(المسند إليه): هو الذي يعتمد عليه الفعل وشبهه، فاعلاً أم نائباً، أم غيرهما.
وتعرضه حالات، من ذكر وحذف، وتعريف وتنكير، وتقديم وتأخير، وغيرها.
والأصل ذكر المسند إليه، لتوقّف فهم الكلام عليه، لكنه قد يجوز حذفه لوجود قرينة تدل عليه، وحينئذ فالراجح ذكره لأمور:
1 ـ زيادة التقرير والإيضاح، كقوله تعالى: { أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة:5) فإن ذكر (اُولئك) لزيادة الايضاح.
2 ـ ضعف القرينة، أو ضعف فهم السامع عن إدراكها، كقوله تعالى: { وما أدراك ما هيه نار حامية}(القارعة:10-11) فإن ذكر (النار) انما هو لاحتمال ضعف القرينة أو ضعف ادراك سامعها.
3 ـ الرد على المخاطب، كقوله تعالى: { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (النساء: من الآية171) رداً على من زعموا أنه أكثر.
4 ـ التلذّذ بذكر المحبوب، كقوله: (حبيبتي هي بدر، حبيبتي هي شمس...).
5 ـ التعريض بغباوة السامع، كقولك: (زيد قال كذا) في جواب: (ماذا قال زيد؟).
6 ـ التسجيل على السامع حتى لا يتمكّن من الإنكار، كقولك: (نعم، زيد سرق) في جواب أبيه: (هل زيد ابني سرق)؟
7 ـ التعجّب، فيما كان الحكم عجيباً: كقولك: (علي عليه السلام أخمد نار بدر) في جواب: (هل عليّ عليه السلام أخمد نار بدر)؟
8 ـ التعظيم، كقولك: (جاء أمير المؤمنين) في جواب (هل جاء أمير المؤمنين؟)
9 ـ الإهانة، كقولك: (جاء السارق) في جواب: (هل جاء السارق)؟
10 ـ بسط الكلام حيث الإصغاء مطلوب، كقوله تعالى: { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} (طـه:18)
حذف المسند إليه:
حذف (المسند إليه) خلاف الأصل كما عرفت، لكن إذا كانت هناك قرينة، وكان في حذفه غرض رجّح حذفه، وأهم الأغراض:
1 ـ الإحتراز عن العبث ـ بناءً على الظاهر ـ كقوله: (زيد أتى ثم ذهب) ولم يقل (زيد ذهب).
2 ـ إخفاء الأمر عن الحاضرين غير المخاطب، كقولك: (جاء) في جواب (ما فعل)؟ تريد أحد المجرمين.
3 ـ سهولة الإنكار حيث تمس الحاجة إليه، كقولك: (زنديق) حيث يعرفه المخاطب.
4 ـ الحذر من فوات الفرصة، كقولك: (غزال) لتنبيه الصيّاد، فإن قلت: (هذا غزال) فات خلف جبل مثلاً.
5 ـ اختبار تنبه السامع عند القرينة أو مقدار تنبهّه له، كقولك: (خاتم النبييّن) أي (محمدّ صلى الله عليه وآله وسلم).
6 ـ تضجّر المتكلّم بسبب، فلا يحب التطويل، كقوله: (قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل) ولم يقل: (أنا عليل) تضجّراً من علّته.
7 ـ المحافظة على السجع، كقولك: (زيد طاب، ثم آب) ولا تقول: (آب هو).
8 ـ المحافظة على القافية، كقوله:
قد كـان بـالإحسان أحرى أحمد لأنـه فـي كـل حـال يحـم
لم يقل: يحمد هو، تحفّظاً على القافية.
9 ـ المحافظة على الوزن، كقوله:
على أنّني راض بأن أحمل الهوى وأخلص منه لا علّـى ولا ليـا
أي: لا شيء عليَّ، فإنه لو ذكره اختلّ الوزن.
10 ـ كون المسند معلوماً معيّناّ، كقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (الرعد:9)
11 ـ اتباع الاستعمال الوارد على تركه، كقولهم: (رمية من غير رام) أي هذه رمية.
12 ـ إيهام حفظه عن لسانك، لأنه أجلّ من أن يذكر، كقوله: (صاحب كل منقبة..) يعني محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لأنه لا يليق أن يذكر لخسّته، كقوله تعالى: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} (البقرة:18)
13 ـ تكثير الفائدة لكثرة الاحتمالات، كقوله تعالى: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (يوسف: من الآية18). أي أمري صبر جميل، أو عملي، أو نحو ذلك.
14 ـ كون المسند معيّناً للعهد به، نحو قوله تعالى: { حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (صّ: من الآية32) أي الشمس.
ما ينبغي للمسند إليه:
(المسند إليه) ينبغي أن يكون معرفة، لأن الكلام إنما يؤتى به للإستفادة، ولا يستفاد من الحكم على النكرة، إلا في ظروف نادرة.
وتعريف (المسند إليه) يكون بالإضمار، والعَلَمية، والإشارة، والموصولية، وال، والإضافة، وقد يعرف بالنداء.
المسند إليه مضمراً:
أما تعريف المسند إليه بالإضمار فهو لأغراض أهمّها:
1- كون الحديث في مقام التكلّم، كقوله: (أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي...).
2- أو في مقام الخطاب، كقوله: (وأنت الذي في رحمة الله تطمع...).
