فأتى به أسيرا، فاجتمع الناس من الآفاق ينظرون كيف يقتله، وأحضر السياف، وكان تميم جميل الوجه، عذب المنظر، فرآه المعتصم غير مكثرت لما نزل به؛ فأراد أن يستنطقه ليعلم أين عقله في ذلك الوقت.
فقال : يا تميم إن كان لك عذر فأتِ به.
فقال: أما إذ أذن أمير المؤمنين فأقول:
الحمد لله: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) . السجدة: 7 – 8 يا أمير المؤمنين: جبر الله، بك صَدْعَ الدَّين، ولمَّ بك شَعَثَ المسلمين، وأنار بك سبيل الحقّ، وأخمدَ بِك شِهَابَ الباطل؛ إن الذنوبَ يا أمير المؤمنين لتُخرِس الألسُن الفصيحة، وتصدع الأفئدَة الصحيحة، وساءَ الظنّ، ولم يبق إلا عفوُك وانتقامُك،وأنت إلى العفو أقرب، وهو بك أشبه وأليق، ثم أنشد:
أرى الموتَ بين السيفِ وَالنطْع كامناً = يُلاحظني من حيثما أتلفَّتُ
وأكبَرُ ظني أنكَ اليومَ قاتِلي = وأَيُّ امرئ ممّا قضَى الله يفلت
ومن ذا الذي يأتي بعُذْرٍ وحُجّةٍ = وسيفُ المنايا بين عينيه مُصْلَتُ
وما جزَعِي مِنْ أن أموتَ وإنني = لأعلمُ أنَّ الموتَ شيءٌ موقَّتُ
ولكنّ خَلْفي صبْيةً قد تركتهم = وأكبادُهم من حَسْرةٍ تتفتَّتُ
فإنْ عشتُ عاشوا سالمين بغِبطةٍ = أذُودُ الرَّدَى عنهم وإن متُّ قد ماتوا
وكم قائلِ لا يبعد الله دارَهُ = وآخر جَذْلانٌ يسرُّ ويشمتُ
فبكى المعتصم حتى ابتلت لحيته، وقال : "إن من البيان لسحرا"، ثم قال: والله يا تميم كاد السيف يسبق العفوَ، وقد وهبتك لله ولصبيتك، وعفوت عن زلتك. وعقد له لواء في الموضع الذي خرج فيه ووصله بمال كثير.
عدل سابقا من قبل أحمد في الخميس أغسطس 08, 2019 2:25 am عدل 1 مرات