من طرف أحمد الأربعاء أغسطس 14, 2013 1:17 am
فتحُ القديرِ
(على نَظْمِ التيسيرِ)
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
الحمدُ للهِ المتفضِّلِ على العَبيدِ بالإعرابِ عن كلمةِ التوحيدِ، والصلاةُ والسلامُ على أَفْصَحِ مَن نَطَقَ بالضادِ، وعلى آلِهِ وصَحْبِه الأمجادِ، والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الْمِيعادِ.
وبعدُ ، فهذا تَعليقٌ وَجيزٌ على نَظْمِنا المسَمَّى (بتيسيرِ الإعرابِ) الجامعِ لأَهَمِّ ما اشْتَمَلَ عليه كتابُ (العوامِلِ) للعالِمِ الجليلِ أبي بكرٍ عبدِ القاهِرِ الْجُرْجانيِّ الْمُتَوَفَّى سنةَ أربعِمائةٍ وإحدى وسبعينَ هِجْرِيَّةً، وقد سَمَّيْتُ هذا الشرْحَ بـ (فَتْحِ القديرِ على نَظْمِ التيسيرِ) وكانت عواملُ الْجُرْجَانِيِّ نثرًا ولم يكنْ فيها تَمييزُ الاسمِ من الفعلِ والحرْفِ، ولم نَرَ عليها شَرْحًا، ولكني اتَّكَلْتُ على اللهِ في محاولةِ تَقريبِ عِلْمِ النحوِ للمُبْتَدِئِينَ في أُسلوبٍ مَحصورٍ بالعَدَدِ لكلِّ عاملٍ ومعمولٍ مع عَلاماتِ الإعرابِ، وقد كان المؤلِّفُ حَصَرَ تأليفَه في ثلاثةِ أبوابٍ: البابُ الأوَّلُ منها: في العواملِ، والبابُ الثاني: في المعمولِ، والبابُ الثالثُ: في عَلاماتِ الإعرابِ، فاتَّبَعْتُ أُسلوبَه في الأبوابِ، وفي تَرتيبِ أحكامِ كلِّ بابٍ، وزِدْتُ في البدايةِ مُقَدِّمَةً في تَمييزِ الاسمِ من الفعلِ والحرفِ وما يُعْرَفُ به كلُّ واحدٍ منها من العَلاماتِ الأَوَّلِيَّةِ.
قالَ الناظمُ وهو مُحَمَّدٌ الْمَحفوظُ بنُ مُحَمَّدٍ الأمينِ بنِ أب التنواجيوي الشِّنقيطيُّ الْحَوْضِيُّ.
حَمْدًا لِمَنْ أَعْرَبَ عن وُجُودِهِ = بصُنْعِه الكونَ بِمَحْضِ جُودِه
صَلَّى وسَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ = وآلِهِ وصَحْبِه للأَبَدِ
وبعدُ ذي مائةُ حُكْمٍ شَمِلَتْ = أحكامَ نَحْوٍ للمَهَمَّاتِ حَوَتْ
سَمَّيْتُها التيسيرَ للإعرابِ = لخدمةِ السُّنَّةِ والكِتابِ
لقد بَدَأَ بالحمدِ والصلاةِ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، اقتداءً بما وَرَدَ في الأحاديثِ الثابتةِ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ، ثم بَيَّنَ كونَ النظْمِ يَشتمِلُ على مائةِ حُكْمٍ مُتعلِّقَةٍ بالإعرابِ، وبَيَّنَ أنَّ هذه المائةَ قد اشْتَمَلَتْ واحْتَوَتْ على مَهَمَّاتِ المسائلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بالإعرابِ، كما سَيَتَبَيَّنُ ذلك فيما يأتي في النَّظْمِ، وقالَ: إن النظْمَ قد سَمَّاهُ (بتيسيرِ الإعرابِ) ولا شَكَّ أنَّ حَصْرَ عواملِ الإعرابِ في سِتِّينَ عامِلًا، وحَصْرَ المعمولِ فيه من الأسماءِ والأفعالِ في ثلاثينَ عاملًا، وحصْرَ عَلاماتِ الإعرابِ في عَشْرِ عَلاماتٍ، وكلُّ هذه الأحكامِ في أربعةٍ وأربعينَ بَيْتًا بأسلوبٍ يُمْكِنُ أن يَفْهَمَه كلُّ مُبْتَدِئٍ، لا شَكَّ أنَّ هذا يَظْهَرُ فيه تَيسيرُ اللهِ عزَّ وجَلَّ الْمُقَرِّبُ للإعرابِ، وقد بَيَّنَ الناظِمُ أنَّ القَصْدَ من خِدمةِ فَنِّ الإعرابِ هو أن يكونَ ذلك وَسيلةً لخِدمةِ الكتابِ والسنَّةِ اللَّذَيْنِ وَرَدَا بلسانٍ عربيٍّ مُبِينٍ بالإعرابِ عن مَضمونِ تَراكيبِ الكلامِ، ثم قالَ:
(مُقَدِّمَةٌ)
الكلامُ نَحْوَ لفظٍ للمعنى يُتِمّ = واسمٌ وفعلٌ حرفٌ أقسامُ الكَلِمْ
فالاسمُ بالْحِسِّ وتنوينٍ وجَرّ = فعلٌ بسينٍ قد وتا والحرفَ ذَرْ
الكلامُ عندَ النُّحاةِ هو: اللفظُ الْمُرَكَّبُ المفيدُ بالوَضْعِ، فلا بُدَّ فيه من أن يَكونَ مَلفوظًا باللسانِ ومُرَكَّبًا من كلمتين فأَكْثَرَ، ولو كان تَركيبًا مَعْنَوِيًّا مثلَ (اقرأْ) التي تَتَرَكَّبُ من فِعْلِ الأمرِ وفاعلِه الْمُسْتَتِرِ، ولا بُدَّ أن تَحْصُلَ منه إفادةٌ يَحْسُنُ سُكوتُ الْمُتَكَلِّمِ عليها، ولا بُدَّ أن يَكونَ المتكلِّمُ به يَقْصِدُ الإفادةَ به.
