ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    ترجمة الإمام الشافعي // بقلم الإمام شمس الدين الذهبي

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    ترجمة الإمام الشافعي // بقلم الإمام شمس الدين الذهبي Empty ترجمة الإمام الشافعي // بقلم الإمام شمس الدين الذهبي

    مُساهمة من طرف أحمد الثلاثاء نوفمبر 17, 2009 4:05 am

    محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام، عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه المِلَّة أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي، الغزي المولد، نسيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن عمه، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب.

    اتفق مولد الإمام بغزة، ومات أبوه إدريس شابا، فنشأ محمد يتيما في حجر أمه، فخافت عليه الضيعة، فتحولت به إلى مَحْتِده وهو ابن عامين، فنشأ بمكة، وأقبل على الرمي، حتى فاق فيه الأقران، وصار يُصيب من عشرة أسهم تسعة، ثم أقبل على العربية والشعر، فبرع في ذلك وتقدم. ثم حُبِّبَ إليه الفقه، فساد أهل زمانه.

    وأخذ العلم ببلده عن: مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعمه محمد بن علي بن شافع؛ فهو ابن عم العباس جد الشافعي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وسعيد بن سالم، وفُضيل بن عِياض، وعدة. ولم أَرَ له شيئا عن نافع بن عمر الجمحي ونحوه، وكان معه بمكة.

    وارتحل -وهو ابن نيِّف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة- إلى المدينة، فحمل عن مالك بن أنس "الموطأ" عرضه من حفظه، -وقيل: من حفظه لأكثره-. وحمل عن: إبراهيم بن أبي يحيى فأكثر، وعبد العزيز الدراوردي، وعطاف بن خالد، وإسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن سعد وطبقتهم.

    وأخذ باليمن عن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف القاضي، وطائفة، وببغداد عن: محمد بن الحسن، فقيه العراق، ولازمه، وحمل عنه وقر بعير، وعن إسماعيل ابن علية، وعبد الوهاب الثقفي وخلق.

    وصنف التصانيف، ودوَّن العلم، ورد على الأئمة متبعا الأثر، وصنف في أصول الفقه وفروعه، وبَعُدَ صيته، وتكاثر عليه الطلبة.

    حدث عنه: الحميدي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن يحيى، وموسى بن أبي الجارود المكي، وعبد العزيز المكي صاحب "الحيدة" وحسين بن علي الكرابيسي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، والحسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد الأزرقي، وأحمد بن سعيد الهمداني، وأحمد بن أبي شريح الرازي، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي، وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعي، وإسحاق بن راهويه، وإسحاق بن بهلول، وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم، والحارث بن سريج النقال، وحامد بن يحيى البلخي، وسليمان بن داود المهري، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص، وعلي بن معبد الرقي، وعلي بن سلمة اللبقي، وعمرو بن سواد، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني، ومحمد بن يحيى العدني، ومسعود بن سهل المصري، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن سنان القطان، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر الخولاني، وخلق سواهم.

    وقد أفرد الدارقطني كتاب "من له رواية عن الشافعي" في جزأين، وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام قديما وحديثا، ونال بعض الناس منه غضا، فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى، وقلَّ مَن برَّز في الإمامة، ورد على من خالفه؛ إلا وعُودِيَ، نعوذ بالله من الهوى، وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد.

    فأما جدهم السائب المطلبي؛ فكان من كبراء من حضر بدرا مع الجاهلية، فأسر يومئذ، وكان يشبَّه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.

    ووالدته هي الشِّفاء بنت أرقم بن نضلة، ونضلة هو أخو عبد المطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقال: إنه بعد أن فدى نفسه، أسلم.

    وابنه شافع له رؤية، وهو معدود في صغار الصحابة.

    وولده عثمان تابعي، لا أعلم له كبير رواية.

    وكان أخوال الشافعي من الأزد.

    عن ابن عبد الحكم قال: لما حملت والدة الشافعي به؛ رأت كأن المشتري خرج من فرجها، حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلدة منه شظية، فتأوله المعبرون أنها تلد عالما، يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في البلدان.

    هذه رواية منقطعة.

    وعن أبي عبد الله الشافعي فيما نقله ابن أبي حاتم، عن ابن أخي ابن وهب عنه، قال: ولدت باليمن -يعني القبيلة؛ فإن أمه أزدية- قال: فخافت أمي عليّ الضيعة، وقالت: الْحَقْ بأهلك، فتكون مثلهم؛ فإني أخاف عليك أن تُغلب على نسبك، فجهزتني إلى مكة، فقدمتها يومئذ وأنا ابن عشر سنين، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك، فجعلت لذتي في العلم.

    قال ابن أبي حاتم: سمعت عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: ولدت بعسقلان، فلما أتى عليَّ سنتان، حملتني أمي إلى مكة.

    وقال ابن عبد الحكم: قال لي الشافعي: ولدت بغزة سنة خمسين ومئة وحُملت إلى مكة ابن سنتين.

    قال المزني: ما رأيت أحسن وجها من الشافعي -رحمه الله- وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته.

    قال الربيع المؤذن: سمعت الشافعي يقول: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر، قال: وكنت أصيب من العشرة تسعة.

    قال الحميدي: سمعت الشافعي يقول: كنت يتيما في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب، وأخفف عنه.

    وعن الشافعي قال: كنت أكتب في الأكتاف والعظام، وكنت أذهب إلى الديوان، فأستوهب الظهور، فأكتب فيها.

    قال عمرو بن سواد: قال لي الشافعي: كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة، وسكت عن العلم، فقلت: أنت -والله- في العلم أكبر منك في الرَّمْي.

    قال أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع: حدثنا المزني، سمع الشافعي يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت "الموطأ" وأنا ابن عشر.

    الأقطع مجهول.

    وفي "مناقب الشافعي" للآبري سمعت الزبير بن عبد الواحد الهمذاني، أخبرنا علي بن محمد بن عيسى، سمعت الربيع بن سليمان يقول: ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة -رحمهما الله تعالى-.

    وعن الشافعي قال: أتيت مالكا وأنا ابن ثلاث عشرة سنة -كذا قال، والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة- قال: فأتيت ابن عم لي والي المدينة، فكلم مالكا، فقال: اطلب من يقرأ لك. قلت: أنا أقرأ، فقرأت عليه، فكان ربما قال لي لشيء قد مر: أعده، فأعيده حفظا، فكأنه أعجبه، ثم سألته عن مسألة، فأجابني، ثم أخرى، فقال: أنت تحب أن تكون قاضيا.

    ويروى عن الشافعي: أقمت في بطون العرب عشرين سنة، آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد، ما خلا حرفين، أحدهما: دَسَّاهَا.

    إسنادها فيه مجهول.

    قال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قرأت القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، وقال: قرأت على شبل، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وقرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس. قال الشافعي: وكان إسماعيل يقول: القرآن اسم ليس بمهموز، ولم يؤخذ من: "قرأتُ" ولو أُخذ من "قرأتُ" كان كل ما قرئ قرآنًا، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل.

    الأصم وابن أبي حاتم: حدثنا الربيع: سمعت الشافعي يقول: قدمت على مالك، وقد حفظت "الموطأ" ظاهرا، فقلت: أريد سماعه، قال: اطلب من يقرأ لك. فقلت: لا عليك أن تسمع قراءتي، فإن سهل عليك قرأت لنفسي.

    أحمد بن الحسن الحماني: حدثنا أبو عبيد، قال: رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن، وقد دفع إليه خمسين دينارا، وقد كان قبل ذلك دفع إليه خمسين درهما، وقال: إن اشتهيت العلم؛ فالزم. قال أبو عبيد: فسمعت الشافعي يقول: كتبتُ عن محمد وقر بعير، ولما أعطاه محمد، قال له: لا تحتشم. قال: لو كنت عندي ممن أحشمك ما قبلت بِرَّك.

    ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي.

    قال أحمد بن أبي سريج: سمعت الشافعي يقول: قد أنفقت على كتب محمد ستين دينارا، ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا -يعني: رد عليه.

    قال هارون بن سعيد: قال لي الشافعي: أخذت اللُّبَانَ سنة للحفظ، فأعقبني صب الدم سنة.

    قال أبو عبيد: ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي، وكذا قال يونس بن عبد الأعلى، حتى إنه قال: لو جُمعت أمّةٌ؛ لوسعهم عقله.

    قلت: هذا على سبيل المبالغة، فإن الكامل العقل لو نقص من عقله نحو الربع، لبَانَ عليه نقص ما، ولبقي له نظراء، فلو ذهب نصف ذلك العقل منه، لظهر عليه النقص، فكيف به لو ذهب ثلثا عقله! فلو أنك أخذت عقول ثلاثة أنفس مثلا، وصيرتها عقلَ واحدٍ؛ لجاء منه كامل العقل وزيادة.

    جماعة: حدثنا الربيع، سمعت الحميدي، سمعت مسلم بن خالد الزَّنجي يقول للشافعي: أفْتِ يا أبا عبد الله؛ فقد -والله- آن لك أن تفتي -وهو ابن خمس عشرة سنة-. وقد رواها محمد بن بشر الزنبري، وأبو نعيم الإِسْتِرَاباذي، عن الربيع، عن الحميدي قال: قال الزنجى. وهذا أشبه؛ فإن الحميدي يصغر عن السماع من مسلم، وما رأينا له في "مسنده" عنه رواية.

    جماعة: حدثنا الربيع، قال الشافعي: لأن يلقى الله العبدُ بكل ذنب إلا الشِّرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء.

    الزبير الإِسْتِرَاباذي: حدثني محمد بن يحيى بن آدم بمصر، حدثنا ابن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء؛ لفروا منه كما يفرون من الأسد.

    قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي؛ ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى! ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة.

    قلت: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام، وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون.

    أبو جعفر الترمذي: حدثني أبو الفضل الوَاشْجِرْدِيّ، سمعت أبا عبد الله الصاغاني قال: سألت يحيى بن أكثم عن أبي عبيد والشافعي، أيهما أعلم؟ قال: أبو عبيد كان يأتينا ها هنا كثيرا، وكان رجلا إذا ساعدته الكتب؛ كان حسن التصنيف من الكتب، وكان يرتبها بحسن ألفاظه لاقتداره على العربية. وأما الشافعي؛ فقد كنا عند محمد بن الحسن كثيرا في المناظرة، وكان رجلا قرشي العقل والفهم والذهن، صافي العقل والفهم والدماغ، سريع الإصابة -أو كلمة نحوها- ولو كان أكثر سماعا للحديث؛ لاستغنى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- به عن غيره من الفقهاء.

    قال معمر بن شبيب: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء، فوجدته كاملا.

    قال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي: سمعت أبي وعمي يقولان: كان سفيان ابن عُيَيْنَة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا؛ التفت إلى الشافعي، فيقول: سلوا هذا.

    وقال تميم بن عبد الله: سمعت سويد بن سعيد يقول: كنت عند سفيان، فجاء الشافعي فسلم وجلس، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا، فغشي على الشافعي، فقيل: يا أبا محمد، مات محمد بن إدريس. فقال ابن عيينة: إن كان مات؛ فقد مات أفضل أهل زمانه.

    الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي، سمعت الربيع، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن؟ فقال: أف أف، القرآن كلام الله، من قال: مخلوق، فقد كفر.

    هذا إسناد صحيح.

    أبو داود وأبو حاتم، عن أبي ثور سمعت الشافعي يقول: ما ارتدى أحد بالكلام، فأفلح.

    محمد بن يحيى بن آدم: حدثنا ابن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام والأهواء؛ لفروا منه كما يفرون من الأسد.

    الزبير بن عبد الواحد: أخبرني علي بن محمد بمصر، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: كان الشافعي بعد أن ناظر حفصًا الفرد يكره الكلام، وكان يقول: والله لأن يفتي العالم، فيقال: أخطأ العالم خير له من أن يتكلم فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إليَّ من الكلام وأهله.

    قلت: هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع.

    الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله فحنث، فعليه الكفارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة، وبالصفا والمروة، فليس عليه كفارة، لأنه مخلوق، وذاك غير مخلوق.

    وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة، سمعت الشافعي يقول: الحلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز.

    قال الحارث بن سريج: سمعت يحيى القطان يقول: أنا أدعو الله للشافعي، أخصه به.

    وقال أبو بكر بن خلاد: أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي.

    الحسين بن علي الكرابيسي قال: قال الشافعي: كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد، وما سواه، فهو هذيان.

    ابن خزيمة، وجماعة قالوا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى: قال الشافعي: لا يقال: لم للأصل، ولا كيف.

    ‎وعن يونس، سمع الشافعي يقول: الأصل: القرآن، والسنة، وقياس عليهما، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد.

    ابن أبي حاتم: سمعت يونس يقول: قال الشافعي: الأصل قرآن أو سنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا صح الحديث؛ فهو سنة، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد، والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره، وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيَّب، وكُلاًّ رأيته استعمل الحديث المنفرد، استعمل أهل المدينة في التفليس قوله -عليه السلام-: (إذا أدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بعيْنِه؛ فهُوَ أحقُّ به)، واستعمل أهل العراق حديث العُمْرَى.

    ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: قراءة الحديث خير من صلاة التطوع، وقال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.

    ابن أبي حاتم: حدثنا يونس، قلت للشافعي: صاحبنا الليث يقول: لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء؛ ما قبلته. قال: قَصَّرَ، لو رأيته يمشي في الهواء؛ لما قبلته.

    قال الربيع: سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث: أنتم الصيادلة، ونحن الأطباء.

    زكريا الساجي: حدثني أحمد بن مردك الرازي، سمعت عبد الله بن صالح صاحب الليث يقول: كنا عند الشافعي في مجلسه، فجعل يتكلم في تثبيت خبر الواحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكتبناه، وذهبنا به إلى إبراهيم بن علية، وكان من غلمان أبي بكر الأصم وكان في مجلسه عند باب الصوفي، فلما قرأنا عليه جعل يحتج بإبطاله، فكتبنا ما قال، وذهبنا به إلى الشافعي، فنقضه، وتكلم بإبطاله، ثم كتبناه، وجئنا به إلى ابن علية، فنقضه، ثم جئنا به إلى الشافعي، فقال: إن ابن علية ضال، قد جلس بباب الضَّوالِّ يضل الناس.

    قلت: كان إبراهيم من كبار الجهمية، وأبوه إسماعيل شيخ المحدثين إمام.

    المزني: سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن؛ عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة؛ رَقَّ طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه، لم ينفعه علمه.

    إبراهيم بن مَتُّويه الأصبهاني: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال الشافعي: كل حديث جاء من العراق وليس له أصل في الحجاز؛ فلا تقبله، وإن كان صحيحا، ما أريد إلا نصيحتك.

    قلت: ثم إن الشافعي رجع عن هذا، وصحح ما ثبت إسناده لهم.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    ترجمة الإمام الشافعي // بقلم الإمام شمس الدين الذهبي Empty رد: ترجمة الإمام الشافعي // بقلم الإمام شمس الدين الذهبي

    مُساهمة من طرف أحمد الثلاثاء نوفمبر 17, 2009 4:06 am

    ويروى عنه: إذا لم يوجد للحديث أصل في الحجاز؛ ضُعِّفَ، أو قال: ذهب نُخَاعُه.

    أخبرنا إبراهيم بن علي العابد في كتابه، أخبرنا زكريا العلبي وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي، قال: أفادني يعقوب، وكتبته من خطه، أخبرنا أبو علي الخالدي، سمعت محمد بن الحسين الزعفراني، سمعت عثمان بن سعيد بن بشار الأنماطي، سمعت المزني يقول: كنت أنظر في الكلام قبل أن يقدم الشافعي، فلما قدم أتيته، فسألته عن مسألة من الكلام، فقال لي: تدري أين أنت؟ قلت: نعم، في مسجد الفسطاط. قال لي: أنت في تاران -قال عثمان: وتاران موضع في بحر القُلْزُم، لا تكاد تسلم منه سفينة- ثم ألقى عليَّ مسألة في الفقه، فأجبت، فأدخل شيئا أفسد جوابي، فأجبت بغير ذلك، فأدخل شيئا أفسد جوابي، فجعلت كلما أجبت بشيء، أفسده، ثم قال لي: هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل الناس، يدخله مثل هذا، فكيف الكلام في رب العالمين، الذي فيه الزلل كثير؟! فتركت الكلام، وأقبلت على الفقه.

    عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت محمد بن داود يقول: لم يحفظ في دهر الشافعي كله أنه تكلم في شيء من الأهواء، ولا نُسب إليه، ولا عُرف به، مع بغضه لأهل الكلام والبدع.

    وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر، قلده، وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي الكلام، إنما همته الفقه.

    وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن حامد السلمي، سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر يقول: جاء رجل إلى المزني يسأله عن شيء من الكلام، فقال: إني أكره هذا، بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي، لقد سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن الكلام والتوحيد، فقال: مُحال أن نظن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه علَّم أمَّته الاستنجاء، ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقُولُوا: لا إلَه إلاَّ اللهَ)، فما عُصِمَ به الدَّمُ والمَالُ حقيقةُ التوحيد.

    زكريا الساجي: سمعت محمد بن إسماعيل، سمعت حسين بن علي الكرابيسي يقول: شهدت الشافعي، ودخل عليه بشر الْمَرِيسِي، فقال لبشر: أخبرني عما تدعو إليه، أكِتَابٌ ناطِقٌ، وفرْض مفتَرِض، وسُنَّةٌ قائمة، ووجدت عن السلف البحث فيه والسؤال؟ فقال بشر: لا، إلا أنه لا يسعنا خلافه، فقال الشافعي: أقررت بنفسك على الخطأ، فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار، يواليك الناس وتترك هذا؟ قال: لنا نهمة فيه. فلما خرج بشر، قال الشافعي: لا يفلح.

    أبو ثور والربيع سمعا الشافعي يقول: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح.

    قال الحسين بن إسماعيل المحاملي: قال المزني: سألت الشافعي عن مسألة من الكلام، فقال: سلني عن شيء، إذا أخطأت فيه، قلت: أخطأتُ، ولا تسألني عن شيء إذا أخطأت فيه، قلت: كفرت.

    زكريا الساجي: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: قال لي الشافعي: يا محمد! إن سألك رجل عن شيء من الكلام، فلا تجبه، فإنه إن سألك عن دِيَة، فقلت: درهما، أو دانقا، قال لك: أخطأت، وإن سألك عن شيء من الكلام، فزللت، قال لك: كفرت.

    قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: المِرَاءُ في الدِّينِ يُقَسِّي القلب، ويورث الضغائن.

    وقال صالح جزرة: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي: يا ربيع! اقْبَلْ منِّي ثلاثةً: لا تَخُوضَنَّ في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن خصمك النبي -صلى الله عليه وسلم- غدًا، ولا تشتغل بالكلام؛ فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل. وزاد المزني: ولا تشتغل بالنجوم.

    وعن حسين الكرابيسي قال: سئل الشافعي عن شيء من الكلام، فغضب، وقال: سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله.

    الأصم: سمعت الربيع، سمعت الشافعي يقول: وددت أن الناس تعلموا هذا العلم -يعني كتبه- على أن لا ينسب إليَّ منه شيء.

    وعن الشافعي: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صَبِيغ.

    الزعفراني وغيره: سمعنا الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر، يُنادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام.

    وقال أبو عبد الرحمن الأشعري صاحب الشافعي: قال الشافعي: مذهبي في أهل الكلام تقنيع رؤوسهم بالسياط، وتشريدهم في البلاد.

    قلت: لعل هذا متواتر عن الإمام.

    الربيع: سمعت الشافعي يقول: ما ناظَرْتُ أحدًا على الغَلَبَة إلا على الحق عندي.

    والزعفراني عنه: ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة.

    زكريا الساجي: حدثنا أحمد بن العباس النسائي، سمعت الزعفراني، سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرَّةً، وأنا أستغفر الله من ذلك.

    سعيد بن أحمد اللخمي: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المُسَمَّى، والشيء غير المُشِيء، فاشهد عليه بالزندقة.

    سعيد مصري لا أعرفه.

    ويروى عن الربيع: سمعت الشافعي يقول في كتاب "الوصايا": لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر، وكان فيها كتب الكلام، لم تدخل في الوصية، لأنه ليس من العلم.

    وعن أبي ثور: قلت للشافعي: ضع في الإرجاء كتابا، فقال: دع هذا. فكأنه ذم الكلام.

    محمد بن إسحاق بن خزيمة: سمعت الربيع يقول: لما كلم الشافعيَّ حفصٌ الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق. فقال له الشافعي: كفرتَ بالله العظيم.

    قال المزني: كان الشافعي ينهى عن الخوض في الكلام. أبو حاتم الرازي: حدثنا يونس، سمعت الشافعي يقول: قالت لي أم المريسي: كلم بشرا أن يكف عن الكلام، فكلمته، فدعاني إلى الكلام.

    الساجي: حدثنا إبراهيم بن زياد الأُبُلِيّ، سمعت البويطي يقول: سألت الشافعي: أصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تصل خلف الرافضي، ولا القَدَرِيِّ، ولا المُرْجِئ. قلت: صفهم لنا. قال: من قال: الإيمان قَوْلٌ، فهو مُرْجِئ، ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين، فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه، فهو قَدَرِيُّ.

    ابن أبي حاتم: سمعت الربيع، قال لي الشافعي: لو أردت أن أضع على كل مخالف كتابا لفعلت، ولكن ليس الكلام من شأني، ولا أحب أن ينسب إلي منه شيء.

    قلت: هذا النفس الزكي متواتر عن الشافعي.

    قال علي بن محمد بن أبان القاضي: حدثنا أبو يحيى زكريا الساجي، حدثنا المزني، قال: قلت: إن كان أحد يخرج ما في ضميري، وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي، فصرت إليه، وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه، قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أن أحدا لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟ فغضب، ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم، قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون. أبلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: تدري كم نجما في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها؛ تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مم خلق؟ قلت: لا، قال: فشيءٌ تراه بعينِك من الخلق لستَ تعرفه، تتكلم في عِلْمِ خالقه؟! ثم سألني عن مسألة في الوضوء، فأخطأت فيها، ففرعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منه، فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات، تدع علمه، وتتكلف علم الخالق، إذا هجس في ضميرك ذلك، فارجع إلى الله، وإلى قوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..﴾ الآية. فاستَدِلّ بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلَّفْ علم ما لم يَبْلُغْه عقلُك. قال: فتبت.

    قال ابن أبي حاتم: في كتابي عن الربيع بن سليمان، قال: حضرت الشافعي، أو حدثني أبو شعيب، إلاّ أني أعلم أنه حضر عبد الله بن عبد الحكم، ويوسف بن عمرو، وحفص الفرد، وكان الشافعي يسميه: حفصا المنفرد، فسأل حفص عبد الله: ما تقول في القرآن؟ فأبى أن يجيبه، فسأل يوسف، فلم يجبه، وأشار إلى الشافعي، فسأل الشافعي، واحتج عليه، فطالت فيه المناظرة، فقام الشافعي بالحجة عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وبكفر حفص.

    قال الربيع: فلقيت حفصا، فقال: أراد الشافعي قتلي.

    الربيع: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. وسمعته يقول: تجاوز الله عما في القلوب، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل.

    وقال المزني: قال الشافعي: يقال لمن ترك الصلاة لا يعملها: فإن صلَّيْتَ وإلاّ اسْتَتَبْنَاكَ، فإن تُبْتَ، وإلا قتلناك، كما تكفر، فنقول: إن آمنت وإلا قتلناك.

    وعن الشافعي قال: ما كابرني أحد على الحق ودافع، إلا سقط من عيني، ولا قبله إلا هبته، واعتقدت مودته.

    عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصِّحاح منا، فإذا كان خبر صحيح، فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفيا كان، أو بصريا، أو شاميا.

    وقال حرملة: قال الشافعي: كل ما قلته فكان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف قولي مما صح، فهو أولى، ولا تقلدوني.

    الربيع: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بها، ودعوا ما قلته.

    وسمعته يقول -وقد قال له رجل: تأخذ بهذا الحديث يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويت عن رسول الله حديثا صحيحا ولم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب.

    وقال الحميدي: روى الشافعي يوما حديثا، فقلت: أتأخذ به؟ فقال: رأيتَنِي خرجتُ مِن كَنِيسة، أو عليَّ زنار، حتى إذا سمعتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا لا أقول به؟!

    قال الربيع: وسمعته يقول: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا فلم أقل به؟!

    وقال أبو ثور: سمعته يقول: كل حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو قولي، وإن لم تسمعوه منِّي.

    ويروى أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي وإذا صح الحديث، فاضربوا بقولي الحائط.

    محمد بن بشر العكري وغيره: حدثنا الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي قد جزَّء الليل، فثلثه الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام.

    قلت: أفعاله الثلاثة عبادة بالنية.

    قال زكريا الساجي: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني حسين الكرابيسي: بت مع الشافعي ليلة، فكان يصلي نحو ثلث الليل، فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر، فمئة آية، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا تعَوَّذ، وكأنما جمع له الرجاء والرهبة جميعا.

    قال الربيع بن سليمان من طريقين عنه، بل أكثر: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة.

    ورواها ابن أبي حاتم عنه، فزاد: كل ذلك في صلاة.

    أبو عوانة الإسفراييني: حدثنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: ما شبِعْتُ منذ ست عشرة سنة إلا مرَّة، فأدخلت يدي فتَقَيَّأتها.

    رواها ابن أبي حاتم عن الربيع، وزاد: لأن الشِّبَع يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف عن العبادة.

    الزبير بن عبد الواحد: أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم بن مطر، سمعت الربيع: قال لي الشافعي: عليك بالزهد، فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد.

    قال الزبير: وحدثني إبراهيم بن الحسن الصوفي، سمعت حرملة، سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا.

    قال أبو داود: حدثني أبو ثور قال: قل ما كان يمسك الشافعي الشيء من سماحته.

    وقال عمرو بن سواد: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي: أفلست من دهري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري حتى حلي بنتي وزوجتي، ولم أرهن قط.

    قال الربيع: أخذ رجل بركاب الشافعي، فقال لي: أعطه أربعة دنانير، واعذرني عنده.

    سعيد بن أحمد اللخمي المصري: سمعت المزني يقول: كنت مع الشافعي يوما، فخرجنا الأكوام فمر بهدف، فإذا برجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي ينظر، وكان حسن الرمي، فأصاب بأسهم، فقال الشافعي: أحسنت، وبرك عليه، ثم قال: أعطه ثلاثة دنانير، واعذرني عنده.

    وقال الربيع: كان الشافعي مارا بالحذائين، فسقط سوطه، فوثب غلام، ومسحه بكمه، وناوله، فأعطاه سبعة دنانير.

    قال الربيع: تزوجت، فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ قلت: ثلاثين دينارا، عجلت منها ستة. فأعطاني أربعة وعشرين دينارا.

    أبو جعفر الترمذي: سمعت الربيع قال: كان بالشافعي هذه البواسير، وكانت له لِبْدَة مَحْشُوَّة بِحُلْبَة يجلس عليها، فإذا ركب، أخذت تلك اللبدة، ومشيت خلفه، فناوله إنسان رقعة يقول فيها: إنني بقال، رأس مالي درهم، وقد تزوجت، فأعِنِّي، فقال: يا ربيع! أعطه ثلاثين دينارا واعذرني عنده. فقلت: أصلحك الله! إن هذا يكفيه عشرة دراهم، فقال: ويحك! وما يصنع بثلاثين؟ أفي كذا، أم في كذا -يعد ما يصنع في جهازه- أعطه.

    ابن أبي حاتم: أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا محمد بن روح، حدثنا الزبير بن سليمان القرشي، عن الشافعي، قال: خرج هرثمة، فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون، وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار. قال: فحمل إليه المال، فدعا بحجام، فأخذ شعره، فأعطاه خمسين دينارا، ثم أخذ رِقَاعًا، فصَرَّ صُرَرًا، وفرَّقها في القرشِيِّين الذين هم بالحضرة ومن بمكة، حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مئة دينار.

    محمد بن بشر العكري: سمعت الربيع قال: أخبرني الحميدي قال: قدم الشافعي صنعاء، فضربت له خيمة، ومعه عشرة آلاف دينار، فجاء قوم، فسألوه، فما قلعت الخيمة ومعه منها شيء. رواها الأصم وجماعة عن الربيع.

    وعن إبراهيم بن برانة قال: كان الشافعي جسيما طوالا نبيلا.

    قال ابن عبد الحكم: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولوا لمحمد إذا جاء يأتي المنزل، فإني لا أتغدى حتى يجيء.

    داود بن علي الأصبهاني: حدثنا أبو ثور قال: كان الشافعي من أسمح الناس، يشتري الجارية الصنَّاع التي تطبخ وتعمل الحلواء، ويشترط عليها هو أن لا يقربها، لأنه كان عليلا لا يمكنه أن يقرب النساء لباسور به إذ ذاك، وكان يقول لنا: اشتهوا ما أردتم.

    قال أبو علي بن حمكان حدثني أبو إسحاق المزكي، حدثنا ابن جذيمة، حدثنا الربيع، قال: أصحاب مالك كانوا يفخرون، فيقولون: إنه يحضر مجلس مالك نحو من ستين معمما. والله لقد عددت في مجلس الشافعي ثلاث مئة معمَّم سوى من شذ عني.

    قال الربيع: اشتريت للشافعي طيبا بدينار، فقال: ممن اشتريت؟ قلت: من ذاك الأشقر الأزرق. قال: أشقر أزرق! رده، رده، ما جاءني خير قط من أشقر.

    أبو حاتم: حدثنا حرملة، حدثنا الشافعي، يقول: احذر الأعور، والأعرج، والأحول، والأشقر، والكوسج، وكل ناقص الخلق؛ فإنه صاحب التواء، ومعاملته عسرة.

    العكري: سمعت الربيع يقول: كنت أنا والمزني والبويطي عند الشافعي، فنظر إلينا، فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان، قطعه وجدله، وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد قال: فدخلت على البويطي أيام المحنة، فرأيته مقيدا مغلولا. وجاءه رجل مرة، فسأله -يعني الشافعي- عن مسألة، فقال: أنت نساج؟ قال: عندي أجراء.

    أحمد بن سلمة النيسابوري: قال أبو بكر محمد بن إدريس ورَّاق الحميدي: سمعت الحميدي يقول: قال الشافعي: خرجتُ إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها.

    وعن الربيع قال: مر أخي، فرآه الشافعي، فقال: هذا أخوك؟ ولم يكن رآه. قلت: نعم.

    أبو علي بن حمكان: حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الهمذاني العدل، حدثنا أبو مسلم الكجي، حدثنا الأصمعي، عن الشافعي: أصل العلم التثبيت، وثمرته السلامة، وأصل الورع القناعة، وثمرته الراحة، وأصل الصبر الحزم، وثمرته الظفر، وأصل العمل التوفيق، وثمرته النجح، وغاية كل أمر الصدق.

    بلغنا عن الكديمي، حدثنا الأصمعي، قال: سمعت الشافعي يقول: العالم يسأل عما يعلم وعما لا يعلم، فيثبت ما يعلم، ويتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعلم، ويأنف من التعليم.

    أبو حاتم: حدثنا محمد بن يحيى بن حسان، سمعت الشافعي يقول: العلم علمان: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطب، وما سواه من الشعر وغيره فعناء وعبث.

    وعن الربيع قال: قلت للشافعي: من أقدر الفقهاء على المناظرة؟ قال: من عوَّد لسانه الركض في ميدان الألفاظ لم يتلعثم إذا رَمَقَتْهُ العيون.

    في إسنادها أبو بكر النقاش وهو واه.

    وعن الشافعي: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.

    قال يونس الصدفي: قال لي الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه.

    وعن الشافعي قال: ما رفعت من أحد فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه.

    وعنه: ضياع العالم أن يكون بلا إخوان، وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له.

    وعنه: إذا خفت على عملك العجْب؛ فاذكر رِضَى مَنْ تَطْلُب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب تَرْهَب. فمن فكر في ذلك صَغُرَ عنده عملُه.

    آلات الرياسة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السِّر، والوفاء بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الأمانة.

    محمد بن فهد المصري: حدثنا الربيع، سمعت الشافعي يقول: من استُغْضِبَ فلم يغضب؛ فهو حِمَارٌ، ومن استُرْضي فلمْ يَرْضَ؛ فهو شيْطَانٌ.

    أبو سعيد بن يونس: حدثنا الحسين بن محمد بن الضحاك الفارسي، سمعت المزني، سمعت الشافعي قال: أيما أهل بيت لم يخرج نساؤهم إلى رجال غيرهم، ورجالهم إلى نساء غيرهم إلا وكان في أولادهم حُمق.

    زكريا بن أحمد البلخي القاضي: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي، يقول: رأيت في المنام النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجده بالمدينة فكأني جئت، فسلَّمْتُ عليه، وقلت: يا رسول الله! أكتب رأي مالك؟ قال: لا. قلت: أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا. قلت: أكتب رأي الشافعي؟ فقال بيده هكذا، كأنه انتهرني، وقال: تقول: رأي الشافعي! إنه ليس برأيٍ، ولكنَّه ردٌّ على من خالف سنتي. رواها غير واحد عن أبي جعفر.

    عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إليَّ، حدثنا محمد بن رشيق، حدثنا محمد بن حسن البلخي، قال: قلت في المنام: يا رسول الله! ما تقول في قول أبي حنيفة، والشافعي، ومالك؟ فقال: لا قول إلا قولي، لكن قول الشافعي ضد قول أهل البدع.

    وروى من وجهين عن أحمد بن الحسن الترمذي الحافظ، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فسألته عن الاختلاف، فقال: أما الشافعي، فمني وإليّ. وفي الرواية الأخرى: أحيى سنتي.

    روى جعفر ابن أخي أبي ثور الكلبي، عن عمه، قال: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ، فوضع له كتاب "الرسالة".

    وقال أبو ثور: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها.

    وقال الزعفراني: حج بشر المريسي، فلما قدم، قال: رأيت بالحجاز رجلا، ما رأيت مثله سائلا ومجيبا -يعني الشافعي- قال: فقدم علينا، فاجتمع إليه الناس، وخفوا عن بشر، فجئت إلى بشر، فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم قد قدم، قال: إنه قد تغير عما كان عليه، قال: فما كان مثل بشر إلا مثل اليهود في شأن عبد الله بن سلام.

    قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة أدعو لهم سَحَرًا، أحدهم الشافعي.

    وقال محمد بن هارون الزنجاني: حدثنا عبد الله بن أحمد، قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي، فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ قال: يا بني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف أو منهما عوض؟ الزنجاني لا أعرفه.

    قال أبو داود: ما رأيت أبا عبد الله يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي.

    وقال قتيبة بن سعيد: الشافعي إمام.

    قلت: كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وسعة علمه يتناول ما يقوي حافظته.

    قال هارون بن سعيد الأيلي: قال لنا الشافعي: أخذت اللُّبَان سنة للحفظ، فأعقبني رمي الدم سنة.

    قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل النابلسي الشهيد، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، سمعت تميم بن عبد الله الرازي، سمعت أبا زُرْعَة، سمعت قتيبة بن سعيد يقول: مات الثوري ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السُّنَن، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البِدَع.

    أبو ثور الكلبي: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى هو مثل نفسه.

    وقال أيوب بن سويد: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي.

