[b][center]خلاصة الأصول
تأليف
عبد الله بن صالح الفوزان
عضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعودا لإسلامية
تمهيد في تعريف أصول الفقه وذكر مبادئه
تعريفه :
أصول الفقه له تعريفان :
الأول : باعتبار مفرديه .
فالأصول جمع أصل ، وهو لغة : ما يستند وجود الشيء إليه .
واصطلاحاً : يطلق عدة اطلاقات ، ومنها الدليل ، وهو المراد هنا ، فأصول الفقه : أدلته .
والفقه لغة : الفهم.
واصطلاحاً : معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية .
والتعريف الثاني : باعتباره علماً على هذا الفن ، فهو : أدلة الفقه الإجمالية ، وكيفية الاستفادة منها ، وحال المستفيد .
وثمرته : هي القدرة على استنباط الأحكام الشرعية على أسس سليمة ، ومعرفة أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ، لقدرتها على إيجاد الأحكام لما يستجد من حوادث على مَرِّ العصور .
ونسبته إلى غيره : وهي مرتبته من العلوم الأخرى أنه من العلوم الشرعية ، وهو للفقه ، كعلوم الحديث للحديث ، وأصول النحو للنحو .
وفضله : ما ورد في الحث على التفقه في دين الله تعالى ، وهذا متوقف على أصول الفقه ، فيثبت له ما ثبت للفقه من الفضل ، لأنه وسيلة إليه .
وواضعه : هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - وذلك بتأليف كتاب ( الرسالة ) وهو أول كتاب في الأصول .
واستمداده : أي مصادره التي بنيت عليها قواعده :
1 - استقراء النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة .
2 - الآثار المروية عن الصحابة والتابعين .
3 - اللغة العربية .
4 - إجماع السلف الصالح .
5 - اجتهاد أهل العلم واستنباطاتهم وفق الضوابط الشرعية .
وحكمه : فرض كفاية ، إلا لمن أراد الاجتهاد فهو فرض عين في حقه .
ومسائله : وهي مباحثه التي يستفيد منها المجتهد في استنباط الأحكام الشرعية .
وشرفه : وهو علم شريف لشرف موضوعه ، وهو العلم بأحكام الله تعالى المتضمنة للفوز بسعادة الدارين .
الباب الأول : في أدلة الأحكام الشرعية
(1/1)
________________________________________
الأدلة جمع دليل ، وهو في اللغة : ما أرشد إلى المطلوب
وفي الاصطلاح : ما يستفاد منه حكم شرعي علمي على سبيل القطع أو الظن .
والأدلة هي : الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، وهذه أدلة متفق عليها بين جمهور المسلمين ، وأما الاستصحاب ، ومذهب الصحابي ، وشرع من قبلنا ، والمصالح المرسلة ، والعرف ، وسَدُّ الذرائع فأدلة مختلف فيها ، وهي عند القائلين بها دلائل على حكم الله تعالى .
والأدلة كلها ترجع إلى الكتاب فهو الأصل ، والسنة مخبرة عن حكم الله تعالى ، ومبينة للقرآن ، والإجماع والقياس مستندان إليهما ، وسائر الأدلة لا ينظر إليها ما لم تستند إلى الكتاب والسنة .
1 - الكتاب
وهو كلام الله تعالى ، المنزل على رسوله محمد ج ، المبدوء بسورة الفاتحة ، المختوم بسورة الناس .
ومن خصائصه :
1 - أنه كلام الله تعالى ، وهو اللفظ والمعنى جميعاً .
2 - أنه نزل بلسان عربي مبين .
3 - أنه متعبد بتلاوته في الصلاة وغيرها .
4 - أنه مكتوب في المصاحف .
5 - أنه محفوظ في الصدور .
6 - أنه محفوظ من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان .
وهو قطعي الثبوت ، لأنه منقول بالتواتر ، أما القراءة غير المتواترة فلا تسمى قرآناً ، وأما دلالته على الأحكام فقد تكون قطعية ، وقد تكون ظنية ، وهو الأكثر .
وقد اشتمل القرآن على كل ما يحتاجه الناس ، وهو ثلاثة أنواع :
1 - أحكام اعتقادية .
2 - أحكام أخلاقية سلوكية .
3 - أحكام عملية ، وهي المتعلقة بأفعال المكلفين ، وهي نوعان :
1 - عبادات . 2 - معاملات ، وتسميتها بذلك مجرد اصطلاح .
