ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    الفصاحة والبلاغة

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:28 am

    اختلفَ البلاغيون في الفصاحةِ والبلاغةِ على قوليْن: أحدُهما أنهما شيءٌ واحدٌ، والآخرُ أنهما مختلفان.
    قال الهاشميُّ: "يَرى الإمامُ عبد القاهرِ الجرجانيُّ، وجمعٌ من المتقدِّمين، أنَّ الفَصَاحةَ والبَلَاغةَ والـبَيَانَ والبَرَاعةَ ألفاظٌ مترادفةٌ، لا تتَّصفُ بها المفرداتُ، وإنَّما يُوصَفُ بها الكلامُ بعد تَـحَـرِّي معانيَ النَّحو فيما بينَ الكَلِمِ حَسَبَ الأغراضِ التي يُصَاغُ لها."
    وقالَ أبو هلالٍ العسكريُّ في كتابِ (الصِّنَاعَتَيْنِ): الفَصَاحةُ والبَلَاغةُ ترجعانِ إلى معنًى واحدٍ، وإِنِ اخْتَلَفَ أصلُهُما؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما إِنَّـما هو الإبانةُ عنِ المعنى، والإظهارُ له."
    وقالَ الرَّازيُّ في (نهايةِ الإيجازِ): "وأكثرُ البلغاءِ لا يكادون يُفّرِّقونَ بين الفَصَاحةِ والبَلَاغةِ."
    وقالَ الجوهريُّ في كتابِه (الصِّحَاحِ): "الفَصَاحةُ هي البَلَاغةُ".

    أحمد يعجبه هذا الموضوع

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:29 am

    وأمَّا من يذهبُ إلى التفريقِ بين الفصاحةِ والبلاغةِ فيرى "أنَّ الفَصَاحةَ مقصورةٌ على وصفِ الألفاظِ، والبَلَاغةَ لا تكون إلَّا وصفًا للألفاظِ مع المعانِي. لا يقالُ في كلمةٍ واحدةٍ -لا تدلُّ على معنَى يَفْضُلُ عن مثلِها- بَلِيغةٌ، وإنْ قيلَ فيها أنَّها فَصِيحةٌ. وكلُّ كلامٍ بَلِيغٍ فَصِيحٌ، وليسَ كلُّ فَصِيحٍ بَلِيغًا، كالذي يقعُ فيه الإسْهَابُ في غيرِ موضعِه".
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:29 am

    وقالوا: "البَلَاغةُ في المعانِي، والفَصَاحةُ في الألفاظِ، فيقال: لفظٌ فَصِيحٌ ومعنًى بَلِيغٌ. والفَصَاحةُ خاصَّةُ تقعُ في المفردِ، يُقَالُ: كلمةٌ فَصِيحةٌ، ولا يُقَالُ: كلمةٌ بَلِيغةٌ، وأنت تريدُ المفردَ، فإنَّه يقالُ للقصيدةِ كلمةٌ، كما قالوا: كلمةُ لَبِيدٍ. ففَصَاحةُ المفردِ خُلُوصُه من تَنَافرِ الحروف. والفَصَاحةُ أَعَمُّ من البَلَاغةِ؛ لأنَّ الفَصَاحةَ تكونُ صِفةٌ للكلمةِ والكلامِ؛ يُقَالُ: كلمةٌ فَصِيحةٌ، وكلامٌ فَصِيحٌ. والبَلَاغةُ لا يُوصفُ بها إلَّا الكلامُ، فَيُقَالُ: كلامٌ بَلِيغ، ولا يقال: كلمةٌ بَلِيغة. واشْتَرَكَا في وصفِ المتكلِّمِ بهما، فَيُقَالُ: متكلِّمٌ فَصِيحٌ بَلِيغٌ".
    كذلك من وجوهِ التفريقِ بينهما عند أصحابِ هذا القولِ أنَّ "البَلَاغةَ هي: أن يَبْلُغَ المتكلِّمُ بعبارتِـه كُنْهَ مرادِه، مع إيجازٍ بلا إخلالٍ، وإطالةٍ من غيرِ إملالٍ. والفَصَاحةُ خُلُوصُ الكلامِ من التَّعقيدِ."
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:29 am

    تعريفُ الفصاحةِ:
    الفصاحةُ في اللغةِ: الظهورُ والبيانً، تَقُولُ: أفْصح الصُّبْحُ إِذا ظَهَر وأضاء. ومنه قال عز وجل: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي (القصص:34). أي : أبين مني منطقا ، وأظهر مني قولا. يقال : أفصح الصبي في منطقه، إذا بان وظهر كلامه وفــُـهِــم ما يقول في أوّل ما يتكلم. وقالت العرب: أفصح اللبنُ إذا انجلت عنه رغوته فظهر. وفَصُح أيضًا. قال الشاعر:
    رَأَوْهُ فازْدَرَوْهُ، وهو خِرْقُ، ويَنْفَعُ أَهلَه الرجلُ القَبِيحُ
    فلم يَخْشَوْا مَصالَتَه عليهم، وتحت الرَّغْوَةِ، اللبَنُ الفَصِيحُ
    وقال الزمخشريُّ: "فَصُحَ: سقاهم لبنًا فصيحًا وهو الذي أُخذت رغوته أو ذهب لـِباؤه وخلص منه."
    وأفصحَ الأعجميُّ بالعربية: إذا أبان بعد أن لم يكن يفصح ويبين، أي انطلق لسانه بها وخلصت لغته من اللكنة
    الفصاحة في الاصطلاح: هي الألفاظ البينة الظاهرة المتبادرة إلى الفهم، والمأنوسة الاستعمال لمكان حسنها، وهي تقع وصفًا للكلمة، أو الكلام والمتكلم.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:30 am

    شروط اللفظة الفصيحة
    أورد العلماء شروطا ينبغي توافرها في اللفظة الواحدة حتى تكون فصيحة ومن هذه الشروط:
    1. أن تكون الكلمة متباعدة المخارج
    2. أن تكون الكلمة غير متوعرة
    3. ألا تكون من ألفاظ العامة
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:30 am

