ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    مقدمة تفسير السعدي

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مقدمة تفسير السعدي Empty مقدمة تفسير السعدي

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أغسطس 31, 2013 6:49 am

    قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت:1376هـ):

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله الذي أنزل على عبده الفرقان الفارق بين الحلال والحرام، والسعداء والأشقياء، والحق والباطل.
    وجعله برحمته هدى للناس عموما، وللمتقين خصوصا، من ضلال الكفر والمعاصي والجهل، إلى نور الإيمان والتقوى والعلم، وأنزله شفاء للصدور من أمراض الشبهات والشهوات، ويحصل به اليقين والعلم في المطالب العاليات، وشفاء للأبدان من أمراضها وعللها وآلامها وسقمها. وأخبر أنه لا ريب فيه ولا شك بوجه من الوجوه، وذلك لاشتماله على الحق العظيم في أخباره، وأوامره، ونواهيه، وأنزله مباركا، فيه الخير الكثير، والعلم الغزير، والأسرار البديعة، والمطالب الرفيعة، فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والآخرة، فسببها الاهتداء به واتباعه، وأخبر أنه مصدق ومهيمن على الكتب السابقة، فما يشهد له فهو الحق، وما رده فهو المردود، لأنه تضمنها وزاد عليها، وقال تعالى فيه: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} فهو هاد لدار السلام، مبين لطريق الوصول إليها، وحاث عليها، كاشف عن الطريق الموصلة إلى دار الآلام ومحذر عها، وقال تعالى مخبرا عنه: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} فبين آياته أكمل تبيين، وأتقنها أي إتقان، وفصلها بتبيين الحق من الباطل والرشد من الضلال، تفصيلا كاشفا للبس، لكونه صادرا من حكيم خبير، فلا يخبر إلا بالصدق والحق واليقين، ولا يأمر إلا بالعدل والإحسان والبر، ولا ينهى إلا عن المضار الدينية والدنيوية.
    وأقسم تعالى بالقرآن ووصفه بأنه، "مجيد"، والمجد: سعة الأوصاف وعظمتها، وذلك لسعة معاني القرآن وعظمتها، ووصفه بأنه "ذو الذكر" أي: يتذكر به العلوم الإلهية والأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة، ويتعظ به من يخشى.
    وقال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} فأنزله بهذا اللسان لنعقله ونتفهمه، وأمرنا بتدبره، والتفكر فيه، والاستنباط لعلومه، وما ذاك إلا لأن تدبره مفتاح كل خير، محصل للعلوم والأسرار. فلله الحمد والشكر والثناء، الذي جعل كتابه هدى وشفاء ورحمة ونورا، وتبصرة وتذكرة، وبركة، وهدى وبشرى للمسلمين.
    فإذا علم هذا، علم افتقار كل مكلف لمعرفة معانيه والاهتداء بها.
    وكان حقيقا بالعبد أن يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في تعلمه وتفهمه بأقرب الطرق الموصلة إلى ذلك.
    وقد كثرت تفاسير الأئمة رحمهم الله لكتاب الله، فمن مطول خارج في أكثر بحوثه عن المقصود، ومن مقصر، يقتصر على حل بعض الألفاظ اللغوية. بقطع النظر عن المراد.
    وكان الذي ينبغي في ذلك، أن يجعل المعنى هو المقصود، واللفظ وسيلة إليه. فينظر في سياق الكلام، وما سيق لأجله، ويقابل بينه وبين نظيره في موضع آخر؛ ويعرف أنه سيق لهداية الخلق كلهم، عالمهم وجاهلهم، حضريهم وبدويهم، فالنظر لسياق الآيات مع العلم بأحوال الرسول وسيرته مع أصحابه وأعدائه وقت نزوله، من أعظم ما يعين على معرفته وفهم المراد منه، خصوصا إذا انضم إلى ذلك معرفة علوم العربية على اختلاف أنواعها.
    فمن وفق لذلك، لم يبق عليه إلا الإقبال على تدبره وتفهمه وكثرة التفكر في ألفاظه ومعانيه ولوازمها، وما تتضمنه، وما تدل عليه منطوقا ومفهوما، فإذا بذل وسعه في ذلك، فالرب أكرم من عبده، فلا بد أن يفتح عليه من علومه أمورا لا تدخل تحت كسبه.
