الوحدة النفسية .. مفهومها أشكالها وأسبابها وعلاجها
د. فضيلة عرفات
19/08/2009
قراءات: 85103
يعاني الإنسان المعاصر في المجتمعات كافة من مشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية ومهنية عدة نتيجة للتطور التكنولوجي الهائل والسريع الذي يعجز الفرد من ملا حقته فضلا عن التغيرات التي لحقت بالقيم الإنسانية فضلا عن التحولات السريعة التي مرت بها العراق الجريح بسبب الحروب التي تعرض لها وما صاحبها من حصار اقتصادي دام سنين طويلة واحتلال منذ عام 2003 ولحد الآن وما رافق ذلك من عمليات تهجير وتدمير قتل ،مما أدى إلى أضرار نفسية كبيرة بالفرد العراقي ، ومن هذه المشكلات النفسية مشكلة الشعور بالوحدة النفسية،ان الشعور بالوحدة النفسية حالة ينفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية بسبب امتلاكه نظاماً اجتماعياً ، يتأثر به ويؤثر فيه ، وأي خلل قد يحدث في الأواصر التي تربط الإنسان بغيره من أبناء جنسه أو أي تغير يحدث في النظام الاجتماعي ، ينعكس على الفرد ، وينتج عنه اضطراب في الطابع الاجتماعي المكتسب لدى الأفراد ، ما يولد لديهم الشعور بالاغتراب أو الانعزال أو معاناة الوحدة النفسية وكما تترك آثارا على الفرد حيث من شأنها أن تؤثر على مجمل نشاطاته كما أنها تُعد نواة لمشكلات أخرى.
كما يشير العالم رايز مان ( Riesman 1995 ): بان معظم الأفراد لا يستطيعون التعايش مع متطلبات التقدم التكنولوجي الهائل دون أن يتعرضوا إلى الكثير من صور الإحساس بالوحدة النفسية ، كما يعتبر الإحساس بالوحدة النفسية تعد نقطة البدء لكثير من المشكلات التي يعاني منها الإنسان المعاصر لأنها تأثيراتها تتبادل فيما بينها في حلقة دائرية إذ تؤثر الواحدة بالأخرى .
وكما يرى الدكتور فيصل محمد خير: "الحياة الإنسانية في مجتمعاتنا المعاصرة تعقدت كثيرا ولم تعد بهذه البساطة التي كانت عليها في السابق, لقد تفاقمت صعوبات الحياة وتعددت مشاكل الإنسان وزادت الأعباء وأصبح من الصعب على الإنسان تحقيق معظم حاجاته وطموحاته أو أن يسلك في الحياة دون معاناة أو ألم، وهذه الظروف الحياتية الصعبة والمتلاحقة بما فيها الظروف المادية الصعبة والتغيرات السريعة التي طرأت على مجتمعاتنا العربية والتحديات التي تواجه هذه المجتمعات والحروب المتلاحقة والعدوان والدمار وغير ذلك زادت من معاناة الإنسان وصراعاته الفكرية والنفسية كما زادت من الضغوط النفسية ومن حالات الإحباط والقلق والحرمان والاكتئاب والشعور بالوحدة النفسية والاغتراب ........... وجعله ذلك يفقد توازنه العقلي والنفسي ويعرضه إلى العديد من الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية ويضعف قدرته على العمل والعطاء والإنجاز كما يؤثر سلبا على صحة الإنسان وبيئته ومجتمعه, وهذا الحال ينطبق على كل إنسان ذكرا أم أنثى صغيرا أو كبيرا
كما أشارت نتائج بعض الدراسات إلى وجود ارتباط موجب بين إحساس الأبناء بالوحدة النفسية ومتغيرات اضطراب العلاقات الوالدية والتفكك الأسري والاتجاهات السلبية التي تتمثل في إثارة الألم النفسي والقسوة والتفرقة والإهمال والتذبذب في المعاملة
كما أشار دراسة سموند Symond1939) ):إلى إن أبناء الآباء المسيطرين أكثر حساسية ويتسمون بالخجل والانعزال على أنفسهم ,وان الوحدة النفسية نقطة البداية لكثير من المشكلات التي يمكن أن يعاني ويشكو منها الفرد ، يتصدرها الشعور الذاتي بعدم السعادة والتشاؤم ، فضلاً على الإحساس القهري بالعجز ، نتيجة للانعزال الاجتماعي والانفعالي .
كما أشار ( قشقوش ، 1983 ): إلى إن الإحساس بالوحدة النفسية يمثل واحدة من المشكلات الخطرة في حياة إنسان هذا العصر ، حيث تُعد هذه المشكلة نقطة البداية لكثير من المشكلات التي يعانيها ويعيشها ويشكو منها الإنسان . وتترك آثارها على الفرد حيث من شأنها أن تؤثر على مجمل نشاطاته كما أنها تُعد نواة لمشكلات أخرى .
كما يرى (عبد الرحيم ، 2001 )إلى إن الشعور بالوحدة النفسية مشكلة معقدة الأبعاد تنتاب الأفراد بدرجات متفاوتة من الحدة ، ويجب دراستها عبر المجتمعات والثقافات المتنوعة للوقوف على حجم انتشارها وتوفير المعالجات الفعالة لها .
وكما يشير (خضر والشناوي ، 1988):الشعور بالوحدة النفسية حالة يشعر بها الفرد بشيء ينقصه ، والمظهر الأساسي للوحدة هو الوحشة (A lonely) والشخص الذي يشعر بالوحدة يصل إلى الناس ولكنه لا يستطيع أن يتواصل معهم ومن ثمَّ لا يستطيع استبعاد عنصر الوحشة .
وتنشأ الوحدة النفسية بسبب عدم رضا الفرد عن علاقاته الاجتماعية ، حيث يشير كوفيل وأكاماتسو (Cuffel & Akamatsu 1989) إلى أن أفضل أسلوب لتقييم الوحدة من خلال مستويات الرضى عن العلاقات الاجتماعية . فالوحدة ترتبط ارتباطاً عالياً بالرضا عن العلاقات الاجتماعية أكثر منها بأي مستوى مطلق من العلاقات الشخصية.
وقد وصف جونز (Jones, 1980) مشاعر الوحيدين على لسانهم ، ومنها العجز ، وانعدام الأهمية ، والانفصال ، والتعاسة ، والرفض ، كما ذكر الوحيدون أن أحداً لا يقبلهم أو يحبهم أو يفهمهم وأنهم ضجرون) .
وقد أظهرت بعض الدراسات منها دراسة مارتن (Martin, 1972) : إلى أن الوحدة النفسية مشكلة مؤلمة ومنتشرة بين الفئات العمرية جميعها ، إلاّ أنها تبلغ ذروتها في فترة المراهقة.
وأشارت دراسة (الأشول 1982 ) أسباب الشعور بالوحدة النفسية تعزى إلى أسباب المعاملة الوالدية سواء كانت قسرية ، أو متساهلة ، أو التغيرات السريعة ، إلى خبرات الطفولة ، وعدم تفهم الكبار للمراهقين والعمل على حل مشكلاتهم .
ويشير العالم ساندبرج (Sandburg, 1988) إلى إن الوحدة النفسية مشكلة حقيقية ودائمة بالنسبة إلى بعض من الأفراد وعندما يشعر الناس بالوحدة فإن هذا الشعور يشمل كل نواحي حياتهم لما يترتب عليها من تأثيرات سلبية على شخصية الفرد وتوافقه النفسي والاجتماعي .
وتبرز أهمية دراسة الشعور بالوحدة النفسية ، لأنها تمثل خبرة غير سارة ، تدل على عدم وجود التوافق ، وبصحبها العديد من حالات صعوبة الاندماج الاجتماعي على الرغم من وجود الأفراد في الجماعة . وقد أكدت الكثير من الدراسات منها دراسة عبد الرحيم ، 2001أهمية دراستها وتحديد مدى انتشارها ، وذلك من أجل وضع المعالجات المناسبة لها . وقد أكد الساعاتي (1990) أن الاهتمام النظري والتجريبي الجاد بالوحدة النفسية بدأ عندما نشر ويز (Weiss, 1973) كتاب (الوحدة النفسية تجربة العزلة العاطفية والاجتماعية) . كما نشر راسل وآخرون (Russell, et, al. 1978) . أول مقياس صادق وثابت للوحدة النفسية.