    قال أحمد بن حنبل من طرق عنه: إن الله يُقَيِّضُ للنَّاسِ في رأس كل مئة من يعلمهم السُّنَن، وينفي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكذب، قال: فنظرنا، فإذا في رأس المئة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المئتين الشافعي.

    قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: سُمِّيتُ ببغداد ناصر الحديث.

    الفضل بن زياد: سمعت أحمد يقول: ما أحد مسّ مَحْبَرة ولا قلما، إلا وللشافعي في عنقه مِنَّةٌ.

    وعن أحمد: كان الشافعي من أفصح الناس.

    قال إبراهيم الحربي: سألت أبا عبد الله عن الشافعي، فقال: حديث صحيح، ورأي صحيح.

    قال الحسن الزعفراني: ما قرأت على الشافعي حرفا من هذه الكتب، إلا وأحمد حاضر.

    وقال إسحاق بن راهويه: ما تكلم أحد بالرأي -وذكر جماعة من أئمة الاجتهاد- إلا والشافعي أكثر اتباعا منه، وأقل خطأ منه، الشافعي إمام.

    قال يحيى بن معين: ليس به بأس.

    وعن أبي ززعة الرازي، قال: ما عند الشافعي حديث فيه غلط.

    وقال أبو داود السجستاني: ما أعلم للشافعي حديثا خطأ.

    قلت: هذا من أدل شيء على أنه ثقة حجة حافظ. وناهيك بقول مثل هذين.

    وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتابا في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي. وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله، فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجبا لارتفاع شأنه، وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾.

    قال أبو حاتم الرازي: محمد بن إدريس صدوق.

    وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي -والله- لسانه أكبر من كتبه، لو رأيتموه لقلتم: إن هذه ليست كتبه.

    وعن يونس بن عبد الأعلى قال: ما كان الشافعي إلا ساحرا ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله، كأن ألفاظه سَكَرٌ، وكان قد أوتي عذوبة منطق، وحسن بلاغة، وفرط ذكاء وسيلان ذهن، وكمال فصاحة، وحضور حجة.

    فعن عبد الملك بن هشام اللغوي، قال: طالت مجالستنا للشافعي، فما سمعت منه لحنة قط.

    قلت: أنى يكون ذلك، وبمثله في الفصاحة يضرب المثل، كان أفصح قريش في زمانه، وكان مما يؤخذ عنه اللغة.

    قال أحمد بن أبي سريج الرازي: ما رأيت أحدا أفوه ولا أنطق من الشافعي.

    وقال الأصمعي: أخذت شعر هذيل عن الشافعي.

    وقال الزبير بن بكار: أخذت شعر هذيل ووقائعها عن عمي مصعب بن عبد الله، وقال: أخذتها من الشافعي حفظا.

    قال موسى بن سهل الجوني حدثنا أحمد بن صالح: قال لي الشافعي: تَعَبَّدْ من قبل أن ترأس، فإنك إن ترأست، لم تقدر أن تتعبد.

    ثم قال أحمد: كان الشافعي إذا تكلم كأن صوته صوت صنج وجرس من حسن صوته.

    قال ابن عبد الحكم: ما رأيت الشافعي يناظر أحدا إلا رحمته ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك، وهو الذي علم الناس الحُجج.

    قال الربيع بن سليمان: سئل الشافعي -رحمه الله- عن مسألة، فأعجب بنفسه، فأنشأ يقول:

    إذَا المُشكَلاتُ تَصَدَّيْنَنِي***كَشَفْتُ حقَائِقَها بالنَّظَر

    ولَسْتُ بإِمَّعَةٍ في الرِّجَالِ***أُسائِلُ هذَا وذَا مَا الخَبَر

    ولكنِّي مدره الأصْغَرَيْنِ***فتَّاحُ خَيْرٍ وفَرَّاجُ شَر
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    ترجمة الإمام الشافعي // بقلم الإمام شمس الدين الذهبي Empty رد: ترجمة الإمام الشافعي // بقلم الإمام شمس الدين الذهبي

    مُساهمة من طرف أحمد الثلاثاء نوفمبر 17, 2009 4:08 am

    وروى عن هارون بن سعيد الأيلي قال: لو أن الشافعي ناظر على أن هذا العمود الحجر خشب لغلب، لاقتداره على المناظرة.

    قال الزعفراني: قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين، فأقام عندنا سنتين، وخرج إلى مكة، ثم قدم سنة ثمان وتسعين، فأقام عندنا أشهرا، وخرج -يعني إلى مصر-.

    قلت: قد قدم بغداد سنة بضع وثمانين ومئة، وأجازه الرشيد بمال، ولازم محمد بن الحسن مدة، ولم يلق أبا يوسف القاضي، مات قبل قدوم الشافعي.

    قال المزني: لما وافى الشافعي مصر؛ قلت في نفسي: إن كان أحد يخرج ما في ضميري من أمر التوحيد فهو.

    تقدمت هذه الحكاية، وهذه الرواية سماع زكريا الساجي من المزني، قال: فكلمته، فغضب، وقال: أتدري أين أنت؟ هذا الموضع الذي غرق فيه فرعون. أبَلَغَكَ أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: فهل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا.

    قال الحسن بن رشيق الحافظ: حدثنا فقير بن موسى بن فقير الأسواني، حدثنا أبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني، حدثنا الشافعي، حدثنا أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الخولاني الشهابي، حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم الفتح: (مَنْ قُتِلَ لهُ قَتِيلٌ؛ فهُوَ بِخَيْرِ النّظريْن، إنْ أَحَبَّ العقل؛ أخذ، وإنْ أَحَبَّ؛ فلَهُ القَوَدُ) رواه الدارقطني عن ابن رشيق.

    الحسن بن سفيان: حدثنا أبو ثور، سمعت الشافعي -وكان من معادن الفقه، ونقاد المعاني، وجهابذة الألفاظ- يقول: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ؛ لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وأسماء المعاني معدودة محدودة، وجميع أصناف الدلالات على المعاني لفظا وغير لفظ خمسة أشياء: اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الذي يسمى النصبة، والنصبة في الحال الدلالة التي لا تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، وعن خفائها عن التفسير، وعن أجناسها وأفرادها، وعن خاصها وعامها، وعن طباعها في السار والضار، وعما يكون بهوا بهرجا، وساقطا مدحرجا.

    قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه.

    قال حرملة: سئل الشافعي عن رجل في فمه تمرة، فقال: إن أكلتها، فامرأتي طالق، وإن طرحتها، فامرأتي طالق، قال: يأكل نصفا، ويطرح النصف.

    قال الربيع: قال لي الشافعي: إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله فما لله ولي.

    وقال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.

    قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: ما رأيت أحدا أقل صبا للماء في تمام التطهر من الشافعي.

    قال أبو ثور: سمعت الشافعي يقول: ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله، وشكرا لله.

    الأصم: سمعت الربيع يقول: سأل رجل الشافعي عن قاتل الوزغ هل عليه غسل؟ فقال: هذا فتيا العجائز.

    الحسن بن علي بن الأشعث المصري: حدثنا ابن عبد الحكم، قال: ما رأت عيني قط مثل الشافعي، قدمت المدينة، فرأيت أصحاب عبد الملك بن الماجشون يغلون بصاحبهم، يقولون: صاحبنا الذي قطع الشافعي، قال: فلقيت عبد الملك، فسألته عن مسألة، فأجابني، فقلت: الحجة؟ قال: لأن مالكا قال كذا وكذا، فقلت في نفسي: هيهات، أسألك عن الحجة، وتقول: قال معلمي! وإنما الحجة عليك وعلى معلمك.

    قال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ: سألت أبا قدامة السرخسي عن الشافعي، وأحمد، وأبي عبيد، وابن راهويه، فقال: الشافعي أفقههم.

    قال يحيى بن منصور القاضي: سمعت إمام الأئمة ابن خزيمة يقول: -وقلت له: هل تعرف سنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتبه؟- قال: لا.

    قال حرملة: قال الشافعي: كنت أقرئ الناس، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وحفظت "الموطأ" قبل أن أحتلم.

    قال الحسن بن علي الطوسي: حدثنا أبو إسماعيل الترمذي، سمعت البويطي يقول: سئل الشافعي: كم أصول الأحكام؟ فقال: خمس مئة. قيل له: كم أصول السنن؟ قال: خمس مئة. قيل له: كم منها عند مالك؟ قال: كلها إلا خمسة وثلاثين حديثا. قيل له: كم عند ابن عيينة؟ قال: كلها إلا خمسة.

    قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله فحنث، فعليه الكفارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة وبالصفا والمروة، فليس عليه كفارة؛ لأنه مخلوق.

    قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: وددت أن كل علم أعلمه تَعَلَّمَه الناس أوجر عليه ولا يحمدوني.

    قال محمد بن مسلم بن وارة: سألت أحمد بن حنبل: ما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين، أهي أحب إليك أو التي بمصر؟ قال: عليك بالكتب التي عملها بمصر؛ فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكمها، ثم رجع إلى مصر فأحكم تلك. وقلت لأحمد: ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه، رأي مالك، أو الثوري، أو الأوزاعي؟ فقال لي قولا أجِلُّهم أن أذكره، وقال: عليك بالشافعي؛ فإنه أكثرهم صوابا وأتبعهم للآثار.

    قال عبد الله بن ناجية الحافظ: سمعت ابن وارة يقول: قدمت من مصر، فأتيت أحمد بن حنبل، فقال لي: كتبتَ كُتُبَ الشافعي؟ قلت: لا، قال: فرطت، ما عرفنا العموم من الخصوص، وناسخ الحديث من منسوخه، حتى جالسنا الشافعي، قال: فحملني ذلك على الرجوع إلى مصر، فكتبتها.

    تفرد بهذه الحكاية عن ابن ناجية عبد الله بن محمد الرازي الصوفي، وليس هو بثقة.

    قال محمد بن يعقوب الفرجي: سمعت علي بن المديني يقول: عليكم بكتب الشافعي.

    قلت: ومن بعض فنون هذا الإمام الطب، كان يدريه. نقل ذلك غير واحد، فعنه قال: عجبا لمن يدخل الحمام، ثم لا يأكل من ساعته كيف يعيش، وعجبا لمن يحتجم ثم يأكل من ساعته كيف يعيش.

    حرملة، عن الشافعي قال: من أكل الأترج، ثم نام، لم آمن أن تصيبه ذبحة.

    قال محمد بن عصمة الجوزجاني: سمعت الربيع، سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء دواء من لا دواء له وأعيت الأطباء مداواته: العنب، ولبن اللقاح، وقصب السكر، لولا قصب السكر؛ ما أقمت ببلدكم.

    وسمعته يقول: كان غلامي أعشى، لم يكن يبصر باب الدار، فأخذت له زيادة الكبد، فكحلته بها فأبصر.

    وعنه: عجبا لمن تعشى البيض المسلوق فنام، كيف لا يموت.

    وعنه: الفول يزيد في الدماغ، والدماغ يزيد في العقل.

    وعنه: لم أَرَ أنفع للوباء من البنفسج، يدهن به ويشرب.

    قال صالح بن محمد جزرة: سمعت الربيع، سمعت الشافعي يقول: لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه.

    قال حرملة: كان الشافعي يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب، ويقول: ضيعوا ثلث العلم، ووكلوه إلى اليهود والنصارى.

    ويقال: إن الإمام نظر إلى شيء من النجوم، ثم هجره، وتاب منه. فقال الحافظ أبو الشيخ: حدثنا عمرو بن عثمان المكي، حدثنا ابن بنت الشافعي: سمعت أبي يقول: كان الشافعي وهو حدث ينظر في النجوم، وما ينظر في شيء إلا فاق فيه، فجلس يوما وامرأته تَطْلُقُ، فحَسَبَ، فقال: تلد جارية عوراء، على فَرْجِهَا خَالٌ أسود، تموت إلى يوم كذا وكذا، فولدت كما قال، فجعل على نفسه أن لا ينظر فيه أبدا، ودَفن تلك الكتب.