    ولما من الباري علي وعلى إخواني بالاشتغال بكتابه العزيز بحسب الحال اللائقة بنا أحببت أن أرسم من تفسير كتاب الله ما تيسر، وما من به الله علينا، ليكون تذكرة للمحصلين، وآلة للمستبصرين، ومعونة للسالكين، ولأقيده خوف الضياع، ولم يكن قصدي في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود، ولم أشتغل في حل الألفاظ والعقود، للمعنى الذي ذكرت، ولأن المفسرين قد كفوا من بعدهم، فجزاهم الله عن المسلمين خيرا.
    والله أرجو، وعليه أعتمد، أن ييسر ما قصدت، ويذلل ما أردت، فإنه إن لم ييسره الله، فلا سبيل إلى حصوله، وإن لم يعن عليه، فلا طريق إلى نيل العبد مأموله.
    وأسأله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به النفع العميم، إنه جواد كريم. اللهم صل على محمد وآله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مقدمة تفسير السعدي Empty رد: مقدمة تفسير السعدي

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أغسطس 31, 2013 6:50 am

    فوائد مهمة تتعلق بتفسير القرآن من بدائع الفوائد لابن القيم رحمه الله تعالى
    [قال: فصل] النكرة في سياق النفي تعم، مستفاد من قوله تعالى: {ولا يظلم ربك أحدا} {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} وفي الاستفهام من قوله تعالى: {هل تعلم له سميا} وفي الشرط من قوله: {فإما ترين من البشر أحدا} {وإن أحد من المشركين استجارك} وفي النهي من قوله تعالى: {ولا يلتفت منكم أحد}.
    وفي سياق الإثبات، بعموم العلة والمقتضى كقوله: {علمت نفس ما أحضرت}.
    وإذا أضيف إليها "كل" نحو {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} ومن عمومها بعموم المقتضى {ونفس وما سواها}
    فصل
    ويستفاد عموم المفرد المحلى باللام من قوله: {إن الإنسان لفي خسر} وقوله: {ويقول الكافر} وعموم المفرد المضاف من قوله: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه} (وكتابه).
    وقوله: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} والمراد جميع الكتب التي أحصيت فيها أعمالهم، وعموم الجمع المحلى باللام من قوله: {وإذا الرسل أقتت} وقوله: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} وقوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} إلى آخرها. والمضاف من قوله: {كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله}.
    وعموم أدوات الشرط من قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} وقوله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} وقال {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} وقوله {أينما تكونوا يدرككم الموت} وقوله: {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} وقوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} وقوله: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة} هذا إذا كان الجواب طلبا مثل هاتين الآيتين.
    فإن كان خبرا ماضيا، لم يلزم العموم، كقوله: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله}.
    وإن كان مستقبلا فالتزموا رد العموم، كقوله تعالى: {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}.
    وقوله: {وإذا مروا بهم يتغامزون} وقوله: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون}.
    وقد لا يعم، كقوله تعالى: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم}.
    فصل
    ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب، من ذمه لمن خالفه، وتسميته إياه عاصيا، وترتيبه عليه العقاب بالعاجل أو الآجل.
    ويستفاد كون النهي للتحريم، من ذمه لمن ارتكبه، وتسميته عاصيا، وترتيبه العقاب على فعله.
    ويستفاد الوجوب بالأمر تارة، وبالتصريح بالإيجاب والفرض والكتب، ولفظة "على"، ولفظة: حق على العباد وعلى المؤمنين.
    ويستفاد التحريم من النهي، والتصريح بالتحريم والحظر، والوعيد على الفعل، وذم الفاعل، وإيجاب الكفارة بالفعل.
    وقوله: "لا ينبغي" فإنها في لغة القرآن والرسول للممتنع عقلا وشرعا.
    ولفظة: "ما كان لهم كذا وكذا" و"لم يكن لهم"، وترتيب الحد على الفعل، ولفظة "لا يحل" و "لا يصلح"، ووصف الفعل بأنه فساد، وأنه من تزيين الشيطان وعمله، وأن الله تعالى لا يحبه ولا يرضاه لعباده، ولا يزكي فاعله ولا يكلمه ولا ينظر إليه ونحو ذلك.
