ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    الوحدة النفسية .. مفهومها أشكالها وأسبابها وعلاجها

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الوحدة النفسية .. مفهومها أشكالها وأسبابها وعلاجها Empty الوحدة النفسية .. مفهومها أشكالها وأسبابها وعلاجها

    مُساهمة من طرف أحمد الثلاثاء سبتمبر 15, 2015 11:41 pm

    الوحدة النفسية .. مفهومها أشكالها وأسبابها وعلاجها


    د. فضيلة عرفات
    19/08/2009
    قراءات: 85103
    يعاني الإنسان المعاصر في المجتمعات كافة من مشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية ومهنية عدة نتيجة للتطور التكنولوجي الهائل والسريع الذي يعجز الفرد من ملا حقته فضلا عن التغيرات التي لحقت بالقيم الإنسانية فضلا عن التحولات السريعة التي مرت بها العراق الجريح بسبب الحروب التي تعرض لها وما صاحبها من حصار اقتصادي دام سنين طويلة واحتلال منذ عام 2003 ولحد الآن وما رافق ذلك من عمليات تهجير وتدمير قتل ،مما أدى إلى أضرار نفسية كبيرة بالفرد العراقي ، ومن هذه المشكلات النفسية مشكلة الشعور بالوحدة النفسية،ان الشعور بالوحدة النفسية حالة ينفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية بسبب امتلاكه نظاماً اجتماعياً ، يتأثر به ويؤثر فيه ، وأي خلل قد يحدث في الأواصر التي تربط الإنسان بغيره من أبناء جنسه أو أي تغير يحدث في النظام الاجتماعي ، ينعكس على الفرد ، وينتج عنه اضطراب في الطابع الاجتماعي المكتسب لدى الأفراد ، ما يولد لديهم الشعور بالاغتراب أو الانعزال أو معاناة الوحدة النفسية وكما تترك آثارا على الفرد حيث من شأنها أن تؤثر على مجمل نشاطاته كما أنها تُعد نواة لمشكلات أخرى.

    كما يشير العالم رايز مان ( Riesman 1995 ): بان معظم الأفراد لا يستطيعون التعايش مع متطلبات التقدم التكنولوجي الهائل دون أن يتعرضوا إلى الكثير من صور الإحساس بالوحدة النفسية ، كما يعتبر الإحساس بالوحدة النفسية تعد نقطة البدء لكثير من المشكلات التي يعاني منها الإنسان المعاصر لأنها تأثيراتها تتبادل فيما بينها في حلقة دائرية إذ تؤثر الواحدة بالأخرى .

    وكما يرى الدكتور فيصل محمد خير: "الحياة الإنسانية في مجتمعاتنا المعاصرة تعقدت كثيرا ولم تعد بهذه البساطة التي كانت عليها في السابق, لقد تفاقمت صعوبات الحياة وتعددت مشاكل الإنسان وزادت الأعباء وأصبح من الصعب على الإنسان تحقيق معظم حاجاته وطموحاته أو أن يسلك في الحياة دون معاناة أو ألم، وهذه الظروف الحياتية الصعبة والمتلاحقة بما فيها الظروف المادية الصعبة والتغيرات السريعة التي طرأت على مجتمعاتنا العربية والتحديات التي تواجه هذه المجتمعات والحروب المتلاحقة والعدوان والدمار وغير ذلك زادت من معاناة الإنسان وصراعاته الفكرية والنفسية كما زادت من الضغوط النفسية ومن حالات الإحباط والقلق والحرمان والاكتئاب والشعور بالوحدة النفسية والاغتراب ........... وجعله ذلك يفقد توازنه العقلي والنفسي ويعرضه إلى العديد من الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية ويضعف قدرته على العمل والعطاء والإنجاز كما يؤثر سلبا على صحة الإنسان وبيئته ومجتمعه, وهذا الحال ينطبق على كل إنسان ذكرا أم أنثى صغيرا أو كبيرا

    كما أشارت نتائج بعض الدراسات إلى وجود ارتباط موجب بين إحساس الأبناء بالوحدة النفسية ومتغيرات اضطراب العلاقات الوالدية والتفكك الأسري والاتجاهات السلبية التي تتمثل في إثارة الألم النفسي والقسوة والتفرقة والإهمال والتذبذب في المعاملة

    كما أشار دراسة سموند Symond1939) ):إلى إن أبناء الآباء المسيطرين أكثر حساسية ويتسمون بالخجل والانعزال على أنفسهم ,وان الوحدة النفسية نقطة البداية لكثير من المشكلات التي يمكن أن يعاني ويشكو منها الفرد ، يتصدرها الشعور الذاتي بعدم السعادة والتشاؤم ، فضلاً على الإحساس القهري بالعجز ، نتيجة للانعزال الاجتماعي والانفعالي .

    كما أشار ( قشقوش ، 1983 ): إلى إن الإحساس بالوحدة النفسية يمثل واحدة من المشكلات الخطرة في حياة إنسان هذا العصر ، حيث تُعد هذه المشكلة نقطة البداية لكثير من المشكلات التي يعانيها ويعيشها ويشكو منها الإنسان . وتترك آثارها على الفرد حيث من شأنها أن تؤثر على مجمل نشاطاته كما أنها تُعد نواة لمشكلات أخرى .

    كما يرى (عبد الرحيم ، 2001 )إلى إن الشعور بالوحدة النفسية مشكلة معقدة الأبعاد تنتاب الأفراد بدرجات متفاوتة من الحدة ، ويجب دراستها عبر المجتمعات والثقافات المتنوعة للوقوف على حجم انتشارها وتوفير المعالجات الفعالة لها .

    وكما يشير (خضر والشناوي ، 1988):الشعور بالوحدة النفسية حالة يشعر بها الفرد بشيء ينقصه ، والمظهر الأساسي للوحدة هو الوحشة (A lonely) والشخص الذي يشعر بالوحدة يصل إلى الناس ولكنه لا يستطيع أن يتواصل معهم ومن ثمَّ لا يستطيع استبعاد عنصر الوحشة .

    وتنشأ الوحدة النفسية بسبب عدم رضا الفرد عن علاقاته الاجتماعية ، حيث يشير كوفيل وأكاماتسو (Cuffel & Akamatsu 1989) إلى أن أفضل أسلوب لتقييم الوحدة من خلال مستويات الرضى عن العلاقات الاجتماعية . فالوحدة ترتبط ارتباطاً عالياً بالرضا عن العلاقات الاجتماعية أكثر منها بأي مستوى مطلق من العلاقات الشخصية.

    وقد وصف جونز (Jones, 1980) مشاعر الوحيدين على لسانهم ، ومنها العجز ، وانعدام الأهمية ، والانفصال ، والتعاسة ، والرفض ، كما ذكر الوحيدون أن أحداً لا يقبلهم أو يحبهم أو يفهمهم وأنهم ضجرون) .

    وقد أظهرت بعض الدراسات منها دراسة مارتن (Martin, 1972) : إلى أن الوحدة النفسية مشكلة مؤلمة ومنتشرة بين الفئات العمرية جميعها ، إلاّ أنها تبلغ ذروتها في فترة المراهقة.

    وأشارت دراسة (الأشول 1982 ) أسباب الشعور بالوحدة النفسية تعزى إلى أسباب المعاملة الوالدية سواء كانت قسرية ، أو متساهلة ، أو التغيرات السريعة ، إلى خبرات الطفولة ، وعدم تفهم الكبار للمراهقين والعمل على حل مشكلاتهم .

    ويشير العالم ساندبرج (Sandburg, 1988) إلى إن الوحدة النفسية مشكلة حقيقية ودائمة بالنسبة إلى بعض من الأفراد وعندما يشعر الناس بالوحدة فإن هذا الشعور يشمل كل نواحي حياتهم لما يترتب عليها من تأثيرات سلبية على شخصية الفرد وتوافقه النفسي والاجتماعي .