وقد وصف ((ابراهام ماسلو)) الشعور بالوحدة النفسية بأنه سلوك ينتج بسبب عدم إشباع حاجات الحب والاحترام والانتماء ، ومن شأنه أن يؤدي إلى صعوبة تحقيق الفرد لذاته .
كما اتجه الباحثون إلى دراسة الوحدة النفسية باعتبارها نتاجا للعلاقات الانفعالية والاجتماعية غير المرضية فضلا عن اتسامها بخاصية الإشباع الى جانب ذلك وصف بعض الباحثين الوحدة النفسية بأنها حالة تترسب تدريجيا في نفسية الفرد نتيجة تعرضه لظروف ذات خاصية معينة .
كما رأت روكاتش (2004 Rokach) : ان الوحدة النفسية حالة إنسانية حتمية يتعذر الهروب منها يعاني من آلمها بدون استثناء الغني والفقير الحكيم والجاهل المؤمن بالله والملحد السليم جسميا والعليل في هذا الكون
كما ترى روكاتش ان Lonely)وِAlone ) مصطلحين مشتقان من نفس الكلمة الانكليزية All one) ) إلا إنهما ليسا مترادفين فمن الممكن أن يكون الإنسان وحيدا (Lonely )بدون أن ينفرد بنفسه Alone) ) ومن الممكن أيضا أن يكون الإنسان منفردا بنفسه ولا يشعر بالوحدة النفسية لان الانفراد بالنفسAloneness) ) والذي يعني البعد عن الآخرين والأهل والأصدقاء يختلف عن الوحدة النفسية Loneliness) ) الذي يعاني منها الفرد حتى ولو كان بين أهله وأصدقائه
وكما أشارت نتائج دراسة (خضر والشناوي 1988) : إلى وجود علاقة بين الشعور بالوحدة النفسية وبين تبادل العلاقات الاجتماعية ، وهنالك علاقة سالبة بين الشعور بالوحدة النفسية وكل من تبادل العلاقات الاجتماعية والانبساطية ، ووجود علاقة موجبة بين الشعور بالوحدة النفسية والعصابية .
أما دراسة ( قشقوش 1988 ): أشارت أهم نتائجها إلى أن الإحساس بالوحدة النفسية يسهم في الأبعاد التوادية ، كما ان إسهام الجنس محدود في هذه الأبعاد ، وهنالك علاقة تبادلية عكسية بين الإحساس بالوحدة النفسية والعزلة الاجتماعية .
وكما أشارت دراسة (Schill, 1981) إلى وجود علاقة من الوحدة النفسية . والقدرة على التكيف في مواجهة ضغوط الحياة .
وكما أشارت دراسة شميث وكيورديك ((Shmitt & Kurdek, 1985 إلى وجود فروق دالة بين العمر والجنس ، كما ظهر عدم رضا الطالبات عن علاقاتهن الأسرية مقارنة بالنساء الأكبر سناً اللواتي أعربنَ عن عدم الرضا عن نمط صداقاتهن الرومانتيكية، وأن الوحدة النفسية لدى النساء الأكبر سناً تختلف عن النساء الأصغر سناً ، حيث ان الوحدة النفسية تنشأ عند النساء الأكبر سناً بسبب الخسائر ذات الطبيعة الدائمة كالترمل. أما لدى النساء الأصغر فترتبط الوحدة النفسية بالتغيرات العرضية في طبيعة العلاقات.
فلقد كان لكتاب فايس( Weiss) عن الوحدة النفسية عام 1973 اكبر اثر في الاهتمام بموضوع الوحدة النفسية تأثر معظم الباحثين بكتابات فايس (Weiss)عن الوحدة النفسية
- مفهوم الوحدة النفسية Loneliness
وقد عرفه كل من :
- ويز (Weiss 1973) :
هي استجابة لغياب نوع محدد من العلاقات ، أو على درجة أدق استجابة لغياب عنصر علائقي محدد .
- سيرمات (Sermat 1978)
بأنها عبارة عن الفرق بين أنواع العلاقات الشخصية التي يدرك الفرد انها لديه في وقت ما ، وتلك العلاقات التي يود أن تكون لديه بالاسترشاد بالخبرة السابقة أو بخبرة مثالية لم يسبق له معاينتها في حياته .
- كوبستانت (Kubistsnt 1981)
بأنها المشاعر الناتجة التي تعكس افتقار الشخص لشيءٍ ما في حياته ، أو كون الشخص لا يعالج حالات أو ظروف معينة معالجة صحيحة .
- قشقوش 1983
بأنها حالة نفسية يصاحبها أو يترتب عليها كثير من صنوف الضجر والتوتر والضيق لدى كل من يشعر بها أو يعانيها .
- الرازي 1983
(الوحدة) تعني في اللغة : (الإنفراد) أي أن يكون الرجل في نفسه منفرداً والوحيد أي (المنفرد) يقال توحد فلان برأيه أي تفرد به ، وفلان (واحد) أي لا نظير له .
- بيرنز Burns , 1985) ):
هي حالة من حالات تترتب على أفكار الفرد نفسه وتنشأ عنها ، أي ان الفرد يحتاج لشريك يحبه ويجعله يشعر بالبهجة والأمان والقدرة على الإنجاز .
- خضر والشناوي1988
بأنها الدرجات المرتفعة على مقياس الشعور بالوحدة المستخدم ، والشخص الوحيد هو الذي يشعر بأنه غير منسجم مع من حوله وأنه محتاج لأصدقاء ويغلب عليه الاحساس بأنه وحيد وأنه ليس من جماعة أصدقاء .
- الساعاتي 1990
هي شعور الفرد بأنه غير منسجم مع الآخرين ، وانه بحاجة إلى أصدقاء ، وأنه ليس هناك من يشاركه أفكاره واهتماماته ، ويمتلكه احساس بأنه وحيد ، ويشعر باهمال الآخرين ، وهو ليس جزءاً من جماعة من الأصدقاء ، وإن الناس مشغولون عنه ، وان علاقاته بالآخرين لا قيمة لها .
- عبد الرحيم 2001
بأنها عملية إدراك ذاتي ناتجة عن شعور الفرد بوجود فجوة في علاقاته الاجتماعية، وهي خبرة غير سارة تصاحبها مشاعر العزلة والخوف والانطواء والوحشة والاغتمام حتى في حالة وجوده مع الآخرين .
- المشهداني 2004
حالة نفسية يشعر فيها الفرد بنقص في العلاقات الاجتماعية ، وأنه غير منسجم مع من حوله وأنه ليس جزءاً من جماعة ، وأنه مهمل من الآخرين . ويشعر أنه وحيد ، ولا يجد من يشعر معه بالود والصداقة . والمظهر الأساسي للوحدة هو الوحشة .
- روكاتش (2004 Rokach):
الوحدة النفسية هي خبرة ذاتية ( ( subjective- experience قد يعاني منها الفرد على الرغم من وجوده مع غيره من الناس عندما تخلو حياته من علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة والمودة .
- جودة 2005
الوحدة النفسية خبرة شخصية مؤلمة يعيشها الفرد نتيجة شعوره بافتقاد التقبل والحب والاهتمام من قبل الآخرين بحيث يترتب على ذلك العجز عن إقامة علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة والمودة والصداقة الحميمة وبالتالي يشعر الفرد بأنه رغم انه محاط بالآخرين
وكما يشير العالم ود Wood, 1987) ) مهما اتفقت وجهات النظر أو اختلفت في تحديد الوحدة النفسية ووضع الأُطر المفاهيمية لها ، فان البحث فيها يحتاج إلى معرفة المزيد عنها ، وإلى اختيار فكرة الاتصال والحاجة إلى العلاقات التي لم تحض بالاهتمام الذي تستحقهُ .والشعور بالوحدة النفسية خاصية مرادفة للانعزال عن الجماعة ، ويكون فيها الفرد غير سعيد وتصاحبها مشاعر الحاجة إلى الرفقة والعشرة .
يرى فايس 1973 أن الوحدة النفسية تنجم عن العزلة الاجتماعية وتكون نتيجة انعدام الروابط الاجتماعية وتعتبر خبرة مؤلمة يصاحبها أعراض التوتر والاكتئاب وعدم الراحة.
كما اشارت دراسة مولينز وآخرون (1991،Mulling) والتي هدفت الى التعرف إلى طبيعة العلاقة بين الوحدة النفسية و العزلة الاجتماعية على عينة مكونة من (1005 ) فرد و قد توصلوا إلى أن الأفراد الذين يعيشون بمعزل عن الأصدقاء وبمعزل عن أفراد الأسرة كانوا أكثر إحساسا بالوحدة النفسية.
