ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    أسباب اختلاف الفقهاء عند الإمام ابن رشد

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    أسباب اختلاف الفقهاء عند الإمام ابن رشد  Empty أسباب اختلاف الفقهاء عند الإمام ابن رشد

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس فبراير 14, 2013 11:34 pm

    أسباب اختلاف الفقهاء عند الإمام ابن رشد

    السبب الأول

    الاختلاف في تفسير النصوص


    المراد بالنصوص هنا هي نصوص الأحكام من الكتاب والسنّة النبوية، والمراد بتفسيرها إزالة الخفاء والغموض الذي يكتنفها، ذلك أنّ نصوص القرآن والسنّة مختلفة الدّلالة، ومتفاوتة في الوضوح، فمنها الواضح والمبهم، ومنها النص والظاهر، ومنها المجمل والمبين، والعام والخاص والمشترك، والحقيقة والمجاز، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، والعام والخاص، والأمر والنهي، إلى غير ذلك من تنوّع صيغ ودلالات النصوص على الأحكام.

    هذا التنوع في البيان والدلالة، جعل الفقهاء والمفسّرين يختلفون في تفسير النصوص واستنباط الأحكام، فتنوعت الآراء، واختلفت المذاهب والأقوال في تفسير النّص الواحد، بسبب الاحتمال الوارد فيه، كاحتمال المجاز، والإضمار، ،والتّقديم، والتّأخير، وعود الاستثناء في الجملة، وغير ذلك من احتمالات اللفظ.

    وقد ذكر ابن رشد هذا السّبب أثناء عرضه لأقوال الفقهاء في كتابه "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" ، وفرّع عليه المديد من المسائل الخلافية.

    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 87)


    ..


    السبب الثاني
    الاختلاف في دلالة الأمر والنهي


    إنّ الكثير من الأحكام في القرآن والسنة وردت بصيغة الأمر والنهي، ومعظم التكاليف الشّرعية أوامر ونواه ، فالأمر يأتي ليدلّ على طلب الفعل، والنهي يأتي ليدلّ على الكفّ عن الفعل، وبمعرفتهما يتحقّق الامتثال والطاعة لربّ العالمين، وبجهلهما يتعطّل المقصود من خلق الخلق وإنزال الشرائع؛ لذا اتجهت عناية الأصوليين والفقهاء لمعرفة دلالات الأمر والنهي.

    فإذا ورد حكم شرعي بصيغة الأمر، فهل يدلّ على الوجوب؟ بمعنى أنّ تاركه عاصٍ مستحقّ للعقاب، أم هو للنّدب؟ بمعنى أنّ تاركه لا يستحقّ العقاب، أم هو للإباحة؟ بمعنى التخيير بين الفعل وتركه.

    وكذلك إذا ورد حكم شرعي بصيغة النهي، هل يدلّ على التحريم؟ بمعنى أن فاعله مستحقّ للعقاب، أم يدلّ على الكراهة؟ بمعنى أن فاعله يستحق اللّوم فقط دون العقاب.

    وقد ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أنّ الأمر المطلق المجرّد عن القرائن، يحمل في النصوص الشّرعية على الوجوب، وكذلك النّهي المطلق المجرد عن القرائن يحمل على التحريم. وأما إذا احتفّ الأمر أو النهي بقرية، فإنه يحمل على ما دلّت عليه القرينة.

    هذا ونشير إلى أنّ اختلاف الفقهاء في دلالة الأمر أو النهي يأتي من اختلافهم في تعيين القرينة الصّارفة عن الأمر إلى غيره من المعاني، أو الصّارفة للنّهي إلى غيره من المعاني، فحينئذ يقع الاختلاف في الحكم الشرعي بين حمله على الوجوب أو الندب أو الإباحة من جهة الأمر، والتحريم أو الكراهة من جهة النهي.

    كذلك وقع الاختلاف بين الجمهور وأهل الظّاهر في اعتبار القرينة، فهم يرون أنّ الأمر يحمل على الوجوب، ولا يصرف إلى غيره من المعاني إلا بنصّ أو إجماع، ومن ثم كانت معظم الأوامر عند الظّاهرية محمولة على الوجوب.

    ومن المسائل الأصولية المتعلقة بالنّهي، اختلاف أهل العلم - الحنفية وجمهور المتكلمين - في مقتضى النّهي، هل يدلّ على فساد المنهيّ عنه أو لا؟

    فالجميع يقسّم المنهي عنه إلى ثلاثة أقسام: المنهيّ عنه لذاته، والمنهيّ عنه لوصف ملازم، والمنهيّ عنه لوصف مجاور غير ملازم.

    فالمنهيّ عنه لذاته باطل عند الجميع، سواء كان تصرفا حسيا كالزنا، والقتل، والسرقة، وشرب الخمر، أو تصرفا شرعياً كبيع الميتة، وبيع الملاقيح، ونكاح المحارم.

    والمنهيّ عنه لوصف ملازم باطل عند جمهور المتكلمين لا يترتب عليه أي أثر شرعي، وعند الحنفية مشروع بأصله فاسد بوصفه، تترتّب عليه بعض الآثار الشرعية، كصحة صوم العيد المنهيّ عنه مع الإثم، وصحة ملكية بيع الربا المنهيّ عنه، مع وجوب إزالة سبب الفساد.

    والمنهيّ عنه لوصف مجاور غير ملازم صحيح عند الحنفية والشافعية مطلقاً، وباطل عند الحنابلة والظاهرية مطلقاً، وعند المالكية صحيح إن كان حقًّا للعبد، وباطل إن كان حقًّا لله تعالى.

    وبناء عليه، فإنّ المنهي عنه عند جمهور المتكلمين قسمان: إمّا صحيح مع الكراهة، وإمّا باطل. وأما المنهي عنه عند الحنفية فهو ثلاثة أقسام: إمّا صحيح مع الكراهة، وإمّا فاسد، وإمّا باطل.

    والفرق بين الفريقين أنّ الحنفية أثبتوا درجة وسطى بين الصحّة والبطلان، وهي درجة الفساد، فالنّهي الواقع فيها ليس صحيحاً كامل الصحّة، وليس باطلاً كامل البطلان، بل له جهة صحّة وجهة بطلان، وهو ما عبروا عنه بالفعل المشروع بأصله الفاسد بوصفه.

    وأما الحنابلة والظّاهرية فإنهم مشوا على أصلهم في التسوية بين الأصل والوصف، فالنّهي عندهم باطل مطلقاً سواء كان لذاته، أو لوصف ملازم، أو لوصف مجاور.

    وقد ذكر ابن رشد مسائل كثيرة يرجع اختلاف الفقهاء فيها إلى هذا السبب .

    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 149 - 151)

    ..


    السبب الثالث
    الاختلاف في حمل أفعاله صلى الله عليه وسلم



    خلاصة المذاهب فى هذه المسألة ما ذكره القرافي، قال:
    إن كان الفعل بياناً لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل، في الوجوب، أو الندب، أو الإباحة.

    وإن لم يكن بياناً، وفيه قربة، فهو عند مالك، والأبهري، وابن القصّار، والباجي، وبعض الشافعية للوجوب، وعند الشافعي للندب، وعند القاضي أبي بكر الباقلاني، والإمام الرازي، وأكثر المعتزلة على الوقف.

    وأما ما لا قربة فيه كالأكل والشرب فهو عند الباجي للإباحة، وعند بعض أصحاب مالك للندب (1)

    من هذا البيان نستخلص أنّ أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم تختلف دلالاتها على الحكم الشرعي، فقدد تدل علي الوجوب، أو الندب، أو الإباحة.

    فإن كان الفعل بياناً لما ثبتت مشروعيته، فإنّ حكمه يتبع ما هو بيان لها من وجوب أو ندب، كفعله صلى الله عليه وسلم في الصلاة والحج، إذ أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نصلي كما رأيناه يصلي، فقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي "، وأمرنا أن نأخذ مناسك الحج من أدائه لها، فقال: "خذوا عني مناسككم"، وأفعال الصلاة والحج منها الواجب ومنها المندوب.