2 - السنة
وهي أقوال النبي ج وأفعاله وتقريراته .
أما أقواله فإما قول صريح وهو المرفوع حقيقة ، وإما فيه معنى القول كقول الصحابي : أمر رسول الله ج بكذا أو نهى عن كذا .
وهي حجة قاطعة على من سمعها ، فإن كانت منقولة إلى الغير فهي عند الجمهور إما متواتر أو آحاد .
(1/2)
________________________________________
فالمتواتر لغة : المتتابع ، واصطلاحاً : ما نقله جماعة كثيرون ، يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب ، وأسندوه إلى شيء محسوس .
وهو يفيد العلم ، وهو القطع بصحة نسبته إلى من نُقل عنه ، والعمل بما دلَّ عليه بتصديقه إن كان خبراً ، وتطبيقه إن كان طلباً .
والآحاد لغة : جمع ( أحد ) بمعنى واحد .
واصطلاحاً : ما سوى التواتر .
وحديث الآحاد حجة مطلقاً في العقائد والأحكام ، لأنها تفيد الظن الراجح بصحة نسبتها إلى رسول الله ج إذا تحققت فيها شروط الصحيح ، أو مادون ذلك وهو الحديث الحسن ، وقد تفيد العلم القاطع إذا احتفت بها قرائن أو تلقتها الأمة بالقبول ، وهذا يعرفه أهل الحديث خاصة ، وغيرهم تبع لهم .
وأما أفعاله ج فالأصل هو التأسي به ج ، ولا يحكم على الفعل بالخصوصية إلا بدليل ، ثم ما فعله على وجه العبادة فالصحيح أن حكمه الاستحباب ، وما فعله بياناً لمجمل فهو تشريع لأمته ، منه ما هو واجب ، ومنه ما هو مندوب .
وما فعله بمقتضى العادة فلا حكم له في ذاته ، وليس من التشريع ، إلا إذا كان له صفة مطلوبة .
وأما ما لا يظهر فيه وجه القربة فهو محتمل للعادة أو العبادة ، وأقل أحواله الإباحة .
ويقابل الأفعال التروك ، وهي ثلاثة أنواع :
1 - أن يترك الفعل لعدم وجود المقتضي له ، فلا يكون سنة .
2 - أن يترك الفعل مع وجود المقتضي له ، بسببِ مانعٍ ، فهذا لا يكون سنة ، لكن إذا زال المانع كان فعل ما تركه مشروعاً غير مخالف لسنته .
3 - أن يترك الفعل مع وجود المقتضي له وعدم المانع ، فيكون تركه سنة .
وهذا النوع من السنة أصل عظيم ، وقاعدة جليلة به تُحفظ أحكام الشريعة ، و يُوصد باب الابتداع في الدين .
وإذا تعارض قوله ج مع فعله ، فإما أن يكون الفعل مخصصاً للقول ، أو محمولاً على بيان الجواز ، أو أنه ناسخ للقول ، أو غير ذلك مما تتم معرفته باستقراء مواضع التعارض والنظر في الأدلة والقرائن التي يستفاد منها في تحديد المراد .
(1/3)
________________________________________
وأما تقريره ج فهو ترك الإنكار على قول أو فعل ، أو رضاه عنه ، أو استبشاره به ، أو استحسانه له ، وهو دليل على الجواز على الوجه الذي أقره ، وشرط ذلك أن يعلم بوقوع الفعل أو القول كأن يقع في حضرته ، أو في غيبته ويبلغه أو نحو ذلك ، فإن لم يعلم فهو حجة لإقرار الله عليه .
ومنزلة السنة في المرتبة الثانية بعد القرآن ، وأما في الاحتجاج ووجوب الاتباع فهما سواء ، والسنة كالقرآن قد تكون دلالتها على الأحكام قطعية ، وقد تكون ظنية .
والأحكام الواردة في السنة ثلاثة أنواع :
1 - أحكام موافقة لأحكام القرآن ومؤكدة لها .
2 - أحكام مبينة لأحكام القرآن إما في بيان مجمل ، أو تخصيص عام ، أو تقييد مطلق .
3 - أحكام مبتدأة سكت عنها القرآن ، وجاءت بها السنة .
3 - الإجماع
وهو اتفاق المجتهدين بعد وفاته ج في عصر من العصور على حكم شرعي .
