ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي Empty فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يوليو 16, 2011 9:58 pm

    الكتاب :
    http://www.islamicbook.ws/adab/akhlaq-alwzirin-001.html


    قصة ابن ثوابة مع الهندسة
    حدثنا أبو بكر الصَّيمريُّ قال: حدثنا ابن سمكة قال: حدثنا ابن مُحارب قال: سمعتُ أحمد بن الطيّب يقول: إن صديقاً لابن ثوابة الكاتب أبي العباس يُكنّى أبا عبيدة قال له ذات يوم: إنك رجلٌ - بحمد الله ومنّه - ذو أدب وفَصاحة وبراعة وبلاغة؛ فلو أكملت فضائلك بأن تُضيف إليها معرفة البُرهان القياسيّ، وعلم الأشكال الهندسية الدّالة على حقائق الأشياء، وقرأتَ كتاب " أُقليدس " وتدبّرته؟ فقال له ابن ثوابة: وما " أُقلِيدس " ؟ قال له: رجل من علماء الروم يُسمى بهذا الاسم، وضع كتاباً فيه أشكال كثيرة مختلفة تدل على حقائق الأشياء المعلومة والمغيّبة، يَشحَذ الذهن ويدقّق الفهم، ويُلطّف المعرفة، ويصفّي الحاسّة، ويثبت الرَّوية؛ ومنه انفتح الخط وعُرفت مقادير حروف المعجم.
    فقال له أبو العباس ابن ثوابة: وكيف ذاك؟ قال: لا تعلم هو حتى تشاهد الأشكال وتُعاين البرهان.
    قال له: فافعل ما بَدَا لك. فأتاه برجل يقال له قُويري مشهور مقدّم، ولم يعد إليه بعد ذلك.
    قال أحمد بن الطيّب: فاستطرفت ذلك وعجِبتُ منه، وسألت المُخبر عن انصراف قُويري أي شيء كان سببه؟ فأجابني بأن لا أعلم، فكتبت إلى ابن ثوابة رقعة نُسْخَتها: بسم الله الرحمن الرحيم.
    اتّصل بي - جعلني الله فِداك - أن رجلاً من إخوانك أشار عليك بتكميل فضائلك وتقويتها بمعرفة شيءٍ من القياس البُرهاني، وطمأنينتك إليه، وأنك أصغيت إلى قوله وأذنتَ له، وأنه أحضرك رجلاً كان غايةً في سوء الأدب، معْدِناً من معادن الكُفْر، وإماماً من أئمة الشّرك؛ لاستفزازك واستغوائك، يُخادعك في عقلك الرَّصين، ويُنازلك في ثقافة فهمك المتين، فأبى الله العزيز إلاّ جميل عوائده الحسنة قِبَلك، ومِننه السَّوابق لدي، وفضله الدائم عندك، بأن أتى على قواعد بُرهانه من ذروته، وحطّ عوالي أركانه من أقصى معاقد أُسِّه، فأحببتُ استعلام ذلك على كنهه من جهتك، ليكون شُكري لك على ما كان منك حسب لومي لصاحبك على ما كان منه، ولأَتَلافَى الفارط في ذلك بتدبّر أُسُسِه إن شاء الله.
