ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:04 am

    [ 1 ]
    مغنى اللبيب عن كتب الاعاريب تأليف الامام أبى محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف أبن أحمد بن عبد الله بن هشام، الانصاري، المصرى المتوفى في سنة 761 من الهجرة حققه وفصله، وضبط غرائبه محمد محيى الدين عبد الحميد عفا الله تعالى عنه منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم - ايران 1404 ه‍ - ق الجزء الاول
    [ 2 ]
    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على سابغ نعمائه، والشكر له سبحانه على وافر آلائه، وصلاته وسلامه على صفوة الصفوة من رسله وأنبيائه، وعلى آله وصحبه وسائر أوليائه. اللهم إنى أحمدك حمد المعترف بتقصيره وقصوره، المقر بخطاياه وذنوبه، المؤمل في واسع رحمتك وعظيم فضلك، أن تشمله بعفوك، وتسبل عليه جميل سترك، فإنك - يا رب - أنعمت متفضلا، وتطولت مبتدئا، ولن يخيب راجيك، ولن يرد سائلك. وبعد، فإنى منذ أكثر من عشرين عاما أنشأت شرحا على كتاب (مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب) أوعب كتب العلامة أبى محمد عبد الله جمال الدين بن هشام الانصاري، المصرى، وكنت قد تنوقت في هذا الشرح على قدر ما يستحقه الاصل من العناية وبذل الوسع، وكنت أعود إليه بين الحين والحين فأزيد فيه ما يجد لى من البحث، حتى أوفيت على الغاية، وبلغت من ذلك ما تمنيت. ولكني لم أظفر إلى يوم الناس هذا بناشر يقوم بإظهاره لقراء العربية، إذ كان الناشرون لهذا النوع من المؤلفات إنما يقدمون على نشر ما يعتقدون أنهم رابحون من ورائه الربح الجزيل، فهم يقدرون ويقدرون ويقدرون ثم يقدمون أو يحجمون وقد كان من نصيب هذا الكتاب أن يحجم من عرفت من الناشرين عن الانفاق عليه، رغم تهافت كثرتهم على مؤلفاتي، وليس فيه من عيب عندهم إلا أنه كتاب كبير الحجم، وقراؤه في طبعات شروحه القديمة قلة لا نسد نهمهم، ولا تغنى عندهم، ومن آيات ذلك أنى عرضت على ثلاثة من الناشرين الواحد بعد الآخر التوفر على نشر هذا الكتاب، وكان أحدهم يوافق رضى النفس منشرح الصدر، حتى إذا علم أن الكتاب يقع في أربع مجلدات ضخام أوسعني عذرا.
    [ 3 ]
    يطلب من المكتبة التجارية الكبرى بمصر ص. ب 578 مطبعة المدنى 68 شارع العباسية - القاهرة
    [ 4 ]
    ولقد رأيت أن أحتال لظهور هذا الكتاب، فأظهر كتاب (مغنى اللبيب) أول الامر مجردا عن شرحي عليه: في مظهر يدعو إلى الرغبة فيه والاقبال عليه، حتى إذا عرفه من لم يكن يعرفه، وتطلبه من ليست له به سابقة، استطعت - إن كان في الاجل بقية - أن أخرجه مرة أخرى مع الشرح. فإلى إخوانى في مشارق البلاد العربية ومغاربها الذين أحسنوا الظن بى فرغبوا في أن أذيع هذا الشرح، وما فتئوا يتقاضونني أن أخرجه لهم، أقدم كتاب (مغنى اللبيب) في مرأى يسر نواظرهم، ويطمئن قلوبهم، وأنا على موعدة معهم - إن شاء الله تعالى - أن أظهرهم على ما في هذا الكتاب الجليل من محاسن، وما بذله مؤلفه فيه من جهد، وما أفرغ في جمعه وتحقيقه من طاقة، والله المسئول أن يحقق لى ولهم الامال، وأن يجنبنى وإياهم الخطأ والخطل والزيغ، إنه سبحانه أكرم مسئول، وهو حسبى وإياهم ونعم الوكيل. كتبه المعتز بالله تعالى محمد محيى الدين عبد الحميد
    [ 5 ]
    ترجمة ابن هشام صاحب كتاب (مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب) هو الامام الذى فاق أقرانه، وشأى من تقدمه، وأعيا من يأتي بعده، الذى لا يشق غباره في سعة الاطلاع وحسن العبارة وجمال التعليل، الصالح الورع، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام، الانصاري، المصرى. ولد بالقاهرة، في ذى القعدة من عام ثمان وسبعمائة من الهجرة (سنة 1309 من الميلاد). لزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل، وتلا على ابن السراج، وسمع على أبى حيان ديوان زهير بن أبى سلمى المزني، ولم يلازمه ولا قرأ عليه غيره، وحضر دروس التاج التبريزي، وقرأ على التاج الفاكهانى شرح الاشارة له إلا الورقة الاخيرة، وحدث عن ابن جماعة بالشاطبية، وتفقه أول الامر على مذهب الشافعي، ثم تحنبل فحفظ مختصر الخرقى قبيل وفاته بخمس سنين. تخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وتصدر لنفع الطالبين، وانفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البارع، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التصرف في الكلام، وكانت له ملكة يتمكن بها من التعبير عن مقصوده بما يريد مسهبا وموجزا، وكان - مع ذلك كله - متواضعا، برا، دمث الخلق، شديد الشفقة، رقيق القلب.
    [ 6 ]
    قال عنه أبن خلدون: (مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه) وقال عنه مرة أخرى: (إن ابن هشام على علم جم يشهد بعلو قدره في صناعة النحو، وكان ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جنى واتبعوا مصطلح تعليمه، فأتى من ذلك بشئ عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه). ولابن هشام مصنفات كثيرة كلها نافع مفيد تلوح منه أمارات التحقيق وطول الباع، وتطالعك من روحه علائم الاخلاص والرغبة عن الشهرة وذيوع الصيت، ونحن نذكر لك من ذلك ما اطلعنا عليه أو بلغنا علمه مرتبا على حروف المعجم، وندلك على مكان وجوده إن علمنا أنه موجود، أو نذكر لك الذى حدث به إن لم نعلم وجوده، وهاكها: (1) الاعراب عن قواعد الاعراب، طبع في الآستانة وفى مصر، وشرحه الشيخ خالد الازهرى، وقد طبع هو وشرحه مرارا أيضا. (2) الالغاز، وهو كتاب في مسائل نحوية، صنفه لخزانة السلطان الملك الكامل، طبع في مصر. (3) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، طبع مرارا، وشرحه الشيخ خالد، ولنا عليه ثلاثة شروح: أحدها وجيز وقد طبع مرارا، وثانيها بسيط لا يزال رهين القماطر، وثالثها وسيط، مطبوع في ثلاثة أجزاء. (4) التذكرة، ذكر السيوطي أنه كتاب في خمسة عشر مجلدا، ولم نطلع على شئ منه (5) التحصيل والتفصيل، لكتاب التذييل والتكميل، ذكر السيوطي أنه عدة مجلدات. (6) الجامع الصغير، ذكره السيوطي، ويوجد في مكتبة باريس.
    [ 7 ]
    (7) الجامع الكبير، ذكره السيوطي. (8) رسالة في انتصاب (لغة) و (فضلا) وإعراب (خلافا) و (أيضا) و (هلم جرا) ونحو ذلك، وهى موجودة في دار الكتب المصرية وفى مكتبتي برلين وليدن، وهى برمتها في كتاب (الاشباه والنظائر النحوية) للسيوطي. (9) رسالة في استعمال المنادى في تسع آيات من القرآن الكريم، موجودة في مكتبة برلين. (10) رفع الخصاصة، عن قراء الخلاصة، ذكره السيوطي، وذكر أنه أربع مجلدات. (11) الروضة الادبية، في شواهد علوم العربية، يوجد بمكتبة برلين، وهو شرح شواهد كتاب اللمع لابن جنى. (12) شذور الذهب، في معرفة كلام العرب، طبع مرارا. (13) شرح البردة، ذكره السيوطي، ولعله شرح (بانت سعاد) الآتى. (14) شرح شذور الذهب المتقدم، طبع مرارا، ولنا عليه شرح طبع مرارا أيضا. (15) شرح الشواهد الصغرى، ذكره السيوطي، ولا ندرى أهو الروضة الادبية السابق ذكره، أم هو كتاب آخر ؟ (16) شرح الشواهد الكبرى، ذكره السيوطي أيضا، ولا ندرى حقيقة حاله. (17) شرح قصيدة (بانت سعاد) طبع مرارا. (18) شرح القصيدة اللغزية في المسائل النحوية، يوجد في مكتبة ليدن. (19) شرح قطر الندى، وبل الصدى، الآتى ذكره، طبع مرارا، ولنا عليه شرح طبع مرارا أيضا.
    [ 8 ]
    (21) عمدة الطالب، في تحقيق صرف ابن الحاجب، ذكره السيوطي، وذكر أنه في مجلدين. (22) فوح الشذا، في مسألة كذا، وهو شرح لكتاب (الشذا، في مسألة كذا) تصنيف أبى حيان، يوجد في ضمن كتاب (الاشباه والنظائر النحوية) للسيوطي. (23) قطر الندى وبل الصدى، طبع مرارا، ولنا عليه شرح مطبوع. (24) القواعد الصغرى، ذكره السيوطي. (25) القواعد الكبرى، ذكره السيوطي. (26) مختصر الانتصاف من الكشاف، وهو اختصار لكتاب صنفه ابن المنير في الرد على آراء المعتزلة التى ذكرها الزمخشري في تفسير الكشاف، واسم كتاب ابن المنير (الانتصاف من الكشاف) وكتاب ابن هشام يوجد في مكتبة برلين. (27) المسائل السفرية في النحو، ذكره السيوطي. (28) مغنى اللبيب عن كتب الاعاريب، طبع في طهران والقاهرة مرارا، وعليه شروح كثيرة، طبع منها عدد واف، من ذلك شرح للدمامينى وآخر للشمنى، وحاشية للامير وأخرى للدسوقي، ولنا عليه شرح مسهب، نسأل الله أن يوفق إلى طبعه، ومغنى اللبيب هذا هو الذى أقدمه اليوم في هذا الثوب القشيب. (29) موقد الاذهان وموقظ الوسنان، تعرض فيه لكثير من مشكلات النحو، يوجد في دار الكتب المصرية وفى مكتبتي برلين وباريس. وتوفى رحمه الله تعالى في ليلة الجمعة - وقيل: ليلة الخميس - الخامس من ذى القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة (سنة 1360 من الميلاد) رحمه الله رحمة واسعة وأسبغ على جدثه حلل الرضوان.
    [ 9 ]
    بسم الله الرحمن الرحيم قال سيدنا ومولانا الشيخ الامام العالم العلامة جمال الدين رحلة الطالبين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن هشام، الانصاري، قدس الله روحه، ونور ضريحه (1) أما بعد حمد الله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله، فإن أولى ما تقترحه القرائح، وأعلى ما تجنح إلى تحصيله الجوانح، ما يتيسر به فهم كتاب الله المنزل، ويتضح به معنى حديث نبيه المرسل، فإنهما الوسيلة إلى السعادة الابدية، والذريعة إلى تحصيل المصالح الدينية والدنيوية، وأصل ذلك علم الاعراب، الهادى إلى صوب الصواب، وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة أنشأت بمكة زادها الله شرفا كتابا في ذلك، منورا من أرجاء قواعده كل حالك، ثم إننى أصبت به وبغيره في منصرفي إلى مصر، ولما من الله [ تعالى ] على في عام ستة وخمسين بمعاودة حرم الله، والمجاورة في خير بلاد الله، شمرت عن ساعد الاجتهاد ثانيا، واستأنفت العمل لا كسلا ولا متوانيا، ووضعت هذا التصنيف، على أحسن إحكام وترصيف، وتتبعت فيه مقفلات مسائل الاعراب فافتتحتها، ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونقحتها، وأغلاطا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهت عليها وأصلحتها. فدونك كتابا تشد الرحال فيما دونه، وتقف عنده فحول الرجال ولا يعدونه، إذ كان الوضع في هذا الغرض لم تسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله ومما حثني على وضعه أننى لما أنشأت في معناه المقدمة الصغرى المسماة ب‍ (الاعراب عن قواعد الاعراب) حسن وقعها عند أولى الالباب، وسار نفعها في جماعة الطلاب مع أن الذى أودعته فيها بالنسبة إلى ما ادخرته عنها كشذرة من عقد نحر، بل
    (1) تختلف النسخ في هذه التقدمة، وظاهر أنها ليست من كلام المؤلف
    [ 10 ]
    كقطرة من قطرات بحر، وها أنا بائح بما أسررته، مفيد لما قررته وحررته، مقرب فوائده للافهام، واضع فرائده على طرف الثمام، لينالها الطلاب بأدنى إلمام، سائل من حسن خيمه، وسلم من داء الحسد أديمه، إذا عثر على شئ طغى به القلم، أو زلت به القدم، أن يغتفر ذلك في جنب ما قربت إليه من البعيد، ورددت عليه من الشريد، وأرحته من التعب، وصيرت القاصي يناديه من كثب، وأن يحضر قلبه أن الجواد قد يكبو، وأن الصارم قد ينبو، وأن النار قد تخبو، وأن الانسان محل النسيان، وأن الحسنات يذهبن السيئات: 1 - ومن ذا الذى ترضى سجاياه كلها ؟ ! * كفى المرء نبلا أن تعد معايبه وينحصر في ثمانية أبواب. الباب الاول، في تفسير المفردات وذكر أحكامها. الباب الثاني، في تفسير الجمل وذكر أقسامها وأحكامها. الباب الثالث، في ذكر ما يتردد بين المفردات والجمل، وهو الظرف والجار والمجرور، وذكر أحكامهما. الباب الرابع، في ذكر أحكام يكثر دورها، ويقبح بالمعرب جهلها. الباب الخامس، في ذكر الاوجه التى يدخل على المعرب الخلل من جهتها. الباب السادس، في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها الباب السابع، في كيفية الاعراب الباب الثامن، في ذكر أمور كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية وأعلم أننى تأملت كتب الاعراب فإذا السبب الذى اقتضى طولها ثلاثة أمور، أحدها: كثرة التكرار، فإنها لم توضع لافادة القوانين الكلية، بل للكلام على الصور الجزئية. فتراهم يتكلمون على التركيب المعين بكلام، ثم حيث جاءت نظائره أعادوا
    [ 11 ]
    ذلك الكلام، ألا ترى أنهم حيث مر بهم مثل الموصول في قوله تعالى: (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) ذكروا أن فيه ثلاثة أوجه، وحيث جاءهم مثل الضمير المنفصل في قوله تعالى: (إنك أنت السميع العليم) ذكروا فيه ثلاثة أوجه أيضا، وحيث جاءهم مثل الضمير المنفصل في قوله تعالى: (كنت أنت الرقيب عليهم) ذكروا فيه وجهين، ويكررون ذكر الخلاف فيه إذا أعرب فصلا، أله محل باعتبار ما قبله أم باعتبار ما بعده أم لا محل له ؟ والخلاف في كون المرفوع فاعلا أو مبتدأ إذا وقع بعد إذا في نحو (إذا السماء انشقت) أو إن في نحو (وإن امرأة خافت) أو الظرف في نحو (أفى الله شك) أو لو في نحو (ولو أنهم صبروا) وفى كون أن وأن وصلتهما بعد حذف الجار في نحو (شهد الله أنه لا إله إلا هو) ونحو (حصرت صدورهم أن يقاتلوكم) في موضع خفض بالجار المحذوف على حد قوله: 2 - [ إذا قيل أي الناس شر قبيلة ؟ ] * أشارت كليب بالاكف الاصابع [ ص 643 ] أو نصب بالفعل [ المذكور ] على حد قوله: 2 - [ لدن بهز الكف يعسل متنه ] * فيه كما عسل الطريق الثعلب [ ص 525 و 576 ] وكذلك يكررون الخلاف في جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض، وعلى الضمير المتصل المرفوع من غير وجود الفاصل، وغير ذلك مما إذا استقصى أمل القلم، وأعقب السأم، فجمعت هذه المسائل ونحوها مقررة محررة في الباب الرابع من هذا الكتاب، فعليك بمراجعته، فإنك تجد به كنزا واسعا تنفق منه، ومنهلا سائغا ترده وتصدر عنه. والامر الثاني: إيراد ما لا يتعلق بالاعراب، كالكلام في اشتقاق اسم، أهو من السمة كما يقول الكوفيون أو من السمو كما يقول البصريون ؟ والاحتجاج لكل من الفريقين، وترجيح الراجح من القولين، وكالكلام على ألفه، لم حذفت
    [ 12 ]
    من البسملة خطا ؟ وعلى باء الجر ولامه، لم كسرتا لفظا ؟ وكالكلام على ألف ذا الاشارية، أزائدة هي كما يقول الكوفيون أم منقلبة عن ياء هي عين واللام ياء أخرى محذوفة كما يقول البصريون ؟ والعجب من مكى بن أبى طالب إذ أورد مثل هذا في كتابه الموضوع لبيان مشكل الاعراب مع أن هذا ليس من الاعراب في شئ، وبعضهم إذا ذكر الكلمة ذكر تكسيرها وتصغيرها، وتأنيثها وتذكيرها، وما ورد (1) فيها من اللغات، وما روى من القراآت، وإن لم ينبن على ذلك شئ من الاعراب. والثالث: إعراب الواضحات، كالمبتدأ وخبره والفاعل ونائبه، والجار والمجرور، والعاطف والمعطوف، وأكثر الناس استقصاء لذلك الحوفى. وقد تجنبت هذين الامرين وأتيت مكانهما بما يتبصر به الناظر، ويتمرن به الخاطر، من إيراد النظائر القرآنية، والشواهد الشعرية، وبعض ما اتفق في المجالس النحوية. ولما تم هذا التصنيف على الوجه الذى قصدته، وتيسر فيه من لطائف المعارف ما أردته واعتمدته، سميته ب‍ (مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب) وخطابي به لمن ابتدأ في تعلم الاعراب، ولمن استمسك منه بأوثق الاسباب. ومن الله تعالى أستمد الصواب، والتوفيق إلى ما يحظينى لديه بجزيل الثواب، وإياه أسأل أن يعصم القلم من الخطأ والخطل، والفهم من الزيغ والزلل، إنه أكرم مسئول، وأعظم مأمول.
    (1) في نسخة (وما ذكر فيها من اللغات) (*)
    [ 13 ]
    الباب الاول في تفسير المفردات، وذكر أحكامها وأعنى بالمفردات الحروف وما تضمن معناها الاسماء والظروف، فإنها المحتاجة إلى ذلك، وقد رتبتها على حروف المعجم، ليسهل تناولها، وربما ذكرت أسماء غير تلك وأفعالا، لمسيس الحاجة إلى شرحها. (حرف الالف) الالف المفردة - تأتى على وجهين: أحدهما: أن تكون حرفا ينادى به القريب، كقوله: 4 - أفاطم مهلا بعض هذا التدلل * [ وإن كنت قد أزمعت صرمى فأجملي ] ونقل ابن الخباز عن شيخه أنه للمتوسط، وأن الذى للقريب (يا) وهذا خرق لاجماعهم. والثانى: أن تكون للاستفهام، وحقيقته: طلب الفهم، نحو (أزيد قائم) وقد أجيز الوجهان في قراءة الحرميين (أمن هو قانت آناء الليل) وكون الهمزة فيه للنداء هو قول الفراء، ويبعده أنه ليس في التنزيل نداء بغير (يا) ويقربه سلامته من دعوى المجاز، إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته، ومن دعوى كثرة الحذف، إذ التقدير عند جعلها للاستفهام: أمن هو قانت خير أم هذا الكافر، أي المخاطب بقوله تعالى: (قل تمتع بكفرك قليلا) فحذف شيئان: معادل الهمزة والخبر، ونظيره في حذف المعادل قول أبى ذؤيب الهذلى: 5 - دعاني إليها القلب، إنى لامره * سميع، فما أدرى أرشد طلابها [ ص 43 و 628 ] تقديره: أم غى، ونظيره في مجئ الخبر كلمة (خير) واقعة قبل أم (أفمن يلقى
    [ 14 ]
    في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة) ولك أن تقول: لا حاجة إلى تقدير معادل في البيت، لصحة قولك: ما أدرى هل طلابها رشد، وامتناع أن يؤتى لهل بمعادل، وكذلك لا حاجة في الآية إلى تقدير معادل، لصحة تقدير الخبر بقولك: كمن ليس كذلك، وقد قالوا في قوله تعالى: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت): إن التقدير: كمن ليس كذلك، أو لم يوحدوه، ويكون (وجعلوا لله شركاء) معطوفا على الخبر على التقدير الثاني، وقالوا: التقدير في قوله تعالى: (أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) أي كمن ينعم في الجنة، وفى قوله تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) أي كمن هداه الله، بدليل (فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء) أو التقدير: ذهبت نفسك عليهم حسرة، بدليل قوله تعالى: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) وجاء في التنزيل موضع صرح فيه بهذا الخبر وحذف المبتدأ، على العكس مما نحن فيه، وهو قوله تعالى: (كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما) أي أمن هو خالد في الجنة يسقى من هذه الانهار كمن هو خالد في النار، وجاءا مصرحا بهما على الاصل في قوله تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله). والالف أصل أدوات الاستفهام، ولهذا خصت بأحكام: أحدها: جواز حذفها، سواء تقدمت على (أم) كقول عمر بن أبى ربيعة: 6 - بدالى منها معصم حين جمرت * وكف خضيب زينت ببنان فو الله ما أدرى وإن كنت داريا * بسبع رميت الجمر أم بثمان ؟ أراد أبسبع، أم لم تتقدمها كقول الكميت: 7 - طربت وما شوقا إلى البيض أطرب * ولا لعبا منى وذو الشيب يلعب أراد أوذو الشيب يلعب ؟ واختلف في قول عمر بن أبى ربيعة:
    [ 15 ]
    8 - ثم قالوا: تحبها ؟ قلت: بهرا * عدد الرمل والحصى والتراب فقيل: أراد أتحبها، وقيل إنه خبر، أي أنت تحبها، ومعنى (قلت بهرا) قلت أحبها حبا بهرنى بهرا، أي غلبنى غلبة، وقيل: معناه عجبا، وقال المتنبي: 9 - أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا * والبين جار على ضعفى وما عدلا أحيا: فعل مضارع، والاصل أأحيا، فحذفت همزة الاستفهام، والواو للحال، والمعنى التعجب من حياته، يقول: كيف أحيا وأقل شئ قاسيته قد قتل غيرى، والاخفش يقيس ذلك في الاختيار عند أمن اللبس، وحمل عليه قوله تعالى: (وتلك نعمة تمنها على) وقوله تعالى: (هذا ربى) في المواضع الثلاثة، والمحققون على أنه خبر، وأن مثل ذلك يقوله من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكى كلامه ثم يكر عليه بالابطال بالحجة، وقرأ ابن محيصن (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) وقال عليه الصلاة والسلام لجبريل عليه السلام: (وإن زنى وإن سرق ؟) فقال: (وإن زنى وإن سرق). الثاني: أنها ترد لطلب التصور، نحو (أزيد قائم أم عمرو) ولطلب التصديق، نحو (أزيد قائم ؟) وهل مختصة بطلب التصديق، نحو (هل قام زيد) وبقية الادوات مختصة بطلب التصور، نحو (من جاءك ؟ وما صنعت ؟ وكم مالك ؟ وأين بيتك ؟ ومتى سفرك ؟). الثالث: أنها تدخل على الاثبات كما تقدم، وعلى النفى نحو (ألم نشرح لك صدرك) (أو لما أصابتكم مصيبة) وقوله: 10 - ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد * إذا ألاقى الذى لاقاه أمثالى ؟ [ ص 69 ] ذكره بعضهم، وهو منتقض بأم، فإنها تشاركها في ذلك، تقول: أقام زيد أم لم يقم ؟. الرابع: تمام التصدير، بدليلين، أحدهما: أنها لا تذكر بعد (أم) التى للاصراب كما يذكر غيرها، لا تقول: أقام زيد أم أقعد، وتقول: أم هل قعد،
    [ 16 ]
    والثانى: أنها إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم قدمت على العاطف تنبيها على أصالتها في التصدير، نحو (أو لم ينظروا) (أفلم يسيروا) (أثم إذا ما وقع آمنتم به) وأخواتها تتأخر عن حروف العطف كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة، نحو (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ؟) (فأين تذهبون) (فأنى تؤفكون) (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) (فأى الفريقين) (فما لكم في المنافقين فئتين) هذا مذهب سيبويه والجمهور، وخالفهم جماعة أولهم الزمخشري، فزعموا أن الهمزة في تلك المواضع في محلها الاصلى، وأن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، فيقولون: التقدير في (أفلم يسيروا) (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) (أفإن مات أو قتل انقلبتم) (أفما نحن بميتين): أمكثوا فلم يسيروا في الارض، أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا، أتؤمنون به في حياته فإن مات أو قتل انقلبتم، أنحن مخلدون فما نحن بميتين، ويضعف قولهم ما فيه من التكلف، وأنه غير مطرد [ في جميع المواضع ] أما الاول فلدعوى حذف الجملة، فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال: إنه أسهل منه، لان المتجوز فيه على قولهم أقل لفظا، مع أن في هذا التجوز تنبيها على أصالة شئ في شئ، أي أصالة الهمزة في التصدير، وأما الثاني فلانه غير ممكن في نحو (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) وقد جزم الزمخشري في مواضع بما يقوله الجماعة، منها قوله في (أفأمن أهل القرى): إنه عطف على (فأخذناهم بغتة) وقوله في (أئنا لمبعوثون أو آباؤنا) فيمن قرأ بفتح الواو: إن (آباؤنا) عطف على الضمير في (مبعوثون) وإنه اكتفى بالفصل بينهما بهمزة الاستفهام، وجوز الوجهين في موضع، فقال في قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون): دخلت همزة الانكار على الفاء العاطفة جملة على جملة، ثم توسطت الهمزة بينهما، ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون.
    [ 17 ]
    فصل قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي، فترد لثمانية معان: أحدها: التسوية، وربما توهم أن المراد بها الهمزة الواقعة بعد كلمة (سواء) بخصوصها، وليس كذلك، بل كما تقع بعدها تقع بعد (ما أبالى) و (ما أدرى) و (ليت شعرى) ونحوهن، والطابط: أنها الهمزة الداخلة على جملة يصح حلول المصدر محلها، نحو (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) ونحو (ما أبالى أقمت أم قعدت) ألا ترى أنه يصح سواء عليهم الاستغفار وعدمه وما أبالى بقيامك وعدمه. والثانى: الانكار الابطالي، وهذه تقتضي أن ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب، نحو (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا) (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) (أفسحر هذا) (أشهدوا خلقهم) (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) (أفعيينا بالخلق الاول) ومن جهة إفادة هذه الهمزة نفى ما بعدها لزم ثبوته إن كان منفيا، لان نفى النفى إثبات، ومنه (أليس الله بكاف عبده) أي الله كاف عبده، ولهذا عطف (وضعنا) على (ألم نشرح لك صدرك) لما كان معناه شرحنا، ومثله (ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى) (ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل) ولهذا أيضا كان قول جرير في عبد الملك: 11 - ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح مدحا، بل قيل: إنه أمدح بيت قالته العرب، ولو كان على الاستفهام الحقيقي لم يكن مدحا ألبتة. والثالث: الانكار التوبيخى، فيقتضى أن ما بعدها واقع، وأن فاعله ملوم، (2 - مغنى اللبيب 1)
    [ 18 ]
    نحو (أتعبدون ما تنحتون) (أغير الله تدعون) (أئفكا آلهة دون الله تريدون) (أتأتون الذكران) (أتأخذونه بهتانا) وقول العجاج: 12 - أطربا وأنت قنسرى * والدهر بالانسان دوارى ؟ [ ص 681 ] أي أتطرب وأنت شيخ كبير ؟. والرابع: التقرير، ومعناه حملك المخاطب على الاقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه، ويجب أن يليها الشئ الذى تقرره به، تقول في التقرير بالفعل: أضربت زيدا ؟ وبالفاعل: أأنت ضربت زيدا، وبالمفعول: أزيدا ضربت، كما يجب ذلك في المستفهم عنه، وقوله تعالى: (أأنت فعلت هذا) محتمل لارادة الاستفهام الحقيقي، بأن يكونوا لم يعلموا أنه الفاعل، ولارادة التقرير، بأن يكونوا قد علموا، ولا يكون استفهاما عن الفعل ولا تقريرا به، لان الهمزة لم تدخل عليه، ولانه عليه الصلاة والسلام قد أجابهم بالفاعل بقوله: (بل فعله كبيرهم هذا). فإن قلت: ما وجه حمل الزمخشري الهمزة في قوله تعالى: (ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير) على التقرير ؟. قلت: قد اعتذر عنه بأن مراده التقرير بما بعد النفى، لا التقرير بالنفى، والاولى أن تحمل الآية على الانكار التوبيخى أو الابطالي، أي ألم تعلم أيها المنكر للنسخ. والخامس: التهكم، نحو (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا). والسادس: الامر، نحو (أأسلمتم) أي أسلموا. والسابع: التعجب، نحو (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل). والثامن: الاستبطاء، نحو (ألم يأن للذين آمنوا). وذكر بعضهم معاني أخر لا صحة لها.
    [ 19 ]
    تنبيه - قد تقع الهمزة فعلا، وذلك أنهم يقولون (وأى) بمعنى وعد، ومضارعه يئى بحذف الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة، كما تقول: وفى يفى، وونى ينى، والامر منه إه، بحذف اللام [ للامر ] وبالهاء للسكت في الوقف، وعلى ذلك يتخرج اللغز المشهور، وهو قوله: 13 - إن هند المليحة الحسناء * وأى من أضمرت لخل وفاء فإنه يقال: كيف رفع اسم إن وصفته الاولى ؟ والجواب: أن الهمزة فعل أمر، والنون للتوكيد، والاصل إين بهمزة مكسورة، وياء ساكنة للمخاطبة، ونون مشددة للتوكيد، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع النون المدغمة كما في قوله: 14 - لتقرعن على السن من ندم * إذا تذكرت يوما بعض أخلاقي وهند: منادى مثل (يوسف أعرض عن هذا) والمليحة: نعت لها على اللفظ كقوله: 15 - * يا حكم الوارث عن عبد الملك * والحسناء: إما نعت لها على الموضع كقول مادح عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه: 16 - يعود الفضل منك على قريش * وتفرج عنهم الكرب الشدادا فما كعب بن مامة وابن سعدى * بأجود منك يا عمرالجوادا وإما بتقدير أمدح، وإما نعت لمفعول به محذوف، أي عدى يا هند الخلة الحسناء، وعلى الوجهين الاولين فيكون إنما أمرها بإيقاع الوعد الوفى، من غير أن يعين لها الموعود، وقوله (وأى) مصدر نوعي منصوب بفعل الامر، والاصل وأيا مثل وأى من، ومثله (فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) وقوله (أضمرت) بتاء التأنيث محمول على معنى من مثل (من كانت أمك ؟).
    [ 20 ]
    (آ) بالمد - حرف لنداء البعيد، وهو مسموع، لم يذكره سيبويه، وذكره غيره. (أيا) حرف كذلك، وفى الصحاح أنه حرف لنداء القريب والبعيد، وليس كذلك، قال الشاعر: 17 - أيا جبلى نعمان بالله خليا * نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها وقد تبدل همزتها هاء، كقوله: 18 - فأصاخ يرجو أن يكون حيا * ويقول من فرح: هيا ربا (أجل) بسكون اللام - حرف جواب مثل نعم، فيكون تصديقا للمخبر، وإعلاما للمستخبر، ووعدا للطالب، فتقع بعد نحو (قام زيد) ونحو (أقام زيد) ونحو (أضرب زيدا) وقيد المالقى الخبر بالمثبت، والطلب بغير النهى، وقيل: لا تجئ بعد الاستفهام، وعن الاخفش هي بعد الخبر أحسن من نعم ونعم بعد الاستفهام أحسن منها، وقيل: تختص بالخبر، وهو قول الزمخشري وابن مالك وجماعة، وقال ابن خروف: أكثر ما تكون بعده. (إذن) فيها مسائل: الاولى: في نوعها، قال الجمهور: هي حرف، وقيل: اسم، والاصل في (إذن أكرمك) إذا جئتني أكرمك، ثم حذفت الجملة، وعوض التنوين عنها، وأضمرت أن، وعلى القول الاول، فالصحيح أنها بسيطة، لا مركبة من إذ وأن، وعلى البساطة فالصحيح أنها الناصبة، لا أن مضمرة بعدها. المسألة الثانية: في معناها، قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء، فقال الشلوبين: في كل موضع، وقال أبو على الفارسى: (في الاكثر، وقد تتمحض للجواب، بدليل أنه يقال لك: أحبك، فتقول: إذن أظنك صادقا،
    [ 21 ]
    إذ لا مجازاة هنا ضرورة) اه‍. والاكثر أن تكون جوابا لان أو لو مقدرتين أو ظاهرتين، فالاول كقوله: 19 - لئن عاد لى عبد العزيز بمثلها * وأمكنني منها إذا لا أقيلها وقول الحماسي: 20 - لو كنت من مازن لم تستبح إبلى * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا [ ص 257 ] إذا لقام بنصري معشر خشن * عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا فقوله (إذا لقام بنصري) بدل من (لم تستبح) وبدل الجواب جواب، والثانى نحو أن يقال: آتيك، فتقول: (إذن أكرمك) أي: إن أتيتني إذن أكرمك، وقال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله، إذن لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض) قال الفراء: حيث جاءت بعدها اللام فقبلها لو مقدرة، إن لم تكن ظاهرة. المسألة الثالثة: في لفظها عند الوقف عليها، والصحيح أن نونها تبدل ألفا، تشبيها لها بتنوين المنصوب، وقيل: يوقف بالنون، لانها كنون لن وإن، روى عن المازنى والمبرد، وينبنى على الخلاف في الوقف عليها خلاف في كتابتها، فالجمهور يكتبونها بالالف، وكذا رسمت في المصاحف، والمازني والمبرد بالنون، وعن القراء إن عملت كتبت بالالف، وإلا كتبت بالنون، للفرق بينها وبين إذا، وتبعه ابن خروف. المسألة الرابعة: في عملها، وهو نصب المضارع، بشرط تصديرها، واستقباله، واتصالهما أو انفصالهما بالقسم أو بلا النافية، يقال: آتيك، فتقول: (إذن أكرمك) ولو قلت (أنا إذن) قلت (أكرمك) بالرفع، لفوات التصدير، فأما قوله:
    [ 22 ]
    21 - لا تتركني فيهم شطيرا * إنى إذا أهلك أو أطيرا فمؤول على حذف خبر إن، أي إنى لا أقدر على ذلك، ثم استأنف ما بعده، ولو قلت (إذا يا عبد الله) قلت: (أكرمك) بالرفع، للفصل بغير ما ذكرنا، وأجاز ابن عصفور الفصل بالنداء، وابن بابشاذ الفصل بالنداء وبالدعاء، والكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل، والارجح حينئذ عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع، ولو قيل لك (أحبك) فقلت (إذن أظنك صادقا) رفعت، لانه حال تنبيه - قال جماعة من النحويين: إذا وقعت إذن بعد الواو أو الفاء جاز فيها الوجهان، نحو (وإذن لا يلبثون خلافك إلا قليلا) (فإذن لا يأتون الناس نقيرا) وقرئ شاذا بالنصب فيهما، والتحقيق أنه إذا قيل: (إن تزرنى أزرك وإذن أحسن إليك) فإن قدرت العطف على الجواب جزمت وبطل عمل إذن لوقوعها حشوا، أو على الجملتين جميعا جاز الرفع والنصب لتقدم العاطف، وقيل: يتعين النصب، لان ما بعدها مستأنف، أو لان المعطوف على الاول أول ومثل ذلك (زيد يقوم وإذن أحسن إليه) إن عطفت على الفعلية رفعت، أو على الاسمية فالمذهبان. (إن) المكسورة الخفيفة - ترد على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون شرطية، نحو (إن ينتهوا يغفر لهم) (وإن تعودوا نعد) وقد تقترن بلا النافية فيظن من لا معرفة له أنها إلا الاستثنائية، نحو (إلا تنصروه فقد نصره الله) (إلا تنفروا يعذبكم) (وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين) (وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن) وقد بلغني أن بعض من يدعى الفضل سئل في (إلا تفعلوه) فقال: ما هذا الاستثناء ؟ أمتصل أم منقطع ؟. الثاني: أن تكون نافية، وتدخل على الجملة الاسمية، نحو (إن الكافرون
    [ 23 ]
    إلا في غرور) (إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم) ومن ذلك (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) أي: وما أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به، فحذف المبتدأ، وبقيت صفته، ومثله (وإن منكم إلا واردها) وعلى الجملة الفعلية نحو (إن أردنا إلا الحسنى) (إن يدعون من دونه إلا إناثا) (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) (إن يقولون إلا كذبا). وقول بعضهم: لا تأتى إن النافية إلا وبعدها إلا كهذه الآيات، أو لما المشددة التى بمعناها كقراءة بعض السبعة (إن كل نفس لما عليها حافظ) بتشديد الميم، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، مردود بقوله تعالى: (إن عندكم من سلطان بهذا) (قل إن أدرى أقريب ما توعدون) (وإن أدرى لعله فتنة لكم) وخرج جماعة على إن النافية قوله تعالى: (إن كنا فاعلين)، (قل إن كان للرحمن ولد) وعلى هذا فالوقف هنا، وقوله تعالى: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) أي في الذى ما مكناكم فيه، وقيل: زائدة، ويؤيد الاول (مكناهم في الارض ما لم نمكن لكم) وكأنه إنما عدل عن ما لئلا يتكرر فيثقل اللفظ، قيل: ولهذا لما زادوا على ما الشرطية ما قلبوا ألف ما الاولى هاء فقالوا: مهما، وقيل: بل هي في الآية بمعنى قد، وإن من ذلك (فذكر إن نفعت الذكرى) وقيل في هذه الآية: إن التقدير وإن لم تنفع، مثل (سرابيل تقيكم الحر) أي والبرد، وقيل: إنما قيل ذلك بعد أن عمهم بالتذكير ولزمتهم الحجة، وقيل: ظاهره الشرط ومعناه ذمهم واستبعاد لنفع التذكير فيهم، كقولك: عظ الظالمين إن سمعوا منك، تريد بذلك الاستبعاد، لا الشرط. وقد اجتمعت الشرطية والنافية في قوله تعالى: (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) الاولى شرطية، والثانية نافية، جواب للقسم الذى أذنت به اللام الداخلة على الاولى، وجواب الشرط محذوف وجوبا. وإذا دخلت على الجملة الاسمية لم تعمل عند سيبويه والفراء، وأجاز الكسائي
    [ 24 ]
    والمبرد إعمالها عمل ليس، وقرأ سعيد بن جبير (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) بنون مخففة مكسورة لالتقاء الساكنين، ونصب عبادا وأمثالكم، وسمع من أهل العالية (إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية) و (إن ذلك نافعك ولا ضارك) ومما يتخرج على الاهمال الذى هو لغة الاكثرين قول بعضهم: (إن قائم) وأصله إن أنا قائم، فحذفت همزة أنا اعتباطا، وأدغمت نون إن في نونها، وحذفت ألفها في الوصل، وسمع (إن قائما) على الاعمال، وقول بعضهم نقلت حركة الهمزة إلى النون ثم أسقطت على القياس في التخفيف بالنقل ثم سكنت النون وأدغمت مردود، لان المحذوف لعلة كالثابت، ولهذا تقول (هذا قاض) بالكسر لا بالرفع، لان حذف الياء لالتقاء الساكنين، فهى مقدرة الثبوت، وحينئذ فيمتنع الادغام، لان الهمزة فاصلة في التقدير، ومثل هذا البحث في قوله تعالى: (لكنا هو الله ربى). الثالث: أن تكون مخففة من الثقيلة، فتدخل على الجملتين: فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين، لنا قراءة الحرميين وأبى بكر (وإن كلا لما ليوفينهم) وحكاية سيبويه (إن عمرا لمنطلق) ويكثر إهمالها، نحو (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) وقراءة حفص (إن هذان لساحران) وكذا قرأ ابن كثير إلا أنه شدد نون هذان، ومن ذلك (إن كل نفس لما عليها حافظ) في قراءة من خفف لما وإن دخلت على الفعل أهملت وجوبا، والاكثر كون الفعل ماضيا ناسخا، نحو (وإن كانت لكبيرة) (وإن كادوا ليفتنونك) (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) ودونه أن يكون مضارعا ناسخا، نحو (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك) (وإن نظنك لمن الكاذبين) ويقاس على النوعين اتفاقا، ودون هذا أن يكون ماضيا غير ناسخ، نحو قوله: 22 - شلت يمينك إن قتلت لمسلما * جلت عليك عقوبة المتعمد
    [ 25 ]
    ولا يقاس عليه خلافا للاخفش، أجاز (إن قام لانا، وإن قعد لانت) ودون هذا أن يكون مضارعا غير ناسخ كقول بعضهم (إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه) ولا يقاس عليه إجماعا، وحيث وجدت إن وبعدها اللام المفتوحة كما في هذه المسألة فاحكم عليها بأن أصلها التشديد، وفى هذه اللام خلاف يأتي في باب اللام، إن شاء الله تعالى. الرابع: أن تكون زائدة، كقوله: 23 - ما إن أتيت بشئ أنت تكرهه * [ إذن فلا رفعت سوطي إلى يدى ] وأكثر ما زيدت بعد (ما) النافية إذا دخلت على جملة فعلية كما في البيت، أو اسمية كقوله. 24 - فما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا وفى هذه الحالة تكف عمل (ما) الحجازية كما في البيت، وأما قوله: 25 - بنى غدانة ما إن أنتم ذهبا * ولا صريفا ولكن أنتم الخزف في رواية من نصب ذهبا وصريفا، فخرج على أنها نافية مؤكدة لما. وقد تزاد بعد ما الموصولة الاسمية كقوله: 26 - يرجى المرء ما إن لا براه * وتعرض دون أدناه الخطوب [ ص 679 ] وبعد ما المصدرية كقوله: 27 - ورج الفتى للخير ما إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [ ص 38 و 304 و 679 ] وبعد ألا الاستفتاحية كقوله: 28 - ألا إن سرى ليلى فبت كئيبا * أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا وقبل مدة الانكار، سمع سيبويه رجلا يقال له: أتخرج إن أخصبت البادية ؟ فقال: أأنا إنيه ؟ منكرا أن يكون رأيه على خلاف ذلك، وزعم ابن الحاجب أنها تزاد بعد لما الايجابية، وهو سهو، وإنما تلك أن المفتوحة.
    [ 26 ]
    وزيد على هذه المعاني الاربعة معنيان آخران، فزعم قطرب أنها قد تكون بمعنى قد كما مر في (إن نفعت الذكرى) وزعم الكوفيون أنها تكون بمعنى إذ، وجعلوا منه (واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وقوله عليه الصلاة والسلام (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ونحو ذلك مما الفعل فيه محقق الوقوع، وقوله: 29 - أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا * جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم ؟ [ ص 35 و 36 ] قالوا: وليست شرطية، لان الشرط مستقبل، وهذه القصة قد مضت. وأجاب الجمهور عن قوله تعالى (إن كنتم مؤمنين) بأنه شرط جئ به للتهييج والالهاب، كما تقول لابنك: إن كنت ابني فلا تفعل كذا. وعن آية المشيئة بأنه تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل، أو بأن أصل ذلك الشرط، ثم صار يذكر للتبرك، أو أن المعنى لتدخلن جميعا إن شاء الله أن لا يموت منكم أحد قبل الدخول، وهذا الجواب لا يدفع السؤال، أو أن ذلك من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه حين أخبرهم بالمنام، فحكى ذلك لنا، أو من كلام الملك الذى أخبره في المنام. وأما البيت فمحمول على وجهين: أحدهما: أن يكون على إقامة السبب مقام المسبب، والاصل أتغصب إن افتخر مفتخر بسبب حز أذنى قتيبة، إذ الافتخار بذلك يكون سببا للغضب ومسببا عن الحز. الثاني: أن يكون على معنى التبين، أي أتغضب إن تبين في المستقبل أن أذنى قتيبة حزتا فيما مضى، كما قال الآخر: 30 - إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * ولم تجدى من أن تقرى به بدا أي يتبين أنى لم تلدني لئيمة.
    [ 27 ]
    وقال الخليل والمبرد: الصواب (أن أذنا) بفتح الهمزة من أن، أي لان أذنا، ثم هي عند الخليل أن الناصبة، وعند المبرد أنها أن المخففة من الثقيلة. ويرد قول الخليل أن أن الناصبة لايليها الاسم على إضمار الفعل، وإنما ذلك لان المكسورة، نحو (وإن أحد من المشركين استجارك). وعلى الوجهين يتخرج قول الآخر: 31 - إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن * عارا عليك، ورب قتل عار [ ص 134 و 503 ] أي إن يفتخروا بسبب قتلك، أو إن يتبين أنهم قتلوك. (أن) المفتوحة الهمزة الساكنة النون - على وجهين: اسم، وحرف. والاسم على وجهين: ضمير المتكلم في قول بعضهم (أن فعلت) بسكون النون، والاكثرون على فتحها وصلا، وعلى الاتيان بالالف وقفا، وضمير المخاطب في قولك (أنت، وأنت، وأنتما، وأنتم، وأنتن) على قول الجمهور: إن الضمير هو أن والتاء حرف خطاب. والحرف على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع، وتقع في موضعين، أحدهما: في الابتداء، فتكون في موضع رفع نحو (وأن تصوموا خير لكم) (وأن تصبروا خير لكم) (وأن يستعففن خير لهن) (وأن تعفوا أقرب للتقوى) وزعم الزجاج أن منه (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) أي خير لكم، فحذف الخبر، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، وقيل في (فالله أحق أن تخشوه): إن أحق خبر عما بعده، والجملة خبر عن اسم الله سبحانه، وفى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) كذلك، والظاهر فيهما أن الاصل أحق بكذا. والثانى: بعد لفظ دال
    [ 28 ]
    على معنى غير اليقين، فتكون في موضع رفع نحو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) (وعسى أن تكرهوا شيئا) الآية، ونحو (يعجبنى أن تفعل) ونصب نحو (وما كان هذا القرآن أن يفترى) (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) (فأردت أن أعيبها) وخفض نحو (أوذينا من قبل أن تأتينا) (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) (وأمرت لان أكون) ومحتملة لهما نحو (والذى أطمع أن يغفر لي) أصله في أن يغفر لى، ومثله (أن تبروا) إذا قدر في أن تبروا أو لئلا تبروا، وهل المحل بعد حذف الجار جر أو نصب ؟ فيه خلاف، وسيأتى، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، واختلف في المحل من نحو (عسى زيد أن يقوم) فالمشهور أنه نصب على الخبرية، وقيل: على المفعولية، وإن معنى (عسيت أن تفعل) قاربت أن تفعل، ونقل عن المبرد، وقيل: نصب بإسقاط الجار أو بتضمين الفعل معنى قارب، نقله ابن مالك عن سيبويه، وإن المعنى دنوت من أن تفعل أو قاربت أن تفعل، والتقدير الاول بعيد، إذ لم يذكر هذا الجار في وقت، وقيل: رفع على البدل سد مسد الجزأين كما سد في قراءة حمزة (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم) مسد المفعولين. وأن هذه موصول حرفي، وتوصل بالفعل المتصرف، مضارعا كان كما مر، أو ماضيا نحو (لو لا أن من الله علينا) (ولو لا أن ثبتناك) أو أمرا كحكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم). هذا هو الصحيح. وقد اختلف من ذلك في أمرين: أحدهما: كون الموصولة بالماضي والامر هي الموصولة بالمضارع، والمخالف في ذلك ابن طاهر، زعم أنها غيرها، بدليلين، أحدهما: أن الداخلة على المضارع تخلصه للاستقبال، فلا تدخل على غيره كالسين وسوف، والثانى: أنها لو كانت الناصبة لحكم على موضعهما بالنصب كما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية، ولا قائل به.
    [ 29 ]
    والجواب عن الاول أنه منتقض بنون التوكيد، فإنها تخلص المضارع للاستقبال وتدخل على الامر باطراد واتفاق، وبأدوات الشرط فإنها أيضا تخلصه مع دخولها على الماضي باتفاق. وعن الثاني أنه إنما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية لانها أثرت القلب إلى الاستقبال في معناه فأثرت الجزم في محله، كما أنها لما أثرت التخليص إلى الاستقبال في معنى المضارع أثرت النصب في لفظه. الامر الثاني: كونها توصل بالامر، والمخالف في ذلك أبو حيان، زعم أنها لا توصل به، وأن كل شئ سمع من ذلك فأن فيه تفسيرية، واستدل بدليلين، أحدهما: أنهما إذا قدرا بالمصدر فات معنى الامر، الثاني: أنهما لم يقعا فاعلا ولا مفعولا، لا يصح (أعجبني أن قم) ولا (كرهت أن قم) كما يصح ذلك مع الماضي ومع المضارع. والجواب عن الاول أن فوات معنى الامرية في الموصولة بالامر عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضى والاستقبال في الموصولة بالماضي والموصولة بالمضارع عند التقدير المذكور، ثم إنه يسلم مصدرية أن المخففة من المشددة مع لزوم مثل ذلك فيها في نحو (والخامسة أن غضب الله عليها) إذ لا يفهم الدعاء من المصدر إلا إذا كان مفعولا مطلقا نحو سقيا ورعيا. وعن الثاني أنه إنما امتنع ما ذكره لانه لا معنى لتعليق الاعجاب والكراهية بالانشاء، لا لما ذكر، ثم ينبغى له أن لا يسلم مصدرية كى، لانها لا تقع فاعلا ولا مفعولا، وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل. ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم) وأجاب عنها بأن الباء محتملة للزيادة مثلها في قوله: 32 - [ هن الحرائر لا ربات أخمرة * سود المحاجر ] لا يقرأن بالسور [ ص 109 و 675 ]
    [ 30 ]
    وهذا وهم فاحش، لان حروف الجر - زائدة كانت أو غير زائدة - لا تدخل إلا على الاسم أو ما في تأويله. تنبيه - ذكر بعض الكوفيين وأبو عبيدة أن بعضهم يجزم بأن، ونقله اللحيانى عن بعض بنى صباح من ضبة، وأنشدوا عليه قوله: 33 - إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا * تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب وقوله: 34 - أحاذر أن تعلم بها فتردها * فتتركها ثقلا على كما هيا وفى هذا نظر، لان عطف المنصوب عليه يدل على أنه مسكن للضرورة، لا مجزوم. وقد يرفع الفعل بعدها كقراءة ابن محيصن (لمن أراد أن يتم الرضاعة)، وقول الشاعر: 35 - أن تقرآن على أسماء ويحكما * منى السلام وأن لا تشعرا أحدا [ ص 697 ] وزعم الكوفيون أن أن هذه هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل، والصواب قول البصريين: إنها أن الناصبة أهملت حملا على (ما) أختها المصدرية، وليس من ذلك قوله: 36 - ولا تدفنني في الفلاة، فإننى * أخاف إذا مامت أن لا أذوقها كما زعم بعضهم، لان الخوف هنا يقين، فأن مخففة من الثقيلة. الوجه الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته نحو (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا) (علم أن سيكون) (وحسبوا أن لا تكون) فيمن رفع تكون، وقوله: 37 - زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا * أبشر بطول سلامة يا مربع
    [ 31 ]
    وأن هذه ثلاثية الوضع، وهى مصدرية أيضا، وتنصب الاسم وترفع الخبر، خلافا للكوفيين، زعموا أنها لا تعمل شيئا، وشرط اسمها أن يكون ضميرا محذوفا، وربما ثبت كقوله: 38 - فلو أنك في يوم الرخاء سألتنى * طلاقك لم أبخل وأنت صديق وهو مختص بالضرورة على الاصح، وشرط خبرها أن يكون جملة، ولا يجوز إفراده، إلا إذا ذكر الاسم فيجوز الامران، وقد اجتمعا في قوله: 39 - بأنك ربيع وغيث مربع * وأنك هناك تكون الثمالا الثالث: أن تكون مفسرة بمنزلة أي، نحو (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك) (ونودوا أن تلكم الجنة) وتحتمل المصدرية بأن يقدر قبلها حرف الجر، فتكون في الاول أن الثنائية لدخولها على الامر، وفى الثانية المخففة من الثقيلة لدخولها على الاسمية. وعن الكوفيين إنكار أن التفسيرية البتة، وهو عندي متجه، لانه إذا قيل (كتبت إليه أن قم) لم يكن قم نفس كتبت كما كان الذهب نفس العسجد في قولك: هذا عسجد أي ذهب، ولهذا لو جئت بأى مكان (أن) في المثال لم تجده مقبولا في الطبع. ولها عند مثبتها شروط: أحدها: أن تسبق بجملة، فلذلك غلط من جعل منها (وآخر دعواهم أن الحمد لله). والثانى: أن تتأخر عنها جملة، فلا يجوز (ذكرت عسجدا أن ذهبا) بل يجب الاتيان بأى أو ترك حرف التفسير، ولا فرق بين الجملة الفعلية كما مثلنا والاسمية نحو (كتبت إليه أن ما أنت وهذا). والثالث: أن يكون في الجملة السابقة معنى القول كما مر، ومنه (وانطلق
    [ 32 ]
    الملا منهم أن امشوا) إذ ليس المراد بالانطلاق المشى، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أنه ليس المراد بالمشى المشى المتعارف، بل الاستمرار على الشئ. وزعم الزمخشري أن التى في قوله تعالى: (أن اتخذى من الجبال بيوتا) مفسرة، ورده أبو عبد الله الرازي بأن قبله (وأ
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:05 am

