ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    الجدل بين اللغة والاصطلاح

    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الجدل بين اللغة والاصطلاح Empty الجدل بين اللغة والاصطلاح

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) السبت أكتوبر 11, 2008 8:11 pm

    الجدل بين اللغة والاصطلاح



    الجدل كلمة سادت علوم الفلسفة والمنطق , وتضوّع اريجها في كتب اللغة والادب والنقد , ما دفع بالمؤلفين والمترجمين إلى تحديد مفهوم لهذه الكلمة يبين ابعادها , ويوضح دلالاتها , الا أن احداً لم يصل بها
    إلى عتبة الوضوح , ذلك لان بعضهم عني بتعريب « ديالكتيك » كمصطلح يوناني فلسفي يرادف كلمة « الجدل » العربية , وبعضهم عني بتطبيق المنهج الجدلي على الفن بمختلف انواعه ومدارسه , معتمدين في هذا وذاك على المنطق الجدلي الذي احياه من بعد , الفيلسوف الالماني « هيجل » فنصادف من المؤلفات على سبيل المثال لا الحصر : المنهج الجدلي عند هيجل , الجدل أو الديالكتيك مادياً , قصة الديالكتيك .‏
    جاء في لسان العرب ما ملخصه « الجدل : شدة الفتل , الجدلة : الارض لشدتها , درع جدلاء ومجدولة : محكمة النسيج , الجدل : اللدد في الخصومة والقدرة عليها , رجل جدل : إذا كان اقوى في الخصام » . ولم تخرج بقية المعاجم عما ورد انفاً في مادة « جدل » ما جعل مفهوم الكلمة يدور حول الشدة على الصعد كلها , فالجدل شدة الفتل إلى حد الاحكام , وشدة المخلوق إلى حد القوة , وشدة المصنوع إلى حد المتانة , واخيراً هو شدة المناظرة والمخاصمة إلى حد الغلبة بهدف اظهار الحق برهنة وتدليلاً .‏
    اما الباحث محمد عنبر فقد نظر إلى الجدل من زاوية اخرى , كان فيها الحرف العربي المركز والمحور في أن معاً , عندما رأى في الجدل كائناً حياً يعيش بالفطرة مع كل مفردة عربية , هذا لان المفردة في العربية تحمل في تقليباتها الشيء وضده , ولا نقصد بذلك المفردات المستخدمة لمعنيين متعاكسين , والمنتشرة في كتب اللغة والبلاغة , كقولنا للاعمى بصيراً , وليس للتضاد علاقة بها , بل سميت بالاضداد تجوّزاً . انما حسبنا في هذه العجالة أن نقيم مصالحة في كل لفظ يحمل ضده فيه , وليس اصلح لهذه التجربة من لفظ « جدل » اذ نطبق بذلك جدل الحرف على الكلمة .‏
    يذهب عنبر إلى أن وجهة الحرف « هي التي تحدد طبيعته الخاصة وصفاته الذاتية على مقتضى ما هي عليه , فلفظ « جدل » مثلاً , تتحدد صفاته الخاصة من تقدم حرف الجيم فالدال فاللام , والحرفان الاولان هما اللذان يحددان الوجهة , فإذا انعكسا انقلب المعنى إلى ضده .. وهكذا فجدل ضد رجل » ولو مثلنا لحركة لفظي « ج دل , د ج ل » لغوياً لوجدنا التضاد مع كل معنى ينبثق من كلا اللفظين , فالدجل ليس الا الكذب والتمويه , والدجال رجل من يهود يخرج في اخر هذه الامة , سمي بذلك لانه يدخل الحق بالباطل , اي أن التضاد حاصل في ثنائية« الحق , الباطل » .‏
    قد يختلف مفهوم الجدل أو « الديالكتيك » بين فريق واخر من الباحثين , الا أن المفاهيم كلها تلتقي في نقطة المصالحة بين معنيين متضادين , يمكن وصف الاول منهما بالايجابي المتجلي , والثاني المضاد بالسلبي المتخفي , وكم نقترب حيال ذلك من صورة الالم في حالة الولادة , وهي تعيش في برزخ بين الموت والحياة , اذ يكون الموت اقرب اليها من الحياة مع انها حية , ويكون الجنين بين الحياة والموت , لكنه اقرب إلى الحياة منه إلى الموت مع انه اشبه بالميت , فماذا نقول والحال هذه ?!‏
    أن كلاً من الام والجنين يمسك بطرف معنى يحيله إلى طرف معنى مضاد تماماً , ولذلك لا قول لنا بعد قوله عز من قائل : « يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي » وهذه - لعمري - هي اللحظة التي يسميها هيجل : اللحظة الجدلية .‏
    ربما وصلت بعض البحوث إلى تعريف ما اصطلح على تسميته « ديالكتيك » المأخوذ من العبارة اليونانية « ديالوغوم » التي تعني :اتكلم , ثم اخذت تعني فن المناقشة , انها فن البرهان , وفن دحض كلام الخصم , الجدل : دفع المرء خصمه إلى افساد قوله بحجة أو شبهة أو يقصد به تصحيح كلامه , وهو الخصومة في الحقيقة .‏
    هذا يتفق تماماً , مع ما وجدناه في المعجم الادبي جبور يعرف الديالكتيكية بأنها : فن الحوار , إذا ما اجتمع اثنان مختلفا الرأي ينشب جدل بينهما , يحاول فيه كل واحد دحض رأي خصمه , فيكون تعارض الطرائح المعروضة محركاً للنقاش , فكل مناقشة هي - من هذا الجانب - ديالكتيكية .‏
    ولعل هذا ما وجدناه في القرآن الكريم , بدليل تسمية احدى سوره بـ « المجادلة » فقد قال تعالى : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها , وتشتكي إلى الله , والله يسمع تحاوركما , أن الله سميع بصير» فإذا وقفنا عند هذه الاية نلحظ اركان الجدل متوافرة في الحوار والتجادل والسمع والشكوى , ولذا فالمجادلة : تناظر بين اثنين أو اكثر , وتتميز بطابع التضاد , معتمدة في ذلك على تعارض المعايير القيمية ادبياً .‏
    ونحن اذ ننحو هذا المنحى , لا نتحامل على ما وردنا من فلسفة اليونان أو علوم الغرب , ولا ننكر تأثر ادبنا ونقدنا بالمنهج الجدلي الهيجلي , انما حسبنا أن نحافظ على انفسنا من الضياع وسط دوامة المصطلحات المعربة والمترجمة , فالجدل الذي يعني الحوار والمناقشة وافحام الخصم بالحجة والبرهان موجود بوجود الانسان , وما الطبيعة الا الوعاء الاوسع الذي ما زال ينضح بما فيه « الجدل » حيث النور والظلمة , الحياة والموت , الذات والموضوع , الوجود واللا جود , تتجادل جميعها لتفضي إلى مركبات , يبحث كل مركب منها عن نقيضه في عملية لا تنتهي.‏
    ولما كانت الحال هذه , فإننا لا نحمل القضية اكثر مما تحتمل , بل نحاول الوصول من خلالها إلى تقعيد واضح لجدل واضح , نأمل أن يخرج من اطار ما قد يوصف به « العقم » إلى حالة يسودها المنطق في الطرح والدراية بالموضوع والمعرفة بأصول الحوار , وكم نحن احوج في هذه الفترة إلى جدل قادر على افحام خصمنا , ودحض ارائه ومزاعمه !‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 15, 2024 12:00 am