بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فهذا تلخيص مقدمة تفسير الحافظ بن كثير في أصول التفسير لخصتها لتيسير الانتفاع بها، وقد حافظت على نصوص الأصل، مع إضافة بعض العناوين التي اقتضاها المقام، والله تعالى أسأل أن يجعله خالصا لوجهه، وأن ينفع به كل من نظر فيه.
أصح طرق التفسير:
1- تفسير القرآن بالقرآن:
إن أصح الطرق في ذلك أن يُفَسَّر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِل في مكان فإنه قد فُسِّر في موضع آخر.
2- تفسير القرآن بالسنة:
فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. قال الله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما). [1]، وقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون). 2]، وقال تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ).! [3]
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه»[4] يعني: السنة. والسنة أيضًا تنزل عليه بالوحي، كما ينزل القرآن؛ إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن.
3- تفسير القرآن بأقوال الصحابة:
إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح.
أشهر المفسرين من الصحابة:
- علماءهم وكبراءهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين.
- وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، عن مسروق قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود: (والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته).
وقال الأعمش أيضًا، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.
- ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل»[5]
وقال عبد الله -يعني ابن مسعود-: نعْم ترجمان القرآن ابنُ عباس. [فقد صح السند] إلى ابن مسعود: أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة. وقد مات ابن مسعود، رضي الله عنه، في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعُمِّر بعده ابن عباس ستًا وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود؟.
الإسرائيليات المنقولة عن الصحابة:
غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره، عن هذين الرجلين: عبد الله بن مسعود وابن عباس. ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب، التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «بَلِّغوا عني ولو آية، وحَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج، ومن كذب عَلَىَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»[6] ولهذا كان عبد الله بن عمرو يوم اليرموك قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك.
ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد، لا للاعتضاد، فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
4- تفسير القرآن بأقوال التابعين:
إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين.
- أشهر المفسرين من التابعين:
- مجاهد بن جَبْر فإنه كان آية في التفسير، فعنه قال: عَرضْتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها.
وعن ابن أبي مُلَيْكَة قال: رأيت مجاهدًا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله. ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
- وكسعيد بن جُبَيْر، وعِكْرِمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق ابن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مُزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم، فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلافًا فيحكيها أقوالا وليس كذلك، فإن منهم من يعبّر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، والله الهادي.
5- التفسير بالرأي:
فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، لما رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم، فليتبوأ مقعده من النار».
أخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وعن جُنْدب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ».
وقد روى هذا الحديث أبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث سهيل بن أبي حزم القُطعي، وقال الترمذي: غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم في سهيل.
وفي لفظ لهم: «من قال في كتاب الله برأيه، فأصاب، فقد أخطأ». أي: لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرمًا ممن أخطأ، والله أعلم، ولهذا تَحَرَّج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، كما روى شعبة، عن أبي مَعْمَر، قال: قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: (أيّ أرض تقلّني وأي سماء تظلني؟ إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم).
وعن أنس؛ أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر:( وفاكهة وأبا) [7]، فقال: (هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر)[8].
وهذا كله محمول على أنهما، رضي الله عنهما، إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب، وإلا فكونه نبتا من الأرض ظاهر لا يجهل، لقوله:(فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا). [ÇËÑ[9] وعن أيوب، عن ابن أبي مُلَيْكَة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها. إسناده صحيح.
وعن الوليد بن مسلم، قال: جاء طَلْق بن حبيب إلى جُنْدُب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن؟ فقال: أحرِّج عليك إن كنت مسلمًا إلا ما قمتَ عني، أو قال: أن تجالسني.
وعن سعيد بن المسيب: إنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن شيئًا.
وعن يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت، كأن لم يسمع.
وعن عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركتُ فقهاء المدينة، وإنهم ليعظِّمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع.
فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعًا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى:(لتبيننه للناس ولا تكتمونه). [ÇÊÑÐÈ[10]، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: «من سئل عن علم فكتمه، ألْجِم يوم القيامة بلجام من نار»[11].
وعن أبي الزناد عن الأعرج قال: قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله. والله أعلم بالصواب.
[1] النساء الآية: (105).
[2] النحل الآية: (44).
[3] النحل الآية: (64).
[4] أخرجه أحمد (6/10) وأبو داود (5/12/4605) والترمذي (5/36-37/2663) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه (1/6-7/13) وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
[5] أخرجه: أحمد (1/328 و335) وابن حبان: الإحسان (15/531/7055). والحاكم (3/534) وصححه، ووافقه الذهبي. وبنحوه: أحمد (1/359) والبخاري (1/325/143) ومسلم (4/1927/2477) والترمذي (5/638/3824) وابن ماجه (1/58/166) والنسائي في الكبرى (5/52/8177).
[6] أخرجه أحمد (2/159-202-214) والبخاري (6/614/3461) والترمذي (5/39/2669).
[7] عبس الآية: (31).
[8]أخرجه: ابن جرير (30/60-61)، والحاكم (2/514). وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، والبيهقي في 'شعب الإيمان' (2/424/2281) ونسبه ابن حجر في 'الفتح' (6/364) لعبد بن حميد،. وصحح إسناده ابن كثير في تفسيره (8/348).
[9]عبس الآية: (27-28).
[10] آل عمران الآية: (187).
[11] أخرجه: أحمد (2/263) وأبو داود (4/67-68/3658) والترمذي (5/29/2649) وقال: حديث حسن. ابن ماجه (1/96/261). وصححه ابن حبان (الاحسان 1/297/95) والحاكم (1/101) ووافقه الذهبي.
