الوجود والماهية
هنا (ذهن) و(خارج).
فما يتصور في الذهن، يسمى (ذهنياً)، وما يكون في الخارج يسمى (خارجياً).
مثلاً: إذا تصورت (إنساناً ذا رأسين) أو تصورت (زيداً) أو تصورت (جبلاً من ياقوت) سمي كل ذلك (ذهنياً) لأن موطنه عالم الذهن.
ثم .. إن هذه الأمور الخارجية، كل واحد منها له جزءان (المهية) و(الوجود).
و(المهية) هي الأمر الخاص بكل فئة من الأشياء، و(الوجود) هو الأمر العام الشامل لجميع الأشياء. مثلاً: (الإنسان) و(الفرس) و(النخل) و(الماء) و(الذهب) كلها مشتركة في أن الجميع (موجودة) ولذا يحمل الموجود عليها، فتقول: (الإنسان موجود) (الفرس موجود) وهكذا.
وذلك بخلاف (المهية) فان حقيقة الإنسان ومهيته، غير حقيقة الفرس ومهيته، وكذلك بالنسبة إلى سائر الموجودات.
وان شئت وضوح ذلك مثلت الوجود بـ (الضياء) الذي يغمر الأشياء، فكل ما في الغرفة يشع عليه ضياء المصباح، بينما لكل واحد مما في الغرفة حقيقة خاصة بها.
وإنما تسمى (المهية) بهذا الاسم اشتقاقاً من (ما هي).
ثم إن (الوجود) و(المهية) إنما يتصور فيهما الاثنينية عقلا، أما خارجاً، فلا يعقل الانفكاك بينهما إذ (الوجود) البحت بلا مهية غير معقول (في الممكنات)، كما انه لا يمكن أن يكون في الخارج (مهية) مجردة بلا وجود.
وكيف كان.. فالكلام حول الوجود والمهية طويل جداً.. وإنما ذكرنا هذا القدر لتعرف اجمال المطلب ثم تنظر إلى انه كيف يرتطم هؤلاء الفلاسفة الجدد، الذين اتسموا بسمة الفلسفة، في متاهات، ونكتفي بأمثلة قليلة.
فالوجودي الكاثوليكي، ج: مارسيل(9)، يقول:
«لقد طالما شغلتني مشكلة اسبقية الماهية بالنسبة إلى الوجود» وهو يفهم من كلمة (ماهية) «ما لا يتعدى المدرك» أي الأفكار العامة التي نستخدمها في التفكير ـ كما يفسره بول فلكييه ـ: وهو يرى أيضاً كل إنسان هو الذي سيحدد ما يكون وهو الذي يختار ماهيته الفردية «فنحن لسنا في الواقع إلا ما نصيّره».
أرأيت كيف خبط (مارسيل) الفلسفة بالأوهام، فأي ربط بين (المهية) وبين (ما لا يتعدى المدرك)، فانك لا تجد كتاباً من كتب الفلسفة الناضجة، إلا تراه يبين أن (المهية) ما لها موطن في كل من عالمي (الذهن) و(الخارج).
ثم.. ما معنى (المهية الفردية) إلا اصطلاحاً غير ناضج. فالفرد له مقومات تكوينية، كما أن له تفكيراً يمكن به من تغيير بعض أنحاء سلوكه، وكلا الأمرين لا يرتبطان بالمهية بالمعنى الفلسفي.
أما (سارتر) الوجودي الملحد، فله فلسفة نيّة مدهشة في عدم النضج، لا حول موضوع (الوجود) و (المهية) فحسب، بل حول كل مفهوم فلسفي، وأراني اضطر إلى نقل جملة من كلامه.