وينقسم باعتبار ذاته إلى : قولي وسكوتي ، فالقولي أن يُبديَ كل واحد من المجتهدين رأيه في المسألة ، وهذا إن وجد فهو حجة قاطعة بلا نزاع .
وأما السكوتي فهو أن يقول بعض المجتهدين قولاً ويسكت الباقون ، وهذا ليس بحجة على الراجح .
والإجماع باعتبار قوته وضعفه ينقسم إلى : قطعي ، وهو ما يعلم وقوعه من الأمة بالضرورة ، وهذا حجة قاطعة ، لا يحل لأحد مخالفته .
وإلى ظني : وهو ما يُعلم بالتتبع والاستقراء ، وهو غير ممكن إلا في عصر الصحابة رضي الله عنهم ، وبعدهم متعذر غالباً لكثرة الاختلاف وانتشار الأمة .
والإجماع ليس دليلاً مستقلاً إذ لا يوجد مسألة مجمع عليها إلا وفيها دليل شرعي يعلمه ولو بعض المجتهدين .
4 - القياس
وهو إلحاق فرع بأصل لعلة جامعة بينهما .
وهو مسلك اجتهادي قائم على نصوص الكتاب والسنة ، ولا يُعدل إليه إلا إذا فُقِدَ النص ، ولا اعتبار بقياس يصادم النص أو الإجماع .
(1/4)
________________________________________
وكيفية القياس أن ينص الشارع على حكم في مسألة لها وصف منصوص عليه ، أو مستنبط ، ثم يُوجد ذلك الوصف في مسألة أخرى لم يَنُصَّ الشارع على عينها ، ولكنها تساوي المنصوص عليها ، فيجب إلحاقها بها في حكمها ، لأن الشارع الحكيم لا يفرق بين المتماثلات في أوصافها ، ولا يجمع بين المختلفات .
وأركان القياس أربعة :
1 - أصل : ويسمى المقيس عليه ، وهو ما ورد النص بحكمه .
2 - حكم الأصل : وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في الأصل ، ويراد تعديته إلى الفرع .
3 - الفرع : ويسمى المقيس ، وهو ما لم يرد نص بحكمه .
4 - العلة : وهي المعنى المشترك بين الأصل والفرع ، الذي بني عليه الحكم الشرعي ، وهي أهم أركان القياس .
وللقياس شروط ، فحكم الأصل له شرطان :
1 - أن يكون ثابتاً بنص أو إجماع .
2 - أن يكون معقول المعنى ؛ ليُعَدَّى حكم الأصل إلى الفرع .
والفرع له شرطان :
1 - أن تكون العلة مقطوعاً بوجودها فيه كوجودها في الأصل ، وهذا هو قياس الأولى والمساواة ، أو يغلب على الظن وجودها .
2 - ألا يكون حكم الفرع منصوصاً عليه بنص يخالف حكم الأصل ، فإن كان موافقاً له جاز من باب تكثير الأدلة .
والعلة لها أربعة شروط :
1 - أن تكون وصفاً ظاهراً منضبطاً .
2 - أن تكون وصفاً مناسباً لترتيب الحكم عليه ، يعلم من قواعد الشرع اعتباره ، فإن كان طردياً لا مناسبة فيه لم يصح التعليل به .
3 - أن تكون وصفاً متعدياً ، فإن كان قاصراً على حكم الأصل امتنع القياس بها ، لعدم تعديها إلى الفرع .
4 - أن تكون العلة ثابتة بمسلك من مسالك الإثبات ، وهي ثلاثة :
1 - النقل ، وهو النص والإيماء ، 2 - الإجماع ، 3 - الاستنباط بواسطة السبر والتقسيم .
وأما الأدلة المختلف فيها فهي :
1 - مذهب الصحابي :
وهو من اجتمع بالنبي ج مؤمناً ومات على ذلك .
والمراد بمذهبه : قوله ورأيه فيما لا نص فيه من الكتاب أو السنة ، ويدخل في ذلك الفعل والتقرير ، وله ثلاثة أوجه :
(1/5)
________________________________________
الوجه الأول : إذا اشتهر ولم ينكر ، فهذا حجة عند الجمهور ، وعده بعضهم إجماعاً سكوتياً ، وتقدم ضعفه .
الوجه الثاني : إذا لم يشتهر ولم يخالفه غيره ، وهذا هو محل النزاع ، والأظهر - والله أعلم- أنه يؤخذ به حيث لا دليل من كتاب أو سنة أو إجماع أو غيرها مما يعتبر ، لأن الأخذ بما أدى إليه اجتهاد الصحابة أولى من اجتهاد من جاء من بعدهم ، لكنه ليس حجة ملزمة كنصوص الكتاب والسنة .