3- أو في مقام الغيبة، كقوله تعالى: { هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ } (الحشر: من الآية23)
ولا بدّ من تقدّم ذكر مرجع الضمير وذلك:
1- إمّا لفظاً، كقوله تعالى: { فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (لأعراف: من الآية87).
2- وإمّا معنىً، كقوله تعالى: { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: من الآية8). أي العدل المفهوم من قوله: (اعدلوا).
3- وإمّا حكماً، كقوله تعالى: { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} (النساء: من الآية11)أي أبوي الميّت، المفهوم من السياق.
ثم أن الأصل في الخطاب أن يكون لمعيّن مشاهد.
وقد يأتي لغير المعيّن إذا قصد التعميم، كقوله تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (السجدة: من الآية12) .
كما أنه قد يأتي لغير المشاهد، إذا نزّل منزلته، نحو (لا اله إلا أنت) لكون الله تعالى مع كل أحد.
تأخير مرجع الضمير أو حذفه:
وربما يترك ذكر مرجع ضمير الغائب مقدماً عليه، فيؤخّر المرجع، أو لا يذكر أصلاً، لأغراض أهمّها:
1- إرادة تمكين الكلام فـــي ذهن السامـــع، لأنه إذا سمع الضميـــر تشوّق إلى معرفة مرجعه، كقوله تعالى: (قل هو الله أحد).( الإخلاص :1)
2- ادّعاء حضور مرجع الضمير في الذهن، فلا يحتاج إلى ذكر مرجعه، كقوله: (ذكرتني والليل مرخى الستور...) أي المحبوبة.
وهذا القسم من الكلام يسمّى: بـ (الإضمار في مقام الإظهار).
وقد يعكس الكلام فيوضع الظاهر مقام المضمر ويسمّى بـ: (الإظهار في مقام الإضمار) وذلك لأغراض أهمّها:
1 - إلقاء المهابة في ذهن السامع، كقول الوالي: (الأمير يأمر بكذا).
2 - تمكين المعنى في نفس المخاطب، كقوله: (هو ربّي وليس ندّ لربّي...).
3 - التلذّذ بالتكرار، كقوله:
(أمّر على الديار ديار ليلى)..
إلى:
(وما حبّ الديار شغفن قلبي).
4 - إثارة الحسرة والحزن، كقوله:
قد فارقتني زوجتي فراقاً وزوجتي لا تبتغي الطلاقا
5 - الاستعطاف، كقوله: (إلهي عبدك العاصي أتاكا...) لم يقل: (أنا).
المسند إليه علماً:
وأما تعريف المسند إليه بالعلمية فهو ليمتاز عما عداه باسمه الخاص، قال تعالى: { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} (البقرة: من الآية257).
وقد يعرض له إضافة إلى إمتيازه وجه مرجّح آخر، وأهم الوجوه:
1 ـ المدح، فيما إذا كان الاسم مشعراً بذلك، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ } (الفتح: من الآية29).
2 ـ الذمّ والإهانة، قال تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر} (إبراهيم: من الآية22) .
3 ـ التفاؤل كقوله: (جاء سعد فاتبعته سعود...).
4 ـ التشاؤم، كقوله: (وإذ أتت شوهاء نحوك فاستعذ...).
5 ـ التبرّك، بذكره، كقوله: (فليحكم القرآن في أبنائنا).
6 ـ التلذّذ باسمه، كقوله:
تالله ياظبيــات القاع قلن لنا ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر
7 ـ الكناية عن ذمّ يصلح العَلَم له، لكون المراد كان معنى هذا اللفظ قبل وضعه علماً، كقوله: (وأبر الحتوف إذا تعرّض نحوهم...) كناية عن الحتف المتوجّه إليهم.
8 ـ التسجيل على السامع لئلا ينكر، كقوله: (أفهل علمت بأن أحمد قد أتى)؟
9 ـ طلب الإقرار بصريح الاسم، كقوله: ( قل: هل دريت بأن يوسف حاكم)؟
المسند إليه معرفاً بالإشارة:
وأما تعريف المسند إليه باسم الإشارة فهو لأمور:
1 ـ أن لا يكون طريق لاحضاره إلا باسم الإشارة، لجهل السامع باسمه وبصفاته، كقوله: (جاءني هذا) مشيراً إلى زيد، حيث لا يمكنك احضاره باسمه أو صفته في ذهن المخاطب.
2 ـ بيان حاله في القرب، قال تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (يّـس:63).
3 ـ بيان حاله في التوسّط، كقوله: (ذاك شيخي ومرجعي وعمادي...).
4 ـ بيان حاله في البعد، قال تعالى: { ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} (قّ: من الآية42)..
5 ـ تعظيمه بالقرب، قال تعالى: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } (الاسراء: من الآية9).
6 ـ تعظيمه بالبُعد، كقوله: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً } (البقرة: من الآية2).
7 ـ تحقيره بالقرب، قال تعالى: { لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} (الانبياء: من الآية99).
8 ـ تحقيره بالبُعد، قال تعالى: { فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (الماعون:2)
9 ـ اظهار الاستغراب كقوله:
كم عاقل عاقل اعيت مـذاهبه وجاهل جاهل تلقاه مرزوقـا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة وصيّر العالم النحرير زنـديـقاً
10 - تمييز المشار إليه أحسن تمييز، كقوله:
هذا الّذي أحمد المختار والده بجدّه أنـبياء الله قـد ختمـوا
11 - التعريض بغباوة المخاطب ايماءاً إلى أنه لا يعرف إلا المحسوس، كقوله:
أولئك آبـائي فــجئني بـمثلهم إذا جـمعتنا يـا جـريـر المجامع
12 - إفادة أن المشار اليه حقيق بما يذكر له من الأوصاف، قال تعالى:
{ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة:5) , بعد ذكر أنهم : { يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(البقرة: من الآية3).