ففي كتاب (وجودية ووجوديين) ص52 نقلاً عن مجلة (العمل) 27 كانون الأول 1944 ما نصه:
«التعابير الفلسفية ما يدل على أن لكل شيء من الأشياء ماهية ووجوداً، فالماهية هي مجموعة ثابتة من الخصائص، والوجود هو نوع من الحضور الفعلي في العالم… يعتقد كثير من الناس أن المهية تأتي أولاً ثم يتبعها الوجود، إن أطول هذه الفكرة موجودة في التفكير الديني: بدليل أن من يريد بناء بيت يحسب أن يعرف بدقة صورة هذا البيت وهيئته وهنا تسبق الماهية، وكذلك شأن من يؤمنون بأن الله هو خالق الناس انهم يعتقدون أن خلق الله قد تمّ بعد أن استعان بفكرته عنهم، وهي ماهيتهم، أما الذين لم يحتفظوا بإيمانهم بالله فقد احتفظوا بهذه الفكرة التقليدية القديمة بان الشيء لايتحقق وجوده ما لم يكن منسجماً مع ماهيته، وقد رأى القرن الثامن عشر كله، أن هناك ماهية مشتركة عامة، لكل الرجال دعيت بالطبيعة البشرية، وخلافاً لهؤلاء جميعاً تؤكد الوجودية: أن الوجود يسبق المهية عند الإنسان فقط والإنسان وحده، يعنى هذا ببساطة كلية: أن الإنسان يكون أولا، أي يتحقق وجوده ثم يصبح بعد ذلك هذا أو ذاك».
إن هذا الكلام الفج ليتعجب منه الإنسان ايما تعجب.
فأولا.. أي ربط بين القول بأصالة المهية أو أصالة الوجود، وبين الإيمان بالله وعدم الإيمان به؟
وثانياً.. أي ربط بين المهية، وبين التصور؟
وثالثاً.. ما معنى الانسجام بين الماهية والوجود؟
ورابعاً.. ما معنى كون المهية مجموعة ثابتة من الخصائص، والوجود هو نوع من الحضور الفعلي؟
وخامساً.. لا معنى إطلاقاً لان الوجود يسبق المهية عند الإنسان فقط، دون ما سواه.
وسادساً.. من الذي كان يزعم أن خلق الله قد تم بعد أن استعان بفكرته عليهم؟
1: أن مسألة أصالة الوجود أو المهية، كما قررها الفلاسفة شيء يرتبط بالآثار ، لا بالإيمان إطلاقاً .. فالقائل بأصالة المهية يقول: بأن الآثار لها، والقائل بأصالة الوجود يقول بأن الآثار له، ويمكن أن يكون كل واحد منهما مؤمناً كما يمكن أن يكون كل واحد منهما ملحداً، أو أحدهما مؤمناً، والآخر ملحداً ـ هذا مؤمن وذلك ملحد أو بالعكس ـ .
2: والمهية لا ربط لها بالتصور، فهي بمعنى الحقيقة التي تأتي في الذهن كما تأتي في الخارج.
3: والمراد بانسجام المهية مع الوجود ـ الذي قاله الفلاسفة ـ إن من المهيات ما لا يعقل وجودها كشريك الباري وأعظمية الجزء من الكل، وما أشبه.. كما أن من المهيات ما يعقل وجودها، وهذا القسم تارة توجد ـ كالإنسان ـ وتارة لا توجد ـ كجبل فضة ـ وهذا كما تراه لا ربط له بكلام (سارتر) إطلاقاً.
4: والمهية والوجود قد عرفت تعريفهما ـ إجمالا ـ في أول هذا الفصل، ولا ربط لما ذكره (سارتر) بما تقدم.
5: ولم يدع أحد من الفلاسفة أسبقية الوجود على المهية خارجاً أو بالعكس، وإنما كلامهم في مقام التصور، كما أن العقل يتصور تقدم حركة اليد على حركة المفتاح، وإن كانا مقارنين في الوجود.
6: والله سبحانه لا يفكر إطلاقاً، فالتفكير من صفات الممكن لاالواجب ـ ولم يقل بتفكيره أحد من الفلاسفة ـ . منقوووووووووووووووووووووووووووووووول