وجود الله تعالى
هل رأيت أثراً بدون مؤثر؟
وإذا رأيت الأثر ولم تر المؤثر، فهل يمكن أن تقتنع بأنه لا مؤثر لهذا الأثر؟
فإذا رأيت (قلماً) أو (ساعة) أو (مصباحاً) أو (صورة إنسان) ولم تر الذي صنع هذه الأشياء، ثم سألت عن الصانع لها؟ فقيل لك: انه لا صانع لها.. فهل تقبل كلام المجيب أم تضحك من كلامه؟
وإذا قال لك: انك لم تر الصانع، فيكف تؤمن بوجوده، فلعل (القلم) صنع من نفسه؟ فهل يهديك عقلك إلى القبول؟
إن هذه أمثلة على وجود الله تعالى.. فإذا كانت الصورة المنقوشة لا بد لها من صانع، فكيف يمكن أن يكون أصل الصورة ـ أي الإنسان ـ بلا صانع؟
والحاصل: إن العقل يرى ـ بالفطرة ـ ضرورة وجود صانع للكون، ومن يقول لا يهديني عقلي إلى ذلك، فهو أما غير ملتفت أو كاذب.
ثم يأتي بعد ذلك دور السؤال: إذا كان الصانع موجوداً، فلماذا لا نراه؟
والجواب: إن كثيراً من الأشياء موجودة ولا نراها، فالهواء موجودة ولا نراها، والقوة في الأسلاك الكهربائية موجودة ولانراها، والعقل في الإنسان موجود ولا نراه، والروح في الحي موجود ولا نراه، والأمواج في الفضاء موجودة ولا نراها… إلى ألف مثال ومثال…
ومن قال: بأن كل شيء موجود لا بد وأن يرى؟
ويأتي بعد هذا وذك دور سؤال ثالث، وهو: لماذا لا تكون الطبيعة هي الخالقة؟
والجواب: لا يمكن أن تكون الطبيعة خالقة، إذ الطبيعة جاهلة عاجزة، وهل يمكن أن يصنع هذه المصنوعات شيء جاهل عاجز؟ وهذا السؤال مثل أن يقال: إن هذا القصر الفخم المؤثث من صنع الطبيعة، لا من صنع مهندسين وصناع، فالجواب عن هذا الكلام هو الجواب عن قول من يزعم أن الطبيعة هي الخالقة!!
ويأتي بعد الأسئلة الثلاثة، سؤال آخر: هو انه لو كان الله هو الخالق لكل شيء، فمن هو خالق الله؟
والجواب ـ باللسان العلمي ـ أن الشيء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: (واجب الوجود) و (ممكن الوجود) و(ممتنع الوجود).
فالواجب وجوده ابدي دائمي، لم يكن في وقت من الأوقات معدوماً حتى يحتاج إلى الإيجاد والموجد …
والممكن الوجود، هو الذي يمكن وجوده وعدمه، وكان في القديم معدوماً ولذا يحتاج إلى الإيجاد والموجد ، كجميع ما في الكون من المخلوقات، حيث لم تكن، ثم كانت ..
والممتنع الوجود، هو الذي لا يمكن أن يوجد، مثل شريك الباري، لاستلزم ذلك المحال، وما يستلزم المحال فهو محال.
إذاً: فرق بين (الله) وبين (ما سواه) فالأول غني عن الخالق والثاني محتاج إلى الخالق.
ولنوضح ذلك بمثال بدائي ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ حلاء كل شيء من السكر، أما حلاء السكر فمن نفسه.. نور كل شيء بالشمس، لكن نور الشمس من نفسها.. دهونة كل شيء بالدهن لكن دهونة الدهن من ذاته.. إدراك الإنسان بالعقل، لكن إدراك العقل ذاتي له.. وكذلك وجود كل شيء بالله، أما وجود الله فمن نفسه.
وهذا باللسان الفلسفي: كل ما بالغير لابد وان ينتهي إلى ما بالذات، أما ما بالذات فلا ينتهي إلى غيره، وإلا لزم (الخلف) أولاً، و(الدور أو التسلسل) ثانياً.