المسند إليه موصولاً:
وأمّا تعريف المسند إليه بالموصول فهو لأمور:
1 - أن لا يكون طريق لإحضاره في ذهن المخاطب إلا بإتيانه موصولاً، كقولك: (الذي هاجم الأعداء كان مقداماً) إذا لم يعرف المخاطب أي شيء منه، وكذا اذا لم يعرف اسمه المتكلّم.
2 - التشويق لكون مضمون الصلة أمراً غريباً، كقوله:
والذي حارت البريّة فيه حيوان مستحدث من جماد
3 - التنبيه على خطأ المخاطب، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } (لأعراف: من الآية194).
4 - التنبيه على خطأ غير المخاطب، كقوله:
مـن أخذوه جـوشنـاً مـن شـرّ الاعـداء لهم
5 - إرادة إخفاء المسند إليه بخصوصياته، كقوله:
مـا حـدث فـي دارنـا ليست عن الصبر أمرّ
6 - تعظيم شأن المسند اليه، كقوله:
إنّ الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعــائمـه أعـزّ وأطول
7 ـ التهويل، قال تعالى: { فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} (طـه: من الآية78).
8 ـ استهجان التصريح بالإسم، قال تعالى: { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} (يوسف: من الآية23).
9 ـ الإشارة إلى النحو الذي يبنى عليه الخبر، من خير وشرّ، ومدح وقدح، قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ }(الطور: من الآية21).
10 ـ التوبيخ، كقوله:
افيقوا أمن كان يـحسن دائـماً إليكم؟ فهل هذا جزاء المفضل؟
11- الاستغراق، كقوله: (الّذين يزورونك أكرمهم).
12- الإبهام، قال تعالى: { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} (الانفطار:5)
المسند إليه مضافاً:
وأمّا تعريف المسند إليه بالإضافة فهو لأمور:
1 ـ أنه أخصر طريق لإحضاره في ذهن المخاطب، كقوله: (زرتُ والدك)؟
2 ـ تعذّر التعداد، كقوله تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } (الرحمن:26)
3 ـ تعسّر التعداد، كقوله: (زارني أصدقائي) لمن أصدقاؤه كثيرون.
4 ـ الخروج عن تبعة تقديم بعض على بعض، كقوله: (جاء أمراء الجيش).
5 ـ تعظيم المضاف، كقوله: (خادم السلطان يبغي مطلباً) تعظيماً للخادم بأنه خادم السلطان.
6 ـ تعظيم المضاف اليه، كقوله:
إذا ما رأيت الكسائي فقل صنيعك أضحى أمير البلاد
تعظيماً للكسائي بأن صنيعه صار أميراً.
7 ـ تعظيم غيرهما نحو: (أخو السلطان صهري) تعظيماً للمتكلّم بأن أخ السلطان صهره..
8 ـ تحقير المضاف، نحو: (ابن الجَبان حاضر).
9 ـ تحقير المضاف اليه، نحو: (عبد زيد خائن).
10 ـ تحقير غيرهما، نحو: (أخو اللصّ عندك).
11 ـ الإختصار لضيق المقام، كقوله: ( هواي من الركب اليمانين مصعد) فلفظ (هواي) أخصر من (الذي أهواه).
12 ـ الإستهزاء، كقوله: (علمك النافع لاعلم جميع العلماء).
المسند إليه معرّفاً باللام:
وأمّا تعريف المسند إليه بـ (أل) سَواء العهدية أم الجنسية، فلأغراض:
أما (ال) العهدية، فإنها تدخل على المسند إليه للإشارة الى معهود لدى المخاطب، والعهد على ثلاثة أقسام:
1 ـ العهد الذكري، وهو ما تقدم فيه ذكر المسند إليه صريحاً، قال تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ }(المزمل: الآية15-16) فإن (الرسول) تقدّم ذكره صريحاً، لكن المثال ليس للمسند إليه، إذ الرسول مفعول في المقام، وانما المثال المطابق قوله:
أتاني شخصاً لابساً ثـوب سؤدد وما الشخص إلا من كرام الأقارب
2 ـ العهد الذهني، وهو ما تقدم فيه ذكر المسند إليه تلويحاً، قال تعالى: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }(آل عمران: من الآية36) فإنه لم يسبق ذكر (الذكر) صريحاً، وإنّما أشير إليه في قوله: { رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً }(آل عمران: من الآية35) فإنّ (ما) يراد منه الذكر، لانه القابل لخدمة المسجد.
3 ـ العهد الحضوري، وهو ما كان المسند إليه حاضراً بذاته، قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}(المائدة: من الآية3) فإن (اليوم) وهو يوم الغدير ـ الذي أكمل الله تعالى دينه بولاية أمير االمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ كان حاضراً، ومثله ما بمنزلة الحاضر، نحو: هل انعقد المجلس؟ فيما كان المجلس في شرف الانعقاد.