ومن أعراض الوحدة النفسية ، الشعور بالعزلة ، والاكتئاب ، والاغتراب والوحشة حتى في حضور الآخرين والانطواء .
يتضح أن هناك تداخلاً بين مفهوم الوحدة النفسية وبين كل من مفهوم الاغتراب والانعزال والاكتئاب والانطواء ،وان لكل من هذه المفاهيم عناصر مكونة ، أو تسهم في تكوين الوحدة ، وان من الخطأ استعمال أي من هذه المفاهيم منفصلة للتعبير عن الوحدة النفسية وفيما يأتي توضيح لهذه المفاهيم:
أ- الاغتراب (Alienation) :
وهو اضطراب نفسي يعبر عن اغتراب الذات عن هويتها وعن الواقع والمجتمع ، وهو غربة عن النفس وعن العالم ، ومن أهم مظاهره (العجز ، اللاجدوى ، أللانتماء ، الانسحاب ، الانفصال ، السخط ، الرفض ، العنف ، احتقار الذات ، كراهية الجماعة، والتفكك) ولها عدة أشكال منها الاغتراب الديني ، الاغتراب الفكري ، والاغتراب الاجتماعي ، والاغتراب الثقافي ، والاغتراب التقني ، والاغتراب التعليمي .
ب- الاكتئاب (Depression)
ينشأ الاكتئاب نتيجة للتعب الانفعالي ، ويمكن إن تكون خبرة محطمة ، وقد تكون تعبيراً عمّا يعانيه الفرد من إرهاق . كما يشير (حامد زهران 1977) إلى إن الوحدة النفسية تُعد أحد أسباب الاكتئاب ، وتمثل عرضاً من أعراضه .
جـ. الانعزال (Isolation)
هو عدم الاتصال بالجماعات البشرية بسبب عوامل جغرافية أو اجتماعية ، ويعني عدم مشاركة الفرد في شؤون الجماعة لعدم قدرته أو رغبته في ذلك .
وتتمثل حاجة الفرد للاختلاء بنفسه حاجة ملحة أخرى ، وقد يشعر الفرد المنعزل بالقلق المفرط إذا نظر إليه الآخرون ، ويؤدي الاكتفاء بالذات والاختلاء بالنفس إلى تطمين حاجته البارزة في الاستقلال التام بذاته .
وتمثل العزلة النواحي الأكثر إيجابية لكون الشخص وحيداً . فالوحدة إما أن تكون حالة كيانية مرتبطة بحضور الشخص نفسه ، أو حالة عقلية .
كما إن الوحدة النفسية مختلفة جدا عن العزلة.فالشخص يمكن إن يشعر بالوحدة في الزحام. في الواقع يكون الآلف الناس في الوسط السكاني الحضري الكثيف محبطين من الوحدة وتتضمن الوحدة عدم القدرة على كسر الحواجز الاجتماعية والذهنية التي يحيط الناس أنفسهم بها ولكن الوحدة قد تؤثر على الناس مثلما تؤثر العزلة الاجتماعية عليهم .
د- الانطواء :
هو نمط من أنماط الشخصية ، والمنطوي فردٌ يُؤثر العزلة والاعتكاف ، ويجد صعوبة في الاختلاط بالناس ، يقابل الغرباء بحذر وتحفظ وهو خجول ، شديد الحساسية ، يجرح شعوره بسهولة ، وكثير الشك ، ويكلم نفسه ، يستسلم لأحلام اليقظة ، يهتم بالتفاصيل ويضخم الصغائر ، دائم التأمل في نفسه وتحليلها . ، ولديه رغبة في الانعزال والوحدة ، ويتجنب التماس مع الواقع إلاّ بأقل قدر لازم .
وأشارت نتائج الدراسات نيجو (Nigro 1988 ) :أن كلاً من الوحدة النفسية والاكتئاب ، يرتبطان بأساليب عزو متماثلة ، وسمات شخصية معينة وان كليهما يظهر تأثيرات مستقلة ، أحدهما عن الآخر.
أما دراسة (ويكس وآخرين Weeks, et. al, 1980) فأشارت إلى وجود علاقة إيجابية بين الوحدة والاكتئاب.
- أشكال الوحدة النفسية Forms of Loneliness
إن ظاهرة الوحدة النفسية تفتقر إلى الدراسات والمجالات التي هدفت إلى تحديد أنواع وأشكال الوحدة النفسية ، بسبب قلة الكتابات والمعالجات النظرية التي تناولت هذه الظاهرة.
وهناك بعض الدراسات قد ساهمت في وضع تصنيفات لأشكال الوحدة ، حيث يرى ويز (1973) تحديداً لأشكال الوحدة ان هناك نوعين متميزين من الوحدة ، هما :
1- الوحدة العاطفية (Emotional Loneliness)
تنشأ جرّاء الافتقار إلى صلة حميمة ووثيقة بشخص آخر ، فالأفراد الذين قد انفصلوا عن أزواجهم بالوفاة أو أنهوا علاقة طويلة ، يعيشون هذا النوع من الوحدة النفسية .
وكذلك فقدان العلاقات الودودة والحميمة بشخص معين ، كالوالدين ، أو شريك يشاطر الشخص تجاربه العاطفية العميقة ، ويشاركه السكن ، ويتحمل معه أعباء ومسؤوليات العمل التي لا يستطيع أن يتحملها بمفرده ، قد تؤدي إلى الشعور بالوحدة العاطفية .
2- الوحدة الاجتماعية (Social Loneliness)
أما هذا النوع من الوحدة فينشأ من الافتقار إلى شبكة من العلاقات الاجتماعية ، يكون الفرد فيها جزءاً من جماعة الأصدقاء ويتشاطر معهم مصالح واهتمامات مشتركة والأفراد الذين ينتقلون منذ فترة قصيرة إلى بيئة اجتماعية جديدة (كمدينة جديدة أو عمل جديد) يعيشون هذا النوع من الوحدة .
حيث ان من يفتقد مجموعة من الأصدقاء والأشخاص الذين كانت تربطهم به صداقات أو علاقات اجتماعية بسبب الانتقال إلى مكان جديد او تغيير سكن او غيرها ، فإن الفرد في هذه الحالة وبحسب تصنيف (ويز) يتولد لديه شعور بالوحدة الاجتماعية .
ويعتمد تصنيف (ويز) للوحدة النفسية على اعتقاده القائل ان الأنواع المختلفة من العلاقات تُشبع حاجات مختلفة أو تقدم ظروف اجتماعية مختلفة .
ويعد تصنيف (ويز) الأنموذج السائد حالياً ويلقى قبولاً أكثر من غيره من النماذج . إلاّ أنه لا يعني أفضل النماذج . فقد افترض ماوستاكاز (1961) وجود الوحدة النفسية الوجودية فضلاً عن النوعين اللذين جاء (ويز) على ذكرهما .
أما ميز فايس Weiss بين شكلين من إشكال الوحدة النفسية
- الوحدة النفسية الناشئة عن الانعزال الانفعالي Emotional -isolation) )
ناتج عن غياب الاتصال والتعلق الانفعالي
- الوحدة النفسية التي تنجم عن العزلة الاجتماعية Social - isolation))
ناتج عن انعدام الروابط الاجتماعية
- أما العالم يونج Young ميز بين ثلاثة إشكال أخرى للوحدة النفسية وهي : -
- الوحدة النفسية العابرة Transient))
والتي تتضمن فترات من الوحدة النفسية على الرغم إن حياة الفرد الاجتماعية تتسم بالتوافق .
- الوحدة النفسية التحولية : (Transitional )
وفيها يتمتع الفرد بعلاقات اجتماعية طيبة في الماضي القريب ولكنه يشعر بالوحدة النفسية حديثا نتيجة تعرضه لبعض المتغيرات المستجدة مثلا وفاة شخص عزيز ...
- الوحدة النفسية المزمنة Chronic) )
والتي قد تستمر فترات طويلة تصل إلى سنين وفيها يفقد الفرد الشعور بالرضا فيما يتعلق علاقاته الاجتماعية .
