ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    علم أصول الفقه (نقلا عن مقدمة ابن خلدون)

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    علم أصول الفقه (نقلا عن مقدمة ابن خلدون) Empty علم أصول الفقه (نقلا عن مقدمة ابن خلدون)

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء أكتوبر 29, 2008 3:55 am

    اعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية وأجلها قدراً وأكثرها فائدة وهو النظر في الأدلة الشرعية من حيث تؤخذ منها الأحكام والتكاليف‏.‏ وأصول الأدلة الشرعية هي الكتاب الذي هو القرآن ثم السنة المبينة له‏.‏ فعلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت الأحكام تتلقى منه بما يوحى إليه من القرآن ويبينه بقوله وفعله بخطاب شفاهي لا يحتاج إلى نقل ولا إلى نظر وقياس‏.‏ ومن بعده صلوات الله وسلامه عليه تعذر الخطاب الشفاهي وانحفظ القرآن بالتواتر‏.‏ وأما السنة فأجمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على وجوب العمل بما يصل إلينا منها قولا أو فعلا بالنقل الصحيح الذي يغلب على الظن صدقه‏.‏ وتعينت دلالة الشرع في الكتاب والسنة بهذا الاعتبار ثم تنزل الإجماع منزلتهما لإجماع الصحابة على النكير على مخالفيهم‏.‏ ولا يكون ذلك إلا عن مستند لأن مثلهم لا يتفقون من غير دليل ثابت مع شهادة الأدلة بعصمة الجماعة فصار الإجماغ دليلاً ثابتاً في الشرعيات‏.‏ ثم نظرنا في طرق استدلال الصحابة والسلف بالكتاب والسنة فإذا هم يقيسون الأشباه منها بالأشباه‏.‏ ويناظرون الأمثال بالامثال بإجماع منهم وتسليم بعضهم لبعض في ذلك‏.‏ فإن كثيرا من الواقعات بعده صلوات الله وسلامه عليه لم تندرج في النصوص الثابتة فقاسموها بما ثبت وألحقوها بما نص عليه بشروط في ذلك الإلحاق تصحح تلك المساواة بين الشبيهين أو المثلين‏.‏ حتى يغلب على الظن ان حكم الله تعالى فيهما واحد وصار ذلك دليلا شرعيا بإجماعهم عليه وهو القياس وهو رابع الأدلة‏.‏ وأتفق جمهور العلماء على أن هذه هي اصول الأدلة وإن خالف بعضهم في الإجماع والقياس إلا أنه شذوذ‏.‏ وألحق بعضهم بهذه الأدلة الأربعة أدلة اخرى لا حاجة بنا إلى ذكرها لضعف مداركها وشذوذ القول فيها‏.‏ فكان من أول مباحث هذا الفن النظر في كون هذه أدلة‏.‏ فأما الكتاب فدليله المعجزة القاطعة في متنه والتواتر في نقله فلم يبق فيه مجال للاحتمال‏.‏ وأما السنة وما نقل إلينا منها فالإجماع على وجوب العمل بما يصح منها كما قلناه معتضدا بما كان عليه العمل في حياته صلوات الله وسلامه عليه من إنفاذ الكتب والرسل إلى النواحي بالأحكام والشرائع أمراً وناهياً‏.‏ واما الإجماع فلاتفاقهم رضوان الله تعالى عليهم على إنكار مخالفتهم مع العصمة الثابتة للآمة‏.‏ وأما القياس فبإجماع الصحابة رضي الله عنهم عليه كما قدمناه‏.‏ هذه اصول الآدلة‏.‏ ثم إن المنقول من السنة محتاج إلى تصحيح الخبر بالنظر في طرق النقل وعدالة الناقلين لتتميز الحالة المحصلة للظن بصدقه الذي هو مناط وجوب العمل بالخبر‏.‏ وهذه أيضاً من قواعد الفن‏.‏ وبلحق بذلك عند التعارض بين الخبرين وطلب المتقدم منهما معرفة الناسخ والمنسوخ وهي من فصوله أيضاً وأبوابه‏.