وأما (ال) الجنسية فإنها تدخل على المسند إليه لبيان الحقيقة، وهي على أربعة أقسام:
1 ـ لام الجنس، وهي تدخل على الأجناس، للإشارة الى الحقيقة، من دون نظر إلى العموم والخصوص، نحو (الإنسان حيوان ناطق) فإن المراد أن هذا الجنس متّصف بكونه حيواناً ناطقاً.
2 ـ لام الحقيقة، وهي تدخل على الأجناس، للإشارة إلى فرد مبهم، قال تعالى: { وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} (يوسف: من الآية13) فالمقصود: فرد من الذئب، ويعامل مع مدخولها معاملة النكرة، لكونه بمعناها.
3 ـ لام الاستغراق الحقيقي، وهي تدخل على الاجناس، للإشارة الى عمومها لكل فرد صالح لأن يكون داخلاً في الجنس ـ بحسب اللغة ـ قال تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} (الأنعام: من الآية73) أي كلّ غيب وكلّ شهادة.
4 ـ لام الاستغراق العرفي، وهي تدخل على الاجناس، للإشارة إلى عمومها لجميع الأفراد، لكن عرفاً لا حقيقة، نحو: (جمع الأمير الصاغة) فإن المراد صاغة بلده أو مملكته لا صاغة الدنيا.
واعلم أن بعض هذه الأمثلة ليست مما نحن فيه، وإنما المقصود أصل المثال، لا كونه في المسند اليه.
المسند اليه معرّفاً بالنداء:
وأما تعريف المسند إليه بحرف النداء فهو لأغراض:
1- إذا لم يعرف المتكلّم للمخاطب عنواناً خاصاً، نحو: (يا رجل).
2 ـ إذا اريد إغراء المخاطب لأمر، نحو (يا فقير) و(يا مظلوم) و(يا شجاع) إذا أريد رغبته في طلب الغنى، أو إثارته على الظالم، أو تشجيعه على اقتحام المصاعب.
3 ـ اذا أريد الإشارة الى وجه النداء، نحو: (يا قاضي الحاجات، اقض حاجتي).
4 ـ التحقير، نحو: (يا رجل عافاك الله).
تنكير المسند إليه:
سبق أنّه ينبغي أن يكون المسند إليه معرفة، ولكن قد يؤتى به نكرة لأغراض:
1 - إذا لم يعلم المتكلم بجهة من جهات التعريف، حقيقة أو ادعاءاً، كقوله: (جاء رجل يسأل عنك).
2 - إخفاء الأمر كقوله: (اتّهمك رجل) يخفي اسمه حتى لايكون شغباً.
3 - قصد الإفراد، قال تعالى: { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} (يّـس: من الآية20) أي: رجل واحد
4 - قصد النوعيّة، نحو: (لكل داء دواء).
5 ـ التعظيم، قال تعالى: { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } (البقرة: من الآية7) أي: غشاوة عظيمة.
6 ـ التحقير، قال تعالى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ} (الانبياء: من الآية46).
7 ـ التكثير، قال تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ } (فاطر: من الآية4).
8 ـ التقليل، قال تعالى: { وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} (التوبة: من الآية72) أي: رضوان قليل أكبر من نعيم الجنّة ـ على بعض التفاسيرـ.
تقديم المسند اليه:
الأصل في (المسند إليه) التقديم، لأنه محكوم عليه والحكم مؤخّر، وقد يرجّح تقديمه ـ علاوة على ذلك ـ لأغراض أهمها:
1 ـ تعجيل المسرّة، كقوله: (عطاؤك ممنوح ورزقك مضمون).
2 ـ تعجيل المسائة، كقوله: (السجن موطنه والقبر عاقبته).
3 ـ التشويق إلى الخبر إذا كان المبتدأ غريباً، كقوله:
والذي حـرت الـبريّة فيه حيوان مستحدث من جماد
4 ـ التلذّذ بالمسند إليه، كقوله: (حبيبي شمس للمعالي وزورق...).
5 ـ التبرّك بالتقديم، كقوله: (محمّد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رسول حقّ...).
6 ـ كون المقدم محلّ الإنكار، كقوله: (لعب وشيب، إنّ ذا لعجيب)؟!
7 ـ التدرّج في الحسن أو القبح أو ما شاكلهما، كقوله: (أصحيح ومفصح وبليغ)؟ فالصحّة مقدّمة على الفصاحة، وهي على البلاغة.
وقوله: (نظرة فابتسامة فسلام...).
وقوله: (نواة ثم زرع ثم نخل...).
8 ـ مراعاة الترتيب الوجودي، قال تعالى: { لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}(البقرة: من الآية255).
9 ـ النص على مقدار النفي، وإنه جميع الأفراد أو بعضها، لأنه:
إذا كان المنفي جميع الأفراد، قدموا أداة العموم على أداة النفي، فيقال:
(كل صدوق لا يكذب) ويسمى هذا بـ: (عموم السلب).
وإذا كان المنفي بعض الأفراد، قدموا أداة السلب على أداة العموم، فيقال:
(ما كل سوداء تمرة) ويسمى هذا بـ: (سلب العموم).
نعم هذه القاعدة غير مطردة، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان: من الآية18). والمراد عموم السلب.
10- إفادة التخصيص إذا كان المسند مسبوقاً بنفي وكان المسند فعلاً، نحو: (ما أنا قلت هذا) والمراد: إني لم أقل، لكن غيري قال، فالنفي مختص بالمتكلم.