    قال: فأجابني ابن ثوابة برُقعة نُسختُها: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلت رُقعتك - أعزّك الله - وفهمتُ فحواها، وتدبّرتُ مُضمَّنها، والخبرُ كما اتّصل بك، والأمر كما بلغك. وقد لخصته وبيَّنته حتى كأنك معنا وشاهِدُنا.
    فأول ما أقول: الحمد لله وليّ النِّعم، والمتوحِّد بالقسم، إليه يُردّ علمُ السّاعة وإليه المصير؛ وإياه أسأل إيزاعَ الشكر على ذلك وعلى ما منَحنا من وُدّك وإتمامه بيننا بمنّه.
    ومما أحببتُ إعلامك وتعريفكه مما تأدّى إليك، أن أبا عُبيدة - عليه لعنةُ الله تَتْرى - بنحسِه ودسّه ودحْسِه اغتالني ليكلم ديني من حيث لا أعلم، وينقُلني عما أعتقده وأراه وأُضمره من الإيمان بالله عز وجلّ ورسوله صلى الله عليه، فوطّدَ لي الزّندقة بتزْيِينه الهندسة، وأنه يأتيني برجل يُفيدني علماً شريفاً تكمل به فضائلي - فيما زعم - فقلتُ: عسى أن أُفيد به براعةً في صناعة، أو كمالاً في مُروَّةٍ، أو نُسْكاً في دين، أو فخاراً عند الأَكفاء. فأجبته بأن هلُمّ به! فأتاني بشيخ ديرانيّ شاخص النظر، منتشر عصب البصر، طويل مشذّب، محزوم الوسط، متزمّل في مسكه، فاستعذتُ بالرحمن إذ نزغني الشيطان، ومجلسي قد غصَّ بالأشراف من كل الأطراف، كلهم يرمُقه ويتشوّف إلى رفْعي مجلسه وإدنائِه وتقريبه، ويعظّمونه ويحيُّونه، والله محيط بالكافرين.
    فأخذ مجلسه، ولَوَى أشداقه، وفتح أوساقه، فتبيّنت في مُشاهدته النِّفاق، وفي ألفاظه الشِّقاق.
    فقلتُ له: بلغني أن عندك معرفة بالهندسة، وعلماً واصلاً إلى فضل يفيد الناظر فيه حكمةً وتقدُّماً في كل صنعة؛ فهلُمَّ أفِدنا شيئاً منها عسى أن يكون عوناً لنا على دينٍ أو دنيا، وزَيْناً في مروّة أو مُفاخرة لدى الأكفاء، ومُفيداً نسكاً وزُهداً، (فذَلِكَ هُوِ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)، (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ).