    قال فوران: قسمت كتب الإمام أبي عبد الله بين ولديه، فوجدت فيها رسالتي الشافعي العراقية والمصرية بخط أبي عبد الله -رحمه الله-.

    قال أبو بكر الصومعي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صاحب حديث لا يشبع من كتب الشافعي.

    قال علي بن أحمد الدخمسيني سمعت علي بن أحمد بن النضر الأزدي، سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن الشافعي، فقال: لقد من الله علينا به لقد كنا تعلمنا كلام القوم، وكتبنا كتبهم، حتى قدم علينا، فلما سمعنا كلامه، علمنا أنه أعلم من غيره، وقد جالسناه الأيام والليالي، فما رأينا منه إلا كل خير، فقيل له: يا أبا عبد الله! كان يحيى وأبو عبيد لا يرضيانه -يشير إلى التشيع وأنهما نسباه إلى ذلك- فقال أحمد بن حنبل: ما ندري ما يقولان، والله ما رأينا منه إلا خيرا.

    قلت: من زعم أن الشافعي يتشيع؛ فهو مفتر، لا يدري ما يقول.

    قد قال الزبير بن عبد الواحد الإِسْتِرَاباذي: أخبرنا حمزة بن علي الجوهري، حدثنا الربيع بن سليمان قال: حججنا مع الشافعي، فما ارتقى شرفا، ولا هبط واديا، إلا وهو يبكي، وينشد:

    يا راكبًا! قِفْ بالمُحَصّبِ مِنَ مِنَى***واهْتِفْ بقَاعِدِ خيفنا والنَّاهِضِ

    سحرًا إذا فَاضَ الحَجِيجُ إلى مِنَى***فَيضًا كمُلْتَطَمِ الفُرَاتِ الفَائِضِ

    إنْ كانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ***فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلانِ أنِّي رَافِضِي

    قلت: لو كان شيعيا -وحاشاه من ذلك- لما قال: الخلفاء الراشدون خمسة، بدأ بالصديق، وختم بعمر بن عبد العزيز.

    الحافظ ابن عدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني، حدثنا صالح بن أحمد، سمعت أبي يقول: سمعت "الموطأ" من الشافعي، لأني رأيته فيه ثبتا، وقد سمعته من جماعة قبله.

    الحاكم: سمعت أبا بكر محمد بن علي الشاشي الفقيه يقول: دخلت على ابن خزيمة، فقال: يا بني! على من درستَ الفقه؟ فسميت له أبا الليث، فقال: وعلى من درس؟ قلت: على ابن سريج، فقال: وهل أخذ ابن سريج العلم إلا من كتب مستعارة؟! فقال رجل: أبو الليث هذا مهجور بالشاشي؛ فإن البلد حنابلة، فقال ابن خزيمة: وهل كان ابن حنبل إلا غلاما من غلمان الشافعي؟!

    زكريا الساجي: قلت لأبي داود: من أصحاب الشافعي؟ فقال: أولهم الحميدي، وأحمد بن حنبل، والبويطي.

    ويروى بطريقين عن الشافعي قال: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث، فكأني رأيت رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، جزاهم الله خيرا؛ هم حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا الفضل.

    أنبأنا محمد بن محمد بن مناقب، عن محمد بن محمد بن محمد بن غانم، أخبرنا أبو موسى المديني، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو سعد السمان، أخبرنا أحمد بن محمد بن محمود بتستر، حدثنا الحسن بن أحمد بن المبارك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا الشافعي، عن يحيى بن سليم، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى صلاةَ الكُسُوفِ أرْبَعَ رَكْعَاتٍ وأَرْبَعَ سَجْدَاتٍ.

    رواه الحافظ أبو سعيد النقاش: حدثنا علي بن الفضل، حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد، حدثنا ابن الإمام أحمد.. فذكر نحوه.

    وأخبرناه أبو علي القلانسي، أخبرنا جعفر، أخبرنا السِّلَفِيّ، أخبرنا إسماعيل بن مالك، أخبرنا أبو يعلى الخليلي، حدثنا الحسين بن عبد الرزاق، حدثنا علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل.. فذكره بنحوه.

    أخبرنا يوسف بن زكي الحافظ في سنة أربع وتسعين، أخبرنا المسلم بن محمد القيسي، وعلي بن أحمد -قلت: وأجازه المذكوران لي- وعبد الرحمن بن محمد الفقيه، أن حنبل بن عبد الله أخبرهم، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا أبو علي بن المذهب، أخبرنا أحمد بن جعفر المالكي، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ). و(نهى عن النَّجش)، و(نهى عن بيع حَبَل الحِبْلَة)، و(نهى عن المُزَابنة). والمُزَابَنَة: بيع الثمر بالتمر كيلا، وبيع الكَرْمِ بالزَّبِيبِ كيلا.

    هذا حديث صحيح متفق عليه، وبعض الأئمة يفرقه، ويجعله أربعة أحاديث، وهذه البيوع الأربعة محرمة، والأخيران منها فاسدان.

    أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الفقيه، ومحمد بن أبي العز البزاز، وست الوزراء بنت القاضي عمر بن أسعد سماعا، قالوا: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك اليماني (ح) وأخبرنا أحمد بن عبد المنعم القزويني، أخبرنا محمد بن سعيد الصوفي ببغداد، قال: أخبرنا طاهر بن محمد المقدسي، أخبرنا مكي بن منصور الكرجي وأنبأنا أحمد بن سلامة وغيره، عن أحمد بن محمد التيمي، أن عبد الغفار بن محمد التاجر أجاز لهم

    قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي، أخبرنا محمد بن إدريس، أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة: (طَوَافُكِ بالبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَة يَكْفِيكِ لحَجِّكِ وعُمْرَتِكِ).

    وبه قال الشافعي: وأخبرنا ابن عيينة، عن ابن نجيح، عن عطاء، عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله. وربما أرسله عطاء. هذا حديث صالح الإسناد، أخرجه أبو داود عن الربيع.

    قرأت على عبد المؤمن بن خلف الحافظ وعلى أبي الحسين بن الفقيه، أخبركما الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، أخبرنا علي بن المفضل الحافظ من حفظي، حدثنا شيخ الإسلام أبو طاهر السلفي لفظا، حدثنا الإمام أبو الحسن علي بن محمد الطبري إلكيا من لفظه ببغداد، أخبرنا إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، أخبرنا أبي أبو محمد الفقيه، وأخبرنا أحمد بن عبد المنعم القزويني، أخبرنا محمد بن الخازن (ح) وأخبرنا ابن الفقيه، وابن مشرف، ووزيرة قالوا: أخبرنا أبو عبد الله بن الزبيدي قالا: أخبرنا أبو زُرعة طاهر بن محمد المقدسي، أخبرنا مكي بن علان، قالا: أخبرنا القاضي أبو بكر الجيزي حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلى صَاحِبِهِ بالخِيَارِ مَا لمْ يَتَفَرَّقَا إلاَّ بَيْعَ الخِيَار).

    أخرجه البخاري عن ابن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، جميعا عن مالك، وهو مسلسل في طريقنا الأول بالفقهاء إلى منتهاه.

    وأخبرناه عاليا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء قراءة، عن المؤيد بن محمد الطوسي، أخبرنا هبة الله بن سهل، أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب الزهري، حدثنا مالك بن أنس، وأخبرنا به أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام ببعلبك، أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة، أخبرنا أحمد بن عبد القادر (ح) وأخبرنا سنقر بن عبد الله بحلب، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار البقال، أخبرنا أبي قالا: أخبرنا عثمان بن دوست العلاف، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله البزاز، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدثنا عبد الله بن مسلمة، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (المُتَبَايِعَانِ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا بالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ).

    وبه إلى القعنبي: قال مالك: وليس لهذا عندنا وجه معروف، ولا أمر معمول.

    قلت: قد عمل جمهور الأئمة بمقتضاه، أولهم عبد الله بن عمر راوي الحديث، والله أعلم.

    أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الهمذاني بقراءتي عليه، أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد سنة عشرين وست مئة، أخبرنا محمد بن خليل القيسي، وأخبرنا أبو جعفر محمد بن علي السلمي، وأحمد بن عبد الرحمن الصوري قالا: أخبرنا أبو القاسم بن صصرى، أخبرنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي، وأبو يعلى حمزة بن علي الثعلبي، وأخبرنا علي بن محمد الحافظ، وعمر بن عبد المنعم الطائي، وعبد المنعم بن عبد اللطيف، ومحمد بن محمد الفارسي وغيرهم قالوا: أخبرنا القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله الشافعي، وأخبرنا الحسن بن علي بن الجوهري، وخديجة بنت يوسف الواعظة قالا: أخبرنا مكرم بن محمد بن أبي الصقر، وأخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن القواس، وابن عمه أبو حفص عمر بن عبد المنعم، والقاضي تقي الدين سليمان بن أبي عمر، والتقي بن مؤمن، وفاطمة بنت سليمان، وأبو علي بن الخلال، ومحمد بن الحسن الأرموي، وست الفخر بنت عبد الرحمن، قالوا: حدثتنا أم الفضل كريمة بنت عبد الوهاب القرشية قالوا ثلاثتهم: أخبرنا أبو يعلى بن الحبوبي، قال هو وابن خليل والأسدي، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلا المصيصي قراءة عليه، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر التميمي سنة ثمان عشرة وأربع مئة، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت في سنة ست وثلاثين وثلاث مئة، حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، حدثنا ابن عيينة، عن جامع وعبد الملك، سمعا أبا وائل يخبر عن عبد الله بن مسعود، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بها مَالَ أمْرِئٍ مُسْلِمٍ؛ لَقِيَ اللهَ يومَ القِيَامَةِ وهُو عَلَيْه غَضْبَان). قيلَ: يا رسول الله! وإنْ كانَ شيئًا يسيرًا؟ قال: (وإنْ كانَ سِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ).

    أخبرنا أبو الحسين يحيى بن أحمد الجذامي وعلي بن أحمد الحسيني، ومحمد بن الحسين القرشي بقراءتي، قالوا: أخبرنا محمد بن عماد، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر المالكي، أخبرنا أبو الطاهر أحمد بن محمد المدينى، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، عن الشافعي، عن محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يَزْدَادُ الأمْرُ إلاَّ شِدَّة، ولا الدُّنْيَا إلاَّ إدْبَارًا ولا النَّاسُ إلاَّ شُحًّا، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلاَّ عَلى شِرَارِ النَّاسِ، لا مَهْدِيَّ إلاَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَم).

    أخرجه ابن ماجه عن يونس، فوافقناه، وهو خبر منكر، تفرد به يونس بن عبد الأعلى الصدفي أحد الثقات، ولكنه ما أحسبه سمعه من الشافعي، بل أخبره به مخبر مجهول ليس بمعتمد، وقد جاء في بعض طرقه الثابتة عن يونس قال: حدثت عن الشافعي فذكره.

    أخبرنا الحسن بن علي القلانسي، أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الحافظ، أخبرنا محمد بن أحمد الجارودي، أخبرنا أبو إسحاق القراب أخبرنا أبو يحيى الساجي، حدثنا أبو داود السجزي، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الشافعي، حدثنا مالك، عن ابن عجلان، عن أبيه قال: إذا أغفل العالم "لا أدري"؛ أصيبت مقاتله. فغالب هذا الإسناد مسلسل بالحفاظ من أبي إسماعيل إلى عجلان -رحمه الله-.

    وبه إلى أبي إسماعيل قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي -وكان من الإسلام بمكان- قال: رأيت الشافعي بمكة يفتي الناس، ورأيت أحمد وإسحاق حاضرين، فقال الشافعي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وهَلْ تَرَكَ لنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ). فقال إسحاق: حدثنا يزيد، عن الحسن، وأخبرنا أبو نعيم وعبدة، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم أنهما لم يكونا يريانه، وعطاء وطاوس لم يكونا يريانه. فقال الشافعي: من هذا؟ قيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بن راهويه، فقال الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم، ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت آمر بعرك أذنيه، أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنت تقول: عطاء، وطاوس، ومنصور عن إبراهيم والحسن، وهل لأحد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حُجة؟!