    وتستفاد الإباحة من الإذن والتخيير، والأمر بعد الحظر، ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة، والإخبار بأنه يعفو عنه، والإقرار على فعله في زمن الوحي، وبالإنكار على من حرم الشيء، والإخبار بأنه خلق لنا كذا وجعله لنا، وامتنانه علينا به، وإخباره عن فعل من قبلنا، غير ذام لهم عليه.
    فإن اقترن بإخباره مدح، دل على رجحانه استحبابا أو وجوبا.
    فصل
    وكل فعل عظمه الله ورسوله، أو مدحه، أو مدح فاعله لأجله، أو فرح به، أو أحبه، أو أحب فاعله، أو رضي به، أو رضي عن فاعله، أو وصفه بالطيب، أو البركة، أو الحسن، أو نصبه سببا لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل أو نصبه سببا لذكره لعبده، أو لشكره له، أو لهدايته إياه، أو لإرضاء فاعله، أو وصف فاعله بالطيب، أو وصف الفعل بأنه معروف، أو نفى الحزن والخوف عن فاعله، أو وعده بالأمن، أو نصبه سببا لولايته، أو أخبر عن دعاء الرسل بحصوله، أو وصفه بكونه قربة، أو أقسم به أو بفاعله، كالقسم بخيل المجاهدين وإغارتها أو ضحك الرب جل جلاله من فاعله، أو عجبه به، فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب.
    فصل
    وكل فعل طلب الشارع تركه، أو ذم فاعله، أو عيب عليه، أو مقت فاعله، أو لعنه، أو نفى محبته إياه، أو محبة فاعله، أو نفى الرضا به، أو الرضا عن فاعله، أو شبه فاعله بالبهائم أو الشياطين، أو جعله مانعا من الهدى، أو وصفه بسوء أو كراهة، أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه، أو جعل سببا لنفي الفلاح، أو لعذاب عاجل أو آجل، أو لذم أو لوم، أو ضلالة أو معصية، أو وصفه بخبث أو رجس، أو نجس، أو بكونه فسقا أو إثما، أو سببا لإثم أو رجس، أو لعن أو غضب، أو زوال نعمة، أو حلول نقمة، أو حد من الحدود، أو قسوة، أو خزي، أو ارتهان نفس، أو لعداوة الله أو محاربته، أو الاستهزاء به وسخريته، أو جعله سببا لنسيانه لفاعله، أو وصف نفسه بالصبر عليه، أو الصفح أو الحلم عنه، أو دعا إلى التوبة منه، أو وصف فاعله بخبث أو احتقار، أو نسبه إلى الشيطان وتزيينه، أو تولي الشيطان لفاعله، أو وصفه بصفة ذم، مثل كونه ظلما أو بغيا، أو عدوانا أو إثما، أو تبرأ الأنبياء منه أو من فاعله، أو شكوا إلى الله من فاعله، أو جاهروا فاعله بالعداوة، أو نصب سببا لخيبة فاعله عاجلا أو آجلا أو رتب عليه حرمان الجنة، أو وصف فاعله بأنه عدو لله أو الله عدوه، أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمل فاعله إثم غيره، أو قيل فيه: "لا ينبغي هذا" أو "لا يصلح" أو أمر بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل يضاده، أو هجر فاعله، أو تلاعن فاعلوه في الآخرة، أو تبرأ بعضهم من بعض، أو وصف فاعله بالضلالة، أو أنه "ليس من الله في شيء" أو أنه ليس من الرسول وأصحابه، أو قرن بمحرم ظاهر التحريم في الحكم والخبر عنهما بخبر واحد، أو جعل اجتنابه سببا للفلاح، أو جعل سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل لفاعله "هل أنت منته" أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتب عليه إبعاد، أو طرد، أو لفظة "قتل من فعله"، أو "قاتل الله من فعله"، أو أخبر أن فاعله "لا يكلمه الله يوم القيامة، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه"، أو أن الله لا يصلح عمله، ولا يهدي كيده، أو أن فاعله لا يفلح، ولا يكون يوم القيامة من الشهداء ولا من الشفعاء، أو أن الله يغار من فعله، أو نبه على وجه المفسدة فيه، أو أخبر أنه لا يقبل من فاعله صرفا ولا عدلا أو أخبر أن من فعله قيض له الشيطان فهو له قرين، أو جعل الفعل سببا لإزاغة الله قلب فاعله، أو صرفه عن آياته وفهم آلائه، أو سؤال الله سبحانه عن علة الفعل "لم فعل" نحو: {لم تصدون عن سبيل الله من آمن} {لم تلبسون الحق بالباطل} {ما منعك أن تسجد} {لم تقولون ما لا تفعلون} ما لم يقترن به جواب من المسئول فإذا قرن به جواب، كان بحسب جوابه.