    قال: فأحضِرني دواةً وقرطاساً، فأحضرتُهما، فأخذ القلم فنكَت به نكتةً نقط منها نقطة، فَخيُّلها بصري ولحظها طرفي كأصغر من حبّة الذّر، فزمزم عليها بوسواسه، وتلا عليها من مُحكم أسفار أباطيله، ثم أعلن عليها جاهراً بإفكه؛ وأقبل عليّ فقال: أيها الرجل! إن هذه النقطة شيء ما لا جزء له.
    فقلت: أضلَلْتني وربِّ الكعبة! وما الشيء الذي لا جُزء له؟ فقال: كالبسيط. فأذهلني وحيّرني، وكاد يأتي على حِلمي وعقل لولا أن هداني ربّي؛ لأنه أتاني بلُغةٍ ما سمعتها والله من عربيّ ولا عجميّ، وقد أحطتُ علماً بلُغات العرب، وقُمتُ بها واستثرتُها جاهداً واختبرتها عامداً، وصرت فيها إلى ما لا أحسب أحداً يتقدّمني إلى المعرفة به، ولا يسبقني إلى دقيقة وجليله.
    فقلت له: وما الشيء البسيط؟ فقال: كالله تعالى وكالنفس.
    فقلت له: إنك من المُلحدين، أتضرب لله أمثالاً؟ والله تعالى يقول: (فَلاَ تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ إنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
    لعَن الله مرشداً أرشدني إليك، ودالاً دلّني عليك، فما ساقك إليّ إلاّ قضاء سوء ولا كسحك نحوي إلا الحَيْن، أعوذ بالله من الحين، وأبرأ إليه منكم ومما تُلحدون، والله وليُّ المؤمنين (إِني بَريءِ مِمَّا تُشْرِكُونَ)، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.
    فلما سمع مقالتي كره استعاذتي فاستخفّه الغضب، فأقبل عليّ مستبسلاً فقال: إني أرى فصاحة لسانك سبباً لعُجمة فَهمك، وتذَرُّعك بقولك آفةً من آفات عقلك.
    فلولا من حضر - والله - المجلس وإصغاؤهم إليه مستصوبين أباطيله، مُستحسنين أكاذيبه، وما رأيت من استهوائه إياهم بخُدعة، وما تبيّنتُ من تَوازُرهم لأمرت بسلّ لسانِهِ اللُّكع الألكن.
    وأمرتُ بإخراجه إلى حَرّ نار الله وسقره وغضبه ولَعْنتِه.
    فنظرتُ إلى أمارات الغضب في وجوه الحاضرين، فقلتُ: ما غضبُكم لنصرانيّ يشرك بالله ويتّخذ له من دونه الأنداد، ويُعلن بالإلحاد؟ ولولا مكانكم لنَهَكتُه عقوبةً.
    فقال لي رجل منهم: إنه أنسانٌ حكيم، فغاظني قوله.
    فقلت: لعن الله حكمةً مشوبةً بكُفر.
    فقال لي آخر: إن عندي مُسلماً يتقدّم أهل هذا العِلم.
    فرجوت - مع ذكرهِ الإسلام - خيراً فقلت: ائتني به، فأتاني برجل قصير دحداح مجدُورٍ آدم أخفش العينين أجلح أفطس سيِّئ النّظر قبيح الزيّ، فسلّم فرددتُ عليه السلام، ورفعت مجلسه وأكرمته، وقلت له: ما اسمك؟ فقال: أُعرف بكنيةٍ قد غلبت عليّ.
    فقلتُ: أبو مَن؟ فقال: أبو يحيى.
    فتفاءلتُ بملَك الموت عليه السلام، وقلتُ: اللهم إني أعوذ بك من الهندسة، فاكفني اللهمَّ شرَّها، فإنه لا يصرف السوء إلا أنت، وقرأتُ " الحمد " ، و " المعَوِّذَتَيْن " ، و " قل هو الله أحد " ثلاثاً، وقلتُ له: إن صديقاً لي جاءني بنصرانيٍّ يتّخذ الأنداد، ويدّعي أن لله الأولاد ليُغويني ويستفزّني (ولَوْلاَ رَحْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرينَ)، فصرفته أقبح صرف، ثم ذُكِرتَ لي فرجوت - بذكر إسلامك - خيراً.
    فهلُمَّ أفِدنا شيئاً من هندستك، وأقبسنا من طرائف حكمتك ما يكون لنا سبباً إلى رحمة الله ووسيلة إلى غُفرانه، فإنها أربح تجارة وأعودُ بضاعة.
    فقال: أحضرني دواةً وقرطاساً.
    فقلت: أَ تدعو بالدَّواة والقرطاس، وقد بُليتُ منهما ببليّة كَلْمُها لا يندَمِل عن سُوَيداءِ قلبي؟ قال: وكيف كان ذلك؟ قلت له: إن النصراني نقط لي نقطةً كأصغر من سمّ الخياط، وقال لي: إنها معقولة كربّك الأعلى، فوالله ما عدا فرعون في إفكه وكُفره.
    فقال لي: فإني أُعفيك، لعنَ الله قُويري وما كان يصنع بالنُّقطة؟ وهل بلغت أنت أن تعرف النقطة؟ فقلت: استجهلني وربّ الكعبة، وأنا قد أخذت بأزمّة الكتابة، ونهضت بأعبائها، واستقللت بثقلها يقول لي، لا تعرف فحوى النُّقطة، فنازعتني نفسي في معاجلته بغليظ العُقوبة، ثم استعطفني الحِلم إلى الأخذ بالفضل.