    العيوب التي سجلت على الكلمة المفردة
    العيب الأول: تنافر الحروف فيها: وقد يكون هذا في الأغلبِ بسببِ تتابعِ الحروفِ المتقاربةِ في المخارجِ ؛ فتكونُ الكلمةُ متناهيةً في الثقل على اللسان عسيرةً عند اللفظِ بها.
    مثال ذلك: رُوِيَ أنَّ أعرابيًّا سُئِلَ عن ناقتِه فقال: تَــرَكْـتُـهَـا تَرْعَى الْـهُعْخُعَ.
    فانظرْ إلى ثِقَلِ لفظةِ الْـهُعْخُعِ وعُسْرِ النطقِ بها.
    ومثلُه قولُ العربِ "هَعْهَعْتُ بالضأن" أي زجرتها، وقولهم "هَعَّ الرجلُ" أي قاء. فجعلَ قربُ مخارجِ الهاء والعينِ والخاء النطقَ بهم ثقيلاً، وكلُّها حروفٌ حلقيةٌ تقاربت مخارجُها.
    - قال امرؤ القيس : وفرعٍ يُغشِّي المتن أسودَ فاحـمٍ ... أثيــثٍ كصِنو النّخلةِ الْمُتَعَثْكِلِ
    غَدائرهُ مُسْتَـشْزِرَاتٌ إلى العُلا ... تُضِلُّ الْمَـدَارَى في مُثـنَّى ومرسلِ
    فلفظةُ (مُسْتَـشْزِرَات) عسيرةُ عند اللفظِ بها؛ لِتَوَسُّطِ الشين -وهي مهموسةٌ رخوةٌ- بين التاء -وهي مهموسةُ شديدة- والزاي -وهي مجهورةُ-.
    - أو كلفظ "جَثْجَــاثُهَا" في قول ذي الرمة:
    وما روضةٌ بالحزنِ طيبـةُ الثَّرى ... يمجُّ النَّدى جَثْجَــاثُهَا وَعَرَارُها
    بأطيبَ من أرْدانِ عَزَّةَ مَوْهِــنًا ... وقد أُوقِدَتْ بالعَنْبرِ اللَّــدْنِ نارُها
    - وكذا "جَفَخَ" في قولِ المتنبي:
    جَفَخَتْ وهم لا يَجْفَخُونَ بها بهم ... شِيَمٌ على الحسَبِ الأغَرِّ دلائلُ
    قال القلقشنديُّ في صبحِ الأعشَى في صناعةِ الإنشا: "فإن لفظةَ (جَفَخَ) مرةُ الطعم، وإذا مرتْ على السمعِ اقْشَعَرَّ منها. وكان له مندوحةٌ عن استعمالِـها؛ فإن جَفَخَتْ بمعنى فَخَرَتْ، وهما في وزنٍ واحدٍ؛ فلو أتى بلفظ فَخَرَتْ ويَفْخَرُونَ مكان جَفَخَتْ ويَجْفَخُونَ لاستقامَ وزنُ البيتِ، وَحَظِيَ في استعمالِه بالأحسنِ.
    ومع هذا فمن ألفاظِ العربية ما تقاربَ مخارجُ حروفِها مع سهولةِ نطقِها وفصاحتِها، مثل قولنا: الجيش، والشَّجَر، والفَم.
    ويقول القلقشنديُّ في هذا: "فإن حاسةَ السمعِ هي الحاكمةُ في هذا المقامِ في تحسينِ لفظٍ وتقبيحِ آخَرَ، على أنه قد يجيءُ من المتقاربِ المخارجِ ما هو حسنٌ رائقٌ. ألا ترى أن الحروفَ الشجريةَ وهي الجيم والشين والياء متقاربةُ المخارجِ؛ لأنها تخرجُ من وسطِ اللسانِ بينَه وبين الحنكِ، وإذا تَرَتَّبَ منها لفظٌ جاءَ حَسَنًا رَائِقًا؟! فإن لفظةَ جَيْش قد اجتمعَ فيها الحروفُ الشجريةُ الثلاثةُ، وهي مع تقاربِ مخارجِها حسنةٌ رائقةٌ؛ وكذلك الحروفُ الشفهيةُ وهي الباءُ والميمُ والفاءُ متقاربةُ المخارجِ، فإن مخرجَ جميعِها من الشَّفَةِ، وإذا تَرَتَّبَ منها لفظٌ جاءَ سَلِسًا غَيْرَ مُتَنَافِرٍ، كقولِك: أَكَلْتُ بِفَمِي، وهو في غايةِ الحسنِ، والحروفُ الثلاثةُ الشفهيةُ مع تقاربِ مخارجِها مجتمعةٌ فيها، وقد يجيءُ من المتباعِدِ المخارجِ ما هو قبيحٌ متنافر ٌكقولك: مَلَعَ، بمعنى عدا، فإن الميمَ من الشفةِ، والعينِ من حروف الحلقِ، واللامَ من وسطِ اللسانِ؛ فهذه الحروفُ كلُّها متباعدةٌ من بعضها ومع ذلك فإنها كريهةُ الاستعمالِ يَنْبُو عنها الذوقُ السليمُ، ولو كان التباعدُ سببًا لِلْحُسْنِ لما كان سَبَبًا لِلْقُبْحِ."
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:31 am