    وإن لم يكن الفعل بيانا، فقد يكون بقصد القربة والطاعة أو لا.

    فإن كان يقصد القربة إلى الله تعالى فهو مندوب فى حقنا، كاعتكافه العشر الأواخر من رمضان؛ لأن ظهور قصد القربة فيه مع عدم وجود دليل على الوجوب، يرجّح الفعل على الترك، وهذا هو معنى النّدب.

    وإن لم يكن بقصد القربة، بأن كان جبليًّا من الطبيعة البشرية وصفاتها الاختيارية، كحبّه لبعض الأطعمة، وكرهه لبعضها، وهيئة مشيه وجلوسه واتكائه، فهو محمول على الإباحة؛ لأن صدوره منه دليل على الإذن فيه مع عدم وجود دليل على قصد القربة، وهذا هو معنى الإباحة.

    وإن كان الفعل خاصاً به صلى الله عليه وسلم، فحكمه قاصر عليه لا يتعدّاه إلى أمته، كقيام الليل، فإنه واجب عليه دون أمته، وكالوصال في الصيام، فإنه مندوب في حقّه دون أمّته، وكالزّيادة على أربع نسوه فإنه مباح له دون أمته (2).

    وقد كان لاختلاف الفقهاء في حمل أفعاله أثر بارز في اختلافهم في العديد من مسائل الفروع.

    (1) شرح تنقيح الفصول للقرافي، ص: 288
    (2) المدخل إلى أصول الفقه المالكي، للباجقني ص 81

    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 170 - 171)

    ..


    السبب الرابع
    الاختلاف في تصحيح الحديث


    من أهمّ أسباب اختلاف الفقهاء، اختلافهم في التعامل مع الحديث النبوي، متناً وإسناداً، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - جملة من الأسباب أدّت إلى اختلاف الفقهاء في الفروع بسبب الحديث النبوي، نلخصها للفائدة :

    أن لا يكون الحديث قد بلغ الفقيه، فيجتهد في القضية بموجب ظاهر آية، أو حديث آخر، أو قياس، أو استصحاب، وقد يوافق ذلك الحديث أو يخالفه، مما يؤدي إلى الاختلاف.

    أن يكون الحديث قد بلغ الفقيه، لكنّه لم يثبت عنده، إمّا لجهالة في الرّاوي، أو تهمة، أو سوء الحفظ.، وإمّا لانقطاعه وعدم اتّصال سنده، أو لعدم ضبط ألفاظ الحديث.

    اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره، مع قطع النظر عن طريق آخر، سواء كان الصّواب معه أو مع غيره، أو معهما عند من يقول: "كل مجتهد مصيب".

    اشتراطه في خبر الواحد شروطاً يخالف فيها غيره، مثل اشتراط بعضهم عرض الحديث على الكتاب والسنة، واشتراط بعضهم أن يكون المحدث فقيهاً إذا خالف قياس الأصول، واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان فيما تعمّ به البلوى.

    أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده، لكن نسيه، وهذا يرد فى الكتاب والسنّة.

    عدم معرفته بدلالة الحديث، أي معاني ألفاظ الحديث بسبب كون اللفظ غريباً، أو مشتركاً، أو مجملاً، أو متردّداً بين الحقيقة والمجاز.

    معارضة الحديث بما يدلّ على ضعفه، أو نسخه، أو تأويله، مما لا يعتقده غيره (1) .

    ومن أهم أسباب اختلاف الفقهاء في الفروع اختلافهم في العمل بخبر الآحاد، حيث تنوعت مذاهبهم الفقهية تبعاً لآراء أئمّتهم الأصولية، ولا بأس بعرضها مختصرة من أجل الفائدة.

