ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    ما وراء أخلاق نيتشه

    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    ما وراء أخلاق نيتشه Empty ما وراء أخلاق نيتشه

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) السبت سبتمبر 20, 2008 8:41 am

    ما وراء أخلاق نيتشه
    يقول نيتشه في كتاب "ما وراء الخير و الشر" أن الانسان مرَّ بمرحلتين في طريقه لإدراك حقيقة الأخلاق. فالمرحلة الأولى كانت ما قبل الأخلاق، إذ كان معنياً بما يترتبُ على الأعمال من نتائج. المرحلة الثانية كانت مرحلة الأخلاق، إذ صار يتدبر في النوايا و البواعث ( كانط كمثال ). المرحلة الثالثة يجب أن تنظر إلى ما وراء الخير و الشر، و أن تفهم أن أعمالنا تنبعث من اللاوعي، و أن تفهم مصدر الأخلاق و تتصرف حسب إرادة القوة.

    تحدثَ نيتشه بشكلٍ أوضح و أكثر منهجية عن فلسفته الأخلاقية في كتابهَ "شجرة أنساب الأخلاق"، و لقد قسّم كتابه ذاك إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول يعالج مفهومي الخير و الشر، و يفحص نشأة الأخلاق ككل. يعتقد نيتشه أنه ليس هناك خيراً مطلقاً و شراً مطلقاً، و إنما المسالة نسبية و تعتمد على وجهة انطلاقها. و لكي يقضي على الأخلاق المعروفة، قام بتتبع نشأتها حسب أصول علم الألسنة الذي تخصص فيه. يعتقد نيتشه أن الأخلاق يجب أن ترتبط بإرادة القوة، الحقيقة الوحيدة على وجه الأرض. كل الكائنات الحية تتصرف تبعاً لهذا المنطلق، و ما التكيف الطبيعي الذي تحدث عنه داروين سوى صورة ضعيفة لإرادة القوة. لقد نشأت الأخلاق متماشيةً مع إرادة القوة، فأصبحت قيم النبلاء ( الأقوياء ) التي تنادي بالقوة و السيادة هي الخير، و ما عداها شر. و لذلك و كردة فعل عاجزة، قام الضعفاء و الرعاع بالترويج لأخلاقياتهم ( التسامح، الحب، الشفة، الإيثار ) على أنها خير، و ما عداها شر. لقد كان باعثهم في ذلك هو الحقد، و الحقد مستهجن عند نيتشه لأنه حقد عاجز ضعيف لا يملك أن يغيّر و يتصرف حسب إرادة القوة. إن الأخلاق اليهودية و المسيحية هي أخلاق الضعفاء التي جاءت كردة فعلٍ على أخلاق النبلاء الوثنيين و الرومانيين. و لذلك و لأن نشأة أخلاق الرعاع - التي تحوت خيراً فيما بعد- ذات أصل وضيع، يشكك نيتشه في جدوى الأخلاق و يطعن فيها.

    القسم الثاني يتعاطى مع ظاهرة "تأنيب الضمير". نيتشه يهاجم هذه العاطفة، و يعدّها من أخلاق الضعفاء. إن إرادة القوة و ممارستها على الضعفاء تورث صاحبها سعادةً ظاهرة، و لذلك إذا وجد الشخص نفسه أمام عقبةً تحد من ممارسته لإرادة القوة، ترتدُ هذه الإرادة إليه داخلياً، ليشعر بها كتأنيب ضمير. تأنيب الضمير هو أحد الأشكال العاجزة عن ممارسة إرادة القوة، و لذلك يهاجمه نيتشه، و يهاجم المسيحية و الأديان التي تضعه ضمن منظومتها الأخلاقية.

    القسم الثالث يتعاطى مع ظاهرة الزهد. يعتقد نيتشه أنَّ الزهد هو أكثر الظواهر تناقضاً مع الحياة، و لو أن مخلوقاتٍ نظرت إلى كوكبنا من بعيد لتعجبت من هؤلاء الأشخاص الذين يحرمون أنفسهم ذاتياً من السعادة. الزهد هو إرادة قوة موجهة ذاتياً لتدمير نفسها، و ليس هناك ما هو أكثر تناقضاً مع الحياة من ذلك. الزهد يمثّل أشد درجات العجز عن ممارسة إرادة القوة، إذ أن الزاهد عندما وجد نفسه عاجزاً عن ممارسة هذه الإرادة في مجتمعه، قام بتوجيهها ذاتياً كي يدمرَ نفسَه.

