ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    الصراع بين العقلانية واللاعقلانية في الفكر الأوربي

    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الصراع بين العقلانية واللاعقلانية في الفكر الأوربي Empty الصراع بين العقلانية واللاعقلانية في الفكر الأوربي

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) الخميس سبتمبر 25, 2008 8:03 pm

    [
    الصراع بين العقلانية واللاعقلانية في الفكر الأوربي
    مشكلة نيتشه

    لا تزال المعركة مفتوحة في الساحة الفرنسية بين أنصار كانط وأنصار نيتشه! وقد يبدو ذلك غريبا للوهلة الأولى. فما علاقة كانط و نيتشه اللذين ماتا منذ زمن طويل بالحياة الفرنسية حاليا؟ في الواقع أن هناك أكثر من علاقة. فبالإضافة إلى أن الأحياء يتصارعون عن طريق الأموات أحيانا، فإن هناك مشكلة حقيقية بين مؤسس العقل العلمي الغربي، ايمانويل كانط، وبين مدمر كل عقلانية مؤسسة أو مغلقة: فريدريك نيتشه. الأول ختم عصر التنوير وجسده خير تجسيد بتوازنه الصارم وحسه الأخلاقي العالي المستوى والثاني جاء لكي يشكك بتلك الثقة المطلقة للعقل بذاته وينبه إلى أهمية الصدفة والمفاجأة والمأساة والعوامل اللاعقلانية في تسيير حركة التاريخ أو تشكيل لحمته. من المعروف أن نيتشه قد دشن مع كل من ماركس وفرويد "عصر الشك" في الفكر الفلسفي الغربي، وبدلا من الشك في الأشياء وموثوقيتها (ديكارت) راحوا يشكون بالعقل الذي يشك بذاته. لم يعد العقل موثوقا ومطلقا إلى الحد الذي توهمه ديكارت أو حتى كانط وهيجل الأمور أصعب مما نظن وأكثر تعقيدا. والتاريخ أكثر مأساوية وأقل أمانا واطمئنانا. باختصار فهناك العقل، وهناك اللاعقل، هناك الفلاسفة الذين يركزون على العوامل العقلانية ويعطونها ثقتهم، وهناك الفلاسفة الذين يركزون على العوامل اللاعقلية ودورها الذي "يخربط" حركة التاريخ أحيانا ويجعل الرياح تجري بما لا تشتهي السفن. إنها مسألة قديمة قدم الإنسان على هذه الأرض: مسألة التفاؤل / والتشاؤم، مسألة الثقة / أو عدم الثقة، مسألة الطمأنينة / أو عدم الطمأنينة على سطح هذه الأرض…
    من المعروف أن أنصار نيتشه كانوا قد انتصروا على الساحة الفرنسية (وبخاصة الباريسية) طيلة الستينات والسبعينات أثناء فورة المجتمع الفرنسي والثورة الطلابية والعمالية لمايو 1968. عندئذ أصبحت الحرية الجنسية وفلسفة الرغبة والتحلل من القيود الأخلاقية الصارمة والثورة ضد أرباب العمل وثورة المرأة ضد الرجل، الخ عنوانا فلسفيا لحقبة بأسرها. وعندئذ انتصرت أفكار ميشيل فوكو وجيل ديلوز وجاك ديريدا على المستوى الفلسفي. فقد مثّل هؤلاء رد الفعل الفلسفي الأعمق على مسار التجربة الغربية على المستوى السياسي طيلة فترة الاستعمار والحربين العالميتين وصعود الحركات الفاشية اللاعقلانية على مسرح أوربا. واتهموا الإنسية البورجوازية الغربية (هيومانيزم) التي تتبجح بحضاريتها وإنسانيتها بأنها انحرفت عن مبادئ عصر التنوير أو استخدمتها لتحقيق مآربها الأنانية والشخصية. وهذا ما فعلته مثلا أثناء فترة الاستعمار الكلاسيكي عندما حاولت طمس هوية الشعوب ومحو لغاتها وثقافتها بحجة أنها بالية، متخلفة، غير حضارية.