ثم… إن الله سبحانه ليس مركباً من (وجود) و(مهية) لأن التركيب من خواص الممكن، والله ليس بممكن ـ كما عرفت ـ بل واجب .. وانما الله سبحانه (وجود) لا تشوبه المهية إطلاقاً، إذا عرفت هذه الأسس ـ إجمالاً ـ فانظر إلى كلمات هؤلاء:
يقول (سارتر) في كتابه (الوجودية مذهب انساني):
كتب دستويفسكي، يقول: «إذا لم يكن الله موجوداً فان كل شيء يصبح مسموحاً» من هنا تنطلق الوجودية، فالإنسان متروك لا يعتني به أحد، لأنه لا يجد لا في نفسه ولا خارجها شيئاً يتمسك به ويتعلق باهدابه، إلى أن يقول: «فإذا كان الله غير موجود فإننا لا نجد أمامنا قيماً تسير تصرفاتنا وتجعلها شرعية».
ويقول سارتر في كتابه (الوجود والعدم) في صدد نفي الإله:
«هناك تناقض ضمني في الفكرة التي تقول: بوجود كائن يستمد وجوده من نفسه».
ويقول في كتابه (الغثيان):
«كل موجود يولد دون مبرر، ويعيش بسبب ضعفه وخوفه،ويموت بفعل المصادفة».
ويقول (أوغسطين) ـ وهذا ليس ملحداً وإنما نأتي بكلامه دلالة على كيفية فهمه لله تعالى ـ :
«الماهيات كلها موجودة في الذات الالهية».
إلى غيرها من الكلمات النافية لله، أو المثبتة لله على غير هدى.
ثم يأتي بعد ذلك دور من لا ينفي ومن لا يثبت بل يرى كلا الأمرين تجديفاً، يقول (كير كجارد) :
«إن كان من التجديف إنكار وجود الله فمن التجديف الأفظع أن نأتي لنثبت له وجوده».
إلى غيرها من الكلمات التي هي من هذا القبيل.
1ـ فما الدليل ـ يا سارتر ـ على عدم وجود الله؟
بل الدليل كما تقدم يثبت وجوده.. وإذا كان هذا الأمر المهم الذي يرتبط به السلوك ـ بله الآخرة ـ لا يستحق عناية الاستدلال، فما هو الذي يستحق عناية الاستدلال؟
يقول (لاوند) في كتابه (وجودية ووجوديون):
«البحث في الإله عند سارتر قصير جداً، ذلك لأن سارتر لايؤمن بوجود إله، وهو من ناحية اخرى قليل الكلام في هذا الموضوع رغم إلحاده الذي لا يحاول أن يبرره في أكثر ما يكتبه».
إن عرفان أن هناك (مبدءاً) و (معاداً) أم لا، من أهم الأمور التي تشغل بال الإنسان منذ الابتداء، وسيظل يشغل باله إلى الانتهاء.. فان الإنسان لا بد أن يكيف سلوكه تبعاً لأحد الأمرين من الايجاب والنفي، فكيف يمكن أن يستسهل في هذا الأمر المهم.
إننا نعتقد بوجود الله ونقيم عليه الأدلة، ونرى أن الذي لا يهتم إلى هذه الناحية بعيد عن نداء فطرته؟
2ـ ثم أي تناقض في القول بوجود الله؟ فلقد عرفت أن القول بعدم وجوده خلاف البداهة العقلية.. وقد تقدم في الأمثلة المقربة للمسألة (نور الشمس) وما أشبه، فهل (سارتر) يقول بالتناقض في كل ذلك؟
3ـ وهناك فرق بين (عدم المبرر) وبين (عدم معرفة المبرر) وكيف يعيش كل موجود بسبب ضعفه وخوفه؟ أليس هذا أفظع أنواع التجديف؟
ثم.. المصادفة ما معناها؟ فإن أريد عدم العلة، فمن أين ذلك؟ وان أريد أن (العلية) مطلقاً في كل شيء باطلة، فالأمر انكر، فانه لو قال سارتر بذلك لزم ان نقول له (الفكرة الوجودية ظهرت بلا علة، أي بلا فكرة) و(الذين دخلوا في هذا النظام وقبلوا بهذه الفكرة لم يكن لهم في ذلك علة من مطالعة كتب والاستماع إلى خطابات بهذا الشأن) وهكذا.. وهكذا.
وقد صدق من قال: (إن الإنسان إذا لم يلتزم بأساس صحيح، لابد وان يخبط عشواء في ألف موضوع).
4ـ ثم نأتي إلى كلام (أوغسطين) ونقول: ما معنى (أن المهيات كلها كانت موجودة في ذات الله) فما تقصد بالمهية؟ ثم ما تقصد بأنها كانت موجودة في ذات الله؟ وما الدليل على ذلك؟
إن (المهية) حقيقة الشيء التي بها يكون الشيء شيئاً خاصاً دون سواه، فحقيقة الإنسان التي بها يكون الإنسان إنساناً لا فرساً ولاحجراً، ولا ماءاً، تسمى (مهية) وهكذا (مهية) سائر الأشياء.. وهذه المهيات قبل وجودها في الخارج (ذهنية) بحتة.. فلا معنى لوجود المهيات في ذات الله.
ثم .. انه قد ثبت في علم الفلسفة والكلام استحالة الاثنينية ـ بكل صورها ـ بالنسبة إلى الله تعالى، فأي معنى لوجود شيء فيه؟
5ـ أما كيف يكون كل من الاثبات والنفي تجديفاً، فذلك مما لابد أن يفسره القائل؟
ألست ترى أن ضرورة إثبات كل قائل بمبدأ، مبدأه بدليل، سواء كان مبدأ علمياً أو تجريبياً ؟ وكذلك القائل بنفي شيء، أيصح أن يقول إنسان: (المربع المستوي الأضلاع أكبر من المخمس الذي كل ضلع له يساوي ضلع المربع) ثم يقول إنسان آخر: إن الأمر بالعكس… وإذا سئل كل واحد عن الدليل احجم عن ذلك؟
فإذا كان الاثبات والنفي في هذه القضية البسيطة بحاجة إلى الدليل، فماذا ترى بالنسبة إلى قضية (المبدأ) التي يتوقف عليها سلوك الإنسان ـ بله الآخرة ـ؟
ولقد ذكرت في هذا الفصل كلام الملحد والمؤمن والمتردد، لتعرف إلى أي مستوى واطئ وصلت الفلسفة العليا عند هؤلاء، التي ينبغي أن تكون في مقدمة المهام الإنسانية.
وإذا رأيت الأثر ولم تر المؤثر، فهل يمكن أن تقتنع بأنه لا مؤثر لهذا الأثر؟
فإذا رأيت (قلماً) أو (ساعة) أو (مصباحاً) أو (صورة إنسان) ولم تر الذي صنع هذه الأشياء، ثم سألت عن الصانع لها؟ فقيل لك: انه لا صانع لها.. فهل تقبل كلام المجيب أم تضحك من كلامه؟
وإذا قال لك: انك لم تر الصانع، فيكف تؤمن بوجوده، فلعل (القلم) صنع من نفسه؟ فهل يهديك عقلك إلى القبول؟
إن هذه أمثلة على وجود الله تعالى.. فإذا كانت الصورة المنقوشة لا بد لها من صانع، فكيف يمكن أن يكون أصل الصورة ـ أي الإنسان ـ بلا صانع؟
والحاصل: إن العقل يرى ـ بالفطرة ـ ضرورة وجود صانع للكون، ومن يقول لا يهديني عقلي إلى ذلك، فهو أما غير ملتفت أو كاذب.
ثم يأتي بعد ذلك دور السؤال: إذا كان الصانع موجوداً، فلماذا لا نراه؟
والجواب: إن كثيراً من الأشياء موجودة ولا نراها، فالهواء موجودة ولا نراها، والقوة في الأسلاك الكهربائية موجودة ولانراها، والعقل في الإنسان موجود ولا نراه، والروح في الحي موجود ولا نراه، والأمواج في الفضاء موجودة ولا نراها… إلى ألف مثال ومثال…
ومن قال: بأن كل شيء موجود لا بد وأن يرى؟
ويأتي بعد هذا وذك دور سؤال ثالث، وهو: لماذا لا تكون الطبيعة هي الخالقة؟
والجواب: لا يمكن أن تكون الطبيعة خالقة، إذ الطبيعة جاهلة عاجزة، وهل يمكن أن يصنع هذه المصنوعات شيء جاهل عاجز؟ وهذا السؤال مثل أن يقال: إن هذا القصر الفخم المؤثث من صنع الطبيعة، لا من صنع مهندسين وصناع، فالجواب عن هذا الكلام هو الجواب عن قول من يزعم أن الطبيعة هي الخالقة!!