    [ 44 ]
    بدون عاطفه (1) وإنما المعطوف جملة (أنا خير) ووجه المعادلة بينها وبين الجملة قبلها أن الاصل: أم تبصرون، ثم أقيمت الاسمية مقام الفعلية والسبب مقام المسبب، لانهم إذا قالوا له أنت خير كانوا عند بصراء، وهذا معنى كلام سيبويه. فإن قلت: فإنهم يقولون: أتفعل هذا أم لا، والاصل أم لا تفعل. قلت: إنما وقع الحذف بعد لا، ولم يقع بعد العاطف، وأحرف الجواب تحذف الجمل بعدها كثيرا، وتقوم هي في اللفظ مقام تلك الجمل، فكأن الجملة هنا مذكورة، لوجود ما يغنى عنها. وأجاز الزمخشري وحده حذف ما عطفت عليه أم، فقال في (أم كنتم شهداء): يجوز كون أم متصلة على أن الخطاب لليهود، وحذف معادلها، أي أتدعون على الانبياء اليهودية أم كنتم شهداء ؟ وجوز ذلك الواحدى أيضا، وقدر: أبلغكم ما تنسبون إلى يعقوب من إيصائه بنيه باليهودية أم كنتم شهداء، انتهى. الوجه الثاني: أن تكون منقطعة، وهى ثلاثة أنواع: مسبوقة بالخبر المحض، نحو (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه) ومسبوقة بهمزة لغير استفهام، نحو (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها)، إذ الهمزة في ذلك للانكار، فهى بمنزلة النفى، والمتصلة لا تقع بعده، ومسبوقة باستفهام بغير الهمزة، نحو (هل يستوى الاعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور [ أم جعلوا لله شركاء ] ومعنى أم المنقطعة الذى لا يفارقها الاضراب، ثم تارة تكون له مجردا، وتارة تتضمن مع ذلك استفهاما إنكاريا، أو استفهاما طلبيا. فمن الاول (هل يستوى الاعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء) أما الاولى فلان الاستفهام لا يدخل على الاستفهام،
    (1) في نسخة (إذ لم يسمع حذف معطوفها) وهى أحسن. (*)
    [ 45 ]
    وأما الثانية فلان المعنى على الاخبار عنهم باعتقاد الشركاء، قال الفراء: يقولون (هل لك قبلنا حق أم أنت رجل ظالم) يريدون بل أنت. ومن الثاني (أم له البنات ولكم البنون) تقديره: بل أله البنات ولكم البنون، إذ لو قدرت للاضراب المحض لزم المحال. ومن الثالث قولهم (إنها لابل أم شاء) التقدير: بل أهى شاء. وزعم أبو عبيدة أنها قد تأتى بمعنى الاستفهام المجرد، فقال في قول الاخطل: 56 - كذبتك عينك أم رأيت بواسط * غلس الظلام من الرباب خيالا إن المعنى هل رأيت. ونقل ابن الشجرى عن جميع البصريين أنها أبدا بمعنى بل والهمزة جميعا، وأن الكوفيين خالفوهم في ذلك، والذى يظهر لى قولهم، إذ المعنى في نحو (أم جعلوا لله شركاء) ليس على الاستفهام، ولانه يلزم البصريين دعوى التوكيد في نحو (أم هل تستوى الظلمات) ونحو (أم ماذا كنتم تعملون) (أم من هذا الذى هو جند لكم) وقوله: 57 - أنى جزوا عامرا سوأ بفعلهم * أم كيف يجزوننى السوأى من الحسن ؟ أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به * رئمان أنف إذا ما ضن باللبن ؟ العلوق - بفتح العين المهملة - الناقة التى علق قلبها بولدها، وذلك أنه ينحر ثم يحشى جلده تبنا ويجعل بين يديها لتشمه فتدر عليه، فهى تسكن إليه مرة، وتنفر عنه أخرى.
    [ 46 ]
    وهذا البيت ينشد لمن يعد بالجميل ولا يفعله، لانطواء قلبه على ضده، وقد أنشده الكسائي في مجلس الرشيد بحضرة الاصمعي، فرفع (رئمان) فرده عليه الاصمعي، وقال: إنه بالنصب، فقال له الكسائي: اسكت، ما أنت وهذا ؟ يجوز الرفع والنصب والجر، فسكت. ووجهه أن الرفع على الابدال من (ما) والنصب بنعطى، والخفض بدل من الهاء، وصوب ابن الشجرى إنكار الاصمعي، فقال: لان رئمانها للبو بأنفها هو عطيتها إياه لا عطية لها غيره، فإذا رفع لم يبق لها عطية في البيت، لان في رفعه إخلاء تعطى من مفعوله لفظا وتقديرا، والجر أقرب إلى الصواب قليلا، وإنما حق الاعراب والمعنى النصب، وعلى الرفع فيحتاج إلى تقدير ضمير راجع إلى المبدل منه، أي رئمان أنف له. والضمير في (بفعلهم) لعامر، لان المراد به القبيلة، ومن بمعنى البدل مثلها في (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) وأنكر ذلك بعضهم، وزعم أن من متعلقة بكلمة البدل محذوفة. ونظير هذه الحكاية أن ثعلبا كان يأتي الرياشى ليسمع منه الشعر، فقال له الرياشى يوما: كيف تروى (بازل) من قوله: 58 - ما تنقم الحرب العوان منى * بازل عامين حديث سنى * لمثل هذا ولدتني أمي * [ ص 682 ] فقال ثعلب: المثلى تقول هذا ؟ إنما أسير (1) إليك لهذه المقطعات والخرافات يروى البيت بالرفع على الاستئناف، وبالخفض على الاتباع، وبالنصب على الحال. ولا تدخل (أم) المنقطعة على مفرد، ولهذا قدروا المبتدأ في (إنها لابل أم شاء) وخرق ابن مالك في بعض كتبه إجماع النحويين، فقال: لا حاجة إلى تقدير مبتدأ، وزعم أنها تعطف المفردات كبل، وقدرها [ ها ] هنا ببل دون الهمزة،
    (1) في نسخة (أصير إليك) بالصاد بدل السين، ولا بأس بها. (*)
    [ 47 ]
    واستدل بقول بعضهم (إن هناك لابلا أم شاء) بالنصب، فإن صحت روايته فالاولى أن يقدر لشاء ناصب، أي أم أرى شاء تنبيه - قد ترد أم محتملة للاتصال والانقطاع: فمن ذلك قوله تعالى (قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) قال الزمخشري: يجوز في أم أن تكون معادلة بمعنى أي الامرين كائن، على سبيل التقرير، لحصول العلم بكون أحدهما، ويجوز أن تكون منقطعة، انتهى. ومن ذلك قول المتنبي: 59 - أحاد أم سداس في أحاد * لييلتنا المنوطة بالتناد ؟ [ ص 654 ] فإن قدرتها فيه متصلة فالمعنى أنه استطال الليلة فشك أواحدة هي أم ست اجتمعت في واحدة فطلب التعيين، وهذا من تجاهل العارف كقوله: 60 - أيا شجر الخابور مالك مورقا ؟ * كأنك لم تجزع على ابن طريف وعلى هذا فيكون قد حذف الهمزة قبل (أحاد) ويكون تقديم الخبر وهو أحاد على المبتدأ وهو لييلتنا تقديما واجبا، لكونه المقصود بالاستفهام مع سداس، إذ شرط الهمزة المعادلة لام أن يليها أحد الامرين المطلوب تعيين أحدهما، وبلى أم المعادل الآخر، ليفهم السامع من أول الامر الشئ المطلوب تعيينه، تقول إذا استفهمت عن تعيين المبتدأ (أزيد قائم أم عمرو) وإن شئت (أزيد أم عمرو قائم) وإذا استفهمت عن تعيين الخبر (أقائم زيد أم قاعد) وإن شئت (أقائم أم قاعد زيد) وإن قدرتها منقطعة فالمعنى أنه أخبر عن ليلته بأنها ليلة واحدة، ثم نظر إلى طولها فشك فجزم بأنها ست في ليلة فأضرب ! أو شك هل هي ست في ليلة أم لا فأضرب واستفهم، وعلى هذا فلا همزة مقدرة، ويكون تقديم (أحاد) ليس على الوجوب، إذ الكلام خبر، وأظهر الوجهين الاتصال، لسلامته من الاحتياج إلى تقدير مبتدأ يكون سداس خبرا عنه في وجه الانقطاع، كما لزم عند الجمهور في (إنها لابل أم شاء)
    [ 48 ]
    ومن الاعتراض بجملة (أم هي سداس) بين الخبر وهو أحاد والمبتدأ وهو لييلتنا، ومن الاخبار عن الليلة الواحدة بأنها ليلة، فإن ذلك معلوم لا فائدة فيه، ولك أن تعارض الاول بأنه يلزم في الاتصال حذف همزة الاستفهام وهو قليل، بخلاف حذف المبتدأ. واعلم أن هذا البيت اشتمل على لحنات: استعمال أحاد وسداس بمعنى واحدة وست، وإنما هما بمعنى واحدة واحدة وست ست، واستعمال سداس وأكثرهم يأباه ويخص العدد المعدول بما دون الخمسة، وتصغير ليلة على لييلة، وإنما صغرتها العرب على لييلية بزيادة الياء على غير قياس، حتى قيل: إنها مبنية على ليلاة في نحو قول الشاعر: 61 - * في كل ما يوم وكل ليلاه * ومما قد يستشكل فيه أنه جمع بين متنافيين استطالة الليلة وتصغيرها، وبعضهم يثبت مجئ التصغير للتعظيم كقوله: 62 - [ وكل أناس سوف تدخل بينهم ] * دويهية تصفر منها الانامل [ ص 136، 197، 626 ] الثالث: أن تقع زائدة. ذكره أبو زيد، وقال في قوله تعالى (أفلا تبصرون أم أنا خير): إن التقدير أفلا تبصرون أنا خير، والزيادة ظاهرة في قول ساعدة ابن جؤية: 63 - ياليت شعرى ولا منجى من الهرم * أم هل على العيش بعد الشيب من ندم الرابع: أن تكون للتعريف، نقلت عن طيئ، وعن حمير، وأنشدوا: 64 - ذاك خليلي وذ يواصلني * يرمى ورائي بامسهم وأمسلمه وفى الحديث (ليس من امبر امصيام في امسفر) كذا رواه النمر بن تولب
    [ 49 ]
    رضى الله عنه، وقيل: إن هذه اللغة مختصة بالاسماء التى لا تدغم لام التعريف في أولها نحو غلام وكتاب، بخلاف رجل وناس ولباس، وحكى لنا بعض طلبة اليمن أنه سمع في بلادهم من يقول: خذ الرمح، واركب امفرس، ولعل ذلك لغة لبعضهم. لا لجميعهم، ألا ترى إلى البيت السابق وأنها في الحديث دخلت على النوعين (أل) - على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون اسما موصولا بمعنى الذى وفروعه، وهى الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين، قيل: والصفات المشبهة، وليس بشئ، لان الصفة المشبهة للثبوت فلا تؤول بالفعل، ولهذا كانت الداخلة على اسم التفضيل ليست موصولة باتفاق، وقيل: هي في الجميع حرف تعريف، ولو صح ذلك لمنعت من إعمال اسمى الفاعل والمفعول، كما منع منه التصغير والوصف، وقيل: موصول حرفي، وليس بشئ، لانها لا تؤول بالمصدر، وربما وصلت بظرف، أو جملة اسمية (1) أو فعلية فعلها مضارع، وذلك دليل على أنها ليست حرف تعريف، فالاول كقوله: 65 - من لا يزال شاكرا على المعه * فهو حر بعيشة ذات سعه والثانى كقوله: 66 - من القوم الرسول الله منهم * لهم دانت رقاب بنى معد والثالث كقوله: 67 - [ يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا * إلى ربنا ] صوت الحمار اليجدع والجميع خاص بالشعر، خلافا للاخفش وابن مالك في الاخير. والثانى: أن تكون حرف تعريف، وهى نوعان: عهدية، وجنسية، وكل منهما ثلاثة أقسام:
    (1) في نسخة (أو بجملة اسمية - إلخ). (*)
    [ 50 ]
    فالعهدية إما أن يكون مصحوبها معهودا ذكريا، نحو (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول) ونحو (فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى) ونحو (اشتريت فرسا ثم بعت الفرس) وعبرة هذه أن يسد الضمير مسدها مع مصحوبها، أو معهودا ذهنيا، نحو (إذ هما في الغار) ونحو (إذ يبايعونك تحت الشجرة)، أو معهودا حضوريا، قال ابن عصفور: ولا تقع هذه إلا بعد أسماء الاشارة، نحو (جاءني هذا الرجل) أو أي في النداء نحو (يا أيها الرجل) أو إذا الفجائية نحو (خرجت فإذا الاسد) أو في اسم الزمان الحاضر نحو (الآن) انتهى. وفيه نظر، لانك تقول لشاتم رجل بحضرتك (لا تشتم الرجل) فهذه للحضور في غير ما ذكر، ولان التى بعد إذا ليست لتعريف شئ حاضر حالة التكلم، فلا تشبه ما الكلام فيه، ولان الصحيح في الداخلة على الآن أنها زائدة، لانها لازمة، ولا يعرف أن التى للتعريف وردت لازمة، بخلاف الزائدة، والمثال الجيد للمسألة قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم). والجنسية إما لاستغراق الافراد، وهى التى تخلفها كل حقيقة، نحو (وخلق الانسان ضعيفا) ونحو (إن الانسان لفى خسر إلا الذين آمنوا) أو لاستغراق خصائص الافراد، وهى التى تخلفها كل مجازا، نحو (زيد الرجل علما) أي الكامل في هذه الصفة، ومنه (ذلك الكتاب) أو لتعريف الماهية، وهى التى لا تخلفها كل لا حقيقة ولا مجازا، نحو (وجعلنا من الماء كل شئ حى) وقولك (والله لا أتزوج النساء)، أو (لا ألبس الثياب) ولهذا يقع الحنث بالواحد منهما، وبعضهم يقول في هذه: إنها لتعريف العهد، فإن الاجناس أمور معهودة في الاذهان متميز بعضها عن بعض، ويقسم المعهود إلى شخص وجنس. والفرق بين المعرف بأل هذه وبين اسم الجنس النكرة هو الفرق بين المقيد
    [ 51 ]
    والمطلق، وذلك لان ذا الالف واللام يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن واسم الجنس النكرة يدل على مطلق الحقيقة، لا باعتبار قيد. تنبيه - قال ابن عصفور: أجازوا في نحو (مررت بهذا الرجل) كون الرجل نعتا وكونه بيانا، مع اشتراطهم في البيان أن يكون أعرف من المبين، وفى النعت أن لا يكون أعرف من المنعوت، فكيف يكون الشئ أعرف وغير أعرف ؟. وأجاب بأنه إذا قدر بيانا قدرت أل فيه لتعريف الحضور، فهو يفيد الجنس بذاته، والحضور بدخول أل، والاشارة إنما تدل على الحضور دون الجنس، وإذا قدر نعتا قدرت أل فيه للعهد، والمعنى مررت بهذا وهو الرجل المعهود بيننا، فلا دلالة فيه على الحضور، والاشارة تدل عليه، فكانت أعرف. قال: وهذا معنى كلام سيبويه. الوجه الثالث: أن تكون زائدة، وهى نوعان: لازمة وغير لازمة. فالاولى كالتى في الاسماء الموصولة، على القول بأن تعريفها بالصلة، وكالواقعة في الاعلام، بشرط مقارنتها لنقلها كالنضر والنعمان واللات والعزى، أو لارتجالها كالسموأل، أو لغلبتها على بعض من هي له في الاصل كالبيت للكعبة والمدينة لطيبة والنجم للثريا، وهذه في الاصل لتعريف العهد. والثانية نوعان: كثيرة واقعة في الفصيح، وغيرها. فالاولى الداخلة على علم منقول من مجرد صالح لها ملموح أصله كحارث وعباس وضحاك، فتقول فيها: الحرث، والعباس، والضحاك، ويتوقف هذا النوع على السماع، ألا ترى أنه لا يقال مثل ذلك في نحو محمد ومعروف واحمد ؟. والثانية نوعان: واقعة في الشعر، وواقعة في شذوذ [ من ] النثر. فالاولى كالداخلة على يزيد وعمرو في قوله:
    [ 52 ]
    68 - باعد أم العمرو من أسيرها * حراس أبواب على قصورها وفى قوله: 69 - رأيت الوليد بن اليزيد مباركا * شديدا بأعباء الخلافة كاهله فأما الداخلة على وليد في البيت فللمح الاصل، وقيل: أل في اليزيد والعمرو للتعريف، وإنهما نكرا ثم أدخلت عليهما أل، كما ينكر العلم إذا أضيف كقوله: 70 - علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم * [ بأبيض ماضى الشفرتين يمان ] واختلف في الداخلة على (بنات أوبر) في قوله 71 - ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا * ولقد نهيتك عن بنات الاوبر [ ص 220 ] فقيل: زائدة للضرورة، لان (ابن أوبر) علم على نوع من الكمأة، ثم جمع على (بنات أوبر) كما يقال في جمع ابن عرس (بنات عرس) ولا يقال (بنو عرس) لانه لما لا يعقل، ورده السخاوى بأنها لو كانت زائدة لكان وجودها كالعدم، فكان يخفضه بالفتحة، لان فيه العلمية والوزن، وهذا سهو منه، لان أل تقتضي أن ينجر الاسم بالكسرة ولو كانت زائدة [ فيه ]، لانه قد أمن فيه التنوين، وقيل: أل فيه للمح الاصل، لان (أوبر) صفة كحسن وحسين وأحمر، وقيل: للتعريف، وإن (ابن أوبر) نكرة كابن لبون، فأل فيه مثلها في قوله: 72 - وابن اللبون إذا مالز في قرن * لم يستطع صولة البزل القناعيس قاله المبرد، ويرده أنه لم يسمع ابن أوبر إلا ممنوع الصرف. والثانية كالواقعة في قولهم: (ادخلوا الاول فالاول) و (جاؤوا الجماء الغفير) وقراءة بعضهم (ليخرجن الاعز منها الاذل) بفتح الياء، لان الحال
    [ 53 ]
    واجبة التنكير، فإن قدرت الاذل مفعولا مطلقا على حذف مضاف، أي خروج الاذل كما قدره الزمخشري لم يحتج إلى دعوى زيادة أل. تنبيه - كتب الرشيد ليلة إلى القاضى أبى يوسف يسأله عن قول القائل: 73 - فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن * وإن تخرقى يا هند فالخرق أشأم فأنت طلاق والطلاق عزيمة * ثلاث، ومن يخرق أعق وأظلم فقال: ماذا يلزمه إذا رفع الثلاث وإذا نصبها ؟ قال أبو يوسف: فقلت: هذه مسألة نحوية فقهية، ولا آمن الخطأ إن قلت فيها برأيى، فأتيت الكسائي وهو في فراشه، فسألته، فقال: إن رفع ثلاثا طلقت واحدة، لانه قال (أنت طلاق) ثم أخبر أن الطلاق التام ثلاث، وإن نصبها طلقت ثلاثا، لان معناه أنت طالق ثلاثا، وما بينهما جملة معترضة، فكتبت بذلك إلى الرشيد، فأرسل إلى بجوائز، فوجهت بها إلى الكسائي، انتهى ملخصا. وأقول: إن الصواب أن كلا من الرفع والنصب محتمل لوقوع الثلاث ولوقوع الواحدة، أما الرفع فلان أل في الطلاق إما لمجاز الجنس كما تقول (زيد الرجل) أي هو الرجل المعتد به، وإما للعهد الذكرى مثلها في (فعصى فرعون الرسول) أي وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث، ولا تكون للجنس الحقيقي، لئلا يلزم الاخبار عن العام بالخاص كما يقال (الحيوان إنسان) وذلك باطل، إذ ليس كل حيوان إنسانا، ولا كل طلاق عزيمة ولا ثلاثا، فعلى العهدية يقع الثلاث، وعلى الجنسية يقع واحدة كما قال الكسائي، وأما النصب فلانه محتمل لان يكون على المفعول المطلق، وحينئذ يقتضى وقوع الطلاق الثلاث، إذ المعنى فأنت طالق ثلاثا، ثم اعترض بينهما بقوله: والطلاق عزيمة، ولان يكون حالا من الضمير المستتر
    [ 54 ]
    في عزيمة، وحينئذ لا يلزم وقوع الثلاث، لان المعنى: والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا، فإنما يقع ما نواه، هذا ما يقتضيه معنى هذا اللفظ مع قطع النظر عن شئ آخر، وأما الذى أراده هذا الشاعر المعين فهو الثلاث لقوله بعد: فبيني بها إن كنت غير رفيقة * وما لامرئ بعد الثلاث مقدم مسألة - أجاز الكوفيون وبعض البصريين وكثير من المتأخرين نيابة أل عن الضمير المضاف إليه، وخرجوا على ذلك (فإن الجنة هي المأوى) و (مررت برجل حسن الوجه) و (ضرب زيد الظهر والبطن) إذا رفع الوجه والظهر والبطن، والمانعون يقدرون هي المأوى له، والوجه منه، والظهر والبطن منه [ في الامثلة ] وقيد ابن مالك الجواز بغير الصلة. وقال الزمخشري في (وعلم آدم الاسماء كلها): إن الاصل أسماء المسميات، وقال أبو شامة في قوله: 74 - * بدأت ببسم الله في النظم أولا * إن الاصل في نظمى، فجوزا نيابتها عن الظاهر وعن ضمير الحاضر، والمعروف من كلامهم إنما هو التمثيل بضمير الغائب. مسألة - من الغريب أن أل تأتى للاستفهام، وذلك في حكاية قطرب (أل فعلت ؟) بمعنى هل فعلت، وهو من إبدال الخفيف ثقيلا كما في الآل عند سيبويه، لكن ذلك سهل، لانه جعل وسيلة إلى الالف التى هي أخف الحروف (أما) بالفتح والتخفيف - على وجهين: أحدهما: أن تكون حرف استفتاح بمنزلة ألا، وتكثر قبل القسم كقوله: 75 - أما والذى أبكى وأضحك، والذى * أمات وأحيا والذى أمره الامر [ ص 68 ]
    [ 55 ]
    وقد تبدل همزتها هاء أو عينا قبل القسم، وكلاهما مع ثبوت الالف وحذفها، أو تحذف الالف مع ترك الابدال، وإذا وقعت أن بعد أما هذه كسرت كما تكسر بعد ألا الاستفتاحية. والثانى: أن تكون بمعنى حقا أو أحقا، على خلاف في ذلك سيأتي، وهذه تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا، وهى حرف عند ابن خروف، وجعلها مع أن ومعموليها كلاما تركب من حرف واسم كما قاله الفارسى في (يا زيد) وقال بعضهم: [ هي ] اسم بمعنى حقا، وقال آخرون: هي كلمتان، الهمزة للاستفهام و (ما) اسم بمعنى شئ، وذلك الشئ حق، فالمعنى أحقا، وهذا هو الصواب، وموضع (ما) النصب على الظرفية كما انتصب (حقا) على ذلك في نحو قوله: 76 - أحقا أن جيرتنا استقلوا * [ فنيتنا ونيتهم فريق ] وهو قول سيبويه، وهو الصحيح، بدليل قوله: 77 - أفى الحق أنى مغرم بك هائم * [ وأنك لا خل هواك ولا خمر ] فأدخل عليها في، وأن وصلتها مبتدأ، والظرف خبره، وقال المبرد: حقا مصدر لحق محذوفا، وأن وصلتها فاعل. وزاد المالقى لاما معنى ثالثا، وهو أن تكون حرف عرض بمنزلة ألا، فتختص بالفعل، نحو (أما نقوم) و (أما تقعد) وقد يدعى في ذلك أن الهمزة للاستفهام التقريرى مثلها في ألم وألا، وأن ما نافية، وقد تحذف هذه الهمزة كقوله: 78 - ما ترى الدهر قد أباد معدا * وأباد السراة من عدنان (أما) بالفتح والتشديد - وقد تبدل ميمها الاولى ياء، استثقالا للتضعيف، كقول عمر بن أبى ربيعة.
    [ 56 ]
    79 - رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت * فيضحى، وأيما بالعشى فيخصر وهو حرف شرط وتفصيل وتوكيد. أما أنها شرط فيدل لها لزوم الفاء (1) بعدها، نحو (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم، وأما الذين كفروا فيقولون) الآية، ولو كانت الفاء للعطف لم تدخل على الخبر، إذ لا يعطف الخبر على مبتدئه، ولو كانت زائدة لصح الاستغناء عنها، ولما لم يصح ذلك وقد امتنع كونها للعطف تعين أنها فاء الجزاء فإن قلت: قد استغنى عنها في قوله: 80 - فأما القتال لا قتال لديكم * [ ولكن سيرا في عراض المواكب ] قلت: هو ضرورة، كقول عبد الرحمن بن حسان: 81 - من يفعل الحسنات الله يشكرها * [ والشر بالشر عند الله مثلان ] [ ص 98، 139، 165، 236، 422، 423، 517، 636، 647 ] فإن قلت: قد حذفت (2) في التنزيل في قوله تعالى (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم). قلت: الاصل: فيقال لهم أكفرتم، فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف، ورب شئ يصح تبعا ولا يصح استقلالا، كالحاج عن غيره يصلى عنه ركعتي الطواف، ولو صلى أحد عن غيره ابتداء لم يصح على الصحيح، هذا قول الجمهور. وزعم بعض المتأخرين أن فاء جواب (أما) لا تحذف في غير الضرورة أصلا، وأن الجواب في الآية (فذوقوا العذاب) والاصل: فيقال لهم ذوقوا، فحذف القول وانتقلت الفاء إلى المقول، وأن ما بينهما اعتراض، وكذا قال في آية الجاثية (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتى تتلى عليكم) الآية، قال:
    (1) في نسخة (فبدليل لزوم الفاء بعدها) (2) في نسخة (فقد حذفت)
    [ 57 ]
    أصله فيقال لهم ألم تكن آياتى، ثم حذف القول وتأخرت الفاء عن الهمزة. وأما التفصيل فهو غالب أحوالها كما تقدم في آية البقرة، ومن ذلك (أما السفينة فكانت لمساكين) (وأما الغلام) (وأما الجدار) الآيات، وقد يترك تكرارها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر، أو بكلام يذكر بعدها في موضع ذلك القسم، فالاول نحو (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل) أي وأما الذين كفروا بالله فلهم كذا وكذا، والثانى نحو (هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) أي وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم، ويدل على ذلك (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) أي كل من المتشابه المحكم من عند الله، والايمان بهما واجب، وكأنه قيل: وأما الراسخون في العلم فيقولون، وهذه الآية في أما المفتوحة نظير قولك في إما المكسورة (إما أن تنطق بخير وإلا فاسكت) وسيأتى ذلك، كذا ظهر لى، وعلى هذا فالوقف على (إلا الله) وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة السابقة فتأملها. وقد تأتى لغير تفصيل أصلا، نحو (أما زيد فمنطلق). وأما التوكيد فقل من ذكره، ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشري، فإنه قال: فائدة أما في الكلام أن تعطيه فضل توكيد، تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب وأنه منه عزيمة قلت (أما زيد فذهب) ولذلك قال سيبويه في تفسيره: مهما يكن من شئ فزيد ذاهب، وهذا التفسير مدل بفائدتين: بيان كونه توكيدا، وأنه في معنى الشرط، انتهى ويفصل بين (أما) وبين الفاء بواحد من أمور ستة، أحدها: المبتدأ كالآيات
    [ 58 ]
    السابقة، والثانى: الخبر، نحو (أما في الدار فزيد) وزعم الصفار أن الفصل به قليل، والثالث: جملة الشرط، نحو (فأما إن كان من المقربين فروح) الآيات، والرابع: اسم منصوب لفظا أو محلا بالجواب، نحو (فأما اليتيم فلا تقهر) الآيات والخامس: اسم كذلك معمول لمحذوف يفسره ما بعد الفاء، نحو (أما زيدا فاضربه) وقراءة بعضهم (وأما ثمود فهديناهم) بالنصب، ويجب تقدير العامل بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه، لان أما نائبة عن الفعل، فكأنها فعل، والفعل لا يلى الفعل وأما نحو (زيد كان يفعل) ففى كان ضمير فاصل في التقدير، وأما (ليس خلق الله مثله) ففى ليس أيضا ضمير [ لكنه ضمير ] الشأن والحديث، وإذا قيل بأن ليس حرف فلا إشكال، وكذا إذا قيل فعل يشبه الحرف، ولهذا أهملها بنو تميم، إذ قالوا (ليس الطيب إلا المسك) بالرفع. والسادس: ظرف معمول لاما لما فيها من معنى الفعل الذى نابت عنه أو للفعل المحذوف، نحو (أما اليوم فإنى ذاهب، وأما في الدار فإن زيدا جالس) ولا يكون العامل ما بعد الفاء، لان خبر إن لا يتقدم عليها فكذلك معموله، هذا قول سيبويه والمازني والجمهور، وخالفهم المبرد وابن درستويه والفراء، فجعلوا العامل نفس الخبر، وتوسع الفراء فجوز في بقية أخوات إن، فإن قلت (أما اليوم فأنا جالس) احتل كون العامل أما وكونه الخبر لعدم المانع، وإن قلت (أما زيدا فإنى ضارب) لم يجز أن يكون العامل واحدا منهما، وامتنعت المسألة عند الجمهور، لان أما لا تنصب المفعول، ومعمول خبر إن لا يتقدم عليها، وأجاز ذلك المبرد ومن وافقه على تقدير إعمال الخبر. تنبيهان - الاول: أنه سمع (أما العبيد فذو عبيد) بالنصب، (وأما قريشا فأنا أفضلها) وفيه عندي دليل على أمور، أحدها: أنه لا يلزم أن يقدر مهما يكن من شئ، بل يجوز أن يقدر غيره مما يليق بالمحل، إذ التقدير هنا مهما ذكرت، وعلى ذلك يتخرج قولهم (أما العلم فعالم) و (أما علما فعالم) فهذا أحسن (1) مما قيل إنه مفعول مطلق
    (1) في نسخة (فهو أحسن - إلخ).
    [ 59 ]
    معمول لما بعد الفاء، أو مفعول لاجله إن كان معرفا وحال إن كان منكرا، والثانى أن أما ليست العاملة، إذ لا يعمل الحرف في المفعول به، والثالث أنه يجوز (أما زيدا فإنى أكرم) على تقدير العمل المحذوف. التنبيه الثاني: أنه ليس من أقسام أما التى في قوله تعالى (أماذا كنتم تعملون) ولا التى في قول الشاعر: أبا خراشة أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم الضبع [ ق 44 ص 437، 694 ] بل هي فيهما كلمتان، فالتى في الآية هي أم المنقطعة وما الاستفهامية، وأدغمت الميم في الميم للتماثل، والتى في البيت هي أن المصدرية وما المزيدة (1)، والاصل لان كنت، فحذف الجار وكان للاختصار، فانفصل الضمير، لعدم ما يتصل به، وجئ بما عوضا عن كان، وأدغمت النون في الميم للتقارب (إما) المكسورة المشددة - قد تفتح همزتها، وقد تبدل ميمها الاولى ياء، وهى مركبة عند سيبويه من إن وما، وقد تحذف ما كقوله: 82 - سقته الرواعد من صيف * وإن من خريف فلن يعد ما [ ص 61 ] أي إما من صيف وإما من خريف، وقال المبرد والاصمعى: إن في هذا البيت شرطية، والفاء فاء الجواب، والمعنى: وإن سقته من خريف فلن يعدم الرى، وليس بشئ، لان المراد وصف هذا الوعل بالرى على كل حال، ومع الشرط لا يلزم ذلك، وقال أبو عبيدة: إن في البيت زائدة وإما عاطفة عند أكثرهم، أعنى إما الثانية في نحو قولك (جاءني إما زيد وإما عمرو) وزعم يونس والفارسي وابن كيسان أنها غير عاطفة كالاولى، ووافقهم ابن مالك، لملازمتها غالبا الواو العاطفة، ومن غير الغالب قوله: 83 - يا ليتما أمنا شالت نعامتها * أيما إلى جنة أيما إلى نار
    (1) في نسخة (وما الزائدة). (*)
    [ 60 ]
    وفيه شاهد ثان، وهو فتح الهمزة، وثالث وهو الابدال، ونقل ابن عصفور الاجماع على أن إما الثانية غير عاطفة كالاولى، قال: وإنما ذكروها في باب العطف لمصاحبتها لحرفه، وزعم بعضهم أن إما عطفت الاسم على الاسم، والواو عطفت إما على إما، وعطف الحرف على الحرف غريب، ولا خلاف أن إما الاولى غير عاطفة، لاعتراضها بين العامل والمعمول في نحو (قام إما زيد وإما عمرو) وبين أحد معمولي العامل ومعموله الآخر في نحو (رأيت إما زيدا وإما عمرا) وبين المبدل منه وبدله نحو قوله تعالى (حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة) فإن ما بعد الاولى بدل مما قبلها. ولاما خمسة معان: أحدها: الشك، نحو (جاءني إما زيد وإما عمرو) إذا لم تعلم الجائى منهما والثانى: الابهام، نحو (وآخرون مرجون لامر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم). والثالث: التخيير، نحو (إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) (إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى) ووهم ابن الشجرى، فجعل من ذلك (إما يعذبهم وإما يتوب عليهم). والرابع: الاباحة، نحو (تعلم إما فقها وإما نحوا) و (جالس إما الحسن وإما ابن سيرين) ونازع في ثبوت هذا المعنى لاما جماعة مع إثباتهم إياه لاو. والخامس: التفصيل، نحو (إما شاكرا وإما كفورا) وانتصابهما على هذا على الحال المقدرة، وأجاز الكوفيون كون إما هذه هي إن الشرطية وما الزائدة، قال مكى: ولا يجيز البصريون أن يلى الاسم أداة الشرط حتى يكون بعده فعل يفسره، نحو (وإن امرأة خافت) ورد عليه ابن الشجرى بأن المضمر هنا كان، فهو بمنزلة قوله:
    [ 61 ]
    84 - قد قيل ذلك إن حقا وإن كذبا * [ فما اعتذارك من قول إذا قيلا ؟ ] وهذه المعاني لاو كما سيأتي، إلا أن إما يبنى الكلام معها من أول الامر على ما جئ بها لاجله من شك وغيره، ولذلك وجب تكرارها في غير ندور، وأو يفتتح الكلام معها على الجزم ثم يطرأ الشك أو غيره، ولهذا لم تتكرر. وقد يستغنى عن إما الثانية بذكر ما يغنى عنها نحو (إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت) وقول المثقب العبدى: 85 - فإما أن تكون أخى بصدق * فأعرف منك غثى من سمينى (1) وإلا فاطرحني واتخذني * عدوا أتقيك وتتقينى وقد يستغنى عن الاولى لفظا كقوله: * سقته الرواعد من صيف * [ 82 ] البيت، وقد تقدم، وقوله: 86 - تلم بدار قد تقادم عهدها * وإما بأموات ألم حيالها أي إما بدار، والفراء يقيسه، فيجيز (زيد يقوم وإما يقعد) كما يجوز (أو يقعد). تنبيه - ليس من أقسام إما التى في قوله تعالى * (فإما ترين من البشر أحدا) * بل هذه إن الشرطية وما الزائدة. (أو) - حرف عطف، ذكر له المتأخرون معاني انتهت إلى اثنى عشر. الاول: الشك، نحو * (لبثنا يوما أو بعض يوم) *. والثانى: الابهام، نحو * (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * الشاهد في الاولى، وقول الشاعر:
    (1) في نسخة (فإما أن تكون أخى بحق).
    [ 62 ]
    87 - نحن أو أنتم الاولى ألفوا الحق، فبعدا للمبطلين وسحقا. والثالث: التخيير، وهى الواقعة بعد الطلب، [ و ] قبل ما يمتنع فيه الجمع نحو (تزوج هندا أو أختها) و (خذ من مالى دينارا أو درهما). فإن قلت: فقد مثل العلماء بآيتى الكفارة والفدية للتخيير مع إمكان الجمع. قلت: لا يجوز الجمع بين الاطعام والكسوة والتحرير على أن الجميع الكفارة (1) ولا بين الصيام والصدقة والنسك على أنهن الفدية، بل تقع واحدة منهن كفارة أو فدية والباقى قربة مستقلة خارجة عن ذلك. والرابع: الاباحة: وهى الواقعة بعد الطلب وقبل ما يجوز فيه الجمع، نحو (جالس العلماء أو الزهاد) و (تعلم الفقه أو النحو) وإذا دخلت لا الناهية امتنع فعل الجميع نحو * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * إذ المعنى لا تطع أحدهما، فأيهما فعله فهو أحدهما، وتلخيصه أنها تدخل للنهى عما كان مباحا، وكذا حكم النهى الداخل على التخيير، وفاقا للسيرافى، وذكر ابن مالك أن أكثر ورود أو (للاباحة) في التشبيه نحو * (فهى كالحجارة أو أشد قسوة) * والتقدير نحو (فكان قاب قوسين أو أدنى) فلم يخصها بالمسبوقة بالطلب. والخامس: الجمع المطلق كالواو، قاله الكوفيون والاخفش والجرمي، واحتجوا بقول توبة: 88 - وقد زعمت ليلى بأنى فاجر * لنفسي تقاها أو عليها فجورها وقيل: أو فيه للابهام، وقول جرير: 89 - جاء الخلافة أو كانت له قدرا * كما أتى ربه موسى على قدر
    (1) في نسخة (قلت: لا يجوز الجمع بين الاطعام والكسوة والتحرير اللاتى كل منهن كفارة) وكذا فيما بعده، والذى أثبتناه أظهر. (*)
    [ 63 ]
    والذى رأيته في ديوان جرير (إذ كانت) وقوله: 90 - وكان سيان أن لا يسرحوا نعما * أو يسرحوه بها، واغبرت السوح أي: وكان الشأن أن لا يرعوا الابل وأن يرعوها سيان لوجود القحط، وإنما قدرنا (كان) شانية لئلا يلزم الاخبار عن النكرة بالمعرفة، وقول الراجز: 91 - إن بها أكتل أو رزاما * خوير بين ينقفان الهاما إذ لم يقل (خويربا) كما تقول (زيد أو عمرو لص) ولا تقول لصان، وأجاب الخليل عن هذا بأن (خوير بين) بتقدير (أشتم) لا نعت تابع، وقول النابغة: 92 - قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا * إلى حمامتنا أو نصفه فقد فحسبوه فالفوه كما ذكرت * ستا وستين لم تنقص ولم تزد (1) [ ص 286، 308 ] ويقويه أنه روى (ونصفه) وقوله: 93 - قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم * ما بين ملجم مهره أو سافع ومن الغريب أن جماعة - منهم ابن مالك - ذكروا مجئ أو بمعنى الواو، ثم ذكروا أنها تجئ بمعنى (ولا) نحو * (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) * وهذه هي تلك بعينها، وإنما جاءت (لا) توكيدا للنفي السابق، ومانعة من توهم تعليق النفى بالمجموع، لا بكل واحد، وذلك مستفاد من دليل خارج عن اللفظ وهو الاجماع، ونظيره قولك (لا يحل [ لك ] الزنا والسرقة) ولو تركت لا في التقدير لم يضر ذلك. وزعم ابن مالك أيضا أن (أو) التى للاباحة حالة محل الواو، وهذا أيضا
    (1) في أكثر النسخ (تسعا وتسعين) ولها وجه لا بأس به. (*)
    [ 64 ]
    مردود، لانه لو قيل (جالس الحسن وابن سيرين) كان المأمور به مجالستهما [ معا ] ولم يخرج المأمور عن العهدة بمجالسة أحدهما، هذا هو المعروف من كلام النحويين، ولكن ذكر الزمخشري عند الكلام على قوله تعالى: * (تلك عشرة كاملة) * أن الواو تأتى للاباحة، نحو (جالس الحسن وابن سيرين) وأنه إنما جئ بالفذلكة دفعا لتوهم إرادة الاباحة في * (فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) * وقلده في ذلك صاحب الايضاح البيانى، ولا تعرف هذه المقالة لنحوى. والسادس: الاضراب كبل، فعن سيبويه إجازة ذلك بشرطين: تقدم نفى أو نهى، وإعادة العامل، نحو (ما قام زيد أو ما قام عمرو) و (لا يقم زيدا أو لا يقم عمرو) ونقله عنه ابن عصفور، ويؤيده أنه قال في * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * ولو قلت أو لا تطع كفورا انقلب المعنى، يعنى أنه يصير إضرابا عن النهى الاول ونهيا عن الثاني فقط، وقال الكوفيون وأبو على وأبو الفتح وابن برهان: تأتى للاضراب مطلقا، احتجاجا بقول جرير: 94 - ماذا ترى في عيال قد برمت بهم * لم أحص عدتهم إلا بعداد ؟ كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية * لو لا رجاؤك قد قتلت أولادي [ ص 27 ] وقراءة أبى السمال * (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم) * بسكون واو (أو)، واختلف في * (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) * فقال الفراء: بل يزيدون، هكذا جاء في التفسير مع صحته في العربية. وقال بعض الكوفيين: بمعنى الواو، وللبصريين فيها أقوال، قيل: للابهام، وقيل: للتخيير، أي إذا رآهم الرائى تخير بين أن يقول هم مائة ألف أو يقول هم أكثر، نقله ابن الشجرى عن سيبويه، وفى ثبوته عنه نظر، ولا يصح التخيير بين شيئين الواقع أحدهما، وقيل: هي للشك
    [ 65 ]
    مصروفا إلى الرائى، ذكره ابن جنى، وهذه الاقوال - غير القول بأنها بمعنى الواو - مقولة في (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) (فهى كالحجارة أو أشد قسوة) والسابع: التقسيم، نحو (الكلمة اسم أو فعل أو حرف) ذكره ابن مالك في منظومته [ الصغرى ] وفى شرح الكبرى، ثم عدل عنه في التسهيل وشرحه فقال: تأتى للتفريق المجرد من الشك والابهام والتخيير، وأما هذه الثلاثة فإن مع كل منها تفريقا مصحوبا بغيره، ومثل بنحو (إن يكن غنيا أو فقيرا) (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) قال: وهذا أولى من التعبير بالتقسيم، لان استعمال الواو في التقسيم أجود نحو (الكلمة اسم وفعل وحرف) وقوله: 95 - [ وننصر مولانا، ونعلم أنه ] * كما الناس مجروم عليه وجارم [ ص 313 و 358 ] ومن مجيئه بأو قوله: 96 - فقالوا: لنا ثنتان، لابد منهما * صدور رماح أشرعت أو سلاسل انتهى، ومجئ الواو في التقسيم أكثر لا يقتضى أن (أو) لا تأتى له، بل إثباته الاكثرية للواو يقتضى ثبوته بقلة لاو، وقد صرح بثبوته في البيت الثاني، وليس فيه دليل، لاحتمال أن يكون المعنى لابد من أحدهما، فحذف المضاف كما قيل في (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) وغيره عدل عن العبارتين، فعبر بالتفصيل، ومثله بقوله تعالى (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) (وقالوا ساحر أو مجنون) إذ المعنى: وقالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى، وقال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: مجنون فأو فيهما التفصيل الاجمال في (قالوا) وتعسف ابن الشجرى فقال في الآية الاولى: إنها حذف منها مضاف وواو وجملتان
    [ 66 ]
    فعليتان، وتقديره: وقال بعضهم - يعنى اليهود - كونوا هودا، وقال بعضهم - يعنى النصارى - كونوا نصارى، قال: فأقام (أو نصارى) مقام ذلك كله، وذلك دليل على شرف هذا الحرف، انتهى. والثامن: أن تكون بمعنى (إلا) في الاستثناء، وهذه ينتصب المضارع بعدها بإضمار أن كقولك (لاقتلنه أو يسلم) وقوله: 97 - وكنت إذا غمزت قناة قوم * كسرت كعوبها أو تستقيما وحمل عليه بعض المحققين قوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فقدر (تفرضوا) منصوبا بأن مضمرة، لا مجزوما بالعطف على (تمسوهن) لئلا يصير المعنى لا جناح عليكم فيما يتعلق بمهور النساء إن طلقتموهن في مدة انتفاء أحد هذين الامرين، مع أنه إذا انتفى الفرض دون المسيس لزم مهر المثل، وإذا انتفى المسيس دون الفرض لزم نصف المسمى، فكيف يصح نفى الجناح عند انتفاء أحد الامرين ؟ ولان المطلقات المفروض لهن قد ذكرن ثانيا بقوله تعالى: (وإن طلقتموهن) الآية، وترك ذكر الممسوسات لما تقدم من المفهوم، ولو كان (تفرضوا) مجزوما لكانت الممسوسات والمفروض لهن مستويين في الذكر، وإذا قدرت (أو) بمعنى إلا خرجت المفروض لهن عن مشاركة الممسوسات في الذكر. وأجاب ابن الحاجب عن الاول بمنع كون المعنى مدة انتفاء أحدهما، بل مدة لم يكن واحد منهما، وذلك بنفيهما جميعا، لانه نكرة في سياق النفى الصريح، بخلاف الاول، فإنه لا ينفى إلا أحدهما. وأجاب بعضهم عن الثاني بأن ذكر المفروض لهن إنما كان لتعيين النصف لمن، لا لبيان أن لهن شيئا في الجملة. وقيل: أو بمعنى الواو، ويؤيده قول المفسرين: إنها نزلت في رجل أنصارى طلق امرأته قبل المسيس وقبل الفرض، وفيها قول آخر سيأتي.
    [ 67 ]
    والتاسع: أن تكون بمعنى (إلى) وهى كالتى قبلها في انتصاب المضارع بعدها بأن مضمرة، نحو (لالزمنك أو تقضيني حقى) وقوله: 98 - لاستسهلن الصعب أو أدرك المنى * فما انقادت الآمال إلا لصابر ومن قال في (أو تفرضوا) إنه منصوب جوز هذا المعنى فيه، ويكون غاية لنفى الجناح، لا لنفى المسيس، وقيل: أو بمعنى الواو. والعاشر: التقريب، نحو (ما أدرى أسلم أو ودع) قاله الحريري وغيره. الحادى عشر: الشرطية، نحو (لاضربنه عاش أو مات) أي إن عاش بعد الضرب وإن مات، ومثلة (لآتينك أعطيتني أو حرمتنى) قاله ابن الشجرى. الثاني عشر: التبعيض، نحو (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) نقله ابن الشجرى عن بعض الكوفيين، والذى يظهر لى أنه إنما أراد معنى التفصيل السابق، فإن كل واحد مما قبل (أو) التفصيلية وما بعدها بعض لما تقدم عليهما من المجمل، ولم يرد أنها ذكرت لتفيد مجرد معنى التبعيض. تنبيه - التحقيق أن (أو) موضوعة لاحد الشيئين أو الاشياء، وهو الذى يقوله المتقدمون، وقد تخرج إلى معنى بل، وإلى معنى الواو، وأما بقية المعاني فمستفادة من غيرها، ومن العجب أنهم ذكروا أن من معاني صيغة افعل التخيير والاباحة، ومثلوه بنحو (خذ من مالى درهما أو دينارا) أو (جالس الحسن أو ابن سيرين) ثم ذكروا أن أو تفيدهما، ومثلوا بالمثالين المذكورين لذلك، ومن البين الفساد هذا المعنى العاشر، وأو فيه إنما هي للشك على زعمهم، وإنما استفيد [ معنى ] التقريب من إثبات اشتباه السلام بالتوديع، إذ حصول ذلك - مع تباعد ما بين الوقتين - ممتنع أو مستبعد، وينبغى لمن قال إنها تأتى للشرطية أن يقول وللعطف لانه قدر مكانها وإن، والحق أن الفعل الذى قبلها دال على معنى حرف الشرط
    [ 68 ]
    كما قدره هذا القائل، وأن أو على بابها، ولكنها لما عطفت على ما فيه معنى الشرط دخل المعطوف في معنى الشرط. (ألا) بفتح الهمزة والتخفيف - على خمسة أوجه: أحدها: أن تكون للتنبيه، فتدل على تحقق ما بعدها، وتدخل على الجملتين، نحو (ألا إنهم هم السفهاء) (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم) ويقول المعربون فيها: حرف استفتاح، فيبينون مكانها، ويهملون معناها، وإفادتها التحقيق من جهة تركيبها من الهمزة ولا، وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفى أفادت التحقيق، نحو (أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى ؟) قال الزمخشري: ولكونها بهذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم، نحو (ألا إن أولياء الله) وأختها (أما) من مقدمات اليمين وطلائعه كقوله: 99 - أما والذى لا يعلم الغيب غيره * ويحيى العظام البيض وهى رميم وقوله: أما والذى أبكى وأضحك، والذى * أمات وأحيا، والذى أمره الامر [ 75 ] والثانى: التوبيخ والانكار (1)، كقوله: 100 - ألا طعان ألا فرسان عادية * إلا تجشؤكم حول التنانير [ ص 350 ] وقوله: 101 - ألا ارعواء لمن ولت شبيبته * وآذنت بمشيب بعده هرم
    (1) ظاهر كلامه أن المفيد للتوبيخ والانكار هو (ألا) برمتها، والذى عليه الائمة أن المفيد لهما هو الهمزة وحدها، وأن (لا) باقية الدلالة على النفى. (*)
    [ 69 ]
    والثالث: التمنى، كقوله: 102 - ألا عمر ولى مستطاع رجوعه * فيرأب ما أثأت يد الغفلات [ ص 381 ] ولهذا نصب (يرأب) لانه جواب تمن مقرون بالفاء. والرابع: الاستفهام عن النفى، كقوله: ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد * إذا ألاقى الذى لاقاه أمثالى ؟ [ 10 ] وفى هذا البيت رد على من أنكر وجود هذا القسم، وهو الشلوبين. وهذه الاقسام الثلاثة مختصة بالدخول على الجملة الاسمية، وتعمل عمل (لا) التبرئة، ولكن تختص التى للتمني بأنها لا خبر لها لفظا وتقديرا (1)، وبأنها لا يجوز مراعاة محلها مع اسمها، وأنها لا يجوز إلغاؤها ولو تكررت، أما الاول فلانها بمعنى أتمنى، وأتمنى لا خبر له، وأما الآخران فلانها بمنزلة ليت، وهذا كله قول سيبويه ومن وافقه، وعلى هذا فيكون قوله في البيت (مستطاع رجوعه) مبتدأ وخبر على التقديم والتأخير، والجملة صفة ثانية على اللفظ، ولا يكون (مستطاع) خبرا أو نعتا على المحل و (رجوعه) مرفوع به عليهما لما بينا (2). والخامس: العرض والتحضيض، ومعناهما: طلب الشئ، لكن العرض طلب بلين، والتحضيض طلب بحث، وتختص ألا هذه بالفعلية، نحو (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم) ومنه عند الخليل قوله: 103 - ألا رجلا جزاه الله خيرا * يدل على محصلة تبيت [ ص 255 و 600 ] والتقدير عنده (ألا تروننى رجلا هذه صفته) فحذف الفعل مدلولا عليه بالمعنى، وزعم بعضهم أنه محذوف على شريطة التفسير، أي ألا جزى الله رجلا جزاه خيرا،
    (1) في نسخة (لفظا ولا تقديرا). (2) في نسخة (كما بينا). (*)
    [ 70 ]
    وألا على هذا للتنبيه، وقال يونس: ألا للتمني، ونون اسم (لا) للضرورة، وقول الخليل أولى، لانه لا ضرورة في إضمار الفعل، بخلاف التنوين، وإضمار الخليل أولى من إضمار غيره، لانه لم يرد أن يدعو لرجل على هذه الصفة، وإنما قصده طلبه، وأما قول ابن الحاجب في تضعيف هذا القول (إن يدل صفة لرجل فيلزم الفصل بينهما بالجملة المفسرة وهى أجنبية) فمردود بقوله تعالى (إن امرؤ هلك ليس له ولد) ثم الفصل بالجملة لازم وإن لم تقدر مفسرة، إذ لا تكون صفة، لانها إنشائية. (إلا) - بالكسر والتشديد - على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون للاستثناء، نحو (فشربوا منه إلا قليلا) وانتصاب ما بعدها في هذه الآية ونحوها بها على الصحيح، ونحو (ما فعلوه إلا قليل منهم) وارتفاع ما بعدها في هذه الآية ونحوها على أنه بدل بعض من كل عند البصريين ويبعده أنه لا ضمير معه في نحو (ما جاءني أحد إلا زيد) كما في [ نحو ] (أكلت الرغيف ثلثه) وأنه مخالف للمبدل منه في النفى والايجاب، وعلى أنه معطوف على المستثنى منه و (إلا) حرف عطف عند الكوفيين، وهى عندهم بمنزلة (لا) العاطفة في أن ما بعدها مخالف لما قبلها، لكن ذاك منفى بعد إيجاب، وهذا موجب بعد نفى، ورد بقولهم (ما قام إلا زيد) وليس شئ من أحرف العطف يلى العامل، وقد يجاب بأنه ليس تاليها في التقدير، إذ الاصل (ما قام أحد إلا زيد). الثاني: أن تكون بمنزلة غير فيوصف بها وبتاليها، جمع منكر أو شبه. فمثال الجمع المنكر (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) فلا يجوز في إلا هذه أن تكون للاستثناء، من جهة المعنى، إذ التقدير حينئذ لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا، وذلك يقتضى بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا. وليس ذلك المراد، ولا من جهة اللفظ، لان آلهة جمع منكر في الاثبات فلا عموم له
    [ 71 ]
    فلا يصح الاستثناء منه، فلو قلت (قام رجال إلا زيدا) لم يصح اتفاقا، وزعم المبرد أن (إلا) في هذه الآية للاستثناء، وأن ما بعدها بدل، محتجا بأن (لو) تدل على الامتناع، وامتناع الشئ انتفاؤه، وزعم أن التفريغ بعدها جائز، وأن نحو (لو كان معنا إلا زيد) أجود كلام، ويرده أنهم لا يقولون (لو جاءني ديار أكرمته) ولا (لو جاءني من أحد أكرمته) ولو كانت بمنزلة الثاني لجاز ذلك كما يجوز (ما فيها ديار) و (ما جاءني من أحد) ولما لم يجز ذلك دل على أن الصواب قول سيبويه إن إلا وما بعدها صفة. قال الشلوبين وابن الضائغ: ولا يصح المعنى حتى تكون إلا بمعنى غير، والتى يراد بها البدل والعوض، قالا: وهذا هو المعنى في المثال الذى ذكره سيبويه توطئة للمسألة، وهو (لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا) أي: رجل مكان زيد أو عوضا من زيد، انتهى. قلت: وليس كما قالا، بل الوصف في المثال وفى الآية مختلف، فهو في المثال مخصص مثله في قولك (جاء رجل موصوف بأنه غير زيد) وفى الآية مؤكد مثله في قولك (متعدد موصوف بأنه غير الواحد) وهكذا الحكم أبدا: إن طابق ما بعد إلا موصوفها فالوصف مخصص له، وإن خالفه بإفراد أو غيره فالوصف مؤكد، ولم أر من أفصح عن هذا، لكن النحويين قالوا: إذا قيل (له عندي عشرة إلا درهما) فقد أقر له بتسعة، فإن قال (إلا درهم) فقد أقر له بعشرة، وسره أن المعنى حينئذ عشرة موصوفة بأنها غير درهم، وكل عشرة فهى موصوفة بذلك، فالصفة هنا مؤكدة صالحة للاسقاط مثلها في (نفخة واحدة) (1) وتتخرج الآية على ذلك، إذا المعنى حينئذ لو كان فيهما آلهة لفسدتا، أي أن الفساد يترتب على تقدير تعدد الآلهة، وهذا هو المعنى المراد
    (1) في نسخة (مثلها في (نعجة واحدة)) وكلتاهما صحيح. (*)
    [ 72 ]
    ومثال المعرف الشبيه بالمنكر قوله: 104 - أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة * قليل بها الاصوات إلا بغامها [ ص 316 ] فإن تعريف (الاصوات) تعريف الجنس. ومثال شبه الجمع قوله: 105 - لو كان غيرى سليمى الدهر غيره * وقع الحوادث إلا الصارم الذكر فإلا الصارم: صفة لغيري. ومقتضى كلام سيبويه أنه لا يشترط كون الموصوف جمعا أو شبهه، لتمثيله ب‍ (- لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا) وهو لا يجرى (لو) مجرى النفى، كما يقول المبرد. وتفارق إلا هذه غيرا من وجهين: أحدهما: أنه لا يجوز حذف موصوفها، لا يقال (جاءني إلا زيد) ويقال (جاءني غير زيد) ونظيرها في ذ
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:05 am

    [ 97 ]
    فإن قلت: فما ناصب اليوم على القول الاول ؟ وكيف يعمل العامل الواحد في ظرفي زمان. ؟ قلنا: لم يتضادا كما في الوجه السابق، وعمل العامل في ظرفي زمان يجوز إذا كان أحدهما أعم من الآخر نحو (آتيك يوم الجمعة سحر)، وليس بدلا، لجواز (سير عليه يوم الجمعة سحر) برفع الاول ونصب الثاني، ونص عليه سيبويه، وأنشد للفرزدق: 136 - متى تردن يوما سفار تجد بها * أديهم يرمى المستجيز المعورا فيوما يمتنع أن يكون بدلا من متى، لعدم اقتران بحرف الشرط، ولهذا يمتنع في اليوم في المثال أن يكون بدلا من إذا، ويمتنع أن يكون ظرفا لتجد، لئلا ينفصل ترد من معموله وهو سفار بالأجنبي، فتعين أنه ظرف ثان لترد. والرابع: أن الجواب ورد مقرونا بإذا الفجائية نحو (ثم إذا دعاكم دعوة من الارض إذا أنتم تخرجون) وبالحرف الناسخ نحو (إذا جئتني اليوم فإنى أكرمك) وكل منهما لا يعمل ما بعده فيما قبله، وورد أيضا والصالح فيه للعمل صفة كقوله تعالى (فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير) ولا تعمل الصفة فيما قبل الموصوف، وتخريج بعضهم هذه الآية على أن إذا مبتدأ وما بعد الفاء خبر لا يصح إلا على قول أبى الحسن ومن تابعه في جواز تصرف إذا وجواز زيادة الفاء في خبر المبتدأ، لان عسر اليوم ليس مسببا عن النقر، والجيد أن تخرج على حذف الجواب مدلولا عليه بعسير، أي عسر الامر، وأما قول أبى البقاء إنه يكون مدلولا عليه بذلك فإنه إشارة إلى النقر فمردود، لادائه إلى اتحاد السبب والمسبب، وذلك ممتنع، وأما نحو (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله (7 - مغنى اللبيب 1)
    [ 98 ]
    ورسوله) فمؤول على إقامة السبب مقام المسبب، لاشتهار المسبب، أي فقد استحق الثواب العظيم المستقر للمهاجرين. قال أبو حيان: ورد مقرونا بما النافية نحو (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم) الآية، وما النافية لها الصدر، انتهى. وليس هذا بجواب، وإلا لاقترن بالفاء، مثل (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) وإنما الجواب محذوف، أي عمدوا إلى الحجج الباطلة. وقول بعضهم إنه جواب على إضمار الفاء مثل (إن ترك خيرا الوصية للوالدين) مردود بأن الفاء لا تحذف إلا ضرورة، كقوله: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [ 81 ] والوصية في الآية نائب عن فاعل كتب، وللوالدين: متعلق بها، لا خبر، والجواب محذوف، أي فليوص. وقول ابن الحاجب (إن إذا هذه غير شرطية فلا تحتاج إلى جواب، وإن عاملها ما بعد ما النافية كما عمل ما بعد لا في يوم من قوله تعالى (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين) وإن ذلك من التوسع في الظرف) مردود بثلاثة أمور: أحدها: أن مثل هذا التوسع خاص بالشعر كقوله: 137 - * ونحن عن فضلك ما استغنينا * [ ص 269 و 317 و 539 و 694 ] والثانى: أن ما لا تقاس على لا، فإن مالها الصدر مطلقا بإجماع البصريين، واختلفوا في لا، فقيل: لها الصدر مطلقا، وقيل: ليس لها الصدر مطلقا لتوسطها بين العامل والمعمول في نحو (إن لا تقم أقم) و (جاء بلا زاد) وقوله: 138 - ألا إن قرطا على آلة * ألا إننى كيده لا أكيد وقيل: إن وقعت لا في جواب (1) القسم فلها الصدر، لحلولها محل أدوات الصدر، وإلا
    (1) في نسخة (إن وقعت في صدر جواب القسم فلها الصدر). (*)
    [ 99 ]
    فلا، وهذا هو الصحيح، وعليه اعتمد سيبويه، إذ جعل انتصاب (حب العراق) في قوله: 139 - آليت حب العراق الدهر أطعمه * [ والحب يأكله في القرية السوس ] [ ص 245 و 590 و 600 ] على التوسع وإسقاط الخافض وهو على، ولم يجعله من باب (زيدا ضربته) لان التقدير لا أطعمه، ولا هذه لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر في هذا الباب عاملا. والثالث: أن (لا) في الآية حرف ناسخ مثله في نحو (لا رجل) والحرف الناسخ لا يتقدمه معمول ما بعده، ولو لم يكن نافيا، لا يجوز (زيدا إنى أضرب) فكيف وهو حرف نفى ؟ بل أبلغ من هذا أن العامل الذى بعده مصدر، وهم يطلقون القول بأن المصدر لا يعمل فيما قبله، وإنما العامل محذوف، أي اذكر يوم، أو يعذبون يوم. ونظير ما أورده أبو حيان على الاكثرين أن يورد عليهم قوله تعالى: (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل يتبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفى خلق جديد) فيقال: لا يصح لجديد أن يعمل في إذا، لان إن ولام الابتداء يمنعان من ذلك لان لهما الصدر، وأيضا فالصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف. والجواب أيضا أن الجواب محذوف مدلول عليه بجديد، أي إذا مزقتم تجدون، لان الحرف الناسخ لا يكون في أول الجواب إلا وهو مقرون بالفاء، نحو (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) وأما (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فالجملة جواب لقسم محذوف مقدر قبل الشرط، بدليل (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن) الآية، ولا يسوغ أن يقال: قدرها خالية من معنى الشرط، فتستغني عن جواب وتكون معمولة لما قبلها وهو (قال) أو (ندلكم) أو (ينبئكم) لان هذه بالافعال لم تقع في ذلك الوقت.
    [ 100 ]
    الفصل الثالث في خروج إذا عن الشرطية ومثاله قوله تعالى (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) وقوله تعالى (والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون) فإذا فيهما ظرف لخبر المبتدأ بعدها، ولو كانت شرطية والجملة الاسمية جوابا لاقترنت بالفاء مثل (وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير) وقول بعضهم (إنه على إضمار الفاء) تقدم رده، وقول آخر (إن الضمير توكيد لا مبتدأ، وإن ما بعده الجواب) ظاهر التعسف، وقول آخر (إن جوابها محذوف مدلول عليه بالجملة بعدها) تكلف من غير ضرورة. ومن ذلك إذا التى بعد القسم نحو (والليل إذا يغشى) (والنجم إذا هوى) إذ لو كانت شرطية كان ما قبلها جوابا في المعنى كما في قولك (آتيك إذا أتيتني) فيكون التقدير إذا يغشى الليل وإذا هوى النجم أقسمت. وهذا ممتنع، لوجهين: أحدهما: أن القسم الانشائى لا يقبل التعليق، لان الانشاء إيقاع، والمعلق يحتمل الوقوع وعدمه، فأما (إن جاءني فو الله لاكرمنه) فالجواب في المعنى فعل الاكرام، لانه المسبب عن الشرط، وإنما دخل القسم بينهما لمجرد التوكيد، ولا يمكن ادعاء مثل ذلك هنا، لان جواب والليل ثابت دائما، وجواب والنجم ماض مستمر الانتفاء، فلا يمكن تسببهما عن أمر مستقبل وهو فعل الشرط. والثانى: أن الجواب خبرى، فلا يدل عليه الانشاء، لتباين حقيقتهما. (أيمن) المختص بالقسم، اسم لا حرف، خلافا للزجاج والرمانى، مفرد مشتق من اليمن [ وهو البركة ] وهمزته وصل، لا جمع يمين وهمزته قطع، خلافا
    [ 101 ]
    للكوفيين، ويرده جواز كسر همزته، وفتح ميمه، ولا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو أفلس وأكلب، وقول نصيب: 140 - فقال فريق القوم لما نشدتهم: * نعم، وفريق: ليمن الله ما ندرى فحذف ألفها في الدرج، ويلزمه الرفع بالابتداء، وحذف الخبر، وإضافته إلى اسم الله سبحانه وتعالى: خلافا لابن درستويه في إجازة جره بحرف القسم، ولابن مالك في جواز إضافته إلى الكعبة ولكاف الضمير، وجوز ابن عصفور كونه خبرا والمحذوف مبتدأ، أي قسمي أيمن الله. حرف الباء الباء المفردة - حرف جر لاربعة عشر معنى: أولها: الالصاق، قيل: وهو معنى لا يفارقها، فلهذا اقتصر عليه سيبويه، ثم الالصاق حقيقي ك‍ (أمسكت بزيد) إذا قبضت على شئ من جسمه أو على ما يحبسه من يد أو ثوب ونحوه، ولو قلت (أمسكته) احتمل ذلك وأن تكون منعته من التصرف، ومجازي نحو (مررت بزيد) أي ألصقت مرورى بمكان يقرب من زيد، وعن الاخفش أن المعنى مررت على زيد، بدليل (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين) وأقول: إن كلا من الالصاق والاستعلاء إنما يكون حقيقيا إذا كان مفضيا إلى نفس المجرور ك‍ (أمسكت بزيد، وصعدت على السطح) فإن أفضى إلى ما يقرب منه فمجاز ك‍ (مررت بزيد) في تأويل الجماعة، وكقوله: 141 - تشب لمقرورين يصطليانها * وبات على النار الندى والمحلق (ص 143)
    [ 102 ]
    فإذا استوى التقدير ان في المجازية، فالاكثر استعمالا أولى بالتخريج عليه، ك‍ (مررت بزيد، ومررت عليه) وإن كان قد جاء كما في (لتمرون عليهم) (يمرون عليها). 142 - ولقد أمر على اللئيم يسبنى * [ فمضيت ثمة قلت: لا يعنينى ] [ ص 429 و 645 ] إلا أن (مررت به) أكثر، فكان أولى بتقديره أصلا، ويتخرج على هذا الخلاف خلاف في المقدر في قوله: 143 - تمرون الديار ولم تعوجوا * [ كلامكم على إذا حرام ] [ ص 473 ] أهو الباء أم على ؟ الثاني: التعدية، وتسمى باء النقل أيضا، وهى المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولا، وأكثر ما تعدى الفعل القاصر، تقول في ذهب زيد: ذهبت بزيد، وأذهبته، ومنه (ذهب الله بنورهم) وقرئ (أذهب الله نورهم) وهى بمعنى القراءة المشهورة، وقول المبرد والسهيلى (إن بين التعديتين فرقا، وإنك إذا قلت ذهبت بزيد كنت مصاحبا له في الذهاب) مردود بالآية، وأما قوله تعالى: (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) فيحتمل أن الفاعل ضمير البرق. ولان الهمزة والباء متعاقبتان لم يجز أقمت بزيد، وأما (تنبت بالدهن) فيمن ضم أوله وكسر ثالثه، فخرج على زيادة الباء، أو على أنها للمصاحبة، فالظرف حال من الفاعل، أي مصاحبة للدهن، أو المفعول، أي تنبت الثمر مصاحبا للدهن، أو أن أنبت يأتي بمعنى ثبت كقول زهير: 144 - رأيت ذوى الحاجات حول بيوتهم * قطينا لها حتى إذا أنبت البقل ومن وردوها مع المتعدى قوله تعالى: (ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض) وصككت الحجر بالحجر، والاصل دفع بعض الناس بعضا، وصك الحجر بالحجر. [ ص 429 و 645 ]
    [ 103 ]
    الثالث: الاستعانة، وهى الداخلة على آلة الفعل، نحو (كتبت بالقلم) و (نجرت بالقدوم) قيل: ومنه [ باء ] البسملة، لان الفعل لا يتأتى على الوجه الاكمل إلا بها. الرابع: السببية، نحو (إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل) (فكلا أخذنا بذنبه) ومنه: لقيت بزيد الاسد، أي بسبب لقائي إياه، وقوله: 145 - قد سقيت آبالهم بالنار * [ والنار قد تسفى من الاوار ] أي أنها بسبب ما وسمت به من أسماء أصحابها يخلى بينها وبين الماء. الخامس: المصاحبة، نحو (اهبط بسلام) أي معه (وقد دخلوا بالكفر) الآية. وقد اختلف في الباء من قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك) فقيل: للمصاحبة، والحمد مضاف إلى المفعول، أي فسبحه حامدا له، أي نزهه عما لا يليق به، وأثبت له ما يليق به، وقيل: للاستعانة، والحمد مضاف إلى الفاعل، أي سبحه بما حمد به نفسه، إذ ليس كل تنزيه بمحمود، ألا ترى أن تسبيح المعتزلة اقتضى تعطيل كثير من الصفات. واختلف في (سبحانك اللهم وبحمدك) فقيل: جملة واحدة على أن الواو زائدة، وقيل: جملتان على أنها عاطفة، ومتعلق الباء محذوف، أي وبحمدك سبحتك، وقال الخطابى: المعنى وبمعونتك التى هي نعمة توجب على حمدك سبحتك، لا بحولى وقوتى، يريد أنه مما أقيم فيه المسبب مقام السبب، وقال ابن الشجرى في (فتستجيبون بحمده): هو كقولك (أجبته بالتلبية) أي فتجيبونه بالثناء، إذ الحمد الثناء، أو الباء للمصاحبة متعلقة بحال محذوفة، أي معلنين بحمده، والوجهان في (فسبح بحمد ربك).
    [ 104 ]
    والسادس: الظرفية نحو (ولقد نصركم الله ببدر) (نجيناهم بسحر) والسابع: البدل، كقول الحماسي: 146 - فليت لى بهم قوما إذا ركبوا * شنوا الاغارة فرسانا وركبانا (1) وانتصاب (الاغارة) على أنه مفعول لاجله. والثامن: المقابلة، وهى الداخلة على الاعواض، نحو (اشتريته بألف) و (كافأت إحسانه بضعف) وقولهم (هذا بذاك) ومنه (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وإنما لم نقدرها باء السببية كما قالت المعتزلة وكما قال الجميع في (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) لان المعطى بعوض قد يعطى مجانا، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب، وقد تبين أنه لا تعارض بين الحديث والآية، لاختلاف محملى الباءين جمعا بين الادلة. والتاسع: المجاوزة كعن، فقيل: تختص بالسؤال، نحو (فاسأل به خبيرا) بدليل (يسألون عن أنبائكم) وقيل: لا تختص به، بدليل قوله تعالى: (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) (ويوم تشقق السماء بالغمام) وجعل الزمخشري هذه الباء بمنزلتها في (شققت السنام بالشفرة) على أن الغمام جعل كالآلة التى يشق بها، قال: ونظيره (السماء منفطر به) وتأول البصريون (فاسأل به خبير) على أن الباء للسببية، وزعموا أنها لا تكون بمعنى عن أصلا، وفيه بعد، لانه لا يقتضى قولك (سألت بسببه) أن المجرور هو المسئول عنه. العاشر: الاستعلاء، نحو (من إن تأمنه بقنطار) الآية، بدليل (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل) ونحو (وإذا مروا بهم يتغامزون) بدليل (وإنكم لتمرون عليهم) وقد مضى البحث فيه، وقوله:
    (1) انظر الشاهد رقم 20
    [ 105 ]
    147 - * أرب يبول الثعلبان برأسه ؟ * بدليل تمامه: * لقد هان من بالت عليه الثعالب * الحادى عشر: التبعيض، أثبت ذلك الاصمعي والفارسي والقتبى وابن مالك، قيل: والكوفيون، وجعلوا منه (عينا يشرب بها عباد الله) وقوله: 148 - شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر لهن نئيج [ ص 111 و 335 ] وقوله: 149 - [ فلثمت فاها آخذا بقرونها ] * شرب النزيف ببرد ماء الحشرج قيل: ومنه (وامسحوا برؤسكم) والظاهر أن الباء فيهن للالصاق، وقيل: هي في آية الوضوء للاستعانة، وإن في الكلام حذفا وقلبا، فإن (مسح) يتعدى إلى المزال عنه بنفسه، وإلى المزيل بالباء، فالاصل امسحوا رؤسكم بالماء، ونظيره بيت الكتاب: 150 - كنواح ريش حمامة نجدية * ومسحت باللثتين عصف الاثمد يقول: إن لثاتك تضرب إلى سمرة، فكأنك مسحتها بمسحوق الاثمد، فقلب معمولي مسح، وقيل في شربن: إنه ضمن معنى روين، ويصح ذلك في (يشرب بها) ونحوه، وقال الزمخشري في (يشرب بها): المعنى يشرب بها الخمر كما تقول (شربت الماء بالعسل). الثاني عشر: القسم، وهو أصل أحرفه، ولذلك خصت بجواز ذكر الفعل معه
    [ 106 ]
    نحو (أقسم بالله لتفعلن) ودخولها على الضمير نحو (بك لافعلن) واستعالها في القسم الاستعطافي نحو (بالله هل قام زيد) أي أسألك بالله مستحلفا. الثالث عشر: الغاية، نحو (وقد أحسن بى) أي إلى، وقيل: ضمن أحسن معنى لطف. الرابع عشر: التوكيد وهى الزائدة، وزيادتها في ستة مواضع. أحدها: الفاعل، وزيادتها فيه: واجبة، وغالبة، وضرورة. فالواجبة في نحو (أحسن بزيد) في قول الجمهور: إن الاصل أحسن زيد بمعنى ذا حسن، ثم غيرت صيغة الخبر إلى الطلب، وزيدت الباء إصلاحا للفظ، وأما إذا قيل بأنه أمر لفظا ومعنى وإن فيه ضمير المخاطب مستترا فالباء معدية مثلها في (امرر بزيد). والغالبة في فاعل كفى، نحو (كفى بالله شهيدا) وقال الزجاج: دخلت لتضمن كفى معنى اكتف، وهو من الحسن بمكان، ويصححه قولهم (اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه) أي ليتق وليفعل، بدليل جزم (يثب) ويوجبه قولهم (كفى بهند) بترك التاء، فإن احتج بالفاصل فهو مجوز لا موجب، بدليل (وما تسقط من ورقة وما تخرج من ثمرة) فإن عورض بقولك (أحسن بهند) فالتاء لا تلحق صيغ الامر، وإن كان معناها الخبر، وقال ابن السراج: الفاعل ضمير الاكتفاء، وصحة قوله موقوفة على جواز تعلق الجار بضمير المصدر، وهو قول الفارسى والرمانى، أجازا (مرورى بزيد حسن وهو بعمر وقبيح) وأجاز الكوفيون إعماله في الظرف وغيره، ومنع جمهور البصريين إعماله مطلقا، قالوا ومن مجئ فاعل كفى هذه مجردا عن الباء قول سحيم: 151 - [ عميرة ودع إن تجهزت غازيا ] * كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا
    [ 107 ]
    ووجه ذلك - على ما اخترناه - أنه لم يستعمل كفى [ هنا ] بمعنى اكتف. ولا تزاد الباء في فاعل كفى التى بمعنى أجزأ وأغنى، ولا التى بمعنى وقى، والاولى متعدية لواحد كقوله: 152 - قليل منك يكفيني، ولكن * قليلك لا يقال له قليل [ ص 675 ] والثانية متعدية لاثنين كقوله تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال) (فسيكفيكهم الله) ووقع في شعر المتنبي زيادة الباء في فاعل كفى المتعدية لواحد، قال: 153 - كفى ثعلا فخرا بأنك منهم * ودهر لان أمسيت من أهله أهل ولم أرمن انتقد عليه ذلك، فهذا إما لسهو عن شرط الزيادة، أو لجعلهم هذه الزيادة من قبيل الضرورة كما سيأتي، أو لتقدير الفاعل غير مجرور بالباء، وثعل: رهط الممدوح وهم بطن من طيئ، وصرفه للضرورة إذ فيه العدل والعلمية كعمر، ودهر: مرفوع عند ابن جنى بتقدير: وليفخر دهر، وأهل: صفة له بمعنى مستحق، واللام متعلقة بأهل، وجوز ابن الشجرى في دهر ثلاثة أوجه، أحدها أن يكون مبتدأ حذف خبره، أي يفتخر بك، وصح الابتداء بالنكرة لانه قد وصف بأهل، والثانى كونه معطوفا على فاعل كفى، أي أنهم فخروا بكونه منهم وفخروا بزمانه لنضارة أيامه). وهذا وجه لا حذف فيه، والثالث أن تجره بعد أن ترفع فخرا، على تقدير كونه فاعل كفى والباء متعلقة بفخر، لا زائدة، وحينئذ تجر الدهر بالعطف، وتقدر أهلا خبرا لهو محذوفا، وزعم المعرى أن الصواب نصب دهر بالعطف على ثعلا، أي وكفى دهرا هو أهل لان أمسيت من أهله أنه أهل لكونك من أهله، ولا يخفى ما فيه من التعسف وشرحه أنه عطف على المفعول المتقدم، وهو ثعلا، والفاعل المتأخر وهو (أنك منهم) منصوبا ومرفوعا وهما دهرا وأن ومعمولاها وما تعلق بخبرها، ثم حذف المرفوع
    [ 108 ]
    المعطوف اكتفاء بدلالة المعنى، وزعم الربعي أن النصب بالعطف على اسم أن وأن (أهل) عطف على خبرها، ولا معنى للبيت على تقديره. والضرورة كقوله: 154 - ألم يأتيك والانباء تنمى * بما لاقت لبون بنى زياد [ ص 387 ] وقوله: 155 - مهما لى الليلة مهما ليه * أودى بنعلى وسرباليه [ ص 332 ] وقال ابن الضائع في الاول: إن الباء متعلقة بتنمى، وإن فاعل يأتي مضمر، فالمسألة من باب الاعمال. وقال ابن الحاجب في الثاني: الباء معدية كما تقول (ذهب بنعلى) ولم يتعرض لشرح الفاعل، وعلام يعود إذا قدر ضميرا في (أودى) ؟ ويصح أن يكون التقدير: أودى هو، أي مود، أي ذهب ذاهب، كما جاء في الحديث (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) أي ولا يشرب هو، أي الشارب، إذ ليس المراد ولا يشرب الزانى. والثانى مما تزاد فيه الباء: المفعول، نحو (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (وهزى إليك بجذع النخلة) (فليمدد بسبب إلى السماء) (ومن يرد فيه بإلحاد) (فطفق مسحا بالسوق) أي يمسح السوق مسحا، ويجوز أن يكون صفة: أي مسحا واقعا بالسوق، وقوله: 156 - [ نحن بنو ضبة أصحاب الفلج ] * نضرب بالسيف وفرجو بالفرج الشاهد في الثانية، فأما الاولى فللاستعانة، وقوله:
    [ 109 ]
    [ هن الحرائر لا ربات أخمرة ] * سود المحاجر لا يقرأن بالسور [ 32 ] وقيل: ضمن تلقوا معنى تفضوا، ويريد معنى يهم، ونرجو معنى نطمع، ويقرأن معنى يرقين ويتبركن، وأنه يقال (قرأت بالسورة) على هذا المعنى، ولا يقال (قرأت بكتابك) لفوات معنى التبرك فيه، قاله السهيلي، وقيل: المراد لا تلقو أنفسكم إلى التهلكة بأيديكم، فحذف المفعول به، والباء للآلة كما في قولك (كتبت بالقلم) أو المراد بسبب أيديكم، كما يقال: لا تفسد أمرك برأيك. وكثرت زيادتها في مفعول (عرفت) ونحوه، وقلت في مفعول ما يتعدى إلى اثنين كقوله: 157 - تبلت فؤادك في المنام خريدة * تسقى الضجيع ببارد بسام وقد زيدت في مفعول كفى المتعدية لواحد، ومنه الحديث (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع). وقوله: 158 - فكفى بنا فضلا على من غيرنا * حب النبي محمد إيانا (1) [ ص 328 و 329 ] وقيل: إنها هي في البيت زائدة في الفاعل، وحب: بدل اشتمال على المحل، وقال المتنبي 159 - كفى بجسمى نحولا أننى رجل * لو لا مخاطبتي إياك لم ترنى [ ص 667 ] والثالث: المبتدأ، وذلك في قولهم (بحسبك درهم) و (خرجت فإذا بزيد) و (كيف بك إذا كان كذا) ومنه عند سيبويه (بأيكم المفتون) وقال أبو الحسن
    (1) الرواية برفع (غيرنا) وهو خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة من، والتقدير: الذى هو غيرنا.
    [ 110 ]
    بأيكم متعلق باستقرار محذوف مخبر به عن المفتون، ثم اختلف، فقيل: المفتون مصدر بمعنى الفتنة، وقيل: الباء ظرفية، أي في أي طائفة منكم المفتون. تنبيه - من الغريب أنها زيدت فيما أصله المبتدأ وهو اسم ليس، بشرط أن يتأخر إلى موضع الخبر كقراءة بعضهم (ليس البر بأن تولوا) بنصب البر، وقوله: 160 - أليس عجيبا بأن الفتى * يصاب ببعض الذى في يديه والرابع: الخبر، وهو ضربان: غير موجب فينقاس نحو (ليس زيد بقائم) (وما الله بغافل) وقولهم (لا خير بخير بعده النار) إذا لم تحمل على الظرفية، وموجب فيتوقف على السماع، وهو قول الاخفش ومن تابعه، وجعلوا منه قوله تعالى (جزاء سيئة بمثلها) وقول الحماسي: 161 - [ فلا تطمع، أبيت اللعن، فيها ] * ومنعكها بشئ يستطاع والاولى تعليق (بمثلها) باستقرار محذوف هو الخبر، وبشئ بمنعكها والمعنى ومنعكها بشئ ما يستطاع، وقال ابن مالك في (بحسبك زيد) إن زيدا مبتدأ مؤخر، لانه معرفة وحسب نكرة. والخامس: الحال المنفى عاملها، كقوله: 163 - فما رجعت بخائبة ركاب * حكيم بن المسيب منتهاها وقوله: 163 - [ كائن دعيت إلى بأساء داهمة ] * فما انبعثت بمزءود ولا وكل ذكر ذلك ابن مالك، وخالفه أبو حيان، وخرج البيتين على أن التقدير بحاجة خائبة، وبشخص مزءود أي مذعور، ويريد بالمزءود نفسه، على حد قولهم (رأيت
    [ 111 ]
    منه أسدا) وهذا التخريج ظاهر في البيت الاول دون الثاني، لان صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها، ولهذا قيل في (وما ربك بظلام للعبيد) إن فعالا ليس للمبالغة بل للنسب كقوله: 164 - [ وليس بذى رمح فيطعننى به ] * وليس بذى سيف وليس بنبال أي وما ربك بذى ظلم، لان الله لا يظلم الناس شيئا، ولا يقال لقيت منه أسدا أو بحرا أو نحو ذلك إلا عند قصد المبالغة في الوصف بالاقدام أو الكرم. والسادس: التوكيد بالنفس والعين، وجعل منه بعضهم قوله تعالى (يتربصن بانفسهن) وفيه نظر، إذ حق الضمير المرفوع المتصل المؤكد بالنفس أو بالعين أن يؤكد أولا بالمنفصل نحو (قمتم أنتم أنفسكم) ولان التوكيد هنا ضائع، إذ المأمورات بالتربص لا يذهب الوهم إلى أن المأمور غيرهن، بخلاف قولك (زارني الخليفة نفسه) وإنما ذكر الانفس هنا لزيادة البعث على التربص، لاشعاره بما يستنكفن منه من طموح أنفسهن إلى الرجال. تنبيه - مذهب البصريين أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس، كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك، وما أوهم ذلك فهو عندهم إما مؤول تأويلا يقبله اللفظ، كما قيل في (ولاصلبنكم في جذوع النخل): إن (في) ليست بمعنى على، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشئ، وإما على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف، كما ضمن بعضهم شربن في قوله * شربن بماء البحر * [ 148 ] معنى روين، وأحسن في (وقد أحسن بى) معنى لطف، وإما على شذوذ إنابة كلمة عن أخرى، وهذا الاخير هو محمل الباب كله عند [ أكثر ] الكوفيين وبعض المتأخرين، ولا يجعلون ذلك شاذا ومذهبهم أقل تعسفا. * (بجل) * على وجهين: حرف بمعنى نعم، واسم، وهى على وجهين: اسم
    [ 112 ]
    فعل بمعنى يكفى، واسم مرادف لحسب، ويقال على الاول (بجلنى) وهو نادر، وعلى الثاني (بجلى) قال: 165 - [ ألا إننى أشربت أسود حالكا ] * ألا بجلى من ذا الشراب ألا بجل * (بل) * حرف إضراب، فإن تلاها بجملة كان معنى الاضراب إما الابطال نحو (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه، بل عباد مكرمون) أي بل هم عباد، ونحو (أم يقولون به جنة، بل جاءهم بالحق) وإما الانتقال من غرض إلى آخر، ووهم ابن مالك إذ زعم في شرح كافيته أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه، ومثاله (قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى، بل تؤثرون الحياة الدنيا) ونحو (ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون، بل قلوبهم في غمرة) وهى في ذلك كله حرف ابتداء، لا عاطفة، على الصحيح ومن دخولها على الجملة قوله: 166 - بل بلد مل ء الفجاج قتمه * [ لا يشترى كتانه وجهرمه ] إذ التقدير بل رب بلد موصوف بهذا الوصف قطعته، ووهم بعضهم فزعم أنها تستعمل جارة وإن تلاها مفرد فهى عاطفة، ثم إن تقدمها أمر أو إيجاب (كاضرب زيدا بل عمرا، وقام زيد بل عمرو) فهى تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه، فلا يحكم عليه بشئ، وإثبات الحكم لما بعدها، وإن تقدمها نفى أو نهى فهى لتقرير ما قبلها على حالته، وجعل ضده لما بعده، نحو (ما قام زيد بل عمرو، ولا يقم زيد بل عمرو) وأجاز المبرد وعبد الوارث أن تكون ناقلة معنى النفى والنهى إلى ما بعدها وعلى قولهما فيصح (ما زيد قائما بل قاعدا، وبل قاعد) ويختلف المعنى، ومنع الكوفيون أن يعطف بها بعد غير النفى وشبهه، قال هشام: محال (ضربت زيدا بل إياك) أهو ومنعهم ذلك مع سعة روايتهم دليل على قلته.
    [ 113 ]
    وتزاد قبلها (لا) لتوكيد الاضراب بعد الايجاب، كقوله: 167 - وجهك البدر، لا، بل الشمس لو لم * يقض للشمس كسفه أو أفول ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفى، ومنع ابن درستويه زيادتها بعد النفى، وليس بشئ، لقوله: 168 - وما هجرتك، لا، بل زادني شغفا * هجر وبعد تراخى لا إلى أجل * (بلى) * حرف جواب أصلى الالف، وقال جماعة: الاصل بل، والالف زائدة، وبعض هؤلاء يقول: إنها للتأنيث، بدليل إمالتها. وتختص بالنفى، وتفيد إبطاله. سواء كان مجردا نحو (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى) أم مقرونا بالاستفهام، حقيقيا كان نحو (أليس زيد بقائم) فتقول: بلى، أو توبيخيا نحو (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى) (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بلى) أو تقريريا نحو (ألم يأتكم نذير قالوا بلى) (ألست بربكم قالوا بلى) أجروا النفى مع التقرير مجرى النفى المجرد في رده ببلى، ولذلك قال ابن عباس وغيره: لو قالوا نعم لكفروا، ووجهه أن نعم تصديق للمخبر بنفى أو إيجاب ولذلك قال جماعة من الفقهاء: لو قال (أليس لى عليك ألف) فقال (بلى) لزمته، ولو قال (نعم) لم تلزمه، وقال آخرون: تلزمه فيهما، وجروا في ذلك على مقتضى العرف لا اللغة، ونازع السهيلي وغيره في المحكى عن ابن عباس وغيره في الآية مستمسكين بأن الاستفهام التقريرى خبر موجب، ولذلك امتنع سيبويه من جعل أم متصلة في قوله تعالى (أفلا تبصرون أم أنا خير) لانها لا تقع بعد الايجاب، وإذا ثبت أنه إيجاب فنعم بعد الايجاب تصديق [ له ]، انتهى. [ 8 - مغنى اللبيب 1 ]
    [ 114 ]
    ويشكل عليهم أن بلى لا يجاب بها [ عن ] الايجاب، وذلك متفق عليه، ولكن وقع في كتب الحديث ما يقتضى أنها يجاب بها الاستفهام [ المجرد ]، ففى صحيح البخاري في كتاب الايمان أنه عليه الصلاة والسلام قال لاصحابه (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟) قالوا: بلى، وفى صحيح مسلم في كتاب الهبة (أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟) قال: بلى، قال (فلا إذن) وفيه أيضا أنه قال (أنت الذى لقيتني بمكة ؟) فقال له المجيب: بلى، وليس لهؤلاء أن يحتجوا بذلك، لانه قليل فلا يتخرج عليه التنزيل. واعلم أن تسمية الاستفهام في الآية تقريرا عبارة جماعة، ومرادهم أنه تقرير بما بعد النفى كما مر في صدر الكتاب، وفى الموضع بحث أوسع من هذا في باب النون. * (بيد) * ويقال: ميد، بالميم، وهو اسم ملازم للاضافة إلى أن وصلتها، وله معنيان: أحدهما: غير، إلا أنه لا يقع مرفوعا ولا مجرورا، بل منصوبا، ولا يقع صفة ولا استثناء متصلا، وإنما يستثنى به في الانقطاع خاصة، ومنه الحديث (نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا) وفى مسند الشافعي رضى الله عنهم (بائد أنهم) وفى الصحاح (بيد بمعنى غير، يقال: إنه كثير المال بيد أنه بخيل) اه‍، وفى المحكم أن هذا المثال حكاه ابن السكيت، وأن بعضهم فسرها فيه بمعنى على، وأن تفسيرها بغير أعلى. والثانى: أن تكون بمعنى من أجل، ومنه الحديث (أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أنى من قريش واسترضعت في بنى سعد بن بكر) وقال ابن مالك وغيره: إنها هنا بمعنى غير، على حد قوله: 169 - ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب
    [ 115 ]
    وأنشد أبو عبيدة على مجيئها بمعنى من أجل قوله: 170 عمدا فعلت ذاك بيد أنى * أخاف إن هلكت أن ترنى وقوله ترنى: من الرنين، وهو الصوت * (بله) * على ثلاثة أوجه: اسم لدع، ومصدر بمعنى الترك، واسم مرادف لكيف، وما بعدها منصوب على الاول، ومخفوض على الثاني، ومرفوع على الثالث، وفتحها بناء على الاول والثالث، وإعراب على الثاني، وقد روى بالاوجه الثلاثة قوله يصف السيوف: 171 - تذر الجماجم ضاحيا هاماتها * بله الاكف كأنها لم تخلق وإنكار أبى على أن يرتفع ما بعدها مردود بحكاية أبى الحسن وقطرب له، وإذا قيل (بله الزيدين، أو المسلمين، أو أحمد، أو الهندات) احتملت المصدرية واسم الفعل. ومن الغريب أن في البخاري في تفسير ألم السجدة: يقول الله تعالى (أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ذخرا من بله ما اطلعتم عليه) (1). واستعملت معربة مجرورة بمن خارجة عن المعاني الثلاثة، وفسرها بعضهم بغير، وهو ظاهر، وبهذا يتقوى من يعدها في ألفاظ الاستثناء. حرف التاء التاء المفردة - محركة في أوائل الاسماء، ومحركة في أواخرها، ومحركة في أواخر الافعال، ومسكنة في أواخرها. فالمحركة في أوائل الاسماء حرف جر معناه القسم، وتختص بالتعجب، وباسم الله تعالى، وربما قالوا (تربى) و (ترب الكعبة) و (تالرحمن) قال الزمخشري
    (1) انظر صحيح البخاري (6 / 116 السلطانية) ثم انظر فتح الباري (8 / 396 بولاق) (*)
    [ 116 ]
    في (وتالله لاكيدن أصنامكم): الباء أصل حروف القسم، والواو بدل منها، والتاء بدل من الواو، وفيها زيادة معنى التعجب، كأنه تعجب من تسهيل الكيد على يده وتأتيه مع عتو نمروذ وقهره، ه‍ والمحركة في أواخرها حرف خطاب نحو أنت وأنت. والمحركة في أواخر الافعال ضمير نحو قمت وقمت وقمت، ووهم ابن خروف فقال في قولهم في النسب (كنتى): إن التاء هنا علامة كالواو في (أكلوني البراغيث) ولم يثبت في كلامهم أن هذه التاء تكون علامة. ومن غريب أمر التاء الاسمية أنها جردت عن الخطاب، والتزم فيها التذكير والافراد في (أرأيتكما) و (أرأيتكم) و (أرأيتك) و (أرأيتك) و (أرأيتكن) إذ لو قالوا (أرأيتما كما) جمعوا بين خطابين، وإذا امتنعوا من اجتماعهما في (يا غلامكم) فلم يقولوه كما قالوا (يا غلامنا) و (يا غلامهم) - مع أن الغلام طار عليه الخطاب بسبب النداء، وإنه خطاب لاثنين لا لواحد، فهذا أجدر، وإنما جاز (واغلامكيه) لان المندوب ليس بمخاطب في الحقيقة، ويأتى تمام القول في (أرأيتك) في حرف الكاف إن شاء الله تعالى. والتاء الساكنة في أواخر الافعال حرف وضع علامة للتأنيث كقامت، وزعم الجلولى أنها اسم، وهو خرق لاجماعهم، وعليه فيأتى في الظاهر بعدها أن يكون بدلا، أو مبتدأ، والجملة قبله خبر، ويرده أن البدل صالح للاستغناء به عن المبدل منه، وأن عود الضمير على ما هو بدل منه نحو (اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم) قيل، وأن تقدم الخبر الواقع جملة قليل أيضا، كقوله: 172 - إلى ملك ما أمه من محارب * أبوه، ولا كانت كليب تصاهره وربما وصلت هذه التاء بثم ورب، والاكثر تحريكها معهما بالفتح.
    [ 117 ]
    حرف الثاء (ثم) ويقال فيها: فم، كقولهم في جدث: جدف - حرف عطف يقتضى ثلاثة أمور: التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة، وفى كل منها خلاف. فأما التشريك فزعم الاخفش والكوفيون أنه قد يتخلف، وذلك بأن تقع زائدة، فلا تكون عاطفة البتة، وحملو على ذلك قوله تعالى: (حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم) وقول زهير: 173 - أرانى إذا أصبحت ذاهوى * فثم إذا أمسيت أمسيت غاديا وخرجت الآية على تقدير الجواب، والبيت على زيادة الفاء. وأما الترتيب فخالف قوم في اقتضائها إياه، تمسكا بقوله تعالى: (خلقكم من نفس واحدة، ثم جعل منها زوجها) (وبدأ خلق الانسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه) (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون، ثم آتينا موسى الكتاب) وقول الشاعر 174 - إن من ساد ثم ساد أبوه * ثم قد ساد قبل ذلك جده والجواب عن الآية الاولى من خمسة أوجه: أحدها: أن العطف على محذوف، أي من نفس واحدة، أنشأها، ثم جعل منها زوجها. الثاني: أن العطف على (واحدة) على تنويلها بالفعل، أي من نفس توحدت، أي انفردت، ثم جعل منها زوجها.
    [ 118 ]
    الثالث: أن الذرية أخرجت من ظهر آدم عليه السلام كالذر، ثم خلقت حواء من قصيراه. الرابع: أن خلق حواء من آدم لما لم تجر العادة بمثله جئ بثم إيذانا بترتبه وتراخيه في الاعجاب وظهور القدرة، لا لترتيب الزمان وتراخيه. الخامس: أن (ثم) لترتيب الاخبار لا لترتيب الحكم، وأنه يقال (بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب) أي ثم أخبرك أن الذى صنعته أمس أعجب. والاجوبة السابقة أنفع من هذا الجواب، لانها تصحح الترتيب والمهلة، وهذا يصحح الترتيب فقط، إذ لا تراخى بين الاخبارين، ولكن الجواب الاخير أعم، لانه يصح أن يجاب به عن الآية الاخيرة والبيت. وقد أجيب عن الآية الثانية أيضا بأن (سواه) عطف على الجملة الاولى، لا الثانية. وأجاب ابن عصفور عن البيت بأن المراد أن الجد أتاه السؤدد من قبل الاب، والاب من قبل الابن، كما قال ابن الرومي: 175 - قالوا: أبو الصقر من شيبان، قلت لهم: * كلا لعمري، ولكن منه شيبان وكم أب قد علا بابن ذرى حسب * كما علت برسول الله عدنان وأما المهملة فزعم الفراء أنها [ قد ] تتخلف، بدليل قولك: (أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب) لان ثم في ذلك لترتيب الاخبار، ولا تراخى بين الاخبارين، وجعل منه ابن مالك (ثم آتينا موسى الكتاب) الآية، وقد مر البحث في ذلك، والظاهر أنها واقعة موقع الفاء في قوله:
    [ 119 ]
    176 - كهز الردينى تحت العجاج * جرى في الانابيب ثم اضطرب إذ الهز متى جرى في أنابيب الرمح يعقبه الاضطراب، ولم يتراخ عنه. مسألة - أجرى الكوفيون ثم مجرى الفاء والواو، في جواز نصب المضارع المقرون بها بعد فعل الشرط، واستدل لهم بقراءة الحسن (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) بنصب (يدرك) وأجراها ابن مالك مجراهما بعد الطلب، فأجاز في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذى لا يجرى ثم يغتسل منه) ثلاثة أوجه: الرفع بتقدير ثم هو يغتسل، وبه جاءت الرواية، والجزم بالعطف على موضع فعل النهى، والنصب قال: بإعطاء ثم حكم واو الجمع، فتوهم تلميذه الامام أبو زكريا النووي رحمه الله أن المراد إعطاؤها حكمها في إفادة معنى الجمع، فقال: لا يجوز النصب، لانه يقتضى أن المنهى عنه الجمع بينهما، دون إفراد أحدهما، وهذا لم يقله أحد، بل البول منهى عنه، سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا، انتهى. وإنما أراد ابن مالك إعطاءها حكمها في النصب، لا في المعية أيضا، ثم ما أورده إنما جاء من قبل المفهوم، لا المنطوق، وقد قام دليل آخر على عدم إرادته، ونظيره إجازة الزجاج والزمخشري في (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق) كون (تكتموا) مجزوما، وكونه منصوبا مع أن النصب معناه النهى عن الجمع. تنبيه - قال الطبري في قوله تعالى (أثم إذا ما وقع آمنتم به): معناه أهنالك، وليست ثم التى تأتى للعطف، انتهى. وهذا وهم، اشتبه عليه ثم المضمومة الثاء بالمفتوحتها. (ثم) بالفتح - اسم يشار به إلى المكان البعيد، نحو (وأزلفنا ثم الآخرين) وهو ظرف لا يتصرف، فلذلك غلط من أعربه مفعولا لرأيت في قوله تعالى: (وإذا رأيت ثم رأيت) ولا يتقدمه حرف التنبيه [ ولا يتأخر عنه كاف الخطاب ].
    [ 120 ]
    حرف الجيم (جير) بالكسر على أصل التقاء الساكنين كأمس، وبالفتح للتخفيف كأين وكيف - حرف جواب بمعنى نعم، لا اسم بمعنى حقا فتكون مصدرا، ولا بمعنى أبدا فتكون ظرفا، وإلا لاعربت ودخلت عليها أل، ولم تؤكد أجل بجير في قوله: 177 - [ وقلن على الفردوس أول مشرب ] * أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره ولا قوبل بها (لا) في قوله: 178 - إذا تقول لا ابنة العجير * تصدق، لا إذا تقول جير وأما قوله: 179 - وقائلة: أسيت، فقلت: جير * أسى إننى من ذاك إنه فخرج على وجهين، أحدهما: أن الاصل جير إن، بتأكيد جير بإن التى بمعنى نعم، ثم حذفت همزة إن وخففت. الثاني: أن يكون شبه آخر النصف بآخر البيت، فنونه تنوين الترنم، وهو غير مختص بالاسم، ووصل بنية الوقف. (جلل) حرف بمعنى نعم، حكاه الزجاج في كتاب الشجرة، واسم بمعنى عظيم أو يسير أو أجل. فمن الاول قوله: 180 - قومي هم قتلوا - أميم - أخى * فإذا رميت يصيبني سهمي فلئن عفوت لاعفون جللا * ولئن سطوت لاوهنن عظمي ومن الثاني قول امرئ القيس وقد قتل أبوه: 181 - * ألا كل شئ سواه جلل * ومن الثالث قولهم (فعلت كذا من جلك) وقال جميل:
    [ 121 ]
    182 - رسم دار وقفت في طلله * كدت أقضى الحياة من جلله (1) [ ص 136 ] فقيل: أراد من أجله، وقيل: أراد من عظمه في عينى. حرف الحاء المهملة (حاشا) على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون فعلا متعديا متصرفا، تقول (حاشيته) بمعنى استثنيته، ومنه الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أسامة أحب الناس إلى) ما حاشى فاطمة، ما: نافية، والمعنى أنه عليه الصلاة والسلام لم يستثن فاطمة، وتوهم ابن مالك أنها ما المصدرية، وحاشا الاستثنائية، بناء على أنه من كلامه عليه الصلاة والسلام، فاستدل به على أنه قد يقال (قام القوم ما حاشا زيدا) كما قال: 183 - رأيت الناس ما حاشا قريشا * فإنا نحن أفضلهم فعالا ويرده أن في معجم الطبراني (ما حاشا فاطمة ولا غيرها) ودليل تصرفه قوله: 184 - ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه * ولا أحاشى من الاقوام من أحد وتوهم المبرد أن هذا مضارع حاشا التى يستثنى بها، وإنما تلك حرف أو فعل جامد لتضمنه معنى الحرف. الثاني: أن تكون تنزيهية، نحو (حاش لله) وهى عند المبرد وابن جنى والكوفيين فعل، قالوا: لتصرفهم فيها بالحذف، ولادخالهم إياها على الحرف، وهذان الدليلان ينفيان الحرفية، ولا يثبتان الفعلية، قالوا: والمعنى في الآية جانب يوسف المعصية لاجل الله، ولا يتأتى هذا التأويل في مثل (حاش لله ما هذا بشرا)
    (1) يروى * كدت أقضى الغداة من جلله * (*)
    [ 122 ]
    والصحيح أنها اسم مرداف للبراءة [ من كذا ]، بدليل قراءة بعضهم (حاشا لله) بالتنوين، كما يقال (براءة لله من كذا) وعلى هذا فقراءة ابن مسعود رضى الله عنه (حاش الله) كمعاذ الله ليس جارا ومجرورا كما وهم ابن عطية، لانها إنما تجر في الاستثناء، ولتنوينها في القراءة الاخرى، ولدخولها على اللام في قراءة السبعة، والجار لا يدخل على الجار، وإنما ترك التنوين في قراءتهم لبناء حاشا لشبهها بحاشا الحرفية، وزعم بعضهم أنها اسم فعل ماض بمعنى أتبرأ، أو برئت، وحامله على ذلك بناؤها، ويرده إعرابها في بعض اللغات. الثالث: أن تكون للاستثناء، فذهب سيبويه وأكثر البصريين إلى أنها حرف دائما بمنزلة إلا، لكنها تجر المستثنى، وذهب الجرمى والمازني والمبرد والزجاج والاخفش وأبو زيد والفراء وأبو عمر والشيبانى إلى أنها تستعمل كثيرا حرفا جارا وقليلا فعلا متعديا جامدا لتضمنه معنى إلا، وسمع (اللهم اغفر لى ولمن يسمع حاشا الشيطان وأبا الاصبغ) وقال: 185 - حاشا أبا ثوبان، إن به * ضنا على الملحاة والشتم ويروى أيضا (حاشا أبى) بالياء، ويحتمل أن تكون رواية الالف على لغة من قال: إن أباها وأبا أباها * [ قد بلغا في المجد غايتاها ] [ 51 ] وفاعل حاشا ضمير مستتر عائد على مصدر الفعل المتقدم عليها، أو اسم فاعله، أو البعض المفهوم من الاسم العام، فإذا قيل (قام القوم حاشا زيدا) فالمعنى جانب هو - أي قيامهم، أو القائم منهم، أو بعضهم - زيدا. (حتى) حرف يأتي لاحد ثلاثة معان: انتهاء الغاية، وهو الغالب، والتعليل، وبمعنى إلا في الاستثناء، وهذا أقلها، وقل من يذكره.
    [ 123 ]
    وتستعمل على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون حرفا جارا بمنزلة إلى في المعنى والعمل، ولكنها تخالفها في ثلاثة أمور: أحدها: أن لمخفوضها شرطين، أحدهما عام، وهو أن يكون ظاهرا لا مضمرا، خلافا للكوفيين والمبرد، فأما قوله: 186 - أتت حتاك تقصد كل فج * ترجى منك أنها لا تخيب فضرورة، واختلف في علة المنع، فقيل: هي أن مجرورها لا يكون إلا بعضا مما قبلها أو كبعض منه، فلم يمكن عود ضمير البعض على الكل، ويرده أنه قد يكون ضميرا حاضرا كما في البيت فلا يعود على ما تقدم، وأنه قد يكون ضميرا غائبا عائدا على ما تقدم غير الكل، كقولك (زيد ضربت القوم حتاه) وقيل: العلة خشية التباسها بالعاطفة، ويرده أنها لو دخلت عليه لقيل في العاطفة (قاموا حتى أنت، وأكرمتهم حتى إياك) بالفصل، لان الضمير لا يتصل إلا بعامله، وفى الخافضة (حتاك) بالوصل كما في البيت، وحينئذ فلا التباس، ونظيره أنهم يقولون في توكيد الضمير المنصوب (رأيتك أنت) وفى البدل منه (رأيتك إياك) فلم يحصل لبس، وقيل: لو دخلت عليه قلبت ألفها ياء كما في إلى، وهى فرع عن إلى، فلا تحتمل ذلك، والشرط الثاني خاص بالمسبوق بذى أجزاء، وهو أن يكون المجرور آخرا نحو (أكلت السمكة حتى رأسها) أو ملاقيا لآخر جزء نحو (سلام هي حتى مطلع الفجر) ولا يجوز سرت البارحة حتى ثلثها أو نصفها، كذا قال المغاربة وغيرهم، وتوهم ابن مالك أن ذلك لم يقل به إلا الزمخشري، واعترض عليه بقوله: 187 - عينت ليلة، فما زلت حتى * نصفها راجيا، فعدت يؤوسا
    [ 124 ]
    وهذا ليس محل الاشتراط، إذ لم يقل فما زلت في تلك الليلة حتى نصفها، وإن كان المعنى عليه، ولكنه لم يصرح به. الثاني: أنها إذا لم يكن معها قرينة تقتضي دخول ما بعدها كما في قوله: 188 - ألقى الصحيفة كى يخفف رحله * والزاد، حتى نعله ألقاها [ ص 127 و 130 ] أو عدم دخوله كما في قوله: 189 - سقى الحيا الارض حتى أمكن عزيت * لهم، فلا زال عنها الخير مجدودا حمل على الدخول، ويحكم في مثل ذلك لما بعد إلى بعدم الدخول، حملا على الغالب في البابين، هذا هو الصحيح في البابين، وزعم الشيخ شهاب الدين القرافى أنه لا خلاف في وجوب دخول ما بعد حتى، وليس كذلك، بل الخلاف فيها مشهور، وإنما الاتفاق في حتى العاطفة، لا الخافضة، والفرق أن العاطفة بمعنى الواو. والثالث: أن كلا منهما قد ينفرد بمحل لا يصلح للآخر. فمما انفردت به (إلى) أنه يجوز (كتبت إلى زيد وأنا إلى عمرو) أي هو غايتي، كما جاء في الحديث (أنابك وإليك) و (سرت من البصرة إلى الكوفة) ولا يجوز: حتى زيد، وحتى عمرو، وحتى الكوفة، أما الاولان فلان حتى موضوعة لافادة تقضى الفعل قبلها شيئا فشيئا إلى الغاية، وإلى ليست كذلك وأما الثالث فلضعف حتى في الغاية، فلم يقابلوا بها ابتداء الغاية. ومما انفردت به (حتى) أنه يجوز وقوع المضارع المنصوب بعدها نحو (سرت حتى أدخلها) [ وذلك ] بتقدير حتى أن أدخلها، وأن المضمرة والفعل في تأويل مصدر مخفوض
    [ 125 ]
    بحتى، ولا يجوز: سرت إلى أدخلها، وإنما قلنا إن النصب بعد حتى بأن مضمرة لا بنفسها كما يقول الكوفيون لان حتى قد ثيت أنها تخفض الاسماء، وما يعمل في الاسماء لا يعمل في الافعال، وكذا العكس. ولحتى الداخلة على المضارع المنصوب ثلاثة معان: مرادفة إلى نحو (حتى يرجع إلينا موسى) ومرادفة كى التعليلية نحو (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم) (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) وقولك (أسلم حتى تدخل الجنة) ويحتملها (فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله) ومرادفة إلا في الاستثناء، وهذا المعنى ظاهر من قول سيبويه في تفسير قولهم (والله لا أفعل إلا أن تفعل) المعنى حتى أن تفعل، وصرح به ابن هشام الخضراوي وابن مالك، ونقله أبو البقاء عن بعضهم في (وما يعلمان من أحد حتى يقولا) والظاهر في هذه الآية [ خلافه، و ] أن المراد معنى الغاية، نعم هو ظاهر فيما أنشده ابن مالك في قوله: 190 - ليس العطاء من الفضول سماحة * حتى تجود وما لديك قليل وفى قوله: 191 - والله لا يذهب شيخي باطلا * حتى أبير مالكا وكاهلا لان ما بعدهما ليس غاية لما قبلهما ولا مسببا عنه، وجعل ابن هشام من ذلك الحديث (كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه) إذ زمن الميلاد لا يتطاول فتكون حتى فيه للغاية، ولا كونه يولد على الفطرة علته اليهودية والنصرانية فتكون فيه للتعليل، ولك أن تخرجه على أن فيه حذفا، أي يولد على الفطرة ويستمر على ذلك حتى يكون.
    [ 126 ]
    ولا ينتصب الفعل بعد (حتى) إلا إذا كان مستقبلا، ثم إن كان استقباله بالنظر إلى زمن التكلم فالنصب واجب، نحو (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) وإن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصة فالوجهان، نحو (وزلزلوا حتى يقول الرسول) الآية، فإن قولهم إنما هو مستقبل بالنظر إلى الزلزال، لا بالنظر إلى زمن قص ذلك علينا. وكذلك لا يرتفع الفعل بعد (حتى) إلا إذا كان حالا، ثم إن كانت حاليته بالنسبة إلى زمن التكلم فالرفع واجب، كقولك (سرت حتى أدخلها) إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول، وإن كانت حاليته ليست حقيقية - بل كانت محكية - رفع، وجاز نصبه إذا لم تقدر الحكاية نحو (وزلزلوا حتى يقول الرسول) قراءة نافع بالرفع بتقدير حتى حالتهم حينئذ أن الرسول والذين آمنوا معه يقولون كذا وكذا. واعلم أنه لا يرتفع الفعل بعد حتى إلا بثلاثة شروط: أحدها أن يكون حالا أو مؤولا بالحال كما مثلنا، والثانى أن يكون مسببا عما قبلها. فلا يجوز (سرت حتى تطلع الشمس) ولا (ما سرت حتى أدخلها، وهل سرت حتى تدخلها) أما الاول فلان طلوع الشمس لا يتسبب عن السير، وأما الثاني فلان الدخول لا يتسبب عن عدم السير، وأما الثالث فلان السبب لم يتحقق وجوده، ويجوز (أيهم سار حتى يدخلها) و (متى سرت حتى تدخلها) لان السير محقق، وإنما الشك في عين الفاعل وفى عين الزمان، وأجاز الاخفش الرفع بعد النفى على أن يكون أصل الكلام إيجابا ثم أدخلت أداة النفى على الكلام بأسره، لا على ما قبل حتى خاصة، ولو عرضت هذه المسأله بهذا المعنى على سيبويه لم يمنع الرفع فيها، وإنما منعه إذا كان النفى مسلطا على السبب خاصة، وكل أحد يمنع ذلك، والثالث أن يكون فضلة، فلا يصح في نحو (سيرى حتى أدخلها) لئلا يبقى المبتدأ بلا خبر،
    [ 127 ]
    ولا في نحو (كان سيرى حتى أدخلها) إن قدرت كان ناقصة، فإن قدرتها تامة أو قلت (سيرى أمس حتى أدخلها) جاز الرفع، إلا إن علقت أمس بنفس السير، لا باستقرار محذوف. الثاني من أوجه حتى: أن تكون عاطفة بمنزلة الواو، إلا أن بينهما فرقا من ثلاثة أوجه: أحدها: أن لمعطوف حتى ثلاثة شروط، أحدها أن يكون ظاهرا لا مضمرا كما أن ذلك شرط مجرورها، ذكره ابن هشام الخضرا
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:06 am