    وتبرز أهمية دراسة الشعور بالوحدة النفسية ، لأنها تمثل خبرة غير سارة ، تدل على عدم وجود التوافق ، وبصحبها العديد من حالات صعوبة الاندماج الاجتماعي على الرغم من وجود الأفراد في الجماعة . وقد أكدت الكثير من الدراسات منها دراسة عبد الرحيم ، 2001أهمية دراستها وتحديد مدى انتشارها ، وذلك من أجل وضع المعالجات المناسبة لها . وقد أكد الساعاتي (1990) أن الاهتمام النظري والتجريبي الجاد بالوحدة النفسية بدأ عندما نشر ويز (Weiss, 1973) كتاب (الوحدة النفسية تجربة العزلة العاطفية والاجتماعية) . كما نشر راسل وآخرون (Russell, et, al. 1978) . أول مقياس صادق وثابت للوحدة النفسية.

    وقد وصف ((ابراهام ماسلو)) الشعور بالوحدة النفسية بأنه سلوك ينتج بسبب عدم إشباع حاجات الحب والاحترام والانتماء ، ومن شأنه أن يؤدي إلى صعوبة تحقيق الفرد لذاته .

    كما اتجه الباحثون إلى دراسة الوحدة النفسية باعتبارها نتاجا للعلاقات الانفعالية والاجتماعية غير المرضية فضلا عن اتسامها بخاصية الإشباع الى جانب ذلك وصف بعض الباحثين الوحدة النفسية بأنها حالة تترسب تدريجيا في نفسية الفرد نتيجة تعرضه لظروف ذات خاصية معينة .

    كما رأت روكاتش (2004 Rokach) : ان الوحدة النفسية حالة إنسانية حتمية يتعذر الهروب منها يعاني من آلمها بدون استثناء الغني والفقير الحكيم والجاهل المؤمن بالله والملحد السليم جسميا والعليل في هذا الكون

    كما ترى روكاتش ان Lonely)وِAlone ) مصطلحين مشتقان من نفس الكلمة الانكليزية All one) ) إلا إنهما ليسا مترادفين فمن الممكن أن يكون الإنسان وحيدا (Lonely )بدون أن ينفرد بنفسه Alone) ) ومن الممكن أيضا أن يكون الإنسان منفردا بنفسه ولا يشعر بالوحدة النفسية لان الانفراد بالنفسAloneness) ) والذي يعني البعد عن الآخرين والأهل والأصدقاء يختلف عن الوحدة النفسية Loneliness) ) الذي يعاني منها الفرد حتى ولو كان بين أهله وأصدقائه

    وكما أشارت نتائج دراسة (خضر والشناوي 1988) : إلى وجود علاقة بين الشعور بالوحدة النفسية وبين تبادل العلاقات الاجتماعية ، وهنالك علاقة سالبة بين الشعور بالوحدة النفسية وكل من تبادل العلاقات الاجتماعية والانبساطية ، ووجود علاقة موجبة بين الشعور بالوحدة النفسية والعصابية .

    أما دراسة ( قشقوش 1988 ): أشارت أهم نتائجها إلى أن الإحساس بالوحدة النفسية يسهم في الأبعاد التوادية ، كما ان إسهام الجنس محدود في هذه الأبعاد ، وهنالك علاقة تبادلية عكسية بين الإحساس بالوحدة النفسية والعزلة الاجتماعية .

    وكما أشارت دراسة (Schill, 1981) إلى وجود علاقة من الوحدة النفسية . والقدرة على التكيف في مواجهة ضغوط الحياة .

    وكما أشارت دراسة شميث وكيورديك ((Shmitt & Kurdek, 1985 إلى وجود فروق دالة بين العمر والجنس ، كما ظهر عدم رضا الطالبات عن علاقاتهن الأسرية مقارنة بالنساء الأكبر سناً اللواتي أعربنَ عن عدم الرضا عن نمط صداقاتهن الرومانتيكية، وأن الوحدة النفسية لدى النساء الأكبر سناً تختلف عن النساء الأصغر سناً ، حيث ان الوحدة النفسية تنشأ عند النساء الأكبر سناً بسبب الخسائر ذات الطبيعة الدائمة كالترمل. أما لدى النساء الأصغر فترتبط الوحدة النفسية بالتغيرات العرضية في طبيعة العلاقات.

    فلقد كان لكتاب فايس( Weiss) عن الوحدة النفسية عام 1973 اكبر اثر في الاهتمام بموضوع الوحدة النفسية تأثر معظم الباحثين بكتابات فايس (Weiss)عن الوحدة النفسية

    - مفهوم الوحدة النفسية Loneliness

    وقد عرفه كل من :

    - ويز (Weiss 1973) :

    هي استجابة لغياب نوع محدد من العلاقات ، أو على درجة أدق استجابة لغياب عنصر علائقي محدد .

    - سيرمات (Sermat 1978)

    بأنها عبارة عن الفرق بين أنواع العلاقات الشخصية التي يدرك الفرد انها لديه في وقت ما ، وتلك العلاقات التي يود أن تكون لديه بالاسترشاد بالخبرة السابقة أو بخبرة مثالية لم يسبق له معاينتها في حياته .

    - كوبستانت (Kubistsnt 1981)

    بأنها المشاعر الناتجة التي تعكس افتقار الشخص لشيءٍ ما في حياته ، أو كون الشخص لا يعالج حالات أو ظروف معينة معالجة صحيحة .

    - قشقوش 1983

    بأنها حالة نفسية يصاحبها أو يترتب عليها كثير من صنوف الضجر والتوتر والضيق لدى كل من يشعر بها أو يعانيها .

    - الرازي 1983

    (الوحدة) تعني في اللغة : (الإنفراد) أي أن يكون الرجل في نفسه منفرداً والوحيد أي (المنفرد) يقال توحد فلان برأيه أي تفرد به ، وفلان (واحد) أي لا نظير له .

    - بيرنز Burns , 1985) ):

    هي حالة من حالات تترتب على أفكار الفرد نفسه وتنشأ عنها ، أي ان الفرد يحتاج لشريك يحبه ويجعله يشعر بالبهجة والأمان والقدرة على الإنجاز .

    - خضر والشناوي1988

    بأنها الدرجات المرتفعة على مقياس الشعور بالوحدة المستخدم ، والشخص الوحيد هو الذي يشعر بأنه غير منسجم مع من حوله وأنه محتاج لأصدقاء ويغلب عليه الاحساس بأنه وحيد وأنه ليس من جماعة أصدقاء .

    - الساعاتي 1990

    هي شعور الفرد بأنه غير منسجم مع الآخرين ، وانه بحاجة إلى أصدقاء ، وأنه ليس هناك من يشاركه أفكاره واهتماماته ، ويمتلكه احساس بأنه وحيد ، ويشعر باهمال الآخرين ، وهو ليس جزءاً من جماعة من الأصدقاء ، وإن الناس مشغولون عنه ، وان علاقاته بالآخرين لا قيمة لها .

    - عبد الرحيم 2001

    بأنها عملية إدراك ذاتي ناتجة عن شعور الفرد بوجود فجوة في علاقاته الاجتماعية، وهي خبرة غير سارة تصاحبها مشاعر العزلة والخوف والانطواء والوحشة والاغتمام حتى في حالة وجوده مع الآخرين .

    - المشهداني 2004

    حالة نفسية يشعر فيها الفرد بنقص في العلاقات الاجتماعية ، وأنه غير منسجم مع من حوله وأنه ليس جزءاً من جماعة ، وأنه مهمل من الآخرين . ويشعر أنه وحيد ، ولا يجد من يشعر معه بالود والصداقة . والمظهر الأساسي للوحدة هو الوحشة .





    - روكاتش (2004 Rokach):

    الوحدة النفسية هي خبرة ذاتية ( ( subjective- experience قد يعاني منها الفرد على الرغم من وجوده مع غيره من الناس عندما تخلو حياته من علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة والمودة .

    - جودة 2005

    الوحدة النفسية خبرة شخصية مؤلمة يعيشها الفرد نتيجة شعوره بافتقاد التقبل والحب والاهتمام من قبل الآخرين بحيث يترتب على ذلك العجز عن إقامة علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة والمودة والصداقة الحميمة وبالتالي يشعر الفرد بأنه رغم انه محاط بالآخرين

    وكما يشير العالم ود Wood, 1987) ) مهما اتفقت وجهات النظر أو اختلفت في تحديد الوحدة النفسية ووضع الأُطر المفاهيمية لها ، فان البحث فيها يحتاج إلى معرفة المزيد عنها ، وإلى اختيار فكرة الاتصال والحاجة إلى العلاقات التي لم تحض بالاهتمام الذي تستحقهُ .والشعور بالوحدة النفسية خاصية مرادفة للانعزال عن الجماعة ، ويكون فيها الفرد غير سعيد وتصاحبها مشاعر الحاجة إلى الرفقة والعشرة .