    مذهب الحنفية :
    اشترطوا شروطاً ثلاثة للعمل بخبر الواحد، هي :
    الأول: ألاّ يعمل الراوي بخلاف ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خالف الرّاوي بعمله أو فتواه فلا اعتبار لروايته، بل المعوّل ما نقل عنه من عمل أو فتوى. وعلّلوا ذلك بأن الراوي من الصحابة عدل، ولا يعقل أن يترك رواية الحديث إلا وقد صحّ عنده حديث آخر ناسخ له.
    الثاني: ألاّ يكون الحديث وارداً في أمر واجب تعمّ به البلوى، أو في أمر يكثر وقوعه بين الناس ويحتاج الكثير منهم إلى معرفة حكمه. وعلّلوا ذلك بأن ما تعمّ به البلوى، مما تتوفر دواعي روايته ونشره بين الناس، فلا يعقل أن يتفرد بروايته الآحاد، فإن ذلك يورث الشك في صحته.
    الثالث: ألاّ يكون الحديث مخالفاً للقياس والأصول الشرعية، إذا كان راويه غير فقيه، وعلّلوا ذلك بأن رواية الحديث بالمعنى كانت شائعة، فإذا لم يكن الراوي فقيها، وروى الحديث بالمعنى حسب فهمه، فلعلّه يغير من معنى الحديث، فإذا جاء ما رواه مخالفاً للقياس والأصول الشرعية ترك العمل به.

    مذهب المالكية:
    اشترط علماء الأصول من المالكية لقبول خبر الواحد شرطين :
    الأول: ألاّ يكون الخبر مخالفاً لعمل أهل المدينة، وعلّلوا ذلك بأن أهل المدينة عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم وشاهدوا أفعاله وتابعوه فيها، ونقلوها إلى من بعدهم، طبقة بعد طبقة، فإذا جاء الخبر مخالفاّ لعملهم دلّ ذلك على عدم صحّته.
    الثاني : ألاّ يكون الخبر معارضاً للأصول الشّرعية القطعية.

    مذهب الشافعية:
    لم يشترطوا في الخبر الواحد إلا شرطاً واحداً وهو صحّة السّند والاتّصال، فإذا صحّ سند الحديث وكان متّصلاً غير منقطع عمل به، أمّا إذا كان منقطعاً كالحديث المرسل، فإنهم لا يعملون به إلا بشروط، كأن يتقوّى من طرق أخرى متّصلة.

    مذهب الحنابلة:
    (الحنابلة) أكثر المذاهب تساهلا في الأخذ بخبر الواحد، فلم يشترطوا سوى صحّة السّند، فمتى صحّ عملوا بالحديث سواء كان متصلا أو منقطعا، فمذهبهم أوسع المذاهب احتجاجاً واستدلالاً بالسّنة النبوية (2).

    من هذه الخلاصة الموجزة لآراء الأئمة في التّعامل مع السّنة، كان الخلاف في الفروع بين الفقهاء بارزاً في أثر مسائل الفقه.

    وقد ذكر ابن رشد مسائل فرعية كثيرة كان سبب الاختلاف فيها يرجع إلى اختلاف الفقهاء في صحة الحديث وقبوله.


    (1) رفع الملام عن الأئمة الأعلام، لابن تيمية ص 24 فما بعدها.
    (2) أصول الفقه الإسلامي لمصطفى شلبي، ص: 154.

    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 182 - 185)

    ..

    السبب الخامس
    الاختلاف في حمل المشترك


    المشترك سبب من أسباب اختلاف الفقهاء، والاشتراك بمعنى تعدد معاني اللّفط الواحد واقع في اللسان العربي، وفي نصوص الكتاب والسنة، فقد يدلّ اللّفط الواحد على عدة معاني، كالعين الدالة على الباصرة، والجارية، والذهب، وغير ذلك من المعاني.

    والاشتراك واقع في اللفظ المفرد، والمركّب، كما هو واقع في الأسماء والأفعال والحروف.