    [ 149 ]
    التاسع: الاستعانة، قاله ابن مالك، ومثله برميت عن القوس، لانهم يقولون أيضا: رميت بالقوس، حكاهما الفراء، وفيه رد على الحريري في إنكاره أن يقال ذلك، إلا إذا كانت القوس هي المرمية، وحكى أيضا (رميت على القوس). العاشر: أن تكون زائدة للتعويض من أخرى محذوفة، كقوله: 238 - أتجزع إن نفس أتاها حمامها * فهلا التى عن بين جنبيك تدفع قال ابن جنى: أراد فهلا تدفع عن التى بين جنبيك، فحذفت عن من أول الموصول، وزيدت بعده. الوجه الثاني: أن تكون حرفا مصدريا، وذلك أن بنى تميم يقولون في نحو أعجبني أن تفعل: عن تفعل، قال ذو الرمة: 239 - أعن ترسمت من خرقاء منزلة * ماء الصبابة من عينيك مسجوم (1) يقال (ترسمت الدار (1)) أي تأملتها، وسجم الدمع: سال، وسجمته العين: أسالته، وكذا يفعلون في أن المشددة، فيقولون: أشهد عن محمدا رسول الله، وتسمى عنعنة تميم. الثالث: أن تكون اسما بمعنى جانب، وذلك يتعين في ثلاثة مواضع: أحدها: أن يدخل عليها من، وهو كثير كقوله: 240 - فلقد أرانى للرماح دريئة * من عن يمينى تارة وأمامي (2) [ ص 532 ] ويحتمله عندي (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) فتقدر معطوفة على مجرور من، لا على من ومجرورها، ومن الداخلة على عن زائدة عند ابن مالك، ولابتداء الغاية عند غيره، قالوا: فإذا قيل (فعدت عن
    (1) في نسخة (توسمت من خرقاء) بالواو. (2) في نسخة (مرة وأمامي) (*)
    [ 150 ]
    يمينه) فالمعنى في جانب يمينه، وذلك محتمل للملاصقة ولخلافها، فإن جئت بمن تعين كون القعود ملاصقا لاول الناحية. والثانى: أن يدخل عليها على، وذلك نادر، والمحفوظ منه بيت واحد، وهو قوله: 241 - على عن يمينى مرت الطير سنحا * [ وكيف سنوح واليمين قطيع ؟ ] الثالث: أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد، قاله الاخفش، وذلك كقول امرئ القيس: 242 - ودع عنك نهبا صيح في حجراته * [ ولكن حديث ما حديث الرواحل (1) ] [ ص 532 ] وقول أبى نواس: 243 - دع عنك لومى فإن اللوم إغراء * [ وداونى بالتى كانت هي الداء ] وذلك لئلا يؤدى إلى تعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، وقد تقدم الجواب عن هذا، ومما يدل على أنها ليست هنا اسما أنه لا يصح حلول الجانب محلها (عوض) ظرف لاستغراق المستقبل مثل (أبدا)، إلا أنه مختص بالنفى، وهو معرب إن أضيف، كقولهم (لا أفعله عوض العائضين) مبنى إن لم يضف، وبناؤه إما على الضم كقبل، أو على الكسر كأمس، أو على الفتح كأين، وسمى الزمان عوضا لانه كلما مضى جزء منه عوضه جزء آخر، وقيل: بل لان الدهر في زعمهم يسلب ويعوض، واختلف في قول الاعشئ: 244 - رضيعى لبان ثدى أم، تحالفا * بأسحم داج عوض لا نتفرق [ ص 209 و 591 ]
    (1) ويروى (ولكن حديثا). (*)
    [ 151 ]
    فقيل: ظرف لنتفرق، وقال ابن الكلبى: قسم، وهو اسم صنم كان لبكر بن وائل، بدليل قوله: 245 - حلفت بمائرات حول عوض * وأنصاب تركن لدى السعير والسعير: اسم لصنم كان لعنزة، انتهى. ولو كان كما زعم لم يتجه بناؤه في البيت. (عسى) فعل مطلقا، لا حرف مطلقا خلافا لابن السراج وثعلب، ولا حين يتصل بالضمير المنصوب كقوله: 246 - * يا أبتا علك أو عساكا * [ ص 699 ] خلافا لسيبويه، حكاه عنه السيرافى، ومعناه الترجي في المحبوب والاشفاق في المكروه، وقد اجتمعا في قوله تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم). وتستعمل على أوجه: أحدها - أن يقال (عسى زيد أن يقوم) واختلف في إعرابه على أقوال: أحدها - وهو قول الجمهور - أنه مثل كان زيد يقوم، واستشكل بأن الخبر في تأويل المصدر، والمخبر عنه ذات، ولا يكون الحدث عين الذات، وأجيب بأمور، أحدها: أنه على تقدير مضاف: إما قبل الاسم، أي عسى أمر زيد القيام، أو قبل الخبر، أي عسى زيد صاحب القيام، ومثله (ولكن البر من آمن بالله) أي ولكن صاحب البر من آمن بالله، أو ولكن البر بر من آمن بالله، والثانى أنه من باب (زيد عدل، وصوم) ومثله (وما كان هذا القرآن أن يفترى) والثالث أن أن زائدة لا مصدرية، وليس بشئ، لانها قد نصبت، ولانها لا تسقط إلا قليلا. والقول الثاني: أنها فعل متعد بمنزلة قارب معنى وعملا، أو قاصر بمنزلة قرب
    [ 152 ]
    من أن يفعل، وحذف الجار توسعا، وهذا مذهب سيبويه والمبرد. والثالث: أنها فعل قاصر بمنزلة قرب، وأن يفعل (1): بدل اشتمال من فاعلها، وهو مذهب الكوفيين، ويرده أنه حينئذ يكون بدلا لازما تتوقف عليه فائدة الكلام، وليس هذا شأن البدل. والرابع: أنها فعل ناقص كما يقول الجمهور، وأن والفعل بدل اشتمال كما يقول الكوفيون، وأن هذا البدل سد مسد الجزأين كما سد مسد المفعولين في قراءة حمزة رحمه الله (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير) بالخطاب، واختاره ابن مالك الاستعمال الثاني: أن نسند إلى أن والفعل، فتكون فعلا تاما، هذا هو المفهوم من كلامهم، وقال ابن مالك: عندي أنها ناقصة أبدا، ولكن سدت أن وصلتها في هذه الحالة مسد الجزأين كما في (أحسب الناس أن يتركوا) إذ لم يقل أحد إن حسب خرجت في ذلك عن أصلها. الثالث والرابع والخامس: أن يأتي بعدها المضارع المجرد، أو المقرون بالسين، أو الاسم المفرد نحو (عسى زيد يقوم، وعسى زيد سيقوم، وعسى زيد قائما) والاول قليل كقوله: 247 - عسى الكرب الذى أمسيت فيه * يكون وراءه فرج قريب [ ص 579 ] والثالث أقل كقوله: 248 - أكثرت في اللؤم ملحا دائما * لا تكثرن إنى عسيت صائما وقولهم في المثل (عسى الغوير أبؤسا) كذا قالوا، والصواب أنهما مما حذف فيه الخبر: أي يكون أبؤسا، وأكون صائما، لان في ذلك إبقاء لها على الاستعمال الاصلى، ولان المرجو كونه صائما، لا نفس الصائم.
    (1) في نسخة (وأن والفعل - إلخ). (*)
    [ 153 ]
    والثانى نادر جدا كقوله: 249 - عسى طيئ من طيئ بعد هذه * ستطفئ غلات الكلى والجوانح وعسى فيهن فعل ناقص بلا إشكال. والسادس: أن يقال (عساى، وعساك، وعساه) وهو قليل، وفيه ثلاثة مذاهب: أحدها: أنها أجريت مجرى لعل في نصب الاسم ورفع الخبر، كما أجريت لعل مجراها في اقتران خبرها بأن، قاله سيبويه، والثانى: أنها باقية على عملها عمل كان ولكن استعير ضمير النصب مكان ضمير الرفع، قاله الاخفش، ويرده أمران، أحدهما: أن إنابة ضمير عن ضمير إنما ثبت في المنفصل، نحو (ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا) وأما قوله: 250 - يا أبن الزبير طالما عصيكا * [ وطالما عنيتنا إليكا ] فالكاف بدل من التاء بدلا تصريفيا، لا من إنابة ضمير عن ضمير كما ظن ابن مالك، والثانى: أن الخبر قد ظهر مرفوعا في قوله: 251 - فقلت عاها نار كأس وعلها * تشكى فأتي نحوها فاعودها والثالث: أنها باقية على إعمالها عمل كان، ولكن قلب الكلام، فجعل المخبر عنه خبرا وبالعكس، قاله المبرد والفارسي، ورد باستلزامه في نحو قوله: * يا أبتا علك أو عساك * [ 246 ] الاقتصار على فعل ومنصوبه، ولهما أن يجيبا بأن المنصوب هنا مرفوع في المعنى، إذ مدعاهما أن الاعراب قلب والمعنى بحاله. السابع: (عسى زيد قائم) حكاه ثعلب، ويتخرج هذا على أنها ناقصة، وأن اسمها ضمير الشأن، والجملة الاسمية الخبر.
    [ 154 ]
    تنبيه - إذا قيل (زيد عسى أن يقوم) احتمل نقصان عسى على تقدير تحملها الضمير، وتمامها على تقدير خلوها منه، وإذا قلت (عسى أن يقوم زيد) احتمل الوجهين أيضا، ولكن يكون الاضمار في يقوم لا في عسى، اللهم إلا أن تقدر العاملين تنازعا زيدا، فيحتمل الاضمار في عسى على إعمال الثاني، فإذا قلت (عسى أن يضرب زيد عمرا) فلا يجوز كون زيد اسم عسى، لئلا يلزم الفصل بين صلة أن ومعمولها وهو عمرا بالأجنبي وهو زيد، ونظير هذا المثال قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا). (عل) بلام خفيفة - اسم بمعنى فوق، التزموا فيه أمرين، أحدهما، استعماله مجرورا بمن، والثانى: استعماله غير مضاف، فلا يقال (أخذته من على السطح) كما يقال (من علوه، ومن فوقه) وقد وهم في هذا جماعة منهم الجوهرى وابن مالك، وأما قوله: 252 - يا رب يوم لى لا أظلله * أرمض من تحت وأضحى من عله فالهاء للسكت، بدليل أنه مبنى، ولا وجه لبنائه لو كان مضافا. ومتى أريد به المعرفة كان مبنيا على الضم تشبيها له بالغايات كما في هذا البيت، إذ المراد فوقية نفسه، لا فوقية مطلقة، والمعنى أنه تصيبه الرمضاء من تحته وحر الشمس من فوقه. ومثله قول الآخر يصف فرسا: 253 - * أقب من تحت عريض من عل * ومتى أريد به النكرة كان معربا كقوله: 254 - [ مكر مفر مقبل مدبر معا ] * كجلود صخر عطه السيل من عل إذ المراد تشبيه الفرس في سرعته بجلمود انحط من مكان ما عال، لا من علو مخصوص.
    [ 155 ]
    (عل) بلام مشددة مفتوحة أو مكسورة: لغة في لعل، وهى أصلها عند من زعم زيادة اللام، قال: 255 - لا تهين الفقير علك أن * تركع يوما والدهر قد رفعه [ ص 642 ] وهما بمنزلة عسى في المعنى، وبمنزلة أن المشددة في العمل، وعقيل تخفض بهما، وتجيز في لامهما الفتح تخفيفا والكسر على أصل التقاء الساكنين، ويصح النصب في جوابهما عند الكوفيين تمسكا بقراءة حفص (لعلى أبلغ الاسباب أسباب السموات فأطلع) بالنصب، وقوله: 256 - عل صروف الدهر أو دولاتها * تدلننا اللمة من لماتها * فتستريح النفس من زفراتها * وسيأتى البحث في ذلك. وذكر ابن مالك في شرح العمدة أن الفعل قد يجزم بلعل (1) عند سقوط الفاء، وأنشد: 257 - لعل التفاتا منك نحوى مقدر * يمل بك من بعد القساوة للرحم وهو غريب. (عند): اسم للحضور الحسى، نحو (فلما رآه مستقرا عنده) والمعنوي نحو (قال الذى عنده علم من الكتاب) وللقرب كذلك نحو (عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى) ونحو (وإنهم عندنا لمن المصطفين الاخيار)
    (1) في نسخة (قد يجزم بعد لعل) وهى خير مما أثبتناه في الاصل. (*)
    [ 156 ]
    وكسر فائها أكثر من ضمها وفتحها، ولا تقع إلا ظرفا أو مجرورة بمن، وقول العامة (ذهبت إلى عنده) لحن وقول بعض المولدين: 258 - كل عند لك عندي * لا يساوى نصف عند قال الحريري: لحن، وليس كذلك، بل كل كلمة ذكرت مرادا بها لفظها فسائغ أن تتصرف تصرف الاسماء وأن تعرب ويحكى أصلها. تنبيهان - الاول: قولنا (عند اسم للحضور) موافق لعبارة ابن مالك، والصواب اسم لمكان الحضور، فإنها ظرف لا مصدر، وتأتى أيضا لزمانه نحو (الصبر عند الصدمة الاولى) وجئتك عند طلوع الشمس. الثاني: تعاقب عند كلمتان: لدى مطلقا، نحو (لدى الحناجر) (لدى الباب) (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم، وما كنت لديهم إذ يختصمون) ولدن إذا كان المحل محل ابتداء غاية نحو (جئت من لدنه) وقد اجتمعتا في قوله تعالى: (آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) ولو جئ بعند فيهما أو بلدن لصح، ولكن ترك دفعا للتكرار، وإنما حسن تكرار لدى في (وما كنت لديهم) لتباعد ما بينهما، ولا تصلح لدن هنا، لانه ليس محل ابتداء. ويفترقن من وجه ثان، وهو أن لدن لا تكون إلا فضلة، بخلافهما، بدليل (ولدينا كتاب ينطق بالحق وعندنا كتاب حفيظ). وثالث، وهو أن جرها بمن أكثر من نصبها، حتى إنها لم تجئ في التنزيل منصوبة، وجر عند كثير، وجر لدى ممتنع. ورابع، وهو أنهما معربان، وهى مبنية في لغة الاكثرين. وخامس، وهو أنها قد تضاف للجملة كقوله:
    [ 157 ]
    259 - [ صريع غوان راقهن ورقنه ] * لدن شب حتى شاب سود الذوائب وسادس، وهو أنها قد لا تضاف، وذلك أنهم حكوا في غدوة الواقعة بعدها الجر بالاضافة، والنصب على التمييز، والرفع بإضمار (كان) تامة. ثم اعلم أن (عند) أمكن من لدى من وجهين: أحدهما: أنها تكون ظرفا للاعيان والمعاني، تقول (هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به) ويمتنع ذلك في لدى، ذكره ابن الشجرى في أماليه ومبرمان في حواشيه. والثانى: أنك تقول (عندي مال) وإن كان غائبا، ولا تقول (لدى مال) إلا إذا كان حاضرا، قاله الحريري وأبو هلال العسكري وابن الشجرى، وزعم المعرى أنه لا فرق بين لدى وعند، وقول غيره أولى. وقد أغناني هذا البحث عن عقد فصل للدن وللدى في باب اللام. حرف الغين المعجمة (غير): اسم ملازم للاضافة في المعنى، ويجوز أن يقطع عنها لفظا إن فهم المعنى وتقدمت عليها كلمة ليس، وقولهم (لا غير) لحن، ويقال (قبضت عشرة ليس غيرها) برفع غير على حذف الخبر، أي مقبوضا، وبنصبها على إضمار الاسم، أي ليس المقبوض غيرها، و (ليس غير) بالفتح من غير تنوين على إضمار الاسم أيضا وحذف المضاف إليه لفظا ونية ثبوته كقراءة بعضهم (لله الامر من قبل ومن بعد) بالكسر من غير تنوين، أي من قبل الغلب ومن بعده، و (ليس غير) بالضم من غير تنوين، فقال المبرد والمتأخرون: إنها ضمة بناء، لا إعراب، وإن غير شبهت بالغايات كقبل وبعد، فعلى هذا يحتمل أن يكون
    [ 158 ]
    اسما وأن يكون خبرا، وقال الاخفش: ضمة إعراب لا بناء، لانه ليس باسم زمان كقبل وبعد ولا مكان كفوق وتحت، وإنما هو بمنزلة كل وبعض، وعلى هذا فهو الاسم، وحذف الخبر، وقال ابن خروف: يحتمل الوجهين، و (ليس غيرا) بالفتح والتنوين، و (ليس غير) بالضم والتنوين: وعليهما فالحركة إعرابية، لان التنوين إما للتمكين فلا يلحق إلا المعربات، وإما للتعويض فكأن المضاف إليه مذكور. ولا تتعرف (غير) بالاضافة، لشدة إبهامها، وتستعمل غير المضافة لفظا على وجهين: أحدهما - وهو الاصل -: أن تكون صفة للنكرة نحو (نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل) أو لمعرفة قريبة منها نحو (صراط الذين أنعمت عليهم) الآية، لان المعرف الجنسى قريب من النكرة، ولان غيرا إذا وقعت بين ضدين ضعف إبهامها، حتى زعم ابن السراج أنها حينئذ تتعرف، ويرده الآية الاولى. والثانى: أن تكون استثناء، فتعرب بإعراب الاسم التالى (إلا) في ذلك الكلام، فتقول (جاء القوم غير زيد) بالنصب، و (ما جاءني أحد غير زيد) بالنصب والرفع، وقال تعالى (لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر) يقرأ برفع غير: إما على أنه صفة للقاعدون لانهم جنس، وإما على أنه استثناء وأبدل على حد (ما فعلوه إلا قليل منهم) ويؤيده قراءة النصب وأن حسن الوصف في (غير المغضوب عليهم) إنما كان لاجتماع أمرين الجنسية والوقوع بين الضدين، والثانى مفقود هنا، ولهذا لم يقرأ بالخفض صفة للمؤمنين إلا خارج السبع، لانه لا وجه لها إلا الوصف، وقرئ (ما لكم من إله غيره) بالجر صفة على اللفظ، وبالرفع على الموضع، وبالنصب على الاستثناء، وهى شاذة، وتحتمل (1) قراءة الرفع الاستثناء على أنه إيدال على المحل مثل (لا إله إلا الله).
    (1) في نسخة (ويحتمل على قراءة الرفع الاستثناء - إلخ). (*)
    [ 159 ]
    وانتصاب (غير) في الاستثناء عن تمام الكلام عند المغاربة كانتصاب الاسم بعد إلا عندهم، واختاره ابن عصفور، وعلى الحالية عند الفارسى، واختاره ابن مالك، وعلى التشبيه بظرف المكان عند جماعة، واختاره ابن الباذش. ويجوز بناؤها على الفتح إذا أضيفت إلى مبنى كقوله: 260 - لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات أوقال [ ص 57 ] وقوله: 261 - لذ بقيس حين يأبى غيره * تلفه بحرا مفيضا خيره وذلك في البيت الاول أقوى، لانه انضم فيه إلى الابهام والاضافة لمبنى تضمن غير معنى إلا. تنبيهان - الاول: من مشكل التراكيب التى وقعت فيها كلمة غير قول الحكمى (1): 262 - غير مأسوف على زمن * ينقضى بالهم والحزن [ ص 676 ] وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن غير مبتدأ لا خبر له، بل لما أضيف إليه مرفوع يغنى عن الخبر، وذلك لانه في معنى النفى، والوصف بعده مخفوض لفظا وهو في قوة المرفوع بالابتداء، فكأنه قيل: ما مأسوف على زمن ينقضى مصاحبا للهم والحزن، فهو نظير (ما مضروب الزيدان)، والنائب عن الفاعل الظرف، قاله ابن الشجرى وتبعه ابن مالك. والثانى: أن غير خبر مقدم، والاصل زمن ينقضى بالهم والحزن غير مأسوف
    (1) - هو أبو نواس. (*)
    [ 160 ]
    عليه، ثم قدمت غير وما بعدها، ثم حذف (زمن) دون صفته، فعاد الضمير المجرور بعلى على غير مذكور، فأتى بالاسم الظاهر مكانه، قاله ابن جنى، وتبعه ابن الحاجب. فإن قيل: فيه حذف الموصوف مع أن الصفة غير مفردة وهو في مثل هذا ممتنع. قلنا: في النثر، وهذا شعر فيجوز فيه، كقوله: 263 - أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * [ متى أضع العمامة تعرفوني ] [ ص 334 و 626 ] أي أنا ابن رجلا جلا الامور، وقوله: 264 - مالك عندي غير سوط وحجر * وغير كبداء شديدة الوتر ] * ترمى بكفى كان من أرمى البشر * أي بكفى رجل كان والثالث: أنه خبر لمحذوف، ومأسوف: مصدر جاء على مفعول كالمعسور والميسور، والمراد به اسم الفاعل، والمعنى أنا غير آسف على زمن هذه صفته قاله ابن الخشاب، وهو ظاهر التعسف. التنبيه الثاني: من مشكل أبيات المعاني قول حسان: 265 - أتانا فلم نعدل سواه بغيره * نبى بدا في ظلمة الليل هاديا فيقال: سواه هو غيره ؟ فكأنه قال لم نعدل غيره بغيره. والجواب أن الهاء في (بغيره) للسوى، فكأنه قال: لم نعدل سواه بغير السوى، وغير السوى (1) هو نفسه عليه الصلاة والسلام، فالمعنى فلم نعدل سواه به.
    (1) في نسخة (وغير سواه هو نفسه - إلخ). (*)
    [ 161 ]
    حرف الفاء الفاء المفردة: حرف مهمل خلافا لبعض الكوفيين في قولهم: إنها ناصبة في نحو (ما تأتينا فتحدثنا) وللمبرد في قوله: إنها خافضة في نحو: فمثلك حبلى قد مرقت ومرضع * [ فألهيتها عن ذى تمائم محول ] [ 211 ] فيمن جر (مثلا) والمعطوف، والصحيح أن النصب بأن مضمرة كما سيأتي وأن الجر برب مضمرة كما مر. وترد على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون عاطفة، وتفيد ثلاثة أمور: أحدها: الترتيب، وهو نوعان: معنوى كما في (قام زيد فعمرو) وذكرى وهو عطف مفصل على مجمل نحو (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) ونحو (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) ونحو (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلى) الآية، ونحو (توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه) وقال الفراء: إنها لا تفيد الترتيب مطلقا، وهذا - مع قوله إن الواو تفيد الترتيب - غريب، واحتج بقوله تعالى: (أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون) وأجيب بأن المعنى أردنا إهلاكها أو بأنها للترتيب الذكرى، وقال الجرمى: لا تفيد الفاء الترتيب في البقاع ولا في الامطار، بدليل قوله: 266 - [ قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى ] بين الدخول فحومل [ ص 356 ] وقولهم (مطرنا مكان كذا فمكان كذا) وإن كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد. الامر الثاني: التعقيب، وهو في كل شئ بحسبه، ألا ترى أنه يقال (بروج (11 - مغنى اللبيب 1)
    [ 162 ]
    فلان فولد له) إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وإن كانت متطاولة، و (دخلت البصرة فبغداد) إذا لم تقم في البصرة ولا بين البلدين، وقال الله تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة) وقيل: الفاء في هذه الآية للسببية، وفاء السببية لا تستلزم التعقيب، بدليل صحة قولك (إن يسلم فهو يدخل الجنة) ومعلوم ما بينهما من المهلة، وقيل: تقع الفاء تارة بمعنى ثم، ومنه الآية، وقوله تعالى (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما) فالفاءات في فخلقنا العلقة مضغة، وفى فخلقنا المضغة، وفى فكسونا بمعنى ثم، لتراخى معطوفاتها، وتارة بمعنى الواو، كقوله * بين الدخول فحومل * [ 266 ] وزعم الاصمعي أن الصواب روايته بالواو، لانه لا يجوز (جلست بين زيد فعمرو) وأجيب بأن التقدير: بين مواضع الدخول فمواضع حومل، كما يجوز (جلست بين العلماء فالزهاد) وقال بعض البغداديين: الاصل (ما بين) فحذف (ما) دون بين، كما عكس ذلك من قال: 267 - * يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم (1) * أصله ما بين قرن، فحذف بين وأقام قرتا مقامها، ومثله (ما بعوضة فما فوقها) قال: والفاء نائبة عن إلى، ويحتاج على هذا القول إلى أن يقال: وصحت إضافة بين إلى الدخول لا شتماله على مواضع، أو لان التقدير بين مواضع الدخول، وكون الفاء للغاية بمنزلة إلى غريب، وقد يستأنس له عندي بمجئ عكسه في نحو قوله: 268 - وأنت التى حببت شغبا إلى بدا * إلى، وأوطاني بلاد سواهما إذ المعنى شغبا فبدا، وهما موضعان، ويدل على إرادة الترتيب قوله بعده:
    (1) جعل ابن الملا هذا الشاهد صدر بيت، وروى عجزه هكذا: يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم * ولا حبال محب واصل تصل (*)
    [ 163 ]
    حللت بهذا حلة، ثم حلة * بهذا، فطاب الواديان كلاهما وهذا معنى غريب، لانى لم أر من ذكره. والامر الثالث: السببية، وذلك غالب في العاطفة جملة أو صفة، فالاول نحو (فوكزه موسى فقضى عليه) ونحو (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) والثانى نحو (لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم) وقد تجئ في ذلك لمجرد الترتيب نحو (فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم) ونحو (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك) ونحو (فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها) ونحو (فالزاجرات زجرا، فالتاليات ذكرا) وقال الزمخشري: للفاء مع الصفات ثلاثة أحوال: أحدها: أن تدل على ترتيب معانيها في الوجود، كقوله: 269 - يا لهف زيابة للحارث فال‍ * - صابح فالغانم فالآيب أي الذى صبح فغنم فآب. والثانى: أن تدل على ترتيبها في التفاوت من بعض الوجوه، نحو قولك: (خذ الاكمل فالافضل، واعمل الاحسن فالاجمل). والثالث: أن تدل على ترتيب موصوفاتها في ذلك نحو (رحم الله المحلقين فالمقصرين) اه‍. البيت لابن زيابة، يقول: يا لهف أبى على الحارث إذ صبح قومي بالغارة فغنم فآب سليما أن لا أكون لقيته فقتلته، وذلك لانه يريد يا لهف نفسي والثانى: من أوجه الفاء: أن تكون رابطة للجواب، وذلك حيث لا يصلح لان يكون شرطا، وهو منحصر في ست مسائل:
    [ 164 ]
    إحداها: أن يكون الجواب جملة اسمية نحو (وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير) ونحو (إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) الثانية: أن تكون فعلية كالاسمية، وهى التى فعلها جامد، نحو (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتينى) (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) (ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ) الثالثة: أن يكون فعلها إنشائيا، نحو (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ونحو (فإن شهدوا فلا تشهد معهم) ونحو (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) فيه أمران: الاسمية والانشائية، ونحو (إن قام زيد فوالله لاقومن) ونحو (إن لم يتب زيد فيا خسره رجلا). والرابعة: أن يكون فعلها ماضيا لفظا ومعنى، إما حقيقة نحو (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ونحو (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) وقد هنا مقدرة، وإما مجازا نحو (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) نزل هذا الفعل لتحقق وقوعه منزلة ما وقع. الخامسة: أن تقترن بحرف استقبال نحو (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه) ونحو (وما تفعلوا من خير فلن تكفروه) السادسة: أن تقترن بحرف له الصدر، كقوله: 270 - فإن أهلك فذى لهب لظاه * على تكاد تلتهب التهابا
    [ 165 ]
    لما عرفت من أن رب مقدرة، وأنها لها الصدر، وإنما دخلت في نحو (ومن عاد فينتقم الله منه) لتقدير الفعل خبر المحذوف، فالجملة اسمية. وقد مر أن إذا الفجائية قد تنوب عن الفاء نحو (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) وأن الفاء قد تحذف للضرورة كقوله: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [ 81 ] وعن المبرد أنه منع ذلك حتى في الشعر، وزعم أن الرواية: * من يفعل الخير فالرحمن يشكره * وعن الاخفش أن ذلك واقع في النثر الفصيح، وأن منه قوله تعالى: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين) وتقدم تأويله. وقال ابن مالك: يجوز في النثر نادرا، ومنه حديث اللقطة (فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها). تنبيه - كما تربط الفاء الجواب بشرطه كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط، وذلك في نحو (الذى يأتيني فله درهم) وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتب لزوم الدرهم في الاتيان، ولو لم تدخل احتمل ذلك وغيره. وهذه الفاء بمنزلة لام التوطئة في نحو (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم) في إيذانها بما أراده المتكلم من معنى القسم، وقد قرئ بالاثبات والحذف قوله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم). الثالث: أن تكون زائدة دخولها في الكلام كخروجها، وهذا لا يثبته سيبويه، وأجاز الاخفش زيادتها في الخبر مطلقا، وحكى (أخوك فوجد) وقيد الفراء والاعلم وجماعة الجواز بكون الخبر أمرا أو نهيا، فالامر كقوله: 271 - وقائلة: خولان فانكح فتاتهم * [ وأكرومة الحيين خلو كما هيا ] [ ص 483 ]
    [ 166 ]
    وقوله: 272 - أرواح مودع أم بكور * أنت فانظر لاى ذاك تصير وحمل عليه الزجاج (هذا فليذوقوه حميم) والنهى نحو (زيد فلا تضربه) وقال ابن برهان: تزاد الفاء عند أصحابنا جميعا كقوله: 273 - [ لا تجزعي إن منفس أهلكته ] (1) * فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعى [ ص 403 ] انتهى، وتأول المانعون قوله (خولان فانكح) على أن التقدير هذه خولان، وقوله (أنت فانظر) على أن التقدير: انظر فانظر، ثم حذف انظر الاول وحده فبرز ضميره، فقيل: أنت فانظر، والبيت الثالث ضرورة، وأما الآية فالخبر (حميم) وما بينهما معترض، أو هذا منصوب بمحذوف يفسره فليذوقوه مثل (وإياى فارهبون) وعلى هذا فحميم بتقدير: هو حميم. ومن زيادتها قوله: 274 - لما اتقى بيد عظيم جرمها * فتركت ضاحى جلدها يتذبذب لان الفاء لا تدخل في جواب لما، خلافا لابن مالك، وأما قوله تعالى: (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) فالجواب محذوف، أي انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم غير ذلك، وأما قوله تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) فقيل: جواب لما الاولى لما الثانية وجوابها، وهذا مردود لاقترانه بالفاء، وقيل (كفروا به) جواب لهما، لان الثانية تكرير للاولى، وقيل: جواب الاولى محذوف: أي أنكروه. مسألة - الفاء في نحو (بل الله فاعبد) جواب لاما مقدرة عند بعضهم، وفيه إجحاف، وزائدة عند الفارسى، وفيه بعد، وعاطفة عند غيره، والاصل تنبه
    (1) ويروى (إن منفسا أهلكته). (*)
    [ 167 ]
    فا عبد الله، ثم حذف تنبه، وقدم المنصوب على الفاء إصلاحا للفظ كيلا تقع الفاء صدرا، كما قال الجميع في [ الفاء في ] نحو (أما زيدا فاضرب) إذ الاصل مهما يكن من شئ فاضرب زيدا، وقد مضى شرحه في حرف الهمزة. مسألة - الفاء في نحو (خرجت فإذا الاسد) زائدة لازمة عند الفارسى والمازني وجماعة، وعاطفة عند مبرمان وأبى الفتح، وللسببية المحضة كفاء الجواب عند أبى إسحاق، ويجب عندي أن يحمل على ذلك مثل (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك) ونحو (ائتنى فإنى أكرمك)، إذ لا يعطف الانشاء على الخبر ولا العكس، ولا يحسن إسقاطها ليسهل دعوى زيادتها. مسألة - (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) قدر أنهم قالوا بعد الاستفهام: لا، فقيل لهم: فهذا كرهتموه، يعنى والغيبة مثله فاكرهوها، ثم حذف المبتدأ وهو هذا، وقال الفارسى: التقدير فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة، وضعفه ابن الشجرى بأن فيه حذف الموصول - وهو ما المصدرية - دون صلتها، وذلك ردئ، وجملة (واتقوا الله) عطف على (ولا يغتب بعضكم بعضا) على التقدير الاول، وعلى (فاكرهوا الغيبة) على تقدير الفارسى، وبعد فعندي أن ابن الشجرى لم يتأمل كلام الفارسى، فإنه قال: كأنهم قالوا في الجواب لا فقيل لهم فكرهتموه فاكرهوا الغيبة واتقوا الله، فاتقوا عطف على فاكرهوا، وإن لم يذكر كما في (اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) والمعنى فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة وإن لم تكن كما مذكورة، كما أن (ما تأتينا فتحدثنا) معناه فكيف تحدثنا وإن لم تكن كيف مذكورة، اه‍. وهذا يقتضى أن كما ليست محذوفة، بل أن المعنى يعطيها، فهو تفسير معنى، لا تفسير إعراب. تنبيه - قيل: الفاء تكون للاستثناف، كقوله:
    [ 168 ]
    275 - ألم تسأل الربع القواء فينطق * [ وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق ] أي فهو ينطق، لانها لو كانت للعطف لجزم ما بعدها، ولو كانت للسببية لنصب، ومثله (فإنما يقول له كن فيكون) بالرفع، أي فهو يكون حينئذ، وقوله: 276 - الشعر صعب وطويل سلمه * إذا ارتقى فيه الذى لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه * يريد أن يعربه فيعجمه أي فهو يعجمه، ولا يجوز نصبه بالعطف، لانه لا يريد أن يعجمه والتحقيق أن الفاء في ذلك كله للعطف، وأن المعتمد بالعطف الجملة، لا الفعل، والمعطوف عليه في هذا الشعر قوله يريد، وإنما يقدر النحويون كلمة هو ليبينوا أن الفعل ليس المعتمد بالعطف. (في): حرف جر، له عشرة معان: أحدها: الظرفية، وهى إما مكانية أو زمانية، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: (ألم غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) أو مجازية نحو (ولكم في القصاص حياة) ومن المكانية (أدخلت الخاتم في أصبعي، والقلنسوة في رأسي) إلا أن فيهما قلبا. الثاني: المصاحبة نحو (ادخلوا في أمم) أي معهم، وقيل: التقدير ادخلوا في جملة أمم، فحذف المضاف (فخرج على قومه في زينته). والثالث: التعليل نحو (فذلكن الذى لمتننى فيه) (لمسكم فيما أفضتم) وفى الحديث (أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها). الرابع: الاستعلاء نحو (ولاصلبنكم في جذوع النخل). وقال: 277 - هم صلبوا العبدى في جذع نخلة * [ فلا عطست شيبان إلا بأجدعا ]
    [ 169 ]
    وقال آخر: 278 - بطل كأن ثيابه في سرحة * [ يحذى نعال السبت ليس بتوأم ] والخامس: مرادفة الباء كقوله: 279 - ويركب يوم الروع منا فوارس * بصيرون في طعن الاباهر والكلى وليس منه قوله تعالى (يذرؤكم فيه) خلافا لزاعمه، بل هي للسببية (1)، أي يكثركم بسبب هذا الجعل، والاظهر قول الزمخشري إنها للظرفية المجازية، قال: جعل هذا التدبير كالمنبع أو المعدن للبث والتكثير مثل (ولكم في القصاص حياة). السادس: مرادفة إلى نحو (فردوا أيديهم في أفواههم). السابع: مرادفة من كقوله: 280 - ألا عم صباحا أيها الطلل البالى * وهل يعمن من كان في العصر الخالى ؟ وهل يعمن من كان أحدث عهده * ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال ؟ وقال ابن جنى: التقدير في عقب ثلاثة أحوال، ولا دليل على هذا المضاف، وهذا نظير إجازته (جلست زيدا) بتقدير (جلوس زيد) مع احتماله لان يكون أصله إلى زيد، وقيل: الاحوال جمع حال لا حول، أي في ثلاث حالات: نزول المطر، وتعاقب الرياح، ومرور الدهور، وقيل: يريد أن أحدث عهده خمس سنين ونصف، ففى بمعنى مع. الثامن: المقايسة - وهى الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق - نحو (فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل)
    (1) في نسخة (للتعليل). (*)
    [ 170 ]
    التاسع: التعويض، وهى الزائدة عوضا من [ في ] أخرى محذوفة كقولك (ضربت فيمن رغبت) أصله: ضربت من رغبت فيه، أجازه ابن مالك وحده بالقياس على نحو قوله * فانظر بمن تثق * [ 227 ] على حمله على ظاهره، وفيه نظر. العاشر: التوكيد، وهى الزائدة لغير التعويض، أجازه الفارسى في الضرورة، وأنشد: 281 - أنا أبو سعد إذا الليل دجا * يخال في سواده يرندجا وأجازه بعضهم في قوله تعالى: (وقال اركبوا فيها) حرف القاف (قد) على وجهين: حرفية وستأتى، واسمية، وهى على وجهين: اسم فعل وسيأتى، واسم مرادف لحسب، وهذه تستعمل على وجهين: مبنية وهو الغالب لشبهها بقد الحرفية في لفظها ولكثير من الحروف في وضعها، ويقال في هذا (قد زيد درهم) بالسكون، و (قدنى) بالنون، حرصا على بقاء السكون لانه الاصل فيما يبنون، ومعربة وهو قليل، يقال: قد زيد درهم، بالرفع، كما يقال: حسبه درهم، بالرفع، و (قدى درهم) بغير نون كما يقال: حسبى، والمستعملة اسم فعل مرادفة ليكفى، يقال: قد زيدا درهم، وقدنى درهم، كما يقال: يكفى زيدا درهم، ويكفينى درهم. وقوله: 282 - قدنى من نصر الخبيببن قدى * [ ليس الامام بالشحيح الملحد ] تحتمل قد الاولى أن تكون مرادفة لحسب على لغة البناء، وأن تكون
    [ 171 ]
    اسم فعل، وأما الثانية فتحتمل الاول وهو واضح، والثانى على أن النون حذفت للضرورة كقوله: 283 - [ عددت قومي كعديد الطيش ] * إذ ذهب القوم الكرام ليسى [ ص 344 ] ويحتمل أنها اسم فعل لم يذكر مفعوله فالياء للاطلاق، والكسرة للساكنين وأما الحرفية فمختصة بالفعل المتصرف الخبرى المثبت المجرد من جازم وناصب وحرف تنفيس، وهى معه كالجزء، فلا تفصل منه بشئ، اللهم إلا بالقسم كقوله: 284 - أخالد قد والله أوطأت عشوة * وما قائل المعروف فينا يعنف [ ص 393 ] وقول آخر: 285 - فقد والله بين لى عنائي * بوشك فراقهم صرد يصيح وسمع (قد لعمري بت ساهرا) و (قد والله أحسنت). وقد يحذف [ الفعل ] بعدها لدليل كقول النابغة: 286 - أفد الترحل، غير أن ركابنا * لما تزل برحالنا، وكأن قد [ ص 342 ] أي وكأن قد زالت. ولها خمسة معان: أحدها: التوقع، وذلك مع المضارع واضح كقولك (قد يقدم الغائب اليوم) إذا كنت تتوقع قدومه. وأما مع الماضي فأثبته الاكثرون، قال الخليل: يقال (قد فعل) لقوم ينتظرون الخبر، ومنه قول المؤذن: قد قامت الصلاة، لان الجماعة منتظرون لذلك،
    [ 172 ]
    وقال بعضهم: تقول (قد ركب الامير) لمن ينتظر ركوبه، وفى التنزيل (قد سمع الله قول التى تجادلك) لانها كانت تتوقع إجابة الله سبحانه وتعالى لدعائها. وأنكر بعضهم كونها للتوقع مع الماضي، وقال: التوقع انتظار الوقوع، والماضي قد وقع. وقد تبين بما ذكرنا أن مراد المثبتين لذلك أنها تدل على أن الفعل الماضي كان قبل الاخبار به متوقعا، لا أنه الآن متوقع، والذى يظهر لى قول ثالث، وهو أنها لا تفيد التوقع أصلا، أما في المضارع فلان قولك (يقدم الغائب) يفيد التوقع بدون قد، إذ الظاهر من حال المخبر عن مستقبل أنه متوقع له، وأما في الماضي فلانه لو صح إثبات التوقع لها بمعنى أنها تدخل على ما هو متوقع لصح أن يقال في (لا رجل) بالفتح إن للاستفهام لانها لا تدخل إلا جوابا لمن قال: هل من رجل، ونحوه، فالذي بعد (لا) مستفهم عنه من جهة شخص آخر، كما أن الماضي بعد قد متوقع كذلك، وعبارة ابن مالك في ذلك حسنة، فإنه قال: إنها تدخل على ماض متوقع، ولم يقل إنها تفيد التوقع، ولم يتعرض للتوقع في الداخلة على المضارع البتة، وهذا هو الحق. الثاني: تقريب الماضي من الحال، تقول (قام زيد) فيحتمل الماضي القريب والماضي البعيد، فإن قلت (قد قام) اختص بالقريب. وانبنى على إفادتها ذلك أحكام: أحدها: أنها لا تدخل على ليس وعسى ونعم وبئس لانهن للحال، فلا معنى لذكر ما يقرب ما هو حاصل، ولذلك علة أخرى، وهى أن صيغهن لا يفدن الزمان، ولا يتصرفن، فأشبهن الاسم، وأما قول عدى:
    [ 173 ]
    287 - لو لا الحياء وأن رأسي قد عسى * فيه المشيب لزرت أم القاسم فعسى هنا بمعنى اشتد، وليست عسى الجامدة الثاني: وجوب دخولها عند البصريين إلا الاخفش على الماضي الواقع حالا إما ظاهرة نحو (وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) أو مقدرة نحو (هذه بضاعتنا ردت إلينا) ونحو (أو جاءوكم حصرت صدورهم) وخالفهم الكوفيون والاخفش، فقالوا: لا تحتاج لذلك، لكثرة وقوعها حالا بدون قد، والاصل عدم التقدير، لا سيما فيما كثر استعماله. الثالث: ذكره ابن عصفور، وهو أن القسم إذا أجيب بماض متصرف. مثبت فإن كان قريبا من الحال جئ باللام وقد جميعا نحو (تالله لقد آثرك الله علينا) وإن كان بعيدا جئ باللام وحدها كقوله: 288 - حلفت لها بالله حلفة فاجر * لناموا، فما إن من حديث ولا صالى [ ص 636 ] اه‍، والظاهر في الآية والبيت عكس ما قال، إذ المراد في الآية لقد فضلك الله علينا بالصبر وسيرة المحسنين، وذلك محكوم له به في الازل، وهو متصف به مذ عقل، والمراد في البيت أنهم ناموا قبل مجيئه. ومقتضى كلام الزمخشري أنها في نحو (والله لقد كان كذا) للتوقع لا للتقريب، فإنه قال في تفسير قوله تعالى: (لقد أرسلنا نوحا) في سورة الاعراف فإن قلت: فما بالهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع قد، وقل عنهم نحو قوله * حلفت لها بالله - البيت * قلت: لان الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدا للجملة المقسم عليها التى هي جوابها، فكانت مظنة لمعنى التوقع الذى هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم، اه‍.
    [ 174 ]
    ومقتضى كلام ابن مالك أنها مع الماضي إنما تفيد التقريب كما ذكره ابن عصفور، وأن من شرط دخولها كون الفعل متوقعا، كما قدمنا، فإنه قال تسهيله: وتدخل على فعل ماض متوقع لا يشبه الحرف لقربه من الحال اه‍. الرابع: دخول لام الابتداء في نحو (إن زيدا لقد قام) وذلك لان الاصل دخولها على الاسم نحو (إن زيدا لقائم) وإنما دخلت على المضارع لشبهه بالاسم نحو (وإن ربك ليحكم بينهم) فإذا قرب الماضي من الحال أشبه المضارع الذى هو شبيه بالاسم، فجاز دخولها عليه. المعنى الثالث: التقليل، وهو ضربان: تقليل وقوع الفعل نحو (قد يصدق الكذوب) و (قد يجود البخيل (1)) وتقليل متعلقه نحو قوله تعالى (قد يعلم ما أنتم عليه) أي ما هم عليه هو أقل معلوماته سبحانه، وزعم بعضهم أنها في هذه الامثلة ونحوها للتحقيق، وأن التقليل في المثالين الاولين لم يستفد من قد، بل من قولك: البخيل يجود، والكذوب يصدق، فإنه إن لم يحمل على أن صدور ذلك منهما قليل كان فاسدا، إذ آخر الكلام يناقض أوله. الرابع، التكثير، قاله سيبويه في قول الهذلى: 289 - قد أترك القرن مصفرا أنامله * [ كأن أثوابه مجت بفرصاد ] وقال الزمخشري في (قد نرى تقلب وجهك): أي ربما نرى، ومعناه تكثير الرؤية، ثم استشهد بالبيت، واستشهد جماعة على ذلك ببيت العروص: 290 - قد أشهد الغارة الشعواء تحملني * جرداء معروقة اللحيين سرحوب الخامس: التحقيق، نحو (قد أفلح من زكاها) وقد مضى أن بعضهم حمل عليه قوله تعالى (قد يعلم ما أنتم عليه) قال الزمخشري: دخلت لتوكيد العلم، ويرجع ذلك إلى توكيد الوعيد، وقال غيره في (ولقد علمتم الذين اعتدوا) قد
    (1) في نسخة (قد يعثر الجواد) بدل (قد يجود البخيل). (*)
    [ 175 ]
    في الجملة الفعلية المجاب بها القسم مثل إن واللام في الجملة الاسمية المجاب بها في إفادة التوكيد، وقد مضى نقل القول بالتقليل في الاولى والتقريب والتوقع في مثل الثانية، ولكن القول بالتحقيق فيهما أظهر. والسادس: النفى، حكى ابن سيده (قد كنت في خير فتعرفه) بنصب تعرف، وهذا غريب، وإليه أشار في التسهيل بقوله: وربما نفى بقد فنصب الجواب بعدها، اه‍. ومحمله عندي على خلاف ما ذكر، وهو أن يكون كقولك للكذوب: هو رجل صادق، ثم جاء النصب بعدها نظرا إلى المعنى، وإن كانا إنما حكما بالنفى لثبوت النصب فغير مستقيم، لمجئ قوله: 291 - [ سأترك منزلي لبنى تميم ] * وألحق بالحجاز فأستريحا وقراءة بعضهم (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه). مسألة - قيل: يجوز النصب على الاشتغال في نحو (خرجت فإذا زيد يضربه عمرو) مطلقا، وقيل: يمتنع مطلقا، وهو الظاهر، لان إذا الفجائية لا يليها إلا الجمل الاسمية، وقال أبو الحسن وتبعه ابن عصفور: يجوز في نحو (فإذا زيد قد ضربه عمرو) ويمتنع بدون قد، ووجهه عندي أن التزام الاسميه مع إذا هذه إنما كان للفرق بينها وبين الشرطية المختصة بالفعلية، فإذا اقترنت بقد حصل (1) الفرق بذلك، إذ لا تقترن الشرطية بها. (قط) - على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون ظرف زمان لاستغراق ما مضى، وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات، وتختص بالنفى، يقال (ما فعلته قط) والعامة يقولون: لا أفعله قط، وهو لحن، واشتقاقه من قططته، أي قطعته، فمعنى ما فعلته قط ما فعلته فيما انقطع من عمرى، لان الماضي منقطع عن الحال والاستقبال، وبنيت لتضمنها معنى مذ وإلى، إذ المعنى مذ أن خلقت [ أو مذ خلقت ] إلى الآن،
    (1) في نسخة (يحصل الفرق). (*)
    [ 176 ]
    وعلى حركة لئلا يلتقى ساكنان، وكانت الضمة تشبيها بالغايات، وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تتبع قافه طاءه في الضم، وقد تخفف طاؤه مع ضمها أو إسكانها. والثانى: أن تكون بمعنى حسب، وهذه مفتوحة القاف ساكنة الطاء، يقال. (قطى، وقطك، وقط زيد درهم) كما يقال: حسبى، وحسبك وحسب زيد درهم، إلا أنها مبنية لانها موضوعة على حرفين، وحسب معربة. والثالث: أن تكون اسم فعل بمعنى يكفى، فيقال: قطني - بنون الوقاية - كما يقال: يكفيني. وتجوز نون الوقاية على الوجه الثاني، حفظا للبناء على السكون، كما يجوز. في لدن ومن وعن كذلك. حرف الكاف الكاف المفردة - جارة، وغيرها، والجارة حرف واسم والحرف له خمسة معان: أحدها: التشبيه، نحو (زيد كالاسد). والثانى: التعليل، أثبت ذلك قوم، ونفاه الاكثرون، وقيد بعضهم جوازه بأن تكون الكاف مكفوفة بما، كحكاية سيبويه (كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه) والحق جوازه في المجردة من ما، نحو (وى كأنه لا يفلح الكافرون) أي أعجب لعدم فلاحهم، وفى المقرونة بما الزائدة كما في المثال، وبما المصدرية نحو (كما أرسلنا فيكم - الآية) قال الاخفش: أي لاجل إرسالى فيكم رسولا منكم فاذكروني، وهو ظاهر في قوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) وأجاب بعضهم بأنه من وضع الخاص موضع العام، إذ الذكر والهداية يشتركان في أمر واحد وهو
    [ 177 ]
    الاحسان، فهذا في الاصل بمنزلة (وأحسن كما أحسن الله إليك) والكاف للتشبيه، ثم عدل عن ذلك للاعلام بخصوصية المطلوب، وما ذكرناه في الآيتين من أن ما مصدرية قاله جماعة، وهو الظاهر، وزعم الزمخشري وابن عطية وغيرهما أنها كافة، وفيه إخراج الكاف عما ثبت لها من عمل الجر لغير مقتض. واختلف في نحو قوله: 292 - وطرفك إما جئتنا فاحبسنه * كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر فقال الفارسى: الاصل كيما فحذف الياء، وقال ابن مالك: هذا تكلف، بل هي كاف التعليل وما الكافة، ونصب الفعل بها لشبهها بكى في المعنى، وزعم أبو محمد الاسود في كتابه المسمى (نزهة الاديب) أن أبا على حرف هذا البيت، وأن الصواب فيه: إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا * لكى يحسبوا، البيت.. والثالث: الاستعلاء، ذكره الاخفش والكوفيون، وأن بعضهم قيل له: كيف أصبحت ؟ فقال: كخير، أمرا على خير، وقيل: المعنى بخير، ولم يثبت مجئ الكاف بمعنى الباء، وقيل هي للتشبيه على حذف مضاف، أي كصاحب خير. وقيل في (كن كما أنت): إن المعنى على ما أنت عليه، وللنحويين في هذا المثال أعاريب: أحدها: هذا، وهو أن ما موصولة، وأنت: مبتدأ حذف خبره. والثانى: أنها موصولة، وأنت خبر حذف مبتدؤه، أي كالذى هو أنت، وقد قيل بذلك في قوله تعالى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) أي كالذى هو لهم آلهة. والثالث: أن ما زائدة ملغاة، والكاف أيضا جارة كما في قوله:
    [ 178 ]
    وننصر مولانا ونعلم أنه * كما الناس مجروم عليه وجارم [ 95 ] وأنت: ضمير مرفوع أنيب عن المجرور، كما في قولهم: ما أنا كأنت، والمعنى كن فيما يستقبل مماثلا لنفسك فيما مضى. والرابع: أن ما كافة، وأنت: مبتدأ حذف خبره، أي عليه أو كائن، وقد قيل في (كما لهم آلهة): إن ما كافة، وزعم صاحب المستوفى أن الكاف لا تكف بما، ورد عليه بقوله: 293 - وأعلم أننى وأبا حميد * كما النشوان والرجل الحليم (1) وقوله: 294 - أخ ماجد لم يخزنى يوم مشهد * كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه [ ص 310 ] وإنما يصح الاستدال بهما إذا لم يثبت أن (ما) المصدرية توصل بالجملة الاسمية. الخامس: أن ما كافة أيضا، وأنت: فاعل، والاصل كما كنت، ثم حذف كان فانفصل الضمير، وهذا بعيد، بل الظاهر أن ما على هذا التقدير مصدرية. تنبيه - تقع (كما) بعد الجمل كثيرا صفة في المعنى، فتكون نعتا لصدر أو حالا، ويحتملهما قوله تعالى (كما بدأنا أول خلق نعيده) فإن قدرته نعتا لمصدر فهو إما معمول لنعيده، أي نعيد أول خلق إعادة مثل ما بدأناه، أو لنطوى، أي نفعل هذا الفعل العظيم كفعلنا هذا الفعل، وإن قدرته حالا فذو الحال مفعول نعيده، أي نعيده مماثلا للذى بدأنا، وتقع كلمة (كذلك) أيضا كذلك. فإن قلت: فكيف اجتمعت مع مثل في قوله تعالى (وقال الذين لا يعلمون لو لا يكلمنا الله أو تأتينا آية، كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) ومثل في المعنى نعت لمصدر (قال) المحذوف، [ أي ] كما أن كذلك نعت له، ولا يتعدى
    (1) الكاف لا عمل لها، والنشوان: مبتدأ، والرجل معطوف عليه، وخبر هذا المبتدأ محذوف، والجملة خبر أن. (*)
    [ 179 ]
    عامل واحد لمتعلقين بمعنى واحد، لا تقول: ضربت زيدا عمرا، ولا يكون (مثل) تأكيدا لكذلك، لانه أبين منه، كما لا يكون زيد من قولك (هذا زيد يفعل كذا) توكيدا لهذا لذلك، ولا خبرا لمحذوف بتقدير: الامر كذلك، لما يؤدى إليه من عدم ارتباط ما بعده بما قبله. قلت: مثل بدل من كذلك، أو بيان، أو نصب بيعلمون، أي لا يعلمون اعتقاد اليهود والنصارى، فمثل بمنزلتها في (مثلك لا يفعل كذا) أو نصب يقال (1)، أو الكاف مبتدأ والعائد محذوف، أي قاله، ورد ابن الشجرى ذلك على مكى بأن قال: قد استوفى معموله وهو مثل، وليس بشئ، لان مثل حينئذ مفعول مطلق أو مفعول به ليعلمون، والضمير المقدر مفعول به لقال. والمعنى الرابع: المبادرة، وذلك إذا اتصلت بما في نحو (سلم كما تدخل) و (صل كما يدخل الوقت) ذكره ابن الخباز في النهاية، وأبو سعيد السيرافى، وغيرهما، وهو غريب جدا. والخامس: التوكيد، وهى الزائدة نحو (ليس كمثله شئ) قال الاكثرون: التقدير ليس شئ مثله، إذ لو لم تقدر زائدة صار المعنى ليس شئ مثل مثله، فيلزم المحال. وهو إثبات المثل، وإنما زيدت لتوكيد نفى المثل، لان زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيا، قاله ابن جنى، ولانهم إذا بالغوا في نفى الفعل عن أحد قالوا: (مثلك لا يفعل كذا) ومرادهم إنما هو النفى عن ذاته، ولكنهم إذا نفوه عمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه. وقيل: الكاف في الآية غير زائدة، ثم اختلف، فقيل: الزائد مثل، كما زيدت في (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به) قالوا: وإنما زيدت هنا لتفصل الكاف من الضمير، اه‍.
    (1) قال: المراد لفظ قال الاول، أي وقال الذين لا يعلمون مثل قول اليهود، ويكون قوله كذلك معمولا لقال الثاني على هذا (*)
    [ 180 ]
    والقول بزيادة الحرف أولى من القول بزيادة الاسم، بل زيادة الاسم لم تثبت، وأما (بمثل ما آمنتم به) فقد يشهد للقائل بزيادة (مثل) فيها قراءة ابن عباس (بما آمنتم به) وقد تؤولت قراءة الجماعة على زيادة الباء في [ المفعول ] المطلق أي إيمانا مثل إيمانكم به، أي بالله سبحانه، أو بمحمد عليه الصلاة - (- والسلام، أو بالقرآن، وقيل: مثل للقرآن، وما للتوراة، أي فإن آمنوا - بكتابكم كما آمنتم بكتابهم، وفى الآية الاولى قول ثالث، وهو أن الكاف ومثلا لا رائد
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:06 am