    يرى فايس 1973 أن الوحدة النفسية تنجم عن العزلة الاجتماعية وتكون نتيجة انعدام الروابط الاجتماعية وتعتبر خبرة مؤلمة يصاحبها أعراض التوتر والاكتئاب وعدم الراحة.

    كما اشارت دراسة مولينز وآخرون (1991،Mulling) والتي هدفت الى التعرف إلى طبيعة العلاقة بين الوحدة النفسية و العزلة الاجتماعية على عينة مكونة من (1005 ) فرد و قد توصلوا إلى أن الأفراد الذين يعيشون بمعزل عن الأصدقاء وبمعزل عن أفراد الأسرة كانوا أكثر إحساسا بالوحدة النفسية.

    ومن أعراض الوحدة النفسية ، الشعور بالعزلة ، والاكتئاب ، والاغتراب والوحشة حتى في حضور الآخرين والانطواء .

    يتضح أن هناك تداخلاً بين مفهوم الوحدة النفسية وبين كل من مفهوم الاغتراب والانعزال والاكتئاب والانطواء ،وان لكل من هذه المفاهيم عناصر مكونة ، أو تسهم في تكوين الوحدة ، وان من الخطأ استعمال أي من هذه المفاهيم منفصلة للتعبير عن الوحدة النفسية وفيما يأتي توضيح لهذه المفاهيم:

    أ- الاغتراب (Alienation) :

    وهو اضطراب نفسي يعبر عن اغتراب الذات عن هويتها وعن الواقع والمجتمع ، وهو غربة عن النفس وعن العالم ، ومن أهم مظاهره (العجز ، اللاجدوى ، أللانتماء ، الانسحاب ، الانفصال ، السخط ، الرفض ، العنف ، احتقار الذات ، كراهية الجماعة، والتفكك) ولها عدة أشكال منها الاغتراب الديني ، الاغتراب الفكري ، والاغتراب الاجتماعي ، والاغتراب الثقافي ، والاغتراب التقني ، والاغتراب التعليمي .

    ب- الاكتئاب (Depression)

    ينشأ الاكتئاب نتيجة للتعب الانفعالي ، ويمكن إن تكون خبرة محطمة ، وقد تكون تعبيراً عمّا يعانيه الفرد من إرهاق . كما يشير (حامد زهران 1977) إلى إن الوحدة النفسية تُعد أحد أسباب الاكتئاب ، وتمثل عرضاً من أعراضه .

    جـ. الانعزال (Isolation)

    هو عدم الاتصال بالجماعات البشرية بسبب عوامل جغرافية أو اجتماعية ، ويعني عدم مشاركة الفرد في شؤون الجماعة لعدم قدرته أو رغبته في ذلك .

    وتتمثل حاجة الفرد للاختلاء بنفسه حاجة ملحة أخرى ، وقد يشعر الفرد المنعزل بالقلق المفرط إذا نظر إليه الآخرون ، ويؤدي الاكتفاء بالذات والاختلاء بالنفس إلى تطمين حاجته البارزة في الاستقلال التام بذاته .

    وتمثل العزلة النواحي الأكثر إيجابية لكون الشخص وحيداً . فالوحدة إما أن تكون حالة كيانية مرتبطة بحضور الشخص نفسه ، أو حالة عقلية .

    كما إن الوحدة النفسية مختلفة جدا عن العزلة.فالشخص يمكن إن يشعر بالوحدة في الزحام. في الواقع يكون الآلف الناس في الوسط السكاني الحضري الكثيف محبطين من الوحدة وتتضمن الوحدة عدم القدرة على كسر الحواجز الاجتماعية والذهنية التي يحيط الناس أنفسهم بها ولكن الوحدة قد تؤثر على الناس مثلما تؤثر العزلة الاجتماعية عليهم .





    د- الانطواء :

    هو نمط من أنماط الشخصية ، والمنطوي فردٌ يُؤثر العزلة والاعتكاف ، ويجد صعوبة في الاختلاط بالناس ، يقابل الغرباء بحذر وتحفظ وهو خجول ، شديد الحساسية ، يجرح شعوره بسهولة ، وكثير الشك ، ويكلم نفسه ، يستسلم لأحلام اليقظة ، يهتم بالتفاصيل ويضخم الصغائر ، دائم التأمل في نفسه وتحليلها . ، ولديه رغبة في الانعزال والوحدة ، ويتجنب التماس مع الواقع إلاّ بأقل قدر لازم .

    وأشارت نتائج الدراسات نيجو (Nigro 1988 ) :أن كلاً من الوحدة النفسية والاكتئاب ، يرتبطان بأساليب عزو متماثلة ، وسمات شخصية معينة وان كليهما يظهر تأثيرات مستقلة ، أحدهما عن الآخر.

    أما دراسة (ويكس وآخرين Weeks, et. al, 1980) فأشارت إلى وجود علاقة إيجابية بين الوحدة والاكتئاب.

    - أشكال الوحدة النفسية Forms of Loneliness

    إن ظاهرة الوحدة النفسية تفتقر إلى الدراسات والمجالات التي هدفت إلى تحديد أنواع وأشكال الوحدة النفسية ، بسبب قلة الكتابات والمعالجات النظرية التي تناولت هذه الظاهرة.

    وهناك بعض الدراسات قد ساهمت في وضع تصنيفات لأشكال الوحدة ، حيث يرى ويز (1973) تحديداً لأشكال الوحدة ان هناك نوعين متميزين من الوحدة ، هما :

    1- الوحدة العاطفية (Emotional Loneliness)

    تنشأ جرّاء الافتقار إلى صلة حميمة ووثيقة بشخص آخر ، فالأفراد الذين قد انفصلوا عن أزواجهم بالوفاة أو أنهوا علاقة طويلة ، يعيشون هذا النوع من الوحدة النفسية .

    وكذلك فقدان العلاقات الودودة والحميمة بشخص معين ، كالوالدين ، أو شريك يشاطر الشخص تجاربه العاطفية العميقة ، ويشاركه السكن ، ويتحمل معه أعباء ومسؤوليات العمل التي لا يستطيع أن يتحملها بمفرده ، قد تؤدي إلى الشعور بالوحدة العاطفية .

    2- الوحدة الاجتماعية (Social Loneliness)

    أما هذا النوع من الوحدة فينشأ من الافتقار إلى شبكة من العلاقات الاجتماعية ، يكون الفرد فيها جزءاً من جماعة الأصدقاء ويتشاطر معهم مصالح واهتمامات مشتركة والأفراد الذين ينتقلون منذ فترة قصيرة إلى بيئة اجتماعية جديدة (كمدينة جديدة أو عمل جديد) يعيشون هذا النوع من الوحدة .

    حيث ان من يفتقد مجموعة من الأصدقاء والأشخاص الذين كانت تربطهم به صداقات أو علاقات اجتماعية بسبب الانتقال إلى مكان جديد او تغيير سكن او غيرها ، فإن الفرد في هذه الحالة وبحسب تصنيف (ويز) يتولد لديه شعور بالوحدة الاجتماعية .

    ويعتمد تصنيف (ويز) للوحدة النفسية على اعتقاده القائل ان الأنواع المختلفة من العلاقات تُشبع حاجات مختلفة أو تقدم ظروف اجتماعية مختلفة .

    ويعد تصنيف (ويز) الأنموذج السائد حالياً ويلقى قبولاً أكثر من غيره من النماذج . إلاّ أنه لا يعني أفضل النماذج . فقد افترض ماوستاكاز (1961) وجود الوحدة النفسية الوجودية فضلاً عن النوعين اللذين جاء (ويز) على ذكرهما .