وأقوى مذهب الصحابي ش : قول الخلفاء الأربعة ، ثم من اشتهر من الصحابة بالفقه والفتيا .
الوجه الثالث : إذا خالفه غيره من الصحابة ، وهذا ليس بحجة عند جميع الفقهاء ، فإن وجد مرجح لقوله أو قول غيره كان العمل بالدليل لا بقول الصحابي .
ويستثنى من ذلك تفسيرهم للنصوص من الكتاب والسنة ، فهو حجة ، ومقدم على تفسير من بعدهم ، لأنهم أهل اللسان ، وقد شهدوا التنزيل ، فلهم من الفهم التام ، ومعرفة مراد الشارع ما ليس لغيرهم .
2 - الاستصحاب :
وهو لغة : طلب الصحبة واستمرارها .
واصطلاحاً : استدامة إثبات ما كان ثابتاً أو نفي ما كان منفياً .
وهو ثلاثة أنواع كلها حجة :
1 - استصحاب البراءة الأصلية حتى يرد ما ينقل عنها ، وهذا هو المراد عند إطلاق لفظ: الاستصحاب .
2 - استصحاب الدليل الشرعي حتى يرد الناقل .
3 - استصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي حتى يثبت خلافه .
والاستصحاب بأنواعه الثلاثة لا يثبت حكماً جديداً ، وإنما يدل على استمرار الحكم السابق الثابت بدليله المعتبر ، وعليه فليس دليلاً مستقلاً تستفاد منه الأحكام ، لكنه طريق من طرق إعمال الأدلة ، ولا يفزع إليه إلا عند فقد الدليل الخاص في حكم المسألة ، فهو آخر مدار الفتوى ، وذلك بأن يستفرغ المجتهد وسعه في البحث عن الدليل فلا يجده ، فيرجع إلى الاستصحاب . وأما استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع فليس بحجة على الصحيح .
وقد قام على الاستصحاب جملة من القواعد الفقهية ، ومنها :
(1/6)
________________________________________
1 -
تأليف
عبد الله بن صالح الفوزان
عضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعودا لإسلامية
تمهيد في تعريف أصول الفقه وذكر مبادئه
تعريفه :
أصول الفقه له تعريفان :
الأول : باعتبار مفرديه .
فالأصول جمع أصل ، وهو لغة : ما يستند وجود الشيء إليه .
واصطلاحاً : يطلق عدة اطلاقات ، ومنها الدليل ، وهو المراد هنا ، فأصول الفقه : أدلته .
والفقه لغة : الفهم.
واصطلاحاً : معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية .
والتعريف الثاني : باعتباره علماً على هذا الفن ، فهو : أدلة الفقه الإجمالية ، وكيفية الاستفادة منها ، وحال المستفيد .
وثمرته : هي القدرة على استنباط الأحكام الشرعية على أسس سليمة ، ومعرفة أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ، لقدرتها على إيجاد الأحكام لما يستجد من حوادث على مَرِّ العصور .
ونسبته إلى غيره : وهي مرتبته من العلوم الأخرى أنه من العلوم الشرعية ، وهو للفقه ، كعلوم الحديث للحديث ، وأصول النحو للنحو .
وفضله : ما ورد في الحث على التفقه في دين الله تعالى ، وهذا متوقف على أصول الفقه ، فيثبت له ما ثبت للفقه من الفضل ، لأنه وسيلة إليه .
وواضعه : هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - وذلك بتأليف كتاب ( الرسالة ) وهو أول كتاب في الأصول .
واستمداده : أي مصادره التي بنيت عليها قواعده :
1 - استقراء النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة .
2 - الآثار المروية عن الصحابة والتابعين .
3 - اللغة العربية .
4 - إجماع السلف الصالح .
5 - اجتهاد أهل العلم واستنباطاتهم وفق الضوابط الشرعية .
وحكمه : فرض كفاية ، إلا لمن أراد الاجتهاد فهو فرض عين في حقه .
ومسائله : وهي مباحثه التي يستفيد منها المجتهد في استنباط الأحكام الشرعية .
وشرفه : وهو علم شريف لشرف موضوعه ، وهو العلم بأحكام الله تعالى المتضمنة للفوز بسعادة الدارين .