    ودعا بغُلامه وقال: ائتني بالتّخت، فوالله ما رأيت مخلوقاً بأسرع إحضاراً له من ذلك الغلام، فأتاه، فتخيَلت به هيئةً منكرة ولم أدر ما هو، وجعلت أُصوّب الفكر فيه تارةً وأًصعّد أُخرى، وأجيل الرأي ملياً وأُطرق طويلاً، لا أعلم أي شيءٍ هو، أَ صندوق هو؟ فإذا ليس بصندوق، أَ تخت هو؟ فإذا ليس بتخت، فتخيّلته كتابوت لحد. فقلت: لحدُ الملحد يُلحد به وبالنّاس عن الحقّ. ثم أخرج من كُمّه مِيلاً عظيماً فظننته متطبّباً وإنه لمن شرار المتطبّبين.
    فقلت له: إن أمرَك لعَجَب كله ولم أرَ في أميال المتطبِّبين كميلك، أتقفأُ به الأعين؟ فقال: لستُ متطبِّباً ولكني أخطُ به الهندسة على هذا التخت.
    فقلت له: إنك وإن كنت مبايناً للنصراني في دينه، إنك لمؤازره في كُفره، أَ تخطُّ على تختٍ بميلك لِتعدل بي عن وضح الفجر إلى غسق الليل؟ وتميل بي إلى الكذب باللَّوح المحفوظ وكاتبيه الكرام؟ أَ إِيايَ تستهوي؟ أم حَسبتني ممّن يهتزّ لمكايدكم؟ فقال: لستُ أذكر لك لوحاً محفوظاً ولا مُضيعاً، ولا كاتباً كريماً ولا لئيماً، ولكني أخُطُّ به الهندسة، وأُقيم عليها البرهان بالقياس والفلسفة.
    وأخذ يخطّ وقلبي مُروَّع يجب وَجيباً.
    فقال لي غير مُستعظِمٍ: إن هذا الخط طول بلا عرض، فذكرت صراط ربّي المستقيم، وقلتُ له: قاتلك الله! أَ تدري ما تقول؟ تعالى صراط ربّي عن تخطيطك وتشبيهك وتبديلك وتحريفك وتضليلك، إنه لصراطٌ مستقيم، وإنه لأَحدُّ من السيف الباتر، والحُسام القاطع، وأدقُّ من الشَّعر، وأطول مما تمسحون، وأبعَد مما تذرعون، ومداه بعيد، وهولَهُ شديد؛ أَ تطمع أن تُزحزِحَني عن صراط ربي أم حسبتني غُمْراً غبياً لا أعلم ما في باطن ألفاظك ومكنون معانيك؟ والله ما خططت الخطّ وأخبرت أنه طولٌ بلا عرض إلا حيلةً بالصراط المستقيم لتُزِلَّ قدمي عنه، وأن تُرديني في نار جهنّم.
    أعوذ بالله وأبرأ إليه من الهندسة، ومما تدلُّ عليه وترشد إليه، وإني بريءٌ من المهندسين وما يُعلنون ويُسرُّون، ومما به يعملون؛ ولَبئس ما سوّلت لك نفسك أن تكون من خزنتها بل من وقودها، وإنّ لك فيها لأنكالاً وسلاسل وأغلالا، (وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وعَذَاباً أَليماً). قُم إلى لعنة الله وغضبه! فأخذ يتكلم. فقلت: سُدّوا فاه مخافة أن يبدر منه مثل ما بدّر من المضلِّل الأول، وأمرتُ بسحبه فسُحب إلى أليم عذاب الله ونارٍ (وَقُودُها النَّاسُ والحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
    ثم أخذتُ قرطاساً وكتبتُ بيدي يميناً آليتُ فيه بكل عهدٍ مُؤكَّد، وعقدٍ مُردَّد، ويمينٍ ليست لها كفّارة - أن لا أنظر في الهندسة أبدا، ولا أطلبها، ولا أتعلّمها من أحدٍ سرّاً ولا جهراً، ولا على وجهٍ من الوجوه، ولا بسببٍ من الأسباب؛ وأكَّدتُ بمثل ذلك على عقبي وعلى أعقاب أعقابهم: أن لا ينظروا فيها ولا يتعلّموها ما قامت السموات والأرض، إلى أن تقوم الساعة (لِميقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ).
    فهذا بيانُ ما سألت - أعزّك الله - عنه مما دُفعتُ إليه وامتٌحنت به، ولتعلم ما كان مني، ولولا وَعكةٌ أنا في عَقابيلها لحضرتك مُشافِها، وأخذتُ بحظّي المُتمنّي من الأُنس بك، والاستراحة إليك؛ فمَهِّد على ذلك عُذري، فإنّك غير مُباين لفكري، والسّلام.

    - من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي Empty رد: فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يوليو 16, 2011 9:59 pm

    في كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي :
    قال الخليل: دخلتُ على سليمان بن علي وهو والي البصرة فوجدته يُسقط في كلامه، فجلستُ حتى انصرف الناس.
    فقال: هل من حاجةٍ أبا عبد الررحمن؟ قلت: أكبر الحوائج.
    قال: قل، فإن مسائلك مقضية، ووسائلك قوية.
    قلت: أنت سليمان بن عليّ، وكان عليٌّ في العلم علياً، وكان عبد الله بن العباس الحَبْرَ والبحر، وكان العباس بن عبد المطّلب إذا تكلّم أخذ سامعه ما يأخذ النَّشوان على نقْر العيدان؛ وأراك تُسقط في كلامك، وهذا لا يشبه منصبك ومحْتِدك.
    قال: فكأنما فُقئَ في وجهه الرمان خجلاً.
    فقال: لن تسمعه بعدها، فاحتجب عن الناس برهةً، وأكبَّ على النظر، ثم أذن للناس في مجلسٍ عام، فدخلتُ عليه في ثُمَّةٍ من الناس، فوجدته يُفصح حتى خِلته مَعدَّ بن عدنان. فجلست حتى انصرف الناس.
    فقال: كيف رأيت أبا عبد الرحمن.
    قلت: رأيتُ كلّ ما سرّ في الأمير، وأنشدته:
    لا يكون السَّرِيُّ مثلَ الزَّرِيِّ ... لاَ ولا ذو الذّكاءِ مثلَ الغَبِيِّ
    لا يكون الأَلدُّ ذو المِقْوَل المُرْ ... هَف عند الخِصَام مثل العَيِيِّ
    قيمةُ المرءِ كلُّ ما يُحسِن المَرْ ... ءُ قضاءٌ من الإِمام عَليِّ
    أَيُّ شيءٍ من اللّباس عَلى ذي السَّرْو أَبهَى من اللّسانِ السَّرِيِّ
    يَنظم الحجة الشتيتة في السِّلْك من القول مثل نَظم الهديّ
    وَتَرى اللَّحن في لسَان أَخي الهِمّة مثل الصَّدَا عَلى المشرفيّ
    فاطلب النحو للقُرَان وللشعر مُقيماً والمسنَد المرْويِّ
    والخطابُ البليغُ عند حِجاج الْ ... قوم يُزهَى بمثله في النَّدِىّ
    كلُّ ذي الجهل بالفنون يُعادِي ... ها ويزري منها بغير الزَّرِيِّ
    قال: وانصرفتُ. فشيّعني غلامه على كتفه بدرة فرددتها عليه، وكتبتُ إليه:
    أبلِغ سليمانَ أَنّي عنه في سَعَةٍ ... وفي غِنىً غيرَ أَني لَستُ ذَا مالٍ
    سَخَّى بنفْسِيَ أَنّي لا أَرَى أَحداً ... يَموتُ هَزلاً ولا يَبْقَى على حالِ
    والرِّزْقُ عن قَدَرٍ لاَ العَجْزُ يَدْفعُه ... ولا يَزِيدُك فيه حَولُ محتَالِ
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي Empty رد: فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يوليو 16, 2011 10:00 pm

    سُئل [ابن عباد] يوماً عن قول الشاعر:
    سَقَوني النَّسْيَ ثم تكَنَّفُوني ... عُداةَ الله مِن كَذِبٍ وزُورِ
    فقال: الخمر تسمّى نسْيا.
    فقيل له: ولم؟ فقال: ليس للأسماء علل.
    فلما خلوت بالزعفراني الشاعر قال لي: أخطأ، فإن الأسماء ضرب منها مُبتدأ، فالغرض فيه اختصاص العين به ليقع التمييز بينه وبين غيره، وضرب آخر يؤخذ من أصل الفعل وهو الذي سمي مُشتقّاً لتكون فيه دلالتان: دلالة كدلالة الأول في اختصاص العين، ودلالة على النعت.
    والنَّسي في أسماء الخمر من الضرب الثاني، لأن الخمر تنسأ العقل أي تؤخّره، وقال: هذا قاله بعض العلماء.
    فقلتُ له: هلاّ قُلت هذا في المجلس؟ فقال: لو قلت هناك لما وجدتني عندك قاعداً مطمئناً.
    قلتُ: صدقتَ، الرجل حسُود.
    فقال: ولربّه كَنود، ولآياته عَنيد، كأنه من اليهود، أو من بقية ثمود.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي Empty رد: فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يوليو 16, 2011 10:00 pm