    أما ميز فايس Weiss بين شكلين من إشكال الوحدة النفسية

    - الوحدة النفسية الناشئة عن الانعزال الانفعالي Emotional -isolation) )

    ناتج عن غياب الاتصال والتعلق الانفعالي

    - الوحدة النفسية التي تنجم عن العزلة الاجتماعية Social - isolation))

    ناتج عن انعدام الروابط الاجتماعية

    - أما العالم يونج Young ميز بين ثلاثة إشكال أخرى للوحدة النفسية وهي : -

    - الوحدة النفسية العابرة Transient))

    والتي تتضمن فترات من الوحدة النفسية على الرغم إن حياة الفرد الاجتماعية تتسم بالتوافق .

    - الوحدة النفسية التحولية : (Transitional )

    وفيها يتمتع الفرد بعلاقات اجتماعية طيبة في الماضي القريب ولكنه يشعر بالوحدة النفسية حديثا نتيجة تعرضه لبعض المتغيرات المستجدة مثلا وفاة شخص عزيز ...

    - الوحدة النفسية المزمنة Chronic) )

    والتي قد تستمر فترات طويلة تصل إلى سنين وفيها يفقد الفرد الشعور بالرضا فيما يتعلق علاقاته الاجتماعية .

    - أما قشقوش فقد قدم لنا تصنيفاً مبنياً أساساً على تصنيف (ويز) في دراسة (1983) ويتضمن ثلاثة أشكال للوحدة النفسية ، إذ يشير إلى ان الإحساس بالوحدة النفسية ، يمكن أن يتخذ واحدة من صور وأشكال متعددة تتضمن

    أولاً : الوحدة النفسية الأولية

    وتوصف بأنها سمة سائدة أو منتشرة في الشخصية أو بأنها اضطراب في إحدى سمات الشخصية وهي ترتبط او تتصاحب في الحالتين بالانسحاب الانفعالي عن الآخرين.

    ويشير قشقوش (1983) إلى وجود منحنيين لتفسير مقدمات الإحساس بالوحدة النفسية الأولية :

    الأول يعرف بالمنحنى النمائي ، حيث ان اضطراب التفاعل الاجتماعي يعزى إلى وجود تباطؤ أو تخلف في التتابع الطبيعي لنمو الشخصية .

    أما المنحنى الثاني ويعرف بالمنحنى النفسي الاجتماعي حيث تعزى أسبابه الى وجود عجز أو قصور في الوظائف التي تحكم عملية التفاعلات المتبادلة .

    ثانياً : الوحدة النفسية الثانوية



    يتمثل هذا الشكل من أشكال الإحساس بالوحدة النفسية بحرمان الفرد من العلاقات العاطفية والحميمة ، ويحدث فجأة استجابة من جانب الفرد لحرمان مفاجئ يطرأ في حياته من أفراد آخرين ، يعدهم ذوي أهمية لديه ، ويظهر هذا الشكل عقب حدوث مواقف في حياة الفرد ، كالطلاق ،والترمل ، وتمزق أو تصدع علاقات الحب والحنين للأسرة والوطن.

    ثالثاً : الوحدة النفسية الوجودية



    يعد الإحساس بالوحدة النفسية الوجودية هو حالة إنسانية طبيعية في نظر الكثير من كتاب المدرسة الوجودية ، إذ يعدون هذا الإحساس بمثابة حالة حتمية يتعذر الهرب منها مثل ماي (1953) فروم (1959) وموستكاز (1961) .

    أما كيوبستانت Kubistant, 1981) ) : فيتفق معهم في إن الوحدة الوجودية هي الحالة التي تعكس الكيانية الفريدة من نوعها للشخص ، التي تحدد الأبعاد الوجودية للذات الإنسانية ، ومجالات الوحدة النفسية الوجودية تُعد مألوفة في الحياة .

    - أسباب الوحدة النفسية

    ان الشعور بالوحدة النفسية ليس له سبباً واحداً ، وللوقوف على أهم الأسباب والعوامل التي تشكل أو تؤدي إلى شعور الفرد بالوحدة النفسية ، هناك بعض الدراسات والبحوث التي اهتمت بتشخيص أسباب الوحدة النفسية ، التي اتفقت معظمها تقريباً ، على أن من أهم أسباب الوحدة هي الحاجة إلى الأواصر والعلاقات الاجتماعية والعاطفية

    وقد شخَّص سوليفان (1954) أحد أسباب الوحدة النفسية بأنها تنشأ عن حاجة الطفل إلى الاتصال ، أي حاجة الطفل إلى وليف ، وحاجة المراهق إلى القبول في بيئته الاجتماعية ، وحاجة البالغ إلى الانضمام في جماعة .

    وتتفق كلاين (1975) مع سولفيان في تفسير الوحدة من خلال المراحل التطورية . فأرجعت الحاجة إلى علاقة ودّية للطفل قبل تطويره لملكة الكلام ، وأن صعوبة وجود مثل هذه العلاقة قد يؤدي إلى الشعور بالوحدة النفسية .

    أما ويز (1973) فيشخص الأسباب المؤدية للوحدة النفسية ويحددها لمجموعتين من الأسباب :

    الأولى : تتصل بالمواقف الاجتماعية . (Situational) .

    الثانية : تتصل بالفروق الفردية أو ما يُعرف بمجموعة الخصائص . (Charactarological) .

    ويرى جونز (1982) ان الأسباب الخاصة للشعور بالوحدة النفسية ، لا تكمن في كثير من الخصائص الموضوعية للبيئة الاجتماعية للشخص الوحيد ، مثل عدد الأصدقاء وكمية الاتصال الاجتماعي بقدر ما يكمن في كيفية إدراك الشخص الوحيد لواقع علاقاته الشخصية وتقويمه واستجابته لها .

    ومن ناحية أخرى يرى يونك (1979) أن ظهور الوحدة النفسية يعتمد على مسببات مختلفة ومضامين علاجية مختلفة ويُقيم نظريته على مفاهيم التعزيز الاجتماعي والتعلم المعرفي عبر مراحل الحياة . ويوصي بتضمين العناصر المعرفية بمعالجة الوحدة .

    وهذا التصور ينتج بسبب غياب تعزيزات اجتماعية مهمة ، فضلاً على الجوانب العقلية الأخرى .

    وقد يرجع سبب الشعور بالوحدة النفسية من قلة العلاقات الحميمة بمعنى أن الإنسان لا يجد الصديق الوفي المخلص المتعاون الصادق الذي يمكن أن يثق فيه .

    وهناك الفتاة الوحيدة منذ الصغر ، التي لم يسبق لها أن أقامت علاقات مع الآخرين.

    ومن الأسباب التي تؤدي إلى وحدة الإنسان وعزلته اعتلال الصحة وضعفها ، أو موت شريك أو صديق عزيز ، أو الانتقال إلى مكان جديد أو الهجرة الدائمة أو المؤقتة ، كالهجرة إلى الدراسة أو العمل ، والحركة الدائمة التي جعلت كثيراً من الناس أن يقطعوا صداقاتهم السابقة وأن يتحللوا من الروابط الأسرية ، وانصراف الأبناء عن الأسرة ، وقد ترجع الوحدة إلى التقدم بالسن .

    وقد ترجع الوحدة إلى التكوين النفسي للفرد نفسه حيث يفضل بعض الأشخاص الوحدة والعزلة والانسحاب من معترك الحياة الاجتماعية ، أو يفتقدون الشعور بالثقة في أنفسهم أو يشكون في نوايا الآخرين نحوهم ، أو يشعرون بالتعالي عن الآخرين ، أو لشعورهم بالفقر ، أو العجز عن مجارات زملائهم ، أو رفض مخالطة أقران السوء ، وقد يكون الشخص الذي يشعر بالوحدة فيه من السمات والخصائص المُنفِّرة ، مما تجعل الناس ينفرون منه وينصرفوا عنه ولا يقيمون معه علاقات لاتصافه بالكذب والاستغلال والابتزاز والوشاية والغيبة والنميمة .

    وهناك سبب شائع للوحدة النفسية ، هو الاعتقاد أن أحداً لا يقدر أن يفهم أو يولي اهتماماً بالذات الداخلية للفرد عندما تزول كل الأشكال المصطنعة للذات . وأن الاعتقاد بأن الذات الداخلية مكروهة وان مصيرها الرفض ومنع مشاركة الذات الداخلية مع الآخرين مشاركة حية يؤدي بدوره إلى الشعور بالوحدة .