الباب الأول : في أدلة الأحكام الشرعية
(1/1)
________________________________________
الأدلة جمع دليل ، وهو في اللغة : ما أرشد إلى المطلوب
وفي الاصطلاح : ما يستفاد منه حكم شرعي علمي على سبيل القطع أو الظن .
والأدلة هي : الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، وهذه أدلة متفق عليها بين جمهور المسلمين ، وأما الاستصحاب ، ومذهب الصحابي ، وشرع من قبلنا ، والمصالح المرسلة ، والعرف ، وسَدُّ الذرائع فأدلة مختلف فيها ، وهي عند القائلين بها دلائل على حكم الله تعالى .
والأدلة كلها ترجع إلى الكتاب فهو الأصل ، والسنة مخبرة عن حكم الله تعالى ، ومبينة للقرآن ، والإجماع والقياس مستندان إليهما ، وسائر الأدلة لا ينظر إليها ما لم تستند إلى الكتاب والسنة .
1 - الكتاب
وهو كلام الله تعالى ، المنزل على رسوله محمد ج ، المبدوء بسورة الفاتحة ، المختوم بسورة الناس .
ومن خصائصه :
1 - أنه كلام الله تعالى ، وهو اللفظ والمعنى جميعاً .
2 - أنه نزل بلسان عربي مبين .
3 - أنه متعبد بتلاوته في الصلاة وغيرها .
4 - أنه مكتوب في المصاحف .
5 - أنه محفوظ في الصدور .
6 - أنه محفوظ من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان .
وهو قطعي الثبوت ، لأنه منقول بالتواتر ، أما القراءة غير المتواترة فلا تسمى قرآناً ، وأما دلالته على الأحكام فقد تكون قطعية ، وقد تكون ظنية ، وهو الأكثر .
وقد اشتمل القرآن على كل ما يحتاجه الناس ، وهو ثلاثة أنواع :
1 - أحكام اعتقادية .
2 - أحكام أخلاقية سلوكية .
3 - أحكام عملية ، وهي المتعلقة بأفعال المكلفين ، وهي نوعان :
1 - عبادات . 2 - معاملات ، وتسميتها بذلك مجرد اصطلاح .
2 - السنة
وهي أقوال النبي ج وأفعاله وتقريراته .
أما أقواله فإما قول صريح وهو المرفوع حقيقة ، وإما فيه معنى القول كقول الصحابي : أمر رسول الله ج بكذا أو نهى عن كذا .
وهي حجة قاطعة على من سمعها ، فإن كانت منقولة إلى الغير فهي عند الجمهور إما متواتر أو آحاد .
(1/2)
________________________________________
فالمتواتر لغة : المتتابع ، واصطلاحاً : ما نقله جماعة كثيرون ، يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب ، وأسندوه إلى شيء محسوس .
وهو يفيد العلم ، وهو القطع بصحة نسبته إلى من نُقل عنه ، والعمل بما دلَّ عليه بتصديقه إن كان خبراً ، وتطبيقه إن كان طلباً .
والآحاد لغة : جمع ( أحد ) بمعنى واحد .
واصطلاحاً : ما سوى التواتر .
وحديث الآحاد حجة مطلقاً في العقائد والأحكام ، لأنها تفيد الظن الراجح بصحة نسبتها إلى رسول الله ج إذا تحققت فيها شروط الصحيح ، أو مادون ذلك وهو الحديث الحسن ، وقد تفيد العلم القاطع إذا احتفت بها قرائن أو تلقتها الأمة بالقبول ، وهذا يعرفه أهل الحديث خاصة ، وغيرهم تبع لهم .
وأما أفعاله ج فالأصل هو التأسي به ج ، ولا يحكم على الفعل بالخصوصية إلا بدليل ، ثم ما فعله على وجه العبادة فالصحيح أن حكمه الاستحباب ، وما فعله بياناً لمجمل فهو تشريع لأمته ، منه ما هو واجب ، ومنه ما هو مندوب .
وما فعله بمقتضى العادة فلا حكم له في ذاته ، وليس من التشريع ، إلا إذا كان له صفة مطلوبة .
وأما ما لا يظهر فيه وجه القربة فهو محتمل للعادة أو العبادة ، وأقل أحواله الإباحة .
ويقابل الأفعال التروك ، وهي ثلاثة أنواع :
1 - أن يترك الفعل لعدم وجود المقتضي له ، فلا يكون سنة .