    [ 201 ]
    وإن وقع النفى في حيزها اقتضى السلب عن كل فرد، كقوله عليه الصلاة والسلام - لما قال له ذو اليدين: أنسيت أم قصرت الصلاة -: (كل ذلك لم يكن) وقول أبى النجم: 332 - قد أصبحت أم الخيار تدعى * على ذنبا كله لم أصنع (ص 498 و 611 و 633) وقد يشكل على قولهم في القسم الاول قوله تعالى: (والله لا يحب كل مختال فخور). وقد صرح الشلوبين وابن مالك في بيت أبى النجم بأنه لا فرق في المعنى بين رفع كل ونصبه، ورد الشلوبين على ابن أبى العافية إذ زعم أن بينهما فرقا، والحق ما قاله البيانيون، والجواب عن الآية أن دلالة المفهوم إنما يعول عليها عند عدم المعارض، وهو هنا موجود، إذ دل الدليل على تحريم الاختيال والفجر مطلقا. الثانية - كل في نحو (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا) منصوبة على الظرفية باتفاق، وناصبها الفعل الذى هو جواب في المعنى مثل (قالوا) في الآية، وجاءتها الظرفية من جهة ما فإنها محتملة لوجهين: أحدهما: أن تكون حرفا مصدريا والجملة بعده صلة له، فلا محل لها، والاصل كل رزق، ثم عبر عن معنى المصدر بما والفعل، ثم أنيبا عن الزمان، أي كل وقت رزق، كما أنيب عنه المصدر الصريح في (جئتك خفوق النجم): والثانى: أن تكون اسما نكرة بمعنى وقت، فلا تحتاج على هذا إلى تقدير وقت، والجملة بعده في موضع خفض على الصفة، فتحتاج إلى تقدير عائد منها، أي كل وقت رزقوا فيه.
    [ 202 ]
    ولهذا الوجه مبعد، وهو ادعاء حذف الصفة وجوبا، حيث لم يرد مصرحا به في شى ء من أمثلة هذا التركيب، ومن هنا ضعف قول أبى الحسن في نحو (أعجبني ما قمت): إن ما اسم، والاصل ماقمته، أي القيام الذى قمته، وقوله في (يا أيها الرجل): إن أيا موصولة والمعنى يا من هو الرجل، فإن هذين العائدين لم يلفظ بهما قط، وهو مبعد عندي أيضا لقول سيبويه في نحو (سرت طويلا، وضربت زيدا كثيرا): إن طويلا وكثيرا حالان من ضمير المصدر محذوفا، أي سرته وضربته، أي السير والضرب، لان هذا العائد لم يتلفظ به قط. فإن قلت: فقد قالوا (ولا سيما زيد) بالرفع، ولم يقولوا قط (ولا سيما هو زيد). قلت: هي كلمة واحدة شذوا فيها بالتزام الحذف، ويؤنسك بذلك أن فيها شذوذين آخرين: إطلاق (ما) على الواحد ممن يعقل، وحذف العائد المرفوع بالابتداء مع قصر الصلة. وللوجه الاول مقربان: كثرة مجيئ الماضي بعدها نحو (كلما نضجت جلودهم بدلناهم) (كلما أضاء لهم مشوا فيه) (وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه) (وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا) وأن ما المصدرية التوقيتية شرط من حيث المعنى، فمن هنا احتيج إلى جملتين إحداهما مرتبة على الاخرى، ولا يجوز أن تكون شرطية مثلها في (ما تفعل أفعل) لامرين: أن تلك عامة فلا تدخل عليها أداة العموم، وأنها لا ترد بمعنى الزمان على الاصح. وإذا قلت: (كلما استدعيتك فإن زرتني فعبدي حر) فكل منصوبة أيضا على الظرفية، ولكن ناصبها محذوف مدلول عليه بجر المذكور في الجواب وليس العامل المذكور لوقوعه بعد الفاء وإن، ولما أشكل ذلك على ابن عصفور
    [ 203 ]
    قال وقلده الابدي: إن كلا في ذلك مرفوعة بالابتداء، وإن جملتي الشرط والجواب خبرها، وإن الفاء دخلت في الخبر كما دخلت في نحو (كل رجل يأتيني فله درهم) وقدرا في الكلام حذف ضميرين، أي كلما استدعيتك فيه فإن زرتني فعبدي حر بعده، لترتبط الصفة بموصوفها والخبر بمبتدئه. قال أبو حيان: وقولهما مدفوع بأنه لم يسمع (كل) في ذلك إلا منصوبة، ثم تلا الآيات المذكورة، وأنشد قوله: 333 - وقولى كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدى أو تستريحي وليس هذا مما البحث فيه، لانه ليس فيه ما يمنع من العمل. (كلا، وكلتا): مفردان لفظا، مثنيان معنى، مضافان أبدا لفطا ومعنى إلى كلمة واحدة معرفة دالة على اثنين، وإما بالحقيقة والتنصيص نحو (كلتا الجنتين) ونحو (احدهما أو كلاهما) وإما بالحقيقة والاشتراك نحو (كلانا) فإن (نا) مشتركة بين الاثنين والجماعة، أو بالمجاز كقوله: 334 - إن للخير وللشر مدى * وكلا ذلك وجه وقبل فإن (ذلك) حقيقة في الواحد، وأشيربها إلى المثنى على معنى: وكلا ما ذكر، على حدها في قوله تعالى: (لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) وقولنا كلمة واحدة احتراز من قوله: 335 - كلا أخى وخليلي واجدى عضدا * (وساعدا عند إلمام الملمات) فإنه ضرورة نادرة، وأجاز ابن الانباري إضافتها إلى المفرد بشرط تكريرها نحو (كلاى وكلاك محسنان) وأجاز الكوفيون إضافتها إلى النكرة المختصة نحو
    [ 204 ]
    (كلا رجلين عندك محسنان) فإن رجلين قد تخصصا بوصفهما بالظرف، وحكوا (كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدها) أي تاركة للغزل. ويجوز مراعاة لفظ كلا وكلتا في الافراد نحو (كلتا الجنتين آتت أكلها) ومراعاة معناهما، وهو قليل، وقد اجتمعا في قوله: 336 - كلاهما حين جد السير بينهما * قد أقلعا، وكلا أنفيهما رابى ومثل أبو حيان لذلك بقول الاسود بن يعفر: 337 - إن المنية والحتوف كلاهما * يوفى المنية يرقبان سوادى وليس بمتعين، لجواز كون (يرقبان) خبرا عن المنية والحتوف، ويكون ما بينهما إما خبرا أول أو اعتراضا، ثم للصواب في إنشاده (كلاهما يوفى المخارم)، إذ لا يقال إن المنية توفى نفسها. وقد سئلت قديما عن قول القائل (زيد وعمرو كلاهما قائم، أو كلاهما قائمان) أيهما الصواب ؟ فكتبت: إن قدر كلاهما توكيدا قيل: قائمان، لانه خبر عن زيد وعمرو، وإن قدر مبتدأ فالوجهان، والمختار الافراد، وعلى هذا فإذا قيل (إن زيدا وعمرا) فإن قيل (كليهما) قيل (قائمان) أو (كلاهما) فالوجهان، ويتعين مراعاة اللفظ في نحو (كلاهما محب لصاحبه) لان معناه كل منهما، وقوله: 338 - كلانا غنى عن أخيه حياته * ونحن إذا متنا أشد تغانيا (كيف): ويقال فيها (كى) كما يقال في سوف: سو، قال: كى تجنحون إلى سلم وما ثئرت * قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم (302)
    [ 205 ]
    وهو اسم، لدخول الجار عليه بلا تأويل في قولهم (على كيف تبيع الاخرين) (1) ولابدال الاسم الصريح منه نحو (كيف أنت ؟ أصحيح أم سقيم ؟) وللاخبار به مع مباشرته الفعل في نحو (كيف كنت ؟) فبالاخبار به انتفت الحرفية وبمباشرة الفعل انتفت الفعلية. وتستعمل على وجهين: أحدهما: أن تكون شرطا، فتقتضى فعلين متفقي اللفظ والمعنى غير مجزومين نحو (كيف تصنع أصنع) ولا يجوز (كيف تجلس أذهب) باتفاق، ولا (كيف تجلس أجلس) بالجزم عند البصريين إلا قطربا، لمخالفتها لادوات الشرط بوجوب موافقة جوابها لشرطها كما مر، وقيل: يجوز مطلقا، وإليه ذهب قطرب والكوفيون، وقيل: يجوز بشرط اقترانها بما، قالوا: ومن ورودها شرطا (ينفق كيف يشاء) (يصوركم في الارحام كيف يشاء) (فيبسطه في السماء كيف يشاء) وجوابها في ذلك كله محذوف لدلالة ما قبلها، وهذا يشكل على إطلاقهم أن جوابها يجب مماثلته لشرطها. والثانى، وهو الغالب فيها: أن تكون استفهاما، إما حقيقيا نحو (كيف زيد) أو غيره نحو (كيف تكفرون بالله) الآية، فإنه أخرج مخرج التعجب. وتقع خبرا قبل ما لا يستغنى، نحو (كيف أنت) و (كيف كنت) ومنه (كيف ظننت زيدا) و (كيف أعلمته فرسك) لان ثانى مفعولي ظن وثالث مفعولات أعلم خبران في الاصل، وحالا قبل ما يستعنى، نحو (كيف جاء زيد ؟) أي على أي حالة جاء زيد، وعندي أنها تأتى في هذا النوع مفعولا مطلقا أيضا، وأن منه (كيف فعل ربك) إذ المعنى أي فعل فعل ربك، ولا يتجه فيه أن (هامش صفحة 205) (1) الاحمران: الخمر واللحم، والاحامرة: هما والخلوق.
    [ 206 ]
    يكون حالا من الفاعل، ومثله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) أي فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد يصنعون، ثم حذف عاملها مؤخرا عنها وعن إذا، كذا قيل، والاظهر أن يقدر بين كيف وإذا، وتقدر إذا خالية عن معنى الشرط، وأما (كيف وإن يظهروا عليكم) فالمعني كيف يكون لهم عهد وحالهم كذا وكذا، فكيف: حال من عهد، إما على أن يكون تامة أو ناقصة وقلنا بدلالتها على الحدث، وجملة الشرط حال من ضمير الجمع. وعن سيبويه أن كيف ظرف، وعن السيرافى والاخفش أنها اسم غير ظرف، وبنوا (1) على هذا الخلاف أمورا: أحدها: أن موضعها عند سيبويه نصب دائما، وعندهما رفع مع المبتدأ، نصب مع غيره. الثاني: أن تقديرها عند سيبويه: في أي حال، أو على أي حال، وعندهما تقديرها في نحو (كيف زيد) أصحيح زيد، ونحوه، ونحو (كيف جاء زيد) أراكبا جاء زيد، ونحوه. والثالث: أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال (على خير) ونحوه، ولهذا قال رؤبة - وقد قيل له: كيف أصبحت (خير عافاك الله) أي على خير، فحذف الجار وأبقى عمله، فإن أجيب على المعنى دون اللفظ قيل: صحيح، أو سقيم. وعندهما على العكس، وقال ابن مالك ما معناه: لم يقل أحد إن كيف ظرف، إذ ليست زمانا ولا مكانا، ولكنها لما كانت تفسر بقولك على أي حال لكونها سؤالا عن الاحوال العامة سميت ظرفا، لانها في تأويل الجار والمجرور، واسم الظرف يطلق عليهما مجازا، اه‍. وهو حسن، ويؤيده الاجماع على أنه يقال في البدل: كيف أنت ؟ أصحيح أم سقيم، بالرفع، ولا يبدل المرفوع من المنصوب. (هامش صفحة 206) (1) في نسخة (ورتبوا على هذا الخلاف).
    [ 207 ]
    تنبيه - قوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت) لا تكون كيف بدلا من الابل، لان دخول الجار على كيف شاذ، على أنه لم يسمع في إلى، بل في على، ولان إلى متعلقة بما قبلها، فيلزم أن يعمل في الاستفهام فعل متقدم عليه، ولان الجملة التى بعدها تصير حينئذ غير مرتبطة، وإنما هي منصوبة بما بعدها على الحال، وفعل النظر معلق، وهى وما بعدها بدل من الابل بدل اشتمال، والمعنى إلى الابل كيفية خلقها، ومثله (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) ومثلهما في إبدال جملة فيها كيف من اسم مفرد قوله: 339 - إلى الله أشكو بالمدينة حاجة * وبالشام أخرى كيف يلتقيان (ص 426) أي أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما. مسألة - زعم قوم أن كيف تأتى عاطفة، وممن زعم ذلك عيسى بن موهب، ذكره في كتاب العلل، وأنشد عليه: 340 - إذا قل مال المرء لانت قناته * وهان على الادنى فكيف الاباعد وهذا خطأ، لاقترانها بالفاء، وإنما هي (هنا) اسم مرفوع المحل على الخبرية، ثم يحتمل أن الاباعد مجرور بإضافة مبتدأ محذوف، أي فكيف حال الاباعد، فحذف المبتدأ على حد قراءة ابن جماز (والله يريد الآخرة) (1) أو بتقدير: فكيف الهوان على الاباعد، فحذف المبتدأ والجار، أو بالعطف بالفاء ثم أقحمت كيف بين العاطف والمعطوف لافادة الاولوية بالحكم. حرف اللام (اللام المفردة) ثلاثة أقسام: عاملة للجر، وعاملة للجزم، وغير عاملة. (هامش صفحة 207) (1) تقدير الآية على هذه القراءة: والله يريد ثواب الآخرة، فحذف المضاف وبقى المضاف إليه على جره.
    [ 208 ]
    وليس في القسمة أن تكون عاملة للنصب، خلافا للكوفيين، وسيأتى. فالعاملة للجر مكسورة مع كل ظاهر، نحو لزيد، ولعمرو، إلا مع المستغاث المباشر ليا فمفتوحة نحو (يا لله) وأما قراءة بعضهم (الحمد لله) بضمها فهو عارض للاتباع، ومفتوحة مع كل مضمر نحو لنا، ولكم، ولهم، إلا مع ياء المتكلم فمكسورة. وإذا قيل (يا لك، ويا لى) احتمل كل منهما أن يكون مستغاثا به وأن يكون مستغاثا من أجله، وقد أجازهما ابن جنى في قوله: 341 - فيا شوق ما أبقى، ويا لى من النوى * (ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى) (ص 219) وأوجب ابن عصفور في (يا لى) أن يكون مستغاثا من أجله، لانه لو كان مستغاثا به لكان التقدير يا أدعو لي، وذلك غير جائز في غير باب ظننت وفقدت وعدمت، وهذا لازم له، لا لابن جنى، لما سأذكره بعد. ومن العرب من يفتح اللام الداخلة على الفعل ويقرأ (وما كان الله ليعذبهم). وللام الجارة اثنان وعشرون معنى: أحدها: الاستحقاق، وهى الواقعة بين معنى وذات، نحو (الحمد لله) والعزة لله، والملك لله والامر لله، ونحو (ويل للمطففين) و (لهم في الدنيا خزى) ومنه (للكافرين النار) أي عذابها. والثانى: الاختصاص (1) نحو (الجنة للمؤمنين، وهذا الحصير للمسجد، والمنبر للخطيب، والسرج للدابة، والقميص للعبد) ونحو (إن له أبا) (فإن كان له إخوة) وقولك: هذا الشعر لحبيب، وقولك: أدوم لك ما تدوم لى. والثالث: الملك، نحو (له ما في السموات وما في الارض) وبعضهم يستغنى بذكر الاختصاص عن ذكر المعنيين الآخرين، ويمثل له بالامثلة المذكورة ونحوها، (هامش صفحة 208) (1) لام الاختصاص: هي الداخلة بين اسمين يدل كل منهما على الذات، والداخلة عليه لا يملك الآخر، وسواء أكان يملك غيره أم كان ممن لا يملك أصلا.
    [ 209 ]
    ويرجحه أن فيه تقليلا للاشتراك، وأنه إذا قيل (هذا المال لزيد والمسجد) لزم القول بأنها للاختصاص مع كون زيد قابلا للملك، لئلا يلزم استعمال المشترك في معنييه دفعة، وأكثرهم يمنعه. الرابع: التمليك، نحو (وهبت لزيد دينارا). الخامس: شبه التمليك، نحو (جعل لكم من أنفسكم أزواجا). السادس: التعليل، كقوله: 342 - ويوم عقرت للعذارى مطيتي * (فيا عجبا من كورها المتحمل) وقوله تعالى (لايلاف قريش) وتعلقها بفليعبدوا، وقيل: بما قبله، أي فجعلهم كعصف مأكول لايلاف قريش، ورجح بأنهما في مصحف أبى سورة واحدة، وضعف بأن (جعلهم كعصف) إنما كان لكفرهم وجرأتهم على البيت، وقيل: متعلقة بمحذوف تقديره اعجبوا، وكقوله تعالى (وإنه لحب الخير لشديد) أي وإنه من أجل حب المال لبخيل، وقراءة حمزة (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) الآية، أي لاجل إيتائى إياكم (1) بعض الكتاب والحكمة ثم لمجئ محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا لما معكم لتؤمنن به، فما: مصدرية فيهما، واللام تعليلية، وتعلقت بالجواب المؤخر على الاتساع في الظرف، كما قال الاعشى: (رضيعى لبان ثدى أم تحالفا * بأسحم داج) عوض لا نتفرق (244) ويجوز كون (ما) موصولا اسميا. فإن قلت: فأين العائد في (ثم جاءكم رسول) ؟ (هامش صفحة 209) (1) في نسخة (لاجل إيتائى إليكم). (10 - مغنى اللبيب 1)
    [ 210 ]
    قلت: إن (ما معكم) هو نفس (ما آتيتكم) فكأنه قيل: مصدق له، وقد يضعف هذا لقلته نحو قوله: 343 - (فيارب أنت الله في كل موطن) * وأنت الذى في رحمة الله أطمع (ص 504 و 546) وقد يرجح بأن الثواني يتسامح فيها كثيرا، وأما قراءة الباقين (بالفتح) فاللام لام التوطئة، وما شرطية، أو اللام للابتداء، وما: موصولة، أي لذى آتيتكموه، وهى مفعولة على الاول، ومبتدأ على الثاني. ومن ذلك قراءة حمزة والكسائي (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) بكسر اللام، ومنها اللام الثانية في نحو (يا لزيد ولعمرو) وتعلقها بمحذوف، وهو فعل من جملة مستقلة، أي أدعوك لعمرو، أو اسم هو حال من المنادى، أي مدعوا لعمرو، قولان، ولم يطلع ابن عصفور على الثاني فنقل الاجماع على الاول. ومنها اللام الداخلة لفظا على المضارع في نحو (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس) وانتصاب الفعل بعدها بأن مضمرة بعينها وفاقا للجمهور، لا بأن مضمرة أو بكى المصدرية مضمرة خلافا للسيرافى وابن كيسان، ولا باللام بطريق الاصالة خلافا لاكثر الكوفيين، ولا بها لنيابتها عن أن خلافا لثعلب، ولك إظهار أن، فتقول (جئتك لان تكرمني) بل قد يجب، وذلك إذا اقترن الفعل بلا نحو (لئلا يكون للناس عليكم حجة)، لئلا يحصل الثقل بالتقاء المثلين. فرع - أجاز أبو الحسن أن يتلقى القسم بلام كى، وجعل منه (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) فقال: المعنى ليرضنكم، قال أبو على: وهذا عندي أولى من أن يكون متعلقا بيحلفون والمقسم عليه محذوف، وأنشد أبو الحسن: 344 - إذا قلت قدنى قال بالله حلفة * لتغنى عنى ذا إنائك أجمعا (ص 409)
    [ 211 ]
    والجماعة يأبون هذا، لان القسم إنما يجاب بالجملة، ويروون البيت لتغنن بفتح اللام ونون التوكيد، وذلك على لغة فزارة في حذف آخر الفعل لاجل النون إن كان ياء تلى كسرة كقوله: 345 - وابكن عيشا تقضى بعد جدته * (طابت أصائله في ذلك البلد) وقدروا الجواب محذوفا واللام متعلقة به، أي ليكونن كذا ليرضوكم، ولتشربن لتغنى عنى. السابع: توكيد النفى، وهى الداخلة في اللفظ على الفعل مسبوقة بما كان أو بلم يكن ناقصين مسندتين لما أسند إليه الفعل المقرون باللام، نحو (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) (لم يكن الله ليغفر لهم) ويسميها أكثرهم لام الجحود لملازمتها للجحد أي النفى، قال النحاس: والصواب تسميتها لام النفى، لان الجحد في اللغة إنكار ما تعرفه، لا مطلق الانكار، اه‍. ووجه التوكيد فيها عند الكوفيين أن أصل (ما كان ليفعل) ما كان يفعل ثم أدخلت اللام زيادة لتقوية النفى، كما أدخلت الباء في (ما زيد بقائم) لذلك، فعندهم أنها حرف زائد مؤكد، غير جار، ولكنه ناصب، ولو كان جارا لم يتعلق عندهم بشئ لزيادته، فكيف به وهو غير جار ؟ ووجهه عند البصريين أن الاصل ما كان قاصدا للفعل، ونفى القصد أبلغ من نفيه، ولهذا كان قوله: 346 - يا عاذلاتي لا تردن ملامتي * إن العواذل لسن لى بأمير أبلغ من (لا تلمنني) لانه نهى عن السبب، وعلى هذا فهى عندهم حرف جر معد متعلق بخبر كان المحذوف، والنصب بأن مضمرة وجوبا. وزعم كثير من الناس في قوله تعالى (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال)
    [ 212 ]
    في قراءة غير الكسائي بكسر اللام الاولى وفتح الثانية أنها لام الجحود (1). وفيه نظر، لان النافي على هذا غير ما ولم، ولاختلاف فاعلي كان وتزول، والذى يظهر لى أنها لام كى، وأن إن شرطية، أي وعند الله جزاء مكرهم وهو مكر أعظم منه وإن كان مكرهم لشدته معدا لاجل زوال الامور العظام المشبهة في عظمها بالجبال، كما تقول: أنا أشجع من فلان وإن كان معدا للنوازل. وقد تحذف كان قبل لام الجحود كقوله: 347 - فما جمع ليغلب جمع قومي * مقاومة، ولا فرد لفرد أي فما كان جمع، وقول أبى الدرداء رضى الله عنه في الركعتين بعد العصر (ما أنا لادعهما). والثامن: موافقة إلى، نحو قوله تعالى (بأن ربك أوحى لها) (كل يجرى لاجل مسمى) (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه). والتاسع: موافقة (على) في الاستعلاء الحقيقي نحو (ويخرون للاذقان) (دعانا لجنبه) (وتله للجبين) وقوله: 348 - (ضممت إليه بالسنان قميصه) * فخر صريعا لليدين وللفم والمجازي نحو (وإن أسأتم فلها) ونحو قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضى الله تعالى عنها (اشتر طى لهم الولاء) وقال النحاس: المعنى من أجلهم، قال: ولا نعرف في العربية لهم بمعنى عليهم. والعاشر: موافقة (في) نحو (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) (لا يجليها (هامش صفحة 212) (1) (أنها لام الجحود) في تأويل مصدر مفعول زعم.
    [ 213 ]
    لوقتها إلا هو) وقولهم (مضى لسبيله) قيل: ومنه (يا ليتنى قدمت لحياتي) أي في حياتي، وقيل: للتعليل، أي لاجل حياتي في الآخرة. والحادي عشر: أن تكون بمعنى (عند) كقولهم (كتبته لخمس خلون) وجعل منه ابن جنى قراءة الجحدرى (بل كذبوا بالحق لما جاءهم) بكسر اللام وتخفيف الميم. والثانى عشر: موافقة (بعد) نحو (أقم الصلاة لدلوك الشمس) وفى الحديث (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) وقال: 349 - فلما تفرقنا كانى ومالكا * لطول اجتماع لم نبت ليلة معا والثالث عشر: موافقة (مع)، قاله بعضهم، وأنشد عليه هذا البيت (1). والرابع عشر: موافقة (من) نحو (سمعت له صراخا) وقول جرير: 350 - لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم * ونحن لكم يوم القيامة أفضل والخامس عشر: التبليغ، وهى الجارة لاسم السامع لقول أو ما في معناه، نحو (قلت له، وأذنت له، وفسرت له). والسادس عشر: موافقة عن، نحو قوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه) قاله ابن الحاجب، وقال ابن مالك وغيره: هي لام التعليل، وقيل: لام التبليغ والتفت عن الخطاب إلى الغيبة، أو يكون اسم المقول لهم محذوفا، أي قالوا لطائفة من المؤمنين لما سمعوا بإسلام طائفة أخرى، وحيث دخلت اللام على غير المقول له فالتأويل على بعض ما ذكرناه، نحو (قالت أخراهم لاولاهم ربنا هؤلاء أضلونا) (ولا أقول للذين تزدرى أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا) وقوله:
    (1) يريد بيت متمم بن نويرة الذى هو الشاهد رقم 349. (*)
    [ 214 ]
    351 - كضرائر الحسناء قلن لوجهها * حسدا وبغضا: إنه لذميم (1) السابع عشر: الصيرورة، وتسمى لام العاقبة ولام المآل، نحو (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) وقوله: 352 - فللموت تغذو الوالدات سخالها * كما لخراب الدور تبنى المساكن وقوله: 353 - فإن يكن الموت أفناهم * فللموت ما تلد الوالده ويحتمله (ربنا إنك آتيت فرعون وملاه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) ويحتمل أنها لام الدعاء، فيكون الفعل مجزوما لا منصوبا، ومثله في الدعاء (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) ويؤيده أن في آخر الآية (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا). وأنكر البصريون ومن تابعهم لام العاقبة، قال الزمخشري: والتحقيق أنها لام العلة، وأن التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة، وبيانه أنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا، بل المحبة والتبنى، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبه بالداعى الذى يفعل الفعل لاجله، فاللام مستعارة لما يشبه التعليل كما استعير الاسد لمن يشبه الاسد. الثامن عشر: القسم والتعجب معا، وتختص باسم الله تعالى كقوله: 354 - لله يبقى على الايام ذو حيد * [ بمشمخر به الظيان والآس ] التاسع عشر: التعجب المجرد عن القسم، وتستعمل في النداء كقولهم (يا للماء). و (يا للشعب) إذا تعجبوا من كثرتهما، وقوله:
    (1) الافضل في الرواية (لدميم) أن تكون بالدال المهملة، أي مطلى بالدمام. (*)
    [ 215 ]
    355 - فيا لك من ليل كأن نجومه * بكل مغار الفتل شدت بيذبل وقولهم (يا لك رجلا عالما) وفى غيره كقولهم (لله دره فارسا، ولله أنت) وقوله: 356 - شباب وشيب وافتقار وثروة * فلله هذا الدهر كيف ترددا المتمم عشرين: التعدية، ذكره ابن مالك في الكافية، ومثل له في شرحها بقوله تعالى: (فهب لى من لدنك وليا) وفى الخلاصة، ومثل له ابنه بالآية وبقولك (قلت له افعل كذا) ولم يذكره في التسهيل ولا في شرحه، بل في شرحه أن اللام في الآية لشبه التمليك، وأنها في المثال للتبليغ، والاولى عندي أن يمثل للتعدية بنحو (ما أضرب زيدا لعمرو، وما أحبه لبكر). الحادى والعشرون: التوكيد، وهى اللام الزائدة، وهى أنواع: منها اللام المعترضة بين الفعل المتعدى ومفعوله كقوله: 357 - ومن يك ذا عظم صليب رجابه * ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره وقوله: 358 - وملكت ما بين العراق ويثرب * ملكا أجار لمسلم ومعاهد وليس منه (ردف لكم) خلافا للمبرد ومن وافقه، بل ضمن ردف معنى اقترب فهو مثل (اقترب للناس حسابهم).
    [ 216 ]
    واختلف في اللام من نحو (يريد الله ليبين لكم) (وأمرنا لنسلم لرب العالمين) وقول الشاعر: 359 - أريد لانسى ذكرها، فكأنما * تمثل لى ليلى بكل سبيل فقيل: زائدة، وقيل: للتعليل، ثم اختلف هؤلاء، فقيل: المفعول محذوف، أي يريد الله التبيين ليبين لكم ويهديكم: أي ليجمع لكم بين الامرين، وأمرنا بما أمرنا به لنسلم، وأريد السلو لانسى، وقال الخليل وسيبويه ومن تابعهما: الفعل في ذلك كله مقدر بمصدر مرفوع بالابتداء، واللام وما بعدها خبر، أي إرادة الله للتبيين، وأمرنا للاسلام، وعلى هذا فلا مفعول للفعل. ومنها اللام المسماة بالمقحمة، وهى المعترضة بين المتضايفين، وذلك في قولهم (يا بؤس للحرب) والاصل يا بؤس الحرب، فأقحمت تقوية للاختصاص، قال: 360 - يا بؤس للحرب التى * وضعت أراهط فاستراحوا وهل انجرار ما بعدها بها أو بالمضاف ؟ قولان، أرجحهما الاول، لان اللام أقرب، ولان الجار لا يعلق. ومن ذلك قولهم (لا أبا لزيد، و أخا له، ولا غلامي له) على قول سيبويه إن اسم لا مضاف لما بعد اللام، وأما على قول من جعل اللام وما بعدها صفة وجعل الاسم شبيها بالمضاف لان الصفة من تمام الموصوف، وعلى قول من جعلهما خبرا وجعل أبا وأخا على لغة من قال: إن أباها وأبا أباها * [ قد بلغا في المجد غايتاها ] [ 50 ] وقولهم (مكره أخاك لا بطل) وجعل حذف النون على وجه الشذوذ كقوله:
    [ 217 ]
    361 - * بيضك ثنتا وبيضى مائتا (1) * فاللام للاختصاص، وهى متعلقة باستقرار محذوف. ومنها اللام المسماة لام التقوية، وهى المزيدة لتقوية عامل ضعف: إما بتأخره نحو (هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) ونحو (إن كنتم للرؤيا تعبرون) أو بكونه فرعا في العمل نحو (مصدقا لما معهم) (فعال لما يريد) (نزاعة للشوى) ونحو: ضربي لزيد حسن، وأنا ضارب لعمرو، قيل: ومنه (إن هذا عدو لك ولزوجك) وقوله: 362 - إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له * أكيلا، فإنى لست آكله وحدي وفيه نظر، لان عدوا وأكيلا - وإن كانا بمعنى معاد ومؤاكل - لا ينصبان المفعول، لانهما موضوعان للثبوت، وليسا مجاريين للفعل في التحرك والسكون، ولا محولان عما هو مجار له، لان التحويل إنما هو ثابت في الصيغ التى يراد بها المبالغة، وإنما اللام في البيت للتعليل، وهى متعلقة بالتمسى، وفى الآية متعلقة بمستقر محذوف صفة لعدو، وهى للاختصاص. وقد اجتمع التأخر والفرعية في (وكنا لحكمهم شاهدين) وأما قوله تعالى (نذيرا للبشر) فإن كان النذير بمعنى المنذر فهو مثل (فعال لما يريد) وإن كان بمعنى الانذار فاللام مثلها في (سقيا لزيد) وسيأتى. قال ابن مالك: ولا تزاد لام التقوية مع عامل يتعدى لاثنين، لانها إن زيدت في مفعوليه فلا يتعدى فعل إلى اثنين بحرف واحد، وإن زيدت في أحدهما لزم ترجيح من غير مرجح، وهذا الاخير ممنوع، لانه إذا تقدم أحدهما دون الآخر وزيدت اللام في المقدم لم يلزم ذلك، وقد قال الفارسى في قراءة من قرأ (ولكل
    (1) كذا في جميع الاصول، ولا يتم وزن الرجز إلا أن يكون * بيضك ثنتان وبيضى مائتا * بثبوت النون في (ثنتان) وحذفها في (مائتا) (*)
    [ 218 ]
    وجهة هو موليها) بإضافة كل: إنه من هذا، وإن المعنى الله مول كل ذى وجهة وجهته، والضمير على هذا للتولية، وإنما لم يجعل كلا والضمير مفعولين ويستغنى عن حذف ذى ووجهته لئلا يتعدى العامل إلى الضمير وظاهره معا، ولهذا قالوا في الهاء من قوله: 363 - هذا سراقة للقرآن يدرسه * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا إن الهاء مفعول مطلق لا ضمير القرآن، وقد دخلت اللام على أحد المفعولين مع تأخرهما في قول ليلى: 364 - أحجاج لا تعطى العصاة مناهم * ولا الله يعطى للعصاة مناها وهو شاذ، لقوة العامل. ومنها لام المستغاث عند المبرد، واختاره ابن خروف، بدليل صحة إسقاطها، وقال جماعة: غير زائدة، ثم اختلفوا، فقال ابن جنى: متعلقة بحرف النداء لما فيه من معنى الفعل، ورد بأن معنى الحرف لا يعمل في المجرور، وفيه نظر، لانه قد عمل في الحال نحو قوله: 365 - كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالى [ ص 392 و 439 ] وقال الاكثرون: متعلقة بفعل النداء المحذوف، واختاره ابن الضائع وابن عصفور، ونسباه لسيبويه، واعترض بأنه متعد بنفسه، فأجاب ابن أبى الربيع بأنه ضمن معنى الالتجاء في نحو (يا لزيد) والتعجب في نحو (يا للدواهي) وأجاب ابن عصفور وجماعة بأنه ضعف بالتزام الحذف فقوى تعديه باللام، واقتصر على إيراد هذا الجواب أبو حيان، وفيه نظر، لان اللام المقوية زائدة كما تقدم، وهؤلاء لا يقولون بالزيادة.
    [ 219 ]
    فإن قلت: وأيضا فإن اللام لا تدخل في نحو (زيدا ضربته) مع أن الناصب ملتزم الحذف. قلت: لما ذكر في اللفظ ما هو عوض منه كان بمنزلة ما لم يحذف. فإن قلت: وكذلك حرف النداء عوض من فعل النداء. قلت: إنما هو كالعوض، ولو كان عوضا البتة لم يجز حذفه (1)، ثم إنه ليس بلفظ المحذوف، فلم ينزل منزلته من كل وجه. وزعم الكوفيون أن اللام في المستغاث بقية اسم وهو آل، والاصل يا آل زيد، ثم حذفت همزة آل للتخفيف، وإحدى الالفين لالتقاء الساكنين، واستدلوا بقوله: 366 - فخير نحن عند الناس منكم * إذا الداعي المثوب قال يا لا [ ص 445 ] فإن الجار لا يقتصر عليه، وأجيب بأن الاصل: يا قوم لا فرار، أو لا نفر، فحذف ما بعد لا النافية، أو الاصل يا لفلان ثم حذف ما بعد الحرف كما يقال (ألاتا) فيقال (ألافا) يريدون: ألا تفعلون، وألا فافعلوا. تنبيه - إذا قيل (يا لزيد) بفتح اللام فهو مستغاث، فإن كسرت فهو مستغاث لاجله، والمستغاث محذوف، فإن قيل (يا لك) احتمل الوجهين، فإن قيل (يا لى) فكذلك عند ابن جنى، أجازهما في قوله: فيا شوق ما أبقى، ويا لى من النوى * ويا دمع ما أجرى، ويا قلب ما أصبى [ 341 ] وقال بن عصفور: الصواب أنه مستغاث لاجله، لان لام المستغاث متعلقة بدعو،
    (1) يريد لو كان حرف النداء عوضا من الفعل قطعا لم يكن ليجوز حذف حرف النداء، لان الفعل محذوف، فيكون حذفه أيضا من باب حذف العوض والمعوض منه. (*)
    [ 220 ]
    فيلزم تعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، وهذا لا يلزم ابن جنى، لانه يرى تعلق اللام بيا كما تقدم، ويا لا تتحمل ضميرا كما لا تتحمله ها إذا عملت في الحال في نحو (وهذا بعلى شيخا) نعم هو لازم لابن عصفور، لقوله في (يا لزيد لعمرو) إن لام لعمرو متعلقة بفعل محذوف تقديره أدعوك لعمرو، وينبغى له هنا أن يرجع إلى قول ابن الباذش إن تعلقها باسم محذوف تقدير مدعو لعمرو، وإنما ادعيا وجوب التقدير لان العامل الواحد لا يصل بحرف واحد مرتين، وأجاب ابن الضائع بأنهما مختلفان معنى نحو (وهبت لك دينارا لترضى). تنبيه - زادوا اللام في بعض المفاعيل المستغنية عنها كما تقدم، وعكسوا ذلك فحذفوها من بعض المفاعيل المفتقرة إليها كقوله تعالى (تبغونها عوجا) (والقمر قدرناه منازل) (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) وقالوا (وهبتك دينارا، وصدتك ظبيا، وجنيتك ثمرة) قال: ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا * [ ولقد نهيتك عن بنات الاوبر ] [ 71 ] وقال: 367 - فتولى غلامهم ثم نادى: * أظليما أصيدكم أم حمارا وقال: 368 - إذا قالت حذام فأنصتوها * [ فإن القول ما قالت حذام ] في رواية جماعة، والمشهور (فصدقوها). الثاني والعشرون: التبيين، ولم يوفوها حقها من الشرح، وأقول: هي ثلاثة أقسام: أحدها: ما تبين المفعول من الفاعل، وهذه تتعلق بمذكور، وضابطها: أن تقع
    [ 221 ]
    بعد فعل تعجب أو اسم تفضيل مفهمين حبا أو بغضا، تقول (ما أحبنى، وما أبغضني) فإن قلت (لفلان) فأنت فاعل الحب والبغض وهو مفعولهما، وإن قلت (إلى فلان) فالامر بالعكس، هذا شرح ما قاله ابن مالك، ويلزمه أن يذكر هذا المعنى في معاني (إلى) أيضا لما بينا، وقد مضى في موضعه. الثاني والثالث: ما يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية، وما يبين مفعولية غير ملتبسة بفاعلية، ومصحوب كل منهما إما غير معلوم مما قبلها، أو معلوم لكن استؤنف بيانه تقوية للبيان وتوكيدا له، واللام في ذلك كله متعلقة بمحذوف. مثال المبينة للمفعولية (سقيا لزيد، وجدعا له) فهذه اللام ليست متعلقة بالمصدرين، ولا بفعليهما المقدرين، لانهما متعديان، ولا هي مقوية للعامل لضعفه بالفرعية إن قدر أنه المصدر أو بالتزام الحذف إن قدر أنه الفعل، لان لام التقوية صالحة للسقوط، وهذه لا تسقط، لا يقال (سقيا زيدا) ولا (جدعا إياه) خلافا لابن الحاجب ذكره في شرح المفصل، ولا هي ومخفوضها صفة للمصدر فتتعلق بالاستقرار، لان الفعل لا يوصف فكذا ما أقيم مقامه، وإنما هي لام مبينة للمدعو له أو عليه إن لم يكن معلوما من سياق أو غيره، أو مؤكدة للبيان إن كان معلوما، وليس تقدير المحذوف (أعنى) كما زعم ابن عصفور، لانه يتعدى بنفسه، بل التقدير: إرادتى لزيد. وينبنى على أن هذه اللام ليست متعلقة بالمصدر أنه لا يجوز في (زيد سقيا له) أن ينصب زيد بعامل محذوف على شريطة التفسير، ولو قلنا إن المصدر الحال محل فعل دون حرف مصدري يجوز تقديم معموله عليه، فتقول (زيدا ضربا) لان الضمير في المثال ليس معمولا له، ولا هو من جملته، وأنما تجويز بعضهم في قوله تعالى (والذين كفروا فتعسا لهم) كون الذين في موضع نصب على الاشتغال فوهم. وقال ابن مالك في شرح باب النعت من كتاب التسهيل: اللام في (سقيا لك)
    [ 222 ]
    متعلقة بالمصدر، وهى للتبيين، وفى هذا تهافت، لانهم إذا أطلقوا القول بأن اللام للتبيين فإنما يريدون بها أنها متعلقة بمحذوف استؤنف للتبيين. ومثال المبينة للفاعلية (تبا لزيد، وويحا له) فإنهما في معنى خسر وهلك، فإن رفعتهما بالابتداء، فاللام ومجرورها خبر، ومحلهما الرفع، ولا تبيين، لعدم تمام الكلام. فإن قلت (تبا له وويح) فنصبت الاول ورفعت الثاني لم يجز، لتخالف الدليل والمدلول عليه، إذ اللام في الاول للتبيين، واللام المحذوفة لغيره. واختلف في قوله تعالى: (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ؟ هيهات هيهات لما توعدون) فقيل: اللام زائدة، و (ما) فاعل، وقيل: الفاعل ضمير مستتر راجع إلى البعث أو الاخراج فاللام للتبيين، وقيل: هيهات مبتدأ بمعنى البعد والجار والمجرور خبر. وأما قوله تعالى: (وقالت هيت لك) فيمن قرأ بهاء مفتوحة وياء ساكنة وتاء مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، فهيت: اسم فعل، ثم قيل: مسماه فعل ماض أي تهيأت، فاللام متعلقة به كما تتعلق بمسماه لو صرح به، وقيل: مسماه فعل أمر بمعنى أقبل أو تعال، فاللام للتبيين، أي إرادتى لك، أو أقول لك، وأما من قرأ (هئت) مثل جئت فهو فعل بمعنى تهيأت، واللام متعلقة به، وأما من قرأ كذلك ولكن جعل التاء ضمير المخاطب فاللام للتبيين مثلها مع اسم الفعل، ومعنى تهيئه تيسر انفرادها به، لا أنه قصدها، بدليل (وراودته) فلا وجه لانكار الفارسى هذه القراءة مع ثبوتها واتجاهها، ويحتمل أنها أصل قراءة هشام (هيت) بكسر الهاء وبالياء وبفتح التاء، وتكون على إبدال الهمزة. تنبيه - الظاهر أن (لها) من قول المتنبي: 369 - لو لا مفارقة الاحباب ما وجدت * لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
    [ 223 ]
    جار ومجرور متعلق بوجدت، لكن فيه تعدى فعل الظاهر إلى ضميره المتصل كقولك (ضربه زيد) وذلك ممتنع، فينبغي أن يقدر صفة في الاصل لسبلا فلما قدم عليه صار حالا منه، كما أن قوله (إلى أرواحنا) كذلك، إذ المعنى سبلا مسلوكة إلى أرواحنا، ولك في (لها) وجه غريب، وهو أن تقدره جمعا للهاة كحصاة وحصى، ويكون (لها) فاعلا بوجدت، والمنايا مضافا إليه، ويكون إثبات اللهوات للمنايا استعارة، شبهت بشئ يبتلع الناس، ويكون أقام اللها مقام الافواه لمجاورة اللهوات للفم. وأما اللام العاملة للجزم فهى اللام الموضوعة للطلب، وحركتها الكسر، وسليم تفتحها، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها، نحو (فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى) وقد تسكن بعد ثم نحو (ثم ليقضوا) في قراءة الكوفيين وقالون والبزى، وفى ذلك رد على من قال: إنه خاص بالشعر. ولا فرق في اقتضاء اللام الطلبية للجزم بين كون الطلب أمرا، نحو (لينفق ذو سعة) أو دعاء نحو (ليقض علينا ربك) أو التماسا كقولك لمن يساويك (ليفعل فلان كذا) إذا لم ترد الاستعلاء عليه، وكذا لو أخرجت عن الطلب إلى غيره، كالتى يراد بها وبمصحوبها الخبر نحو (من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) أي فيمد ونحمل، أو التهديد نحو (ومن شاء فليكفر) وهذا هو معنى الامر في (اعملوا ما شئتم) وأما (ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا) فيحتمل اللامان منه التعليل، فيكون ما بعدهما منصوبا، والتهديد فيكون مجزوما، ويتعين الثاني في اللام الثانية في قراءة من سكنها، فيترجح بذلك أن تكون اللام الاولى كذلك، ويؤيده أن بعدهما (فسوف يعلمون) وأما (وليحكم أهل الانجيل) فيمن قرأ بسكون اللام فهى لام الطلب، لانه يقرأ بسكون الميم، ومن كسر اللام - وهو حمزة - فهى لام
    [ 224 ]
    التعليل، لانه يفتح الميم، وهذا التعليل إما معطوف على تعليل آخر متصيد من المعنى لان قوله تعالى: (وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور) معناه وآتيناه الانجيل للهدى والنور، ومثله (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا) لان المعنى إنا خلقنا الكواكب في السماء زينة وحفظا، وإما متعلق بفعل مقدر مؤخر، أي ليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله أنزله، ومثله (وخلق الله السموات والارض بالحق ولتجزى كل نفس) أي وللجزاء خلقهما، وقوله سبحانه: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين) أي وأريناه ذلك، وقوله تعالى: (هو على هين ولنجعله آية للناس) أي وخلقناه من غير أب. وإذا كان مرفوع فعل الطلب فاعلا مخاطبا استغنى عن اللام بصيغة افعل غالبا، نحو قم واقعد، وتجب اللام إن انتفت الفاعلية، نحو (لتعن بحاجتي) أو الخطاب نحو (ليقم زيد) أو كلاهما نحو (ليعن زيد بحاجتي) ودخول اللام على فعل المتكلم قليل، سواء أكان المتكلم مفردا، نحو قوله عليه الصلاة والسلام: (قوموا فلاصل لكم) أو معه غيره كقوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) وأقل منه دخولها في فعل الفاعل المخاطب كقراءة جماعة (فبذلك فلتفرحوا) وفى الحديث (لتأخذوا مصافكم). وقد تحذف اللام في الشعر ويبقى عملها كقوله: 370 - فلا تستطل منى بقائي ومدتي * ولكن يكن للخير منك نصيب وقوله: 371 - محمد تفد نفسك كل نفس * إذا ما خفت من شئ تبالا [ ص 461 ]
    [ 225 ]
    أي ليكن ولتفد، والتبال: الوبال، أبدلت الواو المفتوحة تاء مثل تقوى. ومنع المبرد حذف اللام وإبقاء عملها حتى في الشعر، وقال في البيت الثاني: إنه لا يعرف قائله، مع احتماله لان يكون دعاء بلفظ الخبر نحو (يغفر الله لك) و (يرحمك الله) وحذف الياء تخفيفا، واجتزئ عنها بالكسرة كقوله: 372 - [ فطرت بمنصلى في يعملات ] * دوامى الايد يخبطن السريحا قال: وأما قوله: 373 - على مثل أصحاب البعوضة فاخمشى * لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى فهو على قبحه جائز، لانه عطف على المعنى إذ اخمشي ولتخمشنى بمعنى واحد. وهذا الذى منعه المبرد في الشعر أجازه الكسائي في الكلام، لكن بشرط تقدم قل، وجعل منه (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) أي ليقيموها، ووافقه ابن مالك في شرح الكافية، وزاد عليه أن ذلك يقع في النثر قليلا بعد القول الخبرى كقوله: 374 - قلت لبواب لديه دارها * تأذن فإنى حمؤها وجارها (1) أي لتأذن، فحذف اللام وكسر حرف المضارعة، قال: وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول: إيذن، اه‍. قيل: وهذا تخلص من ضرورة وهى إثبات همزة الوصل في الوصل، وليس كذلك، لانهما بيتان لا بيت مصرع، فالهمزة في أول البيت لا في حشوه، بخلافها في نحو قوله:
    (1) كسر ما قبل الهمزة الساكنة يجيز قلبها ياء، ولذلك يقع في بعض الاصول (تيذن) وليس ذلك بواجب ما لم يكن المكسور همزة أخرى نحو إيمان وإيذن. (*) (15 - مغنى اللبيب 1)
    [ 226 ]
    375 - لا نسب اليوم ولا خلة * اتسع الخرق على الراقع [ ص 600 ] والجمهور على أن الجزم في الآية مثله في قولك (ائتنى أكرمك). وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها للخليل وسيبويه، أنه بنفس الطلب، لما تضمنه من معنى إن الشرطية كما أن أسماء الشرط إنما جزمت لذلك والثانى للسيرافى والفارسي، أنه بالطلب لنيابته مناب الجازم الذى هو الشرط المقدر، كما أن النصب بضربا في قولك (ضربا زيدا) لنيابته عن اضرب، لا لتضمنه معناه. والثالث للجمهور، أنه بشرط مقدر بعد الطلب. وهذا أرجح من الاول، لان الحذف والتضمين وإن اشتركا في أنهما خلاف الاصل، لكن في التضمين تغيير معنى الاصل، ولا كذلك الحذف، وأيضا فإن تضمين الفعل معنى الحرف إما غير واقع أو غير كثير. ومن الثاني، لان نائب الشئ يؤدى معناه، والطلب لا يؤدى معنى الشرط وأبطل ابن مالك بالآية أن يكون الجزم في جواب شرط مقدر، لان تقديره يستلزم أن لا يتخلف أحد من المقول له ذلك عن الامتثال، ولكن التخلف واقع (1). وأجاب ابنه بأن الحكم مسند إليهم على سبيل الاجمال، لا إلى كل فرد، فيحتمل أن الاصل يقم أكثرهم، ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه فارتفع واتصل بالفعل، وباحتمال أنه ليس المراد بالعباد الموصوفين بالايمان مطلقا، بل المخلصين منهم، وكل مؤمن مخلص قال له الرسول أقم الصلاة أقامها.
    (1) الآية هي قوله تعالى (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا) والجزم على الوجه الذى رده ابن مالك يقتضى أن تقدير الكلام: إن تقل لهم ذلك يقيموا الصلاة. (*)
    [ 227 ]
    وقال المبرد: التقدير قل لهم أقيموا يقيموا، والجزم في جواب أقيموا المقدر، لا في جواب قل. ويرده أن الجواب لابد أن يخالف المجاب: إما في الفعل والفاعل نحو (ائتنى أكرمك) أو في الفعل نحو (أسلم تدخل الجنة) أو في الفاعل نحو (قم أقم) ولا يجوز أن يتوافقا فيهما، وأيضا فإن الامر المقدر للمواجهة، ويقيموا للغيبة (1). وقيل: يقيموا مبنى، لحلوله محل أقيموا وهو مبنى، وليس بشئ. وزعم الكوفيون وأبو الحسن أن لام الطلب حذفت حذفا مستمرا في نحو قم واقعد، وأن الاصل لتقم ولتقعد، فحذفت اللام للتخفيف، وتبعها حرف المضارعة. وبقولهم أقول، لان الامر معنى حقه أن يؤدى بالحرف، ولانه أخو النهى ولم يدل عليه إلا بالجرف، ولان الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمان المحصل، وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده، ولانهم قد نطقوا بذلك الاصل كقوله: 376 - لتقم أنت يا ابن خير قريش * [ كى لتقضى حوائج المسلميا ] [ ص 552 ] وكقراءة جماعة (فبذلك فلتفرحوا) وفى الحديث (لتأخذوا مصافكم) ولانك تقول: اغز واخش وارم، واضربا واضربوا واضربي، كما تقول في الجزم، ولان البناء لم يعهد كونه بالحذف، ولان المحققين على أن أفعال الانشاء مجردة عن الزمان كبعت وأقسمت وقبلت، وأجابوا عن كونها مع ذلك أفعالا بأن تجردها عارض لها عند نقلها عن الخبر، ولا يمكنهم إدعاء ذلك في نحو قم، لانه ليس له حالة غير هذه، وحينئذ فتشكل فعليته، فإذا ادعى أن أصله (لتقم) كان الدال على الانشاء اللام لا الفعل.
    (1) الامر المقدر هو أقيموا، وهو للمواجهة كما هو ظاهر، والجواب المذكور هو يقيموا، وهو للغيبة، ولا يصلح أن يكون جوابا لذلك المقدر، إذ لو أريد جوابه مقيل تقيموا، إذ لا تجاب المواجهة بالغيبة والفاعل واحد. (*)
    [ 228 ]
    وأما اللام غير العاملة فسبع: إحداها: لام الابتداء، وفائدتها أمران: توكيد مضمون الجملة، ولهذا زحلقوها في باب إن عن صدر الجملة كراهية ابتداء الكلام بمؤكدين، وتخليص المضارع للحال، كذا قال الاكثرون، واعترض ابن مالك الثاني بقوله تعالى: (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة) (إنى ليحزنني أن تذهبوا به) فإن الذهاب كان مستقبلا، فلو كان الحزن حالا لزم تقدم الفعل في الوجود على فاعله مع أنه أثره، والجواب أن الحكم واقع في ذلك اليوم لا محالة، فنزل منزلة الحاضر المشاهد، وأن التقدير قصد أن تذهبوا، والقصد حال، وتقدير أبى حيان قصدكم أن تذهبوا مردود بأنه يقتضى حذف الفاعل، لان (أن تذهبوا) على تقديره منصوب. وتدخل باتفاق في موضعين، أحدهما: المبتدأ نحو (لانتم أشد رهبة) والثانى بعد إن، وتدخل في هذا الباب على ثلاثة باتفاق: الاسم، نحو (إن ربى لسميع الدعاء) والمضارع لشبهه به نحو (وإن ربك ليحكم بينهم) والظرف نحو (وإنك لعلى خلق عظيم) وعلى ثلاثة باختلاف، أحدها: الماضي الجامد نحو (إن زيدا لعسى أن يقوم) أو (لنعم الرجل) قاله أبو الحسن، ووجهه أن الجامد يشبه الاسم، وخالفه الجمهور، والثانى: الماضي المقرون بقد، قاله الجمهور، ووجهه أن قد تقرب الماضي من الحال فيشبه المضارع المشبه للاسم، وخالف في ذلك خطاب ومحمد بن مسعود الغزنى، وقالا: إذا قيل (إذا زيدا لقد قام) فهو جواب لقسم مقدر، والثالث: الماضي المتصرف المجرد من قد، أجازه الكسائي وهشام على إضمار قد، ومنعه الجمهور، وقالوا: إنما هذه لام القسم، فمتى تقدم فعل القلب فتحت همزة أن ك‍ (علمت أن زيدا لقام) والصواب عندهما الكسر. واختلف في دخولها في غير باب إن على شيئين: أحدهما خبر المبتدأ المتقدم نحو (لقائم زيد) فمقتضى كلام جماعة [ من النحويين ] الجواز، و [ إن كان ] في أمالى ابن الحاجب: لام الابتداء يجب معها المبتدأ، الثاني: الفعل نحو (ليقوم زيد) فأجاز
    [ 229 ]
    ذلك ابن مالك والمالقي وغيرهما، زاد المالقى (الماضي الجامد) نحو (لبئس ما كانوا يعملون) وبعضهم المتصرف المقرون بقد نحو (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) (لقد كان في يوسف وإخوته آيات) والمشهور أن هذه لام القسم، وقال أبو حيان في (ولقد علمتم): هي لام الابتداء مفيدة لمعنى التوكيد، ويجوز أن يكون قبلها قسم مقدر وأن لا يكون، اه‍. ونص جماعة على منع ذلك كله، قال ابن الخباز في شرح الايضاح: لا تدخل لام الابتداء على الجمل الفعلية إلا في باب إن، اه‍. وهو مقتضى ما قدمناه عن ابن الحاجب، وهو أيضا قول الزمخشري، قال في تفسير (ولسوف يعطيك ربك): لام الابتداء لا تدخل إلا على المبتداء والخبر، وقال في (لا قسم): هي لام الابتداء دخلت على مبتدأ محذوف، ولم يقدرها لام القسم، لانها عنده ملازمة للنون، وكذا زعم في (ولسوف يعطيك ربك) أن المبتدأ مقدر، أي ولانت سوف يعطيك ربك. وقال ابن الحاجب: اللام في ذلك لام التوكيد، وأما قول بعضهم إنها لام الابتداء وإن المبتدأ مقدر بعدها ففاسد من جهات، إحداها: أن اللام مع الابتداء كقد مع الفعل وإن مع الاسم، فكما لا يحذف الفعل والاسم ويبقيان بعد حذفهما كذلك اللام بعد حذف الاسم، والثانية: أنه إذا قدر المبتدأ في نحو (لسوف يقوم زيد) يصير التقدير لزيد سوف يقوم زيد، ولا يخفى ما فيه من الضعف، والثالثة: أنه يلزم إضمار لا يحتاج إليه الكلام، اه‍. وفى الوجهين الاخيرين نظر، لان تكرار الظاهر إنما يقبح إذا صرح بهما، ولان النحويين قدروا مبتدأ بعد الواو في نحو (قمت وأصك عينه) وبعد الفاء في نحو (ومن عاد فينتقم الله منه) وبعد اللام في نحو (لاقسم بيوم القيامة) وكل ذلك تقدير لال الصناعة دون المعنى، فكذلك هنا.
    [ 230 ]
    وأما الاول فقد قال جماعة في (إن هذان لساحران): إن التقدير لهما ساحران فحذف المبتدأ وبقيت اللام، ولانه يجوز على الصحيح نحو (لقائم زيد). وإنما يضعف قول الزمخشري أن فيه تكلفين لغير ضرورة، وهما تقدير محذوف وخلع اللام عن معنى الحال، لئلا يجتمع دليلا الحال والاستقبال، وقد صرح بذلك في تفسير (لسوف أخرج حيا) ونظره بخلع اللام عن التعريف وإخلاصها للتعويض في (يا لله) وقوله إن لام القسم مع المضارع لا تفارق النون ممنوع، بل تارة تجب اللام وتمتنع النون، وذلك مع التنفيس كالآية، ومع تقديم المعمول بين اللام والفعل نحو (ولئن متم أو قتلتم لالى الل
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:07 am

    [ 268 ]
    وهنا مسائل إحداها، أن (لو) خاصة بالفعل، وقد يليها اسم مرفوع معمول لمحذوف يفسره ما بعده، أو اسم منصوب كذلك، أو خبر لكان محذوفة، أو اسم هو في الظاهر مبتدأ وما بعده خبر، فالاول كقولهم (لو ذات سوار لطمتنى) وقول عمر رضى الله عنه (لو غيرك قالها يا أبا عبيدة) وقوله: 426 - لو غيركم علق الزبير بحبله * أدى الجوار إلى بنى العوام والثانى نحو (لو زيدا رأيته أكرمته) والثالث نحو (التمس ولو خاتما من حديد، واضرب ولو زيدا، وألا ماء ولو باردا) وقوله: 427 - لا يأمن الدهر ذو بغى ولو ملكا * جنوده ضاق عنها السهل والجبل واختلف في (قل لو أنتم تملكون) فقيل: من الاول، والاصل: لو تملكون تملكون، فحذف الفعل الاول فانفصل الضمير، وقيل: من الثالث، أي لو كنتم تملكون، ورد بأن المعهود بعد لو حذف كان ومرفوعها معا، فقيل: الاصل لو كنتم أنتم تملكون فحذفا، وفيه نظر، للجمع بين الحذف والتوكيد. والرابع نحو قوله: 428 - لو بغير الماء حلقى شرق * كنت كالغصان بالماء اعتصار وقوله: 429 - لو في طهية أحلام لما عرضوا * دون الذى أنا أرميه ويرميني واختلف فيه، فقيل: محمول على ظاهره وإن الجملة الاسمية وليتها شذوذا كما قيل في قوله:
    [ 269 ]
    [ ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة * إلى ] فهلا نفس ليلى شفيعها [ 109 ] قال الفارسى: هو من النوع الاول، والاصل لو شرق حلقى هو شرق، فحذف الفعل أولا والمبتدأ آخرا، وقال المتنبي: 430 - ولو قلم ألقيت في شق رأسه * من السقم ما غيرت من خط كاتب فقيل: لحن، لانه لا يمكن أن يقدر ولو ألقى قلم، وأقول: روى بنصب قلم ورفعه، وهما صحيحان، والنصب أوجه بتقدير: ولو لا بست قلما، كما يقدر في نحو (زيدا حبست عليه) والرفع بتقدير فعل دل عليه المعنى، أي ولو حصل قلم، أي ولو لوبس قلم، كما قالوا في قوله: 431 - إذا ابن أبى موسى بلالا بلغته * [ فقام بفأس بين وصليك جازر ] فيمن رفع ابنا: إن التقدير إذا بلغ، وعلى الرفع فيكون ألقيت صفة لقلم، ومن الاولى تعليلية على كل حال متعلقة بألقيت، لا بغيرت، لوقوعه في حيز ما النافية، وقد تعلق بغيرت، لان مثل ذلك يجوز في الشعر كقوله: * ونحن عن فضلك ما استغنينا * [ 137 ] المسألة الثانية: تقع (أن) بعدها كثيرا نحو (ولو أنهم آمنوا) (ولو أنهم صبروا) (ولو أنا كتبنا عليهم) (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) وقوله: ولو أن ما أسعى لادنى معيشة * [ كفانى ولم أطلب قليل من المال ] [ 414 ] وموضعها عند الجميع رفع، فقال سيبويه: بالابتداء ولا تحتاج إلى خبر، لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه، واختصت من بين سائر ما يؤول بالاسم بالوقوع بعد لو، كما اختصت غدوة بالنصب بعد لدن، والحين بالنصب بعد لات، وقيل: على الابتداء والخبر محذوف، ثم قيل: يقدر مقدما، أي ولو ثابت إيمانهم، على حد
    [ 270 ]
    (وآية لهم أنا حملنا) وقال ابن عصفور: بل يقدر هنا مؤخرا، ويشهد له أنه يأتي مؤخرا بعد أما كقوله: 432 - عندي اصطبار، وأما أننى جزع * يوم النوى فلوجد كاد يبريني وذلك لان لعل لا تقع هنا، فلا تشتبه أن المؤكدة إذا قدمت بالتى بمعنى لعل، فالاولى حينئذ أن يقدر مؤخرا على الاصل، أي ولو إيمانهم ثابت. وذهب المبرد والزجاج والكوفيون إلى أنه على الفاعلية، والفعل مقدر بعدها، أي ولو ثبت أنهم آمنوا، ورجح بأن فيه إبقاء لو على الاختصاص بالفعل. قال الزمخشري: ويجب كون خبر أن فعلا ليكون عوضا من الفعل المحذوف، ورده ابن الحاجب وغيره بقوله تعالى (ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام) وقالوا: إنما ذاك في الخبر المشتق لا الجامد كالذى في الآية وفى قوله: 433 - ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر * تنبو الحوادث عنه وهو ملموم وقوله: 434 - ولو أنها عصفورة لحسبتها * مسومة تدعو عبيدا وأزنما ورد ابن مالك قول هؤلاء بأنه قد جاء اسما مشتقا كقوله: 435 - لو أن حيا مدرك الفلاح * أدركه ملاعب الرماح وقد وجدت آية في التنزيل وقع فيها الخبر اسما مشتقا، ولم يتنبه لها الزمخشري، كما لم يتنبه لآية لقمان، ولا ابن الحاجب وإلا لما منع من ذلك، ولا ابن مالك
    [ 271 ]
    وإلا لما استدل بالشعر، وهى قوله تعالى: (يودوا لو أنهم بادون في الاعراب) ووجدت آية الخبر فيها ظرف (لغو) وهى (لو أن عندنا ذكرا من الاولين). المسألة الثالثة: لغلبة دخول (لو) على الماضي لم تجزم، ولو أريد بها معنى إن الشرطية، وزعم بعضهم أن الجزم بها مطرد على لغة، وأجازه جماعة في الشعر منهم ابن الشجرى كقوله: 436 - لو يشأ طار به ذو ميعة * لا حق الآطال نهد ذو خصل (ص 698) وقوله: 437 - تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت * إحدى نساء بنى ذهل بن شيبانا وقد خرج هذا على أن ضمة الاعراب سكنت تخفيفا كقراءة أبى عمرو (وينصركم) و (يشعركم) و (يأمركم) والاول على لغة من يقول شايشا بألف، ثم أبدلت همزة ساكنة، كما قيل العألم والخأتم، وهو توجيه قراءة ابن ذكوان (منساته) بهمزة ساكنة، فإن الاصل (منسأته) بهمزة مفتوحة مفعلة من نسأه إذا أخره، نم أبدلت الهمزة ألفا ثم الالف همزة ساكنة. المسألة الرابعة: جواب لو إما مضارع منفى بلم نحو (لو لم يخف الله لم يعصه) أو ماض مثبت، أو منفى بما، والغالب على المثبت دخول اللام عليه نحو (لو نشاء لجعلناه حطاما) ومن تجرده منها (لو نشاء جعلناه أجاجا) والغالب على المنفى تجرده منها نحو (ولو شاء ربك ما فعلوه) ومن اقترانه بها قوله: 438 - ولو نعطى الخيار لما افترقنا * ولكن لا خيار مع الليالى
    [ 272 ]
    ونظيره في الشذوذ اقتران جواب القسم المنفى بما بها كقوله: 439 - أما والذى لو شاء لم يخلق النوى * لئن غبت عن عينى لما غبت عن قلبى وقد ورد جواب (لو) الماضي مقرونا بقد وهو غريب كقول جرير: 440 - لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة * تدع الحوائم لا يجدن غليلا ونظيره في الشذوذ اقتران جواب لو لا بها كقول جرير أيضا: * لو لا رجاؤك قد قتلت أولادي * [ 94 ] قيل: وقد يكون جواب لو جملة اسمية مقرونة باللام أو بالفاء، كقوله تعالى (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير) وقيل: هي جواب لقسم مقدر، وقول الشاعر: 441 - قالت سلامة: لم يكن لك عادة * أن تترك الاعداء حتى تعذرا لو كان قتل يا سلام فراحة * لكن فررت مخافة أن أوسرا (لو لا): على أربعة أوجه: أحدها: أن تدخل على [ جملتين ] اسمية ففعلية لربط امتناع الثانية بوجود الاولى نحو: (لو لا زيد لاكرمتك) أي لو لا زيد موجود، فأما قوله عليه الصلاة والسلام: (لو لا أن أشق على أمتى لامرتهم بالسواك عند كل صلاة) فالتقدير لو لا مخافة أن أشق على أمتى لامرتهم، أي أمر إيجاب، وإلا لا نعكس معناها، إذ الممتنع المشقة، والموجود الامر.
    [ 273 ]
    وليس المرفوع بعد لو لا م فاعلا بفعل محذوف، ولا بلولا لنيابتها عنه، ولا بها أصالة، خلافا لزاعمي ذلك، بل رفعه بالابتداء، ثم قال أكثرهم: يجب كون الخبر كونا مطلقا محذوفا، فإذا أريد الكون المقيد لم يجز أن تقول (لو لا زيد قائم) ولا أن تحذفه، بل تجعل مصدره هو المبتدأ، فتقول (لو لا قيام زيد لاتيتك) أو تدخل أن على المبتدأ فتقول (لو لا أن زيدا قائم) وتصير أن وصلتها مبتدأ محذوف الخبر وجوبا، أو مبتدأ لا خبر له، أو فاعلا يثبت محذوفا، على الخلاف السابق في فصل (لو). وذهب الرماني وابن الشجرى والشلوبين وابن مالك إلى أنه يكون كونا مطلقا كالوجود والحصول فيجب حذفه، وكونا مقيدا كالقيام والقعود فيجب ذكره إن لم يعلم نحو (لو لا قومك حديثو عهد بالاسلام لهدمت الكعبة) ويجوز الامران إن علم، وزعم ابن الشجرى أن من ذكره (ولو لا فضل الله عليكم ورحمته) وهذا غير متعين، لجواز تعلق الظرف بالفضل، ولحن جماعة ممن أطلق وجوب حذف الخبر المعرى في قوله في وصف سيف: 442 - يذيب الرعب منه كل عضب * فلو لا الغمد يمسكه لسالا [ ص 542 ] وليس يجيد، لاحتمال تقدير (يمسكه) بدل اشتمال على أن الاصل أن يمسكه، ثم حذفت أن وارتفع الفعل، أو تقدير يمسكه جملة معترضة، وقيل: يحتمل أنه حال من الخبر المحذوف، وهذا مردود بنقل الاخفش أنهم لا يذكرون الحال بعدها، لانه خبر في المعنى، وعلى الابدال والاعتراض والحال عند من قال به يتخرج أيضا قول تلك المرأة: 443 - فو الله لو لا الله تخشى عواقبه * لزعزع من هذا السر جوانبه (18 - مغنى اللبيب 1)
    [ 274 ]
    وزعم ابن الطراوة أن جواب لو لا أبدا هو خبر المبتدأ، ويرده أنه لا رابط بينهما. وإذا ولى لو لا مضمر فحقه أن يكون ضمير رفع، نحو (لو لا أنتم لكنا مؤمنين) وسمع قليلا (لولاى، ولولاك، ولولاه) خلافا للمبرد. [ ثم ] قال سيبويه والجمهور: هي جارة للضمير مختصة به، كما اختصت حتى والكاف بالظاهر، ولا تتعلق لو لا بشئ، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء، والخبر محذوف. وقال الاخفش: الضمير مبتدأ، ولو لا غير جارة، ولكنهم أنابوا الضمير المخفوض عن المرفوع، كما عكسوا، إذ قالوا (ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا) وقد أسلفنا أن النيابة إنما وقعت في الضمائر المنفصلة لشبهها في استقلالها بالاسماء الظاهرة، فإذا عطف عليه اسم ظاهر، نحو (لولاك وزيد) تعين رفعه، لانها لا تخفض الظاهر. الثاني: أن تكون للتحضيص والعرض فتختص بالمضارع أو ما في تأويله نحو (لو لا تستغفرون الله) ونحو (لو لا أخرتني إلى أجل قريب) والفرق بينهما أن التحضيص طلب بحث وإزعاح، والعرض طلب بلين وتأدب. والثالث: أن تكون للتوبيخ والتنديم فتختص بالماضي نحو (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء) (فلو لا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة) ومنه (ولو لا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا) إلا أن الفعل أخر، وقوله: 444 - تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بنى ضوطرى لو لا الكمى المقنعا إلا أن الفعل أضمر، إى لو لا عددتم، وقول النحويين (لو لا تعدون) مردود،
    [ 275 ]
    إذ لم يرد أن يحضهم على أن يعدوا في المستقبل، بل المراد توبيخهم على ترك عده في الماضي، وإنما قال (تعدون) على حكاية الحال، فإن كان مراد النحويين مثل ذلك فحسن. وقد فصلت من الفعل بإذ وإذا معمولين له، وبجملة شرطية معترضة، فالاول نحو (ولو لا إذ سمعتموه قلتم) (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) والثانى والثالث نحو (فلو لا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) (فلو لا إن كنتم غير مدينين ترجعونها) المعنى فهلا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين، وحالتكم أنكم تشاهدون ذلك، ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا، أو بالملائكة، ولكنكم لا تشاهدون ذلك، ولو لا الثانية تكرار للاولى. الرابع: الاستفهام، نحو (لو لا أخرتني إلى أجل قريب) (لو لا أنزل عليه ملك) قاله الهروي، وأكثرهم لا يذكره، والظاهر أن الاولى للعرض، وأن الثانية مثل (لو لا جاؤا عليه بأربعة شهداء). وذكر الهروي أنها تكون نافية بمنزلة لم، وجعل منه (فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس) والظاهر أن المعنى على التوبيخ، أي فهلا كانت قرية واحدة من القرى المهلكة تابت عن الكفر قبل مجئ العذاب فنفعها ذلك، وهو تفسير الاخفش والكسائي والفراء وعلى بن عيسى والنحاس، ويؤيده قراءة أبى وعبد الله (فهلا كانت) ويلزم من هذا المعنى النفى، لان التوبيخ يقتضى عدم الوقوع، وقد يتوهم أن الزمخشري قائل بأنها للنفي لقوله: (والاستثناء منقطع بمعنى لكن، ويجوز كونه متصلا والجملة في معنى النفى، كأنه قيل: ما آمنت) ولعله إنما أراد ما ذكرنا، ولهذا قال (والجملة في معنى النفى (ولم يقل (ولو لا للنفي) وكذا قال في (لو لا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا):
    [ 276 ]
    معناه نفى التضرع، ولكنه جئ بلو لا ليفاد أنهم لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التى زينها الشيطان لهم، اه‍ فإن احتج محتج للهروى بأنه قرئ بنصب (قوم) على أصل الاستثناء، ورفعه على الابدال، فالجواب أن الابدال يقع بعد ما فيه رائحة النفى، كقوله: 445 - [ وبالصريمة منهم منزل خلق ] * عاف تغير إلا النؤى والوتد فرفع لما كان تغير بمعنى لم يبق على حاله، وأدق من هذه قراءة بعضهم (فشربوا منه إلا قليل منهم) لما كان شربوا منه في معنى فلم يكونوا منه، بدليل (فمن شرب منه فليس منى) ويوضح لك ذلك أن البدل في غير الموجب أرجح من النصب، وقد أجمعت السبعة على النصب في (إلا قوم يونس) فدل على أن الكلام موجب، ولكن فيه رائحة غير الايجاب، كما في قوله: * عاف تغير إلا النؤى والوتد * [ 445 ] تنبيه - ليس من أقسام (لو لا) الواقعة في نحو قوله: 446 - ألا زعمت أسماء أن لا أحبها * فقلت: بلى لو لا ينازعني شغلى لان هذه كلمتان بمنزلة قولك (لو لم) والجواب محذوف، أي لو لم ينازعني شغلى لزرتك، وقيل: بل هي لو لا الامتناعية، والفعل بعدها على إضمار (أن) على حد قولهم (تسمع بالمعيدى خير من أن تراه). (لو ما): بمنزلة لو لا، تقول: لو ما زيد لاكرمتك، وفى التنزيل (لو ما تأتينا بالملائكة) وزعم المالقى أنها لم تأت إلا للتحضيض، ويرده قول الشاعر: 447 - لو ما الاصاخة للوشاة لكان لى * من بعد سخطك في رضاك رجاء
    [ 277 ]
    (لم): حرف جزم لنفى المضارع وقلبه ماضيا، نحو (لم يلد ولم يولد) الآية. وقد يرفع الفعل (المضارع) بعدها، كقوله: 448 - لولا فوارس من نعم وأسرتهم * يوم الصليفاء لم يوفون بالجار [ ص 339 ] فقيل: ضرورة، وقال ابن مالك: لغة. وزعم اللحيانى أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم (ألم نشرح) وقوله: 449 - في أي يومى من الموت أفر * أيوم لم يقدر أم يوم قدر وخرجا على أن الاصل (نشرحن) و (يقدرن) حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها، وفى هذا شذوذان: توكيد المنفى بلم، وحذف النون لغير وقف ولا ساكنين، وقال أبو الفتح: الاصل يقدر بالسكون، ثم لما تجاورت الهمزة المفتوحة والراء الساكنة - وقد أجرت العرب الساكن المجاور للمحرك مجرى المحرك، والمحرك مجرى الساكن، إعطاء للجار حكم مجاوره - أبدلو الهمزة المحركة ألفا، كما تبدل الهمزة الساكنة بعد الفتحة، يعنى ولزم حينئذ فتح ما قبلها، إذ لا تقع الالف إلا بعد فتحة، قال: وعلى ذلك قولهم: المراة، والكماة بالالف، وعليه خرج أبو على قول عبد يغوث: 450 - [ وتضحك منى شيخة عبشمية ] * كأن لم ترا قبلى أسيرا يمانيا [ ص 278 ] فقال: أصله ترأى - بهمزة بعدها ألف - كما قال سراقة البارقى: 451 - أرى عينى ما لم تر أياه * [ كلانا عالم بالترهات ] ثم حذفت الالف للجازم، ثم أبدلت الهمزة ألفا لما ذكرنا، وأقيس من تخريجهما أن يقال في قوله (أيوم لم يقدر): نقلت حركة همزة أم إلى راء يقدر، ثم أبدلت الهمزة
    [ 278 ]
    - الساكنة ألفا، ثم الالف همزة متحركة لالتقاء الساكنين، وكانت الحركة فتحة إتباعا لفتحة الراء، كما في (ولا الضالين) فيمن همزه، وكذلك القول في (المراة والكماة) وقوله * كأن لم ترا قبلى أسيرا يمانيا * [ 450 ] ولكن لم تحرك الالف فيهن لعدم التقاء الساكنين. وقد تفصل من مجزومها في الضرورة بالظرف كقوله: 452 - فذاك ولم - إذا نحن امترينا - * تكن في الناس يدركك المراء وقوله: 453 - فأضحت مغانيها قفارا رسومها * كأن لم - سوى أهل من الوحش - تؤهل وقد يليها الاسم معمولا لفعل محذوف يفسره ما بعده كقوله: 454 - ظننت فقيرا ذا غنى ثم نلته * فلم ذا رجاء ألقه غير واهب (لما): على ثلاثة أوجه: أحدها: أنها تختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيا كلم، إلا أنها تفارقها في خمسة أمور: أحدها: أنها لا تقترون بأداة شرط، لا يقال (إن لما تقم) وفى التنزيل (وإن لم تفعل) (وإن لم ينتهوا). الثاني: أن منفيها مستمر النفى إلى الحال كقوله: 455 - فإن كنت مأكولا فكن خير آكل * وإلا فأدركني ولما أمزق
    [ 279 ]
    ومنفى لم يحتمل الاتصال نحو (ولم أكن بدعائك رب شقيا) والانقطاع مثل (لم يكن شيئا مذكورا) ولهذا جاز (لم يكن ثم كان) ولم يجز (لما يكن ثم كان) بل يقال (لما يكن وقد يكون) ومثل ابن مالك للنفي المنقطع بقوله: 456 - وكنت إذ كنت إلهى وحدكا * لم يك شئ يا إلاهى قبلكا وتبعه ابنه فيما كتب على التسهيل، وذلك وهم فاحش. ولامتداد النفى بعد لما لم يجز اقترانها بحرف التعقيب، بخلاف لم، تقول قمت فلم تقم، لان معناه وما قمت عقيب قيامى، ولا يجوز (قمت فلما تقم) لان معناه وما قمت إلى الآن. الثالث: أن منفى لما لا يكون إلا قريبا من الحال، ولا يشترط ذلك في منفى لم، تقول: لم يكن زيد في العالم الماضي مقيما، ولا يجوز (لما يكن) وقال ابن مالك: لا يشترط كون منفى لما قريبا من الحال مثل (عصى إبليس ربه ولما يندم) بل ذلك غالب لا لازم. الرابع: أن منفى لما متوقع ثبوته، بخلاف منفى لم، ألا ترى أن معنى (بل لما يذوقوا عذاب) أنهم لم يذوقوه إلى الآن وأن ذوقهم له متوقع، قال الزمخشري في (ولما يدخل الايمان في قلوبكم): ما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنو فيها بعد، اه‍. ولهذا أجازوا (لم يقض مالا يكون) ومنعوه في لما. وهذا الفرق بالنسبة إلى المستقبل، فأما بالنسبة إلى الماضي فهما سيان في نفى المتوقع وغيره، مثال المتوقع أن تقول: مالى قمت ولم تقم، أو ولما تقم، ومثال غير المتوقع أن تقول ابتداء: لم تقم، أو لما تقم. الخامس: أن منفى لما جائر الحذف لدليل، كقوله:
    [ 280 ]
    457 - فجئت قبورهم بدأ ولما * فناديت القبور فلم يجبنه أي، ولما أكن بدأ قبل ذلك، أي سيدا، ولا يجوز (وصلت إلى بغداد ولم) تريد ولم أدخلها، فأما قوله: 458 - احفظ وديعتك التى استودعتها * يوم الاعازب إن وصلت وإن لم فضرورة. وعلة هذه الاحكام كلها أن لم لنفى فعل، ولما لنفى قد فعل. الثاني من أوجه لما: أن تختص بالماضي، فتقتضى جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما، نحو (لما جاءني أكرمته) ويقال فيها: حرف وجود لوجود، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب، وزعم ابن السراج وتبعه الفارسى وتبعهما ابن جنى وتبعهم جماعة أنها ظرف بمعنى حين، وقال ابن مالك: بمعنى إذ، وهو حسن، لانها مختصة بالماضي وبالاضافة إلى الجملة. ورد ابن خروف على مدعى الاسمية بجواز أن يقال: لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم، لانها إذا قدرت ظرفا كان عاملها الجواب، والواقع في اليوم لا يكون في الامس. والجواب أن هذا مثل (إن كنت قلته فقد علمته) والشرط لا يكون إلا مستقبلا، ولكن المعنى إن ثبت أنى كنت قلته، وكذا هنا. المعنى لما ثبت اليوم إكرامك لى أمس أكرمتك. ويكون جوابها فعلا ماضيا انفاقا، وجملة اسمية مقرونة بإذا الفجائية أو بالفاء عند ابن مالك، وفعلا مضارعا عند ابن عصفور، دليل الاول (فلما نجاكم إلى البر
    [ 281 ]
    أعرضتم) والثانى (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) والثالث (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) والرابع (فلما ذهب عن ابراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا) وهو مؤول يجادلنا، وقيل في آية الفاء: إن الجواب محذوف، أي انقسموا قسمين فمنهم مقتصد، وفى آية المضارع إن الجواب (جاءته البشرى) على زيادة الواو، أو محذوف، أي أقبل يجادلنا. ومن مشكل لما هذه قول الشاعر: 459 - أقول لعبد الله لما سقاؤنا * ونحن بوادي عبد شمس وهاشم فيقال: أين فعلاها ؟ والجواب أن (سقاؤنا) فاعل بفعل محذوف يفسره وهى بمعنى سقط، والجواب محذوف تقديره قلت، بدليل قوله أقول، وقوله (شم) أمر من قولك (شمت البرق) إذا نظرت إليه، والمعنى لما سقط سقاؤنا قلت لعبد الله شمه. والثالث: أن تكون حرف استثناء، فتدخل على الجملة الاسمية، نحو (إن كل نفس لما عليها حافظ) فيمن شدد الميم، وعلى الماضي لفظا لا معنى نحو (أنشدك الله لما فعلت) أي ما أسألك إلا فعلك، قال: 460 - قالت له: بالله يا ذا البردين * لما غنثت نفسا أو اثنين وفيه رد لقول الجوهرى: إن لما بمعنى إلا غير معروف في اللغة. وتأتى لما مركبة من كلمات، ومن كلمتين. فأما المركبة من كلمات فكما تقدم في (وإن كلا لما ليوفينهم ربك) في قراءة ابن عامر وحمزة وحفص بتشديد نون إن وميم لما، فيمن قال: الاصل لمن ما
    [ 282 ]
    فأبدلت النون ميما وأدغمت، فلما كثرت الميمات حذفت الاولى، وهذا القول ضعيف، لان حذف مثل هذا الميم استثقالا لم يثبت، وأضعف منه قول آخر: إن الاصل لما بالتنوين بمعنى جمعا، ثم حذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف، لان استعمال لما في هذا المعنى بعيد، وحذف التنوين من المنصرف في الوصل أبعد، وأضعف من هذا قول آخر: إنه فعلى من اللمم، وهو بمعناه، ولكنه منع الصرف لالف التأنيث، ولم يثبت استعمال هذه اللفظة، وإذا كان فعلى فهلا كتب بالياء، وهلا أماله من قاعدته الامالة، واختار ابن الحاجب أنها لما الجازمة حذف فعلها، والتقدير: لما يهملو، أو لما يتركوا، لدلالة ما تقدم من قوله تعالى (فمنهم شقى وسعيد) ثم ذكر الاشقياء والسعداء ومجازاتهم، قال: ولا أعرف وجها أشبه من هذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في التنزيل، والحق أن لا يستبعد لذلك، ا ه‍. وفى تقديره نظر، والاولى عندي أن يقدر (لما يوفوا اعمالهم) أي أنهم إلى الآن لم يوفوها وسيوفونها، ووجه رجحانه أمران، أحدهما: أن بعده (ليوفينهم) وهو دليل على أن التوفية لم تقع بعد وأنها ستقع، والثانى: أن منفى لما متوقع الثبوت كما قدمنا، والاهمال غير متوقع الثبوت. وأما قراءة أبى بكر بتخفيف (أن) وتشديد (لما) فتحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون مخففة من الثقيلة، ويأتى في لما تلك الاوجه، والثانى: أن تكون أن نافية، و (كلا) مفعول بإضمار أرى، ولما بمعنى إلا. وأما قراءة النحويين بتشديد النون وتخفيف الميم وقراءة الحرميين بتخفيفهما فإن في الاولى على أصلها من التشديد ووجوب الاعمال، وفى الثانية مخففة من الثقيلة، وأعملت على أحد الوجهين، واللام من لما فيهما لام الابتداء، وقيل: أو هي في قراءة التخفيف الفارقة بين إن النافية، والمخففة من الثقيلة وليس كذلك، لان تلك إنما تكون عند تخفيف إن وإهمالها، وما زائدة للفصل بين اللامين كما زيدت الالف
    [ 283 ]
    للفصل بين الهمزتين في نحو (أأنذرتهم) وبين النونات في نحو (اضربنان يا نسوة) قيل: وليست موصولة بجملة القسم لانها إنشائية، وليس كذلك، لان الصلة في المعنى جملة الجواب، وإنما جملة القسم مسوقة لمجرد التوكيد، ويشهد لذلك قوله تعالى (وإن منكم لمن ليبطئن) لا يقال: لعل من نكرة أي لفريق ليبطئن، لانها حينئذ تكون موصوفة، وجملة الصفة كجملة الصلة في اشتراط الخبرية: وأما المركبة من كلمتين فكقوله: 461 - لما رأيت أبا يزيد مقاتلا * أدع القتال وأشهد الهيجاء [ ص 529 و 694 ] وهو لغز، يقال فيه: أين جواب لما ؟ وبم انتصب أدع ؟ وجواب الاول أن الاصل (لن ما) ثم أدغمت النون في الميم للتقارب، ووصلا خطا للالغاز، وإنما حقهما أن يكتبا منفصلين ونظيره في الالغاز قوله: 462 - عافت الماء في الشتاء، فقلنا * برديه تصادفيه سخينا فيقال: كيف يكون التبريد سببا لمصادفته سخينا ؟ وجوابه أن الاصل (بل رديه) ثم كتب على لفظه للالغاز، وعن الثاني أن انتصابه بلن، وما الظرفية وصلتها ظرف له فاصل بينه وبين لن للضرورة، فيسأل حينئذ: كيف يجتمع قوله لن أدع القتال مع قوله لن أشهد الهيجاء ؟ فيجاب بأن أشهد ليس معطوفا على أدع، بل نصبه بأن مضمرة، وأن والفعل عطف على القتال، أي لن أدع القتال وشهود الهيجاء على حد قول ميسون: * ولبس عباءة وتقر عينى * [ 425 ]
    [ 284 ]
    (لن): حرف نصب ونفى واستقبال، وليس أصله وأصل لم لا فأبدلت الالف نونا في لن وميما في لم خلافا للفراء، لان المعروف إنما هو إبدال النون ألفا لا العكس نحو (لنسفعا) و (ليكونا) ولا أصل لن (لا أن) فحذفت الهمزة تخفيفا والالف للساكين خلافا للخليل والكسائي، بدليل جواز تقديم معمول معمولها عليها نحو (زيدا لن أضرب) خلافا للاخفش الصغير، وامتناع نحو (زيد يعجبنى أن تضرب) خلافا للفراء، ولان الموصول وصلته مفرد، ولن أفعل كلام تام، وقول المبرد إنه مبتدأ حذف خبره أي لا الفعل واقع مردود بأنه لم ينطق به مع أنه لم يسد شئ مسده، بخلاف نحو " لولا زيد لاكرمتك " وبأن الكلام تام بدون المقدر، وبأن لا الداخلة على الجملة الاسمية واجبة التكرار إذا لم تعمل، ولا التفات له في دعوى عدم وجوب ذلك، فإن الاستقراء يشهد بذلك. ولا تفيد لن توكيد النفى خلافا للزمخشري في كشافه، ولا تأييده خلافا له في أنموذجه، وكلاهما دعوى بلا دليل، قيل: ولو كانت للتأييد لم يقيد منفيها باليوم في (فلن أكلم اليوم إنسيا) ولكان ذكر الابد في (ولن يتمنوه أبدا) تكرارا، والاصل عدمه. وتأتى للدعاء كما أتت لا لذلك وفاقا لجماعة منهم ابن عصفور، والحجة في قوله: 463 - لن تزالوا كذلكم ثم لازلت لكم خالدا خلود الجبال وأما قوله تعالى (قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين) فقيل: ليس منه، لان فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم، بل إلى المخاطب أو الغائب، نحو " يا رب لا عذبت فلانا " ونحو " لا عذب الله عمرا " اه‍ ويرده قوله: * ثم لازلت لكم خالدا خلود الجبال * [ 463 ] وتلقى القسم بها وبلم نادر حدا، كقول أبى طالب:
    [ 285 ]
    464 - والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا [ ص 618 ] وقيل لبعضهم: ألك بنون ؟ فقال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة، ويحتمل هذا أن يكون على حذف الجواب، أي إن لى لبنين، ثم استأنف جملة النفى. وزعم بعضهم أنها قد تجزم كقوله: 465 - [ أيادى سبايا عزما كنت بعدكم ] * فلن يحل للعينين بعدك منظر وقوله: 466 - لن يخب الان من رجائك من * حرك من دون بابك الحلقه [ ص 698 ]. والاول محتمل للاجتزاء بالفتحة عن الالف للضرورة. (ليت): حرف تمن يتعلق بالمستحيل غالبا، كقوله: 467 - فيا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب وبالممكن قليلا. وحكمه أن ينصب الاسم ويرفع الخبر، قال الفراء وبعض أصحابه: وقد ينصبهما كقوله: 468 - * يا ليت أيام الصبا رواجعا * وبنى على ذلك ابن المعتز قوله: 469 - مرت بنا سحرا طير، فقلت لها: طوباك، يا ليتنى إياك، طوباك والاول عندنا محمول على حذف الخبر، وتقديره أقبلت، لا تكون، خلافا للكسائي لعدم تقدم إن ولو الشرطيتين، ويصح بيت ابن المعتز على إنابة ضمير النصب عن ضمير الرفع.
    [ 286 ]
    وتقترن بها ما الحرفية فلا تزيلها عن الاختصاص بالاسماء. لا يقال " ليتما قام زيد " خلافا لابن أبى الربيع وطاهر القزويني، ويجوز حينئذ إعمالها لبقاء الاختصاص، وإهمالها حملا على أخواتها، ورووا بالوجهين قول النابغة: قالت،: ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد [ 92 ] ويحتمل أن الرفع على أن " ما " موصولة، وأن الاشارة خبر لهو محذوفا، أي ليت الذى هو هذا الحمام لنا، فلا يدل حينئذ على الاهمال، ولكنه احتمال مرجوح، لان حذف العائد المرفوع بالابتداء في صلة غير أي مع عدم طول الصلة قليل، ويجوز " ليتما زيدا ألقاه " على الاعمال، ويمتنع على إضمار فعل على شريطة التفسير. (لعل): حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، قال بعض أصحاب الفراء: وقد ينصبهما، وزعم يونس أن ذلك لغة لبعض العرب وحكى " لعل أباك منطلقا " وتأويله عندنا على إضمار يوجد، وعند الكسائي على إضمار يكون. وقد مر أن عقيلا يخفضون بها المبتدأ كقوله: 470 - [ فقلت: ادع أخرى وارفع الصوت جهرة ] * لعل أبى المغوار منك قريب [ ص 441 ] وزعم الفارسى أنه لا دليل في ذلك، لانه يحتمل أن الاصل " لعله لابي المغوار منك جواب قريب " فحذف موصوف قريب، وضمير الشأن، ولام لعل الثانية تخفيفا، وأدغم الاولى في لام الجر، ومن ثم كانت مكسورة، ومن فتح فهو على لغة من يقول " المال لزيد " بالفتح، وهذا تكلف كثير، ولم يثبت تخفيف لعل، ثم هو محجوج بنقل الائمة أن الجر بلعل لغة قوم بأعيانهم. واعلم أن مجرور لعل في موضع رفع بالابتداء لتنزيل لعل منزلة الجار الزائد نحو " بحسبك درهم " بجامع ما بينهما من عدم التعلق بعامل، وقوله " قريب " هو خبر ذلك المبتدأ، ومثله " لولاى لكان كذا " على قول سيبويه إن لولا جارة،
    [ 287 ]
    وقولك " رب رجل يقول ذلك " ونحوه قوله: 471 - [ فكيف إذا مررت بدار قوم ] * وجيران لنا كانوا كرام على قول سيبويه إن " كان " زائدة، وقول الجمهور إن الزائد لا يعمل شيئا، فقيل: الاصل " هم لنا " ثم وصل الضمير بكان الزائد إصلاحا للفظ، لئلا يقع الضمير المرفوع المنفصل إلى جانب الفعل، وقيل: بل الضمير توكيد للمستتر في لنا على أن لنا صفة لجيران، ثم وصل لما ذكر، وقيل: بل هو معمول لكان بالحقيقة، فقيل: على أنها ناقصة ولنا الخبر، وقيل: بل على أنها زائدة وأنها تعمل في الفاعل كما يعمل فيه العامل الملغى نحو " زيد ظننت عالم ". وتتصل بلعل " ما " الحرفية فتكفها عن العمل، لزوال اختصاصها حينئذ، بدليل قوله: 472 - [ أعد نظرا يا عبد قيس ] لعلما * أضاءت لك النار الحمار المقيدا [ ص 288 ] وجوز قوم إعمالها حينئذ حملا على ليت، لاشتراكهما في أنهما يغيران معنى الابتداء، وكذا قالوا في كأن، وبعضهم خص لعل بذلك، لاشدية التشابه لانها وليت للانشاء، وأنها كأن فللخبر. قيل: وأول لحن سمع بالبصرة " لعل لها عذر وأنت تلوم " وهذا محتمل لتقدير ضمير الشأن كما تقدم في " إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ". وفيها عشر لغات مشهورة، ولها معان: أحدها: التوقع، وهو: ترجى المحبوب والاشفاق من المكروه، نحو " لعل الحبيب قادم (1)، ولعل الرقيب حاصل " وتختص بالممكن، وقول فرعون (لعلى أبلغ الاسباب أسباب السموات) إنما قاله جهلا أو مخرقة وإفكا.
    (1) في نسخة " الحبيب يقدم ". (*)
    [ 288 ]
    الثاني: التعليل، أثبته جماعة منهم الاخفش والكسائي، وحملوا عليه (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء، ويصرفه للمخاطبين، أي اذهبا على رجائكما. الثالث: الاستفهام، أثبته الكوفيون، ولهذا علق بها الفعل في نحو (لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) ونحو (وما يدريك لعله يزكى) قال الزمخشري: وقد أشرتها معنى ليت من قرأ (فأطلع) اه‍. وفى الآية بحث سيجئ. ويقترن خبرها بأن كثيرا حملا على عسى كقوله: 473 لعلك يوما أن تلم ملمة * [ عليك من اللائى يدعنك أجدعا ] وبحرف التنفيس قليلا كقوله: 474 - فقولا لها قولا رقيقا لعلها سترحمني من زفرة وعويل وخرج بعضهم نصب (فأطلع) على تقدير أن مع أبلغ كما خفض المعطوف من بيت زهير: بدا لى أنى لست مدرك ما مضى * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا [ 135 ] على تقدير الباء مع مدرك. ولا يمتنع كون خبرها فعلا ماضيا خلافا للحريري، وفى الحديث " وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وقال الشاعر: 475 وبدلت قرحا داميا بعد صحة * لعل منايانا تحولن أبؤسا وأنشد سيبويه: أعد نظرا يا عبد قيس لعلما * أضاءت لك النار الحمار المقيد [ 472 ]
    [ 289 ]
    فإن اعترض بأن لعل هنا مكفوفة بما، فالجواب أن شبهة المانع أن لعل للاستقبال فلا تدخل على الماضي، ولا فرق على هذا بين كون الماضي معمولا لها أو معمولا لما في حيزها، ومما يوضح بطلان قوله ثبوت ذلك في خبر ليت وهى بمنزلة لعل نحو (يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) (يا ليتنى كنت ترابا) (يا ليتنى قدمت لحياتي) (يا ليتنى كنت معهم). تنبيه - من مشكل باب ليت وغيره قول يزيد بن الحكم: 476 - فليت كفافا كان خيرك كله * وشرك عنى ما ارتوى الماء مرتوى وإشكاله من أوجه، أحدها: عدم ارتباط خبر ليت باسمها، إذ الظاهر أن كفافا اسم ليت، وأن كان تامة، وأنها وفاعلها الخبر، ولا ضمير في هذه الجملة. والثانى: تعليقه عن بمرتو. والثالث: إيقاعه الماء فاعلا بارتوى، وإنما يقال: ارتوى الشارب. والجواب عن الاول أن كفافا إنما هو خبر لكان مقدم عليها وهو بمعنى كاف، واسم ليت محذوف للضرورة، أي فليتك أو فليته: أي فليت الشأن، ومثله قوله: 477 - فليت دفعت الهم عنى ساعة * [ فبتنا على ما خليت ناعمى بال ] وخيرك: اسم كان، وكله: توكيد له، والجملة خبر ليت، وأما " وشرك " فيروى بالرفع عطفا على " خيرك " فخبره إما محذوف تقديره كفافا، فمرتو: فاعل بارتوى، وإما مرتو على أنه سكن للضرورة كقوله: 478 - ولو أن واش باليمامة داره * ودارى بأعلى حضرموت اهتدى ليا وروى بالنصب: إما على أنه اسم لليت محذوفة، وسهل حذفها تقدم ذكرها، كما سهل ذلك حذف كل وبقاء الخفض في قوله: (19 - مغنى اللبيب 1)
    [ 290 ]
    479 - أكل امرئ تحسبين امرأ * ونار توقد بالليل نارا وإما على العطف على اسم ليت المذكورة إن قدر ضمير المخاطب، فأما ضمير الشأن فلا يعطف عليه لو ذكر فكيف وهو محذوف، ومرتوي على الوجهين مرفوع: إما لانه خبر ليت المحذوفة، أو لانه عطف على خبر ليت المذكورة. وعن الثاني بأنه ضمن مرتو معنى كاف: لان المرتوي يكف عن الشرب، كما جاء (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) لان يخالفون في معنى يعدلون ويخرجون، وإن علقته بكفافا محذوفا على وجه مر ذكره فلا إشكال. وعن الثالث أنه إما على حذف مضاف أي شارب الماء، وإما على جعل الماء مرتويا مجازا كما جعل صاديا في قوله: 480 - * وجبت هجيرا يترك الماء صاديا * ويروى " الماء " بالنصب على تقدير من كما في قوله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلا) ففاعل ارتوى على هذا مرتو، كما تقول: ما شرب الماء شارب. (لكن) مشددة النون - حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، وفى معناها ثلاثة أقوال: أحدها، وهو المشهور: أنه واحد، وهو الاستدراك، وفسر بأن تنسب لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها، ولذلك لابد أن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها نحو " ما هذا ساكنا لكنه متحرك " أو ضد له نحو " ما هذا أبيض لكنه أسود " قيل: أو خلاف نحو " ما زيد قائما، لكنه شارب " وقيل: لا يجوز ذلك. والثانى: أنها ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد، قاله جماعة منهم صاحب
    [ 291 ]
    البسيط، وفسروا الاستدراك برفع ما يتوهم ثبوته نحو " ما زيد شجاعا، لكنه كريم " لان الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان، فنفى أحدهما يوهم انتفاء الآخر، و " ما قام زيد، لكن عمرا قام " وذلك إذا كان بين الرجلين تلابس أو تماثل في الطريقة، ومثلوا للتوكيد بنحو " لو جاءني أكرمته لكنه لم يجئ " فأكدت ما أفادته لو من الامتناع. والثالث: أنها للتوكيد دائما مثل إن، ويصحب التوكيد معنى الاستدراك، وهو قول ابن عصفور، قال في المقرب: إن وأن ولكن، ومعناها التوكيد، ولم يزد على ذلك، وقال في الشرح: معنى لكن التوكيد، وتعطى مع ذلك الاستدراك، اه‍. والبصريون على أنها بسيطة، وقال الفراء: أصلها لكن أن، فطرحت الهمزة للتخفيف، ونون لكن للساكنين، كقوله: 481 - [ فلست بآتيه ولا أستطيعه ] * ولاك اسقنى إن كان ماؤك ذا فضل (1) وقال باقى الكوفيين: مركبة من: لا، وإن، والكاف الزائدة لا التشبهية، وحذفت الهمزة تخفيفا وقد يحذف اسمها كقوله: 482 - فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي * ولكن زنجى عظم المشافر أي ولكنك زنجى، وعليه بيت المتنبي: 483 - وما كنت ممن يدخل العشق قلبه * ولكن من يبصر جفونك يعشق [ ص 605 ] وبيت الكتاب:
    (1) أصله " ولكن اسقنى " والاصل أن يتخلص من التقاء الساكنين بكسر نون لكن، فلما لم يتيسر ذلك له حذف أول الساكنين، وهو نون لكن. (*)
    [ 292 ]
    484 - ولكن من لا يلق أمرا ينوبه * بعدته ينزل به وهو أعزل ولا يكون الاسم فيهما من، لان الشرط لا يعمل فيه ما قبله ولا تدخل اللام في خبرها خلافا للكوفيين، احتجوا بقوله: * ولكننى من حبها لعميد * [ 383 ] ولا يعرف له قائل، ولا تتمة، ولا نظير، ثم هو محمول على زيادة اللام، أو على أن الاصل " لكن أننى " ثم حذفت الهمزة تخفيفا ونون لكن للساكنين. (لكن) ساكنة النون - ضربان: مخففة من الثقيلة، وهى حرف ابتداء، لا يعمل خلافا للاخفش ويونس، لدخولها بعد التخفيف على الجملتين، وخفيفة بأصل الوضع، فإن وليها كلام فهى حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك، وليست عاطفة، ويجوز أن تستعمل بالواو، نحو (ولكن كانوا هم الظالمين) وبدونها نحو قول زهير: 485 - إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره * لكن وقائعه في الحرب تنتظر وزعم ابن أبى الربيع أنها حين اقترانها بالواو عاطفة جملة على جملة، وأنه ظاهر قول سيبويه، وإن وليها مفرد فهى عاطفة بشرطين: أحدهما: أن يتقدمها نفى أو نهى، نحو " ما قام زيد لكن عمرو، ولا يقم زيد لكن عمرو " فإن قلت " قام زيد " ثم جئت بلكن جعلتها حرف ابتداء فجئت بالجملة فقلت " لكن عمرو لم يقم " وأجاز الكوفيون " لكن عمرو " على العطف، وليس بمسموع. الشرط الثاني: أن لا تقترن بالواو، قاله الفارسى وأكثر النحويين، وقال قوم: لا تستعمل مع المفرد إلا بالواو. واختلف في نحو " ما قام زيد ولكن عمرو " على أربعة أقوال، أحدها
    [ 293 ]
    ليونس: إن لكن غير عاطفة، والواو عاطفة مفردا على مفرد، الثاني لابن مالك: إن لكن غير عاطفة والواو عاطفة لجملة حذف بعضها على جملة صرح بجميعها، قال: فالتقدير في نحو " ما قام زيد ولكن عمرو " ولكن قام عمرو، وفى (ولكن رسول الله) ولكن كان رسول الله، وعلة ذلك أن الواو لا تعطف مفردا على مفرد مخالف له في الايجاب والسلب، بخلاف الجملتين المتعاطفتين فيجوز تخالفهما فيه، نحو " قام زيد ولم يقم عمرو " والثالث لابن عصفور: إن لكن عاطفة، والواو زائدة لازمة. والرابع لابن كيسان: إن لكن عاطفة، والواو زائدة غير لازمة. وسمع " ما مررت برجل صالح ولكن صالح " بالخفض، فقيل: على العطف، وقيل: بجار مقدر، أي لكن مررت بطالح، وجاز إبقاء عمل الجار بعد حذفه لقوة الدلالة عليه بتقدم ذكره. (ليس): كلمة دالة على نفى الحال، وتنفى غيره بالقرينة، نحو " ليس خلق الله مثله " وقول الاعشى: 486 - له نافلات ما يغب نوالها * وليس عطاء اليوم مانعه غدا وهى فعل لا يتصرف، وزنه فعل بالكسر، ثم التزم تخفيفه (1)، ولم نقدره فعل بالفتح لانه لا يخفف، ولا فعل بالضم لانه لم يوجد في يائى العين إلا في هيؤ، وسمع " لست " بضم اللام، فيكون على هذه اللغة كهيؤ. وزعم ابن السراج أنه حرف بمنزلة ما، وتابعه الفارسى في الحلبيات وابن شقير وجماعة، والصواب الاول، بدليل لست ولستما ولستن وليسا وليسوا وليست ولسن. وتلازم رفع الاسم ونصب الخبر، وقيل: قد تخرج عن ذلك في مواضع:
    (1) تخفيفه: بتسكين عينه وهى الياء. وإنما يخفف على هذا الوجه مكسور العين أو مضمومها. (*)
    [ 294 ]
    أحدها: أن تكون حرفا ناصبا للمستثنى بمنزلة إلا نحو " أتونى ليس زيدا " والصحيح أنها الناسخة، وأن اسمها ضمير راجع للبعض المفهوم مما تقدم، واستتاره واجب، فلا يليها في اللفظ إلا المنصوب، وهذه المسألة كانت سبب قراءة سيبويه للنحو (1)، وذلك أنه جاء إلى حماد بن سلمة لكتابة الحديث، فاستملى منه قوله صلى الله عليه وسلم " ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لاخذت عليه ليس أبا الدوداء " فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء، فصاح به حماد: لحنت يا سيبويه، إنما هذا استثناء، فقال سيبويه: والله لاطلبن علما لا يلحننى معه أحد، ثم مضى ولزم الخليل وغيره. والثانى: أن يقترن الخبر بعدها بإلا نحو " ليس الطيب إلا المسك " بالرفع، فإن بنى تميم يرفعونه حملا لها على ما في الاهمال عند انتقاض النفى، كما حمل أهل الحجاز ما على ليس في الاعمال عند استيفاء شروطها، حكى ذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء، فبلغ ذلك عيسى بن عمر الثقفى، فجاءه فقال (له): يا أبا عمرو ما شئ بلغني عنك ؟ ثم ذكر ذلك له، فقال له أبو عمرو: نمت وأدلج الناس، ليس في الارض تميمي إلا وهو يرفع، ولا حجازى إلا وهو ينصب، ثم قال لليزيدي ولخلف الاحمر: اذهبا إلى أبى مهدى فلقناه الرفع فإنه لا يرفع، وإلى المنتجع التميمي فلقناه النصب فإنه لا ينصب، فأتياهما وجهدا بكل منهما أن يرجع عن لغته فلم يفعل، فأخبرا أبا عمرو وعنده عيسى، فقال له عيسى: بهذا فقت الناس. وخرج الفارسى ذلك على أوجه: أحدها: أن في " ليس " ضمير الشأن، ولو كان كما زعم لدخلت إلا على أول الجملة الاسمية الواقعة خبرا فقيل: ليس إلا الطيب المسك، كما قال:
    (1) في نسخة " سببا في قراءة سيبويه النحو ". (*)
    [ 295 ]
    487 - ألا ليس إلا ما قضى الله كائن * وما يستطيع المرء نفعا ولا ضرا وأجاب بأن إلا قد توضع في غير موضعها مثل (إن نظن إلا ظنا) وقوله: 288 - * وما اغتره الشيب إلا اغترارا * أي إن نحن إلا نظن ظنا، وما اغتره اغترارا إلا الشيب، لان الاستثناء المفرغ لا يكون في المفعول المطلق التوكيدى، لعدم الفائدة فيه. وأجيب بأن المصدر في الآية والبيت نوعي على حذف الصفة، أي إلا ظنا ضعيفا وإلا اغترارا عظيما والثانى: أن الطيب اسمها، وأن خبرها محذوف، أي في الوجود، وأن المسك بدل من اسمها، الثالث: أنه كذلك، ولكن " إلا المسك " نعت للاسم، لان تعريفه تعريف الجنس [ فهو نكرة معنى ] أي ليس طيب غير المسك طيبا. ولابي نزار الملقب بملك النحاة توجيه آخر، وهو أن الطيب اسمها، والمسك مبتدأ حذف خبره، والجملة خبر ليس، والتقدير: إلا المسك أفخره. وما تقدم من نقل أبى عمرو أن ذلك لغة تميم يرد هذه التأويلات. وزعم بعضهم عن قائل ذلك أنه قدرها حرفا، وأن من ذلك قولهم " ليس خلق الله مثله " وقوله: 489 - هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها * وليس منها شفاء النفس مبذول ولا دليل فيهما: لجواز كون ليس فيهما شانية. الموضع الثالث: أن تدخل على الجملة الفعلية، أو على المبتدأ والخبر مرفوعين كما مثلنا، وقد أجبنا عن ذلك.
    [ 296 ]
    الرابع: أن تكون حرفا عاطفا، أثبت ذلك الكوفيون أو البغداديون، على خلاف بين النقلة، واستدلوا بنحو قوله: 490 - أين المفر والاله الطالب * والاشرم المغلوب ليس الغالب وخرج على أن " الغالب " اسمها والخبر محذوف، قال ابن مالك: وهو في الاصل ضمير متصل عائد على الاشرم، أي ليسه الغالب، كما تقول " الصديق كانه زيد " ثم حذف لاتصاله. ومقتضى كلامه أنه لولا تقديره متصلا لم يجز حذفه، وفيه نظر. حرف الميم (ما): تأتى على وجهين: اسمية، وحرفية، وكل منهما ثلاثة أقسام. فأما أوجه الاسمية. فأحدها: أن تكون معرفة، وهى نوعان: ناقصة، وهى الموصولة، نحو (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) وتامة، وهى نوعان: عامة أي مقدرة بقولك الشئ، وهى التى لم يتقدمها اسم تكون هي وعاملها صفة له في المعنى نحو (إن تبدو الصدقات فنعما هي) أي فنعم الشئ هي، والاصل فنعم الشئ إبداؤها، لان الكلام في الابداء لا في الصدقات، ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه، فانفصل وارتفع وخاصة هي التى تقدمها ذلك، وتقدر من لفظ ذلك الاسم نحو " غسلته غسلا نعما " و " دققته دقا نعما " أي نعم الغسل ونعم الدق، وأكثرهم لا يثبت مجئ ما معرفة تامة، وأثبته جماعة منهم ابن خروف ونقله عن سيبويه. والثانى: أن تكون نكرة مجردة عن معنى الحرف، وهى أيضا نوعان: ناقصة، وتامة.
    [ 297 ]
    فالناقصة هي الموصوفة، وتقدر بقولك شئ كقولهم " مررت بما معجب لك " أي بشئ معجب لك، وقوله: 491 - لما نافع يسعى اللبيب، فلا تكن * لشئ بعيد نفعه الدهر ساعيا وقول الآخر: 492 - ربما تكره النفوس من الام‍ * - ر له فرجة كحل العقال أي رب شئ تكرهه النفوس، فحذف العائد من الصفة إلى الموصوف. ويجوز أن تكون ما كافة، والمفعول المحذوف اسما ظاهرا، أي قد تكره النفوس من الامر شيئا، أي وصفا فيه، أو الاصل: أمرا من الامور (1)، وفى هذا إنابة المفرد عن الجمع، وفيه وفى الاول إنابة الصفة غير المفردة عن الموصوف، إذ الجملة بعده صفة له، وقد قيل في (إن الله نعما يعظكم به): إن المعنى نعم هو شيئا يعظكم به، فما نكرة تامة تمييز، والجملة صفة، والفاعل مستتر، وقيل: ما معرفة موصولة فاعل، والجملة صلة، وقيل غير ذلك، وقال سيبويه في (هذا ما لدى عتيد): المراد شئ لدى عتيد، أي معد أي لجهنم بإغوائى إياه، أو حاضر، والتفسير الاول رأى الزمخشري، وفيه أن " ما " حينئذ للشخص العاقل، وإن قدرت " ما " موصولة فعتيد بدل منها، أو خبر ثان، أو خبر لمحذوف. والتامة تقع في ثلاثة أبواب: أحدها: التعجب، نحو " ما أحسن زيدا " المعنى شئ حسن زيدا، جزم بذلك جميع البصريين، إلا الاخفش فجوزه، وجوز أن تكون معرفة موصولة والجملة بعدها صلة لا محل لها، وأن تكون نكرة موصوفة والجملة بعدها في موضع رفع نعتا لها، وعليهما فخبر المبتدأ محذوف وجوبا، وتقديره شئ عظيم ونحوه.
    (1) في نسخة " من الامور أمرا ". (*)
    [ 298 ]
    الثاني: باب نعم وبئس، نحو " غسلته غسلا نعما، ودققته دقا نعما " أي نعم شيئا، فما: نصب على التمييز عند جماعة من المتأخرين منهم الزمخشري، وظاهر كلام سيبويه أنها معرفة تامة كما مر. والثالث: قولهم إذا أرادوا المبالغة في الاخبار عن أحد بالاكثار من فعل كالكتابة " إن زيدا مما أن يكتب " أي أنه من أمر كتابة، أي أنه مخلوق من أمر وذلك الامر هو الكتابة، فما بمعنى شئ، وأن وصلتها في موضع خفض بدل منها، والمعنى بمنزلته في (خلق الانسان من عجل) جعل لكثرة عجلته كأنه خلق منها، وزعم السيرافى وابن خروف وتبعهما ابن مالك ونقله عن سيبويه أنها معرفة تامة بمعنى الشئ أو الامر، وأن وصلتها مبتدأ، والظرف خبره، والجملة خبر لان، ولا يتحصل للكلام معنى طائل على هذا التقدير. والثالث: أن تكون نكرة مضمنة معنى الحرف، وهى نوعان: أحدهما: الاستفهامية، ومعناها أي شئ، نحو (ما هي) (ما لونها) (وما تلك بيمينك) (قال موسى ما جئتم به السحر) وذلك على قراءة أبى عمرو (السحر) بمد الالف، فما: مبتدأ، والجملة بعدها خبر، والسحر: إما بدل من ما، ولهذا قرن بالاستفهام، وكأنه قيل: السحر جئتم به، وإما بتقدير أهو السحر، أو السحر هو، وأما من قرأ (السحر) على الخبر فما موصولة، والسحر خبرها، ويقويه قراءة عبد الله (ما جئتم به سحر). ويجب حذف ألف ما الاستفهامية إذا جرت وإبقاء الفتحة دليلا عليها، نحو فيم وإلام وعلام [ وبم ] وقال: 493 - فتلك ولاة السوء قد طال مكثهم * فحتام حتام العناء المطول ؟ وربما تبعت الفتحة الالف في الحذف، وهو مخصوص بالشعر، كقوله:
    [ 299 ]
    494 - يا أبا الاسود لم خلفتني لهموم طارقات وذكر وعلة حذف الالف الفرق بين الاستفهام والخبر، فلهذا حذفت في نحو (فيم أنت من ذكراها) (فناظرة بم يرجع المرسلون) (لم تقولون ما لا تفعلون) وثبتت في (لمسكم فيما
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:08 am