    (أنظر ما فعله الفرنسيون في بلدان المغرب العربي عندما حاولوا النيل من الدين الإسلامي وإحلال المسيحية محله عن طريق التبشير). هذا دون أن نتحدث عن نهب ثروات الشعوب المستعمرة واستغلالها بكل الأشكال بما فيها استخدام شبابها كوقود للحروب الاستعمارية العالمية. وكل ذلك تم تحت غطاء الحضارة والتحضير والحداثة والإنسية الأوربية التي تحترم حقوق الإنسان في كل زمان ومكان... ولكن المبادئ المعلنة شيء، والواقع شيء آخر. وشتان ما بين المثال /والواقع، أو بين مبادئ عصر التنوير / والمسار الحقيقي للتجربة الفرنسية والغربية منذ حوالي القرنين من الزمن...
    كل هذه الأشياء استخدمها فلاسفة فرنسا المذكورون لتعرية العنجهية الرأسمالية والعرقية المركزية الأوربية. وكان أن اعتمدوا على نيتشه وأفكاره لأنه يعتبر الكاشف الأكبر عن انحراف مبادئ التنوير عن مسارها وعن الملابسات السلبية للحداثة الوضعية والصناعية حتى قبل حصولها... فالتاريخ لا يسيره العقل فقط كما كان يعتقد هيجل أو كانط، وإنما تسيره القوى اللاعقلانية الجامحة التي تربض في أحشائه. وإلا لما حصلت حركات الفاشية والنازية بعد مرور أكثر من مائة عام على عصر التنوير وفي أكثر بلدان الغرب تقدما. والمعرفة ليست شيئا مثاليا مجردا بعيدا عن ملابسات الأنانيات والأغراض والمصالح والشهوات السلطوية كما توهمت المثالية الألمانية. المعرفة مرتبطة أيضا بهاجس السلطة والمصلحة سواء أشعر بذلك المفكر أم لا. ومن المعروف أن ميشيل فوكو قد طور هذه الفكرة النيتشوية فيما بعد كثيرا عندما تحدث عن الملابسات السلطوية التي أحاطت بنشأة العلوم الإنسانية الحديثة (كعلم النفس والطب النفسي مثلا، أو حتى علم الاجتماع، أو علم القانون وبخاصة قانون العقوبات، الخ…) وكشف عن التواطؤ الكائن بين العلوم الحديثة وبين تدجين الناس وتأطيرهم في مجتمعات الحداثة الأوربية.
    لكن هذا النقد للحداثة وقع أيضا في التطرف المعاكس، وأصبح أحيانا وسيلة لضرب منجزات الحداثة الأكثر رسوخا. والتقى هنا بتيار اليمين المتطرف الذي يحقد على كل ما أنتجته المجتمعات الأوربية من تقدم اجتماعي ومساواة في الحقوق بعد الثورتين الإنكليزية والفرنسية. هكذا نجد أن اليسار المتطرف يلتقي على غير وعي منه باليمين المتطرف في القضاء على فكرة الحداثة والمسار المقطوع طيلة القرنين الماضيين. ضمن هذا السياق نهض هابرماس لكي يعيب على المفكرين الفرنسيين المذكورين وقوعهم في النسبوية والعدمية بسبب نقدهم المتطرف لفكرة العقل والعقلانية (انظر كتابه الذي ترجم عن دار جاليمار ا بعنوان: الخطاب الفلسفي للحداثة)، حيث ينتقد فوكو ودريدا وهيدجر ونيتشه، الخ… ويعيد لفكرة الحداثة والعقلانية دورها وأهميتها، دون أن ينكر بالطبع سلبيات الحداثة وأخطاءها وانحرافاتها عن مبادئها الأولية. ولكنه لا يسمح بالتشكيك بأفكار عصر التنوير واستقلالية العقل لأن ذلك يعني تدمير فكرة التقدم والجهد البشري نفسه. فدولة الحق والقانون شيء لا يمكن الاستهانة به، وكذلك احترام الحد الأدنى من حقوق الإنسان (كحرية التعبير والصحافة والنشر والتنقل من مكان إلى أخر...).