فخَرَجَ باللفظِ الْخَطُّ والإشارةُ ونحوُهما، وخَرَجَ بالمرَكَّبِ الكلمةُ الواحدةُ مثلُ الْمُعَلِّمِ أو المدرسةِ, من دونِ أن يُسْنِدَ خبرًا لذلك، وبالمفيدِ، التركيبُ غيرُ المفيدِ نحوَ: إن قامَ المعلِّمُ، فهذا تَركيبٌ لا يَشتمِلُ على إفادةٍ بهذه الصِّفَةِ، وقولُنا: (بالوَضْعِ) خَرَجَ به الكلامُ الصادرُ من النائمِ مَثَلًا إذا كان مُرَكَّبًا فيه إفادةٌ، فلا يُسَمَّى كلامًا في النحوِ؛ لأن صاحبَه لم يَقْصِدْ به الإفادةَ؛ لأنه نائمٌ، ثم قالَ: إنَّ الاسمَ يُعْرَفُ بالْحِسِّ، وهو كلُّ ما يُدْرَكُ بإحدى الحواسِّ الخمسِ, مثلُ: السمعِ والبصرِ والشمِّ والذوْقِ واللمْسِ، ويُعرفُ بحُروفِ الجَرِّ التي سَيأتِي حَصْرُها، ويُعرَفُ بالتنوينِ، والفعلُ يُعرفُ بالسينِ، وقد, وبالتاءِ الساكنةِ، ولا عَلامةَ للحرْفِ، ثم قالَ:
البابُ الأوَّلُ: في العواملِ
فللعوامِلِ سِتُّون ثم ذي = لفْظِيَّةٌ أو مَعنوِيَّةٌ خُذِي
وقَسَّمُوا لفْظِيَّةً إلى السماعْ = مع القِياسِ وللأُولَى لا نِزاعْ
جاءتْ حروفُ جَرِّ الاسمِ من إلى = حتى خلا حاشا عدا في عن على
ومُذْ ومُنذُ رُبَّ كي واوٌ ولامْ = والتا لعلى لولا با كاف تَمَامُ
يعني: أنَّ العواملَ تَبْلُغُ سِتِّينَ عاملًا وهذه السِّتُّونَ مُنقسِمَةٌ إلى عواملَ لَفظيَّةٍ، وأُخرى مَعنويَّةٍ, فاللفْظِيَّةُ هي العواملُ التي تُوجَدُ مَنطوقًا بها نُطْقًا صريحًا، والعواملُ المعنوِيَّةُ هي التي لا يُنْطَقُ بها بل يكونُ عَمَلُها مَعنويًّا لُزُومًا، مثلَ العاملِ في رَفْعِ الْمُبتدأِ مَثَلًا، ثم إنَّ العواملَ اللَّفْظِيَّةَ تَنْقَسِمُ هي الأُخْرَى إلى قِسمينِ: فمِنها عواملُ سَمَاعِيَّةٌ مَحصورةٌ في ألفاظٍ مَعْنَوِيَّةٍ، وقِسْمُها الآخَرُ قِيَاسِيٌّ، وسَنُقَدِّمُ الكلامَ على العواملِ السماعيَّةِ، وهي تَبْلُغُ تسعةً وأربعين عاملًا كما سَيُصَرِّحُ بذلك النَّظْمُ ، وجاءَ في مُقَدِّمَتِها حُروفُ الجَرِّ وهي عشرون حَرْفًا، فمنها (من وإلى) ومنها (حتى) مثلُ { حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } ومنها (خلا وعدا وحاشا) وهذه الثلاثةُ حروفٍ للجَرِّ وللاستثناءِ ويُسْتَثْنَى بها اسمٌ مَنصوبٌ فتُجْعَلُ أفعالًا، ومنها (في، وعن وعلى ، ومذ ، ومنذ ، ورُبَّ) ومنها (كي) وهي لا تَجُرُّ إلا (ما) الاستفهاميَّةَ، أو (ما) الْمَصدريَّةَ، أو (إن) الْمَصدرِيَّةَ, فما الاستفهاميَّةُ مثل (كَيْمَهْ) بحذْفِ أَلِفِ ما والوقْفِ على هاءِ السكْتِ بعدَها، ومثالُ ما الْمَصدريَّةِ قولُ الشاعرِ:
إذا أنتَ لم تَنْفَعْ فَضُرَّ فإنما = يُرْجَى الْفَتَى كَيْمَا يَضُرَّ ويَنْفَعَا
ومِثالُ إن الْمَصدريَّةِ قولُ الشاعرِ:
أَكُلَّ الناسِ أَصبحتَ مَانِحًا = لسانَك كَيْمَا أن تَغُرَّ وتَخْدَعَا
وهي في هذه المواضِعِ بمعنى اللامِ، ومنها (لعلَّ) على القولِ الصحيحِ عندَ غالبِيَّةِ النُّحاةِ, وشاهدُ ذلك قولُ الشاعرِ:
لعلَّ اللهِ فَضَّلَكُم علينا = بشيءٍ إنَّ أُمَّكُمُ شريمُ
بِجَرِّ كلمةِ (اللهِ) بعدَ لعَلَّ، ومنها (متى) وهي في لغةِ هُذَيْلٍ مِثلُ (من) ومِثالُ ذلك قولُهم: أَخْرَجَ الرسالةَ مَتَى كُمِّه، أي: من كُمِّه، ومن حروفِ الجَرِّ (الواوُ) و (التاءُ) في القَسَمِ ومنها (الباءُ) و (الكافُ) و (اللامُ) و (لولا)، ولحروفِ الجَرِّ معانٍ جميلةٌ للغايةِ أَعْرَضْنَا عن تَتَبُّعِها للاختصارِ فطالِعُوها في الْمُطَوَّلاتِ، ثم قالَ:
حروفُ نصبِ الاسمِ إنَّ أنَّ ثم = كأنَّ ليتَ علَّ لكن تُضَمْ
كذا إلا عندَ تَمامِ الْمُوجِبِ = ولا لنفيِ الْجِنسِ أيضًا تُحْسَبُ
ما قبلَ إلا بعدَ نَصْبٍ يَرْفَعُ = اسمًا كذاك لا لذا فاسْتَمِعُوا
يعني: أنَّ الحروفَ التي تَنْصِبُ الاسمَ ثمانيةٌ وهي (إنَّ) بكسْرِ الهمزةِ و (أنَّ) بفَتْحِها و (كأنَّ) و (ليتَ) و (لعلَّ) وفيها لغةٌ بـ (علَّ) بِحَذْفِ اللامِ الأَوَّلِ، وهي التي مَشَى عليها النظْمُ للوَزْنِ، و (لكنَّ) ومنها (إلا) التي جاءَتْ للاستثناءِ من كلامٍ تامٍّ غيرِ مَنْفِيٍّ، أمَّا إذا كان تامًّا مَنْفِيًّا فالاستثناءُ بها قد يُنْصَبُ فيه الْمُسْتَثْنى وقد يُرْفَعُ، ورَجَّحَ بعضُهم في هذه الحالةِ رَفْعَ الاسمِ الْمُستَثْنَى بعدَ الكلامِ التامِّ الْمَنْفِيِّ إذا كان الاستثناءُ مُتَّصِلًا، أي: الْمُسْتَثْنَى فيه يُعَدُّ من جِنْسِ المستَثْنَى منه أو من نوعِه مثلَ: ما تَأَخَّرَ أحدٌ إلا رجلٌ أَعْرَجُ، برَفعِ رجُلٍ، وأَمَّا إذا كان الاستثناءُ بعدَ الكلامِ التامِّ المنفيِّ فالأَوْلَى فيه النصبُ مثلَ: لم يَبْقَ في دارِهم أحَدٌ إلا وَتَدًا . فالوَتَدُ ليس من جِنسِ الْمُسْتَثْنَى منه.