    قد تم بحمد الله تعالى وتوفيقه وتيسيره - الجزء الاول من كتاب " مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب " لانحى النحاة العلامة ابن هشام، الانصاري، المصرى. ويليه - إن شاء الله تعالى - الجزء الثاني، مفتتحا بحرف النون من باب الحروف وقال أكثر الكوفيين: ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها، وبقى فاعله، والاصل: مذ كان يومان، واختاره السهيلي وابن مالك، وقال بعض الكوفيين: خبر لمحذوف، أي ما رأيته من الزمان الذى هو يومان، بناء على أن مذ مركبة من كلمتين من وذو الطائية.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:09 am

    مغنى اللبيب

    ابن هشام الانصاري ج 2

    [ 337 ]

    مغنى اللبيب عن كتب الاعاريب تأليف الامام أبى محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف ابن أحمد بن عبد الله بن هشام، الانصاري، المصرى المتوفى في سنة 761 من الهجرة حققه، وفصله، وضبط غرائبه محمد محيى الدين عبد الحميد عفا الله تعالى عنه منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم - ايران 1404 ه‍ ق الجزء الثاني

    [ 338 ]

    يطلب من ناشره المكتبة التجارية الكبرى بمصر مطبعة المدنى 68 شارع العباسية - القاهرة

    [ 339 ]

    بسم الله الرحمن الرحيم حرف النون النون المفردة - تأتى على أربعة أوجه: أحدها: نون التوكيد، وهى خفيفة وثقيلة، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: (ليسجنن وليكونا) وهما أصلان عند البصريين، وقال الكوفيون: الثقيلة أصل، ومعناهما التوكيد، قال الخليل: والتوكيد بالثقيلة أبلغ، ويختصان بالفعل، وأما قوله: 554 - [ أريت إن جاءت به أملودا * مرجلا ويلبس البرودا ] * أقائلن أحضروا الشهودا * فضرورة سوغها شبه الوصف بالفعل. ويؤكد بهما صيغ الامر مطلقا، ولو كان دعائيا كقوله: 555 - فأنزلن سكينة علينا [ وثبت الاقدام إن لاقينا ] إلا أفعل في التعجب، لان معناه كمعنى الفعل الماضي، وشذ قوله: 556 - [ ومستبدل من بعد غضيى صريمة ] * فأحربه بطول فقر وأحريا ولا يؤكد بهما الماضي مطلقا، وشذ قوله: 557 - دامن سعدك لو رحمت متيما * لولاك لم يك للصبابة جانحا والذى سهله أنه بمعنى أفعل، وأما المضارع فإن كان حالا لم يؤكد بهما، وإن كان مستقبلا أكد بهما وجوبا في نحو قوله تعالى (وتالله لاكيدن أصنامكم) وقريبا من الوجوب بعد إما في نحو (وإما تخافن من قوم) (وإما ينزغنك) وذكر ابن جنى أنه قرئ (فإما ترين) بياء ساكنة بعدها نون الرفع على حد قوله: * يوم الصليفاء لم يوفون بالجار * [ 448 ]

    [ 340 ]

    ففيها شذوذان: ترك نون التوكيد، وإثبات نون الرفع مع الجازم. وجوازا كثيرا بعد الطلب نحو (ولا تحسبن الله غافلا) وقليلا في مواضع كقولهم: 558 - [ إذا مات منهم سيد سرق ابنه ] * ومن عضة ما ينبتن شكيرها الثاني: التنوين، وهو نون زائدة ساكنة تلحق الآخر لغير توكيد، فخرج نون حسن لانها أصل، ونون ضيفن للطفيلي لانها متحركة، ونون منكسر وانكسر لانها غير آخر، ونون (لنسفعا) لانها للتوكيد. وأقسامه خمسة: تنوين التمكين، وهو: اللاحق للاسم المعرب المنصرف إعلاما ببقائه على أصله وأنه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع الصرف، ويسمى تنوين الا مكنية أيضا، وتنوين الصرف، وذلك كزيد ورجل ورجال. وتنوين التنكير، وهو: اللاحق لبعض الاسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها، ويقع في باب اسم الفعل بالسماع كصه ومه وإيه، وفى العلم المختوم بويه بقياس نحو " جاءني سيبويه وسيبويه آخر ". وأما تنوين رجل ونحوه من المعربات فتنوين تمكين، لا تنوين تنكير، كما قد يتوهم بعض الطلبة، ولهذا لو سميت به رجلا بقى ذلك التنوين بعينه مع زوال التنكير. وتنوين المقابلة، وهو: اللاحق لنحو " مسلمات " جعل في مقابلة النون في " مسلمين " وقيل: هو عوض عن الفتحة نصبا، ولو كان كذلك لم يوجد في الرفع والجر، ثم الفتحة قد عوض عنها الكسرة، فما هذا العوض الثاني ؟ وقيل: هو تنوين التمكين، ويرده ثبوته مع التسمية به كعرفات كما تبقى نون مسلمين مسمى به، وتنوين التمكين لا يجامع العلتين، ولهذا لو سمى بمسلمة

    [ 341 ]

    أو عرفة زال تنوينهما، وزعم الزمخشري أن عرفات مصروف، لان تاءه ليست للتأنيث، وإنما هي والالف للجمع، قال: ولا يصح أن يقدر فيه تاء غيرها، لان هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث تأبى ذلك، كما لا تقدر التاء في بنت مع أن التاء المذكورة مبدلة من الواو، ولكن اختصاصها بالمؤنث يأبى ذلك، وقال ابن مالك: اعتبار تاء نحو عرفات في منع الصرف أولى من اعتبار تاء نحو عرفة ومسلمة، لانها لتأنيث معه جمعية، ولانها علامة لا تتغير في وصل ولا وقف. وتنوين العوض، وهو: اللاحق عوضا من حرف أصلى، أو زائد، أو مضاف إليه: مفردا، أو جملة. فالاول كجوار وغواش، فإنه عوض من الياء وفاقا لسيبويه والجمهور، لا عوض من ضمة الياء وفتحتها النائبة عن الكسرة خلافا للمبرد، إذ لو صح لعوض عن حركات نحو حبلى، ولا هو تنوين التمكين والاسم منصرف خلافا للاخفش، وقوله لما حذفت الياء التحق الجمع بأوزان الآحاد كسلام وكلام فصرف مردود، لان حذفها عارض للتخفيف، وهى منوية، بدليل أن الحرف الذى بقى أخيرا لم يحرك بحسب العوامل، وقد وافق على أنه لو سمى يكتف امرأة ثم سكن تخفيفا لم يجز صرفه كما جاز صرف هند، وأنه إذا قيل في جيال علما لرجل جيل بالنقل لم ينصرف انصراف قدم علما لرجل، لان حركة تاء كتف وهمزة جيل منويا الثبوت، ولهذا لم تقلب ياء جيل ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. والثانى: كجندل، فإن تنوينه عوض من ألف جنادل، قاله ابن مالك، والذى يظهر خلافه، وأنه تنوين الصرف، ولهذا يجر بالكسرة، وليس ذهاب الالف التى هي علم الجمعية كذهاب الياء من نحو جوار وغواش. والثالث: تنوين كل وبعض إذا قطعتا عن الاضافة نحو (وكلا ضربنا له

    [ 342 ]

    الامثال) (فضلنا بعضهم على بعض) وقبل: هو تنوين التمكين، رجع لزوال الاضافة التى كانت تعارضه. والرابع: اللاحق لاذ في نحو (وانشقت السماء فهى يومئذ واهية) والاصل فهى يوم إذ انشقت واهية، ثم حذفت الجملة المضاف إليها للعلم بها، وجئ بالتنوين عوضا عنها، وكسرت الذال للساكنين. وقال الاخفش: التنوين تنوين التمكين والكسرة إعراب المضاف إليه. وتنوين الترنم، وهو: اللاحق للقوافي المطلقة بدلا من حرف الاطلاق، وهو الالف والواو والياء، وذلك في إنشاد بنى تميم، وظاهر قولهم أنه [ تنوين ] محصل للترنم وقد صرح بذلك ابن يعيش كما سيأتي، والذى صرح به سيبويه وغيره من المحققين أنه جئ به لقطع الترنم، وأن الترنم وهو التغني يحصل بأحرف الاطلاق لقبولها لمد الصوت فيها، فإذا أنشدوا ولم يترنموا جاءوا بالنون في مكانها ولا يختص هذا التنوين بالاسم، بدليل قوله: 559 - [ أقلى اللوم عاذل والعتابن ] * وقولى إن أصبت لقد أصابن وقوله: [ أفد الترحل غير أن ركابنا ] * لما تزل برحالنا وكأن قدن [ 286 ] وزاد الاخفش والعروضيون تنوينا سادسا، وسموه الغالى، وهو: اللاحق لآخر القوافى المقيدة، كقول رؤبة: 560 - وقاتم الاعماق خاوى المخترقن * [ مشتبه الاعلام لماع الخفقن ] [ ص 361 ] وسمى غاليا لتجاوزه حد الوزن، ويسمى الاخفش الحركة التى قبله غلوا، وفائدته الفرق بين الوقف والوصل، وجعله ابن يعيش من نوع تنوين الترنم، زاعما أن الترنم يحصل بالنون نفسها، لانها حرف أغن، قال: وإنما سمى المغنى مغنيا "

    [ 343 ]

    لانه يغنن صوته: أي يجعل فيه غنة، والاصل عنده مغنن بثلاث نونات فأبدلت الاخيرة ياء تخفيفا، وأنكر الزجاج والسيرافى ثبوت هذا التنوين البتة، لانه يكسر الوزن، وقالا: لعل الشاعر كان يزيد " إن " في آخر كل بيت، فضعف صوته بالهمزة، فتوهم السامع أن النون تنوين، واختار هذا القول ابن مالك، وزعم أبو الحجاج ابن معزوز أن ظاهر كلام سيبويه في المسمى تنوين الترنم أنه نون عوض من المدة، وليس بتنوين، وزعم ابن مالك في التحفة أن تسمية اللاحق للقوافي المطلقة والقوافي المقيدة تنوينا مجاز، وإنما هو نون أخرى زائدة، ولهذا لا يختص بالاسم، ويجامع الالف واللام، ويثبت في الوقف. وزاد بعضهم تنوينا سابعا، وهو تنوين الضرورة، وهو: اللاحق لمالا ينصرف كقوله: 561 - ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة [ فقالت: لك الويلات، إنك مرجلى ] وللمنادى المضموم كقوله: 562 - سلام الله يا مطر عليها * [ وليس عليك يا مطر السلام ] وبقوله أقول في الثاني دون الاول، لان الاول تنوين التمكين، لان الضرورة أباحت الصرف، وأما الثاني فليس تنوين تمكين، لان الاسم مبنى على الضم. وثامنا، وهو التنوين الشاذ، كقول بعضهم " هؤلاء قومك " حكاه أبو زيد، وفائدته مجرد تكثير اللفظ، كما قيل في ألف قبعثرى، وقال ابن مالك: الصحيح أن هذا نون زيدت في آخر الاسم كنون ضيفن، وليس بتنوين، وفيما قاله نظر، لان الذى حكاه سماه تنوينا، فهذا دليل منه على أنه سمعه في الوصل دون الوقف، ونون ضيفن ليست كذلك. وذكر ابن الخباز في شرح الجزولية أن أقسام التنوين عشرة، وجعل كلا من

    [ 344 ]

    تنوين المنادى وتنوين صرف ما لا ينصرف قسما برأسه، قال: والعاشر تنوين الحكاية، مثل أن تسمى رجلا بعاقلة لبيبة، فإنك تحكى اللفظ المسمى به، وهذا اعتراف منه بأنه تنوين الصرف، لان الذى كان قبل التسمية حكى (1) بعدها. الثالث: نون الاناث، وهى اسم في نحو " النسوة يذهبن " خلافا للمازني، وحرف في نحو " يذهبن النسوة " في لغة من قال " أكلوني البراغيث " خلافا لمن زعم أنها اسم وما بعدها بدل منها، أو مبتدأ مؤخر والجملة قبله خبره. الرابع: نون الوقاية، وتسمى نون العماد أيضا، وتلحق قبل ياء المتكلم المنتصبة بواحد من ثلاثة: أحدها: الفعل، متصرفا كان نحو " أكرمنى " أو جامدا نحو " عساني، وقاموا ما خلانى وما عدانى وحاشانى " إن قدرت فعلا، وأما قوله: [ عددت قومي كعديد الطيس ] إذ ذهب القوم الكرام ليسى [ 283 ] فضرورة، ونحو (تأمرونني) يجوز فيه الفك، والادغام، والنطق بنون واحدة، وقد قرئ بهن في السبعة، وعلى الاخيرة فقيل: النون الباقية نون الرفع، وقيل: نون الوقاية، وهو الصحيح. الثاني: اسم الفعل نحو " دراكنى " و " تراكنى " و " عليكنى " بمعنى أدركني وأتركني والزمنى. الثالث: الحرف نحو " إننى " وهى جائزة الحذف مع إن وأن ولكن وكأن، وغالبة الحذف مع لعل، وقليلته مع ليت. وتلحق أيضا قبل الياء المخفوضة بمن وعن إلا في الضرورة، وقبل المضاف إليها لدن أو قد أو قط إلا في القليل (2) من الكلام، وقد تلحق في غير ذلك شذوذا كقولهم " بجلنى " بمعنى حسبى.

    (1) في نسخة " يحكى بعدها " (2) في نسخة " إلا في قليل الكلام ". (*)

    [ 345 ]

    وقوله: 563 - [ وما أدرى وظني كل ظن ] * أمسلمنى إلى قومي شراحي يريد شراحيل، وزعم هشام أن الذى في " أمسلمنى " ونحوه تنوين لا نون، وبنى ذلك على قوله في ضاربني إن الياء منصوبة، ويرده قول الشاعر: 564 - وليس الموافينى ليرفد خائبا * [ فإن له أضعاف ما كان أملا ] وفى الحديث " غير الدجال أخوفني عليكم " والتنوين لا يجامع الالف واللام ولا اسم التفضيل لكونه غير منصرف، وما لا ينصرف لا تنوين فيه، وفى الصحاح أنه يقال " بجلى " ولا يقال " بجلنى " وليس كذلك. (نعم) بفتح العين، وكنانة تكسرها، وبها قرأ الكسائي، وبعضهم يبدلها حاء، وبها قرأ ابن مسعود، وبعضهم بكسر النون إتباعا لكسرة العين تنزيلا لها منزلة الفعل في قولهم نعم وشهد بكسرتين، كما نزلت بلى منزلة (الفن) ؟ في الامالة، والفارسي لم يطلع على هذه القراءة وأجازها بالقياس وهى حرف تصديق ووعد وإعلام، فالاول بعد الخبر كقام زيد، وما قام زيد. والثانى بعد افعل ولا تفعل وما في معناهما نحو هلا تفعل وهلا لم تفعل، وبعد الاستفهام في نحو هل تعطيني، ويحتمل أن تفسر في هذا بالمعنى الثالث والثالث بعد الاستفهام في نحو هل جاءك زيد، ونحو (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) (أئن لنا لاجرا) وقول صاحب المقرب " إنها بعد الاستفهام للوعد " غير مطرد، لما بيناه قبل. قيل: وتأتى للتوكيد إذا وقعت صدرا نحو " نعم هذه أطلالهم " والحق أنها في ذلك حرف إعلام، وأنها جواب لسؤال مقدر، ولم يذكر سيبويه معنى الاعلام البتة، بل قال: وأما نعم فعدة وتصديق، وأما بلى فيوجب بها بعد النفى، وكأنه رأى أنه إذا قيل " هل قام زيد " فقيل نعم فهى لتصديق ما بعد الاستفهام والاولى

    [ 346 ]

    ما ذكرناه من أنها للاعلام، إذ لا يصح أن تقول لقائل ذلك: صدقت، لانه إنشاء لا خبر. واعلم أنه إذا قيل " قام زيد " فتصديقه نعم، وتكذيبه لا، ويمتنع دخول بلى لعدم النفى. وإذا قيل " ما قام زيد " فتصديقه نعم، وتكذيبه بلى، ومنه (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى) ويمتنع دخول لا، لانها لنفى الاثبات لا لنفى النفى. وإذا قيل " أقام زيد " فهو مثل قام زيد، أعنى أنك تقول إن أثبت القيام: نعم، وإن نفيته: لا، ويمتنع دخول بلى، وإذا قيل " ألم يقم زيد " فهو مثل لم يقم زيد، فتقول إذا أثبت القيام: بلى، ويمنع دخول لا، وإن نفيته قلت: نعم، قال الله تعالى (ألم يأتكم نذير قالوا بلى) (ألست بربكم قالوا بلى) (أو لم تؤمن قال بلى) وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه لو قيل نعم في جواب (ألست بربكم) لكان كفرا. والحاصل أن " بلى " لا تأتى إلا بعد نفى، وأن " لا " لا تأتى إلا بعد إيجاب، وأن " نعم " تأتى بعدهما، وإنما جاز (بلى قد جاءتك آياتى) مع أنه لم يتقدم أداة نفى لان (لو أن الله هداني) يدل على نفى هدايته، ومعنى الجواب حينئذ بلى قد هديتك بمجئ الآيات، أي قد أرشدتك لذلك (1)، مثل (وأما ثمود فهديناهم). وقال سيبويه، في باب النعت، في مناظرة جرت بينه وبين بعض النحويين: فيقال له: ألست تقول كذا وكذا، فإنه لا يجد بدا من أن يقول: نعم، فيقال له: أفلست تفعل كذا ؟ فإنه قائل: نعم، فزعم ابن الطراوة أن ذلك لحن. وقال جماعة من المتقدمين والمتأخرين منهم الشلوبين: إذا كان قبل النفى استفهام فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفى المجرد، وإن كان مرادا به التقرير فالاكثر أن يجاب بما يجاب به النفى رعيا للفظه، ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الايجاب

    (1) في نسخة " قد أرشدتك بذلك " وكلاهما صحيح، ولكل وجه. (*)

    [ 347 ]

    رعيا لمعناه، ألا ترى أنه لا يجوز بعده دخول أحد، ولا الاستثناء المفرغ، لا يقال: أليس أحد في الدار، ولا أليس في الدار إلا زيد، وعلى ذلك قول الانصار رضى الله تعالى عنهم للنبى صلى الله عليه وسلم - وقد قال لهم: ألستم ترون لهم ذلك - نعم، وقول جحدر: 565 - أليس الليل يجمع أم عمرو * وإيانا، فذاك بنا تدانى نعم، وأرى الهلال كما تراه * ويعلوها النهار كما علانى وعلى ذلك جرى كلام سيبويه، والمخطئ مخطئ. وقال ابن عصفور: أجرت العرب التقرير في الجواب مجرى النفى المحض وإن كان إيجابا في المعنى، فإذا قيل " ألم أعطك درهما " قيل في تصديقه: نعم، وفى تكذيبه: بلى، وذلك لان المقرر قد يوافقك فيما تدعيه وقد يخالفك، فإذا قال نعم لم يعلم هل أراد نعم لم تعطنى على اللفظ أو نعم أعطيتني على المعنى، فلذلك أجابوه على اللفظ، ولم يلتفتوا إلى المعنى، وأما نعم في بيت جحدر فجواب لغير مذكور، وهو ما قدره في اعتقاده من أن الليل يجمعه وأم عمرو، وجاز ذلك لامن اللبس، لعلمه أن كل أحد يعلم أن الليل يجمعه وأم عمرو، أو هو جواب لقوله " وأرى الهلال - البيت " وقدمه عليه. قلت: أو لقوله: " فذاك بنا تدانى " وهو أحسن. وأما قول الانصار فجاز لزوال اللبس، لانه قد علم أنهم يريدون نعم نعرف لهم ذلك، وعلى هذا يحمل استعمال سيبويه لها بعد التقرير، اه‍. ويتحرر على هذا أنه لو أجيب (ألست بربكم) بنعم لم يكف في الاقرار، لان الله سبحانه وتعالى أوجب في الاقرار بما يتعلق بالربوبية العبارة التى لا تحتمل غير المعنى المراد من المقر، ولهذا لا يدخل في الاسلام بقوله " لا إله إلا الله " برفع إله: لاحتماله لنفى الوحدة فقط، ولعل ابن عباس رضى الله عنهما إنما قال إنهم لو قالوا نعم

    [ 348 ]

    لم يكن إقرارا كافيا، وجوز الشلوبين أن يكون مراده أنهم لو قالوا نعم جوابا للملفوظ به على ما هو الافصح لكان كفرا، إذ الاصل تطابق الجواب والسؤال لفظا، وفيه (نظر) ؟، لان التكفير لا يكون بالاحتمال. حرف الهاء الهاء المفردة - على خمسة أوجه: أحدها: أن تكون ضميرا للغائب، وتستعمل في موضعي الجر والنصب، نحو (قال له صاحبه وهو يحاوره). والثانى: أن تكون حرفا للغيبة، وهى الهاء في " إياه " فالحق (1) أنها حرف لمجرد معنى الغيبة، وأن الضمير " إيا " وحدها. والثالث: هاء السكت، وهى اللاحقة لبيان حركة أو حرف نحو (ماهيه) ونحو " ها هناه، ووازيداه " وأصلها أن يوقف عليها، وربما وصلت بنية الوقف. والرابع: المبدلة من همزة الاستفهام كقوله: 566 - وأتى صواحبها فقلن: هذا الذى * منح المودة غيرنا وجفانا ؟ والتحقيق أن لا تعد هذه، لانها ليست بأصلية، على أن بعضهم زعم أن الاصل " هذا " فحذفت الالف. والخامس: هاء التأنيث، نحو " رحمه " في الوقف، وهو قول الكوفيين. زعموا أنها الاصل، وأن التاء في الوصل بدل منها، وعكس ذلك البصريون، والتحقيق أن لا تعد ولو قلنا بقول الكوفيين، لانها جزء كلمة لا كلمة.

    (1) في نسخة " والتحقيق أنها - إلخ ". (*)

    [ 349 ]

    (ها) على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون اسما لفعل، وهو خذ، ويجوز مد ألفها، ويستعملان بكاف الخطاب وبدونها، ويجوز في الممدودة أن يستغنى عن الكاف بتصريف همزتها تصاريف الكاف، فيقال " هاء " للمذكر بالفتح و " هاء " للمؤنث بالكسر، و " هاؤما " و " هاؤن " و " هاؤم " ومنه (هاؤم اقرأوا كتابيه). والثانى: أن تكون ضميرا للمؤنث، فتستعمل مجرورة الموضع ومنصوبته نحو (فألهمها فجورها وتقواها). والثالث: أن تكون للتنبيه، فتدخل على أربعة، أحدها: الاشارة غير المختصة بالبعيد نحو " هذا " بخلاف ثم وهنا بالتشديد وهنالك. والثانى: ضمير الرفع المخبر عنه باسم إشارة نحو (ها أنتم أولاء) وقيل: إنما كانت داخلة على الاشارة فقدمت، فرد بنحو (ها أنتم هؤلاء) فأجيب بأنها أعيدت توكيدا، والثالث: نعت أي في النداء نحو " يا أيها الرجل " وهى في هذا واجبة للتنبيه على أنه المقصود بالنداء، قيل: وللتعويض عما تضاف إليه أي، ويجوز في هذه في لغة بنى أسد أن تحذف ألفها، وأن تضم هاؤها إتباعا، وعليه قراءة ابن عامر (أيه المؤمنون) (أيه الثقلان) (أيه الساحر) بضم الهاء في الوصل، والرابع: اسم الله تعالى في القسم عند حذف الحرف، يقال (ها الله) بقطع الهمزة ووصلها، وكلاهما مع إثبات ألف " ها " وحذفها. (هل): حرف موضوع لطلب التصديق الايجابي، دون التصور، ودون التصديق السلبي، فيمتنع نحو " هل زيدا ضربت " لان تقديم الاسم يشعر بحصول التصديق بنفس النسبة، ونحو " هل زيد قائم أم عمرو " إذا أريد بأم المتصلة، و " هل لم يقم زيد " ونظيرها في الاختصاص بطلب التصديق أم المنقطعة، وعكسهما أم المتصلة، وجميع أسماء الاستفهام فإنهن لطلب التصور لا غير، وأعم من الجميع الهمزة فإنها مشتركة بين الطلبين.

    [ 350 ]

    وتفترق هل من الهمزة من عشرة أوجه: أحدها: اختصاصها بالتصديق. والثانى: اختصاصها بالايجاب، تقول " هل زيد (قائم) ؟ " ويمتنع " هل لم يقم " بخلاف الهمزة، نحو (ألم نشرح) (ألن يكفيكم) (أليس الله بكاف عبده) وقال: * ألا طعان ألا فرسان عادية * [ 100 ] والثالث: تخصيصها المضارع بالاستقبال، نحو " هل تسافر ؟ " بخلاف الهمزة نحو " أتظنه قائما " وأما قول ابن سيده في شرح الجمل: لا يكون الفعل المستفهم عنه إلا مستقبلا، فسهو، قال الله سبحانه وتعالى (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) وقال زهير: 567 - فمن مبلغ الاحلاف عنى رسالة * وذبيان هل أقسمتم كل مقسم والرابع والخامس والسادس: أنها لا تدخل على الشرط، ولا على إن، ولا على اسم بعده فعل، في الاختيار، بخلاف الهمزة، بدليل (أفإن مت فهم الخلدون) (أئن ذكرتم، بل أنتم قوم مسرفون) (أئنك لانت يوسف) (أبشرا منا واحدا نتبعه). والسابع والثامن: أنها تقع بعد العاطف، لا قبله وبعد أم نحو (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) وفى الحديث " وهل ترك لنا عقيل من رباع " وقال: 568 - ليت شعرى هل ثم هل آتينهم * أو يحولن دون ذاك حمام ؟ وقال تعالى (قل هل يستوى الاعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور) التاسع: أنه يراد بالاستفهام بها النفى، ولذلك دخلت على الخبر بعدها إلا في نحو (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) والباء في قوله:

    [ 351 ]

    569 - [ يقول إذا اقلولى عليها وأقردت ]: * ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم ؟ وصح العطف في قوله: 570 - وإن شفائى عبرة مهراقة * وهل عند رسم دارس من معول [ ص 483 ] إذ لا يعطف الانشاء على الخبر. فإن قلت: قد مر لك في صدر الكتاب أن الهمزة تأتى لمثل ذلك مثل (أفاصفاكم ربكم بالبنين) ألا ترى أن الواقع أنه سبحانه لم يصفهم بذلك ؟. قلت: إنما مر أنها للانكار على مدعى ذلك، ويلزم من ذلك الانتفاء، لا أنها للنفي ابتداء، ولهذا لا يجوز " أقام إلا زيد " كما يجوز " هل قام إلا زيد " (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) (هل ينظرون إلا الساعة) وقد يكون الانكار مقتضيا لوقوع الفعل، على العكس من هذا، وذلك إذا كان بمعنى ما كان ينبغى لك أن تفعل، نحو أتضرب زيدا وهو أخوك ؟ ويتلخص أن الانكار على ثلاثة أوجه: إنكار على من ادعى وقوع الشئ، ويلزم من هذا النفى وإنكار على من أوقع الشئ، ويختصان بالهمزة وإنكار لوقوع الشئ، وهذا هو معنى النفى، وهو الذى تنفرد به هل عن الهمزة. والعاشر: أنها تأتى بمعنى قد، وذلك مع الفعل، وبذلك فسر قوله تعالى (هل أتى على الانسان حين من الدهر) جماعة منهم ابن عباس رضى الله عنهما والكسائي والفراء والمبرد قال في مقتضبه: هل للاستفهام نحو هل جاء زيد، وقد تكون بمنزلة قد نحو قوله جل اسمه (هل أتى على الانسان) اه‍. وبالغ الزمخشري فزعم أنها أبدا بمعنى قد، وأن الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدرة معها، ونقله في المفصل عن سيبويه، فقال: وعند سيبويه أن هل بمعنى

    [ 352 ]

    قد، إلا أنهم تركوا الالف قبلها، لانها لا تقع إلا في الاستفهام، وقد جاء دخولها عليها في قوله: 571 - سائل فوارس يربوع بشدتنا * أهل رأونا بسفح القاع ذى الاكم اه‍ ولو كان كما زعم لم تدخل إلا على الفعل كقد، وثبت في كتاب سيبويه رحمه الله ما نقله عنه، ذكره في باب أم المتصلة، ولكن فيه أيضا ما قد يخالفه، فإنه قال في باب عدة ما يكون عليه الكلم ما نصه: وهل هي للاستفهام، ولم يزد على ذلك. وقال الزمخشري في كشافه (هل أتى) أي قد أتى، على معنى التقرير والتقريب جميعا، أي أتى على الانسان قبل زمان قريب طائفة من الزمان الطويل الممتد لم يكن فيه شيئا مذكورا، بل شيئا منسيا نطفة في الاصلاب، والمراد بالانسان الجنس بدليل (إنا خلقنا الانسان من نطفة) ه‍. وفسرها غيره بقد خاصة، ولم يحملوا قد على معنى التقريب، بل على معنى التحقيق، وقال بعضهم: معناها التوقع، وكأنه قيل لقوم يتوقعون الخبر عما أتى على الانسان وهو آدم عليه الصلاة والسلام، قال: والحين زمن كونه طينا، وفى تسهيل ابن مالك أنه يتعين مرادفة هل لقد إذا دخلت عليها الهمزة يعنى كما في البيت، ومفهومه أنها لا تتعين لذلك إذا لم تدخل عليها، بل قد تأتى لذلك كما في الآية، وقد لا تأتى له، وقد عكس قوم ما قاله الزمخشري، فزعموا أن هل لا تأتى بمعنى قد أصلا. وهذا هو الصواب عندي، إذ لا متمسك لمن أثبت ذلك إلا أحد ثلاثة أمور: أحدها: تفسير ابن عباس رضى الله عنهما، ولعله إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير، وليس باستفهام حقيقي، وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين، فقال بعضهم: هل هنا للاستفهام التقريرى، والمقرر به من أنكر البحث، (وقد) ؟ علم أنهم يقولون: نعم قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه، فيقال لهم: فالذي أحدث الناس

    [ 353 ]

    بعد أن لم يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم ؟ وهو معنى قوله تعالى: (ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون) أي فهلا تذكرون فتعلمون أنه من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن قادر على إعادته بعد عدمه ؟ انتهى. وقال آخر مثل ذلك، إلا أنه فسر الحين بزمن التصوير في الرحم، فقال: المعنى ألم يأت على الناس حين من الدهر كانوا فيه نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن صاروا شيئا مذكورا. وكذا قال الزجاج، إلا أنه حمل الانسان على آدم عليه الصلاة والسلام، فقال: المعنى ألم يأت على الانسان حين من الدهر كان فيه ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الروح ؟ اه‍. وقال بعضهم: لا تكون هل للاستفهام التقريرى، وإنما ذلك من خصائص الهمزة، وليس كما قال، وذكر جماعة من النحويين أن هل تكون بمنزلة إن في إفادة التوكيد والتحقيق، وحملوا على ذلك (هل في ذلك قسم لذى حجر) وقدروه جوابا للقسم، وهو بعيد. والدليل الثاني: قول سيبويه الذى شافه العرب وفهم مقاصدهم، وقد مضى أن سيبويه لم يقل ذلك. والثالث: دخول الهمزة عليها في البيت، والحرف لا يدخل على مثله في المعنى، وقد رأيت عن السيرافى أن الرواية الصحيحة " أم هل " وأم هذه منقطعة بمعنى بل، فلا دليل، وبتقدير ثبوت تلك الرواية فالبيت شاذ، فيمكن تخريجه على أنه من الجمع بين حرفين لمعنى (1) واحد على سبيل التوكيد، كقوله: * ولا للما بهم أبدا دواء * [ 299 ] بل الذى في ذلك البيت أسهل، لاختلاف اللفظين، وكون أحدهما على حرفين فهو كقوله:

    (1) في نسخة " بمعنى واحد ". (*)

    [ 354 ]

    572 - فأصبح لا يسألنه عن بما به * أصعد في علو الهوى أم تصوبا (هو) وفروعه: تكون أسماء وهو الغالب، وأحرفا في نحو " زيد هو الفاضل " إذا أعرب فصلا وقلنا: لا موضع له من الاعراب، وقيل: هي مع القول بذلك أسماء كما قال الاخفش في نحو صه ونزال: أسماء لا محل لها، وكما في الالف واللام في نحو " الضارب " إذا قدرناهما اسما. حرف الواو (الواو المفردة) انتهى مجموع ما ذكر من أقسامها إلى أحد عشر: الاول: العاطفة، ومعناها مطلق الجمع، فتعطف الشئ على مصاحبه نحو (فأنجيناه وأصحاب السفينة) وعلى سابقه نحو (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم) وعلى لاحقه نحو (كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك)، وقد اجتمع هذان في (ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم) فعلى هذا إذا قيل " قام زيد وعمرو " احتمل ثلاثة معان، قال ابن مالك: وكونها للمعية راجح، وللترتيب كثير، ولعكسه قليل، اه‍. ويجوز أن يكون بين متعاطفيها تقارب أو تراخ نحو (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) فإن الرد بعيد إلقائه في اليم والارسال على رأس أربعين سنة، وقول بعضهم " إن معناها الجمع المطلق " غير سديد، لتقييد الجمع بقيد الاطلاق، وإنما هي للجمع لا بقيد، وقول السيرافى " إن النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب " مردود، بل قال بإفادتها إياه قطرب والربعى والفراء وثعلب وأبو عمرو الزاهد وهشام والشافعي، ونقل الامام في البرهان عن بعض الحنفية أنها للمعية

    [ 355 ]

    وتنفرد عن سائر أحرف العطف بخمسة عشر حكما: أحدها: احتمال معطوفها للمعانى الثلاثة السابقة. والثانى: اقترانها بإما نحو (إما شاكرا وإما كفورا). والثالث: اقترانها بلا إن سبقت بنفى ولم تقصد المعية نحو " ما قام زيد ولا عمرو " ولتفيد أن الفعل منفى عنهما في حالتى الاجتماع والافتراق، ومنه (وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى) والعطف حينئذ من عطف الجمل عند بعضهم على إضمار العامل، والمشهور أنه من عطف المفردات، وإذا فقد أحد الشرطين امتنع دخولها، فلا يجوز نحو " قام زيد ولا عمرو " وإنما جاز (ولا الضالين) لان في (غير) معنى النفى، وإنما جاز قوله: 573 - فاذهب فأى فتى في الناس أحرزه * من حتفه ظلم دعج ولا حيل لان المعنى لا فتى أحرزه، مثل (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون)، ولا يجوز " ما اختصم زيد ولا عمرو " لانه للمعية لا غير، وأما (وما يستوى الاعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوى الاحياء ولا الاموات) فلا الثانية والرابعة والخامسة زوائد لامن اللبس. والرابع: اقترانها بلكن نحو (ولكن رسول الله). والخامس: عطف المفرد السببي على الأجنبي عند الاحتياج إلى الربط ك‍ " - مررت برجل قائم زيد وأخوه " ونحو " زيد قائم عمرو وغلامه " وقولك في باب الاشتغال " زيدا ضربت عمرا وأخاه ". والسادس: عطف العقد على النيف، نحو أحد وعشرون. والسابع: عطف الصفات المفرقة مع اجتماع منعوتها كقوله:

    [ 356 ]

    574 - بكيت، وما بكا رجل حزين ؟ * على ربعين مسلوب وبالى والثامن: عطف ما حقه التثنية أو الجمع نحو قول الفرزدق: 575 - إن الرزية لا رزية مثلها * فقدان مثل محمد ومحمد وقول أبى نواس: 576 - أقمنا بها يوما ويوما وثالثا * ويوما له يوم الترحل خامس وهذا البيت يتسأل عنه أهل الادب، فيقولون: كم أقاموا ؟ والجواب: ثمانية لان يوما الاخير رابع، وقد وصف بأن يوم الترحل خامس له، وحينئذ فيكون يوم الترحل هو الثامن بالنسبة إلى أول يوم. التاسع: عطف ما لا يستغنى عنه كاختصم زيد وعمرو، واشترك زيد وعمرو. وهذا من أقوى الادلة على عدم إفادتها الترتيب، ومن ذلك: جلست بين زيد وعمرو، ولهذا كان الاصمعي يقول الصواب: [ قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى ] بين الدخول وحومل [ 266 ] لا فحومل، وأجيب بأن التقدير: بين نواحى الدخول، فهو كقولك: " جلست بين الزيدين فالعمرين " أو بأن الدخول مشتمل على أماكن وتشاركها في هذا الحكم أم المتصلة في نحو " سواء أقمت أم قعدت " فإنها عاطفة ما لا يستغنى عنه. والعاشر والحادي عشر: عطف العام على الخاص، وبالعكس، فالاول نحو (رب اغفر لى ولوالدي ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) والثانى نحو

    [ 357 ]

    (وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) الآية. ويشاركها في هذا الحكم الاخير حتى ك‍ " مات الناس حتى (1) العلماء وقدم الحجاج حتى المشاة "، فإنها عاطفة خاصا على عام. والثانى عشر: عطف عامل حذف وبقى معموله على عامل آخر مذكور يجمعهما معنى واحد، كقوله: 577 - [ إذا ما الغانيات برزن يوما ] * وزججن الحواجب والعيونا أي وكحلن العيون، والجامع بينهما التحسين، ولولا هذا التقييد لورد " اشتريته بدرهم فصاعدا " إذ التقدير فذهب الثمن صاعدا. والثالث عشر: عطف الشئ على مرادفه نحو (إنما أشكو بثى وحزني إلى الله) ونحو (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) ونحو (عوجا ولا أمتا) وقوله عليه الصلاة والسلام " ليلنى منكم ذوو الاحلام والنهى " وقول الشاعر: 578 - [ وقددت الاديم لراهشيه ] * وألفى قولها كذبا ومينا وزعم بعضهم أن الرواية " كذبا مبينا " فلا عطف ولا تأكيد، ولك أن تقدر الاحلام في الحديث جمع حلم بضمتين فالمعنى ليلنى البالغون العقلاء، وزعم ابن مالك أن ذلك قد يأتي في أو، وأن منه (ومن يكسب خطيئة أو إثما). والرابع عشر: عطف المقدم على متبوعه للضرورة كقوله: 579 - ألا يا نخلة من ذات عرق * عليك ورحمة الله السلام [ ص 659 ] والخامس عشر: عطف المخفوض على الجوار كقوله تعالى (وامسحوا برؤسكم وأرجلكم) فيمن خفض الارجل، وفيه بحث سيأتي. تنبيه - زعم قوم أن الواو قد تخرج عن إفادة مطلق الجمع، وذلك على أوجه:

    (1) في نسخة " حتى الانبياء " وهو المشهور في أمثلة النحاة. (*)

    [ 358 ]

    أحدها: أن تستعمل بمعنى أو، وذلك على ثلاثة أقسام، أحدها: أن تكون بمعناها في التقسيم كقولك " الكلمة اسم وفعل وحرف " وقوله: * كما الناس مجروم عليه وجارم * [ 95 ] وممن ذكر ذلك ابن مالك في التحفة، والصواب أنها في ذلك على معناها الاصلى، إذ الانواع مجتمعة في الدخول تحت الجنس، ولو كانت " أو " هي الاصل في التقسيم لكان استعمالها فيه أكثر من استعمال الواو. والثانى: أن تكون بمعنى (1) أو في الاباحة، قاله الزمخشري، وزعم أنه يقال " جالس الحسن وابن سيرين " أي أحدهما، وأنه لهذا قيل (تلك عشرة كاملة) بعد ذكر ثلاثة وسبعة، لئلا يتوهم إرادة الاباحة، والمعروف من كلام النحويين أنه لو قيل " جالس الحسن وابن سيرين " كان أمرا بمجالسة كل منهما، وجعلوا ذلك فرقا بين العطف بالواو والعطف بأو. والثالث: أن تكون بمعناها في التخيير، قاله بعضهم في قوله: 580 - وقالوا: نأت فاختر لها الصبر والبكا * فقلت: البكا أشفى إذا لغليلي قال: معناه أو البكاء، إذ لا يجتمع مع الصبر. ونقول: يحتمل أن [ يكون ] الاصل فاختر من الصبر والبكاء، أي أحدهما، ثم حذف من كما في (واختار موسى قومه) ويؤيده أن أبا على القالى رواه بمن، وقال الشاطبي رحمه الله في باب البسملة " وصل واسكتا " فقال شارحو كلامه: المراد التخيير، ثم قال محققوهم: ليس ذلك من قبل الواو، بل من جهة أن المعنى وصل إن شئت واسكتن إن شئت، وقال أبو شامة: وزعم بعضهم أن الواو تأتى للتخيير مجازا. والثانى: أن تكون بمعنى باء الجر كقولهم " أنت أعلم ومالك " و " بعت الشاء شاة ودرهما " قاله جماعة، وهو ظاهر.

    (1) في نسخة " أن تكون بمعناها ". (*)

    [ 359 ]

    والثالث: أن تكون بمعنى لام التعليل، قاله الخارزنجى، وحمل عليه الواوات الداخلة على الافعال المنصوبة في قوله تعالى (أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ويعلم الذين) (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) (يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون) والصواب أن الواو فيهن للمعية كما سيأتي. والثانى والثالث من أقسام الواو: واوان يرتفع ما بعدهما. إحداهما: واو الاستئناف نحو (لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء) ونحو " لا تأكل السمك وتشرب اللبن " فيمن رفع، ونحو (من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم) فيمن رفع أيضا، ونحو (واتقوا الله ويعلمكم الله) إذ لو كانت واو العطف لانتصب (نقر) ولانتصب أو انجزم " تشرب " ولجزم (يذر) كما قرأ الآخرون، وللزم عطف الخبر على الامر، وقال الشاعر: 581 - على الحكم المأتى يوما إذا قضى * قضيته أن لا يجور ويقصد وهذا متعين للاستئناف، لان العطف يجعله شريكا في النفى، فيلزم التناقض وكذلك قولهم " دعني ولا أعود " لانه لو نصب كان المعنى ليجتمع تركك لعقوبتي وتركي لما تنهانى عنه، وهذا باطل (1)، لان طلبه لترك العقوبة إنما هو في الحال، فإذا تقيد ترك المنهى عنه بالحال لم يحصل غرض المؤدب، ولو جزم فإما بالعطف ولم يتقدم جازم، أو بلا على أن تقدر ناهية، ويرده أن المقتضى لترك التأديب إنما هو الخبر عن نفى العود، لا نهيه نفسه عن العود، إذ لا تناقض بين النهى عن العود وبين العود بخلاف العود والاخبار بعدمه، ويوضحه أنك تقول " أنا أنهاه وهو يفعل " ولا تقول " أنا لا أفعل وأنا أفعل معا ". والثانية: واو الحال الداخلة على الجملة الاسمية، نحو " جاء زيد والشمس طالعة " وتسمى واو الابتداء، ويقدرها سيبويه والاقدمون بإذ، ولا يريدون أنها بمعناها،

    (1) في نسخة " وهو باطل ". (*)

    [ 360 ]

    إذ لا يرادف الحرف الاسم، بل إنها وما بعدها قيد للفعل السابق كما أن إذ كذلك، ولم يقدرها بإذا لانها لا تدخل على الجمل الاسمية، ووهم أبو البقاء في قوله تعالى (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) فقال: الواو للحال، وقيل: بمعنى إذ، وسبقه إلى ذلك مكى، وزاد عليه فقال: الواو للابتداء، وقيل: للحال، وقيل: بمعنى إذ، اه‍. والثلاثة بمعنى واحد، فإن أراد بالابتداء الاستئناف فقولهما سواء. ومن أمثلتها داخلة على الجملة الفعلية قوله: 582 - بأيدى رجال لم يشيموا سيوفهم * ولم تكثر القتلى بها حين سلت [ ص 411 ] ولو قدرتها عاطفة (1) لا نقلب المدح ذما. وإذا سبقت بجملة حالية احتملت - عند من يجيز تعدد الحال - العاطفة والابتدائية نحو (اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر). الرابع والخامس: واوان ينتصب ما بعدهما، وهما واو المفعول معه كسرت والنيل، وليس النصب بها خلافا للجرجاني، ولم يأت في التنزيل بيقين، فأما قوله تعالى (فأجمعوا أمركم وشركاءكم) في قراءة السبعة (فأجمعوا) بقطع الهمزة و (شركاءكم) بالنصب، فتحتمل الواو فيه ذلك، وأن تكون عاطفة مفردا على مفرد بتقدير مضاف أي وأمر شركائكم، أو جملة على جملة بتقدير فعل أي وأجمعوا شركاءكم بوصل الهمزة، وموجب التقدير في الوجهين أن " أجمع " لا يتعلق بالذوات، بل بالمعاني، كقولك: أجمعوا على قول كذا، بخلاف جمع فإنه مشترك، بدليل (فجمع كيده) (الذى جمع مالا وعدده) ويقرأ (فاجمعوا) بالوصل فلا إشكال، ويقرأ برفع الشركاء عطفا على الواو للفصل بالمفعول. والواو الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح أو مؤول، فالاول كقوله:

    (1) في نسخة " ولو قدرت عاطفة ". (*)

    [ 361 ]

    ولبس عباءة وتقر عينى * أحب إلى من لبس الشفوف [ 424 ] والثانى شرطه أن يتقدم الواو نفى أو طلب، وسمى الكوفيون هذه الواو واو الصرف، وليس النصب بها خلافا لهم، ومثالها (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وقوله: 583 - لا تنه عن خلق وتأتى مثله * [ عار عليك إذا فعلت عظيم ] والحق أن هذه واو العطف كما سيأتي. السادس والسابع: واوان ينجر ما بعدهما. إحداهما: واو القسم، ولا تدخل إلا على مظهر، ولا تتعلق إلا بمحذوف، نحو (والقرآن الحكيم) فإن تلتها واو أخرى نحو (والتين والزيتون) فالتالية واو العطف، وإلا لاحتاج كل من الاسمين إلى جواب. الثانية: واو رب كقوله: 584 - وليل كموج البحر أرخى سدوله [ على بأنواع الهموم ليبتلى ] ولا تدخل إلا على منكر، ولا تتعلق إلا بمؤخر، والصحيح أنها واو العطف، وأن الجر برب محذوفة خلافا للكوفيين والمبرد، وحجتهم افتتاح القصائد بها كقول رؤبة: * وقاتم الاعماق خاوى المخترق * [ 560 ] وأجيب بجواز تقدير العطف على شئ في نفس المتكلم، ويوضح كونها عاطفة أن واو العطف لا تدخل عليها كما تدخل على واو القسم، قال: 585 - ووالله لولا تمره ما حببته * [ ولا كان أدنى من عبيد ومشرق ] (1)

    (1) يروى في صدر هذا البيت " فأقسم ولا تمره - إلخ ". (*)

    [ 362 ]

    والثامن: واو دخولها كخروجها، وهى الزائدة، أثبتها الكوفيون والاخفش. وجماعة، وحمل على ذلك (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) بدليل الآية الاخرى، وقيل: هي عاطفة، والزائدة الواو في (وقال لهم خزنتها) وقيل: هما عاطفتان، والجواب محذوف أي كان كيت وكيت، وكذا البحث في (فلما أسلما وتله للجبين وناديناه) الاولى أو الثانية زائدة على القول الاول، أو هما عاطفتان والجواب محذوف على القول الثاني، والزيادة ظاهرة في قوله: 586 - فما بال من أسعى لاجبر عظمه * حفاظا وينوى من سفاهته كسرى وقوله: 587 - ولقد رمقتك في المجالس كلها * فإذا وأنت تعين من يبغينى والتاسع، واو الثمانية، ذكرها جماعة من الادباء كالحريري، ومن النحويين الضعفاء كابن خالويه، ومن المفسرين كالثعلبي، وزعموا أن العرب إذا عدوا قالوا ستة، سبعة، وثمانية، إيذانا بأن السبعة عدد تام، وأن ما بعدها عدد مستأنف واستدلوا على ذلك بآيات: إحداها (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم) إلى قوله سبحانه (سبعة وثامنهم كلبهم) وقيل: هي في ذلك لعطف جملة على جملة، إذ التقدير هم سبعة، ثم قيل: الجميع كلامهم، وقيل: العطف من كلام الله تعالى، والمعنى نعم هم سبعة وثامنهم كلبهم، وإن هذا تصديق لهذه المقالة كما أن (رجما بالغيب) تكذيب لتلك المقالة، ويؤيده قول ابن عباس رضى الله عنهما: حين جاءت الواو انقطعت العدة، أي لم تبق عدة عاد يلتفت إليها.

    [ 363 ]

    فإن قلت: إذا كان المراد التصديق فما وجه مجئ (قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) ؟. قلت: وجه الجملة الاولى توكيد صحة التصديق بإثبات علم المصدق، ووجه الثانية الاشارة إلى أن القائلين تلك المقالة الصادقة قليل، أو أن الذى قالها منهم عن يقين قليل، أو لما كان التصديق في الآية خفيا لا يستخرجه إلا مثل ابن عباس قيل ذلك، ولهذا كان يقول: أنا من ذلك القليل، هم سبعة وثامنهم كلبهم. وقيل: هي واو الحال وعلى هذا فيقدر المبتدأ اسم إشارة أي هؤلاء سبعة، ليكون في الكلام ما يعمل في الحال، ويرد ذلك أن حذف عامل الحال إذا كان معنويا ممتنع، ولهذا ردوا على المبرد قوله في بيت الفرزدق: [ فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم * إذ هم قريش ] وإذا ما مثلهم بشر [ 120 ] إن مثلهم حال ناصبها خبر محذوف، أي وإذ ما في الوجود بشر مماثلا لهم. الثانية: آية الزمر، إذ قيل (فتحت) في آية النار لان أبوابها سبعة، (وفتحت) في آية الجنة إذ أبوابها ثمانية، وأقول: لو كان لواو الثمانية حقيقة لم تكن الآية منها، إذ ليس فيها ذكر عدد ألبتة، وإنما فيها ذكر الابواب، وهى جمع لا يدل على عدد خاص، ثم الواو ليست داخلة عليه، بل على جملة هو فيها، وقد مر أن الواو في (وفتحت) مقحمة عند قوم وعاطفة عند آخرين، وقيل: هي واو الحال، أي جاؤها مفتحة أبوابها كما صرح بمفتحة حالا في (جنات عدن مفتحة لهم الابواب) وهذا قول المبرد والفارسي وجماعة، وقيل: وإنما فتحت لهم قبل مجيئهم إكراما لهم عن أن يقفوا حتى تفتح لهم. الثالثة: (والناهون عن المنكر) فإنه الوصف الثامن، والظاهر أن العطف

    [ 364 ]

    في هذا الوصف بخصوصه إنما كان من جهة أن الامر والنهى من حيث هما أمر ونهى متقابلان، بخلاف بقية الصفات، أو لان الآمر بالمعروف ناه عن المنكر، وهو ترك المعروف، والناهي عن المنكر آمر بالمعروف، فأشير إلى الاعتداد بكل منهما (1) وأنه لا يكتفى فيه بما يحصل في ضمن الآخر، وذهب أبو البقاء على إمامته في هذه الآية مذهب الضعفاء فقال: إنما دخلت [ الواو ] في الصفة الثامنة إيذانا بأن السبعة عندهم عدد تام، ولذلك قالوا: سبع في ثمانية، أي سبع أذرع في ثمانية أشبار، وإنما دخلت الواو على ذلك لان وضعها على مغايرة ما بعدها لما قبلها. الرابعة: (وأبكارا) في آية التحريم، ذكرها القاضى الفاضل، وتبجح باستخراجها، وقد سبقه إلى ذكرها الثعلبي، والصواب أن هذه الواو وقعت بين صفتين هما تقسيم لمن اشتمل على جميع الصفات السابقة، فلا يصح إسقاطها، إذ لا تجتمع الثيوبة والبكارة، وواو الثمانية عند القائل بها صالحة للسقوط، وأما قول الثعلبي إن منها الواو في قوله تعالى: (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) فسهو بين، وإنما هذه واو العطف، وهى واجبة الذكر، ثم إن (أبكارا) صفة تاسعة لا ثامنة: إذ أول الصفات (خيرا منكن) لا (مسلمات)، فإن أجاب بأن مسلمات وما بعده تفصيل لخيرا منكن فلهذا لم تعد قسيمة لها، قلنا: وكذلك (ثيبات وأبكارا) تفصيل للصفات السابقة فلا نعدهما معهن. والعاشرة: الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوقها بموصوفها وإفادتها أن اتصافه بها أمر ثابت، وهذه الواو أثبتها الزمخشري ومن قلده، وحملوا على ذلك مواضع لواو فيها كلها واو الحال نحو (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) الآية (سبعة وثامنهم كلبهم) (أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها) (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) والمسوغ لمجئ

    (1) في نسخة " بكل من الوصفين ". (*)

    [ 365 ]

    الحال من النكرة في هذه الآية أمران: أحدهما خاص بها، وهو تقدم النفى، والثانى عام في بقية الآيات وهو امتناع الوصفية، إذ الحال متى امتنع كونها صفة جاز مجيئها من النكرة، ولهذا جاءت منها عند تقدمها عليها نحو " في الدار قائما رجل " وعند جمودها نحو " هذا خاتم حديدا، ومررت بماء قعدة رجل " ومانع الوصفية في هذه الآية أمران، أحدهما خاص بها، وهو اقتران الجملة بإلا، إذ لا يجوز التفريغ في الصفات، لا تقول " ما مررت بأحد إلا قائم " نص على ذلك أبو على وغيره، والثانى عام في بقية الآيات، وهو اقترانها بالواو. والحادي عشر: واو ضمير الذكور، نحو " الرجال قاموا " وهى اسم، وقال الاخفش والمازني: حرف، والفاعل مستتر، وقد تستعمل لغير العقلاء إذا نزلوا منزلتهم، نحو قوله تعالى: (يأيها النمل أدخلوا مساكنكم) وذلك لتوجيه الخطاب إليهم، وشذ قوله: 588 - شربت بها والديك يدعو صباحه * إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا والذى جرأه على ذلك قوله " بنو " لا بنات، والذى سوغ ذلك أن ما فيه من تغيير نظم الواحد شبهه بجمع التكسير، فسهل مجيئه لغير العاقل، ولهذا اجاز تأنيث فعله نحو (إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل) مع امتناع " قامت الزيدون ". الثاني عشر: واو علامة المذكرين في لغة طئ أو أزدشنوأة أو بلحارث، ومنه الحديث " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " وقوله: 589 - يلومونني في اشتراء النخيل أهلى فكلهم ألوم وهى عند سيبويه حرف دال على الجماعة كما أن التاء في " قالت " حرف دال على التأنيث، وقيل: هي اسم مرفوع على الفاعلية، ثم قيل: إن ما بعدها

    [ 366 ]

    بدل منها، وقيل: مبتدأ والجملة خبر مقدم، وكذا الخلاف في نحو " قاما أخواك " و " قمن نسوتك " وقد تستعمل لغير العقلاء إذا نزلوا منزلتهم، قال أبو سعيد: نحو " أكلوني البراغيث " إذ وصفت بالاكل لا بالقرص، وهذا سهو منه، فإن الاكل من صفات الحيوانات عاقلة وغير عاقلة، وقال ابن الشجرى: عندي أن الاكل هنا بمعنى العدوان والظلم كقوله: 590 - أكلت بنيك أكل الضب حتى * وجدت مرارة الكلا الوبيل أي ظلمتهم، وشبه الاكل المعنوي بالحقيقي، والاحسن في الضب في البيت أن لا يكون في موضع نصب على حذف الفاعل أي مثل أكلك الضب، بل في موضع رفع على حذف المفعول: أي مثل أكل الضب أولاده، لان ذلك أدخل في التشبيه، وعلى هذا فيحتمل الاكل الثاني أن يكون معنويا، لان الضب ظالم لاولاده بأكله إياهم، وفى المثل (1) " أعق من ضب " وقد حمل بعضهم على هذه اللغة (ثم عموا وصموا كثيرا منهم) (وأسروا النجوى الذين ظلموا) وحملهما على غير هذه اللغة أولى لضعفها، وقد جوز في (الذين ظلموا) أن يكون بدلا من الواو في (وأسروا) أو مبتدأ خبره إما (وأسروا) أو قول محذوف عامل في جملة الاستفهام، أي يقولون هل هذا، وأن يكون خبرا لمحذوف: أي هم الذين، أو فاعلا بأسروا والواو علامة كما قدمنا، أو بيقول محذوفا، أو بدلا من واو (استمعوه) وأن يكون منصوبا على البدل من مفعول (يأتيهم) أو على إضمار أذم أو أعنى، وأن يكون مجرورا على البدل من (الناس) في (اقترب للناس حسابهم) أو من الهاء والميم في (لاهية قلوبهم) فهذه أحد عشر وجها، وأما الآية الاولى فإذا قدرت الواوان فيها علامتين فالعلاملان قد تنازعا الظاهر، فيجب حينئذ أن

    (1) في نسخة " ففى المثل ". (*)

    [
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:10 am

    [ 401 ]

    أحدهما: أن يكون المفسر إنشاء أيضا، نحو " أحسن إلى زيد أعطه ألف دينار ". والثانى: أن يكون مفردا مؤديا معنى جملة نحو (وأسروا النجوى الذين ظلموا) الآية. وإنما قلنا فيما مضى إن الاستفهام مراد به النفى تفسيرا لما اقتضاه المعنى وأوجبته الصناعة لاجل الاستثناء المفرغ، لا أن التفسير أوجب ذلك. ونظيره " بلغني عن زيد كلام والله لافعلن كذا ". ويجوز أن يكون (ليسجننه) جوابا لبدا، لان أفعال القلوب لافادتها التحقيق تجاب بما يجاب به القسم، قال: 641 - ولقد علمت لتأتين منيتى * [ إن المنايا لا تطيش سهامها ] [ ص 407 ] وقال الكوفيون: الجملة فاعل، ثم قال هشام وثعلب وجماعة: يجوز ذلك في كل جملة نحو " يعجبنى تقوم " وقال الفراء وجماعة: جوازه مشروط بكون المسند إليها قلبيا، وباقترانها بأداة معلقة نحو " ظهر لى أقام زيد، وعلم هل قعد عمرو " وفيه نظر، لان أداة التعليق بأن تكون مانعة أشبه من أن تكون مجوزة، وكيف تعلق الفعل عما هو منه كالجزء ؟ وبعد فعندي أن المسألة صحيحة، ولكن مع الاستفهام خاصة دون سائر المعلقات، وعلى أن الاسناد إلى مضاف محذوف لا إلى الجملة الاخرى، ألا ترى أن المعنى ظهر لى جواب أقام زيد، أي جواب قول القائل ذلك ؟ وكذلك في " علم أقعد عمرو " وذلك لابد من تقديره دفعا للتناقض، إذ ظهور الشئ والعلم به منافيان للاستفهام المقتضى للجهل به. فإن قلت: ليس هذا مما تصح فيه الاضافة إلى الجمل. قلت: قد مضى [ لنا ] عن قريب أن الجملة التى يراد بها اللفظ يحكم لها بحكم المفردات.