    وضمن هذا السياق أيضا نهض بعض المفكرين في فرنسا لكي يدافعوا عن العقلانية الكنطية ضد اللاعقلانية النيتشويه. وراحوا يستلهمون أفكار هابرماس لكي يدينوا ميشيل فوكو وجيل ديلوز ودريدا ويتهمونهم بالعدمية النيتشويه. بالطبع فأن بعض انتقاداتهم تبدو هي أيضا متطرفة وأحيانا تلبي نزعة الانتقام الشخصي أكثر مما تخضع للموضوعية الفلسفية.. ولكن يبقى صحيحا القول بأن بعض انتقاداتهم للنيتشوية والفوكوية تبدو مشروعة ومبررة، وهي على الأقل تستحق الاستماع إليها لأخذ فكرة شمولية عن المناقشات الكبرى الدائرة في الساحات الأوربية. ونحن كعرب معنيون بالأمر شئنا أم أبينا. فقد دخلت بعض أفكار فوكو إلى الساحة العربية في الآونة الأخيرة، ولكن بالكثير من التسرع والغموض في أحيان كثيرة. وتحمس له المتحمسون بسبب حملته على التجربة الغربية والعقلانية الغربية المتغطرسة (وكنت أنا من بينهم، وأن يكن لأسباب أكثر تعقيدا). ولا ريب في أن بعض انتقادات فوكو وديلوز ودريدا للغرب وتجربته صحيحة وعادلة. ولكن ينبغي أيضا عدم التضحية بكل شيء. ففي مسار الحداثة تجارب نافعة ودروس صالحة يمكن الاستفادة منها إذا ما عرفن اكيف نفعل ذلك. والنقد لا يعني إلغاء كل شيء، وإنما يعني العودة على المسار السابق وتصحيح الأخطاء المرتكبة أثناء عملية المسار والإنجاز. (بمعنى ينبغي عدم التطرف في هذا الاتجاه أو ذاك).
    ضمن هذا الإطار صدر مؤخرا في العاصمة الفرنسية كتاب "فلسفي نضالي" إذا جاز التعبير, لكي يعيد الأمور إلى نصابها بحسب مقصد مؤلفيه، ولكي يرد على تيار فوكو ودريدا وديلوز وأتباعهم. وكل ذلك من خلال "تفكيك" نيتشه وتعريته أركيولوجياً! فإذا ما هدم الأصل هدمت الفروع بطبيعة الحال. ولا يمكن فصل ظهور مثل هذا الكتاب وكتب أخرى من نفس النوع عن الحركة العامة للمجتمع الفرنسي الذي أصبح يميل الآن إلى الهدوء والتوازن، بل وحتى المحافظة أحيانا. عنوان هذا الكتاب : لماذا نحن لسنا نيتشويين؟ وهو كتاب جماعي اشترك في تأليفه حوالي العشرة فلاسفة من الجيل الجديد (أي الذين تتراوح أعمارهم بين 45 – و50 سنه). وهم يريدون أن يؤكدوا أنفسهم كجيل فلسفي مختلف عن الجيل السابق من حيث الهموم والتوجه والهدف. ليس غريبا، والحالة هذه، أن يثيروا معركة مع جماعة دريدا أو جيل ديلوز مثلا. إنها "معركة فلسفية مصغرة" على الساحة الباريسية ولكنها ذات ملابسات سياسية واجتماعية بالتأكيد. ويبدو إن الريح مؤاتية لها في هذه الأيام، فحركة المجتمع كالبحر: مدُّ وجزر، وصعودٌ وهبوط… …
    يقول أندرية كونت – سبونفيل أحد المشاركين في تأليف الكتاب: "إني معجب بنيتشه وبعبقريته الضخمة، وهناك عدة نقاط فلسفية أتفق معه فيها. من بين هذه النقاط: نقده للمثالية، والدين, وحرية الاختيار (أي القدر مضاداً للجبر بحسب اللغة الإسلامية الكلاسيكية)، وأيضا ماديته شبه الكاملة، أو رفضه للعدمية... ولكن هناك نقاط أخرى خلافية أقل عددا وأكثر أهمية وحسما، وهي التي تمنعني من أن أكون نيتشاويا. أذكر من بينها ثلاثا :"اللاأخلاقية"، اللاعقلانية أو السوفسطائية، وإحلاله للفن محل الدين.
    ماذا نقصد بلا أخلاقية نيتشه؟ من المعروف أن نيتشه يفتخر بأنه قد قلب كل القيم (هذا عنوان مشروعه الكبير). وينبغي أن نصدقه حرفيا عندما يقول ذلك. فهناك بالتأكيد لدى نيتشه تمجيد للبربرية والعبودية والعنف والعنصرية: أي رفض كلي للديموقراطية ولما ندعوه بقيم عصر التنوير. وهذا يعني رفضه لأن يعتبر العقل كأداة لتحرير الإنسان من التخلف والظلام والعذاب. وهذا يتناسب تماما مع فرضيته الأساسية التي ينطلق منها : قلب كل القيم".