    العيوب التي سجلت على الكلمة المفردة
    العيب الثاني : الغرابة في الاستعمال
    أن تكون الكلمة وحشية غير مأنوسة الاستعمال، ولا يتضح معناها الا بعد النظر في كتب اللغة. واللفظ الغريب على ضربين: الضرب الأول ما يُعَابُ استعمالُه مطلقًا وهو ما يحتاج في فهمه إلى بحث وتنقيب وكشف من كتب اللغة كقول ابن جحدر:
    حلفتُ بما أرقلتْ حولَهْ ... همرجلةٌ خُلُقُها شَيْظَمُ
    وما شَبْرَقَتْ من تَنُوفِيَّةٍ ... بِـها مِنْ وَحْيِ الـْجِنِّ زِيــزِيــزَمُ
    وقولُه زِيــزِيــزَمُ حكايةٌ لأصواتِ الجنِّ إذا قالتْ زِي زِي؛ قال ابنُ الأعرابيِّ: الزيزيم صوتُ الجنِّ بالليلِ. قالَ: وميمُ زيزيم مثلُ دالِ زيدٍ يجري عليها الإعرابُ. قالَ رُؤْبَةُ: تَسْمَعُ لِلْجِنِّ بها زِيـزِيـما. وحاصلُه أنه يقولُ حَلِفْتُ هَذِهِ الْحِلْفَةَ بِـمَا سَارَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ الشديدةُ السيرِ العظيمةُ الْخَلْقِ وَمَا قَطَعَتْ مِنْ مَفَازَةٍ لا يُسْمَعُ فيها إلا أصواتُ الجنِّ. وهذا مما لا يُوقَفُ على معناهُ إلا بِكَدٍّ وَتَعَبٍ فِي كَشْفِهِ وَتَتَبُّعِهِ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ.
    مثال: قال أبو الحسن: مَرّ أبو علقمة النحويُّ ببعض طرق البصرة، وهاجت به مِرَّةٌ، فوثب عليه قومٌ منهم فأقبَلوا يَعَضُّون إبهامَه ويؤذِّنون في أُذُنِهِ، فأفلتَ منهم، فقالَ: ما لكم تَكَأْكَأْتُمْ عَلَيَّ تَكَأْكُؤكُمْ عَلَى ذِي جِنَّة؟! افْرَنْقَعُوا عَنِّي.
    فالكلمتان: (تكأكأ – افرنقع) كلمتان خارجتان عن الفصاحةِ لغرابتهما.
    وجاء في صبح الأعشى "قال أبو علقمة النحويُّ يومًا لحاجِمِه: اشْدُدْ قَصَبَ اللَّهَازِمِ، وَأَرْهِفْ ظِبَاتِ الْمَشَارِطِ، وأَمِرَّ الْمَسْحَ، واسْتَنْجِلِ الرَّشْحَ، وَخَفِّفِ الْوَطْءَ، وَعَجِّلِ النَّزْعَ، وَلَا تُكْرِهَنَّ أَبِيًّا، وَلَا تَرُدَّنَّ أَتِيًّا. فقال له الحجَّام: ليس لي علمٌ بالحروفِ."
    ومنه كذلك لفظة "جَحْلَنْجَع". جاء في تاج العروس "جَحْلَنْجَع: أَهْمَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وقَدْ جاءَ في قَوْلِ أَبِي الهَمَيْسَع. قال أَبو تُرَابٍ: كُنْت سَمِعْتُ مِنْ أَبِي الهَمَيْسَعِ حَرْفاً وهو جَحْلَنْجَع فذَكّرْتُه لشَمِرِ بنِ حَمْدَوَيْهِ وتَبَرَّأْتُ إِلَيْه من مَعْرفَتِهِ، وأَنْشَدَ فيه ما كَانَ أَنْشَدَنِي وكَتَبَهُ شَمِرٌ، والأَبْياتُ الَّتِي أَنْشَدَنِي:
    إِنْ تَمْنَعِي صَوْبَكِ صَوْبَ الْمَدْمَعِ ... يَجْرِي عَلَى الْـخَدِّ كضِئْبِ الثَّلَعِ ... مِنْ طَمْحَةٍ صَبِيرُهَا جَحْلَنْجَعِ
    وفي بَعْضِ النُّسَخِ: "لَمْ يَحْضِهَا الجَدْوَلُ بالتَّنَوُّعِ"، هكَذَا ذَكَرُوه ولَمْ يُفَسِّرَوه. وقَالُوا: القائِلُ أَبو تُرَابٍ: كانَ أَبُو الهَمَيْسَعِ - فِيمَا ذُكِرَ- مِن أَعْرَابِ مَدْيَنَ وما كُنَّا نَكادُ نَفْهَمُ كَلامَهُ قالَ: وكانَ يُسَمِّى الكُوزَ الْمِحْضَي. وقالَ الأَزْهَرِيُّ عن هذِه الكَلِمَة وما بَعْدَها في أَوْلِ بابِ الرُّبَاعيّ من حَرْفِ العَيْنِ : هذِهِ حُرُوفٌ لا أَعْرِفُها ولَمْ أَجِدْ لَها أًصْلاً في كُتُبِ الثِّقَاتِ الَّذِيَ أَخَذُوا عَنِ العَرَبِ العَارِبَةِ ما أَوْدَعُوا كُتُبَهُمْ ولَمْ أَذْكُرْها وأنا أَحُقُّها ولكِنْ ذَكَرْتُهَا اسْتِنْداراً لَها وتَعَجُّباً مِنْهَا ولا أَدْرِي ما صِحَّتُهَا ولَمْ أَذْكُرْها هَنَا مَعَ هذا القَوْلِ إِلاَّ لَئَلاّ يَذْكُرَها ذاكِرٌ أَو يَسْمَعَها سَامِعٌ فيَظُنَّ بِها غَيْرَ مَا نَقَلْتُ فِيها . واللهُ أَعْلَمُ."
    ومن ذلك أيضا استخدام كلمة "عُسْلوج" بدل " غصن" و "حَقلد" بدل "البخيل" أو السيء الخلق. وكلمة "مُسْحَنْفِرَة" بدل "متّسِعَة، وكلمة "بُعَاق" بدل "مطر. وكلمة "جَرْدَحْل" بدل "الوادي. وفُلانٌ جُحَيْشُ وَحْدِهِ، أي: عَيِيُّ الرّأْي يَسْتَبِدُّ بِهِ، وهذا ذَمٌّ. وكلمة "مُشْمَخِرّ" إذا استعملتْ فِي النَّثْر، وهي بمعنى "العالي"، ولفظة الكنهور (من أوصاف السحاب) لا تُعابُ نظمًا وتُعاب نثرًا.
    الضرب الثاني ما يحتاج إلى تدقيق النظر في التصريف وتخريج اللفظ على وجه بعيد، مثل كلمة "مُسَرَّجًا" في قول العجاج: -من الرجز-
    أَيًّامَ أَبْدَتْ وَاضِحِاً مُفَلَّجَا ... أَغَرَّ بَرَّاقاً وَطرْفاً أبْرَجَا
    ومُقْلةً وحَاجِباً مُزَجَّجا... وَفاحِماً وَمَرسِناً مُسَرَّجَا
    والمرسن الأنف وصفه بكونه مُسَرَّجًا، فإنه لم يعرف ما أراد بقوله : مُسَرَّجَا حتى اختلف في تخريجه فقيل: هو من قولهم للسيوف سريجية منسوبة إلى قين يقال له سريج، يريد أنه في الاستواء والدقة كالسيف السريجي، وقيل من السراج يريد أنه في البريق واللمعان كالسراج، أو من قولهم "سرج الله وجهه" إذا بهجه وحسنه، هذا ومثله مما لا يقف على معناه إلا من عرف التصريف وأتقنه.
    إذا تقرر ذلك فاعلم أن اللفظ يختلف في الغرابة وعدمها باختلاف النسب والإضافات فقد يكون اللفظ مألوفا متداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن وقد يكون غريبا متوحشا في زمن دون زمن وقد يكون غريبا متوحشا عند قوم مستعملا مألوفا عند آخرين.
    ومن مُلَحِ صفيِّ الدين الحِلِّي:
    إِنَّـمَا الحيزبونُ والدَّرْدَبِيسُ والطَّخَا والنُّقاخُ والعَلْطَبِيسُ
    لغةٌ تنفرُ المسامعُ منها حين تُروى وتشمئزُ النفوسُ
    وقبيحٌ أن يُذكَرَ النافرُ الوحْـ ـشِيُّ منها ويُتْرَكُ المأنوسُ
    أين قولي: هذا كثيبٌ قديمٌ ومقالي: عَقَنْقَلٍ قُدْمُوسُ
    خَلِّ للأصمعيِّ جَوْبَ الفيافي في نِشَافٍ تَخِفُّ فيه الرءوسُ
    إِنَّـمَا هذه القلوبُ حديدٌ ولذيذُ الألفاظِ مِغْنَاطِيسُ
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:31 am