ومن الحروفِ التي يُنْصَبُ الاسمُ بعدَها (لا) النافيةُ للجنْسِ مثلَ: لا رَجُلَ يَرْضَى بالعارِ . وهذا الْمِثالُ وَاردٌ في عَمَلِها في الاسمِ الذي ليس مُضافًا ولا شَبِيهًا بالْمُضافِ، وهي تُرَكَّبُ معه، ويُبْنَى على الفتحِ مثلَ: لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ، ويَظْهَرُ النصْبُ تَمامًا في الْمُضافِ وشَبيهِ الْمُضافِ:
مِثالُ الْمُضافِ قولُهم: لا طالبَ علْمٍ مَحرومٌ، ومِثالُ شَبيهِ الْمُضافِ, وهو كلُّ اسمٍ يَعْمَلُ فيما بعدَه أيَّ عَمَلٍ: لا طالعًا جَبَلًا عِنْدَنا، ثم ذَكَرَ أنَّ ما قَبْلَ (إلا) من هذه الحروفِ وهي (إنَّ وأنَّ وليتَ ولكنَّ ولعلَّ وكأنَّ) فإنها بعدَ نَصْبِها الاسمَ تَرْفَعُ الخبَرَ مثلُ: { إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }. (وليت الأستاذَ حاضرٌ) وكذلك ما بعدَ (إلا) من هذه الحروفِ الثمانيةِ وهي: (لا) التي لنَفْيِ الجنسِ ، فإنها بعدَ نَصْبِها للاسمِ تَرْفَعُ الخبَرَ مِثلَ: لا طالبَ عِلْمٍ محرومٌ، ثم قالَ:
وما ولا بمعنى ليس تَرْفَعَانِ = اسمًا وتَنْصِبُ الْمُتِمَّ فاستبانِ
يعني: أنَّ (ما) النافيةَ و (لا) النافيةَ الْمُشَبَّهَتَان بليسَ، تَرفعانِ الاسمَ وتَنصِبانِ الخبَرَ مِثلَ عَمَلِ ليس، ولكنَّ (لا) لا تَعملُ إلا في الأسماءِ النَّكِرَةِ مثلِ قولِ الشاعرِ:
تَعَزَّ فلا شيءٌ على الأرضِ بَاقِيًا = ولا وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللهُ وَافِيًا
فرَفَعَ (شيءٌ) وهو نَكِرَةٌ على أنه اسمٌ لها ونَصَبَ (باقيًا) وهو نَكِرَةٌ كذلك على أنه خبَرٌ لها.
وأَمَّا (ما) فإنها تَعملُ عَمَلَ ليس بأربعةِ شُروطٍ، وهي: كونُها لا تُزادُ بعدَها (أنْ)؛ لأنها لا تُزادَ بعدَ (ليس) وما لا يُقْبَلُ في الْمُشَبَّهِ به فوُجودُه مع الْمُشَبَّهِ يُبْعِدُه عن الْمُشَبَّهِ به، والثاني: أن لا يُبْطَلَ النفيُ عن خَبَرِها، وإلا فلا تَعْمَلُ مثلَ: ما زَيْدٌ إلا كريمٌ، فخَبَرُها بَطَلَ عنه النفيُ فبَقِيَتْ هي بدونِ عَمَلٍ، وصارَتْ الجملةُ من مبتدأٍ وخَبَرٍ قَبْلَهما حرفُ نَفْيٍ, وبينَهما حرفُ حَصْرٍ، والشرطُ الثالثُ: لا يَتَقَدَّمُ خَبَرُها على اسْمِها فلا بُدَّ لصِحَّةِ عمَلِها من أن يكونَ اسْمُها قبلَ خَبَرِها مثلَ: ما زَيْدٌ لَئِيمًا، فلو قُدِّمَ الخَبَرُ على الاسمِ بَطَلَ عَمَلُها، والشرطُ الرابعُ: أن لا يَتَقَدَّمَ معمولُ خَبَرِها على اسْمِها، إلا إذا كان مَعمولُ خَبَرِها ظَرْفًا أو جارًّا أو مجرورًا، ثم قالَ الناظمُ:
أحرُفُ نَصْبٍ للمُضارِعِ كأنْ = ولن وكي ومع هذه إِذَنْ
وجَزْمُه بكلماتٍ مِثْلِ لَمْ = لَمَّا ولامِ الأمرِ ثم لا وثُمّ
فِعْلَيْن إن مَهْمَا ومن كذاك ما = أين متى أنَّى وأيٌّ حَيْثُمَا
إذما ما إذا ما شَرْطُها مُقَدَّمُ = وبعدَهُ الْجَزَا بذا قد جَزَمُوا
لقد كانَ الْمُصَنِّفُ في السابِقِ يَتَكَلَّمُ على عوامِلِ الأسماءِ السماعيَّةِ، والآنَ شَرَعَ يَتكلَّمُ على العواملِ التي تَعْمَلُ في الفعلِ الْمُضارِعِ، وبدأَ بعَوامِلِ نَصْبِه فذَكَرَ منها أربعةً، وهي (أن) بفَتْحِ الهمزةِ وسكونِ النونِ و (لن) و (كي) و (إذن) مثلَ: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } ولن يُفْلِحَ قومٌ وَلَّوْا أَمْرَهم امرأةً، { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها } وما تَرَكَ من نواصِبِ الفعلِ المضارِعِ فهو فَرْعٌ عن الأربعةِ المذكورةِ، ومُشَبَّهٌ بها مِثْلُ لامِ كي، وفاءِ الجوابِ وواوِه والواوِ التي بِمَعْنَى حتى، فإنَّ كلَّ واحدٍ منها تُقَدَّرُ بعدَه (أنْ) مُسْتَتِرَةً.
وأمَّا جَوازِمُ الفعْلِ المضارِعِ فذَكَرَ منها خَمسةَ عشرَ، وهي: (لم ولَمَّا) التي لنَفْيِ الماضي, مِثلَ: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } و (لَمَّا) النفيُ بها يَسْتَغْرِقُ الماضِيَ كلَّه بخِلَافِ (لم) فإنك يُمْكِنُ أن تَقولَ: لم يَرتَكِبْ ذلك إلا في آخِرِ حياتِه، ولا يُمْكِنُ أن تَجْعَلَ مَحَلَّها (لَمَّا) لشِدَّةِ استغراقِ نَفْيِها لِمَا مَضَى إلى الحالِي، ولامُ الأَمْرِ مثلُ: { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِه } ولا الناهيةُ مثلُ:{ لَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } ومثلُها (لا) للدُّعاءِ مِثلُ:{ لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } والفَرْقُ بينَ (لا) التي للنهيِ والتي للدُّعاءِ هو كَونُ (لا) إذا كانتْ صادرةً من الأعلى لعَبْدِه أو مَن تَحتَه فهي نَهْيٌ ، وإن كانت صادرةً من الأسفَلِ فهي دُعاءٌ, ومثلُها (لامُ الأمرِ) .