    [ 402 ]

    السابع: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض) زعم ابن عصفور أن البصريين يقدرون نائب الفاعل [ في قيل ] ضمير المصدر، وجملة النهى مفسرة لذلك الضمير، وقيل: الظرف نائب [ عن ] الفاعل، فالجملة في محل نصب، ويرد بأنه لا تتم الفائدة بالظرف، وبعدمه في (وإذا قيل إن وعد الله حق) والصواب أن النائب الجملة، لانها كانت قبل حذف الفاعل منصوبة بالقول، فكيف انقلبت مفسرة ؟ والمفعول به متعين للنيابة، وقولهم الجملة لا تكون فاعلا ولا نائبا عنه جوابه أن التى يراد بها لفظها يحكم لها بحكم المفردات، ولهذا تقع مبتدأ نحو " لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة " وفى المثل " زعموا مطية الكذب " ومن هنا لم يحتج الخبر إلى رابط في نحو " قولى لا إله إلا الله " كما لا يحتاج إليه الخبر المفرد الجامد. الثامن: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم) لان وعد يتعدى لاثنين، وليس الثاني هنا (لهم مغفرة)، لان ثانى مفعولي كسالا يكون جملة، بل هو محذوف، والجملة مفسرة له، وتقديره خيرا عظيما أو الجنة، وعلى الثاني فوجه التفسير إقامة السبب مقام المسبب، إذ الجنة مسببة عن استقرار الغفران والاجر. وقولى في الضابط " الفضلة " احترزت به عن الجملة المفسرة لضمير الشأن، فإنها كاشفة لحقيقة المعنى المراد به، ولها موضع بالاجماع، لانها خبر في الحال أو في الاصل، وعن الجملة المفسرة في باب الاشتغال [ في نحو " زيدا ضربته " ] فقد قيل: إنها تكون ذات محل كما سيأتي، وهذا القيد أهملوه ولا بد منه. مسألة - قولنا إن الجملة المفسرة لا محل لها خالف فيه الشلوبين، فزعم أنها بحسب ما تفسره، فهى في نحو " زيدا ضربته " لا محل لها، وفى نحو (إنا كل شئ

    [ 403 ]

    خلقناه بقدر) ونحو " زيد الخبز يأكله " بنصب الخبز - في محل رفع، ولهذا يظهر الرفع إذا قلت آكله، وقال: 642 - فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن * [ ومن لا نجره يمس منا مفزعا ] فظهر الجزم، وكأن الجملة المفسرة عنده عطف بيان أو بدل، ولم يثبت الجمهور وقوع البيان والبدل جملة، وقد بينت أن جملة الاشتغال ليست من الجمل التى تسمى في الاصطلاح جملة مفسرة وإن حصل فيها تفسير، ولم يثبت جواز حذف المعطوف عليه عطف البيان، واختلف في المبدل منه، وفى البغداديات لابي على أن الجزم في ذلك بأداة شرط مقدرة، فإنه قال ما ملخصه: إن الفعل المحذوف والفعل المذكور في نحو قوله: * لا تجزعي إن منفسا أهلكته * [ 273 ] مجزومان في التقدير، وإن انجزام الثاني ليس على البدلية، إذ لم يثبت حذف المبدل منه، بل على تكرير إن، أي إن أهلكت منفسا إن أهلكته، وساغ إضمار إن وإن لم يجز إضمار لام الامر إلا ضرورة لاتساعهم فيها، بدليل إيلائهم إياها الاسم، ولان تقدمها مقو للدلالة عليها، ولهذا أجاز سيبويه " بمن تمرر أمرر " ومنع " من تضرب أنزل " لعدم دليل على المحذوف، وهو عليه، حتى تقول " عليه " وقال فيمن قال " مررت برجل صالح إن لا صالح فطالح " بالخفض: إنه أسهل من إضمار رب بعد الواو، ورب شئ يكون ضعيفا ثم يحسن للضرورة كما في " ضرب غلامه زيدا " فإنه ضعيف جدا، وحسن في نحو " ضربوني وضربت قومك " واستغنى بجواب الاولى عن جواب الثانية كما استغنى في نحو " أزيدا ظننته قائما " بثاني مفعولي ظننت المذكورة عن ثانى مفعولي ظننت المقدرة. الجملة الرابعة: المجاب بها القسم نحو (والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين)

    [ 404 ]

    ونحو (وتالله لاكيدن أصنامكم) ومنه (لينبذن في الحطمة) (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) يقدر لذلك ولما أشبهه القسم. ومما يحتمل جواب القسم (وإن منكم إلا واردها) وذلك بأن تقدر الواو عاطفة على (ثم لنحن أعلم) فإنه وما قبله أجوبة لقوله تعالى: (فوربك لنحشرنهم والشياطين) وهذا مراد ابن عطية من قوله: هو قسم، والواو تقتضيه، أي هو جواب قسم والواو هي المحصلة لذلك لانها عاطفة (1)، وتوهم أبو حيان عليه ما لا يتوهم على صغار الطلبة، وهو أن الواو حرف قسم، فرد عليه بأنه يلزم منه حذف المجرور وبقاء الجار وحذف القسم مع كون الجواب منفيا بإن. تنبيه - من أمثلة جواب القسم ما يخفى نحو (أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون) (وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله) (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم) وذلك لان أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف، قاله كثيرون منهم الزجاج، ويوضحه (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس) وقال الكسائي والفراء ومن وافقهما: التقدير بأن لا تعبدوا إلا الله، وبأن لا تسفكوا، ثم حذف الجار، ثم أن فارتفع الفعل، وجوز الفراء أن يكون الاصل النهى، ثم أخرج مخرج الخبر، ويؤيده أن بعده (وقولوا) (وأقيموا) (وآتوا). ومما يحتمل الجواب وغيره قول الفرزدق: 643 - تعش فإن عاهدتني لا تخوننى * نكن مثل من يا ذئب يصطحبان فجملة النفى إما جواب لعاهدتني. كما قال: 644 - أرى محرزا عاهدته ليوافقن * فكان كمن أغريته بخلاف

    (1) في نسخة " عطفت ". (*)

    [ 405 ]

    فلا محل لها، أو حال من الفاعل أو المفعول أو كليهما فمحلها النصب، والمعنى شاهد للجوابية، وقد يحتج للحالية بقوله أيضا: 645 - ألم ترنى عاهدت ربى، وإنني * لبين رتاج قائما ومقام على حلفة لا أشتم الدهر مسلما * ولا خارجا من في زور كلام وذلك أنه عطف " خارجا " على محل جملة " لا أشتم " فكأنه قال " حلفت غير شاتم ولا خارجا " والذى عليه المحققون أن " خارجا " مفعول مطلق، والاصل ولا يخرج خروجا، ثم حذف الفعل وأناب الوصف عن المصدر، كما عكس في قوله تعالى (إن أصبح ماؤكم غورا) لان المراد أنه حلف بين باب الكعبة وبين مقام إبراهيم أنه لا يشتم مسلما في المستقبل ولا يتكلم بزور، لا أنه حلف في حال اتصافه بهذين الوصفين على شئ آخر. مسألة - قال ثعلب: لا تقع جملة القسم خبرا، فقيل في تعليله: لان نحو " لافعلن " لا محل له، فإذا بنى على مبتدأ فقيل " زيد ليفعلن " صار له موضع، وليس بشئ، لانه إنما منع وقوع الخبر جملة قسمية، لا جملة هي جواب القسم، ومراده أن القسم وجوابه لا يكونان خبرا، إذ لا تنفك إحداهما عن الاخرى، وجملتا القسم والجواب يمكن أن يكون لهما محل من الاعراب كقولك: " قال زيد أقسم لافعلن " وإنما المانع عنده إما كون جملة القسم لا ضمير فيها فلا تكون خبرا، لان الجملتين ههنا ليستا كجملتي الشرط والجزاء، لان الجملة الثانية ليست معمولة لشئ من الجملة الاولى، ولهذا منع بعضهم وقوعها صلة، وإما كون الجملة - أعنى

    [ 406 ]

    جملة القسم - إنشائية، والجملة الواقعة خبرا لابد من احتمالها للصدق والكذب، ولهذا منع قوم من الكوفيين - منهم ابن الانباري - أن يقال: " زيد اضربه، وزيد هل جاءك ! ". وبعد فعندي أن كلا من التعليلين ملغى. أما الاول فلان الجملتين مرتبطتان ارتباطا صارتا به كالجملة [ الواحدة ] وإن لم يكن بينهما عمل، وزعم ابن عصفور أن السماع قد جاء بوصل الموصول بالجملة القسمية وجوابها، وذلك قوله تعالى: (وإن كلا لما ليوفينهم) قال: فما موصولة لا زائدة، وإلا لزم دخول اللام على اللام، انتهى. وليس بشئ، لان امتناع دخول اللام على اللام إنما هو لامر لفظي، وهو ثقل التكرار، والفاصل يزيله ولو كان زائدا، ولهذا اكتفى بالالف فاصلة بين النونات في " اذهبنان " وبين الهمزتين في (أأنذرتهم) وإن كانت زائدة، وكان الجيد أن يستدل بقوله تعالى: (وإن منكم لمن ليبطئن) فإن قيل: تحتمل من الموصوفية، أي لفريقا ليبطئن، قلنا: وكذا ما في الآية، أي لقوم ليوفينهم، ثم إنه لا يقع صفة إلا ما يقع صلة، فالاستدلال ثابت وإن قدرت صفة، فإن قيل: فما وجهه والجملة الاولى إنشائية ؟ قلت: جاز لانها غير مقصودة، وإنما المقصود جملة الجواب، وهى خبرية، ولم يؤت بجملة القسم إلا لمجرد التوكيد، لا للتأسيس. وأما الثاني فلان الخبر الذى شرطه احتمال الصدق والكذب الخبر الذى هو قسيم الانشاء، لا خبر المبتدأ، للاتفاق على أن أصله الافراد، واحتمال الصدق والكذب إنما هو من صفات الكلام، وعلى جواز " أين زيد ؟ وكيف عمرو ؟ " وزعم ابن مالك أن السماع ورد بما منعه ثعلب وهو قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم) وقوله:

    [ 407 ]

    646 - جشأت فقلت: اللذ خشيت ليأتين * [ وإذا أتاك فلات حين مناص ] وعندي لما استدل به تأويل لطيف، وهو أن المبتدأ في ذلك كله ضمن معنى الشرط، وخبره منزل منزلة الجواب، فإذا قدر قبله قسم كان الجواب له، وكان خبر المبتدأ المشبه لجواب الشرط محذوفا، للاستغناء بجواب القسم المقدر قبله، ونظيره في الاستغناء بجواب القسم المقدر قبل الشرط المجرد من لام التوطئة نحو (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن) التقدير: والله ليمس لئن لم ينتهوا يمسن. تنبيه - وقع لمكى وأبى البقاء وهم في جملة الجواب فأعرباها إعرابا يقتضى أن لها موضعا. فأما مكى فقال في قوله تعالى (كتب ربكم على نفسه الرحمة ليجمعنكم) إن ليجمعنكم بدل من الرحمة، وقد سبقه إلى هذا الاعراب غيره، ولكنه زعم أن اللام بمعنى أن المصدرية وأن من ذلك (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) أي أن يسجنوه، ولم يثبت مجئ اللام مصدرية، وخلط مكى فأجاز البدلية مع قوله إن اللام لام جواب القسم، والصواب أنها لام الجواب، وأنها منقطعة مما قبلها إن قدر قسم أو متصلة به اتصال الجواب بالقسم إن أجرى " بدا " مجرى أقسم كما أجرى علم في قوله: * ولقد علمت لتأتين منيتى * [ 641 ] وأما أبو البقاء فإنه قال في قوله (لما آتيتكم من كتاب وحكمة - الآية) من فتح اللام ففى ما وجهان: أحدهما: أنها موصولة مبتدأ، والخبر إما (من كتاب) أي للذى آتيتكموه من الكتاب، أو (لتؤمنن به)، واللام جواب القسم، لان أخذ الميثاق قسم، و (جاءكم) عطف على (آتيتكم)، والاصل ثم جاءكم به، فحذف عائد ما، أو الاصل

    [ 408 ]

    مصدق له، ثم ناب الظاهر عن المضمر، أو العائد ضمير " استقر " الذى تعلقت به مع. والثانى: أنها شرطية، واللام موطئة، وموضع " ما " نصب بآتيت، والمفعول الثاني ضمير المخاطب، و (من كتاب) مثل من آية في (ما ننسخ من آية) اه‍. ملخصا، وفيه أمور: أحدها: أن إجازته كون (من كتاب) خبرا فيه الاخبار عن الموصول قبل كمال صلته، لان (ثم جاءكم) عطف على الصلة. الثاني: أن تجويزه كون (لتؤمنن) خبرا مع تقديره إياه جوابا لاخذ الميثاق يقتضى أن له موضعا، وأنه لا موضع له، وإنما كان حقه أن يقدره جوابا لقسم محذوف، ويقدر الجملتين خبرا، وقد يقال: إنما أراد بقوله " اللام جواب القسم لان أخذ الميثاق قسم " أن أخذ الميثاق دال على جملة قسم مقدرة، ومجموع الجملتين الخبر، وإنما سمى (لتؤمنن) خبرا، لانه الدال على المقصود بالاصالة، لا أنه وحده هو الخبر بالحقيقة وأنه لا قسم مقدر، بل أخذ الله ميثاق النبيين هو جملة القسم، وقد يقال: لو أراد هذا لم يحصر الدليل فيما ذكره، للاتفاق على أن وجود المضارع مفتتحا بلام مفتوحة مختتما بنون موكدة دليل قاطع على القسم، وإن لم يذكر معه أخذ الميثاق أو نحوه. والثالث: أن تجويزه كون العائد ضمير استقر يقتضى عود ضمير مفرد إلى شيئين معا، فإنه عائد إلى الموصول. والرابع: أنه جوز حذف العائد المجرور مع أن الموصول غير مجرور، فإن قيل: اكتفى بكلمة به الثانية فيكون كقوله: 647 - ولو أن ما عالجت لين فؤادها * فقسا استلين به للان الجندل قلنا: قد جوز على هذا الوجه عود به المذكورة إلى الرسول، لا إلى ما.

    [ 409 ]

    والخامس: أنه سمى ضمير (آتيتكم) مفعولا ثانيا، وإنما هو مفعول أول. مسألة - زعم الاخفش في قوله: إذا قال: قدنى، قال: بالله حلفة * لتغنى عنى ذا إنائك أجمعا [ 344 ] أن " لتغنى " جواب القسم، وكذا قال في (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) لان قبله (وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا) الآية، وليس فيه ما يكون (ولتصغى) معطوفا عليه، والصواب خلاف قوله، لان الجواب لا يكون إلا جملة، ولام كى وما بعدها في تأويل المفرد، وأما ما استدل به فمتعلق اللام فيه محذوف، أي لتشربن لتغنى عنى، وفعلنا ذلك لتصغى. الجملة الخامسة: الواقعة جوابا لشرط غير جازم مطلقا، أو جازم ولم تقترن بالفاء ولا بإذا الفجائية، فالاول جواب لو ولولا ولما وكيف، والثانى نحو " إن تقم أقم " وإن قمت قمت " أما الاول فلظهور الجزم في لفظ الفعل، وأما الثاني فلان المحكوم لموضعه بالجزم الفعل، لا الجملة بأسرها. الجملة السادسة: الواقعة صلة لاسم أو حرف، فالاول نحو " جاء الذى قام أبوه " فالذي في موضع رفع، والصلة لا محل لها، وبلغني عن بعضهم أنه كان يلقن أصحابه أن يقولوا: إن الموصول وصلته في موضع كذا، محتجا بأنهما ككلمة واحدة، والحق ما قدمت لك، بدليل ظهور الاعراب في نفس الموصول في نحو " ليقم أيهم في الدار، ولالزمن أيهم عندك، وامرر بأيهم هو أفضل " وفى التنزيل (ربنا أرنا اللذين أضلانا) وقرئ (أيهم أشد) بالنصب، وروى * فسلم على أيهم أفضل * [ 117 ] بالخفض، وقال الطائى:

    [ 410 ]

    648 - [ فإما كرام موسرون لقيتهم ] * فحسبي من ذى عندهم ما كفانيا وقال العقيلى: 649 - نحن الذون صبحوا الصباحا * [ يوم النخيل غارة ملحاحا ] وقال الهذلى: 650 - هم اللاؤن فكوا الغل عنى * والثانى نحو " أعجبني أن قمت، أو ما قمت " إذا قلنا بحرفية ما المصدرية، وفى هذا النوع يقال: الموصول وصلته في موضع كذا، لان الموصول حرف فلا إعراب له لا لفظا ولا محلا، وأما قول أبى البقاء في (بما كانوا يكذبون): إن ما مصدرية وصلتها (يكذبون) وحكمه مع ذلك بأن يكذبون في موضع نصب خبرا لكان، فظاهره متناقض، ولعل مراده أن المصدر إنما ينسبك من ما ويكذبون، لا منها ومن كان، بناء على قول أبى العباس وأبى بكر وأبى على وأبى الفتح وآخرين: إن كان الناقصة لا مصدر لها. الجملة السابعة: التابعة لما لا محل له نحو " قام زيد ولم يقم عمرو " إذا قدرت الواو عاطفة، لا واو الحال. الجمل التى لها محل من الاعراب وهى أيضا سبع: الجملة الاولى: الواقعة خبرا، وموضعها رفع في بابى المبتدأ وإن، ونصب في بابى كان وكاد، واختلف في نحو " زيد اضربه، وعمرو هل جاءك " فقيل: محل الجملة التى بعد المبتدأ رفع على الخبرية، وهو صحيح، وقيل: نصب بقول مضمر هو الخبر، بناء على أن الجملة الانشائية لا تكون خبرا، وقد مر إبطاله. الجملة الثانية: الواقعة حالا، وموضعها نصب، نحو (ولا تمنن تستكثر)

    [ 411 ]

    ونحو (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (قالوا أنؤمن لك واتبعك الارذلون) ومنه (ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) فجملة استمعوه حال من مفعول يأتيهم، أو من فاعله، وقرئ (محدثا) لان الذكر مختص بصفته مع أنه قد سبق بالنفى، فالحالان على الاول - وهو أن يكون استمعوه حالا من مفعول يأتيهم - مثلهما في قولك " ما لقى الزيدين عمر ومصعدا إلا منحدرين " وعلى الثاني - وهو أن يكون جملة استمعوه حالا من فاعل يأتيهم - مثلهما في قولك " ما لقى الزيدين عمرو راكبا إلا ضاحكا " وأما (وهم يلعبون) فحال من فاعل (استمعوه) فالحالان متداخلتان، ولاهية حال من فاعل (يلعبون) وهذا من التداخل أيضا، أو من فاعل (استمعوه) فيكون من التعدد لا من التداخل. ومن مثل الحالية أيضا قوله عليه الصلاة والسلام " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد " وهو من أقوى الادلة على أن انتصاب " قائما " في " ضربي زيدا قائما " على الحال، لا على أنه خبر لكان محذوفة، إذ لا يقترن الخبر بالواو، وقولك " ما تكلم فلان إلا قال خيرا " كما تقول " ما تكلم إلا قائلا خيرا "، وهو استثناء مفرغ من أحول عامة محذوفة، وقول الفرزدق: بأيدى رجال لم يشيموا سيوفهم * ولم تكثر القتلى بها حين سلت [ 582 ] لان تقدير العطف مفسد للمعنى، وقول كعب رضى الله عنه: 651 - [ شجت بذى شبم من ماء محنية ] * صاف بأبطح أضحى وهو مشمول وأضحى تامة.

    [ 412 ]

    الجملة الثالثة: الواقعة مفعولا، ومحلها النصب إن لم تنب عن فاعل، وهذه النيابة مختصة بباب القول نحو (ثم يقال هذا الذى كنتم به تكذبون) لما قدمناه من أن الجملة التى يراد بها لفظها تنزل منزلة الاسماء المفردة. قيل: وتقع أيضا في الجملة المقرونة بمعلق، نحو " علم أقام زيد " وأجاز هؤلاء وقوع هذه فاعلا، وحملوا عليه (وتبين لكم كيف فعلنا بهم) (أولم يهد لهم كم أهلكنا) (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) والصواب خلاف ذلك، وعلى قول هؤلاء فيزاد في الجمل التى لها محل الجملة الواقعة فاعلا. فإن قلت: وينبغى زيادتها على ما قدمت اختياره من جواز ذلك مع الفعل القلبى المعلق بالاستفهام فقط نحو " ظهر لى أقام زيد ". قلت: إنما أجزت ذلك على أن المسند إليه مضاف محذوف، لا الجملة. وتقع الجملة مفعولا في ثلاثة أبواب. أحدها: باب الحكاية بالقول أو مرادفه، فالاول نحو (قال إنى عبد الله) وهل هي مفعول به أو مفعول مطلق نوعي كالقرفصاء في " قعد القرفصاء " إذ هي دالة على نوع خاص من القول ؟ فيه مذهبان، ثانيهما اختيار ابن الحاجب، قال: والذى غر الاكثرين أنهم ظنوا أن تعلق الجملة بالقول كتعلقها بعلم في " علمت لزيد منطلق " وليس كذلك، لان الجملة نفس القول والعلم غير المعلوم فافترقا، اه‍. والصواب قول الجمهور: إذ يصح أن يخبر عن الجملة بأنها مقولة كما يخبر عن زيد من " ضربت زيدا " بأنه مضروب، بخلاف القرفصاء في المثال فلا يصح أن يخبر عنها بأنها مقعودة، لانها نفس القعود، وأما تسمية النحويين الكلام قولا فكتسمينهم إياه لفظا، وإنما الحقيقة أنه مقول وملفوظ.

    [ 413 ]

    والثانى: نوعان: ما معه حرف التفسير كقوله: وترمينني بالطرف أي أنت مذنب * وتقليننى، لكن إياك لا أقلى [ 114 ] وقولك " كتبت إليه أن افعل " إذا لم تقدر باء الجر، والجملة في هذا النوع مفسرة للفعل فلا موضع لها. وما ليس معه حرف التفسير، نحو (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين) ونحو (ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنى اركب معنا) وقراءة بعضهم (فدعا ربه إنى مغلوب) بكسر الهمزة، وقوله: 652 - رجلان من مكة أخبرانا * إنا رأينا رجلا عريانا روى بكسر " إن " فهذه الجمل في محل نصب اتفاقا، ثم قال البصريون: النصب بقول مقدر، وقال الكوفيون: بالفعل المذكور، ويشهد للبصريين التصريح بالقول في نحو (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلى) ونحو (إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إنى وهن العظم منى) وقول أبى البقاء في قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) إن الجملة الثانية في موضع نصب بيوصى، قال: لان المعنى يفرض لكم أو يشرع لكم في أمر أولادكم، وإنما يصح هذا على قول الكوفيين، وقال الزمخشري: إن الجملة الاولى إجمال، والثانية تفصيل لها، وهذا يقتضى أنها عنده مفسرة ولا محل لها، وهو الظاهر. تنبيهات - الاول: من الجمل المحكية ما قد يخفى، فمن ذلك في المحكية بعد القول (فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون) والاصل إنكم لذائقون عذابي، ثم عدل إلى التكلم، لانهم تكلموا بذلك عن أنفسهم، كما قال:

    [ 414 ]

    653 - ألم تر أنى يوم جو سويقة * بكيت فنادتني هنيدة ماليا والاصل مالك، ومنه في المحكية بعد ما فيه معنى القول (أم لكم كتاب فيه تدرسون، إن لكم فيه لما تخيرون) أي تدرسون فيه هذا اللفظ، أو تدرسون فيه قولنا هذا الكلام، وذلك إما على أن يكونوا خوطبوا بذلك في الكتاب على زعمهم، أو الاصل إن لهم لما يتخيرون، ثم عدل إلى الخطاب عند مواجهتهم، وقد قيل في قوله تعالى (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه) إن يدعو في معنى يقول مثلها في قول عنترة: 654 - يدعون عنتر والرماح كأنها * أشطان بئر في لبان الادهم فيمن رواه " عنتر " بالضم على النداء، وإن (من) مبتدأ، و (لبئس المولى) خبره، وما بينهما جملة اسمية صلة، وجملة (من) وخبرها محكية بيدعو، أي أن الكافر يقول ذلك في يوم القيامة، وقيل: من مبتدأ حذف خبره: أي إلهه، وإن ذلك حكاية لما يقول في الدنيا، وعلى هذا فالاصل يقول: الوثن إلهه، ثم عبر عن الوثن بمن ضره أقرب من نفعه، تشنيعا على الكافر. الثاني: قد يقع بعد القول ما يحتمل الحكاية وغيرها نحو " أتقول موسى في الدار " فلك أن تقدر موسى مفعولا أول وفى الدار مفعولا ثانيا على إجراء القول مجرى الظن، ولك أن تقدرهما مبتدأ وخبرا على الحكاية كما في قوله تعالى: (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) الآية، ألا ترى أن القول قد استوفى شروط إجرائه مجرى الظن ومع هذا جئ بالجملة بعده محكية.

    [ 415 ]

    الثالث: قد يقع بعد القول جملة محكية ولا عمل للقول فيها، وذلك نحو " أول قولى إنى أحمد الله " إذا كسرت إن، لان المعنى أول قولى هذا اللفظ، فالجملة خبر لا مفعول، خلافا لابي على، زعم أنها في موضع نصب بالقول، فبقى المبتدأ بلا خبر فقدر موجود أو ثابت، وهذا المقدر يستغنى عنه، بل هو مفسد للمعنى، لان " أول قولى إنى أحمد الله " باعتبار الكلمات إن وباعتبار الحروف الهمزة، فيفيد الكلام على تقديره الاخبار بأن ذلك الاول ثابت، ويقتضى بمفهومه أن بقية الكلام غير ثابت، اللهم إلا أن يقدر أول زائدا، والبصريون لا يجيزونه، وتبع الزمخشري أبا على في التقدير المذكور، والصواب خلاف قولهما، فإن فتحت فالمعنى حمد الله، يعنى بأى عبارة كانت. الرابع: قد تقع الجملة بعد القول غير محكية به، وهى نوعان: محكية بقول آخر محذوف كقوله تعالى (فماذا تأمرون) بعد (قال الملا من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم) لان قولهم تم عند قوله (من أرضكم) ثم التقدير: فقال فرعون، بدليل (قالوا أرجه وأخاه) وقول الشاعر: 655 - قالت له وهو بعيش ضنك * لا تكثري لومى وخلى عنك التقدير قالت له: أتذكر قولك لى إذ ألومك في الاسراف في الانفاق، لا تكثري لومى، فحذف المحكية بالمذكور، وأثبت المحكية بالمحذوف. وغير محكية، وهى نوعان: دالة على المحكية، كقولك " قال زيد لعمرو في حاتم أتظن حاتما بخيلا " فحذف المقول، وهو " حاتم بخيل " مدلولا عليه بجملة الانكار التى هي من كلامك دونه، وليس من ذلك قوله تعالى: (قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا) وإن كان الاصل والله أعلم

    [ 416 ]

    أتقولون للحق لما جاءكم هذا سحر، ثم حذفت مقالتهم مدلولا عليها بجملة الانكار، لان جملة الانكار هنا محكية بالقول الاول، وإن لم تكن محكية بالقول الثاني، وغير دالة عليه نحو (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا)، وقد مر البحث فيها. الخامس: قد يوصل بالمحكية غير محكى، وهو الذى يسميه المحدثون مدرجا، ومنه (وكذلك يفعلون) بعد حكاية قولها، وهذه الجملة ونحوها مستأنفة لا يقدر لها قول. الباب الثاني من الابواب التى تقع فيها الجملة مفعولا: باب ظن وأعلم، فإنها تقع مفعولا ثانيا لظن وثالثا لاعلم، وذلك لان أصلهما الخبر، ووقوعه جملة سائغ كما مر، وقد اجتمع وقوع خبرى كان وإن والثانى من مفعولي باب ظن جملة في قول أبى ذؤيب: 656 - فإن تزغمينى كنت أجهل فيكم * فإنى شريت الحلم بعدك بالجهل الباب الثالث: باب التعليق، وذلك غير مختص بباب ظن، بل هو جائز في كل فعل قلبى، ولهذا انقسمت هذه الجملة إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن تكون في موضع مفعول مقيد بالجار، نحو (أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة) (فلينظر أيها أزكى طعاما) (يسألون أيان يوم الدين) لانه يقال: فكرت فيه، وسألت عنه، ونظرت فيه، ولكن علقت هنا بالاستفهام عن الوصول في اللفظ إلى المفعول، وهى من حيث المعنى طالبة له على معنى ذلك الحرف. وزعم ابن عصفور أنه لا يعلق فعل غير علم وظن حتى يضمن معناهما، وعلى هذا فتكون هذه الجملة سادة مسد المفعولين.

    [ 417 ]

    واختلف في قوله تعالى: (إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) فقيل: التقدير ينظرون أيهم يكفل مريم، وقيل: يتعرفون، وقيل. يقولون: فالجملة على التقدير الاول مما نحن فيه، وعلى الثاني في موضع المفعول به المسرح، أي غير مقيد بالجار، وعلى الثالث ليست من باب التعليق البتة. والثانى: أن تكون في موضع المفعول المسرح، نحو " عرفت من أبوك " وذلك لانك تقول: عرفت زيدا، وكذا " علمت من أبوك " إذا أردت علم بمعنى عرف، ومنه قول بعضهم " أما ترى أي برق ههنا " لان رأى البصرية وسائر أفعال الحواس إنما تتعدى لواحد بلا خلاف، إلا " سمع " المعلقة باسم عين نحو " سمعت زيدا يقرأ " فقيل: (سمع) متعدية لاثنين ثانيهما الجملة، وقيل: إلى واحد والجملة حال، فإن علقت بمسموع فمتعدية لواحد اتفاقا، نحو (يوم يسمعون الصيحة بالحق). وليس من الباب (ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد) خلافا ليونس، لان " ننزع " ليس بفعل قلبى، بل أي موصولة لا استفهامية، وهى المفعول، وضمتها بناء لا إعراب، وأشد: خبر لهو محذوفا، والجملة صلة. والثالث: أن تكون في موضع المفعولين، نحو (ولتعلمن أينا أشد عذابا) (لنعلم أي الحزبين أحصى) ومنه (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) لان أيا مفعول مطلق لينقلبون، لا مفعول به ليعلم، لان الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، ومجموع الجملة الفعلية في محل نصب بفعل العلم. ومما يوهمون في إنشاده وإعرابه: 657 - ستعلم ليلى أي دين تداينت * وأى غريم للتقاضى غريمها [ ص 515 ]

    [ 418 ]

    والصواب فيه نصب " أي " الاولى على حد انتصابها في (أي منقلب) إلا أنها مفعول به، لا مفعول مطلق، ورفع " أي " الثانية مبتدأ، وما بعدها الخبر، والعلم معلق عن الجملتين المتعاطفتين الفعلية والاسمية. واختلف في نحو " عرفت زيدا من هو " فقيل: جملة الاستفهام حال، ورد بأن الجمل الانشائية لا تكون حالا، وقيل: مفعول ثان على تضمين عرف معنى علم، ورد بأن التضمين لا ينقاس، وهذا التركيب مقيس، وقيل: بدل من المنصوب، ثم اختلف، فقيل: بدل اشتمال، وقيل: بدل كل، والاصل عرفت شأن زيد، وعلى القول بأن عرف بمعنى علم فهل يقال: إن الفعل معلق أم لا ؟ قال جماعة من المغاربة: إذا قلت " علمت زيدا لابوه قائم " أو " ما أبوه قائم " فالعامل معلق عن الجملة، وهو عامل في محلها النصب على أنها مفعول ثان، وخالف في ذلك بعضهم، لان الجملة حكمها في مثل هذا أن تكون في موضع نصب، وأن لا يؤثر العامل في لفظها وإن لم يوجد معلق، وذلك نحو " علمت زيدا أبوه قائم " واضطرب في ذلك كلام الزمخشري فقال في قوله تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) في سورة هود: إنما جاز تعليق فعل البلوى لما في الاختبار من معنى العلم، لانه طريق إليه، فهو ملابس له، كما تقول " أنظر أيهم أحسن وجها، واستمع أيهم أحسن صوتا " لان النظر والاستماع من طرق العلم، اه‍. ولم أقف على تعليق النظر البصري والاستماع إلا من جهته، وقال في تفسير الآية في سورة الملك: ولا يسمى هذا تعليقا، وإنما التعليق أن يوقع بعد العامل ما يسد مسد منصوبيه جميعا ك‍ " - علمت أيهما عمرو " ألا ترى أنه لا يفترق الحال - بعد تقدم أحد المنصوبين - بين مجئ ماله الصدر وغيره ؟ ولو كان تعليقا لافترقا كما افترقا في " علمت زيدا منطلقا، وعلمت أزيد منطلق ". تنبيه - فائدة الحكم على محل الجملة في التعليق بالنصب ظهور ذلك في التابع، فتقول " عرفت من زيد وغير ذلك من أموره " واستدل به ابن عصفور بقول كثير:

    [ 419 ]

    658 - وما كنت أدرى قبل عزة ما البكى * ولا موجعات القلب حتى تولت بنصب " موجعات " ولك أن تدعى أن البكى مفعول، وأن " ما " زائدة، أو أن الاصل " ولا أدرى موجعات " فيكون من عطف الجمل، أو أن الواو للحال وموجعات اسم لا، أي وما كنت أدرى قبل عزة والحال أنه لا موجعات للقلب موجودة ما البكاء، ورأيت بخط الامام بهاء الدين بن النحاس رحمه الله: أقمت مدة أقول: القياس جواز العطف على محل الجملة المعلق عنها بالنصب، ثم رأيته منصوصا، اه‍. وممن نص عليه ابن مالك، ولا وجه للتوقف فيه مع قولهم: إن المعلق عامل في المحل. الجملة الرابعة: المضاف إليها، ومحلها الجر، ولا يضاف إلى الجملة إلا ثمانية: أحدها: أسماء الزمان، ظروفا كانت أو أسماء، نحو (والسلام على يوم ولدت) ونحو (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب) ونحو (لينذر يوم التلاق يومهم بارزون) ونحو (هذا يوم لا ينطقون) ألا ترى أن اليوم ظرف في الاولى، ومفعول ثان في الثانية، وبدل منه في الثالثة، وخبر في الرابعة، ويمكن في الثالثة أن يكون ظرفا ليخفى من قوله تعالى (لا يخفى على الله منهم شئ). ومن أسماء الزمان ثلاثة إضافتها إلى الجملة واجبة: إذ باتفاق، وإذا عند الجمهور ولما عند من قال باسميتها، وزعم سيبويه أن اسم الزمان المبهم إن كان مستقبلا فهو كإذا في اختصاصه بالجمل الفعلية، وإن كان ماضيا فهو كإذ في الاضافة إلى الجملتين فتقول " آتيك زمن يقدم الحاج " ولا يجوز " زمن الحاج قادم " وتقول " أتيتك زمن قدم الحاج، وزمن الحاج قادم " ورد عليه دعوى اختصاص المستقبل بالفعلية بقوله تعالى (يومهم بارزون) وبقول الشاعر: 659 - وكن لى شفيعا يوم لا ذو شفاعة * بمغن فتيلا عن سواد بن قارب [ ص 582 ]

    [ 420 ]

    وأجاب ابن عصفور عن الآية بأنه إنما يشترط حمل الزمان المستقبل على إذا إذا كان ظرفا، وهى في الآية بدل من المفعول به لا ظرف، ولا يأتي (1) هذا الجواب في البيت، والجواب الشامل لهما أن يوم القيامة لما كان محقق الوقوع جعل كالماضي، فحمل على إذ، لا على إذا، على حد (ونفخ في الصور). الثاني: حيث، وتختص بذلك عن سائر أسماء المكان، وإضافتها إلى الجملة لازمة، ولا يشترط لذلك كونها ظرفا، وزعم المهدوى شارح الدريدية - وليس بالمهدوى المفسر المقرئ - أن حيث في قوله: 660 - ثمت راح في الملبين إلى * حيث تحجى المأزمان ومنى لما خرجت عن الظرفية بدخول إلى عليها خرجت عن الاضافة إلى الجمل، وصارت الجملة بعدها صفة لها، وتكلف تقدير رابط لها، وهو فيه، وليس بشئ، لما قدمنا في أسماء الزمان. الثالث: آية بمعنى علامة، فإنها تضاف جوازا إلى الجملة الفعلية المتصرف فعلها مثبتا أو منفيا بما، كقوله: 661 - بآية يقدمون الخيل شعثا * [ كأن على سنابكها مداما ] [ ص 638 ] وقوله: 662 - [ الكنى إلى قومي السلام رسالة ] * بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا [ ص 421 ] وهذا قول سيبويه، زعم أبو الفتح أنها إنما تضاف إلى المفرد نحو (آية ملكه أن يأتيكم التابوت) وقال الاصل بآية ما يقدمون، أي بآية إقدامكم كما قال: 663 - [ ألا من مبلغ عنى تميما ] * بآية ما تحبون الطعاما [ ص 638 ] اه‍ وفيه حذف موصول حرفي غير أن وبفاء صلته، ثم هو غير متأت في قوله:

    (1) في نسخة " ولا يتأتى ". (*)

    [ 421 ]

    * بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا * [ 662 ] الرابع: ذو في قولهم " اذهب بذى تسلم " والباء في ذلك ظرفية، وذى صفة لزمن محذوف، ثم قال الاكثرون: هي بمعنى صاحب، فالموصوف نكرة، أي أذهب في وقت صاحب سلامة، أي في وقت هو مظنة السلامة، وقيل: بمعنى الذى فالموصوف معرفة، والجملة صلة فلا محل لها، والاصل: اذهب في الوقت الذى تسلم فيه، ويضعفه أن استعمال ذى موصولة مختص بطيئ، ولم ينقل اختصاص هذا الاستعمال بهم، وأن الغالب عليها في لغتهم البناء، ولم يسمع هنا إلا الاعراب وأن حذف العائد المجرور هو والموصول بحرف متحد المعنى مشروط باتحاد المتعلق نحو (ويشرب مما تشربون) والمتعلق هنا مختلف، وأن هذا العائد لم يذكر في وقت، وبهذا الاخير يضعف قول الاخفش في (يا أيها الناس) إن أيا موصولة والناس خبر لمحذوف، والجملة صلة وعائد، أي يا من هم الناس، على أنه قد حذف العائد حذفا لازما في نحو * ولا سيما يوم * [ 219 ] فيمن رفع، أي لا مثل الذى هو يوم، ولم يسمع في نظائره ذكر العائد، ولكنه نادر، فلا يحسن الحمل عليه. والخامس، والسادس: لدن وريث، فإنهما يضافان جوازا إلى الجملة الفعلية التى فعلها متصرف، ويشترط كونه مثبتا، بخلافه مع آية. فأما لدن فهى اسم لمبدأ الغاية، زمانية كانت أو مكانية، ومن شواهدها قوله: 664 - لزمنا لدن سألتمونا وفاقكم * فلا يك منكم للخلاف جنوح وأما ريث فهى مصدر راث إذا أبطأ، وعوملت معاملة أسماء الزمان في الاضافة إلى الجملة، كما عوملت المصادر معاملة أسماء الزمان في التوقيت كقولك " جئتك صلاة العصر " قال: 665 - خليلي رفقا رث أقضى آية * من العرصات المذكرات عهودا

    [ 422 ]

    وزعم ابن مالك في كافيته وشرحها أن الفعل بعدهما على إضمار أن، والاول قوله في التسهيل وشرحه، وقد يعذر في ريث، لانها ليست زمانا، بخلاف لدن، وقد يجاب بأنها لما كانت لمبدأ الغايات مطلقا لم تخلص للوقت، وفى الغرة لابن الدهان أن سيبويه لا يرى جواز إضافتها إلى الجملة، ولهذا قال في قوله: 666 - * من لد شولا [ فإلى إتلائها ] * إن تقديره من لد أن كانت شولا، ولم يقدر من لد كانت. والسابع والثامن: قول وقائل كقوله: 667 - قول يا للرجال ينهض منا * مسرعين الكهول والشبانا وقوله: 668 - وأجبت قائل كيف أنت بصالح * حتى مللت وملنى عوادى والجملة الخامسة: الواقعة بعد الفاء أو إذا جوابا لشرط جازم، لانها لم تصدر بمفرد يقبل الجزم لفظا كما في قولك " إن تقم أقم " ومحلا كما في قولك " إن جئتني أكرمتك " مثال المقرونة بالفاء (من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم) ولهذا قرئ بجزم يذر عطفا على المحل، ومثال المقرونة بإذا (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) والفاء المقدرة كالموجودة كقوله: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [ 81 ] ومنه عند المبرد نحو " إن قمت أقوم " وقول زهير: 669 - وإن أتاه خليل يوم مسغبة * يقول لا غائب مالى ولا حرم

    [ 423 ]

    وهذا أحد الوجهين عند سيبويه، والوجه الآخر أنه على التقديم والتأخير: فيكون دليل الجواب لا عينه، وحينئذ فلا يجزم ما عطف عليه، ويجوز أن يفسر ناصبا لما قبل الاداة، نحو " زيدا إن أتانى أكرمه " ومنع المبرد تقدير التقديم، محتجا بأن الشئ إذا حل في موضعه لا ينوى به غيره، وإلا لجاز " ضرب غلامه زيدا " وإذا خلا الجواب الذى لم يجزم لفظه من الفاء وإذا نحو " إن قام زيد قام عمرو " فمحل الجزم محكوم به للفعل لا للجملة، وكذا القول في فعل الشرط، قيل: ولهذا جاز نحو " إن قام ويقعدا أخواك " على إعمال الاول، ولو كان محل الجزم للجملة بأسرها لزم العطف على الجملة قبل أن تكمل. تنبيه - قرأ غير أبى عمرو (لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن) بالجزم، فقيل: عطف على ما قبله على تقدير إسقاط الفاء، وجزم (أصدق) ويسمى العطف على المعنى، ويقال له في غير القرآن العطف على التوهم، وقيل: عطف على محل الفاء وما بعدها وهو (أصدق) ومحله الجزم، لانه جواب التحضيض، ويجزم بإن مقدرة وإنه كالعطف على (من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم) بالجزم، وعلى هذا فيضاف إلى الضابط المذكور أن يقال: أو جواب طلب، ولا تقيد هذه المسألة بالفاء: لانهم أنشدوا على ذلك قوله: 670 - فأبلوني بليتكم لعلى * أصالحكم وأستدرج نويا (1) [ ص 477 ] وقال أبو على: عطف " أستدرج " على محل الفاء الداخلة في التقدير على لعلى وما بعدها، قلت: فكأن هذا [ هنا ] بمنزلة: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [ 81 ] في باب الشرط، وبعد فالتحقيق أن العطف في الباب من العطف على المعنى،

    (1) أبلوني: أعطوني، والبلية: الناقة يربطونها على قبر صاحبها حتى تموت، ونويا أي نواى، قلب الالف ياء وأدغمها في باء المتكلم على لغة هذيل. ومعناه الجهة التى ينويها. (*)

    [ 424 ]

    لان المنصوب بعد الفاء في تأويل الاسم، فكيف يكون هو والفاء في محل الجزم ؟ وسأوضح ذلك في باب أقسام العطف. الجملة السادسة: التابعة لمفرد، وهى ثلاثة أنواع: أحدها: المنعوت بها، فهى في موضع رفع في نحو (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه) ونصب في نحو (واتقوا يوما ترجعون فيه) وجر في نحو (ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه) ومن مثل المنصوبة المحل (ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا) (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) الآية، فجملة (تكون لنا عيدا) صفة لمائدة، وجملة (تطهرهم وتزكيهم) صفة لصدقة، ويحتمل أن الاولى حال من ضمير مائدة المستتر في (من السماء) على تقديره صفة لها لا متعلقا بأنزل، أو من (مائدة) على هذا التقدير، لانها قد وصفت، وأن الثانية حال من ضمير (خذ) ونحو (فهب لى من لدنك وليا يرثنى) أي وليا وارثا، وذلك فيمن رفع (يرث) وأما من جزمه فهو جواب للدعاء، ومثل ذلك (أرسله معى ردا يصدقني) قرئ برفع يصدق وجزمه. والثانى: المعطوفة بالحرف نحو " زيد منطلق وأبوه ذاهب " إن قدرت الواو عاطفة على الخبر، فان قدرت العطف على الجملة فلا موضع لها، أو قدرت الواو واو الحال فلا تبعية والمحل نصب. وقال أبو البقاء في قوله تعالى (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة): الاصل فهى تصبح، والضمير للقصة، و (تصبح) خبره، أو (تصيح) بمعنى أصبحت، وهو معطوف على (أنزل) فلا محل له إذا، اه‍. وفيه إشكالان: أحدهما أنه لا محوج في الظاهر لتقدير ضمير القصة، والثانى تقديره الفعل المعطوف على الفعل المخبر به لا محل له.

    [ 425 ]

    وجواب الاول أنه قد يكون قدر الكلام مستأنفا، والنحويون يقدرون في مثل ذلك مبتدأ كما قالوا في " وتشرب اللبن " فيمن رفع: إن التقدير: وأنت تشرب اللبن، وذلك إما لقصدهم إيضاح الاستئناف، أو لانه لا يستأنف إلا على هذا التقدير، وإلا لزم العطف الذى هو مقتضى الظاهر. وجواب الثاني أن الفاء نزلت الجملتين منزلة الجملة الواحدة، ولهذا اكتفى فيهما بضمير واحد، وحينئذ فالخبر مجموعهما كما في جملتي الشرط والجزاء الواقعتين خبرا، والمحل لذلك المجموع، وأما كل منهما فجزء الخبر، فلا محل له، فافهمه فإنه بديع. ويجب على هذا أن يدعى أن الفاء في ذلك وفى نظائره من نحو " زيد يطير الذباب فيغضب " قد أخلصت لمعنى السببية، وأخرجت عن العطف، كما أن الفاء كذلك في جواب الشرط، وفى نحو " أحسن إليك فلان فأحسن إليه " ويكون ذكر أبى البقاء للعطف تجوزا أو سهوا. ومما يلحق بهذا البحث أنه إذا قيل: " قال زيد عبد الله منطلق وعمرو مقيم " فليست الجملة الاولى في محل نصب والثانية تابعة لها، بل الجملتان معا في موضع نصب، ولا محل لواحدة منهما، لان المقول مجموعهما، وكل منهما جزء للمقول، كما أن جزأى الجملة الواحدة لا محل لواحد منهما باعتبار القول، فتأمله. الثالث: المبدلة كقوله تعالى: (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم) فإن وما عملت فيه بدل من ما وصلتها، وجاز إسناد يقال إلى الجملة كما جاز في (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها) هذا كله إن كان المعنى ما يقول الله لك إلا ما قد قيل، فأما إن كان المعنى ما يقول لك كفار قومك من الكلمات المؤذية إلا مثل ما قد قال الكفار الماضون لانبيائهم، وهو الوجه الذى بدأ به الزمخشري، فالجملة استئناف.

    [ 426 ]

    ومن ذلك (وأسروا النجوى) ثم قال الله تعالى: (هل هذا إلا بشر مثلكم أفتاتون السحر) قال الزمخشري: هذا في موضع نصب بدلا من النجوى، ويحتمل التفسير: وقال ابن جنى في قوله: إلى الله أشكو بالمدينة حاجة * وبالشأم أخرى كيف يلتقيان ؟ [ 339 ] جملة الاستفهام بدل من حاجة وأخرى، أي إلى الله أشكو حاجتى (1) تعذر التقائهما الجملة السابعة: التابعة لجملة لها محل، ويقع ذلك في بابى النسق والبدل خاصة فالاول نحو " زيد قام أبوه وقعد أخوه " إذا لم تقدر الواو للحال، ولا قدرت العطف على الجملة الكبرى. والثانى شرطه كون الثانية أوفى من الاولى بتأدية المعنى المراد، نحو (واتقوا الذى أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون) (فإن دلالة الثانية على نعم الله مفصلة، بخلاف الاولى، وقوله: 671 - أقول له ارحل لا تقيمن عندنا * [ وإلا فكن في السر والجهر مسلما ] [ ص 456 ] فإن دلالة الثانية على ما أراده من إظهار الكراهية لاقامته بالمطابقة، بخلاف الاولى. قيل: ومن ذلك قوله: 672 - ذكرتك والخطى يخطر بيننا * وقد نهلت منا المثقفة السمر فإنه أبدل " وقد نهلت " من قوله " والخطى يخطر بيننا " بدل اشتمال، اه‍. وليس متعينا، لجواز كونه من باب النسق، على أن تقدر الواو للعطف، ويجوز أن تقدر واو الحال، وتكون الجملة حالا، إما من فاعل ذكرتك على المذهب

    (1) في نسخة " أشكو حاجتين ". (*)

    [ 427 ]

    الصحيح في جواز ترادف الاحوال، وإما من فاعل يخطر فتكون الحالان متداخلتين، والرابط على هذا الواو، وإعادة صاحب الحال بمعناه، فإن المثقفة السمر هي الرماح. ومن غريب هذا الباب قولك " قلت لهم قوموا أولكم وآخركم " زعم ابن مالك أن التقدير: ليقم أولكم وآخركم، وأنه من باب بدل الجملة من الجملة لا المفرد من المفرد، كما قال في العطف في نحو (اسكن أنت وزوجك الجنة) و (لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى) و (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده). تنبيه - هذا الذى ذكرته - من انحصار الجمل التى لها محل في سبع - جار على ما قرروا، والحق أنها تسع، والذى أهملوه: الجملة المستثناة، والجملة المسند إليها. أما الاولى فنحو (لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله) قال ابن خروف: من مبتدأ، ويعذبه الله الخبر، والجملة في موضع نصب على الاستثناء المنقطع، وقال الفراء في قراءة بعضهم (فشربوا منه إلا قليل منهم): إن (قليل) مبتدأ حذف خبره أي لم يشربوا، وقال جماعة في (إلا امرأتك) بالرفع: إنه مبتدأ والجملة بعده خبر، وليس من ذلك نحو " ما مررت بأحد إلا زيد خير منه " لان الجملة هنا حال من أحد باتفاق، أو صفة له عند الاخفش، وكل منهما قد مضى ذكره، وكذلك الجملة في (إلا إنهم ليأكلون الطعام) فإنها حال، وفى نحو " ما علمت زيدا إلا يفعل الخير " فإنها مفعول، وكل ذلك قد ذكر. وأما الثانية فنحو (سواء عليهم أأنذرتهم) الآية إذا أعرب سواء خبرا، وأنذرتهم مبتدأ، ونحو " تسمع بالمعيدى خير من أن تراه " إذا لم تقدر الاصل أن تسمع، بل يقدر تسمع قائما مقام السماع كما أن الجملة بعد الظرف في نحو (ويوم نسير الجبال) وفى نحو (أأنذرتهم) في تأويل المصدر، وإن لم يكن معها (1) حرف سابك

    (1) في نسخة " معهما " بالتثنية - ولها وجه. (*)

    [ 428 ]

    واختلف في الفاعل ونائبه هل يكونان جملة أم لا، فالمشهور المنع مطلقا، وأجازه هشام وثعلب مطلقا نحو " يعجبنى قام زيد " وفصل الفراء وجماعة ونسبوه لسيبويه فقالوا: إن كان الفعل قلبيا ووجد معلق عن العمل نحو " ظهر لى أقام زيد " صح، وإلا فلا، وحملوا عليه (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) ومنعوا " يعجبنى يقوم زيد " وأجازهما هشام وثعلب، واحتجا بقوله: 673 - وما راعني إلا يسير بشرطة * [ وعهدي به قينا يسير بكير ] ومنع الاكثرون ذلك كله، وأولوا ما ورد مما يوهمه، فقالوا: في بدا ضمير البداء، وتسمع ويسير على إضمار أن. وأما قوله تعالى (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض) وقوله عليه الصلاة والسلام " لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة " وقول العرب " زعموا مطية الكذب " فليس من باب الاسناد إلى الجملة، لما بينا في غير هذا الموضع. حكم الجمل بعد المعارف وبعد النكرات يقول المعربون على سبيل التقريب: الجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال. وشرح المسألة مستوفاة أن يقال: الجمل الخبرية التى لم يستلزمها ما قبلها: إن كانت مرتبطة بنكرة محضة فهى صفة لها، أو بمعرفة محضة فهى حال عنها، أو بغير المحضة منهما فهى محتملة لهما، وكل ذلك بشرط وجود المقتضى وانتفاء المانع. مثال النوع الاول - وهو الواقع صفة لا غير لوقوعه بعد النكرات المحضة - قوله تعالى (حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم) (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه) ومنه (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها) وإنما أعيد ذكر الاهل لانه لو قيل استطعماهم مع أن المراد وصف القرية لزم

    [ 429 ]

    خلو الصفة من ضمير الموصوف، ولو قيل استطعماها كان مجازا، ولهذا كان هذا الوجه أولى من أن تقدر الجملة جوابا لاذا، لان تكرار الظاهر يعرى حينئذ عن هذا المعنى، وأ
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:11 am

    [ 448 ]

    كيفية تقديره باعتبار المعنى أما في القسم فتقديره أقسم، وأما في الاشتغال فتقديره كالمنطوق به نحو " يوم الجمعة صمت فيه ". وأعلم أنهم ذكروا في باب الاشتغال أنه يجب أن لا يقدر مثل المذكور إذا حصل مانع صناعي كما في " زيدا مررت به " أو معنوى كما في " زيدا ضربت أخاه " إذ تقدير المذكور يقتضى في الاول تعدى القاصر بنفسه، وفى الثاني خلاف الواقع، إذ الضرب لم يقع بزيد، فوجب أن يقدر جاوزت في الاول، وأهنت في الثاني، وليس المانعان مع كل متعد بالحرف، ولا مع كل سببي، ألا ترى أنه لا مانع في نحو " زيدا شكرت له " لان شكر يتعدى بالجار وبنفسه، وكذلك الظرف نحو " يوم الجمعة صمت فيه " لان العامل لا يتعدى إلى ضمير الظرف بنفسه، مع أنه يتعدى إلى ظاهره بنفسه، وكذلك لا مانع في نحو " زيدا أهنت أخاه " لان إهانة أخيه إهانة له، بخلاف الضرب. وأما في المثل فيقدر بحسب (1) المعنى، وأما في البواقى نحو " زيد في الدار " فيقدر كونا مطلقا وهو كائن أو مستقر أو مضارعهما إن أريد الحال أو الاستقبال نحو " الصوم اليوم " أو " في اليوم " و " الجزلة غدا " أو " في الغد " ويقدر كان أو استقر أو وصفهما إن أريد المضى، هذا هو الصواب، وقد أغفلوه مع قولهم في نحو " ضربي زيدا قائما ": إن التقدير إذ كان إن أريد المضى أو إذا كان إن أريد المستقبل، ولا فرق، وإذا جهلت المعنى فقدر الوصف فإنه صالح في الازمنة كلها، وإن كانت حقيقته الحال، وقال الزمخشري في قوله تعالى (أفأنت تنقذ من في النار) إنهم جعلوا في النار الآن لتحقق الموعود به، ولا يلزم ما ذكره، لانه لا يمتنع تقدير المستقبل، ولكن ما ذكره أبلغ وأحسن. ولا يجوز تقدير الكون الخاص كقائم وجالس إلا لدليل، ويكون الحذف حينئذ جائزا لا واجبا، ولا ينتقل ضمير من المحذوف إلى الظرف والمجرور، وتوهم

    (1) انظر الامر السادس في ص 446 فقد ذكر المثل وشبهه ومثالا لكل منهما (*)

    [ 449 ]

    جماعة امتناع حذف الكون الخاص، يبطله أنا متفقون على جواز حذف الخبر عند وجود الدليل، وعدم وجود معمول، فكيف يكون وجود المعمول مانعا من الحذف مع أنه إما أن يكون هو الدليل أو مقويا للدليل ؟ واشتراط النحويين الكون المطلق إنما هو لوجوب الحذف، لا لجوازه. ومما يتخرج على ذلك قولهم " من لى بكذا " أي من يتكفل لى به ؟ وقوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) أي مستقبلات لعدتهن، كذا فسره جماعة من السلف، وعليه عول الزمخشري، ورده أبو حيان توهما منه أن الخاص لا يحذف، وقال: الصواب أن اللام للتوقيت، وأن الاصل لاستقبال عدتهن، فحذف المضاف، اه‍. وقد بينا فساد تلك الشبهة، ومما يتخرج على التعلق بالكون الخاص قوله تعالى: (الحر بالحر، والعبد بالعبد، والانثى بالانثى) التقدير مقتول أو يقتل، لا كائن، اللهم إلا أن تقدر مع ذلك مضافين، أي قتل الحر كائن بقتل الحر، وفيه تكلف تقدير ثلاثة الكون والمضافان، بل تقدير خمسة، لان كلا من المصدرين لابد له من فاعل، ومما يبعد ذلك أيضا أنك لا تعلم معنى المضاف الذى تقدره مع المبتدأ إلا بعد تمام الكلام، وإنما حسن الحذف أن يعلم عند موضع تقديره نحو (واسأل القرية) ونظير هذه الآية قوله تعالى (أن النفس بالنفس) الآية، أي أن النفس مقتولة بالنفس، والعين مفقوءة بالعين، والانف مجدوع بالانف، والاذن مصلومة بالاذن، والسن مقلوعة بالسن، هذا هو الاحسن، وكذلك الارجح في قوله تعالى (الشمس والقمر بحسبان) أن يقدر يجريان، فإن قدرت الكون قدرت مضافا، أي جريان الشمس والقمر كائن بحسبان، وقال ابن مالك في قوله تعالى (قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب إلا الله): إن الظرف ليس متعلقا بالاستقرار، لاستلزامه إما الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن الظرفية المستفادة من (في) حقيقة بالنسبة

    [ 450 ]

    إلى غير الله سبحانه وتعالى ومجاز بالنسبة إليه تعالى، وإما حمل قراءة السبعة على لغة مرجوحة، وهى إبدال المستثنى المنقطع كما زعم الزمخشري، فإنه زعم أن الاستثناء منقطع، والمخلص من هذين المحذورين أن يقدر: قل لا يعلم من يذكر في السموات والارض، ومن جوز اجتماع الحقيقة والمجاز في كلمة واحدة واحتج بقولهم " القلم أحد اللسانين " ونحوه لم يحتج إلى ذلك، وفى الآية وجه آخر، وهو أن يقدر من مفعولا به، والغيب بدل اشتمال، والله فاعل، والاستثناء مفرغ. تعيين موضع التقدير الاصل أن يقدر مقدما عليهما كسائر العوامل مع معمولاتها، وقد يعرض ما يقتضى ترجيح تقديره مؤخرا، وما يقتضى إيجابه. فالاول نحو " في الدار زيد " لان المحذوف هو الخبر، وأصله أن يتأخر عن المبتدأ. والثانى نحو " إن في الدار زيدا " لان إن لا يليها مرفوعها. ويلزم من قدر المتعلق فعلا أن يقدره متأخرا (1) في جميع المسائل، لان الخبر إذا كان فعلا لا يتقدم على المبتدأ. تنبيه - رد جماعة منهم ابن مالك على من قدر الفعل بنحو قوله تعالى: (إذا لهم مكر في آياتنا) وقولك " أما في الدار فزيد " لان " إذا " الفجائية لا يليها الفعل، و " أما " لا يقع بعدها فعل إلا مقرونا بحرف الشرط نحو (فأما إن كان من المقربين)، وهذا على ما بيناه غير وارد، لان الفعل يقدر مؤخرا.

    (1) في نسخة أن " يقدره مؤخرا ". (*)

    [ 451 ]

    الباب الرابع من الكتاب في ذكر أحكام يكثر دورها، ويقبح بالمعرب جهلها، وعدم معرفتها على وجهها. فمن ذلك ما يعرف به المبتدأ من الخبر. يجب الحكم بابتدائية المقدم من الاسمين في ثلاث مسائل: إحداها: أن يكونا معرفتين، تساوت رتبتهما نحو " الله ربنا " أو اختلفت نحو " زيد الفاضل، والفاضل زيد " هذا هو المشهور، وقيل: يجوز تقدير كل منهما مبتدأ وخبرا مطلقا، وقيل: المشتق خبر وإن تقدم نحو " القائم زيد ". والتحقيق أن المبتدأ ما كان أعرف كزيد في المثال، أو كان هو المعلوم عند المخاطب كأن يقول: من القائم ؟ فتقول " زيد القائم " فإن علمهما وجهل النسبة فالمقدم المبتدأ. الثانية: أن يكونا نكرتين صالحتين للابتداء بهما نحو " أفضل منك أفضل منى ". الثالثة: أن يكونا مختلفين تعريفا وتنكيرا ولاول هو المعرفة " كزيد قائم " وأما إن كان هو النكرة فإن لم يكن له ما يسوغ الابتداء به فهو خبر اتفاقا نحو " خز ثوبك " و " ذهب خاتمك " وإن كان له مسوغ فكذلك عند الجمهور، وأما سيبويه فيجعله المبتدأ نحو " كم مالك " و " خير منك زيد " و " حسبنا الله " ووجهه أن الاصل عدم التقديم والتأخير، وأنهما شبيهان بمعرفتين تأخر الاخص منهما نحو " الفاضل أنت " ويتجه عندي جواز الوجهين إعمالا للدليلين، ويشهد لابتدائية النكرة قوله تعالى: (فإن حسبك الله) (إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة) وقولهم " إن قريبا منك زيد "

    [ 452 ]

    وقولهم " بحسبك زيد " والباء لا تدخل في الخبر في الايجاب، ولخبريتها قولهم " ما جاءت حاجتك " بالرفع. والاصل ما حاجتك، فدخل الناسخ بعد تقدير لمعرفة مبتدأ، ولولا هذا التقدير لم يدخل، إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله، وأما من نصب فالاصل ما هي حاجتك، بمعنى أي حاجة هي حاجتك، ثم دخل الناسخ على الضمير فاستتر فيه، ونظيره أن تقول " زيد هو الفاضل " وتقدر هو مبتدأ ثانيا لا فصلا ولا تابعا، فيجوز لك حينئذ أن تدخل عليه كان فتقول " زيد كان الفاضل ". ويجب الحكم بابتدائية المؤخر في نحو " أبو حنيفة أبو يوسف ". و 692 - بنونا بنو أبنائنا [ وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الاباعد ] رعيا للمعنى، ويضعف (1) أن تقدر الاول مبتدأ بناء على أنه من التشبيه المعكوس للمبالغة، لان ذلك نادر الوقوع، ومخالف للاصول، اللهم إلا أن يقتضى المقام المبالغة، والله أعلم. ما يعرف به الاسم من الخبر اعلم أن لهما ثلاث حالات: احداها: أن يكونا معرفتين، فإن كان المخاطب يعلم أحدهما دون الآخر فالمعلوم الاسم والمجهول الخبر، فيقال " كان زيد أخا عمرو " لمن علم زيدا وجهل أخوته لعمرو، و " كان أخو عمرو زيدا " لمن يعلم أخا لعمرو ويجهل أن اسمه زيد، وإن كان يعلمهما ويجهل انتساب أحدهما إلى الآخر فإن كان أحدهما أعرف فالمختار جعله الاسم، فتقول " كان زيد القائم " لمن كان قد سمع بزيد وسمع برجل قائم، فعرف كلا منهما بقلبه، ولم يعلم أن أحدهما هو الآخر، ويجوز قليلا " كان القائم زيدا ". وإن لم يكن أحدهما أعرف فأنت مخير نحو " كان زيد أخا عمرو "

    (1) في نسخة " ويضعفه - إلخ ". (*)

    [ 453 ]

    وكان أخو عمرو زيدا " ويستثنى من مختلفى الرتبة نحو " هذا " فإنه يتعين للاسمية لمكان التنبيه المتصل به، فيقال " كان هذا أخاك، وكان هذا زيدا " إلا مع الضمير، فإن الافصح في باب المبتدأ أن تجعله المبتدأ وتدخل التنبيه عليه، فتقول " ها أنذا " ولا يتأتى ذلك في باب الناسخ، لان الضمير متصل بالعامل، فلا يتأتى دخول التنبيه عليه، على أنه سمع قليلا في باب المبتدأ " هذا أنا ". واعلم أنهم حكموا لان وأن المقدرتين بمصدر معرف بحكم الضمير، لانه لا يوصف كما أن الضمير كذلك، فلهذا قرأت السبعة (ما كان حجتهم إلا أن قالوا) (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا) والرفع ضعيف كضعف الاخبار بالضمير عما دونه في التعريف. الحالة الثانية: أن يكونا نكرتين، فإن كان لكل منهما مسوغ للاخبار عنها فأنت مخير فيما تجعله منهما الاسم وما تجعله الخبر، فتقول " كان خير من زيد شرا من عمرو " أو تعكس، وإن كان المسوغ لاحداهما فقط جعلتها الاسم نحو " كان خير من زيد امرأة ". الحالة الثالثة: أن يكونا مختلفين، فتجعل المعرفة الاسم والنكرة الخبر، نحو " كان زيد قائما " ولا يعكس إلا في الضرورة كقوله: 693 - [ قفى قبل التفرق يا ضباعا ] * ولا يك موقف منك الوداعا وقوله: 694 - [ كأن سبيئة من بيت رأس ] * يكون مزاجها عسل وماء [ ص 695 ] وأما قراءة ابن عامر (أولم تكن لهم آية أن يعلمه) بتأنيث تكن ورفع آية، فإن قدرت تكن تامة فاللام متعلقة بها وآية فاعلها، و (أن يعلمه) بدل من آية، أو خبر لمحذوف أي هي أن يعلمه، وإن قدرتها ناقصة فاسمها ضمير القصة، و (أن يعلمه) مبتدأ، وآية خبره، والجملة خبر كان، أو آية اسمها،

    [ 454 ]

    ولهم خبرها، و (أن يعلمه) بدل أو خبر لمحذوف، وأما تجويز الزجاج كون آية اسمها و (أن يعلمه) خبرها فردوه لما ذكرنا، واعتذر له بأن النكرة قد تخصصت بلهم. ما يعرف به الفاعل من المفعول وأكثر ما يشتبه ذلك إذا كان أحدهما اسما ناقصا والآخر اسما تاما. وطريق معرفة ذلك أن تجعل في موضع التام إن كان مرفوعا ضمير المتكلم المرفوع، وإن كان منصوبا ضميره المنصوب، وتبدل من الناقص اسما بمعناه في العقل وعدمه، فإن صحت المسألة بعد ذلك فهى صحيحة قبله، وإلا فهى فاسدة، فلا يجوز " أعجب زيد ما كره عمرو " إن أوقعت " ما " على ما لا يعقل، فإنه لا يجوز " أعجبت الثوب " ويجوز النصب، لانه يجوز " أعجبني الثوب " فإن أوقعت " ما " على أنواع من يعقل جاز، لانه يجوز " أعجبت النساء " وإن كان الاسم الناقص من أو الذى جاز الوجهان أيضا. فروع - تقول " أمكن المسافر السفر " بنصب المسافر، لانك تقول " أمكننى السفر " ولا تقول " أمكنت السفر " وتقول " ما دعا زيدا إلى الخروج " و " ما كره زيد من الخروج " بنصب زيد في الاولى مفعولا والفاعل ضمير " ما " مستترا، وبرفعه في الثانية فاعلا والمفعول ضمير ما محذوفا، لانك تقول " ما دعاني إلى الخروج " و " ما كرهت منه " ويمتنع العكس، لانه لا يجوز " دعوت الثوب إلى الخروج " و " كره من الخروج " (1) وتقول " زيد في رزق عمرو عشرون دينارا " برفع العشرين لا غير، فإن قدمت عمرا فقلت " عمرو زيد في رزقه عشرون " جاز رفع العشرين ونصبه، وعلى الرفع فالفعل خال من الضمير، فيجب توحيده مع المثنى والمجموع، ويجب ذكر الجار والمجرور لاجل الضمير الراجع إلى

    (1) الاولى أن يقول " وكرهني الثوب من الخروج " تطبيقا للقاعدة التى أصلها. (*)

    [ 455 ]

    المبتدأ، وعلى النصب فالفعل محتمل للضمير، فيبرز في التثنية، والجمع، ولا يجب ذكر الجار والمجرور. ما افترق فيه عطف البيان والبدل وذلك ثمانية أمور: أحدها: أن العطف لا يكون مضمرا ولا تابعا لمضمر، لانه في الجوامد نظير النعت في المشتق، وأما إجازة الزمخشري في (أن اعبدوا الله) أن يكون بيانا للهاء من قوله تعالى (إلا ما أمرتنى به) فقد مضى رده، نعم أجاز الكسائي أن ينعت الضمير بنعت مدح أو ذم أو ترحم، فالاول نحو " لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " ونحو (قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب) وقولهم " اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم " والثانى نحو " مررت به الخبيث " والثالث نحو قوله: 695 - [ قد أصبحت بقرقرى كوانسا ] * فلا تلمه أن ينام البائسا [ ص 492 ] وقال الزمخشري في (جعل الله الكعبة البيت الحرام): إن (البيت الحرام) عطف بيان على جهة المدح كما في الصفة، لا على جهة التوضيح، فعلى هذا لا يمتنع مثل ذلك في عطف البيان على قول الكسائي. وأما البدل فيكون تابعا للمضمر بالاتفاق نحو (ونرثه ما يقول) (ما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) وإنما امتنع الزمخشري من تجويز. كون (أن اعبدوا الله) بدلا من الهاء في (به) توهما منه أن ذلك يخل بعائد الموصول، وقد مضى رده. وأجاز النحويون أن يكون البدل مضمرا تابعا لمضمر ك‍ " رأيته إياه " أو لظاهر ك‍ " رأيت زيدا إياه " وخالفهم ابن مالك فقال: إن الثاني لم يسمع، وإن الصواب في الاول قول الكوفيين إنه توكيد كما في " قمت أنت ". الثاني: أن البيان لا يخالف متبوعه، في تعريفه وتنكيره، وأما قول الزمخشري:

    [ 456 ]

    إن (مقام إبراهيم) عطف على (آيات بينات) فسهو، وكذا قال في (إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا): إن (أن تقوموا) عطف على (واحدة) ولا يختلف في جواز ذلك في البدل، نحو (إلى صراط مستقيم صراط الله) ونحو (بالناصية ناصية كاذبة). الثالث: أنه لا يكون جملة، بخلاف البدل نحو (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم) ونحو (وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم) وهو أصح الاقول في " عرفت زيدا أبو من هو " وقال: 696 - لقد أذهلتني أم عمرو بكلمة * أتصبر يوم البين أم لست تصبر ؟ الرابع: أنه لا يكون تابعا لجملة، بخلاف البدل، نحو (اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا) ونحو (أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين) وقوله: * أقول له أرحل لا تقيمن عندنا * [ 671 ] الخامس: أنه لا يكون فعلا تابعا لفعل، بخلاف البدل، نحو قوله تعالى (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب). السادس: أنه لا يكون بلفظ الاول، ويجوز ذلك في البدل بشرط أن يكون مع الثاني زيادة بيان كقراءة يعقوب (وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها) بنصب كل الثانية، فإنها قد اتصل بها ذكر سبب الجثو، وكقول الحماسي: 697 - رويد بنى شيبان بعض وعيدكم * تلاقوا غدا خيلى على سفوان

    [ 457 ]

    تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى * إذا ما غدت في المأزق المتدانى تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم * على ما جنت فيهم يد الحدثان وهذا الفرق إنما هو على ما ذهب إليه ابن الطراوة من أن عطف البيان لا يكون من لفظ الاول، وتبعه على ذلك ابن مالك وابنه، وحجتهم أن الشئ لا يبين نفسه، وفيه نظر من أوجه، أحدها: أنه يقتضى أن البدل ليس مبينا للمبدل منه، وليس كذلك، ولهذا منع سيبويه " مررت بى المسكين، وبك المسكين " دون " به المسكين " وإنما يفارق البدل عطف البيان في أنه بمنزلة جمله استؤنفت للتبيين، والعطف تبيين بالمفرد المحض. والثانى: أن اللفظ المكرر إذا اتصل به ما لم يتصل بالاول كما قدمنا اتجه كون الثاني بيانا بما فيه من زيادة الفائدة، وعلى ذلك أجازوا الوجهين في نحو قوله: 698 - يا زيد زيد اليعملات الذبل * [ تطاول الليل عليك فانزل ] [ ص 621 و 622 ] و... 699 - يا تيم تيم عدى [ لا أبالكم * لا يلقينكم في سوأة عمر ] إذا ضممت المنادى فهما. والثالث: أن البيان يتصور مع كون المكرر مجردا، وذلك في مثل قولك " يا زيد زيد " إذا قلته وبحضرتك اثنان اسم كل منهما زيد، فإنك لما تذكر الاول يتوهم كل منهما أنه المقصود، فإذا كررته تكرر خطابك لاحدهما وإقبالك عليه فظهر المراد، وعلى هذا يتخرج قول النحويين في قوله رؤبة: * لقائل يا نصر نصر نصرا * [ 627 ] إن الثاني والثالث عطفان على اللفظ وعلى المحل، وخرجه هؤلاء على التوكيد اللفظى فيهما أو في الاول فقط، فالثاني إما مصدر دعائي مثل " سقيا لك " أو مفعول

    [ 458 ]

    به بتقدير عليك، على أن المراد إغراء نصر بن سيار بحاجب له اسمه نصر على ما نقل أبو عبيدة، وقيل: لو قدر أحدهما توكيدا لضما بغير تنوين كالمؤكد. السابع: أنه ليس في نية إحلاله محل الاول، بخلاف البدل، ولهذا امتنع البدل وتعين البيان في نحو " يا زيد الحارث " وفى نحو " يا سعيد كرز " بالرفع أو " كرزا " بالنصب، بخلاف " يا سعيد كرز " بالضم فإنه بالعكس، وفى نحو " أنا الضارب الرجل زيد " وفى نحو " زيد أفضل الناس الرجال والنساء، أو النساء والرجال " وفى نحو " يا أيها الرجل غلام زيد " وفى نحو " أي الرجلين زيد وعمرو جاءك " وفى نحو " جاءني كلا أخويك زيد وعمرو ". الثامن: أنه ليس في التقدير من جملة أخرى، بخلاف البدل، ولهذا امتنع أيضا البدل وتعين البيان في نحو قولك " هند قام عمرو أخوها " ونحو " مررت برجل قام عمرو أخوه " ونحوه " زيد ضربت عمرا أخاه ". ما افترق فيه اسم الفاعل والصفة المشبهة وذلك أحد عشر أمرا: أحدها: أنه يصاغ من المتعدى والقاصر كضارب وقائم ومستخرج ومستكبر، وهى لا تصاغ إلا من القاصر كحسن وجميل. الثاني: أنه يكون للازمنة الثلاثة، وهى لا تكون إلا للحاضر، أي الماضي المتصل بالزمن الحاضر. الثالث: أنه لا يكون إلا مجاريا للمضارع في حركاته وسكناته كضارب ويضرب ومنطلق وينطلق، ومنه يقوم وقائم، لان الاصل يقوم، بسكون القاف وضم الواو، ثم نقلوا، وأما توافق أعيان الحركات فغير معتبر، بدليل ذاهب ويذهب وقاتل ويقتل، ولهذا قال ابن الخشاب: وهو وزن عروضى لا نصر يفى، وهى تكون

    [ 459 ]

    مجارية له كمنطلق اللسان ومطمئن النفس وطاهر العرض وغير مجارية وهو الغالب نحو ظريف وجميل، وقول جماعة " إنها لا تكون إلا غير مجارية " مردود باتفاقهم على أن منها قوله: 700 - من صديق أو أخى ثقة * أو عدو شاحط دارا الرابع: أن منصوبه يجوز أن يتقدم عليه نحو " زيد عمرا ضارب " ولا يجوز " زيد وجهه حسن ". الخامس: أن معموله يكون سببيا وأجنبيا نحو " زيد ضارب غلامه وعمرا " ولا يكون معمولها إلا سببيا تقول " زيد حسن وجهه " أو " الوجه " ويمتنع " زيد حسن عمرا ". السادس: أنه لا يخالف فعله في العمل، وهى تخالفه، فإنها تنصب مع قصور فعلها، تقول " زيد حسن وجهه " ويمتنع " زيد حسن وجهه " بالنصب، خلافا لبعضهم، فأما الحديث " أن امرأة كانت تهراق الدماء " فالدماء تمييز على زيادة أل، قال ابن مالك: أو مفعول على أن الاصل تهريق ثم قلبت الكسرة فتحة والياء ألفا كقولهم جاراة وناصاة وبقا، وهذا مردود، لان شرط ذلك تحرك الياء كجارية وناصية وبقى. السابع: أنه يجوز حذفه وبقاء معموله، ولهذا أجازوا " أنا زيد ضاربه " و " هذا ضارب زيد وعمرا " بخفض زيد ونصب عمرو بإضمار فعل أو وصف منون، وأما العطف على محل المخفوض فممتنع عند من شرط وجود المحرز كما سيأتي، ولا يجوز " مررت برجل حسن الوجه والفعل " بخفض الوجه ونصب الفعل ولا " مررت برجل وجهه حسنه " بنصب الوجه وخفض الصفة، لانهما لا تعمل محذوفة، ولان معمولها لا يتقدمها، وما لا يعمل لا يفسر عاملا. الثامن: أنه لا يقبح حذف موصوف اسم الفاعل وإضافته إلى مضاف إلى ضميره. نحو " مررت بقاتل أبيه " ويقبح " مررت بحسن وجهه ".

    [ 460 ]

    التاسع: أنه يفصل مرفوعه ومنصوبه، ك‍ " زيد ضارب في الدار أبوه عمرا " ويمتنع عند الجمهور " زيد حسن في الحرب وجهه " رفعت أو نصبت. العاشر: أنه يجوز إتباع معموله بجميع التوابع، ولا يتبع معمولها بصفة، قاله الزجاج ومتأخرو المغاربة، ويشكل عليهم الحديث في صفة الدجال " أعور عينه اليمنى ". الحادى عشر: أنه يجوز إتباع مجروره على المحل عند من لا يشترط المحرز، ويحتمل أن يكون منه (وجاعل الليل سكنا والشمس) ولا يجوز " هو حسن الوجه والبدن " بجر الوجه ونصب البدن، خلافا للفراء، أجاز " هو قوى الرجل واليد " برفع المعطوف، وأجاز البغداديون إتباع المنصوب بمجرور في البابين كقوله: 701 - فظل طهاة اللحم ما بين منضج * صفيف شواء أو قدير معجل [ ص 474 ] التقدير: المطبوخ في القدر، وهو عندهم عطف على صفيف، وخرج على أن الاصل " أو طابخ قدير " ثم حذف المضاف وأبقى جر المضاف إليه كقراءة بعضهم (والله يريد الآخرة) بالخفض، أو أنه عطف على صفيف ولكن خفض على الجوار، أو على توهم أن الصفيف مجرور بالاضافة كما قال: * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا * [ 135 ] ما افترق فيه الحال والتمييز، وما اجتمعا فيه اعلم أنهما قد اجتمعا في خمسة، وافترقا في سبعة. فأوجه الاتفاق أنهما اسمان، نكرتان، فضلتان، منصوبتان، رافعتان للابهام.