=======
كتاب البلاغة : (المعاني . البيان . البديع) للشيرازي.
وتعرضه حالات، من ذكر وحذف، وتعريف وتنكير، وتقديم وتأخير، وغيرها.
والأصل ذكر المسند إليه، لتوقّف فهم الكلام عليه، لكنه قد يجوز حذفه لوجود قرينة تدل عليه، وحينئذ فالراجح ذكره لأمور:
1 ـ زيادة التقرير والإيضاح، كقوله تعالى: { أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة:5) فإن ذكر (اُولئك) لزيادة الايضاح.
2 ـ ضعف القرينة، أو ضعف فهم السامع عن إدراكها، كقوله تعالى: { وما أدراك ما هيه نار حامية}(القارعة:10-11) فإن ذكر (النار) انما هو لاحتمال ضعف القرينة أو ضعف ادراك سامعها.
3 ـ الرد على المخاطب، كقوله تعالى: { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (النساء: من الآية171) رداً على من زعموا أنه أكثر.
4 ـ التلذّذ بذكر المحبوب، كقوله: (حبيبتي هي بدر، حبيبتي هي شمس...).
5 ـ التعريض بغباوة السامع، كقولك: (زيد قال كذا) في جواب: (ماذا قال زيد؟).
6 ـ التسجيل على السامع حتى لا يتمكّن من الإنكار، كقولك: (نعم، زيد سرق) في جواب أبيه: (هل زيد ابني سرق)؟
7 ـ التعجّب، فيما كان الحكم عجيباً: كقولك: (علي عليه السلام أخمد نار بدر) في جواب: (هل عليّ عليه السلام أخمد نار بدر)؟
8 ـ التعظيم، كقولك: (جاء أمير المؤمنين) في جواب (هل جاء أمير المؤمنين؟)
9 ـ الإهانة، كقولك: (جاء السارق) في جواب: (هل جاء السارق)؟
10 ـ بسط الكلام حيث الإصغاء مطلوب، كقوله تعالى: { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} (طـه:18)
حذف المسند إليه:
حذف (المسند إليه) خلاف الأصل كما عرفت، لكن إذا كانت هناك قرينة، وكان في حذفه غرض رجّح حذفه، وأهم الأغراض:
1 ـ الإحتراز عن العبث ـ بناءً على الظاهر ـ كقوله: (زيد أتى ثم ذهب) ولم يقل (زيد ذهب).
2 ـ إخفاء الأمر عن الحاضرين غير المخاطب، كقولك: (جاء) في جواب (ما فعل)؟ تريد أحد المجرمين.
3 ـ سهولة الإنكار حيث تمس الحاجة إليه، كقولك: (زنديق) حيث يعرفه المخاطب.
4 ـ الحذر من فوات الفرصة، كقولك: (غزال) لتنبيه الصيّاد، فإن قلت: (هذا غزال) فات خلف جبل مثلاً.
5 ـ اختبار تنبه السامع عند القرينة أو مقدار تنبهّه له، كقولك: (خاتم النبييّن) أي (محمدّ صلى الله عليه وآله وسلم).
6 ـ تضجّر المتكلّم بسبب، فلا يحب التطويل، كقوله: (قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل) ولم يقل: (أنا عليل) تضجّراً من علّته.
7 ـ المحافظة على السجع، كقولك: (زيد طاب، ثم آب) ولا تقول: (آب هو).
8 ـ المحافظة على القافية، كقوله:
قد كـان بـالإحسان أحرى أحمد لأنـه فـي كـل حـال يحـم
لم يقل: يحمد هو، تحفّظاً على القافية.
9 ـ المحافظة على الوزن، كقوله:
على أنّني راض بأن أحمل الهوى وأخلص منه لا علّـى ولا ليـا
أي: لا شيء عليَّ، فإنه لو ذكره اختلّ الوزن.
10 ـ كون المسند معلوماً معيّناّ، كقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (الرعد:9)
11 ـ اتباع الاستعمال الوارد على تركه، كقولهم: (رمية من غير رام) أي هذه رمية.
12 ـ إيهام حفظه عن لسانك، لأنه أجلّ من أن يذكر، كقوله: (صاحب كل منقبة..) يعني محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لأنه لا يليق أن يذكر لخسّته، كقوله تعالى: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} (البقرة:18)
13 ـ تكثير الفائدة لكثرة الاحتمالات، كقوله تعالى: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (يوسف: من الآية18). أي أمري صبر جميل، أو عملي، أو نحو ذلك.
14 ـ كون المسند معيّناً للعهد به، نحو قوله تعالى: { حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (صّ: من الآية32) أي الشمس.
ما ينبغي للمسند إليه:
(المسند إليه) ينبغي أن يكون معرفة، لأن الكلام إنما يؤتى به للإستفادة، ولا يستفاد من الحكم على النكرة، إلا في ظروف نادرة.
وتعريف (المسند إليه) يكون بالإضمار، والعَلَمية، والإشارة، والموصولية، وال، والإضافة، وقد يعرف بالنداء.
المسند إليه مضمراً:
أما تعريف المسند إليه بالإضمار فهو لأغراض أهمّها:
1- كون الحديث في مقام التكلّم، كقوله: (أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي...).
2- أو في مقام الخطاب، كقوله: (وأنت الذي في رحمة الله تطمع...).