وهذه الجوازِمُ الأربعةُ حروفٌ، ومعها جازمان آخرانِ من الحروفِ وسَنُنَبِّهُ عليها بعدُ، وباقي الجوازمِ أسماءٌ، ثم إنَّ الجوازمَ التي سَبَقَتْ لا تَجْزِمُ إلا فِعْلًا واحدًا, أمَّا ما يأتي منها فإنه يَجْزِمُ فعلينِ، وهذا هو ما أشارَ له الناظِمُ بقولِه في آخِرِ البيتِ الثاني من الأبياتِ السابقةِ وأَوَّلِ الثالثِ إلى تَمامِ الرابعِ (ثم فعلينِ إن مَهْمَا ومَن) إلخ بمعنى أنَّ الجوازِمَ يُوجَدُ فيها ما يَجْزِمُ فِعلينِ مثلَ (إن) و (مهما) نحوَ: { إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } { إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ } و { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا } الآيةَ، ومثالُ (مَهْمَا) هنا لا يَظهرُ فيه جَزْمُ الجوابِ؛ لأنه جُملةٌ، وجَزْمُها معنويٌّ فهي في مَحَلِّ جَزْمٍ، وهي قولُه سبحانَه: { فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } و (مَن) مثلُ: { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ }(وما) مثلُ: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ } و (أين) فهي ظَرْفُ مكانٍ مثلُ: { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ } و (متى) فهي ظرْفُ زَمانٍ مثلُ قولِ الشاعرِ:
ولستُ بِحَلالِ التِّلاعِ مَخافةً = ولكن متى يَسْتَرْفِدِ القومُ أَرْفِدِ
والشاهدُ في الشطْرِ الأخيرِ . و (أنَّى) مثلُ قولِ الشاعرِ:
خَلِيلَيَّ أَنَّى تَأتياني تَأْتِيَا = أخًا غيرَ ما يُرضِيكُما لا يُحَاوِلُ
والشاهدُ في الشطْرِ الأوَّلِ منه، وهي ظَرْفُ مكانٍ, و (أيٌّ) معناها بِحَسَبِ ما تُضافُ إليه, وهي اسمٌ، ومثالُ الْجَزْمِ بها، أيَّ شيءٍ تَفْعَلْه أَفْعَلْه معك، يَجْزِمُ فعلينِ، أو: أيَّ وَقْتٍ تُسافِرْ أسافِرْ أنا . و (حيثما) وهي ظرفُ مكانٍ نحوَ: حيثما تَذْهَبْ أَذهبْ معك، ومِثلُه قولُ الشاعرِ:
حَيْثُما تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لك اللهُ = نجاحًا في غابِرِ الْأَزْمُنِ
و(إذ ما) وهي حرفٌ عندَ سِيبويهِ، وقالَ الْمُبَرَّدُ: إنها اسمٌ، وهي بمعنى (إنْ) مثلُ قولِ الشاعرِ:
وإنك إذ ما تَأْتِ ما أنتَ آمِرٌ = به تَلْفَ مَن إيَّاُه تَأْمُرُ آتِيَا
و (إذا ما) مثلُها.
فهذه هي جَوازمُ الفِعْلِ المضارِعِ، والجوازِمُ التي تَجْزِمُ فِعلينِ، الأوَّلُ منها يُسَمَّى فِعْلَ الشرْطِ والثاني يُسَمَّى فِعْلَ الجوابِ أو الجزاءِ، ثم قالَ:
فَذِي عواملُ سَمَاعٍ عِدَّ طمْ = وتسعةٌ فيها القياسُ مُنْحَتِمْ
يعني: أنَّ الْجُزْءَ السماعيَّ من العواملِ هو الذي تَقَدَّمَ ذِكْرُه وعَدَدُه يُساوِي عَدَدَ نقطِ حروفِ " طم " بحِسابِ الْجُمَّلِ، وهو تِسعةٌ وأربعون .
والقِسْمُ الثاني من العواملِ اللفظيَّةِ هو العواملُ القِياسيَّةُ وهو تِسعةٌ وإلى تَعدادِها أشارَ بقولِه:
فالفعلُ مُطْلَقًا إن تَمَّ أو نَقَصْ = يَرْفَعْ وقد يَنْصِبْ بنَسْخٍ أو أَخَصّ
كذاك اسمُ فاعلٍ كفِعْلِهِ = واسمٌ لمفعولِ رُكِّبَ لِجَهْلِهِ
يعني: أنَّ العواملَ اللفظيَّةَ القِياسيَّةَ يأتي في مُقَدِّمَتِها الفعلُ ، سواءٌ كان فعلًا تامًّا أو ناقصًا ، والفعلُ التامُّ هو الذي يَكتفِي بفاعلِه المرفوعِ، والناقِصُ هو الذي لا يَكتفِي بمرفوعِه, وغالبًا ما يكونُ من أَخواتِ كان مثلَ (فَتِئ) و (ليس) و (زالَ) فلا يَكتفِي واحدٌ منها بمرفوعِه فيكونَ تامًّا ، وقد لا يَكتفِي به فيكونَ ناقصًا ، وعلى كلِّ حالٍ فكلُّ فِعْلٍ يَعْمَلُ الرفعَ للأسماءِ سواءٌ كان تامًّا أو ناقصًا، وقد يَعمَلُ النصبَ للأسماءِ على وَجْهِ النَّسْخِ للابتداءِ ، مثلَ ظَنَّ وأخواتِها، ومثلَ كان وأخواتِها في نَصْبِها للخَبَرِ، وقد تَنْصِبُ الأفعالُ الأسماءَ على وَجْهِ أنها مَفاعيلُ لها على وَجْهٍ ليس فيه نَسْخٌ للابتداءِ ، وهذا هو معنى قولِ الناظِمِ (وقد يَنْصِبُ بنَسْخٍ أو أَخَصّ).
ثم قالَ: إنَّ من العواملِ اللفظيَّةِ القياسيَّةِ اسمَ الفاعلِ، فإنه يَعملُ كعملِ فِعْلِه بشَرطينِ: أحدُهما: أن يكونَ بعيدًا عن الدَّلالةِ على الماضي، بأن يكونَ دالًّا على الحالِ أو الاستقبالِ، والشرطُ الثاني: أن يَسْتَنِدَ ويَعتمِدَ على شيءٍ قبلَه يُقَرِّبُه من معنى الفعلِ، مثلِ الاستفهامِ، أو النفيِ، أو يكونَ صفةً، أو مُسْنَدًا إلى اسمٍ آخَرَ نحوَ: أقائِمٌ زيدٌ، أو: ما قائمٌ زيدٌ الآنَ أو غَدًا، ومِن العواملِ اللفظيَّةِ القياسيَّةِ كذلك: اسمُ المفعولِ، فإنه يَعْمَلُ عملَ الفعلِ الْمُسْنَدِ للمجهولِ نحوَ: مُكْرَهٌ أَخُوهُ لا بَطَلٌ، برَفْعِ (أخيه) على أنه مفعولٌ لم يُسَمَّ فاعلُه، فهو مرفوعٌ بالنيابةِ عن فاعلِه، وشَرْطُ عملِ اسمِ المفعولِ مثلُ شُروطِ عملِ اسمِ الفاعلِ تَمامًا، وهي الدَّلالةُ على الحالِ أو الاستقبالِ مع الاستنادِ على ما يُقَرِّبُه من الفِعْلِ، مثلُ الاستفهامِ أو النفيِ أو كونِه صِفَةً أو مُسْنَدًا إلى اسمٍ آخَرَ، ومعنى قولِ الناظمِ (رُكِّب لجَهْلِه) يعني: أنَّ اسمَ المفعولِ بمنزِلةِ الفعلِ الذي جُهِلَ فاعلُه فإنه يُرَكَّبُ في اللفظِ مع مفعولِه ويُرْفَعُ به من أَجْلِ فاعلِه ثم قالَ:
وصفةٌ مُشَبَّهَةٌ بالفاعلِ = وأَفعلَ التفضيلِ أيضًا قابِلِ
إلحاقُ مَصْدَرٍ بفِعْلٍ نَقَلُوا = والاسمُ إن أُضيفَ جَرًّا يَعْمَلُ
ونَصَبَ التمييزُ اسْمًا انْبَهَمْ = وما بمعنى الفعلِ يُعْطَى ما ارْتَسَمْ
يعني: أنَّ الصفةَ الْمُشبَّهَةَ باسمِ الفاعلِ تَعملُ عَمَلَ الفعلِ الذي اشْتُقَّتْ منه، وهي من العواملِ اللفظيَّةِ القياسيَّةِ، وهي تَفترِقُ مع اسمِ الفاعلِ بكونِها تُضافُ لفاعلِها في الأَصْلِ مع استحسانِ ذلك ، واسمُ الفاعلِ ليس كذلك فإضافتُه إلى فاعلِه عِلَّةٌ غيرُ مُسْتَحْسَنَةٍ، واسمُ الفاعلِ يكونُ من الفعلِ الْمُتَعَدِّي واللازمِ، والصفةُ الْمُشَبَّهَةُ به لا تكونُ غالبًا إلا مِن اللازمِ، وشروطُ اسمِ الفاعلِ التي اشْتُرِطَتْ لعَمَلِه مُشْتَرَطَةٌ في الصفةِ الْمُشَبَّهَةِ به وقد تَقَدَّمَتْ، إلا أنها هي لا تَعملُ في الْمُستقبَلِ بخِلافِ اسمِ الفاعلِ، وهي تَرْفَعُ الفاعلَ وتَنْصِبُ المفعولَ وتُجَرُّ بالإضافةِ، ولها أحكامٌ كثيرةٌ تُراجَعُ في الْمُطَوَّلَاتِ.