    فهذا ونحوه، يدل على المنع من الفعل، ودلالته على التحريم أطرد من دلالته على مجرد الكراهة. وأما لفظة يكرهه الله ورسوله، أو مكروه، فأكثر ما يستعمل في المحرم، وقد يستعمل في كراهة التنزيه.
    وأما لفظة "وأما أنا فلا أفعل" فالمتحقق منه الكراهة كقوله: ((أما أنا فلا آكل متكئا)).
    وأما لفظة "ما يكون لك" و"ما يكون لنا" فاطرد استعمالها في المحرم، نحو: {فما يكون لك أن تتكبر فيها} {ما يكون لنا أن نعود فيها} {ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق}.
    فصل
    وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال، ورفع الجناح، والإذن، والعفو، و"إن شئت فافعل" و"إن شئت فلا تفعل"، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع، وما يتعلق بها من الأفعال، نحو: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} ونحو: {وبالنجم هم يهتدون}.
    ومن السكوت عن التحريم، ومن الإقرار على الفعل في زمن الوحي.
    فائدة
    التعجب كما يدل على محبة الله تعالى للفعل نحو: ((عجب ربك من شاب ليست له صبوة)) ونحوه، قد يدل على بغض الفعل كقوله: {وإن تعجب فعجب قولهم} وقوله: {بل عجبت ويسخرون}.
    وقوله: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله}.
    وقد يدل على امتناع الحكم، وعدم حسنه، كقوله: {كيف يكون للمشركين عهد عند الله}.
    ويدل على حسن المنع منه قدرا، وأنه لا يليق به فعله، كقوله تعالى: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم}.
    فائدة
    نفي التساوي في كتاب الله، قد يأتي بين الفعلين، كقوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر} الآية.
    وقد يأتي بين الفاعلين كقوله: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله}.
    وقد يأتي بين الجزائين كقوله {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة}.
    وقد جمع الله بين الثلاثة في آية واحدة، وهي قوله تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور} الآيات.
    فائدة
    في ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور:
    التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره في صورة المحسوس، بحيث يكون نسبته للعقل، كنسبة المحسوس إلى الحس.
    وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر، وإبطال أمر.
    فائدة
    السياق يرشد إلى بيان المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته، فانظر إلى قوله: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير.
    فائدة
    إخبار الرب عن المحسوس الواقع له عدة فوائد:
    منها: أن يكون توطئة وتقدمة لإبطال ما بعده.
    ومنها: أن يكون موعظة وتذكرة.
    ومنها: أن يكون شاهدا على ما أخبر به من توحيده، وصدق رسوله، وإحياء الموتى.
    ومنها: أن يذكر في معرض الامتنان.
    ومنها: أن يذكر في معرض اللوم والتوبيخ.
    ومنها: أن يذكر في معرض المدح والذم.
    ومنها: أن يذكر في معرض الإخبار عن اطلاع الرب عليه. وغير ذلك من الفوائد.
    انتهى كلامه رحمه الله. وهو في غاية النفاسة، والاشتمال على كثير من القواعد والضوابط المتعلقة بتفسير القرآن، فجزاه الله خيرا.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مقدمة تفسير السعدي Empty رد: مقدمة تفسير السعدي

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أغسطس 31, 2013 6:51 am

    قلت: وقد اشتمل القرآن على عدة علوم قد ثنيت فيه وأعيدت:
    فمنها: ضرب الأمثال، وقد ذكر ابن القيم فيما تقدم فوائدها.
