ما حكم هدم الأنفاق التي يتم تهريب الذخائر والأسلحة والغذاء والحاجات الأساسية للمجاهدين في غزة من خلالها؟ وما حكم من يشارك في الدلالة على الأنفاق أو في هدمها؟!
* يجيب عن السؤال فضيلة الشيخ/ د. عبد الرحمن البر- أستاذ الحديث بجامعة الأزهر الشريف:
الجهاد في سبيل الله أشرف الأعمال وأفضلها، وقد فضَّل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا؛ درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً، وقد دعا الله إليه بالمال والنفس واللسان، وأخرج أبو داود وغيره عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ".
وقد حضَّ الإسلام على مساعدة المجاهدين بالمال وإمدادهم بالسلاح، وعدَّ من يفعل ذلك مشاركًا للمجاهد في عمله، حاصلاً على مثل أجره؛ فأخرج البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا"، وأخرج أبو داود وغيره عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ"، وفي رواية للبيهقي "وَالْمُمِدَّ بِهِ"، فسوَّى النبي صلى الله عليه وسلم بين صانع السلاح والمجاهد الذي يرمي به، وبين الذي يناوله للمجاهد أو يدفع ثمنه له.
فإذا تعرَّض المسلم والمجاهد للظلم واعتداء الأعداء؛ وجب على كل مسلم إعانته بما استطاع، ولا يحلُّ للمسلم أن يخذل أخاه إذا طلب نصرته ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ (الأنفال: 72)، وأخرج البخاري ومسلم عَنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
ومن ثم فإن أيَّ مسلم يتخلَّى عن هذا الواجب ويُسلم إخوانه لأعدائهم أو يتوقف عن تفريج كربتهم ومساعدتهم في شدتهم- فضلاً عن أن يضرَّ بهم أو أن يعين عليهم عدوَّهم- فهو آثم آثم آثم.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من يخذل أخاه في مثل هذا الموطن؛ فأخرج أبو داود والبيهقي وغيرهما عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ الأنصاريِّ قالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا في مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا في مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ".
وبناءً على ما سبق يكون هدم تلك الأنفاق التي يستعين بها المجاهدون في توفير حاجتهم من العتاد والسلاح وغيره من الأمور المحرمة تحريمًا قاطعًا، وقد أخرج الترمذي وحسَّنه عَنْ أَبِي صِرْمَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ"، وأخرج الترمذي عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ".
وتشتد الحرمة حين يقع هذا في وقت الحرب كما هو حاصل الآن في غزة، ولا يجوز لمسلم أن يشارك في هذا الأمر، أو أن يدل على وجود مثل تلك الأنفاق، ولا عذر لمسلم في هذا الأمر كائنًا من كان، وأيًّا ما كانت التهديدات التي يتعرض لها، حتى لو أمَرَت بذلك السلطة والحكومة؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا خيرَ في الأمة إذا لم يؤخذ فيها للمظلوم حقه، فكيف إذا كان هذا المظلوم هو المجاهد الذي يدافع عن الأمة، أخرج البيهقي عن بُرَيْدَةَ بنْ الحصيب رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنَ الْحَبَشَةِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَعْجَبُ شَيءٍٍ رَأَيْتَ؟" قَالَ: "رَأَيْتُ امْرَأَةً عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ مِنْ طَعَامٍ، فَمَرَّ فَارِسٌ يَرْكُضُ فَأَذْرَاهُ فَجَعَلَتْ تَجْمَعُ طَعَامَهَا وَقَالَتْ: وَيْلٌ لَكَ يَوْمَ يَضَعُ الْمَلِكُ كُرْسِيَّهُ فَيَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ! فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تَصْدِيقًا لِقَوْلِهَا: "لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ"، أَوْ: "كَيْفَ قُدِّسَتْ لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهَا مِنْ شَدِيدِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ".
فإذا كانت الأمة التي تقف سلبيةً أمام مثل هذا الظلم الفردي يكتب الله لها الهلكة؛ فكيف إذا تعاون بعض أفراد الأمة على بعض، ومنع بعضها السلاح عن بعض؟!