ومن العواملِ اللفظيَّةِ القياسيَّةِ (أفعلُ) الدالَّةُ على التفضيلِ، والغالِبُ فيها أنها تَرْفَعُ الضميرَ في لغةِ جميعِ العَرَبِ, مثلَ قولِك: زيدٌ أَفْضَلُ من عمرٍو، وأمَّا رَفْعُها للاسمِ الظاهرِ ففيه خِلافٌ بينَ العربِ، وقد حَكَى سِيبويهِ عن بعضِ العربِ كونَه يَرْفَعُ الظاهرَ ولو لم يُعاقِب الفعلَ، أمَّا إن عاقَبَ الفعلَ وكان في مَوْضِعٍ لو أُزيلَ منه وَجِيءَ بفِعْلٍ مكانَه لكان صالِحًا، فإنه في هذه الحالةِ يَرْفَعُ الظاهرَ بكثرةٍ مِثلَ: ما رأيتُ رجلاً أَحسنَ في عَينَيْهِ الكُحْلُ منه في عينِ زَيْدٍ.
فالكُحْلُ مَرفوعٌ بأَفْعَلَ التفضيلِ على وجهِ القياسِ؛ لأنه هنا يُمْكِنُ أن يَنوبَ عنه الفعلُ فنقولَ:
ما رأيتُ رجلًا يَحْسُنُ في عَيْنَيْهِ الكُحْلُ كحُسْنِه في عينِ زيدٍ، وهي تُجَرُّ بالإضافةِ.
ثم إنَّ من العواملِ اللفظيَّةِ القياسيَّةِ: (المصدرَ) فهو يَعْمَلُ عمَلَ فِعْلِه بشَرْطِ أن يُمْكِنَ أن يَحِلَّ مَحَلَّه الفعلُ مَقرونًا بـ (أن) أو (ما) المصدرِيَّةِ مثلَ: أَعْجَبَنِي قِيامُك، أي: أن تَقُومَ، وعَجِبْتُ من قِيامِك، أي: مِمَّا تَقومُ، ويَعْمَلُ في الْجَرِّ بالإضافةِ وكلِّ اسمٍ أُضيفَ فإنه يَعملُ الجرَّ فيما أُضيفَ إليه بكَيفيَّةٍ قِياسيَّةٍ، وعليه بالإضافةِ من العواملِ اللفظيَّةِ القِياسيَّةِ.
ومن العواملِ القِياسيَّةِ: النصبُ على التمييزِ بالْمُبْهَمِ، فعندَما يَقَعُ إبهامٌ والتباسٌ بينَ الذواتِ فالاسمُ المفَسَّرُ الذي قد انْبَهَمَ يَنْصِبُ التمييزَ، فالْمُبْهَمُ هو العاملُ اللفظيُّ الذي نَصَبَ الاسمَ.
ومن العواملِ اللفظيَّةِ القياسيَّةِ كذلك: جميعُ الألفاظِ التي تَأْتِي بمعنى الفعْلِ, مثلَ اسمِ الفعلِ ونحوِه، فإنه يَعملُ عَمَلَ الفعلِ مثلَ: دُونَك زيدًا، أي: خُذْهَ، فدُونَك هنا اسمُ فعلٍ بمعنى الفعلِ.
ثم قالَ:
وعامِلُ المعنى لرَفْعِ المبتدأْ = ورَفْعِ ما ضَارَعَ أيضًا قد بَدَأْ
يعني: أنَّ العواملَ المعنوِيَّةَ اثنانِ فقط، وهما عاملُ رَفْعِ المبتدأِ، فإنه يُعَدُّ عاملًا مَعْنَوِيًّا، مع أنَّ البعضَ يَقولُ: إنه مَرفوعٌ بالْخَبَرِ، فالصحيحُ أنه مرفوعٌ من أَجْلِ كونِه عُمدةً في الكلامِ يُعتمَدُ عليه ، وهي ما يَصْلُحُ المعنى لوُجودِه ويَخْتَلُّ لعَدَمِه، ومن حَقِّ العُمدةِ الرفعُ، وهذا عاملٌ مَعنوِيٌّ، والعاملُ المعنويُّ الثاني هو: رافعُ الفعلِ المضارِعِ الْمُجَرَّدِ من عواملِ النصْبِ والْجَزْمِ، فإنه عاملٌ مَعنَوِيٌّ، ولعلَّه مَلحوقٌ بالمبتدأِ في الرفْعِ بالعاملِ المعنويِّ، ثم قالَ:
البابُ الثاني في المعمولِ:
ثم ثلاثون من الأحكامِ = أَتَتْ في معمولٍ فخُذْ كلامِ
وهو على ضَرْبينِ معمولٍ أصيلِ = ومعمولٍ بالاتِّباعِ كالدخيلِ
وأوَّل بالرفعِ والنصبِ وجَرّ = لاسمٍ وجَزْمٍ للمضارِعِ استَقَرّ
يعني: أنَّ المعمولَ يَبْلُغُ تَعدادُه ثلاثينَ مَعمولًا؛ خمسةٌ وعشرون منها مَعمولاتٌ بالأصالةِ، وخمسٌ معمولاتٌ بالتَّبَعِيَّةِ، والمعمولاتُ بالأصالةِ منها مجموعةٌ مرفوعةٌ، ومَجموعةٌ مَنصوبةٌ والرفْعُ والنصْبُ مُشترِكانِ بينَ الأسماءِ، ومنها ما هو مَجزومٌ, والجزْمُ خاصٌّ بالأفعالِ، وقد شَرَعَ في تَبيينِ المرفوعاتِ فقالَ:
فالرفعُ في الفاعلِ مع نائبِهْ = ومُبتدا وخبرٍ فانْتَبِهْ
واسمٌ لبابِ كانَ والخبرُ منْ = بابِ لإنَّ مثلُها لا فاسْتَبِنْ
واسمُ ما ولا بمعنى ليس ثَمّ = مضارعٌ من نَصْبٍ أو جَزْمٍ سَلِمْ
يعني: أنَّ الرفعَ وهو يَشملُ تِسعةَ أنواعٍ يأتي في الفاعلِ، وهو الاسمُ المرفوعُ المذكورُ قَبلَه فِعْلٌ تامٌّ أصليُّ الصيغةِ, مثلُ: جاءَ الْمُعَلِّمُ، وكَتَبْتُ الدرسَ، فالْمُعَلِّمُ هو فاعلُ فعلِ جاءَ، وهو ظاهِرٌ غيرُ ضميرٍ ، وأمَّا الفاعلُ الذي هو ضَميرٌ فمِثالُه التاءُ من قولِك: كَتَبْتُ الدرْسَ والمرفوعُ الثاني: النائبُ عن الفاعلِ وهو الاسمُ المرفوعُ المذكورُ بعدَ فِعْلٍ جُهِلَ فاعلُه، أو حُذِفَ للاختصارِ، أو أُريدَ إخفاءُ اسْمِه على الناسِ، مثالُه: سُرِقَ الْمَتاعُ . وأنتَ لا تَعْرِفُ مَن سَرَقَه، أو تُريدُ إخفاءَه ولا بُدَّ في الفعلِ الْمُسْنَدِ للنائبِ عن الفاعلِ من ضَمِّ حَرْفِه الأَوَّلِ وكَسْرِ ما قَبْلَ آخِرِه إن كان ماضيًا كالمثالِ السابقِ، وإن كان مُضارِعًا ضُمَّ أوَّلُه وفُتِحَ ما قَبْلَ آخِرِه كقولِك: يُكْرَمُ زيدٌ بضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الراءِ.