    وهناك عدد كبير من حوادث الحياة بعضها لا علاقة له بالعلاقات الاجتماعية من شأنه إثارة الشعور بالوحدة .

    ويقترح سيرمات (1978) ان مشاعر الوحدة تنتج من الحاجة إلى فرصة الارتباط بآخرين على أساس من الود ، وأن يكون الفرد قادراً على التعبير عن أفكاره وعواطفه بحرية تامة ومن دون خوف من الرفض أو سوء الفهم .

    وأحياناً يكون الفرد راغباً في التمتع بالبقاء بمفرده وحده ، وهذه الرغبة طبيعة في الطبيعة البشرية وفي الوجود البشري ، حيث يخلو الإنسان إلى نفسه متأملاً مفكراً مسترجعاً أحداث الحياة ، مخططاً للمستقبل القريب أو البعيد ، وقد يستمتع بهذا البقاء وحيداً، وقد يتخلص الفرد من مثل هذه المواقف والأسباب عن طريق الانفتاح الذاتي ، حيث يفتح ذاته للآخرين ويعطي معلومات عن نفسه لهم ، ويستقبل منهم معلومات مماثلة لكي يقيم علاقات واتصالات اجتماعية مع الغير ، ولكن إذا أفضى الانسان بكل أسراره ، فقد يتعرض باستخدامها لمحاربته من قبل من أدلى إليه بها ، لذلك فالإفصاح عن الذات يجب أن يكون في إطار حدود معينة .

    أهم وجهات النظر التي طرحها بعض العلماء والمنظرين في بعض المدارس النفسية المختلفة .

    - See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=54932#sthash.lPLqEAUc.dpuf
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الوحدة النفسية .. مفهومها أشكالها وأسبابها وعلاجها Empty رد: الوحدة النفسية .. مفهومها أشكالها وأسبابها وعلاجها

    مُساهمة من طرف أحمد الثلاثاء سبتمبر 15, 2015 11:42 pm

    الوحدة النفسية من منظور ( التراث العربي الإسلامي ) :-

    حيث تعني الوحدة (الانفراد) ، فقد ورد في قاموس المنجد أن مصطلح (الوحدة) مشتق من الفعل (وحَّد) أي انفرد بنفسه وحيداً (والوحدة هي ضد الكثرة) .

    ويمثل الشعور بالوحدة النفسية (Loneliness )حالة نفسية قد تنتج عن وجود ثغرة بين العلاقات الواقعية للفرد ، وبين ما يتطلع اليه هذا الفرد من علاقات .

    والشعور بالوحدة النفسية شعور حزين ، يقطع صلة الإنسان بغيره من الناس ، وهو شعور يسبب الإزعاج لكثير من الناس .

    الشعور بالوحدة النفسية والاضطرابات تعود لارتكاب الذنوب وضعف الالتزام في الأوامر والنواهي الدينية . كأن يشعر الإنسان بالذنب والخوف والقلق والعزلة ، وان علاج هذه الاضطرابات يعتمد على قوة الإيمان بالله والالتزام بالسلوك الديني .

    - الوحدة النفسية وجهة نظر نظرية التحليل النفسي - فرويد Psychoanalytic Theory

    فسّر فرويد (1856-1939) الشعور بالوحدة النفسية بأنها عملية تنافر المكونات داخل الفرد الهو (Id) ، الأنا (Ego) ، والأنا العليا (Super ego) مما يؤدي إلى سوء توافقه مع نفسه ومع بيئته الاجتماعية من حوله . ويمكن النظر إلى الشعور بالوحدة النفسية بأنه نتيجة للقلق العصابي الطفولي وله وسيلة دفاعية نفسية تعمل للحفاظ على الشخصية من التهديد الناشئ من البيئة الاجتماعية ويعبر عنه في صورة عزلة أو انسحاب .

    - الوحدة النفسية من وجهة نظر نظرية التحليل النفسي - الاجتماعية

    ادلر ( علم النفس الفردي ) ( Adler ) :-

    أما آدلر (1870-1939) فقد فسَّر الشعور بالوحدة النفسية بانه حالة عَرَض مرضي عصابي ، يحدث بسبب نقص الاهتمام الاجتماعي للفرد ، بحيث يكون غير مرغوب فيه اجتماعياً ، ويعبر عنه بأنه خطأ في أسلوب حياة الفرد الذي تكون في طفولته.

    - الوحدة النفسية وجهة نظر نظرية يونك التحليلية Analytical Theory



    فسَّر كارل يونج (1875-1961) الشعور بالوحدة النفسية عملية تفرد وسعي شخصي ، ينمو من خلال العلاقة مع الآخرين ويهدف إلى تكوين ارتقاء البني الأساسية للشخصية وهي (القناع ، الظل ، الانيما ، الانيموس) التي تحدد الصور والرموز النوعية المرتبطة بكل بنية ، أي إن الشعور بالوحدة النفسية يعبر عن محاولة للتوافق النفسي مع الحياة .

    - الوحدة النفسية من وجهة نظر نظرية السلوكية (Behaviural Theory)

    يرى جون واطسون (1878-1958) ان الشعور بالوحدة النفسية نمط سلوكي لم يتوفر له تعزيز اجتماعي إيجابي .

    أما سكنر (1904) فيعتقد ان الشعور بالوحدة النفسية سلوك يتخذه الفرد على أساس إدراكه لاستجابات الآخرين في البيئة الاجتماعية .

    -الوحدة النفسية من وجهة نظر نظرية التعلم الاجتماعي Social learning theory

    أما وولترز وباندورا (1918-1976 ، 1925) فيريان أن الشعور بالوحدة النفسية ينشأ على أساس التعلم بالملاحظة ، ويؤدي وظيفة ، لأنه سلوك ارتبط بالتعزيز من خلال أنموذج حقق نتائج ، وهو عبارة عن إحساس الفرد بضعف فعالية الذات وتوقعه عدم القدرة على السيطرة في المواقف الاجتماعية بجهوده الذاتية .

    - الوحدة النفسية من وجهة نظر نظرية المجال (Field Theory)

    فسَّر كيرت ليفين (1890-1949) الشعور بالوحدة النفسية حالة عدم أتزان انفعالي تؤدي إلى عجز الفرد في الوصول إلى محتويات كثير من المناطق في مجاله الحيوي ، وكثيراً ما تطغى المناطق المقفلة على المناطق الأخرى وتؤثر في سلوكه ، بحيث يبدو غير منسجم او متوافق مع عالم الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه .

    - الوحدة النفسية من وجهة نظر نظرية السمات

    -الوحدة النفسية من وجهة نظرالبورت Allport

    عبَّر جوردن البورت (1897-1967) عن الشعور بالوحدة النفسية عدم قدرة الفرد على تحقيق امتداد الذات ، وانعدام الاهتمام الحقيقي في مجال العلاقات الاجتماعية ، مع تركيزه الكلي على دوافعه ومقاصده الخارجية ، مع نظرة سلبية على نفسه بفقدان الأمن الانفعالي وعدم تقبل الذات .

    - الوحدة النفسية من وجهة نظر النظرية الظواهرية ـ كارل روجرز

    Phenomenological Theory Rogers

    كان كارل روجرز (Carl Rogers) معالجا نفسيا معروفا ومؤسسا لطريقة العلاج المتمركز حول المسترشد ، وقد جمع المبادئ الأكثر نظامية وأسس عليها نظرية الذات من خلال شواهد سريرية ، كما انه طبق هذه النظرية في مجال الإرشاد والعلاج النفسي .

    فيرى أن الشعور بالوحدة النفسية ينشأ بسبب كف وإنكار أو تحريف لبعض الإدراك في ميدان الخبرة ، وهي دالة على مستوى التوافق النفسي وعلى مدى تنافر أو انسجام الذات مع الخبرات الاجتماعية التي تنتظم لدى الفرد وتتشوه من أجل ان تتلائم مع المدركات السابقة .

    - الوحدة النفسية من وجهة نظر جورج كيلي

    يؤكد جورج كيلي (1905-1967) ان الشعور بالوحدة النفسية ينشأ من حالات وجود تنبؤ خاطئ بالوقائع الاجتماعية ، وهو مشكلة إدراكية تعني الفشل في تفسير المعايير والقيم الثقافية للفرد .