    وبه إلى أبي إسماعيل قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله الفقيه إملاءً، سمعت أحمد بن محمد بن فراشة الفقيه بمرو، سمعت أحمد بن منصور الشيرازي، سمعت الحسن بن محمد الطبري، سمعت محمد بن المغيرة، سمعت يونس بن عبد الأعلى، سمعت الشافعي، وحدثنا عمر بن محمد إملاء، أخبرنا محمد بن الحسن الساوي بمرو، حدثنا محمد بن أبي بكر المروزي، حدثنا علي بن محمد المروزي، حدثنا أبو الفضل صالح بن محمد الرازي، سمعت البويطي، سمعت الشافعي يقول: إذا رأيتُ رجلا من أصحاب الحديث فكأني رأيتُ رجلا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. زاد البويطي: قال الشافعي: جزاهم الله خيرا، فهم حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا فضل.

    وبه: أخبرنا محمد بن أحمد الجارودي، أخبرنا أبو إسحاق القراب، أخبرنا أبو يحيى الساجي، عن البويطي، سمع الشافعي يقول: عليكم بأصحاب الحديث، فإنهم أكثر الناس صوابا.

    ويروى عن الشافعي: لولا المَحَابِرُ؛ لخَطَبَتِ الزَّنَادِقَةُ على المَنابر.

    الأصم: حدثنا الربيع، قال الشافعي: المُحْدَثَاتُ من الأمور ضربان: ما أُحْدِثَ يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه البدعة ضلالة، وما أُحْدِثَ من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه مُحْدَثَةٌ غير مذمومة؛ قد قال عمر في قيام رمضان: نِعْمَتِ البِدْعَة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذ كانت فليس فيها رد لما مضى. رواه البيهقي عن الصدفي، عن الأصم.

    قال أحمد بن سلمة النيسابوري: تزوج إسحاق بن راهويه بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي، مات، لم يتزوج بها إلا للكتب، قال: فوضع "جامع الكبير" على كتاب الشافعي، ووضع "جامع الصغير" على "جامع سفيان"، فقدم أبو إسماعيل الترمذي نيسابور، وكان عنده كتب الشافعي عن البويطي، فقال له إسحاق: لا تحدث بكتب الشافعي ما دمت هنا، فأجابه.

    قال داود بن علي: سمعمت ابن راهويه يقول: ما كنت أعلم أن الشافعي في هذا المحل، ولو علمت؛ لم أفارقه.

    قال محمد بن إبراهيم البوشنجي: قال إسحاق: قلت للشافعي: ما حال جعفر بن محمد عندكم؟ فقال: ثقة، كتبنا عن إبراهيم بن أبي يحيى عنه أربع مئة حديث.

    قال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت أفقه من سفيان بن عيينة ولا أسكت عن الفتيا منه.

    روى أبو الشيخ الحافظ وغيره من غير وجه: أن الشافعي لما دخل مصر أتاه جلة أصحاب مالك، وأقبلوا عليه، فلما أن رأوه يخالف مالكا، وينقض عليه؛ جفوه وتنكروا له، فأنشأ يقول:

    أَأَنْثُرُ دُرًّا بَيْنَ سَارِحَةِ النَّعَمْ***وأَنْظُمُ مَنْثُورًا لِرَاعِيَةِ الغَنَمْ

    لَعَمْرِي! لَئِنْ ضُيِّعْتُ في شَرِّ بَلْدَةٍ***فَلَسْتُ مُضِيعًا بَيْنَهُم غُرَرَ الحِكَمْ

    فإنْ فَرَّجَ اللهُ اللَّطِيفُ بِلُطْفِهِ***وصَادَفْتُ أهْلاً للعُلُومِ وللْحِكَمْ

    بَثَثْتُ مُفِيدًا واسْتَفَدْتُ وِدَادَهُم***وإلاَّ فَمَخْزُونٌ لدَيَّ ومُكْتَتَمْ

    ومَنْ مَنَحَ الجُهَّالَ عِلْمًا أَضَاعَهُ***ومَنْ مَنَعَ المُسْتَوْجِبِينَ فقد ظَلَمْ

    وكَاتِمُ عِلْمَ الدِّينِ عمَّنْ يُرِيدُهُ***يَبُوءُ بِإِثْم زَاد وآثِمٌ إذا كَتَمْ

    قال أبو عبد الله ابن مندة: حدثت عن الربيع قال: رأيت أشهب بن عبد العزيز ساجدا يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي لا يذهب علم مالك، فبلغ الشافعي، فأنشأ يقول:

    تَمَنَّى رِجَالٌ أنْ أمُوتَ وإنْ أمُتْ***فتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْت فيها بأَوْحَدِ

    فَقُلْ للَّذِي يبْغِي خِلافَ الذي مَضَى***تهيَّأ لأخْرَى مِثْلِهَا فكَأَنْ قَدِ

    وقَدْ عَلِمُوا لَوْ يَنْفَعُ العِلْمُ عندَهُم***لئنْ متُّ ما الدَّاعِي عَلَيَّ بِمُخلدِ

    قال المبرد: دخل رجل على الشافعي، فقال: إن أصحاب أبي حنيفة لفصحاء. فأنشأ يقول:

    فلولا الشِّعْرُ بالعُلَمَاءِ يُزْرِي***لكنتُ اليَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيدِ

    وأَشْجَعُ في الوَغَى مِنْ كُلِّ ليْثٍ***وآلِ مُهَلَّبٍ وأبِي يزِيدِ

    ولولا خَشْيَةُ الرَّحْمَنِ ربِّي***حَسِبْتُ الناسَ كُلَّهُم عَبِيدِي

    ولأبي عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي في الشافعي:

    ومِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ حُبُّ ابنِ شَافِعِ***وفَرْضٌ أكِيدٌ حبّه لا تَطَوُّع

    وإنِّي حياتِي شَافِعِيٌّ فإنْ أَمُتْ***فَتَوْصِيَتِي بَعْدِي بِأَنْ يَتَشَفَّعُو

    قال الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن غانم في كتاب "مناقب الشافعي" له، وهو مجلد: جمعت ديوان شعر الشافعي كتابا على حدة. ثم إنه ساق بإسناد له إلى ثعلب قال: الشافعي إمام في اللغة.

    قال أبو نعيم بن عدي الحافظ سمعت الربيع مرارا يقول: لو رأيت الشافعي وحسن بيانه وفصاحته؛ لعجبت، ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة؛ لم نقدر على قراءة كتبه؛ لفصاحته، وغرائب ألفاظه، غير أنه كان في تأليفه يوضح للعوام.

    حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس.

    هذه حكاية نافعة، لكنها منكرة، ما أعتقد أن الإمام تفوه بها، ولا كانت أوضاع أرسطوطاليس عربت بعدُ ألبتة. رواها أبو الحسن علي بن مهدي الفقيه، وحدثنا محمد بن هارون، حدثنا هميم بن همام، حدثنا حرملة. ابن هارون مجهول.

    قال مصعب بن عبد الله: ما رأيت أحدا أعلم بأيام الناس من الشافعي.

    ونقل الإمام ابن سريج عن بعض النسابين قال: كان الشافعي من أعلم الناس بالأنساب، لقد اجتمعوا معه ليلة، فذاكرهم بأنساب النساء إلى الصباح، وقال: أنساب الرجال يعرفها كل أحد.

    الحسن بن رشيق: أخبرنا أحمد بن علي المدائني قال: قال المزني: قدم علينا الشافعي فأتاه ابن هشام صاحب المغازي، فذاكره أنساب الرجال، فقال له الشافعي: دع عنك أنساب الرجال؛ فإنها لا تذهب عنا وعنك، وحدثنا في أنساب النساء، فلما أخذوا فيها بقي ابن هشام.

    قال يونس الصدفي: كان الشافعي إذا أخذ في أيام الناس؛ قلتَ: هذه صناعته.

    وعن الشافعي قال: ما أردت بها -يعني: العربية والأخبار- إلا للاستعانة على الفقه.

    قال أبو حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: ما رأيت أحدا لقي من السقم ما لقي الشافعي، فدخلت عليه، فقال: اقرأ ما بعد العشرين والمئة من آل عمران، فقرأت، فلما قمت قال: لا تغفل عني؛ فإني مكروب.

    قال يونس: عنى بقراءتي ما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أو نحوه.

    ابن خزيمة وغيره: حدثنا المزني قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت: يا أبا عبد الله! كيف أصبحت؟ فرفع رأسه، وقال: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردا، ما أدري روحي تصير إلى جنة فأهنيها، أو إلى نار فأعزيها، ثم بكى، وأنشأ يقول:

    ولمَّا قَسَا قلبِي وضَاقَتْ مَذَاهِبِي***جَعَلْتُ رجَائِي دُونَ عَفْوِكَ سُلَّمَ

    تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فلمَّا قَرَنْتُهُ***بِعَفْوِكَ -ربِّي!- كانَ عفْوُكَ أعْظَمَ

    فمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عنِ الذَّنْبِ لمْ تَزَلْ***تَجُودُ وتَعْفُو مِنَّةً وتَكَرُّمَ

    فإنْ تَنْتَقِمْ مِنِّي فَلَسْتُ بآيِسٍ***ولو دَخَلَتْ نَفْسِي بِجُرْمِي جَهَنَّمَ

    ولولاكَ لمْ يُغْوَ بإبْلِيسَ عابدٌ***فكيْفَ وقد أَغْوَى صَفِيَّكَ آدَمَ

    وإنِّي لآتِي الذَّنْبَ أَعْرِفُ قَدْرَهُ***وأعلمُ أنَّ الله يَعْفُو تَرَحُّمَ

    إسناده ثابت عنه.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    ترجمة الإمام الشافعي // بقلم الإمام شمس الدين الذهبي Empty رد: ترجمة الإمام الشافعي // بقلم الإمام شمس الدين الذهبي

    مُساهمة من طرف أحمد الثلاثاء نوفمبر 17, 2009 4:10 am

    قال أبو العباس الأصم: حدثنا الربيع بن سليمان: دخلت على الشافعي وهو مريض، فسألني عن أصحابنا، فقلت: إنهم يتكلمون، فقال: ما ناظرت أحدا قَط على الغلبة، وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب -يعني كتبه- على أن لا ينسب إليَّ منه شيء. قال هذا يوم الأحد، ومات يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة، فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومئتين وله نيِّف وخمسون سنة.

    ابن أبي حاتم: كتب إلي أبو محمد السجستاني نزيل مكة، حدثني الحارث بن سريج، قال: دخلت مع الشافعي على خادم الرشيد، وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما أبصره رجع، فقال له الخادم: ادخل، قال: لا يحل افتراش الحرم، فقام الخادم متبسما، حتى دخل بيتا قد فرش بالأرمني فدخل الشافعي، ثم أقبل عليه، فقال: هذا حلال، وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك، وأكثر ثمنا، فتبسم الخادم، وسكت.

    وعن الربيع للشافعي:

    لقد أصْبَحَتْ نَفْسِي تَتُوقُ إلى مِصْرَ***ومِنْ دُونِهَا أَرْضُ المَهَامِه والقَفْرِ

    فوالله ما أدْرِي ألِلْمَالِ والغِنَى***أُسَاقُ إليها أمْ أُسَاقُ إلى قَبْرِي

    قال الميموني: سمعت أحمد يقول: سألت الشافعي عن القياس، فقال: عند الضرورات.

    أخبرنا أبو علي بن الخلال، أخبرنا ابن اللَّتِّي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا محمد بن موسى، حدثنا محمد بن يعقوب، سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوا ما قلت.

    سمعنا جزءا في رحلة الشافعي، فلم أسُق منه شيئا لأنه باطل لمن تأمله وكذلك عزي إليه أقوال وأصول لم تثبت عنه، ورواية ابن عبد الحكم عنه في محاشِ النساء منكرة، ونصوصه في تواليفه بخلاف ذلك.