    العيوب التي سجلت على الكلمة المفردة
    العيب الثالث : مخالفة القياس: أي مخالفة اللفظ للقواعد النحويَّة أو الصرفيَّة أو غيرها من قواعد اللغة.
    ومثال ذلك: قول الراجز أبي النجم بن قدامة:
    الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الأَجْلَلِ ... أَنْتَ مَلِيكُ النَّاسِ ربًّا فَاقْبَلِ
    فكلمة الأَجْلَلِ هنا خرجت عن القياس؛ إذ أن الصواب أن يُقال: (الْأَجَلّ) بالإدغام ولا مسوِّغ لِفَكِّهِ.
    وممّا هو مخالفٌ للقياس جمع "فاعل" وصفًا لمذكر عاقل على "فَواعل"، قالوا: ومنه استعمال الفرزدق نواكس جمعًا لناكسٍ وصفًا لمذكّر عاقل في قوله:
    وإِذَا الرّجَالُ رَأَوْا يَزِيدَ رَأَيتَهُمْ ... خُضْعَ الرِّقَابِ نَوَاكِسَ الأَبْصَارِ
    فكلمة "نواكس" مؤنثة فهي جمع "ناكسة"، والصواب أن يقول "ناكسي" للتذكير.
    قال تعالى: وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ (السجدة:12)
    وممّا هو مخالف للقياس استعمال هَمْزَةٍ القطْعِ بدلَ همزة الوصْل، واستعمال همزة الوصل بدل همزة الْقَطْعِ، ويكثُرُ مثُلُ هذَا في الشِّعْرِ لِمُرَاعَاةِ الوزن.
    ومنه قول جميل بن مَعْمَر: ألاَ لاَ أرَى إثْنَيْنِ أحْسَنَ شِيمَةً ... عَلَى حَدَثَانِ الدَّهْرِ مِنِّي وَمِنْ جُمْلِ
    فقطع همزة "اثنين" مع أنّها همزة وصْل، وحدَثان الدهر نوائبه، وأراد بِكَلِمَةِ "جُمْلِ" فَرَسَهُ أو جَمَلَه.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:31 am