3- أو في مقام الغيبة، كقوله تعالى: { هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ } (الحشر: من الآية23)
ولا بدّ من تقدّم ذكر مرجع الضمير وذلك:
1- إمّا لفظاً، كقوله تعالى: { فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (لأعراف: من الآية87).
2- وإمّا معنىً، كقوله تعالى: { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: من الآية8). أي العدل المفهوم من قوله: (اعدلوا).
3- وإمّا حكماً، كقوله تعالى: { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} (النساء: من الآية11)أي أبوي الميّت، المفهوم من السياق.
ثم أن الأصل في الخطاب أن يكون لمعيّن مشاهد.
وقد يأتي لغير المعيّن إذا قصد التعميم، كقوله تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (السجدة: من الآية12) .
كما أنه قد يأتي لغير المشاهد، إذا نزّل منزلته، نحو (لا اله إلا أنت) لكون الله تعالى مع كل أحد.
تأخير مرجع الضمير أو حذفه:
وربما يترك ذكر مرجع ضمير الغائب مقدماً عليه، فيؤخّر المرجع، أو لا يذكر أصلاً، لأغراض أهمّها:
1- إرادة تمكين الكلام فـــي ذهن السامـــع، لأنه إذا سمع الضميـــر تشوّق إلى معرفة مرجعه، كقوله تعالى: (قل هو الله أحد).( الإخلاص :1)
2- ادّعاء حضور مرجع الضمير في الذهن، فلا يحتاج إلى ذكر مرجعه، كقوله: (ذكرتني والليل مرخى الستور...) أي المحبوبة.
وهذا القسم من الكلام يسمّى: بـ (الإضمار في مقام الإظهار).
وقد يعكس الكلام فيوضع الظاهر مقام المضمر ويسمّى بـ: (الإظهار في مقام الإضمار) وذلك لأغراض أهمّها:
1 - إلقاء المهابة في ذهن السامع، كقول الوالي: (الأمير يأمر بكذا).
2 - تمكين المعنى في نفس المخاطب، كقوله: (هو ربّي وليس ندّ لربّي...).
3 - التلذّذ بالتكرار، كقوله:
(أمّر على الديار ديار ليلى)..
إلى:
(وما حبّ الديار شغفن قلبي).
4 - إثارة الحسرة والحزن، كقوله:
قد فارقتني زوجتي فراقاً وزوجتي لا تبتغي الطلاقا
5 - الاستعطاف، كقوله: (إلهي عبدك العاصي أتاكا...) لم يقل: (أنا).
المسند إليه علماً:
وأما تعريف المسند إليه بالعلمية فهو ليمتاز عما عداه باسمه الخاص، قال تعالى: { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} (البقرة: من الآية257).
وقد يعرض له إضافة إلى إمتيازه وجه مرجّح آخر، وأهم الوجوه:
1 ـ المدح، فيما إذا كان الاسم مشعراً بذلك، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ } (الفتح: من الآية29).
2 ـ الذمّ والإهانة، قال تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر} (إبراهيم: من الآية22) .
3 ـ التفاؤل كقوله: (جاء سعد فاتبعته سعود...).
4 ـ التشاؤم، كقوله: (وإذ أتت شوهاء نحوك فاستعذ...).
5 ـ التبرّك، بذكره، كقوله: (فليحكم القرآن في أبنائنا).
6 ـ التلذّذ باسمه، كقوله:
تالله ياظبيــات القاع قلن لنا ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر
7 ـ الكناية عن ذمّ يصلح العَلَم له، لكون المراد كان معنى هذا اللفظ قبل وضعه علماً، كقوله: (وأبر الحتوف إذا تعرّض نحوهم...) كناية عن الحتف المتوجّه إليهم.
8 ـ التسجيل على السامع لئلا ينكر، كقوله: (أفهل علمت بأن أحمد قد أتى)؟
9 ـ طلب الإقرار بصريح الاسم، كقوله: ( قل: هل دريت بأن يوسف حاكم)؟
المسند إليه معرفاً بالإشارة:
وأما تعريف المسند إليه باسم الإشارة فهو لأمور:
1 ـ أن لا يكون طريق لاحضاره إلا باسم الإشارة، لجهل السامع باسمه وبصفاته، كقوله: (جاءني هذا) مشيراً إلى زيد، حيث لا يمكنك احضاره باسمه أو صفته في ذهن المخاطب.
2 ـ بيان حاله في القرب، قال تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (يّـس:63).
3 ـ بيان حاله في التوسّط، كقوله: (ذاك شيخي ومرجعي وعمادي...).
4 ـ بيان حاله في البعد، قال تعالى: { ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} (قّ: من الآية42)..
5 ـ تعظيمه بالقرب، قال تعالى: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } (الاسراء: من الآية9).
6 ـ تعظيمه بالبُعد، كقوله: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً } (البقرة: من الآية2).
7 ـ تحقيره بالقرب، قال تعالى: { لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} (الانبياء: من الآية99).
8 ـ تحقيره بالبُعد، قال تعالى: { فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (الماعون:2)
9 ـ اظهار الاستغراب كقوله:
كم عاقل عاقل اعيت مـذاهبه وجاهل جاهل تلقاه مرزوقـا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة وصيّر العالم النحرير زنـديـقاً
10 - تمييز المشار إليه أحسن تمييز، كقوله:
هذا الّذي أحمد المختار والده بجدّه أنـبياء الله قـد ختمـوا
11 - التعريض بغباوة المخاطب ايماءاً إلى أنه لا يعرف إلا المحسوس، كقوله:
أولئك آبـائي فــجئني بـمثلهم إذا جـمعتنا يـا جـريـر المجامع
12 - إفادة أن المشار اليه حقيق بما يذكر له من الأوصاف، قال تعالى:
{ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة:5) , بعد ذكر أنهم : { يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(البقرة: من الآية3).