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=67453
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فهذا تلخيص مقدمة تفسير الحافظ بن كثير في أصول التفسير لخصتها لتيسير الانتفاع بها، وقد حافظت على نصوص الأصل، مع إضافة بعض العناوين التي اقتضاها المقام، والله تعالى أسأل أن يجعله خالصا لوجهه، وأن ينفع به كل من نظر فيه.
أصح طرق التفسير:
1- تفسير القرآن بالقرآن:
إن أصح الطرق في ذلك أن يُفَسَّر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِل في مكان فإنه قد فُسِّر في موضع آخر.
2- تفسير القرآن بالسنة:
فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. قال الله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما). [1]، وقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون). 2]، وقال تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ).! [3]
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه»[4] يعني: السنة. والسنة أيضًا تنزل عليه بالوحي، كما ينزل القرآن؛ إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن.
3- تفسير القرآن بأقوال الصحابة:
إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح.
أشهر المفسرين من الصحابة:
- علماءهم وكبراءهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين.
- وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، عن مسروق قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود: (والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته).
وقال الأعمش أيضًا، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.
- ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل»[5]
وقال عبد الله -يعني ابن مسعود-: نعْم ترجمان القرآن ابنُ عباس. [فقد صح السند] إلى ابن مسعود: أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة. وقد مات ابن مسعود، رضي الله عنه، في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعُمِّر بعده ابن عباس ستًا وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود؟.
الإسرائيليات المنقولة عن الصحابة:
غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره، عن هذين الرجلين: عبد الله بن مسعود وابن عباس. ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب، التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «بَلِّغوا عني ولو آية، وحَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج، ومن كذب عَلَىَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»[6] ولهذا كان عبد الله بن عمرو يوم اليرموك قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك.
ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد، لا للاعتضاد، فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
4- تفسير القرآن بأقوال التابعين:
إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين.
- أشهر المفسرين من التابعين:
- مجاهد بن جَبْر فإنه كان آية في التفسير، فعنه قال: عَرضْتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها.
وعن ابن أبي مُلَيْكَة قال: رأيت مجاهدًا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله. ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
- وكسعيد بن جُبَيْر، وعِكْرِمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق ابن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مُزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم، فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلافًا فيحكيها أقوالا وليس كذلك، فإن منهم من يعبّر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، والله الهادي.
5- التفسير بالرأي:
فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، لما رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم، فليتبوأ مقعده من النار».
أخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وعن جُنْدب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ».
وقد روى هذا الحديث أبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث سهيل بن أبي حزم القُطعي، وقال الترمذي: غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم في سهيل.
وفي لفظ لهم: «من قال في كتاب الله برأيه، فأصاب، فقد أخطأ». أي: لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرمًا ممن أخطأ، والله أعلم، ولهذا تَحَرَّج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، كما روى شعبة، عن أبي مَعْمَر، قال: قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: (أيّ أرض تقلّني وأي سماء تظلني؟ إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم).
وعن أنس؛ أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر:( وفاكهة وأبا) [7]، فقال: (هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر)[8].
وهذا كله محمول على أنهما، رضي الله عنهما، إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب، وإلا فكونه نبتا من الأرض ظاهر لا يجهل، لقوله:(فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا). [ÇËÑ[9] وعن أيوب، عن ابن أبي مُلَيْكَة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها. إسناده صحيح.
وعن الوليد بن مسلم، قال: جاء طَلْق بن حبيب إلى جُنْدُب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن؟ فقال: أحرِّج عليك إن كنت مسلمًا إلا ما قمتَ عني، أو قال: أن تجالسني.
وعن سعيد بن المسيب: إنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن شيئًا.
وعن يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت، كأن لم يسمع.
وعن عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركتُ فقهاء المدينة، وإنهم ليعظِّمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع.
فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعًا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى:(لتبيننه للناس ولا تكتمونه). [ÇÊÑÐÈ[10]، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: «من سئل عن علم فكتمه، ألْجِم يوم القيامة بلجام من نار»[11].
وعن أبي الزناد عن الأعرج قال: قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله. والله أعلم بالصواب.
[1] النساء الآية: (105).
[2] النحل الآية: (44).
[3] النحل الآية: (64).
[4] أخرجه أحمد (6/10) وأبو داود (5/12/4605) والترمذي (5/36-37/2663) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه (1/6-7/13) وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
[5] أخرجه: أحمد (1/328 و335) وابن حبان: الإحسان (15/531/7055). والحاكم (3/534) وصححه، ووافقه الذهبي. وبنحوه: أحمد (1/359) والبخاري (1/325/143) ومسلم (4/1927/2477) والترمذي (5/638/3824) وابن ماجه (1/58/166) والنسائي في الكبرى (5/52/8177).
[6] أخرجه أحمد (2/159-202-214) والبخاري (6/614/3461) والترمذي (5/39/2669).
[7] عبس الآية: (31).
[8]أخرجه: ابن جرير (30/60-61)، والحاكم (2/514). وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، والبيهقي في 'شعب الإيمان' (2/424/2281) ونسبه ابن حجر في 'الفتح' (6/364) لعبد بن حميد،. وصحح إسناده ابن كثير في تفسيره (8/348).
[9]عبس الآية: (27-28).
[10] آل عمران الآية: (187).
[11] أخرجه: أحمد (2/263) وأبو داود (4/67-68/3658) والترمذي (5/29/2649) وقال: حديث حسن. ابن ماجه (1/96/261). وصححه ابن حبان (الاحسان 1/297/95) والحاكم (1/101) ووافقه الذهبي.
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=67453