- أما قشقوش فقد قدم لنا تصنيفاً مبنياً أساساً على تصنيف (ويز) في دراسة (1983) ويتضمن ثلاثة أشكال للوحدة النفسية ، إذ يشير إلى ان الإحساس بالوحدة النفسية ، يمكن أن يتخذ واحدة من صور وأشكال متعددة تتضمن
أولاً : الوحدة النفسية الأولية
وتوصف بأنها سمة سائدة أو منتشرة في الشخصية أو بأنها اضطراب في إحدى سمات الشخصية وهي ترتبط او تتصاحب في الحالتين بالانسحاب الانفعالي عن الآخرين.
ويشير قشقوش (1983) إلى وجود منحنيين لتفسير مقدمات الإحساس بالوحدة النفسية الأولية :
الأول يعرف بالمنحنى النمائي ، حيث ان اضطراب التفاعل الاجتماعي يعزى إلى وجود تباطؤ أو تخلف في التتابع الطبيعي لنمو الشخصية .
أما المنحنى الثاني ويعرف بالمنحنى النفسي الاجتماعي حيث تعزى أسبابه الى وجود عجز أو قصور في الوظائف التي تحكم عملية التفاعلات المتبادلة .
ثانياً : الوحدة النفسية الثانوية
يتمثل هذا الشكل من أشكال الإحساس بالوحدة النفسية بحرمان الفرد من العلاقات العاطفية والحميمة ، ويحدث فجأة استجابة من جانب الفرد لحرمان مفاجئ يطرأ في حياته من أفراد آخرين ، يعدهم ذوي أهمية لديه ، ويظهر هذا الشكل عقب حدوث مواقف في حياة الفرد ، كالطلاق ،والترمل ، وتمزق أو تصدع علاقات الحب والحنين للأسرة والوطن.
ثالثاً : الوحدة النفسية الوجودية
يعد الإحساس بالوحدة النفسية الوجودية هو حالة إنسانية طبيعية في نظر الكثير من كتاب المدرسة الوجودية ، إذ يعدون هذا الإحساس بمثابة حالة حتمية يتعذر الهرب منها مثل ماي (1953) فروم (1959) وموستكاز (1961) .
أما كيوبستانت Kubistant, 1981) ) : فيتفق معهم في إن الوحدة الوجودية هي الحالة التي تعكس الكيانية الفريدة من نوعها للشخص ، التي تحدد الأبعاد الوجودية للذات الإنسانية ، ومجالات الوحدة النفسية الوجودية تُعد مألوفة في الحياة .
- أسباب الوحدة النفسية
ان الشعور بالوحدة النفسية ليس له سبباً واحداً ، وللوقوف على أهم الأسباب والعوامل التي تشكل أو تؤدي إلى شعور الفرد بالوحدة النفسية ، هناك بعض الدراسات والبحوث التي اهتمت بتشخيص أسباب الوحدة النفسية ، التي اتفقت معظمها تقريباً ، على أن من أهم أسباب الوحدة هي الحاجة إلى الأواصر والعلاقات الاجتماعية والعاطفية
وقد شخَّص سوليفان (1954) أحد أسباب الوحدة النفسية بأنها تنشأ عن حاجة الطفل إلى الاتصال ، أي حاجة الطفل إلى وليف ، وحاجة المراهق إلى القبول في بيئته الاجتماعية ، وحاجة البالغ إلى الانضمام في جماعة .
وتتفق كلاين (1975) مع سولفيان في تفسير الوحدة من خلال المراحل التطورية . فأرجعت الحاجة إلى علاقة ودّية للطفل قبل تطويره لملكة الكلام ، وأن صعوبة وجود مثل هذه العلاقة قد يؤدي إلى الشعور بالوحدة النفسية .
أما ويز (1973) فيشخص الأسباب المؤدية للوحدة النفسية ويحددها لمجموعتين من الأسباب :
الأولى : تتصل بالمواقف الاجتماعية . (Situational) .
الثانية : تتصل بالفروق الفردية أو ما يُعرف بمجموعة الخصائص . (Charactarological) .
ويرى جونز (1982) ان الأسباب الخاصة للشعور بالوحدة النفسية ، لا تكمن في كثير من الخصائص الموضوعية للبيئة الاجتماعية للشخص الوحيد ، مثل عدد الأصدقاء وكمية الاتصال الاجتماعي بقدر ما يكمن في كيفية إدراك الشخص الوحيد لواقع علاقاته الشخصية وتقويمه واستجابته لها .
ومن ناحية أخرى يرى يونك (1979) أن ظهور الوحدة النفسية يعتمد على مسببات مختلفة ومضامين علاجية مختلفة ويُقيم نظريته على مفاهيم التعزيز الاجتماعي والتعلم المعرفي عبر مراحل الحياة . ويوصي بتضمين العناصر المعرفية بمعالجة الوحدة .
وهذا التصور ينتج بسبب غياب تعزيزات اجتماعية مهمة ، فضلاً على الجوانب العقلية الأخرى .
وقد يرجع سبب الشعور بالوحدة النفسية من قلة العلاقات الحميمة بمعنى أن الإنسان لا يجد الصديق الوفي المخلص المتعاون الصادق الذي يمكن أن يثق فيه .
وهناك الفتاة الوحيدة منذ الصغر ، التي لم يسبق لها أن أقامت علاقات مع الآخرين.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى وحدة الإنسان وعزلته اعتلال الصحة وضعفها ، أو موت شريك أو صديق عزيز ، أو الانتقال إلى مكان جديد أو الهجرة الدائمة أو المؤقتة ، كالهجرة إلى الدراسة أو العمل ، والحركة الدائمة التي جعلت كثيراً من الناس أن يقطعوا صداقاتهم السابقة وأن يتحللوا من الروابط الأسرية ، وانصراف الأبناء عن الأسرة ، وقد ترجع الوحدة إلى التقدم بالسن .
وقد ترجع الوحدة إلى التكوين النفسي للفرد نفسه حيث يفضل بعض الأشخاص الوحدة والعزلة والانسحاب من معترك الحياة الاجتماعية ، أو يفتقدون الشعور بالثقة في أنفسهم أو يشكون في نوايا الآخرين نحوهم ، أو يشعرون بالتعالي عن الآخرين ، أو لشعورهم بالفقر ، أو العجز عن مجارات زملائهم ، أو رفض مخالطة أقران السوء ، وقد يكون الشخص الذي يشعر بالوحدة فيه من السمات والخصائص المُنفِّرة ، مما تجعل الناس ينفرون منه وينصرفوا عنه ولا يقيمون معه علاقات لاتصافه بالكذب والاستغلال والابتزاز والوشاية والغيبة والنميمة .
وهناك سبب شائع للوحدة النفسية ، هو الاعتقاد أن أحداً لا يقدر أن يفهم أو يولي اهتماماً بالذات الداخلية للفرد عندما تزول كل الأشكال المصطنعة للذات . وأن الاعتقاد بأن الذات الداخلية مكروهة وان مصيرها الرفض ومنع مشاركة الذات الداخلية مع الآخرين مشاركة حية يؤدي بدوره إلى الشعور بالوحدة .
وهناك عدد كبير من حوادث الحياة بعضها لا علاقة له بالعلاقات الاجتماعية من شأنه إثارة الشعور بالوحدة .
ويقترح سيرمات (1978) ان مشاعر الوحدة تنتج من الحاجة إلى فرصة الارتباط بآخرين على أساس من الود ، وأن يكون الفرد قادراً على التعبير عن أفكاره وعواطفه بحرية تامة ومن دون خوف من الرفض أو سوء الفهم .
وأحياناً يكون الفرد راغباً في التمتع بالبقاء بمفرده وحده ، وهذه الرغبة طبيعة في الطبيعة البشرية وفي الوجود البشري ، حيث يخلو الإنسان إلى نفسه متأملاً مفكراً مسترجعاً أحداث الحياة ، مخططاً للمستقبل القريب أو البعيد ، وقد يستمتع بهذا البقاء وحيداً، وقد يتخلص الفرد من مثل هذه المواقف والأسباب عن طريق الانفتاح الذاتي ، حيث يفتح ذاته للآخرين ويعطي معلومات عن نفسه لهم ، ويستقبل منهم معلومات مماثلة لكي يقيم علاقات واتصالات اجتماعية مع الغير ، ولكن إذا أفضى الانسان بكل أسراره ، فقد يتعرض باستخدامها لمحاربته من قبل من أدلى إليه بها ، لذلك فالإفصاح عن الذات يجب أن يكون في إطار حدود معينة .
أهم وجهات النظر التي طرحها بعض العلماء والمنظرين في بعض المدارس النفسية المختلفة .