    ومنها ذكر صفات أهل السعادة والشقاوة، وفي ذلك فوائد عديدة:
    منها: أن الأوصاف التي يوصف بها أهل الخير، تدل على محبة الله ورضاه وأنها محمودة، والصفات التي يوصف بها أهل الشر، تدل على بغض الله لها وأنها مذمومة.
    ومنها: ما يكرم الله به أولياءه من الثناء الحسن بين عباده، فهو ثواب معجل، ويهين به أعداءه من الأوصاف القبيحة، فيكون عقابا معجلا.
    ومنها: أن فيه حثا للنفوس على الاقتداء بأهل الخير ومنافستهم، وتنشيط العمال على الأعمال ببيان من عملها من أولياء الله.
    وفيه الترهيب من أفعال أهل الشر، وتبغيض المعاصي التي أثرت مع عامليها ما أثرت.
    ومنها: الاعتبار بصفات أهل الخير والشر، وأن من فعل مثل فعلهم ناله ما نالهم.
    وقد حث تعالى على الاعتبار، في غير موضع من كتابه. وحقيقته: العبور من شيء إلى شيء، وقياس الشيء على نظيره.
    ومنها: أن العبد إذا رأى أعمال أهل الخير وعجزه عن القيام بها، أوجب له ذلك الإزراء على نفسه واحتقارها، وهذا هو عين صلاحه، كما أن رؤيته نفسه بعين الإعجاب والتكبر هو عين فساده، إلى غير ذلك من الفوائد.
    ومنها: ذكر صفات الله وأسمائه وأفعاله، وتقديسه عن النقائص، وفي ذلك فوائد عظيمة:
    منها: أن هذا العلم -وهو العلم المتعلق بالله تعالى- أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق.
    فالاشتغال بفهمه والبحث التام عنه، اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب.
    ومنها: أن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته وخشيته، وخوفه ورجائه، وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله، إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، والتفقه في فهم معانيها.
    وقد اشتمل القرآن من ذلك على ما لم يشتمل عليه غيره، من تفاصيل ذلك وتوضيحها، والتعرف بها إلى عباده، وتعريفهم لنفسه كي يعرفوه.
    ومنها: أن الله خلق الخلق ليعبدوه ويعرفوه، فهذا هو الغاية المطلوبة منهم، فالاشتغال بذلك اشتغال بما خلق له العبد، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له. وقبيح بعبد، لم تزل نعم الله عليه متواترة، وفضله عليه عظيم من كل وجه، أن يكون جاهلا بربه معرضا عن معرفته.
    ومنها: أن أحد أركان الإيمان، بل أفضلها وأصلها الإيمان بالله، وليس الإيمان بمجرد قوله: "آمنت بالله" من غير معرفة بربه.
    بل حقيقة الإيمان، أن يعرف الرب الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته، حتى يبلغ درجة اليقين، وبحسب معرفته بربه يكون إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه وكلما نقص، نقص.
    وأقرب طريق يوصله إلى ذلك، تدبر صفاته وأسمائه من القرآن.
    والطريق في ذلك، إذا مر به اسم من أسماء الله، أثبت له ذلك المعنى وكماله وعمومه، ونزهه عما يضاد ذلك.
    ومنها: أن العلم به تعالى أصل الأشياء كلها، حتى إن العارف به حقيقة المعرفة، يستدل بما عرف من صفاته وأفعاله على ما يفعله، وعلى ما يشرعه من الأحكام، لأنه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، فأفعاله دائرة بين العدل والفضل والحكمة.
    وكذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام، إلا على حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله.
    فأخباره كلها حق وصدق، وأوامره ونواهيه عدل وحكمة.
    وهذا العلم أعظم وأشهر من أن ينبه عليه لوضوحه:

    وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
    ومنها: ذكر الأنبياء والمرسلين، وما أرسلوا به، وما جرى لهم مع أممهم. وفي ذلك عدة فوائد:
    منها: أن من تمام الإيمان بهم معرفتهم بصفاتهم وسيرهم وأحوالهم. وكلما كان المؤمن بذلك أعرف، كان أعظم إيمانا بهم، ومحبة لهم، وتعظيما لهم، وتعزيزا وتوقيرا.