    وأكثر الاشتراك واقع في الحروف؛ لذا أفرده الأصوليون بالبيان لمسيس الحاجة إليه، ومن أهم الحروف التي وقع فيها الخلاف بسبب الاشتراك، نذكر:
    الباء : يدلّ على الإلصاق، والتعدي، والاستعانة، والقسم، والمصاحبة، والتعليل، والتبعيض.
    اللام : يدل على الملك، والاختصاص، والتعليل، والتأكيد.
    الفاء : يدل على العطف، والغريب، والتسبب، والتعقيب.
    ثم : يدل على العطف، والترتيب، والمهلة.
    من : يدل علي التنويع، وابتداء الغاية، وبيان الجنس.
    إلي : يدل على انتهاء الغاية، والتحليل.
    أو: يدل على التخيير، والإباحة، والتنويع.

    ومن الاشتراك الواقع في القرآن، الاشتراك في الأسماء، كالقرء، والصيد، واللمس، واللغو، والشفق، واليوم.

    هذا وقد ذكر ابن رشد في - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - الكثير من المسائل الفرعية، التي يرجع سبب الاختلاف فيها إلى الاشتراك في اللفظ.


    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 210 - 211)

    ..


    السبب السادس
    الاختلاف في القراءات



    اختلاف القراءات أحد أسباب اختلاف الفقهاء في بعض الأحكام التي ثبت حكمها بنصّ من القرآن.
    وهذا الاختلاف الحاصل ينقسم إلى نوعين :
    الأول : الاختلاف في الحكم بسبب تعدُّد القراءات المشهورة للآية الواحدة، كاختلافهم في طهارة الرّجلين في الوضوء هل هو الغسل أو المسح ؟ بسبب قراءة النّصب التي تفيد الغسل، وقراءة الخفض التي تفيد المسح .

    الثاني : اختلافهم في العمل بالقراءة غير المتواترة، التي رواها بعض القرّاء في مصاحفهم ولم تشتهر، مثل قراءة ابن مسعود : {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} [المائدة: 89]، بزيادة متتابعات، وذلك في صوم كفارة اليمين. وكذلك اختلافهم في البسملة هل هي آية من القرآن أم لا ؟

    وقد اتّفق العلماء على أنّ القراءة الشاذّة المنقولة عن بعض القراء كابن مسعود، وأبي بن كعب، لا تأخذ أحكام القرآن، من صحّة الصلاة بها، والتعبّد بتلاوتها، وحرمة مسّها لغير الطاهر.

    أما الاحتجاج بها في الأحكام، فقد اختلفوا على قولين :
    الأول: حجّة يجب العمل بها، وبه قال الحنفية والحنابلة؛ لأن راويها أثبتها أو نقلها في مصحفه، فلا بدّ أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا لما جاز نقلها، وإذا ثبت ذلك، ولم تكن قرآناً لعدم تواترها، فلا أقلّ من أن تكون حديثاً مفسراً ومبيّناً للآية التي وردت فيها، فتكون حجة.

    الثاني: ذهب المالكية والشافعية إلى أنها ليست حجّة؛ لأنها ليست قرآناً بالاتفاق لعدم تواترها، وليست سنّة نبوية؛ لأن الراوي لم ينقلها على أنها سنّة، وإذا انتفى عنها الأمران فلا تكون حجّة .

    وقد ترتب على هذا الخلاف اختلاف الفقهاء في العديد من المسائل، ذكرها ابن رشد، وبيّن سبب الاختلاف فيها العائد إلى الاختلاف في القراءات.


    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 240 - 241)


    ..


    السبب السابع
    الاختلاف في العموم والخصوص



    جاءت أساليب القرآن والسنة النبوية متنوعة الدلالة على الأحكام، من جهة العموم والخصوص، مما أدّى إلى اختلاف أنظار المجتهدين فى حمل دلالات الألفاظ، فكان ذلك أحد أسباب اختلافهم في الفروع .
    واللفظ من جهة الخصوص والعموم ينقسم إلى أربعة أقسام :
    الأول : عام أريد به العموم، نحو: كل مسكر خمر، فهو شامل لكل المسكرات من غير استثناء .
    الثاني : خاص أريد به الخصوص، كقوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير : "هَذَانِ مُحَرَّمَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي".
    الئالث : عام أريد به الخصوص، كقوله تعالى : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، فالمراد منه خصوص الزاني البكر غير المحصن .
    الرابع : خاص أريد به العموم، كقوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، فالمراد من النهي عن أنوع العقوق كلها، من شتم وضرب وغيرها .