    العيوب التي سجلت على الكلمة المفردة
    العيب الرابع : الكراهة في السمع: بأن تكون الكلمة ممجوجة ، ينفر منها السامع.
    مثل قول المتنبي: مُبَارَكُ الِاسْمِ أَغَرُّ اللَّقَبْ ... كَرِيمُ الْـجِـرِشَّى شَرِيفُ النَّسَبْ
    فكلمة الْـجِـرِشَّى كلمة تستثقلها الأسماع لذا هي كلمة خارجة عن الفصاحة. وقال السيوطي في كتابه (الْمُزْهِر): "وهو مردود لأن الكراهة لكون اللفظ حوشيًّا فهو داخل في الغرابة ... هذا كله كلام القزويني في الإيضاح".
    ومثل ذلك " نُقَاخ" فيما أَنشده شَمِرٌ: وأَحْمَقُ مَّمن يَلْعَقُ الماءَ قال لي ... دَعِ الخَمْرَ واشْرَبْ مِن نُقَاخٍ مُبرَّدِ
    والنُّقَاخ هو الماء العذب.
    ومن أمثلة ذلك أيضًا ما جاء في أقوال مأثورة اشتملت على مفرداتٍ غير فصيحة لِعَيْبٍ ما فيها:
    كانت امرأة في بغداد تأكل الطين فحصل لها بسببه ما مرضت منه وكان لها ولد يتكلم بالغريب فكتب رِقَاعًا طرحها في المسجد الجامع حين مَرِضتْ أُمُّهُ، جاءَ فيها: :صِينَ امْرُؤٌ وَرُعِي، دَعَا لاِمْرَأةٍ إِنْقَحْلَةٍ مُقْسَئِنَّةٍ، فَقَدْ مُنِيَتْ بِأَكْلِ الطُّرْمُوخِ، فَأَصَابَهَا مِنْ أجْلِهِ الاسْتِمْصَالُ، أَنْ يَمُنَّ اللهُ عَلَيْهَا بِالاطْرغْشَاشِ والابْرِغْشاشِ." فكل من قرأ رقعتَه دعا عليه ولعنه ولعن أمه.
    وجاء في خُطْبَةٍ لابْنِ نُبَاتة، يَذْكُرُ فيها أَهْوَالَ يَوْمِ القيامة، قولُه: "اقْمَطَرَّ وَبَالُهَا، واشْمَخَرَّ نَكَالُهَا، فَمَا سَاغَتْ وَلاَ طَابَتْ."
    وقال امرؤ القيس حين أَدْركتْهُ المنيَّةُ، وَكان قَدْ ذَهَبَ إلى مَلِكِ الرُّومِ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى قَتَلَةِ أَبيه:" رُبَّ جَفْنَةٍ مُثْعَنْجِرَةٍ، وَطَعْنَةٍ مُسْحَنْفِرَةٍ، وَخُطْبَةٍ مُسْتَحْضَرَةٍ، وَقَصِيدَةٍ مُحَبَّرَةٍ، تَبْقَى غدًا بِأَنْقِرَةٍ."
    وَرُوي أنَّ أُمَّ الهيْثَمِ الأَعْرَابِيَّةَ قَالت لأَبي عُبَيْدَةَ الرَّاوِيةِ، حِينَ عَادَهَا فِي عِلَّةٍ أصابَتْها: "كُنْتُ وَحْمَى سَدِكَةً، وَشَهِدْتُ مَأْدُبَةً، فَأَكَلْتُ جُبْجُبَةً مِنْ صَفِيفِ هِلَّعَةٍ، فَاعْتَرَتْنِي زُلَّـخَـةٌ".فَقِيلَ لَهَا: أيَّ شَيْءِ تُقُولِينَ؟ فقالَتْ: أَوَ لِلنَّاسِ كَلاَمَانِ، والله مَا كَلَّمْتُكُمْ إِلاَّ بالْعَرَبِيِّ الْفَصيح.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:32 am

    واعلم أن التَّقَعُّر في الكلام مما يقدح في الفصاحة لنفور السامع من كلام المتحدث لغرابته فلا تستسيغه الأذن، ولا يسرع الذهنُ في فهمه، وهو في هذا مخالف لأصول الفصاحة والبلاغة كليهما. قال أبو عليِّ القالي: "التقعير أن يتكلم بأقصى قعر فمه، يقال: قَعَّر في كلامه تقعيرا، وهو مأخوذ من قولهم: قَعَّرْتُ البئرَ وأقعرتها، إذا عظمتَ قعرُها، وإناءٌ قعرانُ إذا كان عظيم القعر، فكأن المقعِّر الذي يتوسع في الكلام ويتشدق، ويجوز أن يكون من قولهم: قَعَرْتُ النخلة فانقعرتْ، إذا قلعتها من أصلها فلم تُبْقِ منها شيئا، فيكون معنى المقعِّر من الرجال الذي لا يبقي غاية من الفصاحة والتشدق إلا أتى عليها". قلتُ ومنه قوله تعالى تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (القمر:20) أي منـْـقلع عن قعْره و مَغْرِسِهِ.
    وقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة: ونستحب له –يعني للكاتب– أن يدع في كلامه التقعيرَ والتقعيبَ. قال أبو علي القالي: التقعيبُ أن يصيِّر فمُه عند التكلم كالقَعْب، وهو القدح الصغير، وقد يكون الكبير. وأصحاب التقعيرِ إنْ لحنوا كانوا في الغاية من القبح؛ قال الجاحظُ: "ثم اعلمْ أنَّ أقبحَ اللحنِ لحنُ أصحاب التقعير والتقعيب والتشديق والتمطيط والجهورة والتفخيم".
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:32 am