    ومنها: أن من بعض حقوقهم علينا -خصوصا النبي محمد صلى الله عليه وسلم- معرفتهم ومحبتهم محبة صادقة، ولا سبيل لذلك إلا بمعرفة أحوالهم.
    ومنها: أن معرفة الأنبياء موجبة لشكر الله تعالى على ما من به على المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولا منهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، بعد أن كانوا في ضلال مبين.
    ومنها: أن الرسل هم المربون للمؤمنين، الذين ما نال المؤمنون مثقال ذرة من الخير، ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر، إلا على أيديهم وبسببهم.
    فقبيح بالمؤمن أن يجهل حالة مربيه ومزكيه ومعلمه.
    وإذا كان من المستنكر جهل الإنسان بحال أبويه ومباعدته لذلك، فكيف بحالة الرسول، الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو أبوهم الحقيقي، الذي حقه مقدم على سائر الحقوق بعد حق الله تعالى؟!!
    ومنها: أن في معرفة ما جرى لهم وجرى عليهم، تحصل للمؤمن الأسوة والقدوة، وتخف عنه كثير من المقلقات والمزعجات، لأنها مهما بلغت من الثقل والشدة، فلا تصل إلى بعض ما جرى على الأنبياء. قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
    ومن أعظم الاقتداء بهم، الاقتداء بتعليماتهم، وكيفية إلقاء العلم على حسب مراتب الخلق، والصبر على التعليم، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وبهذا وأمثاله كان العلماء ورثة الأنبياء.
    ومن فوائد معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم، معرفة الآيات القرآنية المنزلة عليه وفهم المعنى. والمراد منها موقوف على معرفة أحوال الرسول، وسيرته مع قومه وأصحابه وغيرهم من الناس، فإن الأزمنة والأمكنة والأشخاص تختلف اختلافا كثيرا.
    فلو أراد إنسان أن يصرف همه لمعرفة معاني القرآن من دون معرفة منه لذلك، لحصل من الغلط على الله وعلى رسوله، وعلى مراد الله من كلامه، شيء كثير.
    وهذا إنما يعرفه من عرف ما في أكثر التفاسير من الأغلاط القبيحة التي ينزه عنها كلام الله وغير ذلك من الفوائد المفيدة والنتائج السديدة.
    ومن علوم القرآن: الأمر والنهي الموجه لهذه الأمة وغيرها، وهذا هو المقصود منهم، وفي معرفة ذلك عدة فوائد:
    منها: أن الله تعالى حث على معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله، وذم من لم يعرف ذلك.
    ومن أعظم ما يجب معرفة حدوده؛ الأوامر والنواهي التي كلفنا بها، وألزمنا بالقيام بها وتعلمها وتعليمها.
    ولا سبيل إلى امتثالها، أو اجتنابها، إلا بمعرفتها، ليتأتى فعلها أو تركها وذلك أن المكلف إذا أمر بأمر، وجب عليه أولا معرفة ما هو الذي أمر به، وما يدخل به وما لا يدخل.
    فإذا عرف ذلك استعان بالله، واجتهد في امتثاله بحسب القدرة والإمكان.
    وكذلك إذا نهي عن أمر من الأمور، وجب عليه معرفة ذلك المنهي وحقيقته، ثم يبذل جهده مستعينا بربه على تركه، امتثالا لأمر الله، واجتنابا لنهيه، وامتثال الأمر، واجتناب النهي، كل منهما واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فعرفت أن العلم بها قبل العمل، ومتقدم عليه.
    ومنها: أن الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يمكن حصولها وتحصيلها إلا بعد معرفة الخير ليدعو له، ومعرفة المعروف ليأمر به، ومعرفة المنكر لينهى عنه، والقرآن مشتمل على ذلك أعظم اشتمال، ومتضمن له أكمل تضمن.
    ومن علوم القرآن أحوال اليوم الآخر، وهو ما يكون بعد الموت مما أخبر به الله في كتابه، أو أخبر به رسوله من أهوال الموت، والقبر والموقف، والجنة والنار، وفي العلم بذلك فوائد كثيرة:
    منها: أن الإيمان باليوم الآخر، أحد أركان الإيمان الستة، التي لا يصح الإيمان بدونها، وكلما ازدادت معرفته بتفاصيله، ازداد إيمانه.