2 - أن يترك الفعل مع وجود المقتضي له ، بسببِ مانعٍ ، فهذا لا يكون سنة ، لكن إذا زال المانع كان فعل ما تركه مشروعاً غير مخالف لسنته .
3 - أن يترك الفعل مع وجود المقتضي له وعدم المانع ، فيكون تركه سنة .
وهذا النوع من السنة أصل عظيم ، وقاعدة جليلة به تُحفظ أحكام الشريعة ، و يُوصد باب الابتداع في الدين .
وإذا تعارض قوله ج مع فعله ، فإما أن يكون الفعل مخصصاً للقول ، أو محمولاً على بيان الجواز ، أو أنه ناسخ للقول ، أو غير ذلك مما تتم معرفته باستقراء مواضع التعارض والنظر في الأدلة والقرائن التي يستفاد منها في تحديد المراد .
(1/3)
________________________________________
وأما تقريره ج فهو ترك الإنكار على قول أو فعل ، أو رضاه عنه ، أو استبشاره به ، أو استحسانه له ، وهو دليل على الجواز على الوجه الذي أقره ، وشرط ذلك أن يعلم بوقوع الفعل أو القول كأن يقع في حضرته ، أو في غيبته ويبلغه أو نحو ذلك ، فإن لم يعلم فهو حجة لإقرار الله عليه .
ومنزلة السنة في المرتبة الثانية بعد القرآن ، وأما في الاحتجاج ووجوب الاتباع فهما سواء ، والسنة كالقرآن قد تكون دلالتها على الأحكام قطعية ، وقد تكون ظنية .
والأحكام الواردة في السنة ثلاثة أنواع :
1 - أحكام موافقة لأحكام القرآن ومؤكدة لها .
2 - أحكام مبينة لأحكام القرآن إما في بيان مجمل ، أو تخصيص عام ، أو تقييد مطلق .
3 - أحكام مبتدأة سكت عنها القرآن ، وجاءت بها السنة .
3 - الإجماع
وهو اتفاق المجتهدين بعد وفاته ج في عصر من العصور على حكم شرعي .
وينقسم باعتبار ذاته إلى : قولي وسكوتي ، فالقولي أن يُبديَ كل واحد من المجتهدين رأيه في المسألة ، وهذا إن وجد فهو حجة قاطعة بلا نزاع .
وأما السكوتي فهو أن يقول بعض المجتهدين قولاً ويسكت الباقون ، وهذا ليس بحجة على الراجح .
والإجماع باعتبار قوته وضعفه ينقسم إلى : قطعي ، وهو ما يعلم وقوعه من الأمة بالضرورة ، وهذا حجة قاطعة ، لا يحل لأحد مخالفته .
وإلى ظني : وهو ما يُعلم بالتتبع والاستقراء ، وهو غير ممكن إلا في عصر الصحابة رضي الله عنهم ، وبعدهم متعذر غالباً لكثرة الاختلاف وانتشار الأمة .
والإجماع ليس دليلاً مستقلاً إذ لا يوجد مسألة مجمع عليها إلا وفيها دليل شرعي يعلمه ولو بعض المجتهدين .
4 - القياس
وهو إلحاق فرع بأصل لعلة جامعة بينهما .
وهو مسلك اجتهادي قائم على نصوص الكتاب والسنة ، ولا يُعدل إليه إلا إذا فُقِدَ النص ، ولا اعتبار بقياس يصادم النص أو الإجماع .
(1/4)
________________________________________
وكيفية القياس أن ينص الشارع على حكم في مسألة لها وصف منصوص عليه ، أو مستنبط ، ثم يُوجد ذلك الوصف في مسألة أخرى لم يَنُصَّ الشارع على عينها ، ولكنها تساوي المنصوص عليها ، فيجب إلحاقها بها في حكمها ، لأن الشارع الحكيم لا يفرق بين المتماثلات في أوصافها ، ولا يجمع بين المختلفات .
وأركان القياس أربعة :
1 - أصل : ويسمى المقيس عليه ، وهو ما ورد النص بحكمه .
2 - حكم الأصل : وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في الأصل ، ويراد تعديته إلى الفرع .
3 - الفرع : ويسمى المقيس ، وهو ما لم يرد نص بحكمه .
4 - العلة : وهي المعنى المشترك بين الأصل والفرع ، الذي بني عليه الحكم الشرعي ، وهي أهم أركان القياس .