‏ ثم بعد ذلك يتعين النظر في دلالات الألفاظ وذلك أن استفادة المعاني على الإطلاق من تراكيب الكلام على الإطلاق يتوقف طى معرفة الدلالات الوضعية مفردةً ومركبةً‏.‏ والقوانين اللسانية في ذلك هي علوم النحو والتصريف والبيان‏.‏ وحين كان الكلام ملكة لأهله لم تكن هذه علومأ ولا قوانين ولم يكن الفقه حينئذ‏!‏ يحتاج إليها لأنها جبلة وملكة‏.‏ فلما فسدت الملكة في لسان العرب قيدها الجهابذة المتجردون لذلك بنقل صحيح ومقاييس مستنبطة صحيحة وصارت علومأ يحتاج إليها الفقيه في معرفة أحكام الله تعالى‏.‏ ثم إن هناك استفادات أخرى خاصة من تراكيب الكلام وهي استفادة الأحكام الشرعية بين المعاني من أدلتها الخاصة بين تراكيب الكلام وهو الفقه‏.‏ ولا يكفي فيه معرفة الدلالات الوضعية على الإطلاق بل لا بد من معرفة أمور أخرى تتوقف عليها تلك الدلالات الخاصة وبها تستفاد الأحكام بحسب ما أصل أهل الشرع وجهابذة العلم من ذلك وجعلوه قوانين لهذه الاستفادة‏.‏ مثل أن اللغة لا تثبت قياساً والمشترك لا يراد به معنياً معاً والواو لا تقتضي الترتيب والعام إذا أخرجت أفراد الخاص منه هل يبقى حجة فيما عداها والأمر للوجوب أو الندب وللفور أو التراخي والنهي يقتضي الفساد أو الصحة والمطلق هل يحمل على المقيد والنص على العلة كاف في التعدد أم لا وأمثال هذه‏.‏ فكانت كلها من قواعد هذا الفن‏.‏ ولكونها من مباحث الدلالة كانت لغوية‏.‏ ثم إن النظر في القياس من أعظم قواعد هذا الفن لأن فيه تحقيق الأصل والفرع فيما يقاسس ويماثل من الأحكام وتنقيح الوصف الذي يغلب على الظن أن الحكم علق به في الأصل من تبين أوصاف ذلك المحل أو وجود ذلك الوصف في الفرع من غير معارض يمنع من ترتيب الحكم عليه إلى مسائل أخرى من توابع ذلك كلها قواعد لهذا الفن‏.‏ واعلم أن هذا الفن من الفنون المستحدثة في الملة وكان السلف في غنية عنه بما أن استفادة المعاني من الألفاظ لا يحتاج فيها إلى أزيد مما عندهم من الملكة اللسانية‏.‏ وأما القوانين التي يحتاج إليها في استفادة الأحكام خصوصاً فعنهم أخذ معظمها‏.‏ وأما الأسانيد فلم يكونوا يحتاجون إلى النظر فيها لقرب العصر وممارسة النقلة وخبرتهم بهم‏.‏ فلما انقرض السلف وذهب الصدر الأول وانقلبت العلوم كلها صناعة كما قررناه من قبل احتاح الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الأحكام من الأدلة فكتبوها فناً قائماً برأسه سموه أصول الفقه‏.‏ وكان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله تعالى عنه‏.‏ أملى فيه رسالتة المشهورة تكلم فيها في الأوامر والنواهي والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة من القياس‏.‏ ثم كتب فقهاء الحنفية فيه وحققوا تلك القواعد وأوسعوا القول فيها‏.‏ وكتب المتكلمون أيضاً كذلك إلا أن كتابة الفقهاء فيها أمس بالفقه وأليق بالفروع لكثرة الأمثلة منها والشواهد وبناء المسائل فيها على النكت الفقهية‏.‏ والمتكلمون يجردون صور تلك المسائهل عن الفقه ويميلون إلى الاستدلال العقلي ما أمكن لأنه غالب فنونهم ومقتضى طريقتهم فكان لفقهاء الحنفية فيها اليد الطولى من الغوص على النكت الفقهية والتقاط هذه القوانين من مسائل الفقه ما أمكن‏.‏ وجاء أبو زيد الدبوسي من أئمتهم فكتب في القياس بأوسع من جميعهم وتمم الأبحاث والشروط التي يحتاج إليها فيه وكملت صناعة أصول الفقه بكماله وتهذبت مسائله وتمهدت قواعده وعني الناس بطريقة المتكلمين فيه‏.‏ وكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون كتاب البرهان لإمام الحرمين والمستصفى للغزالي وهما من الأشعرية‏.‏ وكتاب العهد لعبد الجبار وشرحه المعتمد لأبي الحسين البصري وهما من المعتزلة‏.‏ وكانت الأربعة قواعد هذا الفن وأركانه‏.‏ ثم لخص هذه الكتب الأربعة فحلان من المتكفمين المتأخرين وهما الإمام فخر الدين بن الخطيب في كتاب المحصول وسيف الدين الآمدي في كتاب الأحكام‏.‏ واختلفت طرائقهما في الفن بين التحقيق والحجاج‏.‏ فابن الخطيب أميل إلى الاستكثار من الأدلة والاحتجاج والأمدي مولع بتحقيق المذاهب وتفريغ المسائل‏.‏ وأما كتاب المحصول فاختصره تلميذ الإمام مثل سراج الدين الأموي في كتاب التحصيل وتاج الدين الأرموي في كتاب الحاصل‏.‏ واقتطف شهاب الدين القرافي منهما مقدمات وقواعد في كتاب صغير سماه التنقيحات‏.‏ وكذلك فعل البيضاوي في كتاب المنهاج‏.‏ وعني المبتدئون بهذين الكتابين وشرحهما كثير من الناس‏.‏ وأما كتاب الإحكام للآمدي وهو أكثر تحقيقاً في المسائل فلخصه أبو عمرو بن الحاجب في كتابه المعروف بالمختصر الكبير‏.‏ ثم اختصره في كتاب آخر تداوله طلبة العلم وعني أهل المشرق والمغرب به وبمطالعته وشرحه‏.‏ وحصلت زبدة طريقة المتكلمين في هذا الفن في هذه المختصرات‏.‏ وأما طريقة الحنفية فكتبوا فيها كثيراً وكان من أحسن كتابة المتقدمين فيها تأليف أبي زيد الدبوسي وأحسن كتابة المتأخرين فيها تأليف سيف الإسلام البزدوي من أئمتهم وهو مستوعب‏.‏ وجاء ابن الساعاتي من فقهاء الحنفية فجمع بين كتاب الأحكام وكتاب البزدوي في الطريقتين وسمى كتابه بالبدائع فجاء من أحسن الأوضاع وأبدعها وأئمة العلماء لهذا العهد يتداولونة قراءة وبحثاً‏.‏ وأولع كثيرمن علماء العجم بشرحه‏.‏ والحال على ذلك لهذا العهد‏.‏ هفه حقيقة هذا الفن وتعيين موضوعاته وتعديد التآليف المشهورة لهذا العهد فيه‏.‏ والله ينفعنا بالعلم ويجعلنا من أهله بمنه وكرمه إنه على كل شي قدير‏.‏ الخلافيات وأما الخلافيات فاعلم أن هذا الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية كثر فيه الخلاف بين المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارهم خلافاً لا بد من وقوعه لما قدمناه‏.‏ واتسع ذلك في الملة اتساعاً عظيماً وكان للمقلدين أن يقلدوا من شاؤوا منهم‏.‏ ثم لما انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة من علماء الأمصار وكانوا بمكان من حسن الظن بهم اقتصر الناس على تقليدهم ومنعوا من تقليد سواهم لذهاب الاجتهاد لصعوبته وتشعب العلوم التي هي مواده باتصال الزمان وافتقاد من يقوم على سوى هذه المذاهب الأربعة‏.‏ فأقيمت هذه المذاهب الأربعة على أصول الملة وأجري الخلاف بين المتمسكين بها والأخذين بأحكامها مجرى الخلاف في النصوص الشرعية والأصول الفقهية‏.‏ وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كل منهم مذهب إمامه تجري على أصول صحيحة وطرائق قويمة يحتج بها كل على صحة مذهبه الذي قلده وتمسك به‏.