    -الوحدة النفسية من وجهة نظر فروم From

    وأكد أيريك فروم (1900) بأن الشعور بالوحدة النفسية حالة طبيعية تتصف بها البشرية فضلاً على حالة عدم الأهمية بسبب حصول الأفراد على حرية أكثر ، وكلما قلّت الحرية زادت مشاعرهم للانتماء والأمان .

    والوحدة النفسية ، والعزلة ، والضعف عمليات تصاحب النضج ، والفرد يحاول إعادة روابطه الأولى بالأمان أي انه يحاول الهرب من حريته المتنامية بواسطة ميكانزمات مثل (إقامة الروابط ، الانعزال ، الهدم ، الحب) . والهدف من ذلك هو خلق الذات .

    كما يرى فروم بأن الإنسان يشعر بالوحدة و الانعزال لأنه جاء منفصلا عن الطبيعة ومنفصلا عن الناس الآخرين وذلك في كتابه الهروب من الحرية(Escape From Freedom1941 )ويضيف أيضاً بأن حصول الفرد على حرية أكثر خلال حياته ومن خلال شعوره بالوحدة أيضا ،فتكون الحرية حينئذٍ كتكيف سلبي ،فيحاول أن يهرب منها ،وأن الفرد كائن حي يمتلك الحاجات الفسيولوجية التي يجب أن تشبع ،وانه ككائن حي إنساني يدرك نفسه عن طريق التصور والتخيل ،والتعليل .

    - الوحدة النفسية من وجهة نظر نظرية التدرج الهرمي للحاجات الإنسانية

    ( أبراهام ماسلو Maslow) Hierarchy Needs Theory

    أبراهام ماسلو شخصية معروفة في علم النفس المعاصر لما أمده من اتجاه جديد وحركة جديدة ظهرت في السنين المعاصرة في علم النفس الإنساني،كل السلوكيات البشرية وظيفة تهدف إلى إشباع حاجة

    فيرى ان الشعور بالوحدة النفسية ينشأ بسبب عدم إشباع حاجات الانتماء والحب . والوحيد نفسياً يكون مدفوعاً بجوع للاحتكاك والصداقة الحميمة والانتماء ، والحاجة إلى التغلب على مشاعر الاغتراب والعزلة التي سادت بسبب الحراك الاجتماعي وتحطم الجماعات التقليدية ، وبعثرة الأسرة والفجوة بين الأجيال بسبب التحضر المستمر واختفاء علاقة (الوجه لوجه) .

    - الوحدة النفسية من وجهة نظر نظرية الجشطالتية :

    فقد فسَّر كل من (كوفكا ، وفرتمير وكوهلر) الشعور بالوحدة النفسية بأنه تعبير عن قصور في حيز حياة الفرد وعن اتجاهاته نحو نفسه وموقفه منها .



    - علاج الوحدة النفسية

    ولقد اهتم الإسلام بالصحة النفسية للفرد والمجتمع وقد أشار أبو الوفا إلى إن الدين الإسلامي يعتبر مصدرا لاستكمال النزعة الفطرية فهو يعين الفرد على تحقق الصحة النفسية فهو علاج حقيقي لأزمات النفس . قال تعالى : ) أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ( (سورة الرعد ، الآية 28) . كما قال تعالى }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ& الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ& أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ{

    سورة البقرة: 155-157، وقد علم القرآن الكريم المسلمين كيف يتخلصون من وساوس ونزعات عدوهم الأكبر، قال تعالى : ) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( (سورة الأعراف ، الآية 200) ،إنَّ القرآن الكريم والسنة النبوية المشّرفة، فيهما شِفاء للناس، إذا ما أنكب الفرد المؤمن الصادق على قراءتهما بتمعن وتدبر عندها يصل كل فرد إلى ما يصبوا إليه. فلاشك ولا ريب إنَّ العلاج بالقرآن الكريم وما ثبت عن النبي -r- من الرّقي هو علاج نافع وشفاء تام. مع أنَّ كل آيات القرآن الكريم هدفت لإصلاح النفوس. قال تعالى: ]وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[ (الإسراء:82). وقال رسول الله -r-: ((ابشروا فإنَّ هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه الآخر بأيدكم فتمسكوا به ولن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً)). وقال -r-: ((عليكم بالشفائين العسل والقرآن وكلاهما بأمر الله ورحمة منه)). (رواهما الطبراني وأخرجهما ابن ماجة عن حديث ابن مسعود). وعن أسامة ابن ثريك، عن رسول الله -r- قال: (تداووا عباد الله فإنَّ الله لا يضع داءاً إلا وضع له دواء غير داء واحد هو الهرم). (وهو متفق عليه). وروي (ابن ماجة) في سننه من حديث علي عليه السلام - عن رسول الله -r- قال: (خير الدواء القرآن).

    وما يهمنا نحن المسلمون هو أن الشريعة الغراء قد سبقت في الحث على ذكر الله وإقامة الصلاة ونوهت بدور الإيمان والخشوع في راحة النفس؛ قال تعالى:( "الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ. الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ طُوبَىَ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ" ) سورة الرعد 28و29, ومن توجيهات القرآن الكريم أن الخشوع في العبادة مفتاح السعادة؛ قال تعالى:( "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ" ) المؤمنون 1و2,

    وهناك أحاديث نبوية كثيرة تؤكد جميعها على أهمية العلاج الإسلامي للأمراض النفسية. وقال: (ابن القيم الجوزية) في (زاد المعاد) (القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على داءه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه - لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو أنزل على الجبال لصدّعها، أو على الأرض لقطعها، فما من مرضٍ من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل للدلالة على دوائه وسببه والحمية منه، لمن رزقه الله فهماً من كتابه، فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه فلا كفاه الله). فقد أثبتت بعض هذه الدراسات، أنّ الأشخاص الذين يلتزمون بأداء العبادات من (صوم وصلاة.. الخ)، يكونوا أقل إصابة بالأمراض النفسية مثل (الاكتئاب والقلق والوساوس القهرية)، كما إنَّ قوة الوازع الديني تمثل حماية من الوقوع في إدمان الخمور والمخدرات. كما يمكن بيان فضل الرقية الشرعية في تخليص الإنسان من معاناته ]وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[ (الإسراء:82).

    فالقرآن شفاء للقلوب من أمراض الشبهات والشهوات والوساوس كلها؛ القهري منها وغيره, وشفاء للأبدان من الأسقام، فمتى استحضر العبد هذا المقصد فإنه يحصل له الشفاءان: الشفاء العلمي المعنوي والشفاء المادي البدني بإذن الله تعالى..، والشفاء بالقرآن يحصل بأمرين: الأول القيام به وخاصة في جوف الليل الآخر مع استحضار نية الشفاء, والثاني الرقية به"