    وكذا وصية الشافعي من رواية الحسين بن هشام البلدي غير صحيحة.

    وقال شيخ الإسلام علي بن أحمد بن يوسف الهكاري في كتاب "عقيدة الشافعي" له: أخبرنا أيو يعلى الخليل بن عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو القاسم بن علقمة الأبهري، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، سمعت أبا عبد الله الشافعي يقول -وقد سئل عن صفات الله -تعالى- وما يؤمن به- فقال: لله أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- أمته، لا يسع أحدا قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القول بها، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه، فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة، فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالروية والفكر، ولا نكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، ونثبت هذه الصفات، وننفي عنها التشبيه، كما نفاه عن نفسه، فقال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

    قال مصعب بن عبد الله: كان الشافعي يسمر مع أبي إلى الصباح.

    وقال المبرد: كان الشافعي من أشعر الناس، وآدب الناس، وأعرفهم بالقراءات.

    ومن مناقب هذا الإمام قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّمَا بنُو هَاشِمٍ وبنُو المُطَّلِبِ شيءٌ واحِدٌ لمْ يُفَارِقُونَا في جاهليَّةٍ ولا إِسْلام) أخرجه البخاري.

    قال يحيى القطان: مما نقله البيهقي في "المدخل" له: ما رأيت أعقل -أو قال أفقه- من الشافعي، وأنا أدعو الله له أخصه به.

    وقال الحاكم: حدثنا الزبير بن عبد الواحد، حدثني العباس بن الفضل بأرسوف حدثنا محمد بن عوف، سمعت أحمد بن حنبل يقول: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه.

    قال إبراهيم الحربي، سألت أحمد عن الشافعي، فقال: حديث صحيح، ورأي صحيح، وسألته عن مالك وذكر القصة.

    أحمد بن محمد بن عبيدة: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: كان الشافعي إذا أخذ في التفسير كأنه شهد التنزيل.

    قال البيهقي فيما أجاز لنا ابن علان وفاطمة بنت عساكر، عن منصور الفراوي أخبرنا أبو المعالي الفارسي، أخبرنا أبو بكر البيهقي، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا محمد بن العباس العصمي حدثنا أبو إسحاق بن ياسين الهروي، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الأنصاري، سمعت المروذي يقول: قال أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبرا، قلت فيها بقول الشافعي، لأنه إمام قرشي، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْمً) إلى أن قال أحمد: وإني لأدعو للشافعي منذ أربعين سنة في صلاتي.

    روى أبو داود الطيالسي وإسحاق بن إسرائيل، حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي الجارود النضر بن حميد عن أبي الجارود عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَسُبُّوا قُرَيْشًا؛ فإنَّ عَالِمهَا يمَلأ الأرْضَ عِلْمً).

    قلت: النضر، قال فيه أبو حاتم: متروك الحديث.

    قال أبو بكر بن زياد النيسابوري: سمعت الربيع يقول: كان الشافعي يختم القرآن في كل رمضان ستين ختمة، وفي كل شهر ثلاثين ختمة. وكان يحدث وطست تحته، فقال يوما: اللهم إن كان لك فيه رضى، فزد فبعث إليه إدريس بن يحيى المعافري -يعني زاهد مصر-: لست من رجال البلاء، فسل الله العافية.

    الزبير بن عبد الواحد: حدثنا محمد بن عقيل الفريابي قال: قال المزني أو الربيع: كنا يوما عند الشافعي، إذ جاء شيخ عليه ثياب صوف، وفي يده عكازة، فقام الشافعي، وسوى عليه ثيابه، وسلم الشيخُ وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له، إذ قال الشيخ: أسأل؟ قال: سل، قال: ما الحجة في دين الله؟ قال: كتاب الله. قال: وماذا؟ قال: سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة. قال: من أين قلت: اتفاق الأمة؟ فتدبر الشافعي ساعة، فقال الشيخ: قد أجلتك ثلاثا، فإن جئت بحجة من كتاب الله، وإلا تب إلى الله تعالى، فتغير لون الشافعي، ثم إنه ذهب، فلم يخرج إلى اليوم الثالث بين الظهر والعصر، وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مِسْقَامٌ، فجلس، فلم يكن بأسرع من أن جاء الشيخ، فسلم، وجلس، فقال: حاجتي؟ فقال الشافعي: نعم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله -تعالى-: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى..﴾ الآية.

    قال: فلا يُصْلِيه على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض، فقال: صدقت، وقام فذهب.

    فقال الشافعي: قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات، حتى وقفت عليه.

    أنبئت بهذه القصة عن منصورالفراوي، أخبرنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أخبرنا أبو بكر البيهقي، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الزبير.. فذكرها.

    قال الزعفراني: قدم علينا الشافعي بغداد في سنة خمس وتسعين، فأقام عندنا أشهرا، ثم خرج. وكان يخضب بالحناء، وكان خفيف العارضين.

    وقال أحمد بن سنان: رأيته أحمر الرأس واللحية -يعني أنه اخْتَضَبَ-.

    قال الطبراني: سمعت أبا يزيد القراطيسي يقول: حضرت جنازة ابن وهب، وحضرت مجلس الشافعي.

    أبو نعيم في "الحلية": حدثنا عبيد بن خلف البزار، حدثني إسحاق بن عبد الرحمن، سمعت حسينا الكرابيسي، سمعت الشافعي يقول: كنت امرأ أكتب الشعر، فآتي البوادي، فأسمع منهم، فقدمت مكة، فخرجت وأنا أتمثل بشعرٍ للبيد، وأضرب وحْشِيَّ قَدَمَيَّ بالسوط، فضربني رجل من ورائي من الحجبة، فقال: رجل من قريش ثم ابن المطلب، رضي من دينه ودنياه أن يكون معلما، ما الشعر إذا استحكمت فيه فعدت معلما؟ تفقه يُعْلِكَ الله. فنفعني الله بكلامه، فكتبت ما شاء الله من ابن عيينة، ثم كنت أجالس مسلم بن خالد، ثم قدمت على مالك، فلما عرضت عليه إلى كتاب السير، قال لي: تفقه؛ تعلُ يا ابن أخي، فجئت إلى مصعب بن عبد الله، فكلمته أن يكلم لي بعض أهلنا، فيعطيني شيئا، فإنه كان بي من الفقر والفاقة ما الله به عليم، فقال لي مصعب: أتيت فلانا، فكلمته، فقال: أتكلمني في رجل كان منا، فخالفنا؟! قال: فأعطاني مئة دينار؟ ثم قال لي مصعب: إن الرشيد كتب إلي أن أصير إلى اليمن قاضيا، فتخرج معنا، لعل الله أن يعوضك، فخرجت معه، وجالسنا الناس، فكتب مطرف بن مازن إلى الرشيد: إن أردت اليمن لا يفسد عليك ولا يخرج من يدك، فأخرج عنه محمد بن إدريس، وذكر أقواما من الطالبيين، فبعث إلى حماد البربري، فأوثقت بالحديد، حتى قدمنا على هارون الرقة، فأدخلت عليه.. وذكر اجتماعه بعد بمحمد بن الحسن، ومناظرته له.

    قال الحميدي: عن الشافعي قال: كان منزلنا بمكة في شعب الخيف، فكنت أنظر إلى العظم يلوح، فأكتب فيه الحديث أو المسألة، وكانت لنا جرة قديمة، فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة.

    قال عمرو بن عثمان المكي، عن الزعفراني، عن يحيى بن معين، سمعت يحيى بن سعيد يقول: أنا أدعو الله للشافعي في صلاتي منذ أربع سنين.

    قال ابن ماجه القزويني: جاء يحيى بن معين إلى أحمد بن حنبل، فبينا هو عنده؛ إذ مر الشافعي على بغلته، فوثب أحمد يسلم عليه، وتبعه، فأبطأ، ويحيى جالس، فلما جاء، قال يحيى: يا أبا عبد الله، كم هذا؟ فقال: دع عنك هذا؟ إن أردت الفقه، فالزم ذنب البغلة.

    قال أحمد بن العباس النسائي: سمعت أحمد بن حنبل مالا أحصيه وهو يقول: قال أبو عبد الله الشافعي. ثم قال: ما رأيت أحدا أتبع للأثر من الشافعي.

    أبو حاتم: حدثنا يونس، سمعت الشافعي يقول: ناظرت يوما محمد بن الحسن، فاشتد مناظرتي له، فجعلت أوداجه تنتفخ، وأزراره تنقطع زِرًّا زِرًّا.

    وعن الشافعي قال: سميت ببغداد ناصرَ الحديث.

    وقال يونس: سمعت الشافعي يقول: ما فاتني أحد كان أشد علي من الليث، وابن أبي ذئب، والليث أتبع للأثر من مالك.

    أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة، عن مسعود الجمال، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل، حدثني حسان بن أبان القاضي بمصر، حدثني جامع بن القاسم البلخي، حدثني أبو بكر محمد بن يزيد بن حكيم المستملي قال: رأيت الشافعي في المسجد الحرام، وقد جعلت له طنافس، فجلس عليها، فأتاه رجل من أهل خراسان، فقال: يا أبا عبد الله! ما تقول في أكل فرخ الزنبور؟ فقال: حرام. فقال: حرام؟! قال: نعم من كتاب الله، وسنة رسول الله، والمعقول، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾. وحدثنا سفيان، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن حذيفة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اقْتَدُوا باللَّذِينَ مِنْ بَعْدِي: أبِي بَكْرٍ وعمَر) هذا الكتاب والسنة.

    وحدثونا عن إسرائيل، قال أبو بكر المستملي: حدثنا أبو أحمد، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، أن عمر أمر بقتل الزنبور، وفي المعقول أن ما أمر بقتله فحرام أكله.

    وقال أبو نعيم: حدثنا الحسن بن سعد، حدثنا زكريا الساجي، سمعت البويطي، سمعت الشافعي يقول: إنما خلق الله الخلق بِكُنْ، فإذا كانت "كُنْ" مخلوقة؛ فكأن مخلوقا خلق بمخلوق.

    الربيع: سمعت الشافعي يقول: لم أَرَ أحدا أشهد بالزور من الرافضة.

    وقال: لا يبلغ في هذا الشأن رجل حتى يضر به الفقر، ويؤثره على كل شيء.

    وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: يا يونس! الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط.

    وقال لي: رضى الناس غاية لا تدرك، وليس إلى السلامة منهم سبيل، فعليك بما ينفعك فالزمه.

    وعن الشافعي: العلم ما نفع ليس العلم ما حفظ.

    وعنه: اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل.

    وعنه: لو أعلم أن الماء البارد ينقص مروءتي؛ ما شربته.

    أبو نعيم: حدثنا ابن المقرئ، سمعت يوسف بن محمد بن يوسف المروزي يقول: عن عمر بن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن أبيه، سمعت الشافعي يقول: بينما أنا أدور في طلب العلم، ودخلت اليمن، فقيل لي: بها إنسان من وسطها إلى أسفل بدن امرأة، ومن وسطها إلى فوق بدنان مفترقان بأربع أيد ورأسين ووجهين، فأحببت أن أنظر إليها، فلم أستحل حتى خطبتها من أبيها، فدخلت، فإذا هي كما ذكر لي، فلعهدي بهما، وهما يتقاتلان، ويتلاطمان، ويصطلحان، ويأكلان، ثم إني نزلت عنها، وغبت عن تلك البلد، -أحسبه قال: سنتين- ثم عدت، فقيل لي: أحسن الله عزاءك في الجسد الواحد، توفي، فعمد إليه، فربط من أسفل بحبل، وترك حتى ذبل، فقطع ودفن، قال الشافعي: فلعهدي بالجسد الواحد في السوق ذاهبا وجائيا أو نحوه.

    هذه حكاية عجيبة منكرة، وفي إسنادها من يجهل.

    وعن الشافعي قال: ما نقص من أثمان السود إلا لضعف عقولهم، وإلا هو لون من الألوان.

    إبراهيم بن محمد بن الحسن الأصبهاني: حدثنا الربيع، قال: كان الشافعي يختم في رمضان ستين ختمة.