    ويقول أندرية كونت - سبونفيل عن نيتشه ما معناه: "هناك تماسك كبير في فكر نيتشه وتناقضات عديدة تفصيلية (أو تخص التفاصيل). وقد يبدو هذا الكلام متناقضا. ولكن إذا ما تمعنا في الأمور عن كثب زال التناقض. فالواقع أن هذه التناقضات لا تفعل ألا أن تزيد من تماسك مشروعه الفلسفي. ذلك أنه بالإضافة إلى اللاأخلاقية عند نيتشه نجد اللاعقلانية أيضا. فبما أن العقل لم يعد بالنسبة له ألا ظاهرة عرضية، والمنطق ليس ألا سلاحا يدافع به الضعفاء عن أنفسهم فأنه لم يعد بحاجة لا لهذا ولا لذاك. وبالتالي فيمكنه، بكل سهولة، أن يطلق أحكاما متناقضة على هواه دون أن يعني ذلك أنه غير متماسك ...
    لكن بما أنني فيلسوف حريص على العقل باعتباره قيمة عليا لا يمكن لأي حرية أو تقدم أو أخلاق أن تتحقق بدونها، فإني لا أستطيع القبول بلاعقلانية نيتشه".
    لأخلاقية نيتشه سببها التاريخي وحيثياتها لكن أندرية كونت - سبونفيل فيلسوف ذكي ويعرف أن نقده للاأخلاقية نيتشه أو اتهامه باللاأخلاقية في المطلق شيء لا معنى له. وهو لا يستطيع أن ينسى أن نيتشه قد أنتقد الأخلاق الدينية اليهودية - المسيحية والتقليدية بسبب حسه الأخلاقي الصارم. فمن شدة أخلاقيته أصبح نيتشه لا أخلاقيا! …وهناك سبب تاريخي محدد لثورته على الأخلاق السائدة في عصره. فليس هناك من تفلسف في المطلق، ونيتشه ثائر على المثالية أساسا وذو تكوين تاريخي - فللوجي (أي اللغوي) من حيث التكوين الجامعي. وبالتالي فثورته على الأخلاق ليست مطلقة أيضا. على هذا الاعتراض يرد أندرية كونت- سبونفيل قائلا:
    - أنا موافق جزئيا على هذا الرأي. ولكن جزئيا فقط. فالفلاسفة اللاأخلاقيون ينتقدون الأخلاق عادة لأنها تسحق الإنسان تحت وطأة إكراهاتها وتخنق حريته، ولأنها ضد الحياة والرغبة والمتعة. إن نقد نيتشه للأخلاق كان موجها ضد كل ما تحتويه الأخلاق اليهودية - المسيحية من قمع وبخاصة فيما يتعلق بالأشياء الحسية والجنسية. وفيما يخص هذه النقطة بالذات أرى أن نيتشه كان على حق, وكذلك فرويد. ولكن التطور الذي شهدته الأخلاق في عصرنا الراهن ومجتمعاتنا الأوربية الحديثة قد جعل هذه المعركة شيئا لاغيا ينتمي إلى الماضي. فالآن عندما نتحدث عن الأخلاق في مجتمعاتنا فإننا لم نعد نعني تلك الطريقة القمعية التي تركز همها فقط على مراقبة الشؤون الصغيرة لحياتنا الجنسية. وإنما أصبحنا نعني بها مسائل أخرى حاسمة كمسألة التعذيب والبربرية: أي كل ما يخص علاقتنا بالآخر واحترام حقوقه أم لا (حقوق الإنسان). ولكن نقد الأخلاق عند نيتشه لا يكتفي بإدانة الجانب القمعي لحياتنا الشخصية، وإنما هو يستخف بفكرة احترام الأخر، أي بفكرة الديمقراطية. فأخلاقية احترام الآخر تعتبر بالنسبة له أخلاقية العبيد. وهنا نقول له : لا نحن لسنا موافقين. فنحن نرفض الخلط بين الأخلاق والأخلاقوية … منقوووووووول

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 9:58 pm