‏ وأجريت في مسائل الشريعة كلها وفي كل باب من أبواب الفقه‏:‏ فتارة يكون الخلاف بين الشافعي ومالك وأبو حنيفة يوافق أحدهما وتارة يكون مالك وأبي حنيفة والشافعي يوافق أحدهما وتارة بين الشافعي وأبي حنيفة ومالك يوافق أحدهما‏.‏ وكان في هذه المناظرات بيان مآخذ هؤلاء الأئمة ومثارات اختلافهم ومواقع اجتهادهم‏.‏ كان هذا الصنف من العلم يسمى بالخلافيات‏.‏ ولا بد لصاحبه من معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام كما يحتاج إليها المجتهد إلا أن المجتهد يحتاج إليها للاستنباط وصاحب الخلافيات يحتاج إليها لحفظ تلك المسائل المستنبطة من أن يهدمها المخالف بأدلته‏.‏ وهو لعمري علم جليل الفائدة في معرفة مآخذ الأئمة وأدلتهم ومران المطالعين له على الاستدلال فيما يرومون الاستدلال عليه‏.‏ وتآليف الحنفية والشافعية فيه أكثر من تآليف المالكية لأن القياس عند الحنفية أصل للكثير من فروع مذهبهم كما عرفت فهم لذلك أهل النظر والبحث‏.‏ وأما المالكية فالأثر أكثر معتمدهم وليسوا بأهل نظر‏.‏ وأيضاً فأكثرهم أهل المغرب وهم بادية غفل من الصنائع إلا في الأقل‏.‏ وللغزالي رحمه الله تعالى فيه كتاب المآخذ ولأبي بكر العربي من المالكية كتاب التلخيص جلبه من المشرق ولأبي زيد الدبوسي كتاب التعليقة ولابن القصار من شيوخ المالكية عيون الأدله وقد جمع ابن الساعاتي في مختصره في أصول الفقه جميع ما ينبني عليها من الفقه الخلافي مدرجاً في كل مسألة منه ما ينبني عليها من الخلافيات‏.‏ الجدال وأما الجدل وهو معرفة آداب المناظرة التي تجري بين أهل المذاهب الفقهية وغيرهم فإنه لما كان باب المناظرة في الرد والقبول متسعاً وكل واحد من المتناظرين في الاستدلال والجواب يرسل عنانه في الاحتجاج‏.‏ ومنه ما يكون صواباً ومنه ما يكون خطأ فاحتاج الأئمة إلى أن يضعوا آداباً وأحكاماً يقف المتناظران عند حدودها في الرد والقبول وكيف يكون حال المستدل والمجيب وحيث يسوغ له أن يكون مستدلاً وكيف يكون مخصوصاً منقطعاً ومحل اعتراضه أو معارضته وأين يجب عليه السكوت لخصمه الكلام والاستدلال‏.‏ ولذلك قيل فيه إنه معرفة بالقواعد من الحدود والآداب في الاستدلال التي يتوصل بها إلى حفظ رأي أو هدمه كان ذلك الرأي من الفقه أو غيره‏.‏ وهي طريقتان‏:‏ طريقة البزدوي وهي خاصة بالأدلة الشرعية من النص والإجماع والاستدلال وطريقة العميدي وهي عامة في كل دليل يستدل به من أي علم كان وأكثره استدلالاً‏.‏ وهو من المناحي الحسنة والمغالطات فيه في نفس الأمر كثيرة‏.‏ وإذا اعتبرتا النظر المنطقي كان في الغالب أشبه بالقياس المغالطي والسوفسطائي‏.‏ إلا أن صور الأدلة والأقيسة فيه محفوظة مراعاة يتحرى فيها طرق الاستدلال كما ينبغي‏.‏ وهذا العميدي هو أول من كتب فيها ونسبت الطريقة إليه‏.‏ وضع الكتاب المسمى بالإرشاد مختصراً وتبعه من بعده من المتأخرين كالنسفي وغيره جاؤوا على أثره وسلكوا مسلكه وكثرت في الطريقة التآليف‏.‏ وهي لهذا العهد مهجورة لنقص العلم والتعليم في الأمصار الإسلامية‏.‏ وهي مع ذلك كمالية وليست ضرورية‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق‏.‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 4:38 pm