلام، وما سيق لأجله، ويقابل بينه وبين نظيره في موضع آخر؛ ويعرف أنه سيق لهداية الخلق كلهم، عالمهم وجاهلهم، حضريهم وبدويهم، فالنظر لسياق الآيات مع العلم بأحوال الرسول وسيرته مع أصحابه وأعدائه وقت نزوله، من أعظم ما يعين على معرفته وفهم المراد منه، خصوصا إذا انضم إلى ذلك معرفة علوم العربية على اختلاف أنواعها.
فمن وفق لذلك، لم يبق عليه إلا الإقبال على تدبره وتفهمه وكثرة التفكر في ألفاظه ومعانيه ولوازمها، وما تتضمنه، وما تدل عليه منطوقا ومفهوما، فإذا بذل وسعه في ذلك، فالرب أكرم من عبده، فلا بد أن يفتح عليه من علومه أمورا لا تدخل تحت كسبه.
ولما من الباري علي وعلى إخواني بالاشتغال بكتابه العزيز بحسب الحال اللائقة بنا أحببت أن أرسم من تفسير كتاب الله ما تيسر، وما من به الله علينا، ليكون تذكرة للمحصلين، وآلة للمستبصرين، ومعونة للسالكين، ولأقيده خوف الضياع، ولم يكن قصدي في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود، ولم أشتغل في حل الألفاظ والعقود، للمعنى الذي ذكرت، ولأن المفسرين قد كفوا من بعدهم، فجزاهم الله عن المسلمين خيرا.
والله أرجو، وعليه أعتمد، أن ييسر ما قصدت، ويذلل ما أردت، فإنه إن لم ييسره الله، فلا سبيل إلى حصوله، وإن لم يعن عليه، فلا طريق إلى نيل العبد مأموله.
وأسأله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به النفع العميم، إنه جواد كريم. اللهم صل على محمد وآله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الفرقان الفارق بين الحلال والحرام، والسعداء والأشقياء، والحق والباطل.
وجعله برحمته هدى للناس عموما، وللمتقين خصوصا، من ضلال الكفر والمعاصي والجهل، إلى نور الإيمان والتقوى والعلم، وأنزله شفاء للصدور من أمراض الشبهات والشهوات، ويحصل به اليقين والعلم في المطالب العاليات، وشفاء للأبدان من أمراضها وعللها وآلامها وسقمها. وأخبر أنه لا ريب فيه ولا شك بوجه من الوجوه، وذلك لاشتماله على الحق العظيم في أخباره، وأوامره، ونواهيه، وأنزله مباركا، فيه الخير الكثير، والعلم الغزير، والأسرار البديعة، والمطالب الرفيعة، فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والآخرة، فسببها الاهتداء به واتباعه، وأخبر أنه مصدق ومهيمن على الكتب السابقة، فما يشهد له فهو الحق، وما رده فهو المردود، لأنه تضمنها وزاد عليها، وقال تعالى فيه: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} فهو هاد لدار السلام، مبين لطريق الوصول إليها، وحاث عليها، كاشف عن الطريق الموصلة إلى دار الآلام ومحذر عها، وقال تعالى مخبرا عنه: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} فبين آياته أكمل تبيين، وأتقنها أي إتقان، وفصلها بتبيين الحق من الباطل والرشد من الضلال، تفصيلا كاشفا للبس، لكونه صادرا من حكيم خبير، فلا يخبر إلا بالصدق والحق واليقين، ولا يأمر إلا بالعدل والإحسان والبر، ولا ينهى إلا عن المضار الدينية والدنيوية.
وأقسم تعالى بالقرآن ووصفه بأنه، "مجيد"، والمجد: سعة الأوصاف وعظمتها، وذلك لسعة معاني القرآن وعظمتها، ووصفه بأنه "ذو الذكر" أي: يتذكر به العلوم الإلهية والأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة، ويتعظ به من يخشى.
وقال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} فأنزله بهذا اللسان لنعقله ونتفهمه، وأمرنا بتدبره، والتفكر فيه، والاستنباط لعلومه، وما ذاك إلا لأن تدبره مفتاح كل خير، محصل للعلوم والأسرار. فلله الحمد والشكر والثناء، الذي جعل كتابه هدى وشفاء ورحمة ونورا، وتبصرة وتذكرة، وبركة، وهدى وبشرى للمسلمين.
فإذا علم هذا، علم افتقار كل مكلف لمعرفة معانيه والاهتداء بها.
وكان حقيقا بالعبد أن يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في تعلمه وتفهمه بأقرب الطرق الموصلة إلى ذلك.
وقد كثرت تفاسير الأئمة رحمهم الله لكتاب الله، فمن مطول خارج في أكثر بحوثه عن المقصود، ومن مقصر، يقتصر على حل بعض الألفاظ اللغوية. بقطع النظر عن المراد.
وكان الذي ينبغي في ذلك، أن يجعل المعنى هو المقصود، واللفظ وسيلة إليه. فينظر في سياق الكلام، وما سيق لأجله، ويقابل بينه وبين نظيره في موضع آخر؛ ويعرف أنه سيق لهداية الخلق كلهم، عالمهم وجاهلهم، حضريهم وبدويهم، فالنظر لسياق الآيات مع العلم بأحوال الرسول وسيرته مع أصحابه وأعدائه وقت نزوله، من أعظم ما يعين على معرفته وفهم المراد منه، خصوصا إذا انضم إلى ذلك معرفة علوم العربية على اختلاف أنواعها.
فمن وفق لذلك، لم يبق عليه إلا الإقبال على تدبره وتفهمه وكثرة التفكر في ألفاظه ومعانيه ولوازمها، وما تتضمنه، وما تدل عليه منطوقا ومفهوما، فإذا بذل وسعه في ذلك، فالرب أكرم من عبده، فلا بد أن يفتح عليه من علومه أمورا لا تدخل تحت كسبه.
ولما من الباري علي وعلى إخواني بالاشتغال بكتابه العزيز بحسب الحال اللائقة بنا أحببت أن أرسم من تفسير كتاب الله ما تيسر، وما من به الله علينا، ليكون تذكرة للمحصلين، وآلة للمستبصرين، ومعونة للسالكين، ولأقيده خوف الضياع، ولم يكن قصدي في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود، ولم أشتغل في حل الألفاظ والعقود، للمعنى الذي ذكرت، ولأن المفسرين قد كفوا من بعدهم، فجزاهم الله عن المسلمين خيرا.
والله أرجو، وعليه أعتمد، أن ييسر ما قصدت، ويذلل ما أردت، فإنه إن لم ييسره الله، فلا سبيل إلى حصوله، وإن لم يعن عليه، فلا طريق إلى نيل العبد مأموله.
وأسأله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به النفع العميم، إنه جواد كريم. اللهم صل على محمد وآله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.