    [ 461 ]

    وأما أوجه الافتراق فأحدها: أن الحال يكون جملة ك‍ " جاء زيد يضحك " وظرفا نحو " رأيت الهلال بين السحاب " وجارا ومجرورا نحو (فخرج على قومه في زينته) والتمييز لا يكون إلا اسما. والثانى: أن الحال قد يتوقف معنى الكلام عليها كقوله تعالى: (ولا تمش في الارض مرحا) (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) وقال: 702 - إنما الميت من يعيش كئيبا * كآسفا باله قليل الرجاء بخلاف التمييز. والثالث: أن الحال مبينة للهيئات، والتمييز مبين للذوات. والرابع: أن الحال يتعدد كقوله: 703 - على إذا ما زرت ليلى بخفية * زيارة بيت الله رجلان حافيا بخلاف التمييز، ولذلك كان خطأ قول بعضهم في: 704 - * تبارك رحمانا رحيما وموثلا * إنهما تمييزان، والصواب أن رحمانا بإضمار أخص أو أمدح، ورحيما حال منه، لا نعت له، لان الحق قول الاعلم وابن مالك: إن الرحمن ليس بصفة بل علم، وبهذا أيضا يبطل كونه تمييزا، وقول قوم إنه حال. وأما قول الزمخشري: إذا قلت " الله رحمن " أتصرفه أم لا، وقول ابن الحاجب: إنه اختلف في صرفه، فخارج عن كلام العرب من وجهين: لانه لم يستعمل صفة ولا مجردا من أل، وإنما حذفت في البيت للضرورة، وينبنى على علميته أنه في البسملة ونحوها بدل لا نعت، وأن الرحيم بعده نعت له، لا نعت لاسم

    [ 462 ]

    الله سبحانه وتعالى، إذ لا يتقدم البدل على النعت، وأن السؤال الذى سأله الزمخشري وغيره لم قدم الرحمن مع أن عادتهم تقديم غير الابلغ كقولهم: عالم نحرير، وجواد فياض، غير متجه. ومما يوضح لك أنه غير صفة مجيئه كثيرا غير تابع نحو (الرحمن علم القرآن) (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن). والخامس: أن الحال تتقدم على عاملها إذا كان فعلا متصرفا، أو وصفا يشبهه نحو (خاشعا أبصارهم يخرجون (1)) وقوله: 705 - [ عدس ما لعياد عليك إمارة * نجوت ] وهذا تحملين طليق أي وهذا طليق محمولا لك، ولا يجوز ذلك في التمييز على الصحيح، فأما استدلال ابن مالك على الجواز بقوله: 706 - رددت بمثل السيد نهد مقلص * كميش إذا عطفاه ماء تحلبا وقوله: 707 - إذا المرء عينا قر بالعيش مثريا * ولم يعن بالاحسان كان مذمما فسهو، لان عطفاه والمرء مرفوعان بمحذوف يفسره المذكور، والناصب للتمييز هو المحذوف، وأما قوله: 708 - [ ضيعت حزمى في إبعادى الاملا ] * وما ارعويت وشيبا رأسي اشتعلا

    (1) هذه قراءة أبى عمرو وحمزة والكسائي. (*)

    [ 463 ]

    وقوله: 709 - أنفسا تطيب بنيل المنى * وداعي المنون ينادى جهارا فضرورتان. السادس: أن حق الحال الاشتقاق، وحق التمييز الجمود، وقد يتعاكسان فتقع الحال جامدة نحو " هذا مالك ذهبا " (وتنحتون الجبال بيوتا) ويقع التمييز مشتقا نحو " لله دره فارسا " وقولك " كرم زيد ضيفا " إذا أردت الثناء على ضيف زيد بالكرم، فإن كان زيد هو الضيف احتمل الحال والتمييز، والاحسن عند قصد التمييز إدخال من عليه، واختلف لى المنصوب بعد " حبذا " فقال الاخفش والفارسي والربعى: حال مطلقا، وأبو عمرو بن العلاء: تمييز مطلقا، وقيل: الجامد تمييز والمشتق حال، وقيل: الجامد تمييز والمشتق إن أريد تقييد المدح به كقوله. 710 - * يا حبذا المال مبذولا بلا سرف * فحال، وإلا فتمييز نحو " حبذا راكبا زيد ". السابع: أن الحال تكون مؤكدة لعاملها نحو (ولى مدبرا) (فتبسم ضاحكا) (ولا تعثوا في الارض مفسدين) ولا يقع التمييز كذلك، فأما (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا) فشهرا: مؤكد لما فهم من (إن عدة الشهور) وأما بالنسبة إلى عامله وهو اثنا عشر فمبين، وأما ما اختاره المبرد ومن وافقه من " نعم الرجل رجلا زيد " فمردود، وأما قوله: 711 - تزود مثل زاد أبيك فينا * فنعم الزاد زاد أبيك زادا

    [ 464 ]

    فالصحيح أن " زادا " معمول لتزود: إما مفعول مطلق إن أريد به التزود، أو مفعول به إن أريد به الشئ الذى يتزوده من أفعال البر، وعليهما فمثل نعت له تقدم فصار حالا، وأما قوله: 712 - نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت * رد التحية نطقا أو بإيماء ففتاة: حال مؤكدة. أقسام الحال تنقسم باعتبارات: الاول: انقسامها باعتبار انتقال معناها ولزومه إلى قسمين: منتقلة وهو الغالب، وملازمة، وذلك واجب في ثلاث مسائل: إحداها: الجامدة غير المؤولة بالمشتق، نحو " هذا مالك ذهبا " و " هذه جبتك خزا " بخلاف نحو " بعته يدا بيد " فإنه بمعنى متقابضين، وهو وصف منتقل، وإنما لم يؤول في الاول، لانها مستعملة في معناها الوضعي، بخلافها في الثاني، وكثير يتوهم أن الحال الجامدة لا تكون إلا مؤولة بالمشتق، وليس كذلك. الثانية: المؤكدة نحو (ولى مدبرا) قالوا: ومنه (هو الحق مصدقا) لان الحق لا يكون إلا مصدقا، والصواب أنه يكون مصدقا ومكذبا، وغيرهما، نعم إذا قيل (هو الحق صادقا) فهى مؤكدة. الثالثة: التى دل عاملها على تجدد صاحبها، نحو (وخلق الانسان ضعيفا) ونحو " خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها " الحال أطول، ويديها:

    [ 465 ]

    بدل بعض، قال ابن مالك بدر الدين: ومنه (وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا) وهذا سهو منه، لان الكتاب قديم. وتقع الملازمة في غير ذلك بالسماع، ومنه (قائما بالقسط) إذا أعرب حالا، وقول جماعة إنها مؤكدة وهم، لان معناها غير مستفاد مما قبلها. الثاني: انقسامها - بحسب قصدها لذاتها وللتوطئة بها - إلى قسمين: مقصودة وهو الغالب، وموطئة وهى الجامدة الموصوفة نحو (فتمثل لها بشرا سويا) فإنما ذكر بشرا توطئة لذكر سويا، وتقول " جاءني زيد رجلا محسنا ". الثالث: انقسامها - بحسب الزمان - إلى ثلاثة: مقارنة، وهو الغالب، نحو (وهذا بعلى شيخا) ومقدرة، وهى المستقبلة كمررت برجل معه صقر صائدا به غدا، أي مقدرا ذلك، ومنه (ادخلوها خالدين) (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين) ومحكية، وهى الماضية نحو " جاء زيد أمس راكبا ". الرابع: انقسامها - بحسب التبيين والتوكيد - إلى قسمين: مبينة، وهو الغالب، وتسمى مؤسسة أيضا، ومؤكدة، وهى التى يستفاد معناها بدونها، وهى ثلاثة: مؤكدة لعاملها نحو (ولى مدبرا) ومؤكدة لصاحبها نحو " جاء القوم طرا " ونحو (لامن من في الارض كلهم جميعا) ومؤكدة لمضمون الجملة نحو " زيد أبوك عطوفا " وأهمل النحويون المؤكدة لصاحبها، ومثل ابن مالك وولده بتلك الامثلة للمؤكدة لعاملها، وهو سهو. ومما يشكل قولهم في نحو " جاء زيد والشمس طالعة ": إن الجملة الاسمية حال، مع أنها لا تنحل إلى مفرد، ولا تبين هيئة فاعل ولا مفعول، ولا هي حال مؤكدة، فقال ابن جنى: تأويلها جاء زيد طالعة الشمس عند مجيئه، يعنى فهى

    [ 466 ]

    كالحال والنعت السببين " كمررت بالدار قائما سكانها، وبرجل قائم غلمانه " وقال ابن عمرون: هي مؤولة بقولك مبكرا، ونحوه، وقال صدر الافاضل تلميذ الزمخشري: إنما الجملة مفعول معه، وأثبت مجئ المفعول معه جملة، وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى (والبحر يمده من بعده سبعة أبحر) في قراءة من رفع البحر: هو كقوله: 713 - وقد أغتدى والطير في وكناتها * [ بمنجرد قيد الاوابد هيكل ] و " جئت والجيش مصطف " ونحوهما من الاحوال التى حكمها حكم الظرف، فلذلك عريت عن ضمير ذى الحال، ويجوز أن يقدر " وبحرها " أي وبحر الارض. إعراب أسماء الشرط والاستفهام ونحوها اعلم أنها إن دخل عليها جار أو مضاف فمحلها الجر نحو (عم يتساءلون) ونحو " صبيحة أي يوم سفرك " و " غلام من جاءك " وإلا فإن وقعت على زمان نحو (أيان يبعثون) أو مكان نحو (فأين تذهبون) أو حدث نحو (أي منقلب ينقلبون) فهى منصوبة مفعولا فيه ومفعولا مطلقا، وإلا فإن وقع بعدها اسم نكرة نحو " من أب لك " فهى مبتدأ، أو اسم معرفة نحو " من زيد " فهى خبر أو مبتدأ على الخلاف السابق، ولا يقع هذان النوعان في أسماء الشرط، وإلا فإن وقع بعدها فعل قاصر فهى مبتدأة نحو " من قام " ونحو " من يقم أقم معه " والاصح أن الخبر فعل الشرط لا فعل الجواب، وإن وقع بعدها فعل متعد فإن كان واقعا عليها فهى مفعول به نحو (فأى آيات الله تنكرون) ونحو (أياما تدعوا) ونحو (من يضلل الله فلا هادى له) وإن كان واقعا على ضميرها

    [ 467 ]

    نحو " من رأيته " أو متعلقها نحو " من رأيت أخاه " فهى مبتدأة أو منصوبة بمحذوف مقدر بعدها يفسره المذكور. تنبيه - وإذا وقع اسم الشرط مبتدأ فهل خبره فعل الشرط وحده لانه اسم تام، وفعل الشرط مشتمل على ضميره، فقولك " من يقم " لو لم يكن فيه معنى الشرط لكان بمنزلة قولك " كل من الناس يقوم " أو فعل الجواب لان الفائدة به تمت، ولالتزامهم عود ضمير منه إليه على الاصح، ولان نظيره وهو الخبر في قولك " الذى يأتيني فله درهم " أو مجموعهما لان قولك " من يقم أقم معه " بمنزلة قولك " كل من الناس إن يقم أقم معه " ؟ والصحيح الاول، وإنما توقفت الفائدة على الجواب من حيث التعلق فقط، لا من حيث الخبرية. مسوغات الابتداء بالنكرة لم يعول المتقدمون في ضابط ذلك إلا على حصول الفائدة، ورأى المتأخرون أنه ليس كل أحد يهتدى إلى مواطن الفائدة، فتتبعوها، فمن مقل مخل، ومن مكثر مورد ما لا يصلح أو معدد لامور متداخلة، والذى يظهر لى أنها منحصرة في عشرة أمور: أحدها: أن تكون موصوفة لفظا أو تقديرا أو معنى، فالاول نحو (وأجل مسمى عنده) (ولعبد مؤمن خير من مشرك) وقولك " رجل صالح جاءني " ومن ذلك قولهم " ضعيف عاذ بقرملة " إذ الاصل: رجل ضعيف، فالمبتدأ في الحقيقة هو المحذوف، وهو موصوف، والنحويون يقولون: يبتدأ بالنكرة إذا كانت موصوفة أو خلفا من موصوف، والصواب ما بينت. وليست كل صفة تحصل الفائدة، فلو قلت " رجل من الناس جاءني " لم يجز، والثانى

    [ 468 ]

    نحو قولهم: " السمن منوان بدرهم " أي منوان منه، وقولهم: " شر أهر ذا ناب ". و.. 714 - قدر أحلك ذا المجاز [ وقد أرى * وأبى مالك ذو المجاز بدار ] إذ المعنى شر أي شر، وقدر لا يغالب، والثالث نحو " رجيل جاءني " لانه في معنى رجل صغير وقولهم " ما أحسن زيدا " لانه في معنى شئ عظيم حسن زيدا، وليس في هذين النوعين صفة مقدرة فيكونان من القسم الثاني. والثانى: أن تكون عاملة: إما رفعا نحو " قائم الزيدان " عند من أجازه، أو نصبا نحو " أمر بمعروف صدقة " و " أفضل منك جاءني " إذ الظرف منصوب المحل بالمصدر والوصف، أو جرا نحو " غلام امرأة جاءني " و " خمس صلوات كتبهن الله " وشرط هذه: أن يكون المضاف إليه نكرة كما مثلنا، أو معرفة والمضاف مما لا يتعرف بالاضافة نحو " مثلك لا يبخل " و " غيرك لا يجود " وأما ما عدا ذلك فإن المضاف إليه فيه معرفة لا نكرة. والثالث: العطف بشرط كون المعطوف أو المعطوف عليه مما يسوغ الابتداء به نحو (طاعة وقول معروف) أي أمثل من غيرهما، ونحو (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) وكثير منهم أطلق العطف وأهمل الشرط، منهم ابن مالك، وليس من أمثلة المسألة ما أنشده من قوله: 715 - عندي اصطبار وشكوى عند قاتلتي * فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا ؟ إذ يحتمل أن الواو هنا للحال، وسيأتى أن ذلك مسوغ، وإن سلم العطف فثم صفة مقدرة يقتضيها المقام، أي وشكوى عظيمة، على أنا لا نحتاج إلى شئ من هذا كله، فإن الخبر هنا ظرف مختص، وهذا بمجرده مسوغ كما قدمنا، وكأنه توهم أن

    [ 469 ]

    التسويغ مشروط بتقدمه على النكرة، وقد أسلفنا أن التقديم إنما كان لدفع توهم الصفة، وإنما لم يجب هنا لحصول الاختصاص بدونه، وهو ما قدمناه من الصفة المقدرة، أو الوقوع بعد واو الحال، فلذلك جاز تأخر الظرف كما في قوله تعالى (وأجل مسمى عنده). فإن قلت: لعل الواو للعطف، ولا صفة مقدرة: فيكون العطف هو المسوغ. قلت: لا يسوغ ذلك، لان المسوغ عطف النكرة، والمعطوف في البيت الجملة لا النكرة. فإن قيل: يحتمل أن الواو عطف اسما وظرفا على مثليهما، فيكون من عطف المفردات. قلنا: يلزم العطف على معمولي عاملين مختلفين، إذ الاصطبار معمول للابتداء، والظرف معمول للاستقرار. فإن قيل: قدر لكل من الظرفين استقرارا، واجعل التعاطف بين الاستقرارين لا بين الظرفين. قلنا: الاستقرار الاول خبر، وهو معمول للمبتدأ نفسه عند سيبويه، واختاره ابن مالك، فرجع الامر إلى العطف على معمولي عاملين. والرابع: أن يكون خبرها ظرفا أو مجرورا، قال ابن مالك: أو جملة، نحو (ولدينا مزيد) (ولكل أجل كتاب) و " قصدك غلامه رجل " وشرط الخبر فيهن الاختصاص، فلو قيل " في دار رجل " لم يجز، لان الوقت لا يخلو عن أن يكون فيه رجل ما في دار ما، فلا فائدة في الاخبار بذلك، قالوا: والتقديم، فلا يجوز " رجل في الدار " وأقول: إنما وجب التقديم هنا لدفع توهم الصفة، واشتراطه هنا يوهم أن له مدخلا في التخصيص، وقد ذكروا المسألة فيما يجب فيه تقديم الخبر، وذاك موضعها.

    [ 470 ]

    والخامس: أن تكون عامة: إما بذاتها كأسماء الشرط وأسماء الاستفهام، أو بغيرها نحو " ما رجل في الدار " و " هل رجل في الدار ؟ " و (أإله مع الله) وفى شرح منظومة ابن الحاجب له أن الاستفهام المسوغ للابتداء هو الهمزة المعادلة بأم نحو " أرجل في الدار أم امرأة ؟ " كما مثل به في الكافية، وليس كما قال. والسادس: أن تكون مرادا بها صاحب الحقيقة من حيث هي، نحو " رجل خير من امرأة " و " تمرة خير من جرادة ". والسابع: أن تكون في معنى الفعل، وهذا شامل لنحو " عجب لزيد " وضبطوه بأن يراد بها التعجب، ولنحو (سلام على آل يس) و (ويل للمطففين) وضبطوه بأن يراد بها الدعاء، ولنحو (قائم الزيدان) عند من جوزها، وعلى هذا ففى نحو " ما قائم الزيدان " مسوغان كما في قوله تعالى (وعندنا كتاب حفيظ) مسوغان، وأما منع الجمهور لنحو " قائم الزيدان " فليس لانه لا مسوغ فيه للابتداء، بل إما لفوات شرط العمل وهو الاعتماد، أو لفوات شرط الاكتفاء بالفاعل عن الخبر وهو تقدم النفى أو الاستفهام، وهذا أظهر لوجهين، أحدهما: أنه لا يكفى مطلق الاعتماد: فلا يجوز في نحو " زيد قائم أبوه " كون قائم مبتدأ وإن وجد الاعتماد على المخبر عنه، والثانى: أن اشتراط الاعتماد وكون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال إنما هو للعمل في المنصوب، لا لمطلق العمل بدليلين: أحدهما أنه يصح " زيد قائم أبوه أمس " والثانى: أنهم لم يشترطوا لصحة نحو " أقائم الزيدان " كون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال. والثامن: أن يكون ثبوت ذلك الخبر للنكرة من خوارق العادة نحو " شجرة سجدت " و " بقرة تكلمت " إذ وقوع ذلك من أفراد هذا الجنس غير معتاد، ففى الاخبار به عنها فائدة، بخلاف نحو " رجل مات " ونحوه.

    [ 471 ]

    والتاسع: أن تقع بعد إذا الفجائية نحو " خرجت فإذا أسد " أو " رجل بالباب "، إذ لا توجب العادة أن لا يخلو الحال من أن يفاجئك عند خروجك أسد أو رجل. والعاشر: أن تقع في أول جملة حالية كقوله: 716 - سرينا ونجم قد أضاء، فمذ بدا * محياك أخفى ضوءه كل شارق وعلة الجواز ما ذكرناه في المسألة قبلها، ومن ذلك قوله: 717 - الذئب يطرقها في الدهر واحدة * وكل يوم تراني مدية بيدى وبهذا يعلم أن اشتراط النحويين وقوع النكرة بعد واو الحال ليس بلازم. ونظير هذا الموضع قول ابن عصفور في شرح الجمل: تكسر إن إذا وقعت بعد واو الحال، وإنما الضابط أن تقع في أول جملة حالية، بدليل قوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام) ومن روى " مدية " بالنصب فمفعول لحال محذوفة، أي حاملا أو ممسكا، ولا يحسن أن يكون بدلا من الياء، ومثل ابن مالك بقوله تعالى: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) وقول الشاعر: 718 - عرضنا فسلمنا فسلم كارها * علينا، وتبريح من الوجد خانقه ولا دليل فيهما، لان النكرة موصوفة بصفة مذكورة في البيت ومقدرة في الآية، أي: وطائفة من غيركم، بدليل (يغشى طائفة منكم).

    [ 472 ]

    ومما ذكروا من المسوغات: أن تكون النكرة محصورة نحو " إنما في الدار رجل " أو للتفصيل نحو " الناس رجلان رجل أكرمته ورجل أهنته " وقوله: 719 - فأقبلت زحفا على الركبنين * فثوب نسيت وثوب أجر [ ص 633 ] وقولهم " شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى " أو بعد فاء الجزاء نحو " إن مضى عير فعير في الرباط ". وفيهن نظر، أما الاولى فلان الابتداء فيها بالنكرة صحيح قبل مجئ إنما، وأما الثانية فلاحتمال رجل الاول للبدلية والثانى عطف عليه، كقوله: 720 - وكنت كذى رجلين رجل صحيحة * ورجل رمى فيها الزمان فشلت ويسمى بدل التفصيل، ولاحتمال شهر الاول الخبرية، والتقدير: أشهر الارض الممطورة شهر ذو ثرى، أي ذو تراب ند، وشهر ترى فيه الزرع، وشهر ذو مرعى، ولاحتمال نسيت وأجر للوصفية والخبر محذوف، أي فمنها ثوب نسيته ومنها ثوب أجره، ويحتمل أنهما خبران وثم صفتان مقدرتان، أي فثوب لى نسيته وثوب لى أجره، وإنما نسى ثوبه لشغل قلبه كما قال: 721 - [ ومثلك بيضاء العوارض طفلة ] * لعوب تنسينى إذا قمت سربالى وإنما جر الآخر ليعفى الاثر عن القافة، ولهذا زحف على ركبتيه، وأما الثالثة فلان المعنى فعير آخر، ثم حذفت الصفة، ورأيت في كلام محمد بن حبيب. - وحبيب ممنوع من الصرف لانه اسم أمه - قال يونس: قال رؤبة: المطر شهر ثرى إلخ، وهذا دليل على أنه خبر، ولابد من تقدير مضاف قبل المبتدأ لتصحيح الاخبار عنه بالزمان.

    [ 473 ]

    أقسام العطف وهى ثلاثة: أحدها: العطف على اللفظ، وهو الاصل نحو " ليس زيد بقائم ولا قاعد " بالخفض، وشرطه إمكان توجه العامل إلى المعطوف، فلا يجوز في نحو " ما جاءني من امرأة ولا زيد " إلا الرفع عطفا على الموضع، لان من الزائدة لا تعمل في المعارف وقد يمتنع العطف على اللفظ وعلى المحل جميعا، نحو " ما زيد قائما لكن - أو بل - قاعد " لان في العطف على اللفظ إعمال " ما " في الموجب، وفى العطف على المحل أعتبار الابتداء مع زواله بدخول الناسخ، والصواب الرفع على إضمار مبتدأ. والثانى: العطف على المحل، " نحو ليس زيد بقائم ولا قاعدا " بالنصب، وله عند المحققين ثلاثة شروط: أحدها: إمان ظهوره في الفصيح، ألا ترى أنه يجوز في " ليس زيد بقائم " و " ما جاءني من امرأة " أن تسقط الباء فتنصب، ومن فترفع، فعلى هذا فلا يجوز " مررت بزيد وعمرا " خلافا لابن جنى، لانه لا يجوز " مررت زيدا " وأما قوله: تمرون الديار ولم تعوجوا * [ كلامكم على إذن حرام ] [ 143 ] فضرورة، ولا تختص مراعاة الموضع بأن يكون العامل في اللفظ زائدا كما مثلنا، بدليل قوله: 722 - فإن لم تجد من دون عدنان والدا * ودون معد فلتزعك العواذل (1) وأجاز الفارسى في قوله تعالى: (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة) ان يكون (يوم القيامة) عطفا على محل هذه [ لان محله النصب ].

    (1) دون معد: منصوب، وهو معطوف على محل " من دون عدنان " وظهر النصب في المعطوف لان العامل وهو وجد كما يتعدى إلى ثانى مفعوليه بمن يتعدى إليه بنفسه. (*)

    [ 474 ]

    الثاني: أن يكون الموضع بحق الاصالة، فلا يجوز " هذا ضارب زيدا وأخيه " لان الوصف المستوفى لشروط العمل الاصل إعماله لا إضافته لالتحاقه بالفعل، وأجازه البغداديون تمسكا بقوله: [ فظل طهاة اللحم ما بين ] منضج * صفيف شواء أو قدير معجل [ 701 ] وقد مر جوابه. والثالث: وجود المحرز، أي الطالب لذلك المحل، وابتنى على هذا امتناع مسائل. إحداها: " إن زيدا وعمرو قائمان " وذلك لان الطالب لرفع زيد هو الابتداء والابتداء هو التجرد، والتجرد قد زال بدخول إن. والثانية: " إن زيدا قائم وعمرو " إذا قدرت عمرا معطوفا على المحل، لا مبتدأ، وأجاز هذه بعض البصريين، لانهم لم يشترطوا المحرز، وإنما منعوا الاولى لمانع آخر، وهو توارد عاملين إن والابتداء على معمول واحد وهو الخبر، وأجازهما الكوفيون، لانهم لا يشترطون المحرز، ولان إن لم تعمل عندهم في الخبر شيئا، بل هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها، ولكن شرط الفراء لصحة الرفع قبل مجئ الخبر خفاء إعراب الاسم، لئلا يتنافر اللفظ، ولم يشترطه الكسائي، كما أنه ليس لشرط بالاتفاق في سائر مواضع العطف على اللفظ، وحجتهما قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون) الآية، وقولهم " إنك وزيد ذاهبان " وأجيب عن الآية بأمرين: أحدهما: أن خبر إن محذوف أي مأجورون أو آمنون أو فرحون، والصابئون مبتدأ، وما بعده الخبر، ويشهد له قوله:

    [ 475 ]

    723 - خليلي هل طب، فإنى وأنتما * وإن لم تبوحا بالهوى دنفان ؟ [ ص 622 ] ويضعفه أنه حذف من الاول لدلالة الثاني عليه، وإنما الكثير العكس، والثانى: أن الخبر المذكور لان، وخبر (الصابئون) محذوف، أي كذلك، ويشهد له قوله: 724 - فمن يك أمسى بالمدينة رحله * فإنى وقيار بها لغريب [ ص 622 ] إذ لا تدخل اللام في خبر المبتدأ حتى يقدم، نحو " لقائم زيد " ويضعفه تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجملة المعطوف عليها، وعن المثال بأمرين: أحدهما أنه عطف على توهم عدم ذكر إن، والثانى أنه تابع لمبتدأ محذوف، أي إنك أنت وزيد ذاهبان، وعليهما خرج قولهم " إنهم أجمعون ذاهبون ". المسألة الثالثة: " هذا ضارب زيد وعمرا " بالنصب. المسألة الرابعة: " أعجبني ضرب زيد وعمرو " بالرفع أو " وعمرا " بالنصب، منعهما الحذاق: لان الاسم المشبه للفعل لا يعمل في اللفظ حتى يكون بأل أو منونا أو مضافا، وأجازهما قوم تمسكا بظاهر قوله تعالى (وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا) وقول الشاعر: 725 - [ هويت ثناء مستطابا مجددا ] * فلا تخل من تمهيد مجد وسوددا وأجيب بأن ذلك على إضمار عامل يدل عليه المذكور، أي وجعل الشمس، ومهدت سوددا، أو يكون سوددا مفعولا معه، ويشهد للتقدير في الآية أن الوصف فيها بمعنى الماضي، والماضي المجرد من أل لا يعمل النصب، ويوضح لك مضيه قوله تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه) الآية، وجوز

    [ 476 ]

    الزمخشري كون (الشمس) معطوفا على محل الليل، وزعم مع ذلك أن الجعل مراد منه فعل مستمر في الازمنة لا في الزمن الماضي بخصوصيته مع نصه في (مالك يوم الدين) على أنه إذا حمل على الزمن المستمر كان بمنزلته إذا حمل على الماضي في أن إضافته محضة، وأما قوله: 726 - قد كنت داينت بها حسانا * مخافة الافلاس والليانا فيجوز أن يكون " الليانا " مفعولا معه، وأن يكون معطوفا على " مخافة " على حذف مضاف، أي ومخافة الليان، ولو لم يقدر المضاف لم يصح، لان الليان فعل لغير المتكلم، إذ المراد أنه داين حسان خشية من إفلاس غيره ومطله، ولابد في المفعول له من موافقته لعامله في الفاعل. ومن الغريب قول أبى حيان: إن من شرط العطف على الموضع أن يكون للمعطوف عليه لفظ وموضع: فجعل صورة المسألة شرطا لها، ثم إنه أسقط الشرط الاول الذى ذكرناه، ولابد منه. والثالث: العطف على التوهم نحو " ليس زيدا قائما ولا قاعدا " بالخفض على توهم دخول الباء في الخبر، وشرط جوازه صحة دخول ذلك العامل المتوهم، وشرط حسنه كثرة دخوله هناك، ولهذا حسن قول زهير: بدالى أنى لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا [ 125 ] وقول الآخر: 727 - ما الحازم الشهم مقداما ولا بطل * إن لم يكن للهوى بالحق غلابا ولم يحسن قول الآخر:

    [ 477 ]

    728 - وما كنت ذا نيرب فيهم * ولا منمش فيهم منمل لقلة دخول الباء على خبر كان، بخلاف خبرى ليس وما، والنيرب: النميمة، والمنمل: الكثير النميمة، والمنمش: المفسد ذات البين. وكما وقع هذا العطف في المجرور وقع في أخيه المجزوم، ووقع أيضا في المرفوع اسما، وفى المنصوب اسما وفعلا، وفى المركبات. فأما المجزوم فقال به الخليل وسيبويه في قراءة غير أبى عمرو (لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن) فإن معنى لولا أخرتني فأصدق ومعنى إن أخرتني أصدق واحد، وقال السيرافى والفارسي: هو عطف على محل فأصدق كقول الجميع في قراءة الاخوين (من يظلل الله فلا هادى له ويذرهم) بالجزم، ويرده أنهما يسلمان أن الجزم في نحو " ائتنى أكرمك " بإضمار الشرط، فليست الفاء هنا وما بعدها في موضع جزم، لان ما بعد الفاء منصوب بأن مضمرة، وأن والفعل في تأويل مصدر معطوف على مصدر متوهم مما تقدم، فكيف تكون الفاء مع ذلك في موضع الجزم ؟ وليس بي
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:11 am

    [ 505 ]

    الرابع: الواقعة حالا، ورابطها إما الواو والضمير نحو (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) أو الواو فقط نحو (لئن أكله الذئب ونحن عصبة) ونحو " جاء زيد والشمس طالعة " أو الضمير فقط نحو (ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) وزعم أبو الفتح في الصورة الثانية أنه لابد من تقدير الضمير، أي طالعة وقت مجيئه، وزعم الزمخشري في الثالثة أنها شاذة نادرة، وليس كذلك، لورودها في مواضع من التنزيل نحو (أهبطوا بعضكم لبعض عدو) (فنبذوه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) (والله يحكم لا معقب لحكمه) (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام) (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) وقد يخلو منهما لفظا فيقدر الضمير نحو " مررت بالبر قفيز بدرهم " أو الواو كقوله يصف غائصا لطلب اللؤلؤ انتصف النهار وهو غائص وصاحبه لا يدرى ما حاله: 748 - نصف النهار الماء غامره * ورفيقه بالغيب لا يدرى [ ص 636 ] الخامس: المفسرة لعامل الاسم المشتغل عنه نحو " زيدا ضربته، أو ضربت أخاه، أو عمرا وأخاه، أو عمرا أخاه " إذا قدرت الاخ بيانا، فإن قدرته بدلا لم يصح نصب الاسم على الاشتغال، ولا رفعه على الابتداء، وكذا لو عطفت بغير الواو، وقوله تعالى (والذين كفروا فتعسا لهم) الذين: مبتدأ، وتعسا: مصدر لفعل محذوف هو الخبر، ولا يكون الذين منصوبا بمحذوف يفسره تعسا كما تقول " زيدا ضربا إياه " وكذا لا يجوز " زيدا جدعا له " ولا " عمرا سقيا له " خلافا لجماعة منهم أبو حيان، لان اللام متعلقة بمحذوف، لا بالمصدر لانه لا يتعدى بالحرف، وليست لام التقوية لانها لازمة، ولام التقوية غير لازمة، وقوله تعالى (سل بنى إسرائيل كم آتيناهم من آية) إن قدرت (من) زائدة فكم مبتدأ أو مفعول لآتينا مقدرا بعده، وإن قدرتها بيانا لكم

    [ 506 ]

    كما هي بيان لما في (ما ننسخ من آية) لم يجز واحد من الوجهين، لعدم الراجع حينئذ إلى كم، وإنما هي مفعول ثان مقدم، مثل " أعشرين درهما أعطيتك " وجوز الزمخشري في كم الخبرية والاستفهامية، ولم يذكر النحويون أن كم الخبرية تعلق العامل عن العمل، وجوز بعضهم زيادة من كما قدمنا، وإنما تزاد بعد الاستفهام بهل خاصة، وقد يكون تجويزه ذلك على قول من لا يشترط كون الكلام غير موجب مطلقا، أو على قول من يشترطه في غير باب التمييز، ويرى أنها في " رطل من زيت، وخاتم من حديد " زائدة، لا مبينة للجنس. السادس والسابع: بدلا البعض والاشتمال، ولا يربطهما إلا الضمير: ملفوظا نحو (ثم عموا وصموا كثير منهم) (يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه) أو مقدرا نحو (من استطاع) أي منهم، ونحو (قتل أصحاب الاخدود النار) أي فيه، وقيل: إن أل خلف عن الضمير، أي ناره، وقال الاعشى: 749 - لقد كان في حول ثواء ثويته * تقضى لبانات ويسأم سائم أي ثويته فيه، فالهاء من " ثويته " مفعول مطلق، وهى ضمير الثواء، لان الجملة صفته، والهاء رابط الصفة، والضمير المقدر رابط للبدل - وهو ثواء - بالمبدل منه وهو حول، وزعم ابن سيده أنه يجوز كون الهاء من ثويته للحول على الاتساع في ضمير الظرف بحذف كلمه في، وليس بشى، لخلو الصفة حينئذ من ضمير الموصوف، ولا شتراط الرابط في بدل البعض وجب في نحو قولك " مررت بثلاثة زيد وعمرو " القطع بتقدير منهم، لانه لو اتبع لكان بدل بعض من غير ضمير. تنبيه - إنما لم يحتج بدل الكل إلى رابط لانه نفس المبدل منه في المعنى، كما أن الجملة التى هي نفس المبتدأ لا تحتاج إلى رابط لذلك.

    [ 507 ]

    الثامن: معمول الصفة المشبهة، ولا يربطه أيضا إلا الضمير: إما ملفوظا به نحو " زيد حسن وجهه " أو " وجها منه " أو مقدرا نحو " زيد حسن وجها " أي منه، واختلف في نحو " زيد حسن الوجه " بالرفع، فقيل: التقدير منه، وقيل: أل خلف عن الضمير، وقال تعالى (وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الابواب) جنات بدل أو بيان، والثانى يمنعه البصريون، لانه لا يجوز عندهم أن يقع عطف البيان في النكرات، وقول الزمخشري إنه معرفة لان عدنا علم على الاقامة بدليل (جنات عدن التى وعد الرحمن عباده) لو صح تعينت البدلية بالاتفاق، إذ لاتبين المعرفة النكرة، ولكن قوله ممنوع، وإنما عدن مصدر عدن، فهو نكرة، والتى في الآية بدل لا نعت، و (مفتحة) حال من جنات لاختصاصها بالاضافة، أو صفة لها، لا صفة لحسن، لانه مذكر، ولان البدل لا يتقدم على النعت، و (الابواب) مفعول ما لم يسم فاعله أو بدل من ضمير مستتر، والاول أولى، لضعف مثل " مررت بامرأة حسنة الوجه " وعليهما فلابد من تقدير أن الاصل الابواب منها أو أبوابها، ونابت أل عن الضمير، وهذا البدل بدل بعض لا اشتمال خلافا للزمخشري. التاسع: جواب اسم الشرط المرفوع بالابتداء، ولا يربطه أيضا إلا الضمير: إما مذكورا نحو (فمن يكفر بعد منكم فإنى أعذبه) أو مقدرا أو منوبا عنه نحو (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) أي منه، أو الاصل في حجه، وأما قوله تعالى (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين) (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) وقول الشاعر: 750 - فمن تكن الحضارة أعجبته * فأى رجال بادية ترانا ؟

    [ 508 ]

    فقال الزمخشري في الآية الاولى: إن الرابط عموم المتقين، والظاهر أنه لا عموم فيها، وأن المتقين مساوون لمن تقدم ذكره، وإنما الجواب في الآيتين والبيت محذوف وتقديره في الآية الاولى: يحبه الله، وفى الثانية: يغلب، وفى البيت: فلسنا على صفته. العاشر: العاملان في باب التنازع، فلابد من أرتباطهما إما بعاطف كما في " قام وقعد أخواك " أو عمل أولهما في ثانيهما نحو (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا) أو كون ثانيهما جوابا للاول، إما جوابية الشرط نحو (تعالوا يستغفر لكم رسول الله) ونحو (آتونى أفرغ عليه قطرا) أو جوابية السؤال نحو (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) أو نحو ذلك من أوجه الارتباط، ولا يجوز " قام قعد زيد " ولذلك بطل قول الكوفيين إن من التنازع قول أمرئ القيس: * كفانى - ولم أطلب - قليل من المال * [ 414 ] وإنه حجة على رجحان اختيار إعمال الاول، لان الشاعر فصيح وقد ارتكبه مع لزوم حذف مفعول الثاني وترك إعمال الثاني مع تمكنه منه وسلامته من الحذف والصواب أنه ليس من التنازع في شئ، لاختلاف مطلوبي العاملين، فإن كفانى طالب للقليل، وأطلب طالب للملك محذوفا للدليل، وليس طالبا للقليل، لئلا يلزم فساد المعنى، وذلك لان التنازع يوجب تقدير قوله ولم أطلب معطوفا على كفانى، وحينئذ يلزم كونه مثبتا، لانه حينئذ داخل في حيز الامتناع المفهوم من لو، وإذا امتنع النفى جاء الاثبات، فيكون قد أثبت طلبه للقليل بعدما نفاه بقوله: * ولو أن ما أسعى لادنى معيشة *

    [ 509 ]

    وإنما لم يجز أن يقدر مستأنفا لانه لا ارتباط حينئذ بينه وبين كفانى، فلا تنازع بينهما. فإن قلت: لم لا يجوز التنازع على تقدير الواو للحال، فإنك إذا قلت " لو دعوته لاجابني غير متوان " أفادت لو انتفاء الدعاء والاجابة دون انتفاء عدم التوانى حتى يلزم إثبات التوانى ؟ قلت: أجاز ذلك قوم منهم ابن الحاجب في شرح المفصل ووجه به قول الفارسى والكوفيين إن البيت من التنازع وإعمال الاول، وفيه نظر، لان المعنى حينئذ لو ثبت أنى أسعى لادنى معيشة لكفاني القليل في حالة أنى غير طالب له، فيكون انتفاء كفاية القليل المقيدة بعدم طلبه موقوفا على طلبه له، فيتوقف عدم الشئ على وجوده. ولهذه القاعدة أيضا بطل قول بعضهم في (فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير) إن فاعل تبين ضمير راجع إلى المصدر المفهوم من أن وصلتها بناء على أن تبين وأعلم قد تنازعاه كما في " ضربني وضربت زيدا "، إذ لا ارتباط بين تبين وأعلم، على أنه لو صح لم يحسن حمل التنزيل عليه، لضعف الاضمار قبل الذكر في باب التنازع، حتى إن الكوفيين لا يجيزونه البتة، وضعف حذف مفعول العامل الثاني إذا أهمل ك‍ " ضربني وضربت زيد " حتى إن البصريين لا يجيزونه إلا في الضرورة. والصواب أن مفعول أطلب " الملك " محذوفا كما قدمنا، وأن فاعل تبين ضمير مستتر: إما للمصدر، أي فلما تبين له تبين كما قالوا في (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) أو لشئ دل عليه الكلام، أي فلما تبين له الامر أو ما أشكل عليه، ونظيره " إذا كان غدا فأتني " أي إذا كان هو، أي ما نحن عليه من سلامة.

    [ 510 ]

    الحادى عشر: ألفاظ التوكيد الاول، وإنما يربطها الضمير الملفوظ به نحو " جاء زيد نفسه، والزيدان كلاهما، والقوم كلهم " ومن ثم كان مردودا قول الهروي في الذخائر تقول " جاء القوم جميعا " على الحال، و " جميع " على التوكيد، وقول بعض من عاصرناه في قوله تعالى: (هو الذى خلق لكم ما في الارض جميعا): إن جميعا توكيد لما، ولو كان كذا لقيل جميعه، ثم التوكيد بجميع قليل، فلا يحمل عليه التنزيل، والصواب أنه حال، وقول الفراء والزمخشري في قراءة بعضهم (إنا كلا فيها): إن كلا توكيد، والصواب أنها بدل، وإبدال الظاهر من ضمير الحاضر بدل كل جائز إذا كان مفيدا للاحاطة، نحو " قمتم ثلاثتكم " وبدل الكل لا يحتاج إلى ضمير، ويجوز لكل أن تلى العوامل إذا لم تتصل بالضمير، نحو " جاءني كل القوم " فيجوز مجيئها بدلا، بخلاف " جاءني كلهم " فلا يجوز إلا في الضرورة، فهذا أحسن ما قيل في هذه القراءة، وخرجها ابن مالك على أن كلا حال، وفيه ضعفان: تنكير كل بقطعها عن الاضافة لفظا ومعنى، وهو نادر، كقول بعضهم " مررت بهم كلا " أي جميعا، وتقديم الحال على عاملها الظرفى. واحترزت بذكر الاول عن أجمع وأخواته، فإنها إنما تؤكد بعد كل، نحو (فسجد الملائكة كلهم أجمعون). الامور التى يكتسبها لاسم بالاضافة وهى عشرة: أحدها: التعريف، نحو " غلام زيد " (1). الثاني: التخصيص، نحو " علام امرأة " (2) والمراد بالتخصيص الذى لم يبلغ

    (1) أي فيما إذا كان المضاف إليه معرفة كزيد. (2) أي متى كان المضاف إليه نكرة كامرأة. (*)

    [ 511 ]

    درجة التعريف، فإن " غلام رجل " أخص من غلام، ولكنه لم يتميز بعينه كما يتميز " غلام زيد ". الثالث: التخفيف، ك‍ " ضارب زيد، وضاربا عمرو، وضاربو بكر " إذا أردت الحال أو الاستقبال، فإن الاصل فيهن أن يعملن النصب، ولكن الخفض أخف (1) منه، إذ لا تنوين معه ولا نون، ويدل على أن هذه الاضافة لا تفيد التعريف قولك " الضاربا زيد، والضاربو زيد " ولا يجتمع على الاسم تعريفان، وقوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة) ولا توصف النكرة بالمعرفة، وقوله تعالى: (ثانى عطفه) وقول أبى كبير: 751 - فأتت به حوش الفؤاد مبطنا * [ سهدا إذا ما نام ليل الهوجل ] ولا تنتصب المعرفة على الحال، وقول جرير: 752 - يا رب غابطنا لو كان يطلبكم * [ لاقى مباعدة منكم وحرمانا ] ولا تدخل رب على المعارف، وفى التحفة أن ابن مالك رد على ابن الحاجب في قوله " ولا تفيد إلا تخفيفا " فقال: بل تفيد أيضا التخصص، فإن " ضارب زيد " أخص من " ضارب " وهذا سهو، فإن " ضارب زيد " أصله " ضارب زيدا " بالنصب، وليس أصله ضاربا فقط، فالتخصيص حاصل بالمعمول قبل أن تأتى الاضافة. فإن لم يكن الوصف بمعنى الحال والاستقبال، فإضافته محضة تفيد التعريف والتخصيص، لانها ليست في تقدير الانفصال. وعلى هذا صح وصف اسم الله تعالى بمالك يوم الدين، قال الزمخشري: أريد باسم الفاعل هنا: إما الماضي، كقولك " هو مالك عبيده أمس "

    (1) في نسخة " أحب منه " وليست بشئ. (*)

    [ 512 ]

    أي مالك الامور يوم الدين على حد (ونادى أصحاب الجنة) ولهذا قرأ أبو حنيفة (ملك يوم الدين) وإما الزمان المستمر كقولك " هو مالك العبيد " فإنه بمنزلة قولك مولى العبيد، اه‍ ملخصا. وهو حسن، إلا أنه نقض هذا المعنى الثاني عندما تكلم على قوله تعالى: (وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر) فقال: قرئ بجر الشمس والقمر عطفا على الليل، وبنصبهما بإضمار جعل أو عطفا على محل الليل، لان اسم الفاعل هنا ليس في معنى المضى فتكون إضافته حقيقية، بل هو دال على جعل مستمر في الازمنة المختلفة، ومثله (فالق الحب والنوى) و (فالق الاصباح) كما تقول " زيد قادر عالم " ولا تقصد زمانا دون زمان، اه‍. وحاصله أن إضافة الوصف إنما تكون حقيقية إذا كان بمعنى الماضي، وأنه إذا كان لافادة حدث مستمر في الازمنة كانت إضافته غير حقيقية، وكان عاملا، وليس الامر كذلك. الرابع: إزالة القبح أو التجوز، ك‍ " - مررت بالرجل الحسن الوجه " فإن الوجه إن رفع قبح الكلام، لخلو الصفة لفظا عن ضمير الموصوف، وإن نصب حصل التجوز بإجرائك الوصف القاصر مجرى المتعدى. الخامس: تذكير المؤنث كقوله: 753 - إنارة العقل مكسوف بطوع هوى * وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا ويحتمل أن يكون منه (إن رحمة لله قريب من المحسنين) ويبعده (لعل الساعة قريب) فذكر الوصف حيث لا إضافة، ولكن ذكر الفراء أنهم التزموا التذكير في " قريب " إذا لم يرد قرب النسب، قصدا للفرق، وأما قول الجوهرى " إن التذكير لكون التأنيث مجازيا " فوهم، لوجوب التأنيث

    [ 513 ]

    في نحو " الشمس طالعة، والموعظة نافعة " وإنما يفترق حكم المجازى والحقيقي الظاهرين، لا المضمرين. السادس: تأنيث المذكر، كقولهم " قطعت بعض أصابعه " وقرئ (تلتقطه بعض السيارة) ويحتمل أن يكون منه (فله عشر أمثالها) (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) أي من الشفا، ويحتمل أن الضمير للنار، وفيه بعد، لانهم ما كانوا في النار حتى ينفذوا منها، وأن الاصل فله عشر حسنات أمثالها، فالمعدود في الحقيقة الموصوف، وهو مؤنث، وقال: 754 - طول الليالى أسرعت في نقضى * نقضن كلى ونقضن بعضى وقال: 755 - وما حب الديار شغفن قلبى * [ ولكن حب من سكن الديارا ] وأنشد سيبويه: 756 - وتشرق بالقول الذى قد أذعته * كما شرقت صدر القناة من الدم وإلى هذا البيت يشير ابن حزم الظاهرى في قوله: 757 - تجنب صديقا مثل ما، واحذر الذى * يكون كعمرو بين عرب وأعجم فإن صديق السوء يزرى، وشاهدي * (كما شرقت صدر القناة من الدم) ومراده بما الكناية عن الرجل الناقص كنقص ما الموصولة، وبعمرو الكناية عن الرجل المريد أخذ ما ليس له كأخذ عمرو الواو في الخط.

    [ 514 ]

    وشرط هذه المسألة والتى قبلها صلاحية المضاف للاستغناء عنه، فلا يجوز " أمة زيد جاء " ولا " غلام هند ذهبت " ومن ثم رد ابن مالك في التوضيح قول أبى الفتح في توجيهه قراءة أبى العالية (لا تنفع نفسا إيمانها) بتأنيث الفعل: إنه من باب " قطعت بعض أصابعه " لان المضاف لو سقط هنا لقيل نفسا لا تنفع بتقديم المفعول ليرجع إليه الضمير المستتر المرفوع الذى ناب عن الايمان في الفاعلية، ويلزم من ذلك تعدى فعل المضمر المتصل إلى ظاهره نحو قولك " زيد ظلم " تريد أنه ظلم نفسه، وذلك لا يجوز. السابع: الظرفية، نحو (تؤتى أكلها كل حين) وقوله: * أنا أبو المنهال بعض الاحيان * [ 679 ] وقال المتنبي: أي يوم سررتني بوصال * لم تسؤني ثلاثة بصدود [ 118 ] وأى في البيت استفهامية يراد بها النفى، لا شرطية، لانه لو قيل مكان ذلك " إن سررتني " انعكس المعنى، لا يقال: يدل على أنها شرطية أن الجملة المنفية إن استؤنفت ولم تربط بالاولى فسد المعنى لانا نقول: الربط حاصل بتقديرها صفة لوصال، والرابط محذوف، أي لم ترعنى بعده، ثم حذفا دفعة أو على التدريج، أو حالا من تاء المخاطب، والرابط فاعلها، وهى حال مقدرة، أو معطوفة بفاء محذوفة فلا موضع لها، أي ما سررتني غير مقدر أنك تروعني، ومن روى ثلاثة بالرفع فالحالية ممتنعة، لعدم الرابط. الثامن: المصدرية، نحو (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) فأى: مفعول مطلق ناصبه ينقلبون، ويعلم: معلقة عن العمل بالاستفهام، وقال:

    [ 515 ]

    ستعلم ليلى أي دين تداينت * وأى غريم للتقاضى غريما [ 657 ] أي الاولى واجبة النصب بما بعدها كما في الآية، إلا أنها [ هنا ] مفعول به، كقولك " تداينت مالا " لا مفعول مطلق، لانها لم تضف لمصدر، والثانية واجبة الرفع بالابتداء مثلها في (لنعلم أي الحزبين أحصى) (ولتعلمن أينا أشد عذابا). التاسع: وجوب التصدير، ولهذا وجب تقديم المبتدأ في نحو " غلام من عندك " والخبر في نحو " صبيحه أي يوم سفرك " والمفعول في نحو " غلام أيهم أكرمت " ومن ومجرورها في نحو " من غلام أيهم أنت أفضل " ووجب الرفع في نحو " علمت أبو من زيد " وإلى هذا يشير قول بعض الفضلاء: 758 - عليك بأرباب الصدور، فمن غدا * مضافا لارباب الصدور تصدرا وإياك أن ترضى صحابة ناقص * فتنحط قدرا من علاك وتحقرا فرفع أبو من ثم خفض مزمل * يبين قولى مغريا ومحذرا والاشارة بقوله " ثم خفض مزمل " إلى قول امرئ القيس: 759 - كأن أبانا في عرانين وبله * كبير أناس في بجاد مزمل [ ص 683 ] وذلك أن " مزملا " صفة لكبير، فكان حقه الرفع، ولكنه خفض لمجاورته المخفوض (1).

    (1) في نسخة " لمجاورته للمخفوض " وكلتاهما صحيحة. (*)

    [ 516 ]

    والعاشر: الاعراب، نحو " هذه خمسة عشر زيد " فيمن أعربه، والاكثر البناء. والحادي عشر: البناء، وذلك في ثلاثة أبواب: أحدهما: أن يكون المضاف مبهما كغير ومثل ودون، وقد استدل على ذلك بأمور: منها قوله تعالى: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) (ومنا دون ذلك قاله الاخفش، وخولف، وأجيب عن الاول بأن نائب الفاعل ضمير المصدر، أي وحيل هو، أي الحول، كما في قوله: 760 - وقالت: متى يبخل عليك ويعتلل * يسؤك، وإن يكشف غرامك تدرب أي ويعتلل هو، أي الاعتلال، ولابد عندي من تقدير " عليك " مدلولا عليها بالمذكورة، وتكون حالا من المضمر، ليتقيد بها فتفيد ما لم يفده الفعل، وعن الثاني بأنه [ على ] حذف الموصوف، أي ومنا قوم دون ذلك كقولهم " منا ظعن ومنا أقام " أي منا فريق ظعن ومنا [ فريق ] أقام، ومنها قوله تعالى: (لقد تقطع بينكم) فيمن فتح بينا، قاله الاخفش، ويؤيده قراءة الرفع، وقيل: بين ظرف، والفاعل ضمير مستتر راجع إلى مصدر الفعل، أي لقد وقع التقطع، أو إلى الوصل، لان (وما نرى معكم شفعاءكم) يدل على التهاجر، وهو يستلزم عدم التواصل، أو إلى (ما كنتم تزعمون) على أن الفعلين تنازعاه، ويؤيد التأويل قوله: 761 - أهم بأمر الحزم لو أستطيعه * وقد حيل بين العير والنزوان بفتح " بين " مع إضافته لمعرب، ومنها قوله تعالى: (إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) فيمن فتح مثلا، وقراءة بعض السلف (أن يصيبكم مثل ما أصاب) بالفتح، ويقول الفرزدق:

    (1) في نسخة " تذرب " بذال معجمة وفسرها الامير بقوله " أي يحتد لسانك وينطق ". (*)

    [ 517 ]

    * إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر * [ 120 ] وزعم ابن مالك أن ذلك لا يكون في " مثل " لمخالفتها للمبهمات، فإنها تثنى وتجمع كقوله تعالى: (إلا أمم أمثالكم) وقول الشاعر: * والشر بالشر عند الله مثلان * [ 81 ] وزعم أن " حقا " اسم فاعل من حق يحق، وأصله حاق فقصر، كما قيل بر وسر ونم، ففيه ضمير مستتر، ومثل: حال منه، وأن فاعل يصيبكم ضميره تعالى لتقدمه في (وما توفيقي إلا بالله) ومثل: مصدر، وأما بيت الفرزدق ففيه أجوبة مشهورة، ومنها قوله: لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات أو قال [ 260 ] فغير: فاعل ليمنع وقد جاء مفتوحا، ولا يأتي فيه بحث ابن مالك، لان قولهم " غيران وأغيار) ليس بعربي. ولو كان المضاف غير مبهم لم يبن، وأما قول الجرجاني وموافقيه إن " غلامي " ونحوه مبنى فمردود، ويلزمهم بناء " غلامك، وغلامه " ولا قائل بذلك. الباب الثاني: أن يكون المضاف زمانا مبهما، والمضاف إليه " إذ " نحو (ومن خزى يومئذ) و (من عذاب يومئذ) يقرآن بجر يوم وفتحه. الثالث: أن يكون زمانا مبهما والمضاف إليه فعل مبنى، بناء أصليا كان بناء كقوله: 762 - على حين عاتبت المشيب على الصبا * وقلت: ألما أصح والشيب وازع ؟ أو بناء عارضا كقوله.

    [ 518 ]

    763 - لاجتذبن منهن قلبى تحلما * على حين يستصبين كل حليم رويا بالفتح، وهو أرجح من الاعراب عند ابن مالك، ومرجوح عند ابن عصفور. فإن كان المضاف إليه فعلا معربا أو جملة اسمية، فقال البصريون: يجب الاعراب، والصحيح جواز البناء، ومنه قراءة نافع (هذا يوم ينفع الصادقين) بفتح يوم، وقراءة غير أبى عمرو وابن كثير (يوم لا تملك نفس) بالفتح، وقال: 764 - إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني * نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر وقال آخر: 765 - ألم تعلمي - يا عمرك الله - أننى * كريم على حين الكرام قليل وأنى لا أخزى إذا قيل: مملق * سخى، وأخزى أن يقال: بخيل رويا بالفتح. ويحكى أن ابن الاخضر سئل بحضرة ابن الابرش عن وجه النصب في قول النابغة: 766 - أتانى - أبيت اللعن - أنك لمتنى * وتلك التى تستك منها المسامع مقالة أن قد قلت: سوف أناله، * وذلك من تلقاء مثلك رائع

    [ 519 ]

    فقال: 767 - [ إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ] * ولا تصحب الاردى فتردى مع الردى فقيل له: الجواب، فقال ابن الابرش: قد أجاب، يريد أنه لما أضيف إلى المبنى اكتسب منه البناء، فهو مفتوح لا منصوب، ومحله الرفع بدلا من " أنك لمتنى " وقد روى بالرفع، وهذا الجواب عندي غير جيد، لعدم إبهام المضاف، ولو صح لصح البناء في نحو " غلامك، وفرسه " ونحو هذا مما لا قائل به، وقد مضى أن ابن مالك منع البناء في " مثل " مع إبهامها لكونها تثنى وتجمع، فما ظنك بهذا ؟ وإنما هو منصوب على إسقاط الباء، أو بإضمار أعنى أو على المصدرية، وفى البيت إشكال لو سأل السائل عنه لكان أولى، وهو إضافة " مقالة " إلى " أن قد قلت " فإنه في التقدير: مقالة قولك، ولا يضاف الشئ إلى نفسه، وجوابه أن الاصل مقالة فحذف التنوين للضرورة لا للاضافة، وأن وصلتها بدل من مقالة، أو من " أنك لمتنى " أو خبر لمحذوف، وقد يكون الشاعر إنما قاله " مقالة ان " بإثبات التنوين ونقل حركة الهمزة، فأنشده الناس بتحقيقها، فاضطروا إلى حذف التنوين، ويروى " ملامة " وهو مصدر للمتنى المذكورة، أو لاخرى محذوفة. الامور التى لا يكون الفعل معها إلا قاصرا وهى عشرون: أحدها: كونه على فعل بالضم كظرف وشرف، لانه وقف على أفعال السجايا وما أشبهها مما يقوم بفاعله ولا يتجاوزه، ولهذا يتحول المتعدى قاصرا إذا حول وزنه إلى فعل لغرض المبالغة والتعجب، نحو ضرب الرجل وفهم

    [ 520 ]

    بمعنى ما أضربه وأفهمه، وسمع " رحبتكم الطاعة " و " أن بشرا طلع اليمن " ولا ثالث لهما، ووجههما أنهما ضمنا معنى وسع وبلغ، والثانى والثالث: كونه على فعل بالفتح أو فعل بالكسر ووصفهما على فعيل، نحو ذل وقوى. والرابع: كونه على أفعل بمعنى صار ذا كذا نحو " أغد البعير، وأحصد الزرع " إذا صارا (1) ذوى غدة وحصاد. والخامس: كونه على افعلل كاقشعر واشمأز. السادس: كونه على افوعل كا كوهد الفرخ إذا ارتعد. السابع: كونه على افعنلل بأصالة اللامين كاحر نجم بمعنى اجتمع. الثامن: كونه على افعنلل بزيادة أحد اللامين كاقعنسس الجمل إذا أبى أن ينقاد. التاسع: كونه على افعنلى كاحر نبى الديك إذا انتفش، وشذ قوله: 768 - قد جعل النعاس يفر ؟ ؟ ينى * أطرده عنى ويسرندينى ولا ثالث لهما، ويغرندينى - بالغين المعجمة - يعلونى ويغلبنى، وبمعناه يسرندينى العاشر: كونه على استفعل وهو دال على التحول كاستحجر الطين، وقولهم " إن البغاث بأرضنا يستنسر ". الحادى عشر: كونه على وزن انفعل نحو انطلق وانكسر. الثاني عشر: كونه مطاوعا لمتعد إلى واحد نحو كسرته فانكسر وأزعجته فانزعج.

    (1) في نسخة " أي صارا - إلخ ". (*)

    [ 521 ]

    فإن قلت: قد مضى عد انفعل. قلت: نعم لكن تلك علامة لفظية وهذه معنوية، وأيضا فالمطاوع لا يلزم وزن انفعل، تقول: ضاعفت الحسنات فتضاعفت، وعلمته فتعلم، وثلمته فتثلم، وأصله أن المطاوع ينقص عن المطاوع درجة كألبسته الثوب فلبسه، وأقمته فأقام، وزعم ابن برى أن الفعل ومطاوعه قد يتفقان في التعدي لاثنين نحو استخبرته الخبر فأخبرني الخبر، واستفهمته الحديث فأفهمنى الحديث، واستعطيته درهما فأعطاني درهما، وفى التعدي لواحد نحو استفتيته فأفتانى، واستنصحته فنصحني، والصواب ما قدمته لك، وهو قول النحويين، وما ذكره ليس من باب المطاوعة، بل من باب الطلب والاجابة (1)، وإنما حقيقة المطاوعة أن يدل أحد الفعلين على تأثير ويدل الآخر على قبول فاعله لذلك التأثير. الثالث عشر: أن يكون رباعيا مزيدا فيه نحو تدحرج واحر نجم واقشعر واطمأن. الرابع عشر: أن يضمن معنى فعل قاصر، نحو قوله تعالى (ولا تعد عيناك عنهم) (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) (أذاعوا به) (وأصلح لى في ذريتي) (لا يسمعون إلى الملا الاعلى) وقولهم " سمع الله لمن حمده " وقوله: 769 - [ وإن تعتذر بالمحل من ذى ضروعها * إلى الضيف ] يجرح في عراقيبها نصلى فإنها ضمنت معنى ولا تنب ويخرجون، وتحدثوا، وبارك، ولا يصغون، واستجاب، ويعث أو يفسد. والستة الباقية أن يدل على سجية كلؤم وجبن وشجع، أو على عرض

    (1) في نسخة " والاباحة " (*)

    [ 522 ]

    كفرح وبطر وأشر وحزن وكسل، أو على نظافة كطهر ووضؤ، أو دنس كنجس ورجس وأجنب، أو على لون كاحمر واخضر وأدم واحمار واسواد، أو حلية كدعج وكحل وشنب وسمن وهزل. تنبيه: في فصيح ثعلب في باب المشدد: فلان يتعهد ضيعته، قال ابن درستويه: ولا يجوز عنده يتعاهد، لانه لا يكون عند أصحابه إلا من اثنين، ولا يكون متعديا، ويرده قوله: * تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا * [ 423 ] وأجاز الخليل يتعاهد، وهو قليل، وسأل الحكم بن قنبر أبا زيد عنها فمنعها، وسأل يونس فأجازها، فجمع بينهما، وكان عنده ستة من فصحاء العرب، فسئلوا عنها فامتنعوا من يتعاهد، فقال يونس: يا أبا زيد كم من علم استفدناه كنت أنت سببه، ونقل ابن عصفور عن ابن السيد أنه قال في قول أبى ذؤيب: بينا تعانقه الكماة وروغه * يوما اتيح له جرى سلفع [ 602 ] إن من رواه بجر التعانق مخطئ، لان تفاعل لا يتعدى، ثم رد عليه بأنه إن كان قبل دخول التاء متعديا إلى اثنين فإنه يبقى بعد دخولها متعديا إلى واحد، نحو عاطيته الدراهم وتعاطينا الدراهم، وإن كان متعديا إلى واحد فإنه يصير قاصرا، نحو تضارب زيد وعمرو، إلا قليلا نحو جاوزت زيدا وتجاوزته، وعانقته وتعانقته، اه‍ وإنما ذكر ابن السيد أن تعانق لا يتعدى، ولم يذكر أن تفاعل لا يكون متعديا، وأيضا فلم يخص الرد برواية الجر، ولا معنى لذلك.

    [ 523 ]

    الامور التى يتعدى بها الفعل القاصر وهى سبعة: أحدها: همزة أفعل نحو (أذهبتم طيباتكم) (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) (والله أنبتكم من الارض نباتا، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا) وقد ينقل المتعدى إلى واحد بالهمزة إلى التعدي إلى اثنين نحو " ألبست زيدا ثوبا، وأعطيته دينارا " ولم ينقل متعد إلى اثنين بالهمزة إلى التعدي إلى ثلاثة إلا في " رأى، وعلم " وقاسه الاخفش في أخواتهما الثلاثة القلبية نحو ظن وحسب وزعم، وقيل: النقل بالهمزة كله سماعي، وقيل: قياسي في القاصر والمتعدي إلى واحد، والحق أنه قياسي في القاصر، سماعي في غيره، وهو ظاهر مذهب سيبويه. الثاني: ألف المفاعلة، تقول في جلس زيد ومشى وسار " جالست زيدا، ومااشيته، وسايرته ". الثالث: صوغه على فعلت بالفتح افعل بالضم لافادة الغلبة، تقول " كرمت زيدا " بالفتح - أي غلبته الكرم. الرابع: صوغه على استفعل للطلب أو النسبة إلى الشئ ك‍ " استخرجت المال، واستحسنت زيدا، واستقبحت الظلم " وقد ينقل ذو المفعول الواحد إلى اثنين، نحو " استكتبته الكتاب، واستغفرت الله الذنب "، وإنما جاز " استغفرت الله من الذنب " لتضمنه معنى استتبت، ولو استعمل على أصله لم يجز فيه ذلك، وهذا قول ابن الطراوة وابن عصفور، وأما قول أكثرهم إن استغفر من باب اختار فمردود. الخامس: تضعيف العين، تقول في فرح زيد " فرحته " ومنه (قد أفلح

    [ 524 ]

    من زكاها) (هو الذى يسيركم) وزعم أبو على أن التضعيف في هذا للمبالغة لا للتعدية، لقولهم " سرت زيدا " وقوله: 770 - [ فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها ] * فأول راض سنة من يسيرها وفيه نظر، لان " سرته " قليل، وسيرته كثير، بل قيل: إنه لا يجوز " سرته " وإنه في البيت على إسقاط الباء توسعا، وقد اجتمعت التعدية بالباء والتضعيف في قوله تعالى (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان) وزعم الزمخشري أن بين التعديتين فرقا، فقال: لما نزل القرآن منجما والكتابان جملة واحدة جئ بنزل في الاول وأنزل في الثاني، وإنما قال هو في خطبة الكشاف " الحمد لله الذى أنزل القرآن كلاما مؤلفا منظما، ونزله بحسب المصالح منجما " لانه أراد بالاول أنزله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وهو الانزال المذكور في (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وفى قوله تعالى (شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن) وأما قول القفال: إن المعنى الذى أنزل في وجوب صومه أو الذى أنزل في شأنه فتكلف لا داعى إليه، وبالثانى تنزيله من السماء الدنيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما في ثلاث وعشرين سنة. ويشكل على الزمخشري قوله تعالى (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرن جملة واحدة) فقرن نزل بجملة واحدة، وقوله تعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها) وذلك إشارة إلى قوله تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) الآية، وهى آية واحدة. والنقل بالتضعيف سماعي في القاصر كما مثلنا، وفى المتعدى لواحد نحو " علمته الحساب، وفهمته المسالة " ولم يسمع في المتعدى لاثنين، وزعم الحريري أنه يجوز في علم المتعدية لاثنين أن ينقل بالتضعيف إلى ثلاثة، ولا يشهد له سماع ولا قياس،

    [ 525 ]

    وظاهر قول سيبويه أنه سماعي مطلقا، وقيل: قياسي في القاصر والمتعدي إلى واحد. السادس: التضمين، فلذلك عدى رحب وطلع إلى مفعول لما تضمنا معنى وسع وبلغ، وقالوا: فرقت زيدا، و (سفه نفسه) لتضمنهما معنى خاف وامتهن أو أهلك. ويختص التضمين عن غيره من المعديات بأنه قد ينقل الفعل [ إلى ] أكثر من درجة، ولذلك عدى ألوت بقصر الهمزة بمعنى قصرت إلى مفعولين بعد ما كان قاصرا، وذلك في قولهم " لا آلوك نصحا، ولا آلوك جهدا " لما ضمن معنى لا أمنعك، ومنه قوله تعالى (لا يا لونكم خبالا) وعدى أخبر وخبر وحدت وأنبأ ونبأ إلى ثلاثة لما ضمنت معنى أعلم وأرى بعد ما كانت متعدية إلى واحد بنفسها وإلى آخر بالجار، نحو (أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم) (نبؤنى بعلم). السابع: إسقاط الجار توسعا نحو (ولكن لا تواعدوهن سرا) أي على سر، أي نكاح (أعجلتم أمر ربكم) أي عن أمره (واقعدوا لهم كل مرصد) أي عليه، وقول الزجاج إنه ظرف رده الفارسى بأنه مختص بالمكان الذى يرصد فيه، فليس مبهما، وقوله: * كما عسل الطريق الثعلب * [ 3 ] أي في الطريق، وقول ابن الطراوة إنه ظرف مردود أيضا بأنه غير مبهم، وقوله إنه اسم لكل ما يقبل الاستطراق فهو مبهم لصلاحيته لكل موضع منازع فيه، بل هو اسم لما هو مستطرق. ولا يحذف الجار قياسا إلا مع أن وأن، وأهمل النحويون هنا ذكر كى مع تجويزهم في نحو " جثت كى تكرمني " أن تكون كى مصدرية واللام

    [ 526 ]

    مقدرة والمعنى لكى تكرمني، وأجازوا أيضا كونها تعليلية وأن مضمرة بعدها، ولا يحذف مع كى إلا لام العلة، لانها لا يدخل عليها جار غيرها، بخلاف أختيها، قال الله تعالى (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات) (شهد الله أنه لا إله هو) أي بأن لهم، وبأنه (وترغبون أن تنكحوهن) أي في أن، أو عن، على خلاف في ذلك بين المفسرين، ومما يحتملهما قوله: 771 - ويرغب أن يبنى المعالى خالد * ويرغب أن يرضى صنيع الالائم أنشده ابن السيد، فإن قدر " في " أولا و " عن " ثانيا فمدح، وإن عكس فذم، ولا يجوز أن يقدر فيهما معا في أو عن، للتناقض. ومحل أن وأن وصلتهما بعد حذف الجار نصب عند الخليل وأكثر النحويين حملا على الغالب فيما ظهر فيه الاعراب مما حذف منه، وجوز سيبويه أن يكون المحل جرا، فقال بعد ما حكى قول الخليل: ولو قال إنسان إنه جر لكان قولا قويا، وله نظائر نحو قولهم " لاه أبوك " وأما نقل جماعة منهم ابن مالك أن الخليل يرى أن الموضع جر وأن سيبويه يرى أنه نصب فسهو. ومما يشهد لمدعى الجر قوله تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) (وأن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) أصلهما لا تدعوا مع الله أحدا لان المساجد لله، وفاعبدون لان هذه. ولا يجوز تقديم منصوب الفعل عليه إذا كان أن وصلتها، لا تقول " أنك فاضل عرفت " وقوله: 772 - وما زرت ليلى أن تكون حبيبة * إلى، ولا دين بها أنا طالبه

    [ 527 ]

    رووه بخفض " دين " عطفا على محل " أن تكون "، إذ أصله لان تكون، وقد يجاب بأنه عطف على توهم دخول اللام، وقد يعترض بأن الحمل على العطف على المحل أظهر من الحمل على العطف على التوهم، ويجاب بأن القواعد لا تثبت بالمحتملات، وهنا معد ثامن ذكره الكوفيون، وهو تحويل حركة العين، يقال: كسى زيد، بوزن فرح، فيكون قاصرا، قال: 773 - وأن يعرين إن كسى الجوارى * فتنبو العين عن كرم عجاف (1) فإذا فتحت السين صار بمعنى ستر وغطى، وتعدى إلى واحد، كقوله: 774 - وأركب في الروع خيفانة * كسا وجهها سعف منتشر أو بمعنى أعطى كسوه وهو الغالب، فيتعدى إلى اثنين، نحو كسوت زيدا جبة، قالوا: وكذلك شترت عينه بكسر التاء قاصر بمعنى انقلب جفنها، وشتر الله عينه بفتحها متعد [ بمعنى ] قلبها، وهذا عندنا من باب المطاوعة، يقال: شتره فشتر كما يقال ثرمه فثرم وثلمه فثلم، ومنه كسوته الثوب فكسيه، ومنه البيت، ولكن حذف فيه المفعول. * * * الباب الخامس من الكتاب في ذكر الجهات التى يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها وهى عشرة: الجهة الاولى: أن يراعى ما يقتضيه ظاهر الصناعة ولا يراعى المعنى، وكثيرا ما تزل الاقدام بسبب ذلك. وأول واجب على المعرب أن يفهم معنى ما يعربه، مفردا أو مركبا، ولهذا

    (1) عن كرم - بالراء كما في اللسان وكامل المبرد - أي ذوات كرم. (*)

    [ 528 ]

    لا يجوز إعراب فواتح السور على القول بأنها من المتشابه الذى استأثر الله تعالى بعلمه. ولقد حكى لى أن بعض مشايح الاقراء أعرب لتلميذ له بيت المفصل. 775 - لا يبعد الله التلبب والغارات إذ قال الخميس: نعم فقال: نعم حرف جواب، ثم طلبا محل الشاهد في البيت، فلم يجداه، فظهر لى حينئذ حسن لغة كنانة في نعم الجوابية وهى نعم بكسر العين، وإنما نعم هنا واحد الانعام، وهو خبر لمحذوف، أي هذه نعم، وهو محل الشاهد. وسألني أبو حيان - وقد عرض اجتماعنا - علام عطف " بحقلد " من قول زهير: 776 - تقى نقى لم يكثر غنيمة * بنهكة ذى قربى ولا بحقلد فقلت: حتى أعرف ما الحقلد، فنظرناه فإذا هو سئ الخلق، فقلت: هو معطوف على شئ متوهم، إذ المعنى ليس بمكثر غنيمة، فاستعظم ذلك. وقال الشلوبين: حكى لى أن نحويا من كبار طلبة الجزولى سئل عن إعراب (كلالة) من قوله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة) فقال: أخبروني ما الكلالة، فقالوا له: الورثة إذا لم يكن فيهم أب فما علا ولا ابن فما سفل، فقال: فهى إذا تمييز، وتوجيه قوله أن يكون الاصل: وإن كان رجل يرثه كلالة، ثم حذف الفاعل وبنى الفعل للمفعول فارتفع الضمير واستتر، ثم جئ بكلالة تمييزا، ولقد أصاب هذا النحوي في سؤاله، وأخطأ في جوابه، فإن التمييز بالفاعل بعد حذفه نقض للغرض الذى حذف لاجله، وتراجع عما بنيت الجملة عليه من طى ذكر الفاعل فيها، ولهذا لا يوجد في كلامهم مثل ضرب أخوك رجلا، وأما قراءة من قرأ (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) بفتح الباء - فالذي سوغ فيها أن يذكر الفاعل بعد ما حذف أنه إنما ذكر في جملة أخرى غير التى حذف فيها. وكإعراب هذا المعرب كلالة تمييزا قول بعضهم في هذا البيت: 777 - يبسط للاضياف وجها رحبا * بسط ذراعيه لعظم كلبا

    [ 529 ]

    إن الاصل كما بسط كلب ذراعيه، ثم جئ بالمصدر وأسند للمفعول فرفع، ثم أضيف إليه، ثم جئ بالفاعل تمييزا. والصواب في الآية أن (كلالة) بتقدير مضاف، أي ذا كلالة، وهو إما حال من ضمير (يورث) فكان ناقصة، ويورث خبر، أو تامة فيورث صفة، وإما خبر فيورث صفة، ومن فسر الكلالة بالميت الذى لم يترك ولدا ولا والدا فهى أيضا حال أو خبر، ولكن لا يحتاج إلى تقدير مضاف، ومن فسرها بالقرابة فهى مفعول لاجله. أما البيت فتخريجه على القلب، وأصله كما بسط ذراعاه كلبا، ثم جئ بالمصدر وأضيف للفاعل المقلوب عن المفعول، وانتصب كلبا على المفعول المقلوب عن الفاعل. وها أنا مورد بعون الله أمثلة متى بنى فيها على ظاهر اللفظ ولم ينظر في موجب المعنى حصل الفساد، وبعض هذه الامثلة وقع للمعربين فيه وهم بهذا السبب، وستري ذلك معينا. فأحدها: قوله تعالى: (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) فإنه يتبادر إلى الذهن عطف (أن نفعل) على (أن نترك)، وذلك باطل، لانه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤن، وإنما هو عطف على ما، فهو معمول للترك، والمعنى أن نترك أن نفعل، نعم من قرأ تفعل وتشاء - بالتاء لا بالنون - فالعطف على (أن نترك)، وموجب الوهم المذكور أن المعرب يرى أن والفعل مرتين، وبينهما حرف العطف. ونظير هذا سواء أن يتوهم في قوله: لن ما رأيت (1) أبا يزيد مقاتلا * أدع القتال وأشهد الهيجاء [ 461 ]

    (1) كتبت في فصل لما [ ص 283 ] " لما رأيت - إلخ " لقصد الالغاز، ليسأل " أين جواب لما " كما قال المؤلف هناك، وحقيقته أن يكتب كما هنا. (*)

    [ 530 ]

    أن الفعلين متعاطفان، حين يرى فعلين مضارعين منصوبين، وقد بينت في فصل لما أن ذلك خطأ، وأن " أدع " منصوب بلن، وأشهد معطوف على القتال. الثاني: قوله تعالى: (وإنى خفت الموالى من ورائي) فإن المتبادر تعلق من بخفت، وهو فاسد في المعنى، والصواب تعلقه بالموالى، لما فيه من معنى الولاية، أي خفت ولايتهم من بعدى وسوء خلافتهم، أو بمحذوف هو حال من الموالى أو مضاف إليهم، أي كائنين من ورائي، أو فعل الموالى من ورائي، وأما من قرأ (خفت) بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء فمن متعلقة بالفعل المذكور. الثالث: قوله تعالى (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله) فإن المتبادر تعلق إلى بتكتبوه، وهو فاسد، لاقتضائه استمرار الكتابة إلى أجل الدين، وإنما هو حال، أي مستقرا في الذمة إلى أجله. ونظيره قوله تعالى: (فأماته الله مائة عام) فإن المتبادر انتصاب مائة بأماته، وذلك ممتنع مع بقائه على معناه الوضعي، لان الامانة سلب الحياة وهى لا تمتد، والصواب أن يضمن أماته معنى ألبثه، فكأنه قيل فألبثه الله بالموت مائة عام، وحينئذ يتعلق به الظرف بما فيه من المعنى العارض له بالتضمين، أي معنى اللبث لا معنى الالباث، لانه كالاماتة في عدم الامتداد، فلو صح ذلك لعلقناه بما فيه من معناه الوضعي، ويصير هذا التعلق بمنزلته في قوله تعالى (قال لبثت يوما أو بعض يوم، قال بل لبثت مائة عام). وفائدة التضمين: أن يدل بكلمة واحدة على معنى كلمتين، يدلك على ذلك أسماء الشرط والاستفهام. ونظيره أيضا قوله عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه " لا يجوز أن يعلق حتى

    [ 531 ]

    بيولد، لان الولادة لا تستمر إلى هذه الغاية، بل الذى يستمر إليها كونه على الفطرة، فالصواب تعليقها بما تعلقت به على، وأن على متعلقة بكائن محذوف منصوب على الحال من الضمير في بولد، ويولد خبر كل. الرابع: قول الشاعر: 778 - تركت بنا لوحا، ولو شئت جادنا * بعيد الكرى ثلج بكرمان ناصح فإن المتبادر تعلق بعيد الكرى بجاد، والصواب تعليقه بما في ثلج من معنى بارد، إذ المراد وصفها بأن ريقها يوجد عقب الكرى باردا، فما الظن به في غير ذلك الوقت ؟ لا أنه يتمنى أن تجود له [ به بعيد ] الكرى دون ما عداه من الاوقات، واللوح - بفتح اللام - العطش. الخامس: قوله تعالى (فلما بلغ معه السعي) فإن المتبادر تعلق مع ببلغ، قال الزمخشري: أي فلما بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه، قال: ولا يتعلق مع ببلغ، لاقتضائه أنهما [ بلغا ] معا حد السعي، ولا بالسعي، لان صلة المصدر لا تتقدم عليه، وإنما هي متعلقة بمحذوف على أن يكون بيانا، كأنه قيل: فلما بلغ الحد الذى يقدر فيه على السعي، فقيل: مع من ؟ فقيل: مع أعطف الناس عليه وهو أبوه، أي أنه لم يستحكم قوته بحيث يسعى مع غير مشفق. السادس: قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) فإن المتبادر أن حيث ظرف مكان، لانه المعروف في استعمالها، ويرده أن المراد أنه تعالى يعلم المكان المستحق للرسالة، لا أن علمه في المكان، فهو مفعول، لا مفعول فيه، وحينئذ لا ينتصب بأعلم إلا على قول بعضهم بشرط تأويله بعالم، والصواب انتصابه بيعلم (1) محذوفا دل عليه أعلم.