    وقال السيوطي في الإتقان: "أخرج البيهقي.. أن رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجع.. قال: (عليك بقراءة القرآن)", وفي حاشية السندي على ابن ماجه قال: "قَوْله (خَيْر الدَّوَاء الْقُرْآن) إِمَّا لِأَنَّهُ دَوَاء الْقَلْب فَهُوَ خَيْر مِنْ دَوَاء الْجَسَد وَإِمَّا لِأَنَّهُ دَوَاء لِلْجَسَدِ فَتَزْدَاد الْمَزِيَّة.., وشَرْط التَّدَاوِي بِهِ حُسْن الِاعْتِقَاد وَمُرَاعَاة التَّقْوَى", وفي موارد الظمآن : فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه النسائي: (وجعلت قرة عيني في الصلاة).., وروى أبو داود عنْ حْذَيْفَةَ قولَه: (كَانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلّى)، وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (يا بلال أرحنا بالصلاة), والذي رواه أحمد وابن ماجة ما نصه: (فإن في الصلاة شفاء من الأمراض القلبية والبدنية والهموم والغموم قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} البقرة 45، ولهذا كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إليها، والصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للداء مقوية للقلب مفرحة للنفس مذهبة للكسل منشطة للجوارح ممدة للقوى شارحة للصدر مغذية للروح منورة للقلب مبيضة للوجه حافظة للنعمة دافعة للنقمة جالبة للبركة مبعدة للشيطان مقربة من الرحمن, وبالجملة لها تأثير عجيب في حفظ صحة القلب والبدن وقواهما..، لاسيما إذا وفيت حقها من التكميل). ويشير محمد نجاتي (في كتابه الحديث وعلم النفس) إلى أثر الصلاة في جانبها النفسي فيقول: (للصلاة تأثير فعَّال في علاج الإنسان من الهم والقلق، فوقوف الإنسان في الصلاة أمام ربه في خشوع واستسلام وفي تجرد كامل عن مشاغل الحياة ومشكلاتها إنما يبعث في نفس الإنسان الهدوء والسكينة والاطمئنان ويقضي على القلق وتوتر الأعصاب الذي أحدثته ضغوط الحياة ومشكلاتها.. ويبعث في النفس الأمل ويقوي فيها العزم والهمة.. وللصلاة تأثير في علاج الشعور بالذنب الذي يسبب القلق.. وعلى الجملة فإن للصلاة فوائد.. تساعد على شفائه من أمراضه البدنية والنفسية وتزوده بالحيوية والنشاط)..، ويؤكد ذلك فارس علوان بقوله: (إن الطمأنينة النفسية والسكينة الروحية وشعور الأمن والاستقرار التي تضفيها الصلاة في قلوب المتقين وألباب الخاشعين تجعل الأمراض النفسية والشعور بالخوف والقلق والغضب والحزن والوحدة القاتلة والأمراض العقلية كالخرف نادرة الحدوث في مجتمع المصلين، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} النحل 97.., وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأنعام 82, وأما عن غيرهم فقد قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} طه 124، هذه بعض الآثار لهذه العبادة العظيمة, ولحكمة يعلمها الله عز وجل جعلها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات".

    - أمر الله سبحانه وتعالى بالاجتماع وأكد عليه ونهى عن الافتراق والعزلة وحذر منها فقال تعالى عّز وجل ] وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا[ (سورة آل عمران- 103) وأعظم المنة على المسلمين في جمع الكلمة وتأليف القلوب منهم فقال عز وجل ] وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (سورة الأنفال - 63).

    وذكر في النهي عن العزلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم "من سره بحبوحة الجنة* فليزم الجماعة فان الشيطان مع الفذ** ،وهو من الاثنين ابعد"أخرجه الصنعاني

    اهتم القرآن الكريم بتوجيه المسلمين إلى الأخوة والمحبة ،التعاون ،الترابط حيث قال الله تعالى عّز وجل ] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [ (سورة التوبة -71) ،] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [ (سورة الحجرات - 10).

    كذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التالف والتواد ،والتحاب حيث قال " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟:أفشوا السلام بينكم"أخرجه مسلم

    وفي هذا الحديث جعل الرسول صلى الله عليه وسلم تحاب المسلمين وتوادهم شرطا لإيمانهم ودخولهم الجنة. فالمؤمن حقا هو من يحب الناس ويحبه الناس، أما من لا يحب الناس ولا يحبه الناس فهو إنسان لا خير فيه ولا أمل له في مغفرة الله تعالى كما يؤكد الإسلام على الألفة والتوادد والتحابب في الله والاجتماع والتعاون والتعاضد إذ جاء عن النبي محمد (e) : ((المؤمن ألِفٌ مألوفٌ ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف)).

    ويوصينا نبينا محمد (e) على أن نتحصَّن ونحتمي ونختار الجماعة المؤمنة الظاهرة التي يسعى كل فرد فيها إلى طاعة الله .

    وأكد الإسلام التكامل والتوازن وتحقيق ذاتية الفرد وحريته وكرامته فضلاً عن تحقيق ايجابية المجتمع وان الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) مثل التعاون والمحبة والعطاء بين الأفراد والاهتمام بالجماعة كالجسد فقال : [ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ] (متفق عليه) . وكما في قوله (صلى الله عليه وسلم) [ المؤمن مرآة المؤمن ] (متفق عليه) وقوله أيضاً [ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ] (متفق عليه)

    وقد أخبرنا عبد الله بن عمر (رض) أن رسول الله (e) نهى عن الوحدة ونهى أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده حيث قال : ((لو يعلم الناسُ ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكبٌ بليلٍ وحدهُ)) رواه البخاري ..

    ولا يعني هذا أن على الإنسان أن يتجنب الوحدة فيلقى بنفسه وسط أصدقاء السوء الذين هم شياطين الأنس بل عليه أن يختار الأصدقاء الطيبين الذين يعينونه على الخير : فإن من ابتعد عن الجماعة المؤمنة يكون أشبه بالشاة التي تكون منفردة وبعيدة عن القطيع فتكون سهلة الصيد على الذئاب حيث قال الرسول (ص) : ((ان الشيطان ذئب ابن آدم كذئب الغنم يأخذ الشاة دون الناحية والقاصية ، فعليكم بالجماعة والمساجد)) .

    وقال الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" في نهج البلاغة : ((خالطو الناس مخالطة إن مُتُّم بكوا عليكم وإن عشتم حنوا إليكم).

    وهناك الوحدة الإيجابية ، فمنهم من يستحب العزلة عند فساد الناس والزمان والخوف من فتنةٌ في الدين ، ووقوع في حرامٍ وشبهات ونحوها ، قال تعالى : (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (سورة الذاريات : الآية 50) ، حيث قال عمرو بن عثمان : فروا من أنفسكم إلى ربكم وقال أيضاً : فروا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم . وقال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله اني لكم منه نذير مبين .

    وسُؤِل رسول الله (e) أي الناس أفضل ؟ قال : (مؤمنٌ يجاهدٌ في سبيل الله بماله ونفسه . قال ثم من ؟ قال : مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره . وفي رواية أخرى رجلٌ معتزلٌ في شِعب من الشعاب يعبد ربه ويتقي ويدع الناس من شره) . (مسلم ، ب/ت : 1503) إن تراحم الناس وتوادهم وتعاطفهم يقوي الروابط الاجتماعية بينهم ويعمل على تماسك وحدة المجتمع واستقراره. فالأفراد إنما هم لبنات في بناء المجتمع إذا تفككت بينهم الروابط ،وانقطعت بينهم الصلة بسبب البغضاء والشحناء ، تفكك المجتمع وانهار كما ينهار البناء أذا تفككت أجزاؤه . وقد أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم بفطنته وحكمته تلك الحقيقة ،فحث المسلمين على التعاون والتآخي والتماسك حتى يظل بناء المجتمع الإسلامي مستقرا ثابتا قويا لا تؤثر فيه عوامل التدمير والتخريب التي يوجهها إليه أعداء الإسلام.

    فارتباط الإنسان بالآخرين بالمودة والمحبة، يقوي انتماءه إلى الجماعة ويخلصه من الشعور بالقلق الذي ينتج عن الوحدة والعزلة عن الجماعة.

    ليس كائنا منعزلا عن الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه بل كائن اجتماعي قادر على خلق شخصيته من خلال نشاطه الذاتي

    كما ان القلق والخوف يلازمان الإنسانية أفرادا وجماعات منذ ان كانت الإنسانية العاقلة الا من رحم الله ورضي عليه بنعمة الإيمان قال تعالى : ) إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ(23)وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(25)( (سورة المعارج ، الآية 19-25) .

    •- الاستعاذة بالله : فالطيرة من وساوس الشيطان وتخويفه فإذا استعاذ بالله من الشيطان سلم من كيده قال تعالى:"وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه وهو السميع العليم"( فصلت: 36).

    •- ثم التوكل على الله: والتوكل في لسان الشرع إنما يراد به توجه القلب إلى الله حال العمل، واستمداد المعونة منه، والاعتماد عليه وحده، فذلك سر التوكل وحقيقته. والشريعة أمرت العامل بأن يكون قلبه منطوياً على سراج التوكل والتفويض والذي يحقق التوكل هو القيام بالأسباب المأمور بها فمن عطّلها لم يصح توكله ( الحمد، 1419هـ). قال تعالى : "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" (الطلاق: 3 ) وصدق إذ يقول " فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين "( آل عمران: 159 ).