والمرفوعُ الثالثُ: المبتدأُ ، وهو الاسمُ المرفوعُ الذي لم يَعْمَلْ فيه عاملٌ ظاهرٌ, وخَبَرُه المفْرَدُ مرفوعٌ كذلك وهو الرابعُ، مثالُهما: العلْمُ نورٌ.
والمرفوعُ الخامسُ: هو اسمُ بابِ (كان) وأخواتِها, وهي: (أمسى وظَلَّ وباتَ وأَصبحَ وصارَ وليس وزالَ وبَرِحَ وما فَتِئَ، وما انْفَكَّ وما دامَ) فهذه العواملُ تَرْفَعُ الاسمَ وسيأتي أنها تَنْصِبُ الْخَبَرَ، مثالُ ذلك: { كَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا } و: باتَ الليلُ مُقْمِرًا وأَصْبَحَ الْجَوُّ جَميلًا.
والمرفوعُ السادسُ: خبرُ (إنَّ) وأخواتِها, وهي: (أنَّ وليتَ ولعلَّ وكأنَّ ولكنَّ) فهذه العواملُ الستَّةُ سيأتي أنها تَنْصِبُ الاسمَ ، وهنا المرادُ ذِكْرُ كونِ خَبَرِها مَرفوعًا بعدَ الاسمِ المنصوبِ نحوَ: إنَّ زيدًا عالِمٌ ولكنَّ أخاهُ جاهلٌ، وليتَ الأستاذَ عالِمٌ بذلك.
والمرفوعُ السابعُ: خبرُ (لا) التي لنَفْيِ الْجِنْسِ مثلُ: لا طالبَ عِلْمٍ محرومٌ، برَفْعِ (محروم) على أنها خَبَرُ لا، أمَّا اسْمُها فمنصوبٌ وسَيُذْكَرُ مع الْمَنصوباتِ.
والمرفوعُ الثامنُ: اسمُ (ما) و (لا) الْمُشْبَّهَتَيْنِ بليسَ مثلُ: ما زيدٌ بِجَاهِلٍ و (لا) مِثَالُها: لا شيءٌ على أرضٍ باقِيًا, أنتَ تَتَعَلَّمُ الأدَبَ، وتَكْتُبُ الدَّرْسَ، ثم قالَ:
والمرفوعُ التاسعُ: الفعلُ المضارِعُ الذي لم يَدْخُلْ عليه عاملُ نَصْبٍ ولا جَزْمٍ مثلُ:
والنصْبُ في ثلاثةَ اعْشَرَ لَزِمْ = مفعولَ مُطْلَقٍ ومفعولَ عَلَمْ
والظرْفُ والمفعولُ له ومَعْهُ = والحالُ والتمييزُ فاعْرِفْ حَدَّهُ
ومُسْتَثْنًى وخبرٌ لبابِ كانَ = واسمٌ لبابِ إنَّ فاعْرِفِ البيانَ
يعني: أنَّ المنصوباتِ تَبْلُغُ ثلاثةَ عشرَ مَنصوبًا، أوَّلُها: المفعولُ الْمُطْلَقُ، ويُعَرِّفُه بعضُ الطَّلَبَةِ بالْمَصْدَرِ، وهو الاسمُ الذي يأتي في الدرجةِ الثانيةِ عندَ تصريفِ الفعلِ على الْمَذهبِ الكوفيِّ الذي يَقولُ: إنَّ الفعْلَ هو الأَصْلُ، مثلَ: تَعَلَّمَ يَتَعَلَّمُ تَعَلُّمًا وحَفِظَ يَحْفَظُ حِفْظًا.
والمنصوبُ الثاني: المفعولُ به: وهو معروفٌ عندَ الطلبةِ بكَوْنِه الاسمَ المنصوبَ بعدَ فاعلِ الفعلِ، نحوَ: كَتَبْتُ الدرْسَ، وفَهِمْتُ الْحُكْمَ.
والمنصوبُ الثالثُ: الظرْفُ وهو الاسمُ الدالُّ على وَقتٍ من الزَّمَنِ، أو مكانٍ من الأَمكنةِ نحوَ: جاءَ الإمامُ يومَ الْجُمُعَةِ وجلَسَ أمامَ بعضِ الصفوفِ وتَأَخَّرَ وراءَ صفوفٍ, فكَلِمَةُ (يومَ) ظرْفُ زمانٍ, وكلمةُ (أمامَ ووراءَ) كلٌّ منهما ظَرْفُ مَكانٍ، والمنصوبُ بالظرفِيَّةِ أكثرُ من أن يُحْصَرَ.
الرابعُ: المفعولُ لأَجْلِه، وهو الاسمُ الدالُّ على أنَّ بعضَ الأعمالِ يُقامُ بها من أَجْلِ حُصولِه مثلُ: قُمْتُ إجلالًا لِمُعَلِّمِي، وتَعِبْتُ في التَّعَلُّمِ طَرْدًا للجَهْلِ، فكلمةُ (طَرْدًا) مفعولٌ لأَجْلِه, وكذلك كَلمةُ (إجلالاً).
والمنصوبُ الخامسُ: المفعولُ معه.
المنصوبُ السادسُ: الحالُ وهو اسمٌ تُفَسَّرُ به الحالاتُ الْمُنْبَهِمَةُ –أي: الغامضةُ- مَثَلًا إذا كان صديقُك في اجتماعٍ فيه مُزاحمةٌ على الحصولِ على شيءٍ وهو يُؤَيِّدُ بعضَ الحاضرينَ وأَخْبَرُوكَ أنه قَدِمَ وأنتَ تُريدُ أن تَعْرِفَ هل نَجَحَ قومُه أم لا, تَقولُ: كيفَ كان حالُه وقتَ قُدُومِه، فإذا قالوا لك: جاءَ ضاحكًا مُبْتَهِجًا، فقد بَيَّنُوا الحالةَ التي لم تكنْ تَعْرِفُها قبلَ ذِكْرِ الحالِ، وهو لا يكونُ إلا اسمًا نَكِرَةً, والكلامُ يَتِمُّ دونَه ، والاسمُ الذي يُرادُ تَبيينُ حالِه لا يكونُ في الغالِبِ إلا مَعرِفَةً.
والمنصوبُ السابعُ: التمييزُ وهو الاسمُ الذي تُفَسَّرُ به الذواتُ الْمُنْبَهِمَةُ، أي: الْمُلْتَبِسَةُ على السامعِ مثلَ قولِك: قد قَدِمْتُ على المدرسةِ, ومعي خَمسةٌ للهِ الحمدُ، فهذه الخمسةُ لم نَعْرِفْ من أيِّ شيءٍ هي ، فإذا قُلتَ: دَفاتِرَ فقدْ مَيَّزْتَها، أو تقولُ: هذا التلميذُ له عليَّ أَربعون في ذِمَّتِي، فإنَّ هذه الأربعينَ لم يَتَمَيَّزْ لنا من أيِّ الذواتِ هي، فإذا قُلْتَ: أُوقيةً فقد مَيَّزْتَها لنا عن غَيْرِها.
والمنصوبُ الثامنُ: الْمُسْتَثْنى بإلا, بـ (إلا) يُنْصَبُ بعدَ الكلامِ التامِّ الْمُوجَبِ نحوَ: كلُّ البشَرِ سيَدخلونَ الْجَنَّةَ إلا الكُفَّارَ، بنَصْبِ الكُفَّارِ على الاستثناءِ.
والمنصوبُ التاسعُ: خَبَرُ كانَ وأخواتِها مثلُ: { كَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا } وقد سَبَقَ أن أَشَرْنا إلى ذلك.
والمنصوبُ العاشرُ: اسمُ إنَّ وأخواتِها ، وقد تَقَدَّمَ حَصْرُها, مثلَ: إنَّ زيدًا عالِمٌ ولكنَّ ابنَه كَسولٌ ، ولعلَّ اللهَ يَتدارَكُه بالعنايةِ فيَنْجَحَ ويَتْرُكَ الكسلَ، ثم قالَ:
واسمُ لا لنفيِ جِنْسٍ أو خَبَرْ = لما ولا مُشَبَّهَتَا ليس اسْتَقَرّ
وبدخولِ عاملِ النصْبِ علَى = مُضارِعٍ فانْصِبْه أيضًا تَفْصِيلَا
والمعمولُ الحاديَ عشرَ هو اسمُ (لا) النافيةِ للجنسِ، والتي قد سَبَقَ أن ذَكَرْنا كونَ خَبَرِها مَرفوعًا، وأمَّا اسْمُها، فهو مَنصوبٌ وقد فَصَّلْنَا بعضَ الكلامِ عليها عندَ ذِكْرِها بينَ العواملِ, وقُلْنَا: إنها تَنْصِبُ الاسمَ الْمُفْرَدَ، ويُبْنَى معها على الفَتْحِ نحوَ: (لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ) وأمَّا الاسمُ الْمُضافُ وشَبيهُ الْمُضافِ فإنها تَنْصِبُهما نحوَ: لا طالعَ جَبَلٍ عِنْدَنا.
والمنصوبُ الثانيَ عشرَ: خَبَرُ ما ولا اللتين شُبِّهَتَا بليسَ نحوَ: لا أَحَدُ خَيرًا من أَحَدٍ إلا بالعلْمِ والتُّقَى، وما الباذِلُ لواجباتِ المالِ ببخيلٍ.
والمنصوبُ الثالثَ عشرَ: المضارِعُ الذي دَخَلَتْ عليه عواملُ النصْبِ، نحوَ: { لَنْ نَبْرَحَ الْأَرْضَ } ثم قالَ:
والجَرُّ جَا في اثنينِ حَرْفُ الْجَرّ = مع الإضافةِ كقُبْحِ الشَّرّ
والجَزْمُ في مُضارعٍ قد دَخَلَا = عليه جازمٌ كما للفُصَلا
يعني: أنَّ الجَرَّ في مسألتينِ وهما: الجَرُّ بأَحَدِ حروفِ الجَرِّ، والجَرُّ بالإضافةِ، وقد مَثَّلَ لهما النَّاظْمُ بقولِه: (كقُبْحِ الشرّ) فقولُ: (كقُبْحِ) جارٌّ ومَجرورٌ, والشرُّ مجرورٌ بالإضافةِ.
وذَكَرَ عاملَ الجزْمِ الذي هو خاصٌّ بالأفعالِ، فقالَ: إنَّ الفعلَ المضارِعَ إذا دَخَلَ عليه أحَدُ عواملِ الْجَزْمِ التي قَدَّمَ ذِكْرَها، وحَصَرَها في خَمسةَ عشرَ عاملًا، إذا دَخَلَ أَحَدُها على الفعْلِ المضارِعِ فإنه يُجْزَمُ مِثلَ: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } و { إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ } ثم قالَ:
أمَّا العواملُ التي بالتَّبَعْ = فخمسةٌ كالنعتِ والعطفِ فَعِ
مُوَكَّدٌ وبَدَلٌ عطْفُ البيانِ = فذي ثلاثون أَتَتْ مع البيانِ
يعني: أنَّ العواملَ التي تَأْتِي مَعمولًا فيها بالتبَعِيَّةِ خمسةٌ، وهي (النعْتُ) مثلُ: العالِمُ السُّنِّيُّ أَفْضَلُ الناسِ، و (العطفُ) مثلُ: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ }، و (أبو بكرٍ وعمرُ هما أَفضلُ الصحابةِ) والتأكيدُ مثلُ قولِك: (الصحابةُ كلُّهم عُدولٌ) والبدَلُ نحوُ قولِك: جاءَ صَدِيقي صالحٌ مُتَعَلِّمًا و (عَطْفُ البيانِ) مُساوٍ للبَدَلِ في أَكثرِ الأحوالِ ولا يَفترقان إلا في حالتينِ تُنْظَرُ لهما الْمُطَوَّلَاتُ، فهذه هي آخِرُ أفرادِ المعمولِ التي بَلَغَ عددُها ثلاثينَ مسألةً ، ثم قالَ:
البابُ الثالثُ: في عَلاماتِ الإعرابِ:
علامةُ الإعرابِ حرْفٌ حَرَكَه = وعنهمُ قد جاءَ حذْفٌ فاتْرُكَهْ
والحركاتُ ضَمُّ فَتْحُ كَسْرُ زِدْ = والحروفُ واوُ يا ألِف نونُ تَرِدْ
والحذْفُ للنونِ وحَرْفِ العِلَّةِ = في جَزْمِ ما ضَارَعَ والحركَةِ
يعني: أنَّ علاماتِ الإعرابِ عشرةٌ، وهي إمَّا حركةٌ، أو حروفٌ تَنوبُ عن الحركاتِ، أو حذْفٌ يكونُ علامةً للإعرابِ في بعضِ الْمَواضِعِ، والحركاتُ ثلاثٌ، وهي الضمَّةُ، وتَظْهَرُ في الاسمِ المفرَدِ وجَمْعِ التكسيرِ، وجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السالِمِ، والفعلِ المضارِعِ الذي لم يَتَّصِلْ شيءٌ بآخِرِه، والفتحةُ، وتَظْهَرُ في الاسمِ الْمُفْرَدِ، وجَمْعِ التكسيرِ والفعلِ المضارِعِ، إذا دَخَلَ عليه ناصبٌ، والكسرةُ تكونُ عَلامةً في ثَلاثةِ مَواضِعَ، وهي الاسمُ المفرَدُ وَجَمْعُ التكسيرِ وجَمْعُ المؤَنَّثِ السالِمُ، وأمَّا الحروفُ فأَربعةٌ وهي (الواوُ والياءُ والألِفُ والنونُ) فأمَّا (الواوُ) فتكونُ علامةً للرفْعِ في مَوضعينِ هما جَمْعُ المذَكَّرِ السالِمُ، مثلُ الصالحون، والأسماءُ الخمسةُ، وهي: (أبوك وأخوك وحَمُوك وذو مالٍ وفُوك) وأمَّا الألِفُ فتكونُ علامةً للرفْعِ في تَثنيةِ الأسماءِ فقط وتكونُ علامةً للنصْبِ في الأسماءِ الخمسةِ, أَعْنِي: أباك وأخاك وحَمَاك وذا مالٍ وفاكَ، وأَمَّا (الياءُ) فتكونُ عَلامةً للنصْبِ في مَوْضِعينِ هما: جَمْعُ المذَكَّرِ السالِمُ وتَثْنِيَةُ الأسماءِ، مثلُ: رأيتُ رَجلينِ من القادِمينَ على القريةِ، وتكونُ علامةً للجَرِّ في ثلاثةِ مَواضِعَ، وهي: الأسماءُ الخمسةُ، وتَثنيةُ الأسماءِ وجَمْعُ الْمُذَكَّرِ السالِمُ، مثلُ: مَرَرْتُ بأبيكَ وأخيكَ وحَميكَ وذي مالٍ، وبِرَجُلينِ من العالَمينَ، وأمَّا النونُ فتكونُ عَلامةً لرَفْعِ المضارِعِ الذي اتَّصَلَ بآخِرِه أَلِفُ تَثنيةٍ، أو ياءُ مُخاطَبَةٍ أو واوُ جماعةٍ مثلُ: يَفعلان وتَفعلين وتَفعلون، وأمَّا الحذْفُ فأنواعُه ثلاثةٌ: إمَّا حَذْفُ الحركةِ ويُسَمَّى بالسكونِ، وذلك يكونُ عَلامةً للجَزْمِ في المضارِعِ الصحيحِ الآخِرِ، وإمَّا بِحَذْفِ حرفِ العلَّةِ, وهو (الواوُ والياءُ والألِفُ) وذلك يكونُ علامةً للجَزْمِ في المضارِعِ الْمُعْتَلِّ الآخِرِ، مثلُ: (لم يَخشَ ولم يَدَعْ ولم يَرْمِ) وأمَّا حذْفُ النونِ فيكونُ عَلامةً للجَزْمِ في الفعلِ المضارِعِ الذي اتَّصَلَ بآخِرِه ألِفُ تَثنيةٍ أو واوُ جماعةٍ، أو ياءُ مُخاطَبَةٍ، نحوَ: لم يَفعلَا، ولم يَفعلوا ولم تَفْعَلِي ، وكذلك الجامعُ هذه الأفعالَ الثلاثةَ إذا دَخَلَ عليها عاملُ نَصْبٍ نحوَ: لن يَفْعَلا ولن يَفعلوا ولن تَفْعَلي, فهذه العَلاماتُ العشرُ للإعرابِ, والتي هي الْحَركاتُ الثلاثةُ (الضَّمَّةُ والفتحةُ والكسرةُ).
والحروفُ النائبةُ عن الحركاتِ، وهي أربعةٌ: الألِفُ والواوُ والياءُ والنونُ والحذْفُ في أقسامِه الثلاثةِ وهي: حَذْفُ الحركةِ، وحذْفُ حرفِ العلَّةِ، وحذْفُ النونِ، فهذه العشرةُ إذا اجْتَمَعَتْ مع المعمولِ، وهو ثلاثونَ، وضُمَّ الجميعُ إلى العواملِ، وهي سِتُّونَ فإنَّ ذلك يكونُ تَمامَ مائةِ حُكْمٍ وافيةٍ، ومَن اسْتَحْضَرَ هذه المائةَ فقد اسْتَكْمَلَ خيرًا كثيرًا مما يَنْفَعُه في حَلِّ مَشاكِلِ القرآنِ والحديثِ الشريفِ.
وبهذا يَنْتَهِي التعليقُ الذي أَرَدْنا وَضْعَه علَى نَظْمِنَا المُسَمَّى بـ(تَيْسِيرِ الإعْرَابِ) اللَّذَيْنِ نَرْجُو مِن اللهِ عزَّ وجلَّ أن يَجْعَلَهُما خَالِصَيْنِ (لوَجْهِهِ) سُبْحَانَه، وأَنْ يَنْفَعَ بِهَا أَبْناءَ أَهْلِ الإسلامِ نفعًا كبيرًا، وأنْ يَجْعَلَ فيها البَرَكَةَ والتَّيْسِيرَ، إنه على ما يَشاءُ قَدِيرٌ، وبالإجابةِ جديرٌ.
وفي الْخِتامِ قالَ:
فهذه عَشْرٌ أَتَتْ في الإعرابِ = عواملُ الْجُرْجَانِ جاءَتْ بانتخابِ
والحمدُ والصلاةُ والسلامُ = على الذي كان به الْخِتَامُ
انْتَهَى بحَمْدِ اللهِ وحُسْنِ عَوْنِه، على يدِ كاتبِه وجامِعِه (مُحَمَّدٍ المحفوظِ وَلَدِ محمَّدٍ الأمينِ ولَدِ أب التنواجوي الشنقيطيِّ الْحَوْضِيِّ) غَفَرَ اللهُ له ولوالِدَيْهِ ولجميعِ المسلمينَ آمينَ، وكان الفَراغُ منه ليلةَ الأَحَدِ السادسةَ والعشرينَ من شَهْرِ جُمَادَى الأُولَى عامَ ألْفٍ وأربعِمائةٍ وثَمانٍ هِجْرِيَّةً، الموافِقُ للسادسَ عشرَ من يَنايرَ عامَ أَلْفٍ وتِسْعِمائةٍ وثَمانٍ وثمانينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على أَشْرَفِ الْمُرْسَلينَ وعلى آلِه وصَحْبِه أَجمعينَ.