    ومنها: أن العلم بذلك حقيقة المعرفة، يفتح للإنسان باب الخوف والرجاء، اللذين إن خلا القلب منهما خرب كل الخراب، وإن عمر بهما أوجب له الخوف الانكفاف عن المعاصي، والرجاء تيسير الطاعة وتسهيلها، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة تفاصيل الأمور التي يخاف منها وتحذر؛ كأحوال القبر وشدته، وأحوال الموقف الهائلة، وصفات النار المفظعة.
    وبمعرفة تفاصيل الجنة وما فيها من النعيم المقيم، والحبرة والسرور، ونعيم القلب والروح والبدن، فيحدث بسبب ذلك الاشتياق الداعي للاجتهاد في السعي للمحبوب المطلوب، بكل ما يقدر عليه.
    ومنها: أنه يعرف بذلك فضل الله وعدله، في المجازاة على الأعمال الصالحة، والسيئة، الموجب لكمال حمده والثناء عليه بما هو أهله.
    وعلى قدر علم العبد بتفاصيل الثواب والعقاب، يعرف بذلك فضل الله وعدله وحكمته.
    ومن علوم القرآن: مجادلة المبطلين، ودفع شبه الظالمين، وإقامة البراهين العقلية الموافقة للأدلة النقلية.
    وهذا الفن من علوم القرآن من خواص العلماء الربانيين، والجهابذة الراسخين، والعقلاء المستبصرين، وقد اشتمل القرآن من الأدلة العقلية، والقواطع البرهانية، ما لو جمع ما عند جميع المتكلمين من حق، لكان بالنسبة إليه كنقرة عصفور بالنسبة لماء البحر؛ ذلك بأن القرآن هو الحق، وقد اشتمل على الحق والصدق والعدل والميزان العادل والقسط والصلاح والفلاح، فإن ذكر التوحيد والشرك، وأمر بالأول ونهى عن الثاني، أقام من البراهين القاطعة على صحة التوحيد وحسنه وتعينه طريقا للنجاة، وقبح الشرك وبطلانه، وكونه هو الطريق للهلاك، ما يجعل ذلك للبصيرة كالشمس في نحر الظهيرة.
    وإن أمر بالأوامر الشرعية، وحث على الآداب ومكارم الأخلاق، رأيته ينبه العقول النيرة على ما اشتملت عليه من المصالح الضرورية، التي يحتاجونها في معاشهم ومعادهم، ما يجزم بأنه لا أحسن منها، وأن حكمته تقتضي الأمر بها أشد اقتضاء.
    وإن نهى عن المحارم والقبائح والخبائث، أخبر بما في ضمنها من الفساد والضرر، والشر الحاصل بتناولها، وأن نعمة الله عليهم بتحريمها عليهم وتنزيههم عنها، وتكريمهم وتعلية أقدارهم عن التلبس بها فوق كل نعمة، فالمأمورات مشتملات على الصلاح، والمحرمات مشتملات على المفاسد.
    وإن شرع في الحجاج للمبطلين، وتزييف شبه المشبهين، وبطلان مذاهب الضالين، فقل ما شئت من إحقاق حق، ودمغ باطل، وإرشاد ضال، وإقامة الحجة على المعاند، وبيان أن الباطل لا يقوم لأقل شيء من الحق، بل هو على اسمه باطل لا حقيقة له، إن هي إلا أسماء يسمون بها الباطل إذا جردت، تبينت هباء منثورا.
    ورأيته يسوق البراهين العقلية، بأوضح عبارة وأوجزها وأسلمها من الاعتراض والنقض والخفاء، فيجمع بين الدليل العقلي والنقلي في كلمة واحدة، إيجازا غير مخل بالمطلوب، وتارة يفصل ذلك، ويسرد من البراهين ما يكفي بعضه بالبيان. فلله الحمد والشكر.
    فهذه مقدمة نافعة، إن شاء الله، ينبغي استقراؤها في كل مواردها، والتنبه لكل ما يرد من هذه المطالب على وجه التفصيل، فمن استعملها في كل ما يرد عليه من الآيات، انتفع بها نفعا عظيما. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 7:49 pm