    •- إحسان الظن بالله: فذلك موجب لراحة القلب، وطمأنينة النفس، فالله - عز وجل عند ظن العبد به ، فالمؤمن الحق يحسن ظنه بربه ويعلم أنه - عز وجل - لا يقضي قضاء إلا وفيه تمام العدل .فعند مسلم في كتاب الجنة باب ألأمر بحسن الظن بالله عند الموت"عن جابر رضي الله عنه أن الرسول r فال:لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله".

    •- وكما كان للعلماء العرب آراؤهم في الصحة النفسية والعلاج . اعتبر الفيلسوف
    (ابن سينا) من أوائل المعالجين النفسانيين ، وكان (الرازي) من أهم أطباء النفس وممن استخدم التحليل النفسي في علاج كثير من الأمراض النفسية اما (الفارابي) فيرى ان شعور الإنسان بالأمن وتمتعه بالصحة النفسية يأتي من خلال تماسك الجماعة كوسيلة للتخفيف من القلق ولتقويم الذات وتحديد السلوك الصحيح السوي ، أما (ابن خلدون) الذي تحدث عن تأثير المناخ ومستوى الخصب وطراز الحكم السائد ومستوى التطور في السمات الشخصية وما ينشأ ذلك من الآثار الجسمية والنفسية على الفرد

    •- كما نوصي بنشر الوعي الصحي لدى أفراد المجتمع.. للوقاية من الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية وفهم طبيعة هذه الأمراض النفسية دون خوف أو مبالغة وأهمية اللجوء إلى الاختصاصيين في هذا المجال بعيدا عن أعمال السحرة والمشعوذين.. وما شابههم, وبعيدا عن أي تفكير خرافي غير علمي أو غير صحيح..

    - وإتاحة الفرصة أمام الشباب لممارسة أدوارهم بحرية واستقلال

    - ضمان حرية تكوين المؤسسات والتنظيمات الشبابية والانضمام إليها ورفع القيود التي تحول دون استقلالها وقيام مؤسسات التربوية والتعليمية وفضلا عن مؤسسات المجتمع المدني بدورها بنشر الوعي الصحي لدى أفراد المجتمع والتأكيد على التفكير العلمي الصحيح في معالجة الأزمات النفسية .

    - دعوة وسائل الإعلام إلى التركيز على نشر المبادئ المساواة وعدم التمييز والتسامح وقبول الأخر وتعميق الحوار بين مكونات المجتمع المختلفة .

    هناك بعض المؤشرات التي تشير إلى التوافق والصحة النفسية للفرد كما ورد في كتاب الداهري ، والعبيدي ، 1999 :

    1- النظرة الواقعية للحياة .

    تجد الفرد مقبلا على الحياة بكل ما فيها من أفراح وأتراح ، واقعيا في تعامله متفائلا مقبلا سعيدا متوافقا اجتماعيا نفسيا .

    2- مستوى طموح الفرد .

    لكل فرد مطامح وآمال ، وبالنسبة للمتوافق تكون طموحات الفرد عادة في مستوى إمكانات تحقيقها ، ويسعى من خلال دافع الانجاز لتحقيق مطامحه المشروعة في ضوء إمكاناته ، ويشير هذا إلى توافق هذا الفرد والعكس هو صحيح .



    3- الإحساس بإشباع الحاجات النفسية .

    حتى يتوافق الفرد ويتمتع بالصحة النفسية فان احد مؤشرات ذلك ان يحس بان حاجاته النفسية مشبعة لديه .

    4- توافر مجموعة من سمات الشخصية

    من أهم سمات الشخصية التي تشير إلى التوافق والصحة النفسية :

    أ-الثبوت الانفعالي (Emotional Stablity)

    تتمثل في قدرته على تناول الأمور بأناة وصبر لا يستفز او يستثار من الأحداث التافهة ويتسم بالهدوء والرزانة ، يثق به الناس ، عقلاني في مواجهة الأمور ، يتحكم في انفعالاته خصوصا انفعال الغضب والخوف والغيرة .

    ولا يولد الشخص بهذه السمة ولكن تنمو معه أي تكتسب في ظل بيئة أسرية هادئة فيها التعاطف والثقة بالنفس بين أفرادها كذلك الحال في مواقف الحياة التي واجهها الفرد وقد ثبت ان الآباء العصابيين مثلا تتكون لدى أبنائهم صفة القلق الانفعالي مما يدل على ان البيئة العصابية المشحونة بالتوتر تولد قلقا .

    ب- اتساع الأفق (Broad Mindedness)

    تتمثل بقدرة الفرد الفائقة على تحليل الأمور وفرز الايجابيات من السلبيات .

    يتسم الفرد بالمرونة واللانمطية ويميل إلى القراءة ، ويتابع المستحدثات في المجالات المختلفة، وهو نقيض للشخص ضيق الأفق (Narrow Minded) المنغلق على نفسه والذي لا يرى الا ما تحت انفه ويصعب التعامل معه ومن ثم يعاني من سوء التوافق .

    جـ- التفكير العلمي (Scientific Thinking)

    تتمثل بالتوافق مع النفس ، ومع الآخر ، والقدرة على تفسير الظواهر والأحداث تفسيرا علميا مبنيا على فهم المسببات وفهم القوانين التي تحكم هذه الظواهر ، ومن ثم يستطيع ان يتنبأ وان يضبط المواقف ويبتعد عن التفكير الخرافي والميتافيزيقي ، ثم تتسم انفعالاته بالتوازن وتتسم شخصيته بالهدوء والتوافق .



    د- مفهوم الذات (Self Concept)

    تعد هذه السمة من السمات التي تشير إلى توافق الفرد من عدم توافقه فإذا كان مفهوم الذات عنده يتطابق مع واقعه أو كما يدركه الآخر يكون متوافقا ، وإذا كان مفهوم الذات لديه متضخما ، أدى به هذا إلى الغرور والتعالي مما يفقده التوافق مع الآخر .

    وإذا اتسم فرد ما بمفهوم ذات متدني عن الواقع وعن إدراك الآخرين له ، فان سلوكه يتسم بالدونية (الإحساس بالنقص) ويؤدي به إلى سوء التوافق.

    هـ. المسؤولية الاجتماعية (Social Responsibility)

    المقصود بها إن يحس الفرد بمسؤوليته إزاء الآخرين وإزاء المجتمع بقيمه ومفاهيمه ، وفي هذه الحالة يكون الشخص غيريا (أي يهتم بالغير) ثم يبتعد عن الأنانية ويتمثل في سلوك الفرد والاهتمام بمجتمعه والدفاع عنه وحماية منجزات هذا المجتمع وعدم التفريط في مصادر الثروة .

    و- المرونة (Flexability)

    وهي نقيض التصلب (Riqidity) ، ان يكون الشخص متوازنا في تصرفاته أي بعيدا عن التطرف في اتخاذ قراراته وفي الحكم على الأمور والبعد عن التطرف مما يجعل الشخص مسايرا ومغايرا أي يساير الآخرين في بعض المواقف التي تتطلب ذلك ، وهو نهج ديمقراطي وان يغايرهم اذا رأى وجهة نظر واقتنع بها يتمثل في سلوك الشخص المتوافق بعدي الاعتمادية والاستقلالية .

    5- توافر مجموعة من الاتجاهات الاجتماعية الايجابية :

    يتمثل في الشخص المتوافق مجموعة مكتسبة من الاتجاهات التي تسير حياة الفرد فالتوافق يتلازم مع الاتجاهات والقيم والأعراف والتقاليد السائدة في ثقافته والمجتمع الذي يعيش فيه .

    6- توافر مجموعة من القيم (نسق قيمي) :

    يتمثل في الشخص المتوافق نسق للقيم على سبيل المثال ، القيم الإنسانية ، حب
    الناس ، التعاطف ، الإيثار ، الرحمة ، الشجاعة ، في مواجهة الحق . فضلا على ان القيم الجمالية ، تثقيف الحواس ، فالعين المثقفة تستطيع ان ترى جمال اللون ، والإذن المثقفة تستطيع إن تسمع جمال الصوت أو اللحن ، أما القيم الفلسفية فتشكل (ركيزة الشخصية المتوافقة)





    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

    - See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=54932#sthash.lPLqEAUc.dpuf

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 11:31 pm