- See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=54932#sthash.lPLqEAUc.dpuf
د. فضيلة عرفات
19/08/2009
قراءات: 85103
يعاني الإنسان المعاصر في المجتمعات كافة من مشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية ومهنية عدة نتيجة للتطور التكنولوجي الهائل والسريع الذي يعجز الفرد من ملا حقته فضلا عن التغيرات التي لحقت بالقيم الإنسانية فضلا عن التحولات السريعة التي مرت بها العراق الجريح بسبب الحروب التي تعرض لها وما صاحبها من حصار اقتصادي دام سنين طويلة واحتلال منذ عام 2003 ولحد الآن وما رافق ذلك من عمليات تهجير وتدمير قتل ،مما أدى إلى أضرار نفسية كبيرة بالفرد العراقي ، ومن هذه المشكلات النفسية مشكلة الشعور بالوحدة النفسية،ان الشعور بالوحدة النفسية حالة ينفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية بسبب امتلاكه نظاماً اجتماعياً ، يتأثر به ويؤثر فيه ، وأي خلل قد يحدث في الأواصر التي تربط الإنسان بغيره من أبناء جنسه أو أي تغير يحدث في النظام الاجتماعي ، ينعكس على الفرد ، وينتج عنه اضطراب في الطابع الاجتماعي المكتسب لدى الأفراد ، ما يولد لديهم الشعور بالاغتراب أو الانعزال أو معاناة الوحدة النفسية وكما تترك آثارا على الفرد حيث من شأنها أن تؤثر على مجمل نشاطاته كما أنها تُعد نواة لمشكلات أخرى.
كما يشير العالم رايز مان ( Riesman 1995 ): بان معظم الأفراد لا يستطيعون التعايش مع متطلبات التقدم التكنولوجي الهائل دون أن يتعرضوا إلى الكثير من صور الإحساس بالوحدة النفسية ، كما يعتبر الإحساس بالوحدة النفسية تعد نقطة البدء لكثير من المشكلات التي يعاني منها الإنسان المعاصر لأنها تأثيراتها تتبادل فيما بينها في حلقة دائرية إذ تؤثر الواحدة بالأخرى .
وكما يرى الدكتور فيصل محمد خير: "الحياة الإنسانية في مجتمعاتنا المعاصرة تعقدت كثيرا ولم تعد بهذه البساطة التي كانت عليها في السابق, لقد تفاقمت صعوبات الحياة وتعددت مشاكل الإنسان وزادت الأعباء وأصبح من الصعب على الإنسان تحقيق معظم حاجاته وطموحاته أو أن يسلك في الحياة دون معاناة أو ألم، وهذه الظروف الحياتية الصعبة والمتلاحقة بما فيها الظروف المادية الصعبة والتغيرات السريعة التي طرأت على مجتمعاتنا العربية والتحديات التي تواجه هذه المجتمعات والحروب المتلاحقة والعدوان والدمار وغير ذلك زادت من معاناة الإنسان وصراعاته الفكرية والنفسية كما زادت من الضغوط النفسية ومن حالات الإحباط والقلق والحرمان والاكتئاب والشعور بالوحدة النفسية والاغتراب ........... وجعله ذلك يفقد توازنه العقلي والنفسي ويعرضه إلى العديد من الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية ويضعف قدرته على العمل والعطاء والإنجاز كما يؤثر سلبا على صحة الإنسان وبيئته ومجتمعه, وهذا الحال ينطبق على كل إنسان ذكرا أم أنثى صغيرا أو كبيرا
كما أشارت نتائج بعض الدراسات إلى وجود ارتباط موجب بين إحساس الأبناء بالوحدة النفسية ومتغيرات اضطراب العلاقات الوالدية والتفكك الأسري والاتجاهات السلبية التي تتمثل في إثارة الألم النفسي والقسوة والتفرقة والإهمال والتذبذب في المعاملة
كما أشار دراسة سموند Symond1939) ):إلى إن أبناء الآباء المسيطرين أكثر حساسية ويتسمون بالخجل والانعزال على أنفسهم ,وان الوحدة النفسية نقطة البداية لكثير من المشكلات التي يمكن أن يعاني ويشكو منها الفرد ، يتصدرها الشعور الذاتي بعدم السعادة والتشاؤم ، فضلاً على الإحساس القهري بالعجز ، نتيجة للانعزال الاجتماعي والانفعالي .
كما أشار ( قشقوش ، 1983 ): إلى إن الإحساس بالوحدة النفسية يمثل واحدة من المشكلات الخطرة في حياة إنسان هذا العصر ، حيث تُعد هذه المشكلة نقطة البداية لكثير من المشكلات التي يعانيها ويعيشها ويشكو منها الإنسان . وتترك آثارها على الفرد حيث من شأنها أن تؤثر على مجمل نشاطاته كما أنها تُعد نواة لمشكلات أخرى .
كما يرى (عبد الرحيم ، 2001 )إلى إن الشعور بالوحدة النفسية مشكلة معقدة الأبعاد تنتاب الأفراد بدرجات متفاوتة من الحدة ، ويجب دراستها عبر المجتمعات والثقافات المتنوعة للوقوف على حجم انتشارها وتوفير المعالجات الفعالة لها .
وكما يشير (خضر والشناوي ، 1988):الشعور بالوحدة النفسية حالة يشعر بها الفرد بشيء ينقصه ، والمظهر الأساسي للوحدة هو الوحشة (A lonely) والشخص الذي يشعر بالوحدة يصل إلى الناس ولكنه لا يستطيع أن يتواصل معهم ومن ثمَّ لا يستطيع استبعاد عنصر الوحشة .
وتنشأ الوحدة النفسية بسبب عدم رضا الفرد عن علاقاته الاجتماعية ، حيث يشير كوفيل وأكاماتسو (Cuffel & Akamatsu 1989) إلى أن أفضل أسلوب لتقييم الوحدة من خلال مستويات الرضى عن العلاقات الاجتماعية . فالوحدة ترتبط ارتباطاً عالياً بالرضا عن العلاقات الاجتماعية أكثر منها بأي مستوى مطلق من العلاقات الشخصية.
وقد وصف جونز (Jones, 1980) مشاعر الوحيدين على لسانهم ، ومنها العجز ، وانعدام الأهمية ، والانفصال ، والتعاسة ، والرفض ، كما ذكر الوحيدون أن أحداً لا يقبلهم أو يحبهم أو يفهمهم وأنهم ضجرون) .
وقد أظهرت بعض الدراسات منها دراسة مارتن (Martin, 1972) : إلى أن الوحدة النفسية مشكلة مؤلمة ومنتشرة بين الفئات العمرية جميعها ، إلاّ أنها تبلغ ذروتها في فترة المراهقة.
وأشارت دراسة (الأشول 1982 ) أسباب الشعور بالوحدة النفسية تعزى إلى أسباب المعاملة الوالدية سواء كانت قسرية ، أو متساهلة ، أو التغيرات السريعة ، إلى خبرات الطفولة ، وعدم تفهم الكبار للمراهقين والعمل على حل مشكلاتهم .
ويشير العالم ساندبرج (Sandburg, 1988) إلى إن الوحدة النفسية مشكلة حقيقية ودائمة بالنسبة إلى بعض من الأفراد وعندما يشعر الناس بالوحدة فإن هذا الشعور يشمل كل نواحي حياتهم لما يترتب عليها من تأثيرات سلبية على شخصية الفرد وتوافقه النفسي والاجتماعي .
وتبرز أهمية دراسة الشعور بالوحدة النفسية ، لأنها تمثل خبرة غير سارة ، تدل على عدم وجود التوافق ، وبصحبها العديد من حالات صعوبة الاندماج الاجتماعي على الرغم من وجود الأفراد في الجماعة . وقد أكدت الكثير من الدراسات منها دراسة عبد الرحيم ، 2001أهمية دراستها وتحديد مدى انتشارها ، وذلك من أجل وضع المعالجات المناسبة لها . وقد أكد الساعاتي (1990) أن الاهتمام النظري والتجريبي الجاد بالوحدة النفسية بدأ عندما نشر ويز (Weiss, 1973) كتاب (الوحدة النفسية تجربة العزلة العاطفية والاجتماعية) . كما نشر راسل وآخرون (Russell, et, al. 1978) . أول مقياس صادق وثابت للوحدة النفسية.