    هذا النوع في أسلوب اللفظ من جهة العموم والخصوص، جعل الفقهاء يختلفون في استنباط العديد من الأحكام.

    وقد ذكر ابن رشد هذا السبب ضمن أسباب اختلاف الفقهاء في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" .


    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 247 - 248)

    ..


    السبب الثامن
    الاختلاف في تخصيص العام



    إنّ مَنِ استَقْرَأَ ألفاظ القرآن والسنة التي وردت بصيغة عامة يجدها تتنوع إلى ثلاثة أنواع:
    الأول : عام أريد به العموم قطعاً، وهو العام الذي صحبته قرينة تنفي احتمال تخصيصه، وحكمه العمل بعمومه على وجه القطع، كقوله تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [يونس: 6].

    الثاني : عام أريد به الخصوص قطعاً، وهو الذي صحبته قرينة تفي أن يكون العموم مراداً منه، وحكمه العمل بما دل عليه من خصوص، كقوله تعالى : {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]. فلفظ "الناس" عام أريد به خصوص المكلفين بالعقل والبلوغ، فخرج من عمومه الصبي والمجنون .

    الثالث : العام المطلق، وهو الذي لم تصحبه قرينة تنفي احتمال تخصيصه، ولا قرينة تنفي بقاءه على عومه، وحكمه العمل بعمومه حتى يدل دليل على التخصيص .

    وقد اختلف علماء الأصول في دلالة العام المطلق، هل هي دلالة قطعية أم ظنية؟
    فذهب جمهور الحنفية إلى أنّ دلالته قطعية كدلالة الخاص، إلا إذا خصّ منه البعض فيصح دلالته ظنية، وذهب الجمهور إلى أنّ دلالة العام ظنية قبل التخصيص وبعده .

    وثمرة هذا الخلاف ثلاثة أمور :
    الأول : إذا ورد نصان، عام وخاص مخالف له في مسألة معينة، تحقق التعارض بينهما عند الحنفية القائلين بقطعية العام.
    فإذا جاء الخاص موصولا بالعام كان مخصصا له، كقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وقوله تعالى : {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [المرة: 185].
    وإن جاء الخاص متأخراً ومتراخياً عن العام كان ناسخاً له فى القدر المتعارض فيه، كآية اللعان التى جاءت بعد آية القذف.
    وإن تأخر العام عن الخاص، كان ناسخاً له قطعاً.

    أما القائلون بظنية العام، فإنّ التعارض لا يتحقق بين العام والخاص؛ لكونهما ظنيين، فيعمل بالخاص فيما تخالفا فيه مطلقاً، تقدّم أو تأخر؛ لكونه أقوى من العام، ويثبت حكم العام للباقي بعد التخصيص.

    الثاني : لا يجوز تخصيص عام الكتاب والسنة المتواترة ابتداءً بالدليل الظني، كخبر الواحد والقياس عند القائلين بقطعية دلالة العام، إلا إذا خص منه شيء، فإنه يقبل التخصيص؛ لكونه أصبح ظنياً بعد التخصيص.

    أما على رأي القائلين بظنية دلالة العام، فإن عموم الكتاب والسنة يجوز تخصيصهما بالدليل الظني مطلقاً.

    الثالث : الدليل المخصص عند القائلين بقطعية دلالة العام لا يكون إلا موصولا بالعام؛ لأن المخصص مغير لدلالته من القطعية إلى الظنية، وعند القائلين بظنيته يجوز التخصيص بالدليل الموصول والمتراخي؛ لأنه لا يغير دلالة العام، فهو ظني قبل التخصيص وبعده.