    عيوب الكلام:
    ومن طريف ما يدل على هذا ما أورده الجاحظ كذلك في كتابه (البيان والتبيين) يقول: "ورأيتُهم يذكرون في كتبهم أن امرأةً خاصمت زوجَها إلى يحيى بن يَعْمَر فانتهَرها مرارًا، فقال له يحيى بن يَعْمَر: أئنْ سألتْكَ ثمن شَكْرِها وشَبْرَك، أنشأتَ تَطُـلُّها وتَضْهلُها؟!"
    وكتب يحيى بن يَعْمَر على لسان يزيد بن الْمُهَلَّب للحَجَّاج بْنِ يُوسُفَ الثَّقّفيِّ: "إنا لقينا العدو، فقتلنا طائفةً وأَسَرْنا طائفةً، وَلَـحِقَتْ طائفةٌ بِعَرَاعِرِ الأَوْدِيَةِ وَأَهْضَامِ الْغِيطَان، وَبِتْنَا بِعُرْعُرةِ الْـجَبَـلِ، وبات العدوُّ بِـحَضِيضِـه." فقال الحجاج: ما لِلْمُهَلَّبِ وهذا الكلام؟ فقيل له: إن معه يحيىَ بن يَعْمَر. قال: فذاك إِذَنْ.
    قال الجاحظ: " وليس في كلام يحيى بن يَعْمَر شيءٌ من الدُّنيا إلا أنّه غريبٌ، وهو أيضاً من الغريبِ بغيضٌ."
    قال أبو الحسن: كان غلامٌ يَقَّعِّرُ في كلامه، فأتى أبا الأسود الدّؤلي يلتمسُ بعضَ ما عنده، فقال له أبو الأسود: ما فعَل أبوك؟ قال: أَخَذَتْهُ الحُمَّى فطبخَتْهُ طبخاً، وفَنَخَتْهُ فنْخاً، وفَضَخَتْهُ فضخاً، فتركتْهُ فَرْخًا، فقال أبو الأسود: فما فعلتْ امرأتُه التي كانت تُهارُّه وتشارُّه، وتجارُّه وتُزارُّه؟ قال: طلَّقَها فتزوَّجت غيرَه، فَرَضِيَتْ وحَظِيَتْ وبَظِيَتْ، قال أبو الأسود: قد عرَفنا رَضِيَتْ وَحَظِيَتْ، فَمَا بَظِيَتْ؟ قال: حرفٌ من الغريبِ لم يَبْلُغْكَ، قال أبو الأسود: يا بُنيَّ كلُّ كلمةٍ لا يعرفُها عَمُّك فاستُرْها كما تَسْتُرُ السُّنُّورُ جُعْرَهَا.
    ومنه أن الفيروزابادي صاحب القاموس المحيط سُئل عن معنى قول علي بن أبي طالب لكاتبه -فيما نَسَبَهُ إليه الزبيديُّ-: "ألصق روانِفَكَ بالْـجَبُـوب، وخذ المِصْطَر بِشَنَاتِرِك، واجعل حُنْدُورَتَيْكَ إلى قَيْهَلِي؛ حتى لا أَنْغِي نُغْيَة إلا أودعتَها حُماطَة جُلْجَلانك." ففسرها بما يشبهها من غريب كلام العرب، فقال: "معناه: ألزق عَضْرَطَكَ بِالصِّلَةِ، وخُذِ الْمِزْبَرَ بِأَبَاخِسِكَ، واجْعَلْ جُحْمَتَيْكَ إلى أُثْعُبَانِي؛ حتى لا أَنْبِسَ نَبْسَةً إلا وَعَيْتَها بِلَمْظَةِ رِبَاطِكَ."
    ومنه ما روي عن أبي علقمة أنه مَرَّ يومًا على عَبْدَيْنِ حبشيٍّ وصَقْلَبِيٍّ، فإذا الحبشيُّ قد ضربَ الصقلبيَّ وطرحه أرضًا، فأدخل ركبتيه في بطنِه وأصابه في عينِه، وعضَّ أُذُنَيْهِ وضربَه بعصا، فشجَّه وأسال دَمَهُ، فقالَ الصقلبيُّ لأبي علقمة: اشهدْ لي، فَمَضَوْا إلى الأميرِ، فقالَ الأميرُ لأبي علقمةَ: بِـمَ تشهدُ؟ فقال: "أَصْلَحَ اللهُ الأميرَ، بينما أنا أَسِيرُ بِكَوْدَنِـي، إذْ مَرَرْتُ بهذيْنِ العبديْنِ، فرأيتُ الْأَسْحَمَ قد مَالَ على الْأَبْقَعِ، فَحَطَأَهُ على فَدْفَدٍ، ثم ضَغَطَهُ بِرُخْفَتَيْهِ في أحشائِه، حتى ظَنَنْتُ أنه تَدَعَّجَ جَوْفُهُ، وجعل يَلِجُ بِشَنَاتِرِهِ في جُحْمَتَيْهِ يكاد يَفْقَؤُهُما، وقبضَ على صِنَّارَتَيْه بِـمَيْرَمِهِ، وكاد يَـحُذُّهُـمَا، ثم علاهُ بِـمِنْسَأَةٍ كانت معه فَفَجَغَهُ بِـهَا، وهذا أَثَرُ الْـجَرَيَـانِ عليه بَيِّنٌ." فقال الأميرُ: واللهِ ما فهمتُ مما قلتَ شيئا. فقال أبو علقمة: قد فَهَّمْنَاك إن فهمتَ، وأعلمناك إن علمتَ، وأديتُ إليك ما علمتُ، وما أقدر أن أتكلمَ بالفارسية. فَجَهَدَ الأميرُ في كشفِ الكلامِ حتى ضاقَ صدرُه، ثم كشفَ الأميرُ رأسَه، وقال للصقلبيِّ: شُجَّنِي خَمْسًا وَأَعْفِنِي من شَهَادَةِ هذا.
    وكتبَ ابنُ التلميذ إلى أمين الدولة يطلب منه شياف أبارٍ (وهو دواء للعين)، فكان في كتابه: "أزكنك أيها الطب اللب الآسِي النِّطاسِيُّ النفيس النِّقْريس، أَرْجَنَتْ عندك أم خنورٍ، وَسَكَعَتْ عنك أم هوبرٍ، أني مستأخذٌ أَشْعُرُ في حنادري رطسًا، ليس كلسب شبوةٍ، ولا كنخر المنصحة، ولا كنكز الحضب، بل كسفع الزخيخ، فأنا من التباشير إلى الغباشير، لا أعرف ابن سميرٍ من ابن جميرٍ، ولا أحس صفوان من همام، بل آونةً أُرَجِّحَنَّ شاصيًا، وفينةً أحنبطي مقلوليًّا ،وتارةً أعرنزم، وطوراً أسلنقي، كل ذلك مع أحٍّ وأخٍ، وتهمُّ قرونتي أن أرفع عقيرتي بعاط عاطٍ إلى هياطٍ ومياطٍ، وها لي أول وأهون، وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشيار، ولا أحيص ولا أكيص، ولا أغر ندي ولا أسرندي، فبادرني بشياف الأبار، النافع لعلتي، النافع لغلتي. "فلما قرأ أمينُ الدولة رقعتَه، نهض لوقته وأخذ حفنة شياف أبارٍ، وقال لبعض أصحابه: أوصلها إليه عاجلاً ولا تتكلف قراءة ورقة ثانية .
    ومنه قول عيسى بن عمر حين ضرب يوسفَ بن عمر بن هبيرة بالسوط: "والله إن كانت إلا أُثَيَّابًا في أسيفاط قبضها عَشَّارُوك."
    وقوله أيضا: أتيتُ الحسنَ البصريَّ مُجرَمِّزًا حتى اقْعَنْبَيْتُ بين يديه، فقلت: يا أبا سعيد أرأيتَ قولَ الله تعالى وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ، فقال: هو الطِّبِّيع في كُفُرَّاه، ولعمري إن الآية لأبين من تفسيره.
    والذي يبدو لي أن الحسن البصري إنما قال هذا لعلمه بتقعر عيسى بن عمر في كلامه، فرد عليه بما يستسيغه، وإلا فهو غريب جدًا.
    قال الجاحظ في البيان والتبيين: "فإن كانوا إنَّما روَوا هذا الكلام؛ لأنّه يدلُّ على فصاحةٍ؛ فقد باعده اللَّه من صفة البلاغة والفصاحة، وإن كانوا إنَّما دوَّنوه في الكتب، وتذاكروه في المجالس؛ لأنَّه غريب، فأبياتٌ من شعر العجَّاج، وشعر الطِّرِمَّاح، وأشعارِ هُذيل، تأتِي لهم مع حُسن الرَّصْف على أكثر من ذلك."
    وقال السيوطيُّ في الْمُزْهِر: "قال عقبة: علامة كون الكلمة فصيحة أن يكون استعمال العرب الموثوق بعربيتهم لها كثيرا أو أكثر من استعمالهم ما بمعناها وهذا ما قدمت تقريره في أول الكلام فالمراد بالفصيح ما كثر استعماله في ألسنة العرب."
    وقال الجاربردي في شرح الشافية: فإن قلت: ما يقصد بالفصيح وبأي شيء يعلم أنه غير فصيح وغيره فصيح، قلتُ أن يكون اللفظ على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم أَدْوَرَ واستعمالُـهم له أكثرَ.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:33 am