    قال إبراهيم بن محمد الشافعي: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من الشافعي، وذاك أنه أخذ من مسلم بن خالد، وأخذ مسلم من ابن جريج، وأخذ ابن جريج من عطاء، وأخذ عطاء من ابن الزبير، وأخذ ابن الزبير من أبي بكر الصديق، وأخذ أبو بكر من النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    وعن الشافعي قال: رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيرا.

    قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: يقولون: ماء العراق، وما في الدنيا مثل ماء مصر للرجال، لقد قدمت مصر وأنا مثل الخصي ما أتحرك، قال: فما برح من مصر حتى ولد له.

    محمد بن إبراهيم بن جناد: حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي سمعت الشافعي يقول: خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبير يشغلون به عن القرآن.

    عن الشافعي: ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن. قيل: ولم؟ قال: لأن العاقل لا يعدو من إحدى خلتين، إما يغتم لآخرته أو لدنياه، والشحم مع الغم لا ينعقد.

    أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو المعدل في سنة اثنتين وتسعين وبعدها، أخبرنا الحسن بن علي بن الحسين الأسدي، أخبرنا جدي أبو القاسم الحسين بن الحسن، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد الفقيه، أخبرنا محمد بن الفضل بن نظيف الفراء بمصر سنة تسع عشرة وأربع مئة، حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين الصابوني سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة، حدثنا المزني، حدثنا الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (نهَى عن الوِصَالِ)، فقيل: إنك تُوَاصِلُ! فقال: (لَسْتُ مِثْلَكُم؛ إنِّي أُطْعَمُ وأُسْقَى).

    قلت: كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية؛ لا يلتفت إليه، بل يُطوى ولا يُروى، كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفو القلوب، وتتوفر على حب الصحابة، والترضي عنهم، وكتمان ذلك مُتَعَيِّنٌ عن العامة وآحاد العلماء.

    وقد يرخص في مطالعة ذلك -خَلْوَةً- للعالم المنصف الْعَرِيِّ من الهوى، بشرط أن يستغفر لهم، كما علمنا الله -تعالى- حيث يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ولَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا﴾.

    فالقوم لهم سوابق، وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد محاء، وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة، نقطع بأن بعضهم أفضل من بعض، ونقطع بأن أبا بكر وعمر أفضل الأئمة، ثم تتمة العشرة المشهود لهم بالجنة، وحمزة وجعفر ومعاذ وزيد، وأمهات المؤمنين، وبنات نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأهل بدر مع كونهم على مراتب، ثم الأفضل بعدهم مثل أبي الدرداء وسلمان الفارسي وابن عمر وسائر أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم بنص آية سورة الفتح؛ ثم عموم المهاجرين والأنصار؛ كخالد بن الوليد والعباس وعبد الله بن عمرو، وهذه الْحَلْبَةِ، ثم سائر من صحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجاهد معه، أو حج معه، أو سمع منه، رضي الله عنهم أجمعين وعن جميع صواحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المهاجرات والمدنيات وأم الفضل وأم هانئ الهاشمية وسائر الصحابيات.

    فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك، فلا نعرج عليه، ولا كرامة، فأكثره باطل وكذب وافتراء، فدأب الروافض رواية الأباطيل، أو رد ما في الصحاح والمسانيد، ومتى إفاقة من به سكران؟! ثم قد تكلم خلق من التابعين بعضهم في بعض، وتحاربوا، وجرت أمور لا يمكن شرحها، فلا فائدة في بثها.

    ووقع في كتب التواريخ وكتب الجرح والتعديل أمور عجيبة، والعاقل خصم نفسه، و(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، ولحوم العلماء مسمومة، وما نقل من ذلك لتبين غلط العالم، وكثرة وهمه، أو نقص حفظه؛ فليس من هذا النمط، بل لتوضيح الحديث الصحيح من الحسن، والحسن من الضعيف.

    وإمامنا: فبحمد الله ثبت في الحديث، حافظ لما وعى، عديم الغلط، موصوف بالإتقان، متين الديانة، فمن نال منه بجهل وهوى ممن عُلم أنه منافس له؛ فقد ظلم نفسه، ومقتته العلماء، ولاح لكل حافظ تحامله، وجر الناس برجله، ومن أثنى عليه، واعترف بإمامته وإتقانه، وهم أهل العقد والحل قديما وحديثا؛ فقد أصابوا، وأجملوا، وهدوا، ووفقوا.

    وأما أئمتنا اليوم وحكامنا، فإذا أعدموا ما وجد من قدح بهوى، فقد يقال: أحسنوا ووفقوا، وطاعتهم في ذلك مفترضة لما قد رأوه من حسم مادة الباطل والشر.

    وبكل حال: فالجهال والضلال قد تكلموا في خيار الصحابة. وفي الحديث الثابت: (لا أَحَدَ أَصْبَر على أذًى يَسْمَعُهُ من اللهِ؛ إِنَّهُمْ لَيَدَّعُونَ لَه وَلَدًا، وإنه لَيَرْزُقُهُم ويُعَافِيهم).

    وقد كنت وقفت على بعض كلام المغاربة في الإمام -رحمه الله-، فكانت فائدتي من ذلك تضعيف حال من تعرض إلى الإمام، ولله الحمد.

    ولا ريب أن الإمام لما سكن مصر، وخالف أقرانه من المالكية، ووَهَّى بعض فروعهم بدلائل السنة، وخالف شيخه في مسائلَ؛ تألموا منه، ونالوا منه، وجرت بينهم وحشة، غفر الله للكل، وقد اعترف الإمام سحنون، وقال: لم يكن في الشافعي بدعة. فصدق والله، فرحم الله الشافعي، وأين مثل الشافعي -والله!- في صدقه، وشرفه، ونبله، وسعة علمه، وفرط ذكائه، ونصره للحق، وكثرة مناقبه -رحمه الله تعالى-.

    قال الحافظ أبو بكر الخطيب في مسألة الاحتجاج بالإمام الشافعي، فيما قرأت على أبي الفضل ابن عساكر، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد، أخبرنا الخطيب قال: سألني بعض إخواننا بيان علة ترك البخاري الرواية عن الشافعي في "الجامع"، وذكر أن بعض من يذهب إلى رأي أبي حنيفة ضعف أحاديث الشافعي، واعترض بإعراض البخاري عن روايته، ولولا ما أخذ الله على العلماء فيما يعلمونه ليبيننه للناس؛ لكان أولى الأشياء الإعراض عن اعتراض الجهال، وتركهم يعمهون، وذكر لي من يشار إليه خلو كتاب مسلم وغيره من حديث الشافعي، فأجبته بما فتح الله لي، ومثل الشافعي من حُسِدَ، وإلى ستر معالمه قُصِدَ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر من كل حق مستوره، وكيف لا يغبط من حاز الكمال، بما جمع الله له من الخلال اللواتي لا ينكرها إلا ظاهر الجهل، أو ذاهب العقل.. ثم أخذ الخطيب يعدد علوم الإمام ومناقبه، وتعظيم الأئمة له، وقال:

    أبَى اللهُ إلاَّ رفْعَه وعُلُوَّهُ***ولَيْسَ لِمَنْ يُعْلِيهِ ذُو العَرْشِ وَاضِعُ

    إلى أن قال: والبخاريّ هذّب ما في "جامعه"، غير أنه عَدَلَ عن كثير من الأصول؛ إيثارا للإيجاز.

    قال إبراهيم بن معقل: سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي "الجامع" إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول. فترْك البخاري الاحتجاج بالشافعي، إنما هو لا لمعنى يوجب ضعفه، لكن غني عنه بما هو أعلى منه؛ إذ أقدم شيوخ الشافعي مالك، والدراوردي، وداود العطار، وابن عيينة. والبخاري لم يدرك الشافعي، بل لقي من هو أسن منه، كعبيد الله بن موسى، وأبي عاصم ممن رووا عن التابعين، وحدثه عن شيوخ الشافعي عدة، فلم يَرَ أن يروي عن رجل، عن الشافعي، عن مالك.

    فإن قيل: فقد روى عن المسندي، عن معاوية بن عمرو، عن الفزاري، عن مالك، فلا شك أن البخاري سمع هذا الخبر من أصحاب مالك، وهو في "الموطأ" فهذا ينقض عليك؟!

    قلنا: إنه لم يرو حديثا نازلا وهو عنده عال، إلا لمعنى ما يجده في العالي، فأما أن يورد النازل، وهو عنده عال، لا لمعنى يختص به، ولا على وجه المتابعة لبعض ما اختلف فيه؛ فهذا غير موجود في الكتاب. وحديث الفزاري فيه بيان الخبر، وهو معدوم في غيره، وجوده الفزاري بتصريح السماع.

    ثم سرد الخطيب ذلك من طرق عدة، قال: والبخاري يتبع الألفاظ بالخبر في بعض الأحاديث ويراعيها. وإنا اعتبرنا روايات الشافعي التي ضمنها كتبه، فلم نجد فيها حديثا واحدا على شرط البخاري أغرب به، ولا تفرد بمعنى فيه يشبه ما بيناه، ومثل ذلك القول في ترك مسلم إياه؛ لإدراكه ما أدرك البخاري من ذلك، وأما أبو داود؛ فأخرج في "سننه" للشافعي غير حديث، وأخرج له الترمذي، وابن خزيمة، وابن أبي حاتم.

    ثم سرد الخطيب فصلا في ثناء مشايخه وأقرانه عليه، ثم سرد أشياء في غمز بعض الأئمة، فأساء ما شاء -أعني غامزه- وبلغنا عن الإمام الشافعي ألفاظ قد لا تثبت، ولكنها حكم، فمنها: ما أفلح من طلب العلم إلا بالقلة.

    وعنه قال: ما كذبت قط، ولا حلفت بالله، ولا تركت غسل الجمعة وما شبعت منذ ست عشرة سنة، إلا شبعة طرحتها من ساعتي.

    وعنه قال: من لم تعزه التقوى، فلا عز له.

    وعنه: ما فزعت من الفقر قط. طلب فضول الدنيا عقوبة عاقب بها الله أهل التوحيد.

    وقيل له: ما لك تكثر من إمساك العصا، ولست بضعيف؟ قال: لأذكر أني مسافر.

    وقال: من لزم الشهوات؛ لزمته عبودية أبناء الدنيا.

    وقال: الخير في خمسة: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، والتقوى، والثقة بالله.

    وعنه: أنفع الذخائر التقوى، وأضرها العدوان.

    وعنه: اجتناب المعاصي، وترك ما لا يعنيك، يُنَوِّرُ القلب. عليك بالخَلْوَة، وقلة الأكل، إياك ومخالطة السفهاء ومن لا ينصفك، إذا تكلمت فيما لا يعنيك ملكتك الكلمة، ولم تملكها.

    وعنه: لو أوصى رجل بشيء لأعقل الناس، صرف إلى الزهاد.

    وعنه: سياسة الناس أشد من سياسة الدواب.

    وعنه: العاقل من عقله عقله عن كل مذموم.

    وعنه: للمروءة أركان أربعة: حسن الخلق، والسخاء، والتواضع، والنسك.

    وعنه: لا يكمل الرجل إلا بأربع: بالديانة، والأمانة، والصيانة، والرزانة.

    وعنه: ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته.

    وعنه: علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا.

    وعنه: من نَمَّ لك؛ نَمَّ عليك.

    وعنه قال: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام، التواضع يورث المحبة، والقناعة تورث الراحة.

    وقال: أرفع الناس قدرا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلا من لا يرى فضله.

    وقال: ما ضُحِكَ من خطأ رجل؛ إلا ثبت صوابه في قلبه.

    لا نلام والله على حب هذا الإمام، لأنه من رجال الكمال في زمانه -رحمه الله- وإن كنا نحب غيره أكثر.
    _____________

    نقلا عن موقع (الأكاديمية الإسلامية)
    رحم الله الشافعي ، و نفعني و إياكم بسيرته

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 7:29 pm