إن هدم الأنفاق المذكورة أو الدلالة عليها يُعَدُّ من الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا يجوز لمسلم كائنًا من كان أن يشارك في ذلك، والله أعلم.
:15665:
* يجيب عن السؤال فضيلة الشيخ/ د. عبد الرحمن البر- أستاذ الحديث بجامعة الأزهر الشريف:
الجهاد في سبيل الله أشرف الأعمال وأفضلها، وقد فضَّل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا؛ درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً، وقد دعا الله إليه بالمال والنفس واللسان، وأخرج أبو داود وغيره عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ".
وقد حضَّ الإسلام على مساعدة المجاهدين بالمال وإمدادهم بالسلاح، وعدَّ من يفعل ذلك مشاركًا للمجاهد في عمله، حاصلاً على مثل أجره؛ فأخرج البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا"، وأخرج أبو داود وغيره عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ"، وفي رواية للبيهقي "وَالْمُمِدَّ بِهِ"، فسوَّى النبي صلى الله عليه وسلم بين صانع السلاح والمجاهد الذي يرمي به، وبين الذي يناوله للمجاهد أو يدفع ثمنه له.
فإذا تعرَّض المسلم والمجاهد للظلم واعتداء الأعداء؛ وجب على كل مسلم إعانته بما استطاع، ولا يحلُّ للمسلم أن يخذل أخاه إذا طلب نصرته ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ (الأنفال: 72)، وأخرج البخاري ومسلم عَنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
ومن ثم فإن أيَّ مسلم يتخلَّى عن هذا الواجب ويُسلم إخوانه لأعدائهم أو يتوقف عن تفريج كربتهم ومساعدتهم في شدتهم- فضلاً عن أن يضرَّ بهم أو أن يعين عليهم عدوَّهم- فهو آثم آثم آثم.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من يخذل أخاه في مثل هذا الموطن؛ فأخرج أبو داود والبيهقي وغيرهما عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ الأنصاريِّ قالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا في مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا في مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ".
وبناءً على ما سبق يكون هدم تلك الأنفاق التي يستعين بها المجاهدون في توفير حاجتهم من العتاد والسلاح وغيره من الأمور المحرمة تحريمًا قاطعًا، وقد أخرج الترمذي وحسَّنه عَنْ أَبِي صِرْمَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ"، وأخرج الترمذي عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ".
وتشتد الحرمة حين يقع هذا في وقت الحرب كما هو حاصل الآن في غزة، ولا يجوز لمسلم أن يشارك في هذا الأمر، أو أن يدل على وجود مثل تلك الأنفاق، ولا عذر لمسلم في هذا الأمر كائنًا من كان، وأيًّا ما كانت التهديدات التي يتعرض لها، حتى لو أمَرَت بذلك السلطة والحكومة؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا خيرَ في الأمة إذا لم يؤخذ فيها للمظلوم حقه، فكيف إذا كان هذا المظلوم هو المجاهد الذي يدافع عن الأمة، أخرج البيهقي عن بُرَيْدَةَ بنْ الحصيب رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنَ الْحَبَشَةِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَعْجَبُ شَيءٍٍ رَأَيْتَ؟" قَالَ: "رَأَيْتُ امْرَأَةً عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ مِنْ طَعَامٍ، فَمَرَّ فَارِسٌ يَرْكُضُ فَأَذْرَاهُ فَجَعَلَتْ تَجْمَعُ طَعَامَهَا وَقَالَتْ: وَيْلٌ لَكَ يَوْمَ يَضَعُ الْمَلِكُ كُرْسِيَّهُ فَيَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ! فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تَصْدِيقًا لِقَوْلِهَا: "لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ"، أَوْ: "كَيْفَ قُدِّسَتْ لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهَا مِنْ شَدِيدِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ".
فإذا كانت الأمة التي تقف سلبيةً أمام مثل هذا الظلم الفردي يكتب الله لها الهلكة؛ فكيف إذا تعاون بعض أفراد الأمة على بعض، ومنع بعضها السلاح عن بعض؟!
إن هدم الأنفاق المذكورة أو الدلالة عليها يُعَدُّ من الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا يجوز لمسلم كائنًا من كان أن يشارك في ذلك، والله أعلم.
:15665: