..من كتاب"عيون الأخبار"لابن قتيبة
خطبة واصل بن عطاء التي جانب فيها الراء
مقدمة:
كان واصل بن عطاء على ما وهبه الله من فطانة وفصاحة وحسن تصرف في القول كان يلثغ في نطق حرف الراء .
وكان واصل يحسن التأتي لهذا العيب المحرج في النطق , فيجانب لفظ الراء إلى سواه من الحروف , فيجعل البر قمحاً , والفراش مضجعاً , والمطر غيثاً , والحفر نبشاً , وقد سجل لنا العلماء خطبة كاملة لواصل بن عطاء تجنب فيها حرف الراء .
والخطبة قيمة فنية وتاريخية عظيمة , فهي خطبة مرتجلة أمام الوالي ووفد من العلماء , قدر صاحبها على الاستغناء فيها عن حرف من أكثر الحروف دوراناً في الكلام , وعلى الرغم من أنها خطبة ذات طابع ديني , فيها من معاني القرآن الكريم وأساليبه ونصوصه. غير أن واصل قد تمكن من الفرار في إبداع وخفة وحذق من ألفاظ معينة إلى مرادفاتها , وهذا يدل على قدرة فنية لا تتأتى إلا إلى الأفذاذ.
أما قيمتها التاريخية فتنبع من كونها أنموذج من خطب الوعظ الخالص في القرن الثاني للهجرة, تجنب فيها واصل فتن المذاهب والدعوات المذهبية, وفيها شبه كبير بخطبتي عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك رضي الله عنهما, وقد اجتمع في ثلاثتها التحذير من مفاتن الدنيا, وتصوير نهاية الأحياء, والتنوية بفضل القرآن, والحث على إتباع آيه وهديه كما قال محمد على دوق في مجلة الخفجي.
والخطبة قيمة تربوية عظيمة, يمكن لمعلمي ومعلمات اللغة العربية محاكاتها بطلب إلى طلابهم في التحدث في موضوع حديث يتجنب فيه المتعلم والمتعلمة البعد عن حروف معينة يختارها المعلم والمعلمة, ليدرب طلابه على الإبداع في تجنب الكلمات واختيار المترادفات.
نص الخطبة:
" الحمد لله القديم بلا غاية, والباقي بلا نهاية, الذي علا في دنوه, ودنا في علوه, فلا يحويه زمان, ولا يحيط به مكان, ولايؤوده حفظ ما خلق, ولم يخلقه على مثال سبق, بل أنشأه ابتداعاً, وعد له اصطناعاً, فأحسن كل شيء خلقه وتمم مشيئته, وأوضح حكمته, فدل على ألوهيته, فسبحانه لا معقب لحكمه, ولا دافع لقضائه, تواضع كل شيء لعظمته, وذل كل شيء لسلطانه, ووسع كل شيء فضله, لايعزب عنه مثقال حبة وهو السميع العليم, وأشهد أن لا إله إلا وحده لا مثيل له, إلهاً تقدست أسماؤه وعظمت آلاؤه, علا عن صفات كل مخلوق, وتنزه عن شبه كل مصنوع, فلا تبلغه الأوهام, ولا تحيط به العقول ولا الأفهام, يُعطي فيحلم, ويدعى فيسمع, ويقبل التوبة عن عباده, ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. وأشهد شهادة حق, وقول صدق, بإخلاص نية, وصدق طوية, أن محمد بن عبد الله عبده ونبيه, وخاصته وصفيه, ابتعثه إلى خلقه بالبينات والهدى ودين الحق, فبلغ مألكته, ونصح لأمته, وجاهد في سبيله, لا تأخذه في الله لومة لائم, ولا يصده عنه زعم زاعم, ماضياً على سنته, موفياً على قصده, حتى أتاه اليقين. فصلى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى, وأتم وأنمى, وأجل وأعلى صلاة صلاها على صفوة أنبيائه, وخالصة ملائكته, وأضعاف ذلك, إنه حميد مجيد.
أوصيكم عباد الله مع نفسي بتقوى الله والعمل بطاعته, والمجانبة لمعصيته, فأحضكم على ما يدنيكم منه, ويزلفكم لديه, فإن تقوى الله أفضل زاد, وأحسن عاقبة في معاد. ولا تلهينكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها, وفوائن لذاتها, وشهوات آمالها, فإنها متاع قليل, ومدة إلى حين, وكل شيء منها يزول, فكم عاينتم من أعاجيبها, وكم نصبت لكم من حبائلها, وأهلكت ممن جنح إليها واعتمد عليها, أذاقتهم حلواً, ومزجت لهم سماً. أين الملوك الذين بنوا المدائن, وشيدوا المصانع, وأوثقوا الأبواب, وكاثفوا الحجاب, وأعدوا الجياد, وملكوا البلاد, واستخدموا التلاد , قبضتهم بمخلبها , وطحنتهم بكلكلها , وعضتهم بأنيابها , وعاضتهم من السعة ضيقا , ومن العز ذلاً , ومن الحيلة فناء , فسكنوا اللحود , وأكلهم الدود , وأصبحوا لاتعاينُ إلا مساكنهم , ولا تجد إلا معالمهم , ولا تحسس منهم أحد ولا تسمع لهم نَبساً .
فتزودوا عافاكم الله فإن أفضل الزاد التقوى, واتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون. جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه, ويعمل لحظه وسعادته, وممن يستمع القول فيتبع أحسنه, أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. إن أحسن قصص المؤمنين, وأبلغ مواعظ المتقين كتاب الله, الزكية آياته, الواضحة بيناته, فإذا تلي عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تهتدون.
أعوذ بالله القوي, من الشيطان الغوي, إن الله هو السميع العليم. بسم الله الفتاح المنان. قل هو الله أحد, الله الصمد, لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفواً أحد.
نفعنا الله وإياكم بالكتاب الحكيم, وبالآيات والوحي المبين, وأعاذنا وإياكم من العذاب الأليم. وأدخلنا جنات النعيم. وأقول ما به أعظكم, وأستعتبُ الله لي ولكم.
خطبة واصل بن عطاء التي جانب فيها الراء
مقدمة:
كان واصل بن عطاء على ما وهبه الله من فطانة وفصاحة وحسن تصرف في القول كان يلثغ في نطق حرف الراء .
وكان واصل يحسن التأتي لهذا العيب المحرج في النطق , فيجانب لفظ الراء إلى سواه من الحروف , فيجعل البر قمحاً , والفراش مضجعاً , والمطر غيثاً , والحفر نبشاً , وقد سجل لنا العلماء خطبة كاملة لواصل بن عطاء تجنب فيها حرف الراء .
والخطبة قيمة فنية وتاريخية عظيمة , فهي خطبة مرتجلة أمام الوالي ووفد من العلماء , قدر صاحبها على الاستغناء فيها عن حرف من أكثر الحروف دوراناً في الكلام , وعلى الرغم من أنها خطبة ذات طابع ديني , فيها من معاني القرآن الكريم وأساليبه ونصوصه. غير أن واصل قد تمكن من الفرار في إبداع وخفة وحذق من ألفاظ معينة إلى مرادفاتها , وهذا يدل على قدرة فنية لا تتأتى إلا إلى الأفذاذ.
أما قيمتها التاريخية فتنبع من كونها أنموذج من خطب الوعظ الخالص في القرن الثاني للهجرة, تجنب فيها واصل فتن المذاهب والدعوات المذهبية, وفيها شبه كبير بخطبتي عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك رضي الله عنهما, وقد اجتمع في ثلاثتها التحذير من مفاتن الدنيا, وتصوير نهاية الأحياء, والتنوية بفضل القرآن, والحث على إتباع آيه وهديه كما قال محمد على دوق في مجلة الخفجي.
والخطبة قيمة تربوية عظيمة, يمكن لمعلمي ومعلمات اللغة العربية محاكاتها بطلب إلى طلابهم في التحدث في موضوع حديث يتجنب فيه المتعلم والمتعلمة البعد عن حروف معينة يختارها المعلم والمعلمة, ليدرب طلابه على الإبداع في تجنب الكلمات واختيار المترادفات.