وقد وصف ((ابراهام ماسلو)) الشعور بالوحدة النفسية بأنه سلوك ينتج بسبب عدم إشباع حاجات الحب والاحترام والانتماء ، ومن شأنه أن يؤدي إلى صعوبة تحقيق الفرد لذاته .
كما اتجه الباحثون إلى دراسة الوحدة النفسية باعتبارها نتاجا للعلاقات الانفعالية والاجتماعية غير المرضية فضلا عن اتسامها بخاصية الإشباع الى جانب ذلك وصف بعض الباحثين الوحدة النفسية بأنها حالة تترسب تدريجيا في نفسية الفرد نتيجة تعرضه لظروف ذات خاصية معينة .
كما رأت روكاتش (2004 Rokach) : ان الوحدة النفسية حالة إنسانية حتمية يتعذر الهروب منها يعاني من آلمها بدون استثناء الغني والفقير الحكيم والجاهل المؤمن بالله والملحد السليم جسميا والعليل في هذا الكون
كما ترى روكاتش ان Lonely)وِAlone ) مصطلحين مشتقان من نفس الكلمة الانكليزية All one) ) إلا إنهما ليسا مترادفين فمن الممكن أن يكون الإنسان وحيدا (Lonely )بدون أن ينفرد بنفسه Alone) ) ومن الممكن أيضا أن يكون الإنسان منفردا بنفسه ولا يشعر بالوحدة النفسية لان الانفراد بالنفسAloneness) ) والذي يعني البعد عن الآخرين والأهل والأصدقاء يختلف عن الوحدة النفسية Loneliness) ) الذي يعاني منها الفرد حتى ولو كان بين أهله وأصدقائه
وكما أشارت نتائج دراسة (خضر والشناوي 1988) : إلى وجود علاقة بين الشعور بالوحدة النفسية وبين تبادل العلاقات الاجتماعية ، وهنالك علاقة سالبة بين الشعور بالوحدة النفسية وكل من تبادل العلاقات الاجتماعية والانبساطية ، ووجود علاقة موجبة بين الشعور بالوحدة النفسية والعصابية .
أما دراسة ( قشقوش 1988 ): أشارت أهم نتائجها إلى أن الإحساس بالوحدة النفسية يسهم في الأبعاد التوادية ، كما ان إسهام الجنس محدود في هذه الأبعاد ، وهنالك علاقة تبادلية عكسية بين الإحساس بالوحدة النفسية والعزلة الاجتماعية .
وكما أشارت دراسة (Schill, 1981) إلى وجود علاقة من الوحدة النفسية . والقدرة على التكيف في مواجهة ضغوط الحياة .
وكما أشارت دراسة شميث وكيورديك ((Shmitt & Kurdek, 1985 إلى وجود فروق دالة بين العمر والجنس ، كما ظهر عدم رضا الطالبات عن علاقاتهن الأسرية مقارنة بالنساء الأكبر سناً اللواتي أعربنَ عن عدم الرضا عن نمط صداقاتهن الرومانتيكية، وأن الوحدة النفسية لدى النساء الأكبر سناً تختلف عن النساء الأصغر سناً ، حيث ان الوحدة النفسية تنشأ عند النساء الأكبر سناً بسبب الخسائر ذات الطبيعة الدائمة كالترمل. أما لدى النساء الأصغر فترتبط الوحدة النفسية بالتغيرات العرضية في طبيعة العلاقات.
فلقد كان لكتاب فايس( Weiss) عن الوحدة النفسية عام 1973 اكبر اثر في الاهتمام بموضوع الوحدة النفسية تأثر معظم الباحثين بكتابات فايس (Weiss)عن الوحدة النفسية
- مفهوم الوحدة النفسية Loneliness
وقد عرفه كل من :
- ويز (Weiss 1973) :
هي استجابة لغياب نوع محدد من العلاقات ، أو على درجة أدق استجابة لغياب عنصر علائقي محدد .
- سيرمات (Sermat 1978)
بأنها عبارة عن الفرق بين أنواع العلاقات الشخصية التي يدرك الفرد انها لديه في وقت ما ، وتلك العلاقات التي يود أن تكون لديه بالاسترشاد بالخبرة السابقة أو بخبرة مثالية لم يسبق له معاينتها في حياته .
- كوبستانت (Kubistsnt 1981)
بأنها المشاعر الناتجة التي تعكس افتقار الشخص لشيءٍ ما في حياته ، أو كون الشخص لا يعالج حالات أو ظروف معينة معالجة صحيحة .
- قشقوش 1983
بأنها حالة نفسية يصاحبها أو يترتب عليها كثير من صنوف الضجر والتوتر والضيق لدى كل من يشعر بها أو يعانيها .
- الرازي 1983
(الوحدة) تعني في اللغة : (الإنفراد) أي أن يكون الرجل في نفسه منفرداً والوحيد أي (المنفرد) يقال توحد فلان برأيه أي تفرد به ، وفلان (واحد) أي لا نظير له .
- بيرنز Burns , 1985) ):
هي حالة من حالات تترتب على أفكار الفرد نفسه وتنشأ عنها ، أي ان الفرد يحتاج لشريك يحبه ويجعله يشعر بالبهجة والأمان والقدرة على الإنجاز .
- خضر والشناوي1988
بأنها الدرجات المرتفعة على مقياس الشعور بالوحدة المستخدم ، والشخص الوحيد هو الذي يشعر بأنه غير منسجم مع من حوله وأنه محتاج لأصدقاء ويغلب عليه الاحساس بأنه وحيد وأنه ليس من جماعة أصدقاء .
- الساعاتي 1990
هي شعور الفرد بأنه غير منسجم مع الآخرين ، وانه بحاجة إلى أصدقاء ، وأنه ليس هناك من يشاركه أفكاره واهتماماته ، ويمتلكه احساس بأنه وحيد ، ويشعر باهمال الآخرين ، وهو ليس جزءاً من جماعة من الأصدقاء ، وإن الناس مشغولون عنه ، وان علاقاته بالآخرين لا قيمة لها .
- عبد الرحيم 2001
بأنها عملية إدراك ذاتي ناتجة عن شعور الفرد بوجود فجوة في علاقاته الاجتماعية، وهي خبرة غير سارة تصاحبها مشاعر العزلة والخوف والانطواء والوحشة والاغتمام حتى في حالة وجوده مع الآخرين .
- المشهداني 2004
حالة نفسية يشعر فيها الفرد بنقص في العلاقات الاجتماعية ، وأنه غير منسجم مع من حوله وأنه ليس جزءاً من جماعة ، وأنه مهمل من الآخرين . ويشعر أنه وحيد ، ولا يجد من يشعر معه بالود والصداقة . والمظهر الأساسي للوحدة هو الوحشة .
- روكاتش (2004 Rokach):
الوحدة النفسية هي خبرة ذاتية ( ( subjective- experience قد يعاني منها الفرد على الرغم من وجوده مع غيره من الناس عندما تخلو حياته من علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة والمودة .
- جودة 2005
الوحدة النفسية خبرة شخصية مؤلمة يعيشها الفرد نتيجة شعوره بافتقاد التقبل والحب والاهتمام من قبل الآخرين بحيث يترتب على ذلك العجز عن إقامة علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة والمودة والصداقة الحميمة وبالتالي يشعر الفرد بأنه رغم انه محاط بالآخرين
وكما يشير العالم ود Wood, 1987) ) مهما اتفقت وجهات النظر أو اختلفت في تحديد الوحدة النفسية ووضع الأُطر المفاهيمية لها ، فان البحث فيها يحتاج إلى معرفة المزيد عنها ، وإلى اختيار فكرة الاتصال والحاجة إلى العلاقات التي لم تحض بالاهتمام الذي تستحقهُ .والشعور بالوحدة النفسية خاصية مرادفة للانعزال عن الجماعة ، ويكون فيها الفرد غير سعيد وتصاحبها مشاعر الحاجة إلى الرفقة والعشرة .
يرى فايس 1973 أن الوحدة النفسية تنجم عن العزلة الاجتماعية وتكون نتيجة انعدام الروابط الاجتماعية وتعتبر خبرة مؤلمة يصاحبها أعراض التوتر والاكتئاب وعدم الراحة.
كما اشارت دراسة مولينز وآخرون (1991،Mulling) والتي هدفت الى التعرف إلى طبيعة العلاقة بين الوحدة النفسية و العزلة الاجتماعية على عينة مكونة من (1005 ) فرد و قد توصلوا إلى أن الأفراد الذين يعيشون بمعزل عن الأصدقاء وبمعزل عن أفراد الأسرة كانوا أكثر إحساسا بالوحدة النفسية.