    روي عن الصاحب ابن عباد أنه قال :
    ما قطعني إلا شابٌّ ورَد علينا أصبهان من بغداذ، فقصدني فأذنت له، وكان عليه مُرقَّعة، وفي رجله نعل طاق. فنظرت إلى حاجبي، فقال له، وهو يصعد إليَّ: اخلع نعلك، قال: ولم؟ ولعلّي أحتاج إليها بعد ساعة، فغلبني الضحك وقلت: أَ تُراه يريد أن يصفعني بها.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي Empty رد: فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يوليو 16, 2011 10:01 pm

    كان ابن عبّاد شديد السفه عجيب المناقصة، سريع التحوّل من هيئة إلى هيئة، مُستقبلاً للأحرار بكل فرْية وفاحشة؛ كان يقول للإنسان الذي قد قدم عليه من أهل العلم: تقدّم يا أخي! وتكلّم، واستأنس، وافترِح، وانبسِط، ولا تُرع، واحسبني في جوف مرقعة، ولا يهولك هذا الحشم والخدَم، وهذه الغاشية والحاشية، وهذه المرتبة والمسْطَبة، وهذا الطارق والرِّواق، وهذه المجالس والطنافس؛ فإن سلطان العلم فوق سلطان الولاية، وشرف العلم أعلى من شرف المال، فليفرح روعك ولينعم بالُك، وقُل ما شئت، وانصُر ما أردت، فلست تجد عندنا إلا الإنصاف والإسعاف والإتحاف والإطراف، والمقاربة والمواهبة، والموانسة والمقابسة، وعلى هذا التنزيل، ومن كان يحفظ ما يهذي به في هذا وغيره؟ حتى إذا استقى ما عند ذلك الإنسان بهذه الزّخارف والحيل، وسال الرجل معه في حدُوره على مذهب الثّقة، وركب في مناظرته، وردعه وحاجّه، وراجعه وضاجعه وشاكعه ووضع يده على النكتة الفاصلة، والأمر القاطع تنمَّر له، وتنغّر عليه، واستحصد غضباً وتلظّى لهباً وقال بعد وثبتين أو ثلاث: يا غلام! خذ بيد هذا الكلب إلى الحبس، وضعه فيه بعد أن تصبّ على كاهله وظهره وجنبيه خمس مئة عَصا؛ فإنه مُعاند ضدّ، يحتاج إلى أن يُشدّ بالقِدّ، ساقط هابط، كلبٌ نبّاح، متعجرف وقَاح؛ أعجبه صبري، وغرّه حلمي، ولقد أخلف ظني، وعدت على نفسي من أجله بالتوبيخ، وما خلق الله العصا باطلاً، ولا ترك خلقه هاملاً.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي Empty رد: فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يوليو 16, 2011 10:03 pm

    يقول الحَمدوني هاجيا رجلا :
    كأن دَمامِلاً جُمعت ... فصُوّر وَجهُه مِنها

    ...

    لا خِلاف بين الحكماء أن الجالب خير من المجلوب، والفاعل خير من المفعول.

    ...