    فوائد:
    الأولى - قال الشيخ بهاء الدين السُّبكيّ في عروس الأفراح: ينبغي أن يُـحْمَلَ قولُه: (والغرابة) على الغرابة بالنسبة إلى العرب العرباء لا بالنسبة إلى استعمال الناس وإلا لكان جميع ما في كتب الغريب غير فصيح، والقطع بخلافه. قال: والذي يقتضيه كلام (المفتاح) وغيره أن الغرابة قلة الاستعمال، والمراد قلة استعمالها لذلك المعنى، لا لغيره.
    الثانية - قال السُّبكيّ: قد يُرَدُّ على قوله: (ومخالفة القياس) ما خالف القياس وكثر استعماله فورد في القرآن فإنه فصيح، مثل استحوذ.
    وقال الخطيبي في شرح التلخيص: أما إذا كانت مخالفة القياس لدليل فلا يخرج عن كونه فصيحا؛ كما في سُرُر؛ فإن قياس سرير أن يجمع على أفعلة وفعلان مثل أرغفة ورغفان.
    وقال السُّبكيّ: إن عنى بالدليل ورود السماع، فذلك شرط لجواز الاستعمال اللغوي لا الفصاحة. وإن عَنَى دليلا يصيره فصيحا وإنْ كان مخالفا للقياس، فلا دليل في سُرِر على الفصاحة إلا وروده في القرآن؛ فينبغي حينئذ أن يقال: إن مخالفة القياس إنما تخل بالفصاحة حيث لم يقع في القرآن الكريم. قال: ولقائل أن يقول حينئذ: لا نُسَلِّمُ أن مخالفة القياس تخل بالفصاحة، ويسند هذا المنع بكثرة ما ورد منه في القرآن، بل مخالفة القياس مع قلة الاستعمال مجموعهما هو الْمُخِل.
    قلتُ: والتحقيق أن الْمُخِلَّ هو قلة الاستعمال وحدها، فرجعت الغرابة ومخالفة القياس إلى اعتبار قلة الاستعمال والتنافر كذلك، وهذا كله تقرير لكون مدار الفصاحة على كثرة الاستعمال وعدمها على قلته."
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:33 am