ويأتي بعد الأسئلة الثلاثة، سؤال آخر: هو انه لو كان الله هو الخالق لكل شيء، فمن هو خالق الله؟
والجواب ـ باللسان العلمي ـ أن الشيء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: (واجب الوجود) و (ممكن الوجود) و(ممتنع الوجود).
فالواجب وجوده ابدي دائمي، لم يكن في وقت من الأوقات معدوماً حتى يحتاج إلى الإيجاد والموجد …
والممكن الوجود، هو الذي يمكن وجوده وعدمه، وكان في القديم معدوماً ولذا يحتاج إلى الإيجاد والموجد ، كجميع ما في الكون من المخلوقات، حيث لم تكن، ثم كانت ..
والممتنع الوجود، هو الذي لا يمكن أن يوجد، مثل شريك الباري، لاستلزم ذلك المحال، وما يستلزم المحال فهو محال.
إذاً: فرق بين (الله) وبين (ما سواه) فالأول غني عن الخالق والثاني محتاج إلى الخالق.
ولنوضح ذلك بمثال بدائي ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ حلاء كل شيء من السكر، أما حلاء السكر فمن نفسه.. نور كل شيء بالشمس، لكن نور الشمس من نفسها.. دهونة كل شيء بالدهن لكن دهونة الدهن من ذاته.. إدراك الإنسان بالعقل، لكن إدراك العقل ذاتي له.. وكذلك وجود كل شيء بالله، أما وجود الله فمن نفسه.
وهذا باللسان الفلسفي: كل ما بالغير لابد وان ينتهي إلى ما بالذات، أما ما بالذات فلا ينتهي إلى غيره، وإلا لزم (الخلف) أولاً، و(الدور أو التسلسل) ثانياً.
ثم… إن الله سبحانه ليس مركباً من (وجود) و(مهية) لأن التركيب من خواص الممكن، والله ليس بممكن ـ كما عرفت ـ بل واجب .. وانما الله سبحانه (وجود) لا تشوبه المهية إطلاقاً، إذا عرفت هذه الأسس ـ إجمالاً ـ فانظر إلى كلمات هؤلاء:
يقول (سارتر) في كتابه (الوجودية مذهب انساني):
كتب دستويفسكي، يقول: «إذا لم يكن الله موجوداً فان كل شيء يصبح مسموحاً» من هنا تنطلق الوجودية، فالإنسان متروك لا يعتني به أحد، لأنه لا يجد لا في نفسه ولا خارجها شيئاً يتمسك به ويتعلق باهدابه، إلى أن يقول: «فإذا كان الله غير موجود فإننا لا نجد أمامنا قيماً تسير تصرفاتنا وتجعلها شرعية».
ويقول سارتر في كتابه (الوجود والعدم) في صدد نفي الإله:
«هناك تناقض ضمني في الفكرة التي تقول: بوجود كائن يستمد وجوده من نفسه».
ويقول في كتابه (الغثيان):
«كل موجود يولد دون مبرر، ويعيش بسبب ضعفه وخوفه،ويموت بفعل المصادفة».
ويقول (أوغسطين) ـ وهذا ليس ملحداً وإنما نأتي بكلامه دلالة على كيفية فهمه لله تعالى ـ :
«الماهيات كلها موجودة في الذات الالهية».
إلى غيرها من الكلمات النافية لله، أو المثبتة لله على غير هدى.
ثم يأتي بعد ذلك دور من لا ينفي ومن لا يثبت بل يرى كلا الأمرين تجديفاً، يقول (كير كجارد) :
«إن كان من التجديف إنكار وجود الله فمن التجديف الأفظع أن نأتي لنثبت له وجوده».
إلى غيرها من الكلمات التي هي من هذا القبيل.
1ـ فما الدليل ـ يا سارتر ـ على عدم وجود الله؟
بل الدليل كما تقدم يثبت وجوده.. وإذا كان هذا الأمر المهم الذي يرتبط به السلوك ـ بله الآخرة ـ لا يستحق عناية الاستدلال، فما هو الذي يستحق عناية الاستدلال؟
يقول (لاوند) في كتابه (وجودية ووجوديون):
«البحث في الإله عند سارتر قصير جداً، ذلك لأن سارتر لايؤمن بوجود إله، وهو من ناحية اخرى قليل الكلام في هذا الموضوع رغم إلحاده الذي لا يحاول أن يبرره في أكثر ما يكتبه».
إن عرفان أن هناك (مبدءاً) و (معاداً) أم لا، من أهم الأمور التي تشغل بال الإنسان منذ الابتداء، وسيظل يشغل باله إلى الانتهاء.. فان الإنسان لا بد أن يكيف سلوكه تبعاً لأحد الأمرين من الايجاب والنفي، فكيف يمكن أن يستسهل في هذا الأمر المهم.
إننا نعتقد بوجود الله ونقيم عليه الأدلة، ونرى أن الذي لا يهتم إلى هذه الناحية بعيد عن نداء فطرته؟
2ـ ثم أي تناقض في القول بوجود الله؟ فلقد عرفت أن القول بعدم وجوده خلاف البداهة العقلية.. وقد تقدم في الأمثلة المقربة للمسألة (نور الشمس) وما أشبه، فهل (سارتر) يقول بالتناقض في كل ذلك؟
3ـ وهناك فرق بين (عدم المبرر) وبين (عدم معرفة المبرر) وكيف يعيش كل موجود بسبب ضعفه وخوفه؟ أليس هذا أفظع أنواع التجديف؟
ثم.. المصادفة ما معناها؟ فإن أريد عدم العلة، فمن أين ذلك؟ وان أريد أن (العلية) مطلقاً في كل شيء باطلة، فالأمر انكر، فانه لو قال سارتر بذلك لزم ان نقول له (الفكرة الوجودية ظهرت بلا علة، أي بلا فكرة) و(الذين دخلوا في هذا النظام وقبلوا بهذه الفكرة لم يكن لهم في ذلك علة من مطالعة كتب والاستماع إلى خطابات بهذا الشأن) وهكذا.. وهكذا.
وقد صدق من قال: (إن الإنسان إذا لم يلتزم بأساس صحيح، لابد وان يخبط عشواء في ألف موضوع).
4ـ ثم نأتي إلى كلام (أوغسطين) ونقول: ما معنى (أن المهيات كلها كانت موجودة في ذات الله) فما تقصد بالمهية؟ ثم ما تقصد بأنها كانت موجودة في ذات الله؟ وما الدليل على ذلك؟
إن (المهية) حقيقة الشيء التي بها يكون الشيء شيئاً خاصاً دون سواه، فحقيقة الإنسان التي بها يكون الإنسان إنساناً لا فرساً ولاحجراً، ولا ماءاً، تسمى (مهية) وهكذا (مهية) سائر الأشياء.. وهذه المهيات قبل وجودها في الخارج (ذهنية) بحتة.. فلا معنى لوجود المهيات في ذات الله.
ثم .. انه قد ثبت في علم الفلسفة والكلام استحالة الاثنينية ـ بكل صورها ـ بالنسبة إلى الله تعالى، فأي معنى لوجود شيء فيه؟
5ـ أما كيف يكون كل من الاثبات والنفي تجديفاً، فذلك مما لابد أن يفسره القائل؟
ألست ترى أن ضرورة إثبات كل قائل بمبدأ، مبدأه بدليل، سواء كان مبدأ علمياً أو تجريبياً ؟ وكذلك القائل بنفي شيء، أيصح أن يقول إنسان: (المربع المستوي الأضلاع أكبر من المخمس الذي كل ضلع له يساوي ضلع المربع) ثم يقول إنسان آخر: إن الأمر بالعكس… وإذا سئل كل واحد عن الدليل احجم عن ذلك؟
فإذا كان الاثبات والنفي في هذه القضية البسيطة بحاجة إلى الدليل، فماذا ترى بالنسبة إلى قضية (المبدأ) التي يتوقف عليها سلوك الإنسان ـ بله الآخرة ـ؟
ولقد ذكرت في هذا الفصل كلام الملحد والمؤمن والمتردد، لتعرف إلى أي مستوى واطئ وصلت الفلسفة العليا عند هؤلاء، التي ينبغي أن تكون في مقدمة المهام الإنسانية.