    وهذا عيسى بن فَرُّخَانْشاه عُزِل عن الوزارة وكان مُستخِفّاً بأبي العَيْناء فوقف عليه أبو العَيْناء وقال: الحمد لله الذي أذلّ عزّتك، وأذهب سطوتك، وأزال مقدرتك، وأعادك إلى استحقاقك ومنزلتك، فلئن أخطأت فيك النّعمة، لقد أصابن منك النّقمة، ولئن أساءت الأيام بإقبالها عليك، لقد أحسنت بإدبارها عنك؛ فلا أنفذ الله لك أمراً، ولا رفع لك قدراً، ولا أعلى لك ذكراً.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي Empty رد: فوائد و درر من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يوليو 16, 2011 10:07 pm

    ولم صنّف الناس المناقب والمثالب؟ ولِمَ نشروا أحاديث الكرام واللِّئام؟ وكثيرٌ من الناس - عافاك الله - لا غيبة لهم، أو في غيبتهم أجر، وقد وقع في الخبر عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - : " اذْكُرُوا الفَاسِقَ بما فيهِ كيْ تَحْذَرَهُ النَّاسُ " . وحدّثنا بُرهان الصوفي قال: ذمّ بِشر الحافي بخيلاً ثم قال: إن البخيل لا غيبة له، قيل: وكيف؟ قال: لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - : " يَا بَنِي سَلَمَةَ مَنْ سَيِّدُكُم؟ قالوا: الجَدُّ بنُ قيس على بُخْلٍ فيه، قال: فأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى من البُخْل " . فذكره وليس هو بالحضرة.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .

    قال بعض الحكماء: لا تكوننّ الأرض أكتم منا للسرّ؛ ومن اعتاد الوقيعة في الأعراض، ومُباداة الناس بالسّفه، وثَلبهم بكل ما جاش في الصدر، وتذرَّع به اللسان، فليس ممن يُذكر بخير، أو يُرجى له فلاح، أو يُؤمَنَ معه عيب؛ قال: وهل الحلم إلاّ في كظم الغيظ، وفي تجرّع المضض، وفي الصبر على المرارة، وفي الإغضاء عن الهفوات؛ ومن لك بالمهذّب النّدب الذي لا يجد العيب إليه مُختطى، والأول يقول:
    ولست بمُسْتَبقٍ أَخاً لا تَلُمُّه ... عَلى شَعَثٍ أَيُّ الرجالِ المهذَّبُ
    وقيل: لو تكاشفتم ما تدافنتم، ولو تساويتم ما تطاوعتم؛ ولا بدّ من هَنَةٍ تُغتفر، ومن تقصيرٍ يُحتمل، والاستقصاء فُرقة، وفي المُسالمة تَحبُّب، ومن ناقش في الحساب فقد رغِب عن سجاحه الخُلُق، وحُسن المَلَكة وإيثار الكَرَم.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .

    صاحب الفقر إن مدح فرّط، وإن ذمّ أسقط، وإن عمل صالحاً أحبط، وإن ركب شيئاً خلط وخبّط؛ ولم أر شيئاً أكشف لغطاء الأديب، ولا أنشف لماء وجهه، ولا أذعر لسرب حياته منه، وإن الحُرّ الآنف، والكريم المتعيّف من مُقاساته والتجلّد عليه، لفي شغل شاغل وموتٍ مائت.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .


    إذا قَلَّ مالُ المرءُ قَلَّ صديقُه ... وأهوت علَيه بالعيوبِ الأَصابعُ



    العمود الذي عليه المعوَّل، والغاية التي إليها المَوْئل، في خصالٍ ثلاثٍ هُنَّ دعائم العالم، وأركان الحياة، وأُمهات الفضائل، وأُصول مصالح الخلق في المعاش والمعاد؛ وهنَّ: الدّين، والخُلُق، والعِلْم، بهنَّ يعتدل الحال، ويُنتهى إلى الكمال، وبِهنَّ تُمْلك الأزِمَّة، ويُنال أعزُّ ما تسمو إليه الهِمّة؛ وبهنَّ تُؤمَن الغَوائل، وتُحمد العَواقب؛ لأنّ الدّين جِماع المَراشد والمصالح، والخُلُق نظام الخيرات والمنافع، والعِلم رباطُ الجميع؛ ولأنّ الدّين بالعلم يصحّ، والخلق بالعلم يَطْهُر، والعِلم بالعمل يكمُل؛ فمَن سَلِم دينه من الشّك واللّحاء، وسُوء الظّنّ والمِراء، وثبت على قاعدة التَّصديق بموادّ اليقين الذي أقرَّ به البُرهان، وطهُر خلُقُه من دَنَس المَلال، ولَجاج الطَّمع، وهُجنة البُخل، وكان له من البشر نصيب، ومن الطّلاقة حظ، ومن المُساهلة موضع؛ وحَظِي بالعلم الذي هو حياة الميّت، وحَلْي الحيّ، وكمال الإنسان فقد برَّز بكل فضْل، وبان بكلّ شرف، وخلا عن كل غباوة، وبَرِئَ من كلّ مَعَابة، وبلغَ النَّجد الأشرف، وصار إلى الغاية القُصوى.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .


    وعينُ الرّضَا عن كل عيب كليلةٌ ... ولكنّ عينَ السُخط تُبدِي المساويا
    على أن هذا الشاعر قد أثبت العيب وإن كان قد وصفه بكلول العين عنه، ودلّ على المَساوي وإن كان السُّخط مُبديها، وهذا لأنّ الهَوى مُقيم لابثٌ والرأي مجتاز عارض، ولا بدّ للهوى من أن يعمل عمله، ويبلغ مبلغه، وله قرار لا يطمئن دونه، وحدّ هو أبداً يتعدّاه ويتجاوزه، وله غُول تُضِلّ، وتمساحُ يبتلع، وثعبان - إذا نفخ - لا يُبقي ولا يذر، والرأي عنده غريب خامل، وناصحٌ مجهول.
    وقال بعض الحكماء: فضل ما بين الرأي والهوى أن الهوَى يخُصُّ والرأي يعمّ، والهَوى في حيّز العاجل، والرأي في حيِّز الآجل، والرأي يبقى على الدّهر، والهَوى سريع البيُود كالزّهر، والرأي من وراء حِجاب، والهَوى مُفتّح الأبواب ممدَّد الأطناب؛ ولذلك قال أيضاً بعض العرب، ويُقال هو عامر بن الظَّرِب: الرأيُ نائمٌ والهَوى يَقظان، فأرقِدوا الهوى بفظاظة، وأيقظوا الرأي بلطافة.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .


    وإنّ أَشعَرَ بيتٍ أنت قائلُه ... بيتٌ يُقال، إذا أَنشدتَه، صَدَقا




    العامة تقول: من جعل نفسه شاةً دقَّ عنقه الذئب، ومن صيّر نفسه نُخالةً أكله الدجاج، ومن نام على قارعة الطريق دقّته الحوافر دقّا .



    كما أن المنع في موضع الإعطاء حِرمان، كذلك الإعطاء في موضع المنع خذلان


    كما أن الكلام في موضع الصمت فضلٌ وهدر، كذلك السكوت في موضع الكلام لكنةٌ وحَصر .


    كما أن القلوب جُبِلت على حُبّ من أحسن إليها، كذلك النفوس طُبعت على بُغضِ من أساء إليها؛ والجَبْلُ والطّبع وإن افترقا في اللفظ فإنهما يجتمعان في المعنى، وكما أن الحب نتيجة الإحسان، كذلك البغض نتيجة الإساءة، وكما أن المُنعم عليه لا يتهنّأ بنعمته الواصلة إليه إلا بالشُّكر لواهبها، كذلك المُساء إليه لا يجد بَرْدَ غُلَّته ولذّة حياته إلا بأن يشكو صاحب الإساءة، وإلا بأن يهجو المانع، ويذمّ المقصّر، ويثلُب الحارم ويُنادي على الخسيس الساقط، والنّذل الهابط، في كلّ سوق، وفي كل مجلس، وعند كل هزلٍ وجدّ، ومع كل شكل وضدّ؛ ميزانٌ عدْل، ووزنٌ بقسطٍ، ونصفة مقبولة، وعادةٌ جارية على وجه الدَّهر.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي -

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 1:32 pm