هل خطر في بالك يوماً أن تسأل نفسك: كم عدد صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ كثيرون منا لا تتجاوز معرفتهم اعدادا قليلة منهم وخاصة من الذين ترددت أسماؤهم كثيرا في كتب السيرة أو ممن رووا الأحاديث عن النبي الكريم.
ولقد ظل سؤالي الذي طرحته يؤرقني حتى وقعت يداي على كتيب صغير صدر في أول شهر يناير عام 1967 ضمن سلسلة المكتبة الثقافية في مصر لمؤلفه العالم الاسلامي الجليل الدكتور عبدالحليم محمود الذي اختار له عنوانا هو «السنة في مكانتها وتاريخها»، وكذلك كتاب «رجال الفكر والدعوة» للعالم الاسلامي الكبير أبو الحسن الندوي، وكتاب «الرسالة المحمدية» لمؤلفه العالم الجليل الندوي كبير علماء مسلمي القارة الهندية في العصر الحديث.
ولكتاب الشيخ عبدالحليم محمود قصة، فقد كان حسن عباس زكي وزير الاقتصاد المصري آنذاك متحمسا لنشر السنة النبوية الشريفة فدعا الى انشاء ما سمي آنذاك باسم «دار الحديث»، واستجابت له طائفة من العاملين في المجال الديني وحظيت الفكرة بدعم الحكومة المصرية آنذاك وعدد من وزرائها من بينهم نائب رئيس الوزراء للثقافة والارشاد، ونائب رئيس الوزراء للأوقاف، وكان ذلك الكتيب الصغير احدى ثمرات تلك الدار.
ويوضح لنا المؤلف في مقدمته ان دار الحديث تلك تكونت من أجل: الفن في السنة، أي بلاغتها وجمالها، ومن أجل الاخلاق في السنة، والتشريع وبيان التشريع، وتكونت حبا في صاحب السنة صلوات الله وسلامه عليه الذي رسم بسلوكه وبقوله اسمى ما يمكن أن تصل الانسانية اليه في مختلف عصورها.
ولقد أحب الله للانسانية مثالا أخلاقيا كريما رسمه سبحانه في القرآن الكريم قولا فكان الرسول عليه الصلاة والسلام الصورة التطبيقية الكاملة للرسم الالهي وكان بذلك الانسان الكامل، فهو المثل الأعلى في الرحمة، والمثل الأعلى في الكفاح، والمثل الأعلى في الصبر، والمجاهد المتفائل، والمثل الأعلى في الصدق والاخلاص والوفاء والبر والكرم.
ولا ريب في أن الأمة الاسلامية حينما تقتدي برسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنما هي تقتدي بأعظم البشر رجولة وانسانية، و تقتدي بمن أحب الله سبحانه أن تقتدي به الأمة: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا» صدق الله العظيم.
وأعود الى سؤالي الذي طرحته في البداية لنجد أن تلك الكتب أشارت الى أن عدد الصحابة رضي الله عنهم بلغ مئة ألف صحابي في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم عندما حج حجة الوداع، وأن من هؤلاء عشرة آلاف صحابي ذكرت أسماؤهم وأحوالهم في كتب التاريخ التي أُفردت لتدوين أحوالهم خاصة.
ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشرة من الهجرة النبوية، وبقي فريق من كبار الصحابة بعده الى سنة أربعين، وبقي بعد ذلك عدد غير قليل من الصحابة الذين كانوا أحداثا في حياة النبي، فلما انقرض ذلك الجيل لم يبق من الصحابة أحد وانطفأ سراج أُوقد بنور النبوة. ويسرد كتاب «السنة في مكانتها وتاريخها» أسماء آخر من مات من الصحابة والبلاد التي ماتوا فيها وسنوات وفاتهم وهم:
ابو أمامة، وقد توفي في الشام عام 86 للهجرة، وعبدالله بن الحارث وتوفي في مصر عام 86، وعبدالله بن أبي أوفى وتوفي في الكوفة عام 87، والسائب بن يزيد وتوفي في المدينة عام 91، وأنس بن مالك الذي توفي في البصرة عام 93 للهجرة.
ويعتبر أنس بن مالك رضي الله عنه آخر من بقي من الصحابة وقد ظل في خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات متتالية.
ويرى المفكر الاسلامي الجليل ابو الحسن الندوي ان ثروة من الاحاديث النبوية الشريفة تمت كتابتها وتدوينها بأقلام رواة في العصر الأول من الاسلام، وأن ما حفظ في الكتب والدفاتر كتابة وتحريرا في العصر النبوي وفي عصر الصحابة رضي الله عنهم قد يزيد على عشرة آلاف حديث اذا جمعت صحف ومجاميع أبي هريرة، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وانس بن مالك، وجابر بن عبدالله، وعلي، وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
ولذلك يؤكد الندوي أن ما ثبت من الأحاديث الصحاح قد كتب ودوّن في عصر النبوة وفي عصر الصحابة، قبل ان يدون في كتاب «الموطأ» لمالك بن أنس، وأول كتاب في السيرة النبوية وهو كتاب المغازي لابن اسحق، وهذا حديث قد يطول ولنا لقاء آخر بشأنه بمشية اللة