المسند إليه موصولاً:
وأمّا تعريف المسند إليه بالموصول فهو لأمور:
1 - أن لا يكون طريق لإحضاره في ذهن المخاطب إلا بإتيانه موصولاً، كقولك: (الذي هاجم الأعداء كان مقداماً) إذا لم يعرف المخاطب أي شيء منه، وكذا اذا لم يعرف اسمه المتكلّم.
2 - التشويق لكون مضمون الصلة أمراً غريباً، كقوله:
والذي حارت البريّة فيه حيوان مستحدث من جماد
3 - التنبيه على خطأ المخاطب، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } (لأعراف: من الآية194).
4 - التنبيه على خطأ غير المخاطب، كقوله:
مـن أخذوه جـوشنـاً مـن شـرّ الاعـداء لهم
5 - إرادة إخفاء المسند إليه بخصوصياته، كقوله:
مـا حـدث فـي دارنـا ليست عن الصبر أمرّ
6 - تعظيم شأن المسند اليه، كقوله:
إنّ الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعــائمـه أعـزّ وأطول
7 ـ التهويل، قال تعالى: { فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} (طـه: من الآية78).
8 ـ استهجان التصريح بالإسم، قال تعالى: { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} (يوسف: من الآية23).
9 ـ الإشارة إلى النحو الذي يبنى عليه الخبر، من خير وشرّ، ومدح وقدح، قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ }(الطور: من الآية21).
10 ـ التوبيخ، كقوله:
افيقوا أمن كان يـحسن دائـماً إليكم؟ فهل هذا جزاء المفضل؟
11- الاستغراق، كقوله: (الّذين يزورونك أكرمهم).
12- الإبهام، قال تعالى: { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} (الانفطار:5)
المسند إليه مضافاً:
وأمّا تعريف المسند إليه بالإضافة فهو لأمور:
1 ـ أنه أخصر طريق لإحضاره في ذهن المخاطب، كقوله: (زرتُ والدك)؟
2 ـ تعذّر التعداد، كقوله تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } (الرحمن:26)
3 ـ تعسّر التعداد، كقوله: (زارني أصدقائي) لمن أصدقاؤه كثيرون.
4 ـ الخروج عن تبعة تقديم بعض على بعض، كقوله: (جاء أمراء الجيش).
5 ـ تعظيم المضاف، كقوله: (خادم السلطان يبغي مطلباً) تعظيماً للخادم بأنه خادم السلطان.
6 ـ تعظيم المضاف اليه، كقوله:
إذا ما رأيت الكسائي فقل صنيعك أضحى أمير البلاد
تعظيماً للكسائي بأن صنيعه صار أميراً.
7 ـ تعظيم غيرهما نحو: (أخو السلطان صهري) تعظيماً للمتكلّم بأن أخ السلطان صهره..
8 ـ تحقير المضاف، نحو: (ابن الجَبان حاضر).
9 ـ تحقير المضاف اليه، نحو: (عبد زيد خائن).
10 ـ تحقير غيرهما، نحو: (أخو اللصّ عندك).
11 ـ الإختصار لضيق المقام، كقوله: ( هواي من الركب اليمانين مصعد) فلفظ (هواي) أخصر من (الذي أهواه).
12 ـ الإستهزاء، كقوله: (علمك النافع لاعلم جميع العلماء).
المسند إليه معرّفاً باللام:
وأمّا تعريف المسند إليه بـ (أل) سَواء العهدية أم الجنسية، فلأغراض:
أما (ال) العهدية، فإنها تدخل على المسند إليه للإشارة الى معهود لدى المخاطب، والعهد على ثلاثة أقسام:
1 ـ العهد الذكري، وهو ما تقدم فيه ذكر المسند إليه صريحاً، قال تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ }(المزمل: الآية15-16) فإن (الرسول) تقدّم ذكره صريحاً، لكن المثال ليس للمسند إليه، إذ الرسول مفعول في المقام، وانما المثال المطابق قوله:
أتاني شخصاً لابساً ثـوب سؤدد وما الشخص إلا من كرام الأقارب
2 ـ العهد الذهني، وهو ما تقدم فيه ذكر المسند إليه تلويحاً، قال تعالى: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }(آل عمران: من الآية36) فإنه لم يسبق ذكر (الذكر) صريحاً، وإنّما أشير إليه في قوله: { رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً }(آل عمران: من الآية35) فإنّ (ما) يراد منه الذكر، لانه القابل لخدمة المسجد.
3 ـ العهد الحضوري، وهو ما كان المسند إليه حاضراً بذاته، قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}(المائدة: من الآية3) فإن (اليوم) وهو يوم الغدير ـ الذي أكمل الله تعالى دينه بولاية أمير االمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ كان حاضراً، ومثله ما بمنزلة الحاضر، نحو: هل انعقد المجلس؟ فيما كان المجلس في شرف الانعقاد.