نص الخطبة:
" الحمد لله القديم بلا غاية, والباقي بلا نهاية, الذي علا في دنوه, ودنا في علوه, فلا يحويه زمان, ولا يحيط به مكان, ولايؤوده حفظ ما خلق, ولم يخلقه على مثال سبق, بل أنشأه ابتداعاً, وعد له اصطناعاً, فأحسن كل شيء خلقه وتمم مشيئته, وأوضح حكمته, فدل على ألوهيته, فسبحانه لا معقب لحكمه, ولا دافع لقضائه, تواضع كل شيء لعظمته, وذل كل شيء لسلطانه, ووسع كل شيء فضله, لايعزب عنه مثقال حبة وهو السميع العليم, وأشهد أن لا إله إلا وحده لا مثيل له, إلهاً تقدست أسماؤه وعظمت آلاؤه, علا عن صفات كل مخلوق, وتنزه عن شبه كل مصنوع, فلا تبلغه الأوهام, ولا تحيط به العقول ولا الأفهام, يُعطي فيحلم, ويدعى فيسمع, ويقبل التوبة عن عباده, ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. وأشهد شهادة حق, وقول صدق, بإخلاص نية, وصدق طوية, أن محمد بن عبد الله عبده ونبيه, وخاصته وصفيه, ابتعثه إلى خلقه بالبينات والهدى ودين الحق, فبلغ مألكته, ونصح لأمته, وجاهد في سبيله, لا تأخذه في الله لومة لائم, ولا يصده عنه زعم زاعم, ماضياً على سنته, موفياً على قصده, حتى أتاه اليقين. فصلى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى, وأتم وأنمى, وأجل وأعلى صلاة صلاها على صفوة أنبيائه, وخالصة ملائكته, وأضعاف ذلك, إنه حميد مجيد.
أوصيكم عباد الله مع نفسي بتقوى الله والعمل بطاعته, والمجانبة لمعصيته, فأحضكم على ما يدنيكم منه, ويزلفكم لديه, فإن تقوى الله أفضل زاد, وأحسن عاقبة في معاد. ولا تلهينكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها, وفوائن لذاتها, وشهوات آمالها, فإنها متاع قليل, ومدة إلى حين, وكل شيء منها يزول, فكم عاينتم من أعاجيبها, وكم نصبت لكم من حبائلها, وأهلكت ممن جنح إليها واعتمد عليها, أذاقتهم حلواً, ومزجت لهم سماً. أين الملوك الذين بنوا المدائن, وشيدوا المصانع, وأوثقوا الأبواب, وكاثفوا الحجاب, وأعدوا الجياد, وملكوا البلاد, واستخدموا التلاد , قبضتهم بمخلبها , وطحنتهم بكلكلها , وعضتهم بأنيابها , وعاضتهم من السعة ضيقا , ومن العز ذلاً , ومن الحيلة فناء , فسكنوا اللحود , وأكلهم الدود , وأصبحوا لاتعاينُ إلا مساكنهم , ولا تجد إلا معالمهم , ولا تحسس منهم أحد ولا تسمع لهم نَبساً .
فتزودوا عافاكم الله فإن أفضل الزاد التقوى, واتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون. جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه, ويعمل لحظه وسعادته, وممن يستمع القول فيتبع أحسنه, أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. إن أحسن قصص المؤمنين, وأبلغ مواعظ المتقين كتاب الله, الزكية آياته, الواضحة بيناته, فإذا تلي عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تهتدون.
أعوذ بالله القوي, من الشيطان الغوي, إن الله هو السميع العليم. بسم الله الفتاح المنان. قل هو الله أحد, الله الصمد, لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفواً أحد.
نفعنا الله وإياكم بالكتاب الحكيم, وبالآيات والوحي المبين, وأعاذنا وإياكم من العذاب الأليم. وأدخلنا جنات النعيم. وأقول ما به أعظكم, وأستعتبُ الله لي ولكم.