    والمراد يتخصص العام قصره على بعض أفراده بدليل، أي هو صرف العام عن عمومه وإخراج بعض أفراده بدليل، أي هو صرف العام عن عمومه وإخراج بعض أفراده بدليل.

    والتخصيص عند الجمهور يكون بالدليل المستقل عن العام أو غير المستقل، سواء كان متصلا به أو متراخيا، بشرط ألا يتأخر وروده عن العمل بالعام فيكون ناسخاً له.

    أما التخصيص عند الحنفية فهو صرف العام عن عمومه بدليل مستقل موصول، فإن كان مستقلا غير مقارن فإنه يسمى نسخاً، وإن لم يكن مستقلا فيسمى قصراً للعام .

    وقد كان لهذا الخلاف في هذه القواعد المتعلقة بالعام اختلاف واسع بين الحنفية والجمهور.


    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 256 - 258)

    ..


    السبب التاسع
    الاختلاف في حمل المطلق على المقيد



    ضابط الإطلاق أنه يقتصر على مسمى اللفظ المفرد، نحو: رقبة، أو إنسان، أو حيوان، ونحو ذلك من الألفاظ المفردة، فهذه كلها مطلقات. ومتى زدت على مدلول اللفظ مدلولاً آخر بلفظ، صار مقيداً، كقولك : رقبة مؤمنة، أو إنسان صالح، أو حيوان ناطق.

    والخطاب إذا ورد مطلقاً لا مقيد له، حمل على إطلاقه، وإن ورد مقيداً لا مطلق له، حمل على تقييده، وإن ورد مطلقاً في موضع ومقيداً في موضع آخر، فله أربعة أحوال:
    الأول : أن يكونا متحدين في الحكم والسبب، كإطلاق الغنم في حديث، وتقييدها في آخر بالسوم، فهذا يحمل فيه المطلق على المقيد، مع الخلاف في دلالة المفهوم، وهو حجة عند مالك رحمه الله.

    الثاني : أن يكونا مختلفين في الحكم والسبب، كتقييد الشهادة بالعدالة وإطلاق الرقبة في الظهار، وهذا لا يحمل فيه المطلق على المقيد إجماعاً.

    الثالث : أن يكونا متحدين في الحكم ومختلفين في السبب، كالرقبة المعتقة في الكفارة، قيدت في القتل بالإيمان، وأطلقت في الظهار، وهذا لا يحمل فيه المطلق على المقيد عند أكثر أصحاب مالك والحنفية، خلافاً لأكثر الشافعية؛ لأن الأصل في اختلاف الأسباب اختلاف الأحكام، فيقتضي أحدهما التقييد والآخر الإطلاق.

    الرابع : أن يكونا مختلفين في الحكم ومتحدين في السبب، كتقييد الأيدي في الوضوء بالمرافق، وإطلاقها في التيمم، فالسبب فيهما واحد وهو الحدث، والحكم فيهما مختلف، فذهب الشافعية إلى حمل المطلق على المقيد، بخلاف الحنفية، واختلف فيه أصحاب مالك.

    وكان لهذا الخلاف عند الأصوليين أثر في اختلاف الفقهاء في الفروع.


    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 312 - 313)

    ..

    السبب العاشر
    الاختلاف في الدّليل لعدم ورود النصّ



    إذا لم يرد نص في المسالة المبحوث عنها، فإن الفقهاء يبحثون عن أدلة أخرى لاستنباط الأحكام، وهنا يقع الاختلاف بينهم بسبب اختلاف أئمتهم في الأخذ بأدلة أخرى لم تتفق كلمتهم على العمل بها، كقول الصحابي، وسد الذرائع، والقياس، وعمل أهل المدينة، والاستصلاح، وغيرها مما عرف في الأصول بالأدلة المختلف فيها.


    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 322)

    ..


    السبب الحادي عشر
    الاختلاف في اللقياس والتّعليل



    الاختلاف في القياس يرجع إلى سببين:
    الأول : الاختلاف في حجيته بين الجمهور وأهل الظاهر، فمن المعلوم أنّ الأئمة الأربعة يأخذون بالقياس ويحتجون به في المسائل التي لا نص فيها، أما الظاهرية فقد أنكروا القياس في الشرع.