ومن أعراض الوحدة النفسية ، الشعور بالعزلة ، والاكتئاب ، والاغتراب والوحشة حتى في حضور الآخرين والانطواء .
يتضح أن هناك تداخلاً بين مفهوم الوحدة النفسية وبين كل من مفهوم الاغتراب والانعزال والاكتئاب والانطواء ،وان لكل من هذه المفاهيم عناصر مكونة ، أو تسهم في تكوين الوحدة ، وان من الخطأ استعمال أي من هذه المفاهيم منفصلة للتعبير عن الوحدة النفسية وفيما يأتي توضيح لهذه المفاهيم:
أ- الاغتراب (Alienation) :
وهو اضطراب نفسي يعبر عن اغتراب الذات عن هويتها وعن الواقع والمجتمع ، وهو غربة عن النفس وعن العالم ، ومن أهم مظاهره (العجز ، اللاجدوى ، أللانتماء ، الانسحاب ، الانفصال ، السخط ، الرفض ، العنف ، احتقار الذات ، كراهية الجماعة، والتفكك) ولها عدة أشكال منها الاغتراب الديني ، الاغتراب الفكري ، والاغتراب الاجتماعي ، والاغتراب الثقافي ، والاغتراب التقني ، والاغتراب التعليمي .
ب- الاكتئاب (Depression)
ينشأ الاكتئاب نتيجة للتعب الانفعالي ، ويمكن إن تكون خبرة محطمة ، وقد تكون تعبيراً عمّا يعانيه الفرد من إرهاق . كما يشير (حامد زهران 1977) إلى إن الوحدة النفسية تُعد أحد أسباب الاكتئاب ، وتمثل عرضاً من أعراضه .
جـ. الانعزال (Isolation)
هو عدم الاتصال بالجماعات البشرية بسبب عوامل جغرافية أو اجتماعية ، ويعني عدم مشاركة الفرد في شؤون الجماعة لعدم قدرته أو رغبته في ذلك .
وتتمثل حاجة الفرد للاختلاء بنفسه حاجة ملحة أخرى ، وقد يشعر الفرد المنعزل بالقلق المفرط إذا نظر إليه الآخرون ، ويؤدي الاكتفاء بالذات والاختلاء بالنفس إلى تطمين حاجته البارزة في الاستقلال التام بذاته .
وتمثل العزلة النواحي الأكثر إيجابية لكون الشخص وحيداً . فالوحدة إما أن تكون حالة كيانية مرتبطة بحضور الشخص نفسه ، أو حالة عقلية .
كما إن الوحدة النفسية مختلفة جدا عن العزلة.فالشخص يمكن إن يشعر بالوحدة في الزحام. في الواقع يكون الآلف الناس في الوسط السكاني الحضري الكثيف محبطين من الوحدة وتتضمن الوحدة عدم القدرة على كسر الحواجز الاجتماعية والذهنية التي يحيط الناس أنفسهم بها ولكن الوحدة قد تؤثر على الناس مثلما تؤثر العزلة الاجتماعية عليهم .
د- الانطواء :
هو نمط من أنماط الشخصية ، والمنطوي فردٌ يُؤثر العزلة والاعتكاف ، ويجد صعوبة في الاختلاط بالناس ، يقابل الغرباء بحذر وتحفظ وهو خجول ، شديد الحساسية ، يجرح شعوره بسهولة ، وكثير الشك ، ويكلم نفسه ، يستسلم لأحلام اليقظة ، يهتم بالتفاصيل ويضخم الصغائر ، دائم التأمل في نفسه وتحليلها . ، ولديه رغبة في الانعزال والوحدة ، ويتجنب التماس مع الواقع إلاّ بأقل قدر لازم .
وأشارت نتائج الدراسات نيجو (Nigro 1988 ) :أن كلاً من الوحدة النفسية والاكتئاب ، يرتبطان بأساليب عزو متماثلة ، وسمات شخصية معينة وان كليهما يظهر تأثيرات مستقلة ، أحدهما عن الآخر.
أما دراسة (ويكس وآخرين Weeks, et. al, 1980) فأشارت إلى وجود علاقة إيجابية بين الوحدة والاكتئاب.
- أشكال الوحدة النفسية Forms of Loneliness
إن ظاهرة الوحدة النفسية تفتقر إلى الدراسات والمجالات التي هدفت إلى تحديد أنواع وأشكال الوحدة النفسية ، بسبب قلة الكتابات والمعالجات النظرية التي تناولت هذه الظاهرة.
وهناك بعض الدراسات قد ساهمت في وضع تصنيفات لأشكال الوحدة ، حيث يرى ويز (1973) تحديداً لأشكال الوحدة ان هناك نوعين متميزين من الوحدة ، هما :
1- الوحدة العاطفية (Emotional Loneliness)
تنشأ جرّاء الافتقار إلى صلة حميمة ووثيقة بشخص آخر ، فالأفراد الذين قد انفصلوا عن أزواجهم بالوفاة أو أنهوا علاقة طويلة ، يعيشون هذا النوع من الوحدة النفسية .
وكذلك فقدان العلاقات الودودة والحميمة بشخص معين ، كالوالدين ، أو شريك يشاطر الشخص تجاربه العاطفية العميقة ، ويشاركه السكن ، ويتحمل معه أعباء ومسؤوليات العمل التي لا يستطيع أن يتحملها بمفرده ، قد تؤدي إلى الشعور بالوحدة العاطفية .
2- الوحدة الاجتماعية (Social Loneliness)
أما هذا النوع من الوحدة فينشأ من الافتقار إلى شبكة من العلاقات الاجتماعية ، يكون الفرد فيها جزءاً من جماعة الأصدقاء ويتشاطر معهم مصالح واهتمامات مشتركة والأفراد الذين ينتقلون منذ فترة قصيرة إلى بيئة اجتماعية جديدة (كمدينة جديدة أو عمل جديد) يعيشون هذا النوع من الوحدة .
حيث ان من يفتقد مجموعة من الأصدقاء والأشخاص الذين كانت تربطهم به صداقات أو علاقات اجتماعية بسبب الانتقال إلى مكان جديد او تغيير سكن او غيرها ، فإن الفرد في هذه الحالة وبحسب تصنيف (ويز) يتولد لديه شعور بالوحدة الاجتماعية .
ويعتمد تصنيف (ويز) للوحدة النفسية على اعتقاده القائل ان الأنواع المختلفة من العلاقات تُشبع حاجات مختلفة أو تقدم ظروف اجتماعية مختلفة .
ويعد تصنيف (ويز) الأنموذج السائد حالياً ويلقى قبولاً أكثر من غيره من النماذج . إلاّ أنه لا يعني أفضل النماذج . فقد افترض ماوستاكاز (1961) وجود الوحدة النفسية الوجودية فضلاً عن النوعين اللذين جاء (ويز) على ذكرهما .
أما ميز فايس Weiss بين شكلين من إشكال الوحدة النفسية
- الوحدة النفسية الناشئة عن الانعزال الانفعالي Emotional -isolation) )
ناتج عن غياب الاتصال والتعلق الانفعالي
- الوحدة النفسية التي تنجم عن العزلة الاجتماعية Social - isolation))
ناتج عن انعدام الروابط الاجتماعية
- أما العالم يونج Young ميز بين ثلاثة إشكال أخرى للوحدة النفسية وهي : -
- الوحدة النفسية العابرة Transient))
والتي تتضمن فترات من الوحدة النفسية على الرغم إن حياة الفرد الاجتماعية تتسم بالتوافق .
- الوحدة النفسية التحولية : (Transitional )
وفيها يتمتع الفرد بعلاقات اجتماعية طيبة في الماضي القريب ولكنه يشعر بالوحدة النفسية حديثا نتيجة تعرضه لبعض المتغيرات المستجدة مثلا وفاة شخص عزيز ...
- الوحدة النفسية المزمنة Chronic) )
والتي قد تستمر فترات طويلة تصل إلى سنين وفيها يفقد الفرد الشعور بالرضا فيما يتعلق علاقاته الاجتماعية .