وللقياس شروط ، فحكم الأصل له شرطان :
1 - أن يكون ثابتاً بنص أو إجماع .
2 - أن يكون معقول المعنى ؛ ليُعَدَّى حكم الأصل إلى الفرع .
والفرع له شرطان :
1 - أن تكون العلة مقطوعاً بوجودها فيه كوجودها في الأصل ، وهذا هو قياس الأولى والمساواة ، أو يغلب على الظن وجودها .
2 - ألا يكون حكم الفرع منصوصاً عليه بنص يخالف حكم الأصل ، فإن كان موافقاً له جاز من باب تكثير الأدلة .
والعلة لها أربعة شروط :
1 - أن تكون وصفاً ظاهراً منضبطاً .
2 - أن تكون وصفاً مناسباً لترتيب الحكم عليه ، يعلم من قواعد الشرع اعتباره ، فإن كان طردياً لا مناسبة فيه لم يصح التعليل به .
3 - أن تكون وصفاً متعدياً ، فإن كان قاصراً على حكم الأصل امتنع القياس بها ، لعدم تعديها إلى الفرع .
4 - أن تكون العلة ثابتة بمسلك من مسالك الإثبات ، وهي ثلاثة :
1 - النقل ، وهو النص والإيماء ، 2 - الإجماع ، 3 - الاستنباط بواسطة السبر والتقسيم .
وأما الأدلة المختلف فيها فهي :
1 - مذهب الصحابي :
وهو من اجتمع بالنبي ج مؤمناً ومات على ذلك .
والمراد بمذهبه : قوله ورأيه فيما لا نص فيه من الكتاب أو السنة ، ويدخل في ذلك الفعل والتقرير ، وله ثلاثة أوجه :
(1/5)
________________________________________
الوجه الأول : إذا اشتهر ولم ينكر ، فهذا حجة عند الجمهور ، وعده بعضهم إجماعاً سكوتياً ، وتقدم ضعفه .
الوجه الثاني : إذا لم يشتهر ولم يخالفه غيره ، وهذا هو محل النزاع ، والأظهر - والله أعلم- أنه يؤخذ به حيث لا دليل من كتاب أو سنة أو إجماع أو غيرها مما يعتبر ، لأن الأخذ بما أدى إليه اجتهاد الصحابة أولى من اجتهاد من جاء من بعدهم ، لكنه ليس حجة ملزمة كنصوص الكتاب والسنة .
وأقوى مذهب الصحابي ش : قول الخلفاء الأربعة ، ثم من اشتهر من الصحابة بالفقه والفتيا .
الوجه الثالث : إذا خالفه غيره من الصحابة ، وهذا ليس بحجة عند جميع الفقهاء ، فإن وجد مرجح لقوله أو قول غيره كان العمل بالدليل لا بقول الصحابي .
ويستثنى من ذلك تفسيرهم للنصوص من الكتاب والسنة ، فهو حجة ، ومقدم على تفسير من بعدهم ، لأنهم أهل اللسان ، وقد شهدوا التنزيل ، فلهم من الفهم التام ، ومعرفة مراد الشارع ما ليس لغيرهم .
2 - الاستصحاب :
وهو لغة : طلب الصحبة واستمرارها .
واصطلاحاً : استدامة إثبات ما كان ثابتاً أو نفي ما كان منفياً .
وهو ثلاثة أنواع كلها حجة :
1 - استصحاب البراءة الأصلية حتى يرد ما ينقل عنها ، وهذا هو المراد عند إطلاق لفظ: الاستصحاب .
2 - استصحاب الدليل الشرعي حتى يرد الناقل .
3 - استصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي حتى يثبت خلافه .
والاستصحاب بأنواعه الثلاثة لا يثبت حكماً جديداً ، وإنما يدل على استمرار الحكم السابق الثابت بدليله المعتبر ، وعليه فليس دليلاً مستقلاً تستفاد منه الأحكام ، لكنه طريق من طرق إعمال الأدلة ، ولا يفزع إليه إلا عند فقد الدليل الخاص في حكم المسألة ، فهو آخر مدار الفتوى ، وذلك بأن يستفرغ المجتهد وسعه في البحث عن الدليل فلا يجده ، فيرجع إلى الاستصحاب . وأما استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع فليس بحجة على الصحيح .
وقد قام على الاستصحاب جملة من القواعد الفقهية ، ومنها :
(1/6)
________________________________________
1 -