وأما (ال) الجنسية فإنها تدخل على المسند إليه لبيان الحقيقة، وهي على أربعة أقسام:
1 ـ لام الجنس، وهي تدخل على الأجناس، للإشارة الى الحقيقة، من دون نظر إلى العموم والخصوص، نحو (الإنسان حيوان ناطق) فإن المراد أن هذا الجنس متّصف بكونه حيواناً ناطقاً.
2 ـ لام الحقيقة، وهي تدخل على الأجناس، للإشارة إلى فرد مبهم، قال تعالى: { وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} (يوسف: من الآية13) فالمقصود: فرد من الذئب، ويعامل مع مدخولها معاملة النكرة، لكونه بمعناها.
3 ـ لام الاستغراق الحقيقي، وهي تدخل على الاجناس، للإشارة الى عمومها لكل فرد صالح لأن يكون داخلاً في الجنس ـ بحسب اللغة ـ قال تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} (الأنعام: من الآية73) أي كلّ غيب وكلّ شهادة.
4 ـ لام الاستغراق العرفي، وهي تدخل على الاجناس، للإشارة إلى عمومها لجميع الأفراد، لكن عرفاً لا حقيقة، نحو: (جمع الأمير الصاغة) فإن المراد صاغة بلده أو مملكته لا صاغة الدنيا.
واعلم أن بعض هذه الأمثلة ليست مما نحن فيه، وإنما المقصود أصل المثال، لا كونه في المسند اليه.
المسند اليه معرّفاً بالنداء:
وأما تعريف المسند إليه بحرف النداء فهو لأغراض:
1- إذا لم يعرف المتكلّم للمخاطب عنواناً خاصاً، نحو: (يا رجل).
2 ـ إذا اريد إغراء المخاطب لأمر، نحو (يا فقير) و(يا مظلوم) و(يا شجاع) إذا أريد رغبته في طلب الغنى، أو إثارته على الظالم، أو تشجيعه على اقتحام المصاعب.
3 ـ اذا أريد الإشارة الى وجه النداء، نحو: (يا قاضي الحاجات، اقض حاجتي).
4 ـ التحقير، نحو: (يا رجل عافاك الله).
تنكير المسند إليه:
سبق أنّه ينبغي أن يكون المسند إليه معرفة، ولكن قد يؤتى به نكرة لأغراض:
1 - إذا لم يعلم المتكلم بجهة من جهات التعريف، حقيقة أو ادعاءاً، كقوله: (جاء رجل يسأل عنك).
2 - إخفاء الأمر كقوله: (اتّهمك رجل) يخفي اسمه حتى لايكون شغباً.
3 - قصد الإفراد، قال تعالى: { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} (يّـس: من الآية20) أي: رجل واحد
4 - قصد النوعيّة، نحو: (لكل داء دواء).
5 ـ التعظيم، قال تعالى: { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } (البقرة: من الآية7) أي: غشاوة عظيمة.
6 ـ التحقير، قال تعالى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ} (الانبياء: من الآية46).
7 ـ التكثير، قال تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ } (فاطر: من الآية4).
8 ـ التقليل، قال تعالى: { وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} (التوبة: من الآية72) أي: رضوان قليل أكبر من نعيم الجنّة ـ على بعض التفاسيرـ.
تقديم المسند اليه:
الأصل في (المسند إليه) التقديم، لأنه محكوم عليه والحكم مؤخّر، وقد يرجّح تقديمه ـ علاوة على ذلك ـ لأغراض أهمها:
1 ـ تعجيل المسرّة، كقوله: (عطاؤك ممنوح ورزقك مضمون).
2 ـ تعجيل المسائة، كقوله: (السجن موطنه والقبر عاقبته).
3 ـ التشويق إلى الخبر إذا كان المبتدأ غريباً، كقوله:
والذي حـرت الـبريّة فيه حيوان مستحدث من جماد
4 ـ التلذّذ بالمسند إليه، كقوله: (حبيبي شمس للمعالي وزورق...).
5 ـ التبرّك بالتقديم، كقوله: (محمّد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رسول حقّ...).
6 ـ كون المقدم محلّ الإنكار، كقوله: (لعب وشيب، إنّ ذا لعجيب)؟!
7 ـ التدرّج في الحسن أو القبح أو ما شاكلهما، كقوله: (أصحيح ومفصح وبليغ)؟ فالصحّة مقدّمة على الفصاحة، وهي على البلاغة.
وقوله: (نظرة فابتسامة فسلام...).
وقوله: (نواة ثم زرع ثم نخل...).
8 ـ مراعاة الترتيب الوجودي، قال تعالى: { لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}(البقرة: من الآية255).
9 ـ النص على مقدار النفي، وإنه جميع الأفراد أو بعضها، لأنه:
إذا كان المنفي جميع الأفراد، قدموا أداة العموم على أداة النفي، فيقال:
(كل صدوق لا يكذب) ويسمى هذا بـ: (عموم السلب).
وإذا كان المنفي بعض الأفراد، قدموا أداة السلب على أداة العموم، فيقال:
(ما كل سوداء تمرة) ويسمى هذا بـ: (سلب العموم).
نعم هذه القاعدة غير مطردة، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان: من الآية18). والمراد عموم السلب.
10- إفادة التخصيص إذا كان المسند مسبوقاً بنفي وكان المسند فعلاً، نحو: (ما أنا قلت هذا) والمراد: إني لم أقل، لكن غيري قال، فالنفي مختص بالمتكلم.
=======
كتاب البلاغة : (المعاني . البيان . البديع) للشيرازي.