- أما قشقوش فقد قدم لنا تصنيفاً مبنياً أساساً على تصنيف (ويز) في دراسة (1983) ويتضمن ثلاثة أشكال للوحدة النفسية ، إذ يشير إلى ان الإحساس بالوحدة النفسية ، يمكن أن يتخذ واحدة من صور وأشكال متعددة تتضمن
أولاً : الوحدة النفسية الأولية
وتوصف بأنها سمة سائدة أو منتشرة في الشخصية أو بأنها اضطراب في إحدى سمات الشخصية وهي ترتبط او تتصاحب في الحالتين بالانسحاب الانفعالي عن الآخرين.
ويشير قشقوش (1983) إلى وجود منحنيين لتفسير مقدمات الإحساس بالوحدة النفسية الأولية :
الأول يعرف بالمنحنى النمائي ، حيث ان اضطراب التفاعل الاجتماعي يعزى إلى وجود تباطؤ أو تخلف في التتابع الطبيعي لنمو الشخصية .
أما المنحنى الثاني ويعرف بالمنحنى النفسي الاجتماعي حيث تعزى أسبابه الى وجود عجز أو قصور في الوظائف التي تحكم عملية التفاعلات المتبادلة .
ثانياً : الوحدة النفسية الثانوية
يتمثل هذا الشكل من أشكال الإحساس بالوحدة النفسية بحرمان الفرد من العلاقات العاطفية والحميمة ، ويحدث فجأة استجابة من جانب الفرد لحرمان مفاجئ يطرأ في حياته من أفراد آخرين ، يعدهم ذوي أهمية لديه ، ويظهر هذا الشكل عقب حدوث مواقف في حياة الفرد ، كالطلاق ،والترمل ، وتمزق أو تصدع علاقات الحب والحنين للأسرة والوطن.
ثالثاً : الوحدة النفسية الوجودية
يعد الإحساس بالوحدة النفسية الوجودية هو حالة إنسانية طبيعية في نظر الكثير من كتاب المدرسة الوجودية ، إذ يعدون هذا الإحساس بمثابة حالة حتمية يتعذر الهرب منها مثل ماي (1953) فروم (1959) وموستكاز (1961) .
أما كيوبستانت Kubistant, 1981) ) : فيتفق معهم في إن الوحدة الوجودية هي الحالة التي تعكس الكيانية الفريدة من نوعها للشخص ، التي تحدد الأبعاد الوجودية للذات الإنسانية ، ومجالات الوحدة النفسية الوجودية تُعد مألوفة في الحياة .
- أسباب الوحدة النفسية
ان الشعور بالوحدة النفسية ليس له سبباً واحداً ، وللوقوف على أهم الأسباب والعوامل التي تشكل أو تؤدي إلى شعور الفرد بالوحدة النفسية ، هناك بعض الدراسات والبحوث التي اهتمت بتشخيص أسباب الوحدة النفسية ، التي اتفقت معظمها تقريباً ، على أن من أهم أسباب الوحدة هي الحاجة إلى الأواصر والعلاقات الاجتماعية والعاطفية
وقد شخَّص سوليفان (1954) أحد أسباب الوحدة النفسية بأنها تنشأ عن حاجة الطفل إلى الاتصال ، أي حاجة الطفل إلى وليف ، وحاجة المراهق إلى القبول في بيئته الاجتماعية ، وحاجة البالغ إلى الانضمام في جماعة .
وتتفق كلاين (1975) مع سولفيان في تفسير الوحدة من خلال المراحل التطورية . فأرجعت الحاجة إلى علاقة ودّية للطفل قبل تطويره لملكة الكلام ، وأن صعوبة وجود مثل هذه العلاقة قد يؤدي إلى الشعور بالوحدة النفسية .
أما ويز (1973) فيشخص الأسباب المؤدية للوحدة النفسية ويحددها لمجموعتين من الأسباب :
الأولى : تتصل بالمواقف الاجتماعية . (Situational) .
الثانية : تتصل بالفروق الفردية أو ما يُعرف بمجموعة الخصائص . (Charactarological) .
ويرى جونز (1982) ان الأسباب الخاصة للشعور بالوحدة النفسية ، لا تكمن في كثير من الخصائص الموضوعية للبيئة الاجتماعية للشخص الوحيد ، مثل عدد الأصدقاء وكمية الاتصال الاجتماعي بقدر ما يكمن في كيفية إدراك الشخص الوحيد لواقع علاقاته الشخصية وتقويمه واستجابته لها .
ومن ناحية أخرى يرى يونك (1979) أن ظهور الوحدة النفسية يعتمد على مسببات مختلفة ومضامين علاجية مختلفة ويُقيم نظريته على مفاهيم التعزيز الاجتماعي والتعلم المعرفي عبر مراحل الحياة . ويوصي بتضمين العناصر المعرفية بمعالجة الوحدة .
وهذا التصور ينتج بسبب غياب تعزيزات اجتماعية مهمة ، فضلاً على الجوانب العقلية الأخرى .
وقد يرجع سبب الشعور بالوحدة النفسية من قلة العلاقات الحميمة بمعنى أن الإنسان لا يجد الصديق الوفي المخلص المتعاون الصادق الذي يمكن أن يثق فيه .
وهناك الفتاة الوحيدة منذ الصغر ، التي لم يسبق لها أن أقامت علاقات مع الآخرين.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى وحدة الإنسان وعزلته اعتلال الصحة وضعفها ، أو موت شريك أو صديق عزيز ، أو الانتقال إلى مكان جديد أو الهجرة الدائمة أو المؤقتة ، كالهجرة إلى الدراسة أو العمل ، والحركة الدائمة التي جعلت كثيراً من الناس أن يقطعوا صداقاتهم السابقة وأن يتحللوا من الروابط الأسرية ، وانصراف الأبناء عن الأسرة ، وقد ترجع الوحدة إلى التقدم بالسن .
وقد ترجع الوحدة إلى التكوين النفسي للفرد نفسه حيث يفضل بعض الأشخاص الوحدة والعزلة والانسحاب من معترك الحياة الاجتماعية ، أو يفتقدون الشعور بالثقة في أنفسهم أو يشكون في نوايا الآخرين نحوهم ، أو يشعرون بالتعالي عن الآخرين ، أو لشعورهم بالفقر ، أو العجز عن مجارات زملائهم ، أو رفض مخالطة أقران السوء ، وقد يكون الشخص الذي يشعر بالوحدة فيه من السمات والخصائص المُنفِّرة ، مما تجعل الناس ينفرون منه وينصرفوا عنه ولا يقيمون معه علاقات لاتصافه بالكذب والاستغلال والابتزاز والوشاية والغيبة والنميمة .
وهناك سبب شائع للوحدة النفسية ، هو الاعتقاد أن أحداً لا يقدر أن يفهم أو يولي اهتماماً بالذات الداخلية للفرد عندما تزول كل الأشكال المصطنعة للذات . وأن الاعتقاد بأن الذات الداخلية مكروهة وان مصيرها الرفض ومنع مشاركة الذات الداخلية مع الآخرين مشاركة حية يؤدي بدوره إلى الشعور بالوحدة .
وهناك عدد كبير من حوادث الحياة بعضها لا علاقة له بالعلاقات الاجتماعية من شأنه إثارة الشعور بالوحدة .
ويقترح سيرمات (1978) ان مشاعر الوحدة تنتج من الحاجة إلى فرصة الارتباط بآخرين على أساس من الود ، وأن يكون الفرد قادراً على التعبير عن أفكاره وعواطفه بحرية تامة ومن دون خوف من الرفض أو سوء الفهم .
وأحياناً يكون الفرد راغباً في التمتع بالبقاء بمفرده وحده ، وهذه الرغبة طبيعة في الطبيعة البشرية وفي الوجود البشري ، حيث يخلو الإنسان إلى نفسه متأملاً مفكراً مسترجعاً أحداث الحياة ، مخططاً للمستقبل القريب أو البعيد ، وقد يستمتع بهذا البقاء وحيداً، وقد يتخلص الفرد من مثل هذه المواقف والأسباب عن طريق الانفتاح الذاتي ، حيث يفتح ذاته للآخرين ويعطي معلومات عن نفسه لهم ، ويستقبل منهم معلومات مماثلة لكي يقيم علاقات واتصالات اجتماعية مع الغير ، ولكن إذا أفضى الانسان بكل أسراره ، فقد يتعرض باستخدامها لمحاربته من قبل من أدلى إليه بها ، لذلك فالإفصاح عن الذات يجب أن يكون في إطار حدود معينة .
أهم وجهات النظر التي طرحها بعض العلماء والمنظرين في بعض المدارس النفسية المختلفة .
- See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=54932#sthash.lPLqEAUc.dpuf