    العيوب التي سجلت على الكلمة المفردة
    العيب الخامس : الابتذال (ومن العلماء من أدخل الابتذال في تنافر الحروف)
    قال السيوطي في الْمُزْهِر: "قال الشيخ بهاء الدين: عَدَّ بعضُهم من شروط الفصاحة ألأ تكون الكلمة مبتذلة: إما لتغيير العامة لها إلى غير أصل الوضع كالصروم للقطع، جعلته العامة للمحل المخصوص؛ وإما لسخافتها في أصل الوضع كاللقالق؛ ولهذا عدل في التنزيل إلى قوله: فَأَوْقِدْ لِـي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ لسخافة لفظ الطوب وما رادفه كما قال الطيبي. ولاستثقال جمع الأرض لم تجمع في القرآن، وجُمِعَت السماء حيث أُرِيدَ جمعُها قال تعالى: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ، ولاستثقال اللب لم يقع في القرآن، ووقع فيه جمعُه وهو الألباب لِخفته.
    ... ثم اعلم أن الابتذال في الألفاظ وما تدل عليه ليس وصفًا ذاتيًّا ولا عَرَضًا لازمًا بل لاحقًا من اللواحق المتعلقة بالاستعمال في زمان دون زمان، وصقع دون صقع."
    ومن أمثلة الاستثقال لفظة "صَهْصَلِق" في قول أبي تمام:
    صَهْصَلِقٍ في الصهيل تحسبُهْ ... أَشْرَجَ حُلْقُومَه عَلَى جَرسِ
    وقال جندل بن المثنَّى الطهويّ:
    حتى إذا أجْرَسَ كلُّ طائرِ ... قامتْ تُحَنْظِي بك سمع الحاضرِ ... صَهْصَلِقٌ لا ترعوي لزاجرِ
    أو "عَسَّطُوس" في قول ذي الرمة: عصى عَسَّطُوسِ لينها واعتدالهــا
    والعسَّطوس الخَيزُران. ورأى الخفاجي أنه لو قال: عصى خيزران لينها واعتدالها لكان أوفق وأقوم.
    أو كقول بعضهم يصف اللبن: وآخِذ طعمَ السقاء سامط ... وخاثرُ عُجالطٍ عُكالطِ
    قال الثعالبي: "إذا خثُر "اللَّبنُ" جدَا وتكبَّدَ فهو عُثَلَط وعُكَلط وعُجَلط.
    أو كقول العجاج: غَرَّاءُ سَوَّى خَلْقَهَا الْـخَبَرْنَجَا ... مَأْدُ الشَّبَابِ عَيْشَهَا الْمُخَرْفَجَا
    والخبرنج: الناعم البدَن، البَضُّ، ولكنه لفظ مبتذل لثقله في السمع. والْمُخَرفج كذلك، وهو الغذاء الحسن، ويكثر مثل هذه الألفاظ في شعر العجاج وابنه رؤبة.
    ومن ذلك أيضًا أن العرب تجعل اللفظ الغليظ للمعنى المستقبَح، مثل عَفَنَّج. والْعَفَنْجَج: الثقيل من الناس وقيل هو الضخم الرِّخو من كل شيء، الأحمق؛ والعفنجيج الجافي الخلق.
    وقال صاحب (الصحاح): " قال الراجز: أَكْوِي ذَوِي الْأَضْغَانِ كَيًّا مُنْضِجَا .. مِنْهُمْ وَذَا الْـخِنَّابَةِ العَفَنْججا والعِفْضَج والعِفْضَاج والعِفَاضِج، كله: الضخم السمين الرخو المنفتق اللحم، والْعَضَنَّكُ والْعَضَنَّكةُ: الْمَرْأَةُ العَجْزاءُ اللَّفَّاءُ الكثيرةُ اللحمِ الْمُضْطَرِبَةُ.
    وقد يكون اللفظ سخيفًا أو رديئًا في حد ذاته، لا لاستثقاله عند السماع، ولا لصعوبة النطق، ولا لتعبيره عن شيء يحسن الترفع عن ذكره، وإنما لضرب من التأليف في النَّغَم، يُدرَك بالإحساس، فلا تستلذ به النفس، وينفر منه الحس، خلافًا لما يأتي بناؤه سلسًا، مستعذبًا، جاريًا على العرف العربي القويم، لا يعرف إلا بالسليقة والمران. ومن أمثلة السخافة ما أورده الخفاجيّ: "قال: "ولا يخفَى على أحد من السامعين أن تسمية الغصن: غصنا أو فننا، أحسن من تسميته: عُسلُوجًا، وأن: أغصان البَانِ، أحسن من: عساليج الشوحط في السمع؛ فإن تأليف الحروف بالنسبة للسَّمع كمزاج الألوان بالنسبة للبصر.
    وحسن التأليف كقول أبي الطيب المتنبي:
    إذا سـَـارَتِ الْأَحْـدَاجُ فــوق نــَبـَـاتِه تَــفَـاوَحَ مســكُ الغـانـيات ورَنـــدُهَا
    فأتى بكلمة "تَـفَاوَحَ" التي لا خفاءَ في حسنها وخفتها، وقيل: إن المتنبي هو أول من قالها.
    ومن السخافة كذلك لفظ جُؤشُوش في قول أبي عبادة البحتري:
    فلا وصل إلا أن يطيف خَيالُهَا بِنَا تَحتَ جُؤشُوش من اللّيل مُظلِمِ
    الجؤشوش: القطعة من الليل.
    وكذلك الْـجِرِشَّى، والحَقَلَّد، والدَّلو، والفَدَاغِم، وبَوزَع، فإنها تدخل في باب السخافة.
    وذلك في قول زُهير بن أبي سلمَى: تَقِيٌّ نَقِيٌّ لمْ يُكَثِّرْ غَنِيمةً ... بِنهْكَةِ ذي قُرْبَى ولا بحَقَلَّدِ
    الحَقَلَّدِ: البخيل أو السيء الخُلُق.
    وقول أبي تمام: متفــجِّرٌ نادمــته فكـأنــني للدّلو أو للمــرزمين نــديم
    المرزمان: نَجمان من نجوم المطر، والدلو برج.
    والفداغم في قول الكميت: وَأَدْنيْنَ البُرودَ على خُدُودٍ يُزَيِّنَّ الْفَدَاغِمَ بِالْأَسِـيلِ
    الفُدْغُم: الخد الحسن الممتلئ، ولكنها كلمة رديئة.
    وبَوْزَع في قول جرير بن عطية: وتقول بَوزَعُ قد دَبَبْتَ على العَصَا هلاَّ هَـــزَأتِ بغيرنا يا بَوزَعُ
    وذكروا أن الوليد بن عبد الملك قال له: "أَفْسَدَتْ شِعْرَكَ بَوْزَعُ".فاعتذر جرير قائلًا: "إن التي قيل فيها هذا الشعر، اسمُها بَوْزَع"، فقال له الوليد: "هذا اعتذار عن الشاعر لكنه ليس اعتذارًا عن البيت."
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفصاحة والبلاغة Empty رد: الفصاحة والبلاغة

    مُساهمة من طرف أحمد الأحد أبريل 12, 2015 11:34 am

    والكلامُ الفصيحُ ما كان واضحَ المعنى، سهل اللفظِ، جيِّدَ السَّبك. ولهذا وجبَ أن تكون كلُّ كلمة فيه جاريةً على القياس الصَّرفي، بيِّنةً في معناها، مفهومةً عَذْبةً سلِسةً. وإِنما تكونُ الكلمة كذلك إِذا كانت مأْلوفَةَ الاستعمال بَين النابهين من الكتاب والشعراءِ، لأنها لم تَتَداولها ألسِنتُهم، ولم تَجْرِ بها أقلامهم، إلا لمكانها من الحُسْن باستكمالها جميع ما تقدم منْ نُعوت الجوْدة وصِفاتِ الجمال.
    والذوقُ السليمُ هو العُمْدةُ في معرفةِ حُسنِ الكلمات وسَلاسَتِها، وتمييز ما فيها من وجوه البشاعة ومظاهر الاستكراه؛ لأنَّ الأَلفاظَ أصواتٌ، فالذي يطْرَبُ لصوْت البُلبُل، وينْفِر من أصوات البُوم والغِرْبان، ينْبُو سمعُه عن الكلمة إذا كانت غريبةً مُتَنَافِرَةَ الحروف . ألا ترى أن كلمتَي "الْمُزْنةِ" و "الدِّيـمةِ" للسَّحابة الْمُمْطِرة، كلتاهما سَهلَة عذْبَةٌ يسكنُ إليها السمعُ، بخلاف كلمة "البُعَاقِ" التي في معناهما؛ فإنها قبيحةٌ تَصُكُّ الآذانَ. وأمثال ذلك كثير في مُفْردات اللغة تستطيع أَن تُدْركه بذَوْقكَ.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 7:31 pm