    والراجح ما ذهب إليه الجمهور، فالقياس هو أكمل الرأي، ومجال الاجتهاد، وبه تثبت أكثر الأحكام، ذلك أنّ نصوص الكتاب والسنة محصورة ومحدودة، ومواضع الإجماع قليلة ومعدودة، والوقائع التي تنزل بالناس متجددة وغير محصورة، فاضطر العلماء إلى البحث عن أحكامها في دائرة القياس.

    الثاني : اختلاف القائلين بالقياس في علته، فتراهم يتفقون في الأخذ به، لكنهم يختلفون في استخراج علته مما يؤدي إلى الاختلاف في الأحكام.

    وفي هذا العرض يظهر أثر القياس والتعليل في اختلاف الفقهاء كما ذكره ابن رشد قي "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"


    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 351 - 352)

    ..


    السبب الثاني عشر
    الاختلاف في التعارض والترجيح



    تعارض الأدلة معناه تقابلها على سبيل الممانعة، أما الترجيح فهو تقوية أحد الطرفين على الآخر، فيعلم الأقوى فيعمل به ويطرح الآخر.
    وللترجيح شروط:
    الأول : التساوي في الثبوت، فلا تعارض بين الكتاب وخبر الواحد إلا من حيث الدلالة.
    الثاني : التساوي في القوة، فلا تعارض بين المتواتر والآحاد، بل يقدم المتواتر بالاتفاق.
    الثالث : اتفاقهما في الحكم مع اتحاد الوقت والمحل والجهة، فلا تعارض بين النهي عن البيع وقت النداء للجمعة، مع الإذن به في غيره.

    وإذا تعارض دليلان فأكثر، ففي ذلك ثلاثة طرق :
    الأول : العمل بهما، وذلك بالجمع بينهما على قدر الإمكان ولو من وجه واحد، وهذا أولى الطرق؛ لأنه ليس فيه ترجيح لأحدهما.
    الثاني : ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح.
    الثالث : نسخ أحدهما بالآخر، بشرط معرفة المتقدم من المتأخر منهما.

    فإذا عجز عن الجمع والترجيح، تساقط الدليلان، ووجب التوقف أو تقليد مجتهد آخر عثر على الترجيح.

    وإذا تبين هذا، فلا يخلو أن يكون الدليلان المتعارضان قطعيين، أو ظنيين، أو أحدهما قطعي والآخر ظني:
    الأول : فإن كانا قطعيين، كالنصوص المتواترة، فللمجتهد حالتان :
    الجمع بينهما إن أمكن، والنسخ إن علم التاريخ.

    الثاني : وإن كانا ظنيين، كالظواهر، والعمومات، ونصوص أخبار الآحاد، فلها ثلاثة أحوال:
    الجمع إن أمكن، والنسخ إن علم التاريخ، والترجيح.

    الثالث : وإن كان أحدهما قطعياً والآخر ظنياً، فإن جهل التاريخ تعين المعلوم، وإن تأخر المعلوم نسخ المظنون، وإن تأخر المظنون لم ينسخ المعلوم.

    والتعارض يقع بين الكتاب والسنة والإجماع والقياس حسب ما يلي :
    الأول : يقع بين الكتاب والكتاب، وبين الكتاب والسنة، وبين الكتاب والإجماع، وبين الكتاب والقياس.
    الثاني : ويقع بين السنة والسنة، وبين السنة والإجماع، وبين السنة والقياس.
    الثالث : ويقع بين الإجماع والإجماع، وبين الإجماع والقياس، وبين القياس والقياس.

    هذا ونشير إلى أن التعارض بين الأدلة من أكثر أسباب الخلاف بين الفقهاء، كما يظهر من خلال عدد المسائل التي جمعها ابن رشد في كتابه، وقد شكلت قرابة نصف المسائل المعروضة.


    المصدر :
    (الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص 415 - 417)

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 9:35 pm