    و الآن.. ما الذي أعيبه على فلسفة نيتشه الأخلاقية؟

    لقد قام نيتشه بمهاجمة الأخلاق و الغائها بواسطة تتبع أصلها التاريخي و السيكولوجي، و لم يقم بفحصها من منطق براغماتي يهتم بأدائها الحالي أكثر من اهتمامه بأصلها التاريخي. إن مَثلَ نيتشه في منهجه هذا كمثلِ من يطالب بطردِ إداريٍ ناجح لأنه ابن زنا!

    و لكن.. و رغم أهمية هذه النقطة، إلا أن أكثر ما أنتقده على نيتشه هو ربطه الأخلاق بالقوة. ليس هناك مفهومان أكثر تناقضاً و اختلافاً في طبيعتهما من هذين الإثنين، و هذا ما سأبينه.

    إن أهم خصائص الأخلاق هو قابليتها للتعميم، و لهذا نجد أن كانط يطالب بتعميم الباعث الأخلاقي و جعله باعثاً كونياً، كي يقوم العقل بفحصهِ و الحكم على مدى تماشيه مع الحياة. لا يمكن عقلياً أن نجعل من إرادة القوة باعثاً كونياً لكل البشر، إذ أنَّ مثل هذا الافتراض سيؤدي إلى تصادم هذه القوى و اتلاف بعضها البعض، مما يتناقض مع معنى الحياة. كما أن طبيعة القوة لا تتماشى مع التعميم، إذ أنها لا تُكتسبُ إلا بانعدامها من طرفٍ آخر.

    إذا كانت إرادة القوة غير قابلة للتعميم لتصبحَ باعثاً أخلاقياً كونياً، فلماذا ينظّرُ لها نيتشه إذن؟ هل هو لا ينظّر إلا لنفسِه و لأشخاصٍ معينيين، للصفوة، أولئك الذين يستطيعون الاستعلاء على أخلاق الرعاع، و العيش بانسجام مع إرادة القوة، ليتحولوا إلى الانسان الأعلى، السوبرمان، سيد الأرض!

    إن فلسفة نيتشه و كتاباته تتماشى مع هذا الاتجاه، ولكن إن كان هذا صحيحاً، فهو يظهرُ قصوراً واضحاً في فهم طبيعة القوة. إن القوة هي أكثر مظاهر الحياة تحركاً و ديناميكية، و لذلك أتعجبُ كيف تجرأ نيتشه أن يربط الأخلاق التي يفترضُ بها الثبات بأكثر مظاهر الحياة اضطراباً و انتقالاً. لا يمكن لفلسفةٍ أخلاقية مثل هذه - تنظرُ لأقليةٍ قوية تمارس إرادة القوة بحريةٍ مطلقة- أن تتحققَ على أرض الواقع، و السبب يرجع لطبيعة القوة. فمن خصائص القوة، أنها مرتبطة بالكسب و الفقد، و هي بذلك لا يمكن أن تُمارس دون أن تُولد أعداءاً حولَها. و من خصائص القوة الأكثر أهمية ارتباطها الوثيق بالعدد. العدد قوة، بل هو أكثر أشكال القوة سَحقاً. لقد أرانا التاريخ كيف أن أباطرةً سُحقوا بسبب غفلتهم عن هذه الحقيقة البسيطة: قوة العدد. إن عدد الرعاع المُعدمين هو الذي سحق الباستيل و وضع رمز الملكية الفرنسية تحتَ المقصلة. لا يمكن أن تُمارس إرادة القوة دونَ أن تخلقَ أعداءاً، تزداد قوتهم شيئاً فشيئاً بسبب تزايدِ قوة العدد.

    لستُ أنقمُ من فلسفةِ نيتشه إلا أنها شغلت العالم و المفكرين عن تطوير مشروع كانط الأخلاقي الطموح، و الذي يسعى إلى صياغةِ قوانين تعالج البواعث الأخلاقية بطريقةٍ عقلية. إن فلسفة كانط الأخلاقية حسب رأيي أكثر إدراكاً لمفهوم القوة، و خصوصاً أنها مبنيةٌ على مسلماتٍ عقلية أولية. يجدرُ بالأقوياء أن يتبنوا فلسفةً أخلاقية تحميهم و تساويهم بالجميع عندما تزول سلطتهم، فتصرف مثل هذا أجدهُ أكثرَ نضوجاً و أعمق فهماً لطبيعة القوة من فلسفة نيتشه.
    منقووووووووول.


    حـــــــــسين الـــــــخزاعـي (الـفـــوهــرر) - الــعراق

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 1:32 am