    (1) ارجع إلى مبحث حيث في ص 131. (*)

    [ 532 ]

    السابع: قوله تعالى (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك) فإن المتبادر تعلق إلى بصرهن، وهذا لا يصح إذا فسر صرهن بقطعهن، وإنما تعلقه بخذ، وأما إن فسر بأملهن فالتعلق به، وعلى الوجهين يجب تقدير مضاف، أي إلى نفسك، لانه لا يتعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل إلا في باب ظن نحو (أن رآه استغنى) (فلا يحسبنهم بمفازة) فيمن ضم الباء، ويجب تقدير هذا المضاف في نحو (وهزى إليك بجذع النخلة) (واضمم إليك جناحك من الرهب) (أمسك عليك زوجك) وقوله: هون عليك فإن الامور * بكف الاله مقاديرها [ 232 ] وقوله: * ودع عنك نهبا صيح في حجراته * [ 242 ] قوله " حجراته " بفتحتين أي نواحيه، وقول ابن عصفور إن عن وعلى في ذلك اسمان كما في قوله: * غدت من عليه بعد ما تم ضمؤها * [ 231 ] وقوله: فلقد أرانى للرماح دريئة * من عن يمينى مرة وأمامي [ 240 ] دفعا للمحذور المذكور وهم، لان معنى على الاسمية فوق، ومعنى عن الاسمية جانب، ولا يتأتيان هنا، ولان ذلك لا يتأتى مع إلى، لانها لا تكون اسما الثامن: قوله تعالى (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) فإن المتبادر تعلق من بأغنياء لمجاورته له، ويفسده أنهم متى ظنهم ظان قد استغنوا من تعففهم

    [ 533 ]

    علم أنهم فقراء من المال، فلا يكون جاهلا بحالهم، وإنما هي متعلقة بيحسب، وهى للتعليل. التاسع: قوله تعالى (ألم تر إلى الملا من بنى إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا) فإن المتبادر تعلق إذ بفعل الرؤية، ويفسده أنه لم ينته علمه أو نظره إليهم في ذلك الوقت، وإنما العامل مضاف محذوف، أي ألم تر إلى قصتهم أو خبرهم، إذ التعجب إنما هو من ذلك، لا من ذواتهم. العاشر: قوله تعالى (فمن شرب منه فليس منى، ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة) فإن المتبادر تعلق الاستثناء بالجملة الثانية، وذلك فاسد، لاقتضائه أن من اغترف غرفة بيده ليس منه، وليس كذلك، بل ذلك مباح لهم، وإنما هو مستثنى من الاولى، ووهم أبو البقاء في تجويزه كونه مستثنى من الثانية، وإنما سهل الفصل بالجملة الثانية لانها مفهومة من الاولى المفصولة، لانه إذا ذكر أن الشارب ليس منه اقتضى مفهومه أن من لم يطعمه منه، فكان الفصل به كلا فصل. الحادى عشر: قوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) فإن المتبادر تعلق إلى باغسلوا، وقد رده بعضهم بأن ما قبل الغاية لابد أن يتكرر قبل الوصول إليها، تقول " ضربته إلى أن مات " ويمتنع (قتلته إلى أن مات) وغسل اليد لا يتكرر قبل الوصول إلى المرفق، لان اليد شاملة لرؤوس الانامل والمناكب وما بينهما، قال: فالصواب تعلق إلى بأسقطوا محذوفا، ويستفاد من ذلك دخول المرافق في الغسل، لان الاسقاط قام الاجماع على أنه ليس من الانامل، بل من المناكب، وقد انتهى إلى المرافق، والغالب أن ما بعد إلى يكون غير داخل، بخلاف حتى، وإذا لم يدخل في الاسقاط بقى داخلا في المأمور

    [ 534 ]

    بغسله، وقال بعضهم: الايدى في عرف الشرع اسم للاكف فقط، بدليل آية السرقة، وقد صح الخبر باقتصاره صلى الله عليه وسلم في التيمم على مسح الكفين، فكان ذلك تفسيرا للمراد بالايدي في آية التيمم. قال: وعلى هذا فإلى غاية للغسل، لا للاسقاط، قلت: وهذا إن سلم فلابد من تقدير محذوف أيضا، أي ومدوا الغسل إلى المرافق، إذ لا يكون غسل ما وراء الكف غاية لغسل الكف. الثاني عشر: قول ابن دريد: 779 - إن امرأ القيس جرى إلى مدى فاعتاقه حمامه دون المدى فإن المتبادر تعلق إلى بجرى، ولو كان كذلك لكان الجرى قد انتهى إلى ذلك المدى، وذلك مناقض لقوله: * فاعتاقه حمامه دون المدى * وإنما " إلى مدى " متعلق بكون خاص منصوب على الحال، أي طالبا إلى مدى، ونظيره قوله أيضا يصف الحاج. 780 - ينوى التى فضلها رب العلى * لما دحا تربتها على البنى فإن قوله " على البنى " متعلق بأبعد الفعلين، وهو فضل، لا بأقربهما وهو دحا بمعنى بسط، لفساد المعنى. الثالث عشر: ما حكاه بعضهم من أنه سمع شيخا يعرب لتلميذه (قيما) من قوله تعالى (ولم يجعل له عوجا قيما) صفة لعوجا، قال: فقلت له: يا هذا كيف يكون العوج قيما ؟ وترحمت على من وقف من القراء على ألف التنوين في (عوجا) وقفة لطيفة دفعا لهذا التوهم، وإنما (قيما) حال: إما من اسم محذوف هو وعامله، أي أنزله

    [ 535 ]

    قيما، وإما من الكتاب، وجملة النفى معطوفة على الاول ومعترضة على الثاني، قالوا: ولا تكون معطوفة، لئلا يلزم العطف على الصلة قبل كمالها، وإما من الضمير المجرور باللام إذا أعيد إلى الكتاب لا إلى مجرور على، أو جملة النفى وقيما حالان من الكتاب، على أن الحال يتعدد، وقياس قول الفارسى في الخبر إنه لا يتعدد مختلفا بالافراد والجملة أن يكون الحال كذلك، لا يقال: قد صح ذلك في النعت نحو (وهذا ذكر مبارك أنزلناه) بل قد ثب
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:12 am

    [ 567 ]

    أي ذلك تبشير الله، وقيل: الاصل يبشر به، ثم حذف الجار توسعا فانتصب الضمير ثم حذف. مسألة - يجوز في نحو (تماما على الذى أحسن) كون الذى موصولا اسميا فيحتاج إلى تقدير عائد، أي زيادة على العلم الذى أحسنه، وكونه موصولا حرفيا، فلا يحتاج لعائد، أي تماما على إحسانه، وكونه نكرة موصوفة فلا يحتاج إلى صلة، ويكون أحسن حينئذ اسم تفضيل، لا فعلا ماضيا، وفتحته إعراب لا بناء، وهى علامة الجر، وهذان الوجهان كوفيان، وبعض البصريين يوافق [ على ] الثاني. مسألة - نحو " أعجبني ما صنعت " يجوز فيه كون ما بمعنى الذى، وكونها نكرة موصوفة وعليهما فالعائد محذوف، وكونها مصدرية فلا عائد، ونحو (حتى تنفقوا مما تحبون) يحتمل الموصولة والموصوفة، دون المصدرية، لان المعاني لا ينفق منها، وكذا (ومما رزقناهم ينفقون) فإن ذهبت إلى تأويل (ما تحبون) و (ما رزقناهم) بالحب والرزق وتأويل هذين بالمحبوب والمرزوق فقد تعسفت من غير محوج إلى ذلك، وقال أبو حيان: لم يثبت مجئ ما نكرة موصوفة، ولا دليل في " مررت بما معجب لك " لاحتمال الزيادة، ولو ثبت نحو " سرنى ما معجب لك " لثبت ذلك، انتهى. ولا أعلمهم زادوا ما بعد الباء إلا ومعناها السببية، نحو (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم (فبما رحمة من الله لنت لهم). مسألة - إذا قلت: " أعجبني من جاءك " احتمل كون من موصولة أو موصوفة، وقد جوزوا في (ومن الناس من يقول) وضعف أبو البقاء الموصولة، لانها تتناول قوما بأعيانهم، والمعنى على الابهام، وأجيب بأنها نزلت في عبد الله بن أبى وأصحابه.

    [ 568 ]

    باب التوابع مسألة - نحو (آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) يحتمل بدل الكل من الكل، وعطف البيان، ومثله (نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم) فيمن فتح الهمزة، ويحتمل هذا تقدير مبتدأ أيضا، أي هي أنا دمرناهم. مسألة - نحو (سبح اسم ربك الاعلى) يجوز فيه كون (الاعلى) صفة للاسم أو صفة للرب، وأما نحو " جاءني غلام زيد الظريف " فالصفة للمضاف، ولا تكون للمضاف إليه إلا بدليل، لان المضاف إليه إنما جئ به لغرض التخصيص، ولم يؤت به لذاته، وعكسه: 805 - * وكل فتى يتقى فائز * فالصفة للمضاف إليه، لان المضاف إنما جئ به لقصد التعميم، لا للحكم عليه ولذلك ضعف قوله: وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان [ 106 ] مسألة - نحو (هدى للمتقين الذين يؤمنون) و " مررت بالرجل الذى فعل " يجوز في الموصول أن يكون تابعا أو بإضمار أعنى أو أمدح أو هو، وعلى التبعية فهو نعت لا بدل إلا إذا تعذر، نحو (ويل لكل همزة لمزة الذى جمع مالا) لان النكرة لا توصف بالمعرفة. باب حروف الجر مسألة - نحو " زيد كعمرو " تحتمل الكاف فيه عند المعربين الحرفية فتتعلق باستقرار، وقيل: لا تتعلق، والاسمية فتكون مرفوعة المحل وما يعدها جر

    [ 569 ]

    بالاضافة ولا تقدير بالاتفاق، ونحو " جاء الذى كزيد " يتعين الحرفية، لان الوصل بالمتضايفين ممتنع. مسألة - " زيد على السطح " يحتمل على الوجهين (1)، وعليهما فهى متعلقة باستقرار محذوف. مسألة - قيل في نحو (والضحى والليل ": إن الواو تحتمل العاطفة والقسمية، والصواب الاول، وإلا لاحتاج كل إلى الجواب، ومما يوضحه مجئ الفاء في أوائل سورتي المرسلات والنازعات. باب في مسائل مفردة مسألة - نحو (يسبح له فيها بالغدو والآصال) فيمن فتح الباء يحتمل كون النائب عن الفاعل الظرف الاول - وهو الاولى - أو الثاني أو الثالث، ونحو (ثم نفخ فيه أخرى) النائب الظرف أو الوصف، وفى هذا ضعف، لضعف قولهم " سير عليه طويل ". مسألة - " تجلى الشمس " يحتمل كون تجلى ماضيا تركت التاء من آخره لمجازية التأنيث، وكونه مضارعا أصله تتجلى ثم حذفت إحدى التاءين على حد قوله تعالى: (نارا تلظى) ولا يجوز في هذا كونه ماضيا وإلا لقيل تلظت، لان التأنيث واجب مع المجازى إذا كان ضميرا متصلا، وبما ذكرنا من الوجهين في المثال الاول تعلم فساد قول من استدل على جواز نحو " قام هند " في الشعر بقوله: 806 - تمنى ابنتاى أن يعيش أبو هما * [ وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر ] [ ص 670 ] لجواز أن يكون أصله تتمنى. * * * الجهة السادسة: أن لا يراعى الشروط المختلفة بحسب الابواب، فإن العرب

    (1) الوجهان هما أن تكون على حرف جر للاستعلاء، واسما ظرفا بمعنى فوق. (*)

    [ 570 ]

    يشترطون في باب شيئا ويشترطون في آخر نقيض ذلك الشئ على ما اقتضته حكمة لغتهم وصحيح أقيستهم، فإذا لم يتأمل المعرب اختلطت عليه الابواب والشرائط. فلنورد أنواعا من ذلك مشيرين إلى بعض ما وقع فيه الوهم للمعربين: النوع الاول: اشتراطهم الجمود لعطف البيان، والاشتقاق للنعت. ومن الوهم في الاول قول الزمخشري في (ملك الناس، إله الناس) إنهما عطفا بيان، والصواب أنهما نعتان، وقد يجاب بأنهما أجريا مجرى الجوامد، إذ يستعملان غير جاريين على موصوف وتجرى عليهما الصفات، نحو قولنا " إله واحد، وملك عظيم ". ومن الخطأ في الثاني قول كثير من النحويين في نحو " مررت بهذا الرجل " إن الرجل نعت، قال ابن مالك: أكثر المتأخرين يقلد بعضهم بعضا في ذلك، والحامل لهم عليه توهمهم أن عطف البيان لا يكون إلا أخص من متبوعه، وليس كذلك، فإنه في الجوامد بمنزلة النعت في المشتق، ولا يمتنع كون المنعوت أخص من النعت، وقد هدى ابن السيد إلى الحق في المسألة فجعل ذلك عطفا لا نعتا، وكذا ابن جنى، اه‍. قلت: وكذا الزجاج والسهيلى، قال السهيلي: وأما تسمية سيبويه له نعتا فتسامح، كما سمى التوكيد وعطف البيان صفة، وزعم ابن عصفور أن النحويين أجازوا في ذلك الصفة والبيان، ثم استشكله بأن البيان أعرف من المبين وهو جامد، والنعت دون المنعوت أو مساو له وهو مشتق أو في تأويله، فكيف يجتمع في الشئ أن يكون بيانا ونعتا ؟ وأجاب بأنه إذا قدر نعتا فاللام فيه للعهد والاسم مؤول بقولك الحاضر أو المشار إليه، وإذا قدر بيانا فاللام لتعريف الحضور، فيساوى الاشارة بذلك ويزيد بإفادته الجنس المعين فكان أخص، قال: وهذا معنى قول سيبويه، اه‍. وفيما قاله نظر، لان الذى يؤوله النحويون بالحاضر والمشار إليه إنما هو اسم الاشارة نفسه إذا وقع نعتا " كمررت بزيد هذا " فأما نعت اسم الاشارة فليس ذلك معناه، وإنما هو معنى ما قبله، فكيف يجعل معنى ما قبله تفسيرا له ؟

    [ 571 ]

    وقال الزمخشري في (ذلكم الله ربكم): يجوز كون اسم الله تعالى صفة للاشارة أو بيانا، وربكم الخبر، فجوز في الشئ الواحد البيان والصفة، وجوز كون العلم نعتا، وإنما العلم ينعت ولا ينعت به، وجوز نعت الاشارة بما ليس معرفا بلام الجنس، وذلك مما أجمعوا على بطلانه. النوع الثاني: اشتراطهم التعريف لعطف البيان ولنعت المعرفة، والتنكير للحال، والتمييز، وأفعل من، ونعت النكرة. ومن الوهم في الاول قول جماعة في (صديد من ماء صديد) وفى طعام مساكين من (كفارة طعام مساكين) فيمن نون كفارة: إنهما عطفا بيان، وهذا إنما هو معترض على قول البصريين ومن وافقهم، فيجب عندهم في ذلك أن يكون بدلا، وأما الكوفيون فيرون أن عطف البيان في الجوامد كالنعت في المشتقات، فيكون في المعارف والنكرات، وقول بعضهم في " ناقع " من قول النابغة: 807 - [ فبت كأنى ساورتني ضئيلة ] * من الرقش في أنيابها السم ناقع إنه نعت للسم، والصواب أنه خبر للسم، والظرف متعلق به، أو خبر ثان. وليس من ذلك قول الزمخشري في (شديد العقاب): إنه يجوز كونه صفة لاسم الله تعالى في أوائل سورة المؤمن، وإن كان من باب الصفة المشبهة، وإضافتها لا تكون إلا في تقدير الانفصال، ألا نرى أن (شديد العقاب) معناه شديد عقابه، ولهذا قالوا: كل شئ إضافته غير محضة فإنه يجوز أن تصير إضافته محضة، إلا الصفة المشبهة، لانه جعله (1) على تقدير أل، وجعل سبب حذفها إرادة الازدواج، وأجاز وصفيته أيضا أبو البقاء، لكن على أن شديدا بمعنى مشدد كما أن الاذين في معنى المؤذن، فأخرجه بالتأويل من باب الصفة المشبهة إلى باب اسم الفاعل، والذى قدمه الزمخشري أنه وجميع ما قبله أبدال، أما أنه بدل فلتنكيره، وكذا المضافان قبله وإن

    (1) هذا تعليل لقوله " وليس من ذلك قول الزمخشري ". (*)

    [ 572 ]

    كانا من باب اسم الفاعل، لان المراد بهما المستقبل، وأما البواقى فللتناسب، ورد على الزجاج في جعله (شديد العقاب) بدلا وما قبله صفات، وقال: في جعله بدلا وحده من بين الصفات نبو ظاهر. ومن ذلك (1) قول الجاحظ في بيت الاعشى: 808 - ولست بالاكثر منهم حصى * [ وإنما العزة للكاثر ] إنه يبطل قول النحويين " لا تجتمع أل ومن في اسم التفضيل " فجعل كلا من أل ومن معتدا به جاريا على ظاهره، والصواب أن تقدر أل زائدة، أو معرفة ومن متعلقة بأكثر منكرا محذوفا مبدلا من المذكور أو بالمذكور على أنها بمنزلتها في قولك " أنت منهم الفارس البطل " أي أنت من بينهم، وقول بعضهم " إنها متعلقة بليس " قد يرد بأنها لا تدل على الحدث عند من قال في أخواتها إنها تدل عليه، ولان فيه فصلا بين أفعل وتمييزه وبالاجنبي، وقد يجاب بأن الظرف يتعلق بالوهم، وفى ليس رائحة قولك انتفى، وبأن فصل التمييز قد جاء في الضرورة في قوله: 809 - على أننى بعد ما قد مضى * ثلاثون للهجر حولا كميلا وأفعل أقوى في العمل من ثلاثون. ومن الوهم في الثاني قول مكى في قراءة ابن أبى عبلة (فإنه آثم قلبه) بالنصب: إن (قلبه) تمييز، والصواب أنه مشبه بالمفعول به كحسن وجهه، أو بدل من اسم إن وقول الخليل والاخفش والمازني في " إياى، وإياك، وإياه ": إن إيا ضمير أضيف إلى ضمير، فحكموا للضمير بالحكم الذى لا يكون إلا للنكرات وهو الاضافة، وقول بعضهم في " لا إله إلا الله " إن اسم الله تعالى خبر لا التبرئة ويرده أنها لا تعمل إلا في نكرة منفية، واسم الله تعالى معرفة موجبة، نعم يصح أن يقال: إنه

    (1) هذا من الوهم في الثاني وهو ما يشترط فيه التنكير، وليس على ما يقتضيه ظاهر صنيع المؤلف. (*)

    [ 573 ]

    خبر للامع اسمها فإنهما في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، وزعم أن المركبة لا تعمل في الخبر، لضعفها بالتركيب عن أن تعمل فيما تباعد منها وهو الخبر، كذا قال ابن مالك. والذى عندي أن سيبويه يرى أن المركبة لا تعمل في الاسم أيضا، لان جزء الشئ لا يعمل فيه، وأما " لا رجل ظريفا " بالنصب فإنه عند سيبويه مثل " يا زيد الفاضل " بالرفع، وكذا البحث في " لا إله إلا هو " للتعريف والايجاب أيضا، وفى " لا إله إلا إله واحد " للايجاب، وإذا قيل " لا مستحقا للعبادة إلا إله واحدا، أو إلا الله " لم يتجه الاعتذار المتقدم، لان لا في ذلك عاملة في الاسم والخبر لعدم التركيب، وزعم الاكثرون أن المرتفع بعد " إلا " في ذلك كله بدل من محل اسم لا، كما في قولك " ما جاءني من أحد إلا زيد " ويشكل على ذلك أن البدل لا يصلح هنا لحلوله محل الاول، وقد يجاب بأنه بدل من الاسم مع لا، فإنهما كالشئ الواحد، ويصح أن يخلفهما، ولكن يذكر الخبر حينئذ فيقال " الله موجود " وقيل: هو بدل من ضمير الخبر المحذوف، ولم يتكلم الزمخشري في كشافه على المسألة أكتفاء بتأليف مفرد له فيها، وزعم فيه أن الاصل " الله إله " المعرفة مبتدأ، والنكرة خبر، على القاعدة، ثم قدم الخبر، ثم أدخل النفى على الخبر والايجاب على المبتدأ، وركبت لا مع الخبر، فيقال له: فما تقول في نحو " لا طالعا جبلا إلا زيد " لم انتصب خبر المبتدأ ؟ فإن قال: إن لا عاملة عمل ليس، فذلك ممتنع، لتقدم الخبر، ولانتقاض النفى، ولتعريف أحد الجزأين، فأما قوله " يجب كون المعرفة المبتدأ " فقد مر أن الاخبار عن النكرة المخصصة المقدمة بالمعرفة جائز نحو (إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة). ومن ذلك قول الفارسى في " مررت برجل ما شئت من رجل ": إن ما مصدرية، وإنها وصلتها صفة لرجل، وتبعه على ذلك صاحب الترشيح، قال: ومثله قوله تعالى (في أي صورة ما شاء ركبك) أي في أي صورة مشيئته أي يشاؤها، وقول أبى البقاء في (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد

    [ 574 ]

    إلا الله): إن أن وصلتها بدل من سواء، وبدل الصفة صفة، والحرف المصدرى وصلته في نحو ذلك معرفة، فلا يقع صفة للنكرة. وقول بعضهم في (ويل لكل همزة لمزة الذى جمع): إن الذى صفة. والصواب أن " ما " في المثال شرطية حذف جوابها، أي فهو كذلك، والصفة الجملتان معا. وأما الآية الاولى فقال أبو البقاء: ما شرطية أو زائدة، وعليهما فالجملة صفة لصورة، والعائد محذوف، أي عليها، وفى متعلقه بركبك، اه‍ كلامه. وكان حقه إذ علق في بركبك وقال الجملة صفة أن يقطع بأن ما زائدة، إذ لا يتعلق الشرط الجازم بجوابه، ولا تكون جملة الشرط وحدها صفة، والصواب أن يقال: إن قدرت ما زائدة فالصفة جملة شاء وحدها، والتقدير شاءها، وفى متعلقة بركبك، أو باستقرار محذوف هو حال من مفعوله، أو بعد ذلك، أي وضعك في صورة أي صورة، وإن قدرت ما شرطية فالصفة مجموع الجملتين، والعائد محذوف أيضا، وتقديره عليها، وتكون في حينئذ متعلقة بعدلك، أي عدلك في صورة أي صورة، ثم استؤنف ما بعده. والصواب في الآية الثانية أنها على تقدير مبتدأ. وفى الثالثة أن (الذى) بدل، أو صفة مقطوعة بتقدير هو أو أذم أو أعنى. هذا هو الصواب، خلافا لمن أجاز وصف النكرة بالمعرفة مطلقا، ولمن أجازه بشرط وصف النكرة أولا بنكرة، وهو قول الاخفش، زعم أن (الاوليان) صفة لآخران في (فآخران يقومان مقامهما) الآية، لوصفهما بيقومان، وكذا قال بعضهم في قوله تعالى (إن الله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون). ومن ذلك قول الزمخشري في (إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله): إن (أن تقوموا) عطف بيان على واحدة، وفى (مقام إبراهيم):

    [ 575 ]

    انه عطف بيان على (آيات بينات) مع اتفاق النحويين على أن البيان والمبين لا يتخالفان تعريفا وتنكيرا، وقد يكون عبر عن البدل بعطف البيان لتآخيهما، ويؤيده في قوله (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم): إن (من وجدكم) عطف بيان لقوله تعالى (من حيث سكنتم) وتفسير له، قال: ومن: تبعيضية حذف مبعضها، أي أسكنوهن مكانا من مساكنكم مما تطيقون، اه‍. وإنما يريد البدل، لان الخافض لا يعاد إلا معه، وهذا إمام الصناعة سيبويه يسمى التوكيد صفة وعطف البيان صفة كما مر. النوع الثالث: اشتراطهم في بعض ما التعريف شرطه تعريفا خاصا، كمنع الصرف اشترطوا له تعريف العلمية أو شبهه، كما في أجمع، وكنعت الاشارة وأى في النداء، اشترطوا لهما تعريف اللام الجنسية، وكذا تعريف فاعلي نعم وبئس، ولكنها تكون مباشرة له أو لما أضيف إليه، بخلاف ما تقدم فشرطها المباشرة له. ومن الوهم في ذلك قول الزمخشري في قراءة ابن أبن عبلة (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) بنصب تخاصم: إنه صفة للاشارة، وقد مضى أن جماعة من المحققين اشترطوا في نعت الاشارة الاشتقاق كما اشترطوه في غيره من النعوت، ولا يكون التخاصم أيضا عطف بيان، لان البيان يشبه الصفة، فكما لا توصف الاشارة إلا بما فيه أل كذلك ما يعطف عليها، ولهذا منع أبو الفتح في (وهذا بعلى شيخ) في قراءة ابن مسعود برفع شيخ كون (بعلى) عطف بيان، وأوجب كونه خبرا، وشيخ: إما خبر ثان، أو خبر لمحذوف، أو بدل من بعلى، أو بعلى بدل وشيح الخبر، ونظير منع أبى الفتح ما ذكرنا منع ابن السيد في كتاب المسائل والاجوبة وابن مالك في التسهيل كون عطف البيان تابعا للمضمر، لامتناع ذلك في النعت، ولكن أجاز سيبويه " يا هذان زيد وعمرو " على عطف البيان، وتبعه الزيادي، فأجاز " مررت بهذين الطويل والقصير " على البيان، وأجازه على البدل أيضا، ولم يجزه

    [ 576 ]

    على النعت، لان نعت الاشارة لا يكون إلا طبقها في اللفظ، وممن نص على منع النعت في هذا سيبويه والمبرد والزجاج، وهو مقتضى القياس. ومنع سيبويه فيها مخالف لاجازته في النداء. النوع الرابع: اشتراط الابهام في بعض الالفاظ كظروف المكان، والاختصاص في بعضها كالمبتدآت وأصحاب الاحوال. ومن الوهم في الاول قول الزمخشري في (فاستبقوا الصراط) وفى (سنعيدها سيرتها الاولى) وقول ابن الطراوة في قوله: * كما عسل الطريق الثعلب * [ 3 ] وقول جماعة في " دخلت الدار، أو المسجد، أو السوق " إن هذه المنصوبات ظروف، وإنما يكون ظرفا مكانيا ما كان مبهما، ويعرف بكونه صالحا لكل بقعة كمكان وناحية وجهة وجانب وأمام وخلف. والصواب أن هذه المواضع على إسقاط الجار توسعا، والجار المقدر " إلى " في (سنعيدها سيرتها الاولى) و " في " في البيت، وفى أو إلى في الباقي، ويحتمل أن (استبقوا) ضمن معنى تبادروا، وقد أحيز الوجهان في (فاستبقوا الخيرات) ويحتمل (سيرتها) أن يكون بدلا من ضمير المفعول بدل اشتمال، أي سنعيدها طريقتها. ومن ذلك قول الزجاج في (واقعدوا لهم كل مرصد) إن كلا ظرف، ورده أبو على في الاغفال بما ذكرنا، وأجاب أبو حيان بأن (اقعدوا) ليس على حقيقته، بل معناه أرصدوهم كل مرصد، ويصح أرصدوهم كل مرصد، فكذا يصح قعدت كل مرصد، قال: ويجوز قعدت مجلس زيد، كما يجوز قعدت مقعده، اه‍. وهذا مخالف لكلامهم، إذ اشترطوا توافق مادتي الظرف وعامله، ولم يكتفوا بالتوافق المعنوي كما في المصدر، والفرق أن انتصاب هذا النوع على الظرفية على خلاف القياس لكونه مختصا، فينبغي أن لا يتجاوز به محل السماع، وأما نحو " قعدت

    [ 577 ]

    جلوسا " فلا دافع له من القياس، وقيل: التقدير [ اقعدوا لهم ] على كل مرصد، فحذفت على، كما قال: * وأخفى الذى لولا الاسى لقضانى * [ 222 ] أي لقضى على، وقياس الزجاج أن يقول في (لاقعدن لهم صراطك المستقيم) مثل قوله في (واقعدوا لهم كل مرصد) والصواب في الموضعين أنهما على تقدير على، كقولهم " ضرب زيد الظهر والبطن " فيمن نصبهما، أو أن لاقعدن واقعدوا ضمنا معنى لالزمن والزموا. ومن الوهم في الثاني قول الحوفى في (ظلمات بعضها فوق بعض): إن (بعضها فوق بعض) جملة مخبر بها عن ظلمات، وظلمات غير مختص: فالصواب قول الجماعة إنه خبر لمحذوف، أي تلك ظلمات، نعم إن قدر أن المعنى ظلمات أي ظلمات بمعنى ظلمات عظام أو متكاثفة وتركت الصفة لدلالة المقام عليها كما قال 810 - له حاجب في كل أمر يشينه * [ وليس له عن طالب العرف حاجب ] صح، وقول الفارسى في (ورهبانية ابتدعوها): إنه من باب " زيدا ضربته " واعترضه ابن الشجرى بأن المنصوب في هذا الباب شرطه أن يكون مختصا ليصح رفعه بالابتداء، والمشهور أنه عطف على ما قبله، وابتدعوها: صفة، ولابد من تقدير مضاف، أي وحب رهبانية، وإنما لم يحمل أبو على الآية على ذلك لاعتزاله، فقال: لان ما يبتدعونه لا يخلقه الله عزوجل، وقد يتخيل ورود اعتراض ابن الشجرى على أبى البقاء في تجويزه في (وأخرى تحبونها) كونه كزيدا ضربته، ويجاب بأن الاصل " وصفة أخرى " ويجوز كون (تحبونها) صفة، والخبر إما نصر، وإما محذوف، أي ولكم نعمة أخرى، ونصر: بدل أو خبر لمحذوف، وقول ابن [ ابن ] مالك بدر الدين في قول الحماسي: 811 - فارسا ما غادروه ملحما * [ غير زميل ولا نكس وكل ]

    [ 578 ]

    إنه من باب الاشتغال كقول أبى على في الآية، والظاهر أنه نصب على المدح لما قدمنا، وما في البيت زائدة، ولهذا أمكن أن يدعى أنه من باب الاشتغال. النوع الخامس: اشتراطهم الاضمار في بعض المعمولات، والاظهار في بعض، فمن الاول مجرور لولا ومجرور وحد، ولا يختصان بضمير خطاب ولا غيره، تقول: لولاى، ولولاك، ولولاه، ووحدى، ووحدك، ووحده، ومجرور لبى وسعدى وحناني، ويشترط لهن ضمير الخطاب، وشذ نحو قوله: 812 - [ دعوني ] فيا لبى إذ هدرت لهم * [ شقاشق أقوام فأسكتها هدرى ] وقول آخر: 813 - [ إنك لو دعوتني ودوني * زوراء ذات مترع بيون) * لقلت لبيه لمن يدعوني * كما شذت إضافتها إلى الظاهر في قوله: 814 - [ دعوت لما نابنى مسورا ] * فلبى فلبى يدى مسور ومن ذلك مرفوع خبر كاد وأخواتها إلا عسى، فتقول: كاد زيد يموت ولا تقول: يموت أبوه، ويجوز " عسى زيد أن يقوم، أو يقوم أبوه " فيرفع السببي، ولا يجوز رفعه الأجنبي نحو " عسى زيد أن يقوم عمرو عنده ". ومن ذلك مرفوع اسم التفضيل في غير مسألة الكحل، وهذا شرطه مع الاضمار الاستتار، وكذا مرفوع نحو قم وأقوم ونقوم وتقوم. ومن الثاني تأكيد الاسم المظهر، والنعت، والمنعوت، وعطف البيان، والمبين ومن الوهم في الاول قول بعضهم في " لولاى وموسى ": إن موسى يحتمل الجر، وهذا خطأ، لانه لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار، ولان لولا لا تجر الظاهر، فلو أعيدت لم تعمل الجر، فكيف ولم تعد ؟ هذه مسألة يحاجى بها فيقال ضمير مجرور لا يصح أن يعطف عليه اسم مجرور أعدت الجار أم لم تعده، وقولى

    [ 579 ]

    " مجرور " لانه يصح أن تعطف عليه اسما مرفوعا، لان " لولا " محكوم لها بحكم الحروف الزائدة، والزائد لا يقدح في كون الاسم مجردا من العوامل اللفظية، فكذا ما أشبه الزائد، وقول جماعة في قول هدبة: عسى الكرب الذى أمسيت فيه * يكون وراءه فرج قريب [ 247 ] إن فرجا اسم كان، والصواب أنه مبتدأ خبره الظرف، والجملة خبر كان، واسمها ضمير الكرب، وأما قوله: 815 - وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني * ثوبي، فأنهض نهض الشارب الثمل فتوبى، بدل اشتمال من تاء جعلت، لا فاعل يثقلني. ومن الوهم في الثاني قول أبى البقاء في (إن شانئك هو الابتر): إنه يجوز كون هو توكيدا وقد مضى، وقول الزمخشري في قوله تعالى (ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله) إذا قدرت أن مصدرية، وأنها وصلتها عطف بيان على الهاء، وقول النحويين في نحو (اسكن أنت وزوجك الجنة) إن العطف على الضمير المستتر، وقد رد ذلك ابن مالك وجعله من عطف الجمل، والاصل وليسكن زوجك، وكذا قال في (لا نخلفه نحن ولا أنت): إن التقدير ولا تخلفه أنت، لان مرفوع فعل الامر لا يكون ظاهرا، ومرفوع الفعل الضارع ذى النون لا يكون غير ضمير المتكلم، وجوز في قوله: 816 - نطوف ما نطوف ثم نأوى * ذوو الاموال منا والعديم إلى حفر أسافلهن جوف * وأعلاهن صفاح مقيم

    [ 580 ]

    كون ذوو فاعلا بفعل غيبة محذوف، أي يأوى ذوو الاموال، وكونه وما بعده توكيدا على حد " ضرب زيد الظهر والبطن ". تنبيه - من العوامل ما يعمل في الظاهر وفى المضمر بشرط استتاره وهو نعم وبئس، تقول " نعم الرجلان الزيدان، ونعم رجلين الزيدان " ولا يقال " نعما " إلا في لغية، أو بشرط إفراده وتذكيره وهو " رب " في الاصح. النوع السادس: اشتراطهم المفرد في بعض المعمولات، والجملة في بعض. فمن الاول الفاعل ونائبه وهو الصحيح، فأما (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض) فقد مر البحث فيهما ومن الثاني خبر أن المفتوحة إذا خففت، وخبر القول المحكى نحو " قولى لا إله إلا الله " وخرج بذكر المحكى قولك " قولى حق " وكذلك خبر ضمير الشأن، وعلى هذا فقوله تعالى (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) إذا قدر ضمير إنه للشأن لزم كون آثم خبرا مقدما وقلبه مبتدأ مؤخرا، وإذا قدر راجعا إلى اسم الشرط جاز ذلك، وأن يكون آثم الخبر وقلبه فاعل به، وخبر أفعال المقاربة ومن الوهم قول بعضهم في (فطفق مسحا بالسوق والاعناق) إن (مسحا) خبر طفق، والصواب أنه مصدر لخبر محذوف أي يمسح مسحا، وجواب الشرط، وجواب القسم (1) ومن الوهم قول الكسائي وأبى حاتم في نحو (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) إن اللام وما بعدها جواب، وقد مر البحث في ذلك، وقول بدر الدين ابن مالك في قوله تعالى (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) إن جواب الشرط محذوف، وإن تقديره: ذهبت نفسك عليهم حسرة، بدليل (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) أو كمن هداه الله، بدليل (فإن الله يضل من يشاء

    (1) هذا معطوف على قوله " خبر أن " في قوله فيما مضى " ومن الثاني خبر أن المفتوحة - إلخ " يعنى أن جواب الشرط وجواب القسم مما اشترطوا فيه أن يكون جملة (*)

    [ 581 ]

    ويهدى من يشاء)، والتقدير الثاني باطل: ويجب عليه كون من موصولة، وقد يتوهم أن مثل هذا قول صاحب اللوامح - وهو أبو الفضل الرازي - فإنه قال في قوله تعالى: (أمن خلق السموات والارض) لابد من إضمار جملة معادلة، والتقدير كمن لا يخلق - اه‍. وإنما هذا مبنى على تسمية جماعة منهم الزمخشري في مفصلة الظرف من نحو " زيد في الدار " جملة ظرفية، لكونه عندهم خلفا عن جملة مقدرة، ولا يعتذر بمثل هذا عن ابن مالك، فإن الظرف لا يكون جوابا، وإن قلنا إنه جملة. النوع السابع: اشتراط الجملة الفعلية في بعض المواضع، والاسمية في بعض ومن الاول جملة الشرط غير لولا وجملة جواب لو ولولا ولوما، والجملتان بعد لما، والجمل التالية أحرف التحضيض، وجملة أخبار أفعال المقاربة، وخبر أن المفتوحة بعد لو عند الزمخشري ومتابعيه نحو (ولو أنهم آمنوا). ومن الثاني الجملة بعد " إذا " الفجائية، و " ليتما " على الصحيح فيهما. ومن الوهم في الاول أن يقول من لا يذهب إلى قول الاخفش والكوفيين في نحو (وإن امرأة خافت) (وإن أحد من المشركين استجارك) و (إذا السماء انشقت): إن المرفوع مبتدأ، وذلك خطأ، لانه خلاف قول من اعتمد عليهم، وإنما قاله سهوا، واما إذا قال ذلك الاخفش أو الكوفى فلا يعد ذلك الاعراب خطأ، لان هذا مذهب ذهبوا إليه ولم يقولوه سهوا عن قاعدة، نعم الصواب خلاف قولهم في أصل المسألة، وأجازوا أن يكون المرفوع محمولا على إضمار فعل كما يقول الجمهور، وأجاز الكوفيون وجها ثالثا، وهو أن يكون فاعلا بالفعل المذكور على التقديم والتأخير، مستدلين على جواز ذلك بنحو قول الزباء:

    [ 582 ]

    817 - ما للجمال مشيها وئيدا * [ أجندلا يحملن أم حديدا ] فيمن رفع " مشيها " وذلك عند الجماعة مبتدأ حذف خبره وبقى معمول الخبر، أي مشيها يكون وئيدا أو يوجد وئيدا، ولا يكون بدل بعض من الضمير المستتر في الظرف كما كان فيمن جره بدل اشتمال من الجمال، لانه عائد على " ما " الاستفهامية، ومتى أبدل اسم من اسم استفهام وجب اقتران البدل بهمزة الاستفهام، فكذلك حكم ضمير الاستفهام، ولانه لا ضمير فيه راجع إلى المبدل منه. ومن ذلك قول بعضهم في بيت الكتاب: [ صددت فأطولت الصدود ] وقلما * وصال على طول الصدود يدوم [ 509 ] إن " وصال " مبتدأ، والصواب أنه فاعل بيدوم محذوفا مفسرا بالمذكور، وقول آخر في نحو " آتيك يوم زيدا تلقاه ": إنه يجوز في زيد الرفع بالابتداء، وذلك خطأ عند سيبويه، لان الزمن المبهم المستقبل يحمل على إذا في أنه لا يضاف إلى الجملة الاسمية، وأما قوله تعالى (يوم هم بارزون) فقد مضى أن الزمن هنا محمول على إذ، لا على إذا، وأنه لتحققه نزل منزلة الماضي، وأما جواب ابن عصفور عن سيبويه بأنه إنما يوجب ذلك في الظروف، واليوم هنا بدل من المفعول به وهو (يوم التلاق) في قوله تعالى (لتنذر يوم التلاق) فمردود، وإنما ذلك في اسم الزمان ظرفا كان أو غيره، ثم هذا الجواب لا يتأتى له في قوله: وكن لى شفيعا يوم لا ذو شفاعة * بمغن فتيلا عن سواد بن قارب [ 659 ] ومن الوهم أيضا قول بعضهم في قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) بعد ما جزم بأن (من) شرطية: إنه يجوز كون الجملة الاسمية

    [ 583 ]

    معطوفة على (كان) وما بعدها، ويرده أن جملة الشرط لا تكون اسمية، فكذا المعطوف عليها، على أنه لو قدر من موصولة لم يصح قوله أيضا، لان الفاء لا تدخل في الخبر إذا كانت الصلة جملة اسمية، لعدم شبهه حينئذ باسم الشرط، وقول ابن طاهر في قوله: 818 - فإن لا مال أعطيه فإنى * صديق من غدو أو رواح وقول آخرين في قول الشاعر: ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة * إلى، فهلا نفس ليلى شفيعها [ 109 ] إن ما بعد إن لا وهلا جملة اسمية نابت عن الجملة الفعلية، والصواب أن التقدير في الاولى فإن أكن، وفى الثانية فهلا كان، أي الامر والشأن، والجملة الاسمية فيهما خبر. ومن ذلك قول جماعة منهم الزمخشري في (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير): إن الجملة الاسمية جواب لو، والاولى أن يقدر الجواب محذوفا، أي لكان خيرا لهم، أو أن يقدر " لو " بمنزلة ليت في إفادة التمنى، فلا تحتاج إلى جواب. ومن ذلك قول جماعة منهم ابن مالك في قوله تعالى: (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد): إن الجملة جواب لما، والظاهر أن الجواب جملة فعلية محذوفة، أي انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم غير ذلك، ويؤيد هذا أن جواب لما لا يقترن بالفاء. ومن الوهم في الثاني تجويز كثير من النحويين الاشتغال في نحو " خرجت

    [ 584 ]

    فإذا زيد يضربه عمرو " ومن العجب أن ابن الحاجب أجاز ذلك في كافيته مع قوله فيها في بحث الظروف: وقد تكون للمفاجأة فيلزم المبتدأ بعدها، وأجاز ابن أبى الربيع في " ليتما زيدا أضربه " أن يكون انتصاب " زيدا " على الاشتغال كالنصب في " إنما زيدا أضربه " والصواب أن انتصابه بليت، لانه لم يسمع نحو " ليتما قام زيد " كما سمع " إنما قام زيد ". تنبيه - اعترض الرازي على الزمخشري في قوله تعالى: (والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون): إن الجملة معطوفة على (وينجى الله الذين اتقوا) بأن الاسمية لا تعطف على الفعلية، وقد مر أن تخالف الجملتين في الاسمية والفعلية لا يمنع التعاطف، وقال بعض المتأخرين في تجويز أبى البقاء في قوله تعالى: (منهم من كلم الله): إنه يجوز كون الجملة الاسمية بدلا من (فضلنا بعضهم على بعض): هذا مردود، لان الاسمية لا تبدل من الفعلية، اه‍. ولم يقم دليل على امتناع ذلك. النوع الثامن: اشتراطهم في بعض الجمل الخبرية، وفى بعضها الانشائية. فالاول كثير كالصلة، والصفة، والحال، والجملة الواقعة خبرا لكان، أو خبرا لان أو لضمير الشأن، قيل: أو خبرا للمبتدأ، أو جوابا للقسم غير الاستعطافي. ومن الثاني جواب القسم الاستعطافي كقوله: 819 - بريك هل ضممت إليك ليلى * [ قبيل الصبح أو قبلت فاها ؟ ] وقوله: 820 - بعيشك يا سلمى ارحمى ذا صبابة * [ أبى غير ما يرضيك في السر والجهر ] وما ورد على خلاف ما ذكر مؤول، فمن الاول قوله:

    [ 585 ]

    وإنى لراج نظرة قبل التى * لعلى - وإن شطت نواها - أزورها [ 622 ] وتخريجه على إضمار القول، أي قبل التى أقول لعلى، أو على أن الصلة أزورها وخبر لعل محذوف، والجملة معترضة، أي لعلى أفعل ذلك، وقوله: * جاؤا بمذق هل رأيت الذئب قط * [ 405 ] وقوله: 821 - * فإنما أنت أخ لا نعدمه * وتخريجهما على إضمار القول، أي أخ مقول فيه لا جعلنا الله نعدمه، وبمذق مقول عند رؤيته ذلك، وقول أبى الدرداء رضى الله عنه " وجدت الناس أخبر تقله " أي صادفت الناس مقولا فيهم ذلك، وقوله: 822 - وكوني بالمكارم ذكريني * ودلى دل ماجدة صناع والجملة في هذا مؤولة بالجملة الخبرية، أي وكوني تذكرينني، مثل قوله تعالى: (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) أي فيمد، وقوله: 823 - إن الذين قتلتم أمس سيدهم * لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما وقوله: 824 - إنى إذا ما القوم كانوا أنجيه * واضطرب القوم اضطراب الارشيه * هناك أوصيني ولا توصى بيه * وينبغى أن يستثنى من منع ذلك في خبرى إن وضمير الشأن خبر أن المفتوحة إذا

    [ 586 ]

    خففت: فإنه يجوز أن يكون جملة دعائية كقوله تعالى: (والخامسة أن غضب الله عليها) في قراءة من قرأ أن بالتخفيف وغضب بالفعل والله فاعل، وقولهم " أما أن جزاك الله خيرا " فيمن فتح الهمزة، وإذا لم نلتزم قول الجمهور في وجوب كون اسم [ أن ] هذه ضمير شأن فلا استثناء بالنسبة إلى ضمير الشأن، إذ يمكن أن يقدر والخامسة أنها، وأما أنك، وأما (نودى أن بورك من في النار) فيجوز كون أن تفسيرية. ومن الوهم في هذا الباب قول بعضهم في قوله تعالى: (وانظر إلى العظام كيف ننشزها): إن جملة الاستفهام حال من العظام، والصواب أن كيف وحدها حال من مفعول ننشز، وأن الجملة بدل من العظام، ولا يلزم من جواز كون الحال المفردة استفهاما جواز ذلك في الجملة، لان الحال كالخبر وقد جاز بالاتفاق نحو " كيف زيد " واختلف في نحو " زيد كيف هو " وقول آخرين إن جملة الاستفهام حال في نحو " عرفت زيدا أبو من هو " وقد مر. واعلم أن النظر البصري يعلق فعله كالنظر القلبى، قال تعالى: (فلينظر أيها أزكى طعاما)، وقال سبحانه وتعالى: (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض). ومن ذلك قول الامين المحلى فيما رأيت بخطه: إن الجملة التى بعد الواو من قوله: اطلب ولا تضجر من مطلب * [ فآفة الطالب أن يضجرا ] [ 637 ] حالية، وإن " لا " ناهية، والصواب أن الواو للعطف، ثم الاصح أن الفتحة إعراب مثلها في " لا تأكل السمك وتشرب للبن " لا بناء لاجل نون توكيد خفيفة محذوفة. النون التاسع: اشتراطهم لبعض الاسماء أن يوصف، ولبعضها أن لا يوصف فمن الاول مجرور رب إذا كان ظاهرا، وأى في النداء، والجماء في قولهم " جاؤا الجماء

    [ 587 ]

    الغفير " وما وطئ به من خبر أو صفة أو حال، نحو " زيد رجل صالح، ومررت يزيد الرجل الصالح " ومنه (بل أنتم قوم تفتنون) (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن) إلى قوله تعالى (قرآنا عربيا) وقول الشاعر: 825 - أأكرم من ليلى على فتبتغي * به الجاه أم كنت امرأ لا أطيعها ؟ ومن ثم أبطل أبو على كون الظرف من قول الاعشى: 826 - رب رفد هرقته ذلك اليو * م وأسرى من معشر أقيال متعلقا بأسرى، لئلا يخلو ما عطف على مجرور رب من صفة، قال: وأما قوله فيا رب يوم قد لهوت وليلة * بآنسة كأنها خط تمثال [ 206 ] فعلى أن صفة الثاني محذوفة مدلول عليها بصفة الاول، ولا يتأتى ذلك هنا، وقد يجوز ذلك هنا، لان الاراقة إتلاف، فقد تجعل دليلا عليه. ومن الثاني فاعلا نعم وبئس والاسماء المتوغلة في شبه الحرف إلا من وما النكرتين فإنهما يوصفان نحو " مررت بمن معجب لك، وبما معجب لك " وألحق بهما الاخفش أيا نحو " مررت بأى معجب لك " وهو قوى في القياس، لانها معربة، ومن ذلك الضمير، وجوز الكسائي نعته إن كان لغائب والنعت لغير التوضيح، نحو (قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب) ونحو (لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) فقدر (علام) نعتا للضمير المستتر في (يقذف بالحق) و (الرحمن الرحيم) نعتين لهو، وأجاز غير الفارسى وابن السراج نعت فاعلي نعم وبئس تمسكا بقوله: 827 - نعم الفتى المرى أنت إذا هم * حضروا لدى الحجرات نار الموقد وحمله الفارسى وابن السراج على البدل، وقال ابن مالك: يمتنع نعته إذا قصد بالنعت التخصيص مع إقامة الفاعل مقام الجنس، لان تخصيصه حينئذ مناف لذلك القصد، فأما إذا تؤول بالجامع لاكمل الخصال فلا مانع من نعته حينئذ، لامكان أن

    [ 588 ]

    ينوى في النعت ما نوى في المنعوت، وعلى هذا يحمل البيت، اه‍. وقال الزمخشري وأبو البقاء في (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن): إن الجملة بعدكم صفة لها، والصواب أنها صفة لقرن، وجمع الضمير حملا على معناه، كما جمع وصف جميع في نحو (وإن كل لما جميع لدينا محضرون). النوع العاشر: تخصيصهم جواز وصف بعض الاسماء بمكان دون آخر، كالعامل من وصف ومصدر، فإنه لا يوصف قبل العمل ويوصف بعده، وكالموصول فإنه لا يوصف قبل تمام صلته ويوصف بعد تمامها، وتعميمهم الجواز في البعض، وذلك هو الغالب. ومن الوهم في الاول قول بعضهم في قول الحطيئة: 828 - أزمعت يأسا مبينا من نوالكم * ولن ترى طاردا للحر كالياس إن " من " متعلقة بيأسا، والصواب أن تعلها بيئست محذوفا، لان المصدر لا يوصف قبل أن يأتي معموله. وقال أبو البقاء في (ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا): لا يكون يبتغون نعتا لآمين: لان اسم الفاعل إذا وصف لم يعمل في الاختيار، بل هو حال من آمين، اه‍. وهذا قول ضعيف، والصحيح جواز الوصف بعد العمل النوع الحادى عشر: إجازتهم في بعض أخبار النواسخ أن يتصل بالناسخ نحو " كان قائما زيد " ومنع ذلك في البعض نحو " إن زيدا قائم ". ومن الوهم في هذا قول المبرد في قولهم " إن من أفضلهم كان زيدا " إنه لا يجب أن يحمل على زيادة كان كما قال سيبويه، بل يجوز أن تقدر كان ناقصة واسمها ضمير زيد، لانه متقدم رتبة، إذ هو اسم إن، ومن أفضلهم: خبر كان، وكان ومعمولاها خبر إن، فلزمه تقديم خبر إن على اسمها مع أنه ليس ظرفا ولا مجرورا، وهذا لا يجيزه أحد.

    [ 589 ]

    النوع الثاني عشر: إيجابهم لبعض معمولات الفعل وشبهه أن يتقدم كالاستفهام والشرط وكم الخبرية نحو (فأى آيات الله تنكرون) (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (أيما الاجلين قضيت) ولهذا قدر ضمير الشأن في قوله: إن من يدخل الكنبسة يوما * يلق فيها جآذرا وظباء [ 48 ] ولبعضها أن يتأخر: إما لذاته كالفاعل ونائبه ومشبهه، أو لضعف الفعل كمفعول التعجب نحو " ما أحسن زيدا " أو لعارض معنوى أو لفظي وذلك كالمفعول في نحو " ضرب موسى عيسى " فإن تقديمه يوهم أنه مبتدأ وأن الفعل مسند إلى ضميره، وكالمفعول الذى هو أي الموصولة نحو " سأكرم أيهم جاءني " كأنهم قصدوا الفرق بينها وبين أي الشرطية والاستفهامية، والمفعول الذى هو أن وصلتها نحو " عرفت أنك فاضل " كرهوا الابتداء بأن المفتوحة لئلا يلتبس بأن التى بمعنى لعل، وإذا كان المبتدأ الذى أصله التقديم يجب تأخره إذا كان أن وصلتها نحو (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم) فأن يجب تأخر المفعول الذى أصله التأخير نحو (ولا تخافون أنكم أشركتم) أحق وأولى، وكمعمول عامل اقترن بلام الابتداء أو القسم، أو حرف الاستثناء، أو ما النافية، أولا في جواب القسم. ومن الوهم الاول قول ابن عصفور في (أو لم يهد لهم كم أهلكنا): إن كم فاعل يهد، فإن قلت: خرجه على لغة حكاها الاخفش، وهى أن بعض العرب لا يلتزم صدرية كم الخبرية، قلت: قد اعترف برداءتها، فتخريج التنزيل عليها بعد ذلك رداءة، والصواب أن الفاعل مستتر راجع إلى الله سبحانه وتعالى، أي أو لم يبين الله لهم، أو إلى الهدى، والاول قول أبى البقاء، والثانى قول الزجاج، وقال الزمخشري: الفاعل الجملة، وقد مر أن الفاعل لا يكون جملة، وكم مفعول أهلكنا، والجملة مفعول يهد، وهو معلق عنها، وكم الخبرية تعلق خلافا لاكثرهم ومن الوهم في الثاني قول بعضهم في بيت الكتاب:

    [ 590 ]

    [ صددت فأطولت الصدود ] وقلما * وصال على طول الصدود يدوم [ 509 ] إن " وصال " فاعل بيدوم، وفى بيت الكتاب أيضا: 829 - [ فإنك لا تبالي بعد حول * أظبى كان أمك أم حمار إن " ظبى " اسم كان، والصواب أن " وصال " فاعل يدوم محذوفا مدلولا عليه بالمذكور، وأن " ظبى " اسم لكان محذوفة مفسرة بكان المذكورة، أو مبتدأ، والاول أولى، لان همزة الاستفهام بالجمل الفعلية أولى منها بالاسمية، وعليهما فاسم كان ضمير راجع إليه، وقول سيبويه " إنه أخبر عن النكرة بالمعرفة " واضح على الاول، لان ظبيا المذكور اسم كان، وخبره " أمك " وأما على الثاني فخبر ظبى إنما هو الجملة، والجمل نكرات، ولكن يكون محل الاستشهاد قوله " كان أمك " على أن ضمير 7 النكرة عنده نكرة لا على أن الاسم مقدم. وقول بعضهم في قوله تعالى (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا): إن (عنه) مرفوع المحل بمسؤلا، والصواب أن اسم كان ضمير المكلف وإن لم يجر له ذكر، وأن المرفوع بمسؤلا مستتر فيه راجع إليه أيضا، وأن (عنه) في موضع نصب وقول بعضهم في قوله: * آليت حب العراق الدهر أطعمه * [ 139 ] إنه من باب الاشتغال، لا على إسقاط على كما قال سيبويه، وذلك مردود: لان " أطعمه " بتقدير لا أطعمه. وقول الفراء في (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم) فيمن خفف إن: إنه أيضا من باب الاشتغال مع قوله إن اللام بمعنى إلا، وإن نافية ولا يجوز بالاجماع أن يعمل ما بعد إلا فيما قبلها، على أن هنا مانعا آخر وهو لام القسم، وأما قوله تعالى (ويقول الانسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا) فإن إذا ظرف لاخرج، وإنما جاز تقديم الظرف على لام القسم لتوسعهم في الظرف، ومنه قوله:

    [ 591 ]

    رضيعى لبان ثدى أم تحالفا * بأسحم داج عوض لا نتفرق [ 244 ] أي لا نتفرق أبدا، ولا النافية لها الصدر في جواب القسم، وقيل: العامل محذوف، أي أئذا ما مت أبعث لسوف أخرج. النوع الثالث عشر: منعهم من حذف بعض الكلمات، وإيجابهم حذف بعضها، فمن الاول الفاعل، ونائبه، والجار الباقي عمله، إلا في مواضع نحو قولهم " الله لافعلن " و " بكم درهم اشتريت " أي والله، وبكم من درهم. ومن الثاني أحد معمولي " لات ". ومن الوهم في الاول قول ابن مالك في أفعال الاستثناء نحو " قاموا ليس زيدا، ولا يكون زيدا، وما خلا زيدا ": إن مرفوعهن محذوف، وهو كلمة بعض مضافة إلى ضمير من تقدم، والصواب أنه مضمر عائد إما على البعض المفهوم من الجمع السابق كما عاد الضمير من قوله تعالى (فإن كن نساء) على البنات المفهومة من الاولاد (في يوصيكم الله في أولادكم) وإما على اسم الفاعل المفهوم من الفعل، أي لا يكون هو - أي القائم - زيدا، كما جاء " لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " وإما على المصدر المفهوم من الفعل، وذلك في غير ليس ولا يكون، تقول " قاموا خلا زيدا " أي جانب هو - أي قيامهم - زيدا. ومن ذلك قول كثير من المعربين والمفسرين في فواتح السور: إنه يجوز كونها في موضع جر بإسقاط حرف القسم. وهذا مردود بأن ذلك مختص عند البصريين باسم الله سبحانه وتعالى، وبأنه لا أجوبة للقسم في سورة البقرة وآل عمران ويونس وهود ونحوهن، ولا يصح أن يقال: قدر (ذلك الكتاب) في البقرة، و (الله لا إله إلا هو) في آل عمران جوابا، وحذفت اللام من الجملة الاسمية كحذفها في قوله: 830 - ورب السموات العلي وبروجها * والارض وما فيها المقدر كائن

    [ 592 ]

    وقول ابن مسعود " والله الذى لا إله غيره هذا مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة " لان ذلك - على قلته - مخصوص باستطالة القسم. ومن الوهم في الثاني قول ابن عصفور في قوله: 831 - حنت نوار ولات هنا حنت * [ وبدا الذى كانت نوار أجنت ] إن هنا اسم لات، وحنت خبرها بتقدير مضاف، أي وقت حنت، فاقتضى إعرابه الجمع بين معموليها، وإخراج هنا عن الظرفية، وإعمال لات في معرفة ظاهرة وفى غير الزمان وهو الجملة النائبة عن المضاف، وحذف المضاف إلى الجملة، والاولى قول الفارسى إن " لات " مهملة، وهنا خبر مقدم، وحنت مبتدأ مؤخر بتقدير أن مثل " تسمع بالمعيدى خير من أن تراه ". النوع الرابع عشر: تجويزهم في الشعر ما لا يجوز في النثر، وذلك كثير، وقد أفرد بالتصنيف، وعكسه، وهو غريب جدا، وذلك بدلا الغلط والنسيان زعم بعض القدماء أنه لا يجوز في الشعر، لانه يقع غالبا عن ترو وفكر. النوع الخامس عشر: اشتراطهم وجود الرابط في بعض المواضع، وفقده في بعض، فالاول قد مضى مشروحا. والثانى الجملة المضاف إليها نحو " يوم قام زيد " فأما قوله: 832 - وتخن ليلة لا يستطيع * نباحا بها الكلب إلا هريرا وقوله: 833 - مضت سنة لعام ولدت فيه * وعشر بعد ذاك وحجتان فنادر، وهذا الحكم خفى على أكثر النحويين، والصواب في مثل قولك " أعجبني يوم ولدت فيه " تنوين اليوم، وجعل الجملة بعده صفة له، وكذلك " أجمع " وما يتصرف منه في باب التوكيد، يجب تجريده من ضمير المؤكد، وأما قولهم " جاء

    [ 593 ]

    القوم بأجمعهم " فهو بضم الميم لا بفتحها، وهو جمع لقولك جمع، على حد قولهم فلس وأفلس، والمعنى جاءوا بجماعتهم، ولو كان توكيدا لكانت الباء فيه زائدة مثلها في قوله: 834 - هذا وجدكم الصغار بعينه * [ لا أم لى إن كان ذاك ولا أب ] فكان يصح إسقاطها. النوع السادس عشر: اشتراطهم لبناء بعض الاسماء أن تقطع عن الاضافة كقبل وبعد وغير، ولبناء بعضها أن تكون مضافة، وذلك أي الموصولة، فإنها لا تبنى إلا إذا أضيفت وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا نحو (أيهم أشد). ومن الوهم في ذلك قول ابن الطراوة (هم أشد) مبتدأ وخبر، وأى مبنية مقطوعة عن الاضافة، وهذا مخالف لرسم المصحف ولاجماع النحويين. * * * الجهة السابعة: أن يحمل كلاما على شئ، ويشهد استعمال آخر في نظير ذلك الموضع بخلافه، وله أمثلة: أحدها: قول الزمخشري في (مخرج الميت من الحى) إنه عطف على (فالق الحب والنوى) ولم يجعله معطوفا على (يخرج الحى من الميت)، لان عطف الاسم على الاسم أولى، ولكن مجئ قوله تعالى (يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى) بالفعل فيهما يدل على خلاف ذلك. الثاني: قول مكى وغيره في قوله تعالى (ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا): إن جملة (يضل) صفة لمثلا أو مستأنفة، والصواب الثاني، لقوله تعالى في سورة المدثر (ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء). الثالث: قول بعضهم في (ذلك الكتاب لا ريب): إن الوقف هنا على (ريب) ويبتدئ (فيه هدى) ويدل على خلاف ذلك قوله تعالى في سورة السجدة (ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين).

    [ 594 ]

    الرابع: قول بعضهم في (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الامور): إن الرابط الاشارة، وإن الصابر والغافر جعلا من عزم الامور مبالغة، والصواب أن الاشارة للصبر والغفران، بدليل (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور) ولم يقل إنكم. الخامس: قولهم في (أين شركائي الذين كنتم تزعمون): إن التقدير تزعمونهم شركاء، والاولى أن يقدر تزعمون أنهم شركاء، بدليل (وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء) ولان الغالب على " زعم " أن لا يقع على المفعولين صريحا، بل على أن وصلتها، ولم يقع في التنزيل إلا كذلك. ومثله في هذا الحكم " تعلم " كقوله: 835 - تعلم رسول الله أنك مدركى * [ وأن وعيدا منك كالاخذ باليد ] ومن القليل فيهما قوله: 836 - زعمتني شيخا ولست بشيخ * [ إنما الشيخ من يدب دبيبا ] وقوله: 837 - تعلم شفاء النفس قهر عدوها * [ فبالغ بلطف في التحيل والمكر ] وعكسهما في ذلك هب بمعنى ظن، فالغالب تعديه إلى صريح المفعولين كقوله: 838 -
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا] Empty رد: مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري [كاملا]

    مُساهمة من طرف أحمد السبت أبريل 13, 2013 6:14 am

    [ 632 ]

    وقد مر تجويز ابن عصفور الوجهين في " لعمرك لافعلن، وأيمن الله لافعلن " وغيره جزم بأن ذلك من حذف الخبر، وفى " نعم الرجل زيد " وغيره جزم بأنه إذا جعل على الحذف كان من حذف المبتدأ. حذف الفعل وحده أو مع مضمر مرفوع أو منصوب، أو معهما يطرد حذفه مفسرا نحو (وإن أحد من المشركين استجارك) (إذا السماء انشقت) (قل لو أنتم تملكون) والاصل: لو تملكون تملكون، فلما حذف الفعل انفصل الضمير، قاله الزمخشري وأبو البقاء وأهل البيان، وعن البصريين أنه لا يجوز " لو زيد قام " إلا في الشعر أو الندور نحو " لو ذات سوار لطمتنى " وقيل: الاصل لو كنتم، فحذفت كان دون اسمها، وقيل: لو كنتم أنتم، فحذفا مثل " التمس ولو خاتما من حديد " وبقى التوكيد. ويكثر في جواب الاستفهام نحو (ليقولن الله) أي ليقولن خلقهن الله (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا). وأكثر من ذلك كله حذف القول، نحو (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) حتى قال أبو على: حذف القول من حديث البحر قل ولا حرج. ويأتى حذف الفعل في غير ذلك نحو (انتهوا خيرا لكم) أي وأتوا خيرا، وقال الكسائي: يكن الانتهاء خيرا، وقال الفراء: الكلام جملة واحدة، وخيرا: نعت لمصدر محذوف، أي انتهاءا خيرا (والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم) أي واعتقدوا الايمان من قبل هجرتهم. وقال: 869 - علفتها تبنا وماءا باردا * [ حتى شتت همالة عيناها ] فقيل: التقدير وسقيتها، وقيل: لا حذف، بل ضمن علفتها معنى أنلتها وأعطيتها وألزموا صحة نحو " علفتها ماءا باردا وتبنا " فالتزموه محتجين بقول طرفة: 870 - أعمرو بن هند ما ترى رأى صرمة ] * لها سبب ترعى به الماء والشجر

    [ 633 ]

    وقالوا " الحمد لله أهل الحمد " بإضمار أمدح، وفى التنزيل (وامرأته حمالة الحطب) بإضمار أذم، ونظائره كثيرة، وقالوا " أما أنت منطلقا انطلقت " أي لان كنت منطلقا انطلقت، وقالوا " لا أكلمه ما أن حراء مكانه، وما أن في السماء نجما " أي ما ثبت، ويروى " نجم " بالرفع، فأن: فعل ماض بمعنى عرض، وأصله عن. حذف المفعول يكثر بعد " لو شئت " نحو (فلو شاء الله لهداكم أجمعين) أي فلو شاء هدايتكم، وبعد نفى العلم ونحوه، نحو (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) أي أنهم سفهاء (ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) وعائدا على الموصول نحو (أهذا الذى بعث الله رسولا) وحذف عائد الموصوف دون ذلك كقوله: [ حميت حمى تهامة بعد نجد ] * وما شئ حميت بمستباح [ 145 ] وعائد المخبر عنه دونهما كقوله: * على ذنبا كله لم أصنع * [ 332 ] وقوله: * فثوب لبست وثوب أجر (1) * [ 719 ] وجاء في غير ذلك، نحو (فمن لم يجد فصيام شهرين) (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) أي فمن لم يجد الرقبة، فمن لم يستطع الصوم. ومن غريبه حذف المقول وبقاء القول نحو (قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم) أي هو سحر، بدليل (أسحر هذا) ويكثر حذفه في الفواصل نحو (وما قلى) (ولا تخشى) ويجوز حذف مفعولي أعطى نحو (فأما من أعطى) وثانيهما فقط نحو

    (1) رواه المؤلف فيما مضى (ص 472) " فثوب نسيت " وشرحه وذكر له نظيرا في المعنى. (*)

    [ 634 ]

    (ولسوف يعطيك ربك)، وأولهما فقط، خلافا للسهيلي، نحو (حتى يعطوا الجزية). حذف الحال أكثر ما يرد ذلك إذا كان قولا أغنى عنه المقول نحو (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) أي قائلين ذلك، ومثله (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا) ويحتمل أن الواو للحال وأن القول المحذوف خبر، أي وإسماعيل يقول، كما أن القول حذف خبرا للموصول في (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا) ويحتمل أن الخبر هنا (إن الله يحكم بينهم) فالقول المحذوف نصب [ على الحال ] أو رفع خبرا أول، أو لا موضع له، لانه بدل من الصلة، هذا كله إن كان (الذين) للكفار، والعائد الواو، فإن كان للمعبودين عيسى والملائكة والاصنام والعائد محذوف - أي اتخذوهم - فالخبر (إن الله يحكم بينهم) وجملة القول حال أو بدل. حذف التمييز نحو " كم صمت " أي كم يوما، وقال تعالى (عليها تسعة عشر) (إن يكن منكم عشرون صابرون) وهو شاذ في باب نعم نحو " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت " أي فبالرخصة أخذ ونعمت رخصة. حذف الاستثناء. وذلك بعد إلا وغير المسبوقين بليس، يقال: قبضت عشرة ليس إلا، أو ليس غير، وقد تقدم، وأجاز بعضهم ذلك بعد لم يكن، وليس بمسموع.

    [ 635 ]

    حذف حرف العطف بابه الشعر كقول الحطيئة: 871 - إن امرأ رهطه بالشام منزله * برمل يبرين جارا شد ما اغتربا أي ومنزله برمل يبرين، كذا قالوا، ولك أن تقول: الجملة الثانية صفة ثانية، لا معطوفة، وحكى أبو زيد " أكلت خبزا لحما تمرا " فقيل: على حذف الواو، وقيل: على بدل الاضراب، وحكى أبو الحسن " أعطه درهما درهمين ثلاثة " وخرج على إضمار أو، ويحتمل البدل المذكور، وقد خرج على ذلك آيات، إحداها (وجوه يومئذ ناعمة) أي ووجوه، عطف على (وجوه يومئذ خاشعة)، والثانية (أن الدين عند الله الاسلام) فيمن فتح الهمزة، أي وأن الدين، عطف على (أنه لا إله إلا هو) ويبعده أن فيه فصلا بين المتعاطفين المرفوعين بالمنصوب، وبين المنصوبين بالمرفوع، وقيل: بدل من أن الاولى وصلتها، أو من القسط، أو معمول للحكيم على أن أصله الحاكم ثم حول للمبالغة، والثالثة (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد) أي وقلت: وقيل: بل هو الجواب، و (تولوا) جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فما حالهم إذ ذاك ؟ وقيل: (تولوا) حال على إضمار قد، وأجاز الزمخشري أن يكون (قلت) استئنافا، أي إذا ما أتوك لتحملهم تولوا، ثم قدر أنه قيل: لم تولوا باكين ؟ فقيل: (قلت لا أجد ما أحملكم عليه) ثم وسط بين الشرط والجزاء. حذف فاء الجواب هو مختص بالضرورة، كقوله:

    [ 636 ]

    * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [ 81 ] وقد مر أن أبا الحسن خرج عليه (إن ترك خيرا الوصية للوالدين). حذف واو الحال تقدم في قوله: نصف النهار الماء غامره * [ ورفيقه بالغيب لا يدرى ] [ 748 ] أي انتصف النهار والحال أن الماء غامر هذا الغائص. حذف قد زعم البصريون أن الفعل الماضي الواقع حالا لابد معه من " قد " ظاهرة نحو (وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم) أو مضمرة نحو (أنؤمن لك واتبعك الارذلون) (أو جاؤكم حصرت صدورهم) وخالفهم الكوفيون، واشترطوا ذلك في الماضي الواقع خبرا لكان كقوله عليه الصلاة والسلام لبعض أصحابه " أليس قد صليت معنا "، وقول الشاعر: 872 - وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة * عشية لاقينا جذاما وحميرا وخالفهم البصريون. وأجاز بعضهم " إن زيدا لقام " على إضمار قد، وقال الجميع: حق الماضي المثبت المجاب به القسم أن يقرن باللام وقد نحو (تالله لقد آثرك الله علينا) وقيل في (قتل أصحاب الاخدود) إنه جواب للقسم على إضمار اللام وقد جميعا للطول، وقال: حلفت لها بالله حلفة فاجر * لناموا، فما إن من حديث ولا صال [ 288 ]

    [ 637 ]

    فأضمر " قد " وأما (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون) فزعم قوم أنه من ذلك، وهو سهو، لان ظلوا مستقبل، لانه مرتب على الشرط وساد مسد جوابه، فلا سبيل فيه إلى قد، إذ المعنى ليظلن، ولكن النون لا تدخل على الماضي. حذف لا التبرئة حكى الاخفش " لا رجل وامرأة " بالفتح، وأصله ولا امرأة، فحذفت لا وبقى البناء للتركيب بحاله. حذف لا النافية وغيرها يطرد ذلك في جواب القسم إذا كان المنفى مضارعا نحو (تالله تفتؤ تذكر يوسف) وقوله: 873 - فقلت: يمين الله أبرح قاعدا * [ ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ] ويقل من الماضي كقوله: 874 - فإن شئت آليت بين المقا * م والركن والحجر الاسود نسيتك ما دام عقلي معى * أمد به أمد السرمد ويسهله تقدم لا على القسم كقوله: 875 - فلا والله نادى الحى قومي * [ طوال الدهر ما دعى الهديل ] وسمع بدون القسم كقوله: 876 - وقولى إذا ما أطلقوا عن بعيرهم: * يلاقونه حتى يؤوب المنخل

    [ 638 ]

    وقد قيل به في (يبين الله لكم أن تضلوا) أي لئلا، وقيل: المحذوف مضاف، أي كراهة أن تضلوا. حذف ما النافية ذكر ابن معطى ذلك في جواب القسم، فقال في ألفيته: وإن أتى الجواب منفيا بلا * أو ما كقولي والسما ما فعلا فإنه يجوز حذف الحرف * إن أمن الالباس حال الحذف قال ابن الخباز: وما رأيت في كتب النحو إلا حذف لا، وقال لى شيخنا: لا يجوز حذف ما، لان التصرف في لا أكثر من التصرف في ما، انتهى. وأنشد ابن مالك: 877 - فوالله ما نلتم وما نيل منكم * بمعتدل وفق ولا متقارب وقال: أصله ما ما نلتم، ثم في بعض كتبه قدر المحذوف " ما " النافية، وفى بعضها قدره ما الموصولة. حذف ما المصدرية قاله أبو الفتح في قوله: بآية يقدمون الخيل شئنا * [ كأن على سنابكها مداما [ 661 ] والصواب أن آية مضافة إلى الجملة كما مر، وعكسه قول سيبويه في قوله: [ ألا من مبلغ عنى تميما ] * بآية ما تحبون الطعاما [ 663 ] إن ما زائدة، والصواب أنها مصدرية.

    [ 639 ]

    حذف كى المصدرية أجازه السيرافي نحو " جئت لتكرمني " وإنما يقدر الجمهور هنا " أن " بعينها، لانها أم الباب، فهى أولى بالتجوز حذف أداة الاستثناء لا أعلم أن أحدا أجازه، إلا أن السهيلي قال في قوله تعالى (ولا تقولن لشئ) الآية: لا يتعلق الاستثناء بفاعل إذ لم ينه عن أن يصل إلا أن يشاء الله بقوله ذلك، ولا بالنهي، لانك إذا قلت أنت منهى عن أن تقوم إلا أن يشاء الله فلست بمنهى، فقد سلطته على أن يقوم ويقول: شاء الله ذلك، وتأويل ذلك أن الاصل إلا قائلا إلا أن يشاء الله، وحذف القول كثير، اه‍ فتضمن كلامه حذف أداة الاستثناء والمستثنى جميعا، والصواب أن الاستثناء مفرغ، وأن المستثنى مصدر أو حال، أي إلا قولا مصحوبا بأن يشاء الله، أو إلا متلبسا بأن يشاء الله، وقد علم أنه لا يكون القول مصحوبا بذلك إلا مع حرف الاستثناء، فطوى ذكره لذلك، وعليهما فالباء محذوفة من أن، وقال بعضهم: يجوز أن يكون (أن يشاء الله) كلمة تأبيد، أي لا تقولنه أبدا، كما قيل في (وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا)، لان عودهم في ملتهم مما لا يشاؤه الله سبحانه. وجوز الزمخشري أن يكون المعنى ولا تقولن ذلك إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه، ولما قاله مبعد، وهو أن ذلك معلوم في كل أمر ونهى، ومبطل، وهو أنه يقتضى النهى عن قول إنى فاعل ذلك غدا مطلقا، وبهذا يرد أيضا قول من زعم أن الاستثناء منقطع، وقول من زعم أن (إلا أن يشاء الله) كناية عن التأبيد.

    [ 640 ]

    حذف لام التوطئة (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن) (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) بخلاف (وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين). حذف الجار يكثر ويطرد مع أن وأن نحو (يمنون عليك أن أسلموا) أي بأن، ومثله (بل الله يمن عليكم أن هداكم) (والذى أطمع أن يغفر لى) (ونطمع أن يدخلنا ربنا) (وأن المساجد لله) أي: ولان المساجد لله (أيعدكم أنكم إذا متم) أي بأنكم. وجاء في غيرهما نحو: (قدرناه منازل) أي قدرنا له (ويبغونها عوجا) أي يبغون لها (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) أي يخوفكم بأوليائه. وقد يحذف مع بقاء الجر كقول رؤبة - وقد قيل له كيف أصبحت - " خير عافاك الله " وقولهم " بكم درهم اشتريت " ويقال في القسم " الله لافعلن ". حذف أن الناصبة هو مطرد في موضع معروفة، وشاذ في غيرها نحو " خذ اللص قبل يأخذك " و " مره يحفرها " و " لابد من تتبعها " وقال به سيبوه في قوله: 878 - [ فلم أر مثلها خباسة واجد ] * ونهنهت نفسي بعدما كدت أفعله وقال المبرد: الاصل أفعلها، ثم حذفت الالف ونقلت حركة الهاء إلى ما قبلها، وهذا أولى من قول سيبويه، لانه أضمر أن في موضع حقها أن لا تدخل فيه صريحا وهو خبر كاد، واعتد بها مع ذلك بإبقاء عملها.

    [ 641 ]

    وإذا رفع الفعل بعد إضمار أن سهل الامر، ومع ذلك فلا ينقاس، ومنه (قل أفغير الله تأمروني أعبد) (ومن آياته يريكم البرق) و " تسمع بالمعيدى خير من أن تراه " وهو الاشهر في بيت طرفة: ألا أيها ذا الزاجرى أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى ؟ [ 616 ] وقرئ (أعبد) بالنصب كما روى " أحضر " كذلك، وانتصاب (غير) في الآية على القراءتين لا يكون بأعبد، لان الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول، بل بتأمرونى، و (أن أعبد) بدل اشتمال منه، أي تأمروني بغير الله عبادته. حذف لام الطلب هو مطرد عند بعضهم في نحو " قل له يفعل " وجعل منه (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) (وقل لعبادي يقولوا) وقيل: هو جواب لشرط محذوف، أو جواب للطلب، والحق أن حذفها مختص بالشعر كقوله: محمد تفد نفسك كل نفس * [ إذا ما خفت من أمر تبالا ] [ 371 ] حذف حرف النداء نحو (أيها الثقلان) (يوسف أعرض عن هذا) (أن أدوا إلى عباد الله) وشذ في اسمى الجنس والاشارة في نحو " أصبح ليل " وقوله: 879 - [ إذا هملت عينى لها قال صاحبي ]: * بمثلك هذا لوعة وغرام ولحن بعضهم المتنبي في قوله: 880 - لهذى برزت لنا فهجت رسيسا * [ ثم انثنيت وما شفيت رسيسا ] وأجيب بأن " هذى " مفعول مطلق: أي برزت هذه البررة، ورده ابن مالك

    [ 642 ]

    بأنه لا بشار إلى المصدر إلا منعوتا بالمصدر المشار إليه كضربته ذلك الضرب، ويرده بيت أنشده هو، وهو قوله: 881 - يا عمرو إنك قد مللت صحابتي * وصحابتيك إخال ذاك قليل حذف همزة الاستفهام قد ذكر في أول الباب الاول من هذا الكتاب. حذف نون التوكيد يجوز في نحو " لافعلن " في الضرورة كقوله: 882 - فلا وأبى لنأتيها جميعا * ولو كانت بها عرب وروم ويجب حذف الخفيفة إذا لقيها ساكن نحو " اضرب الغلام " بفتح الباء، والاصل اضربن، وقوله: لا تهين الفقير علك أن * تركع يوما والدهر قد رفعه [ 255 ] وإذا وقف عليها تالية ضمة أو كسرة ويعاد حينئذ ما كان حذف لاجلها، فيقال في " اضربن يا قوم ": اضربوا، وفى " اضربن يا هند ": اضربي، قيل: وحذفها في غير ذلك ضرورة كقوله: 883 - اضرب عنك الهموم طارقها * ضربك بالسيف قونس الفرس وقيل: ربما جاء في النثر، وخرج بعضهم عليه قراءة من قرأ (ألم نشرح) بالفتح،

    [ 643 ]

    وقيل: إن بعضهم ينصب بلم ويجزم بلن، ولك أن تقول: لعل المحذوف فيهما الشديدة، فيجاب بأن تقليل الحذف والحمل على ما ثبت حذفه أولى. حذف نونى التثنية والجمع يحذفان للاضافة نحو (تبت يدا أبى لهب) و (إنا مرسلو الناقة) ولشبه الاضافة نحو " لا غلامي لزيد " و " لا مكرمي لعمرو " إذا لم تقدر اللام مقحمة، ولتقصير الصلة نحو " الضاربا زيدا، والضاربو عمرا " وللام الساكنة قليلا نحو (لذائقو العذاب) فيمن قرأه بالنصب، وللضرورة نحو قوله: 884 - هما خطتا: إما إسار ومنة، * وإما دم، والقتل بالحر أجدر [ ص 699 ] فيمن رواه برفع " إسار ومنة " وأما من خفض فبالاضافة، وفصل بين المتضايفين بإما، فلم ينفك البيت عن ضرورة، واختلف في قوله: 885 - [ رب حى عرندس ذى طلال ] * لا يزالون ضاربين القباب فقيل: الاصل: ضاربين ضاربي القباب، وقيل للقباب، كقوله: * أشارت كليب بالاكف الاصابع * [ 2 ] وقيل: ضاربين معرب إعراب مساكين، فنصبه بالفتحة، لا بالياء. حذف التنوين يحذف لزوما لدخول أل نحو " الرجل " وللاضافة نحو " غلامك " ولشبهها نحو " لا مال لزيد " إذا لم تقدر اللام مقحمة، فإن قدرت فهو مضاف، ولمانع الصرف نحو " فاطمة " وللوقف في غير النصب، وللاتصال بالضمير نحو " ضاربك " فيمن قال إنه غير مضاف، فأما قوله:

    [ 644 ]

    [ وما أدرى وظني كل ظنى ] * أمسلمنى إلى قوم شراحي [ 563 ] فضرورة، خلافا لهشام، ثم هو نون وقاية لا تنوين كقوله: وليس الموافينى ليرفد خائبا * [ فإن له أضعاف ما كان أملا ] [ 564 ] إذ لا يجتمع التنوين مع آل، ولكون الاسم علما موصوفا بما اتصل به وأضيف إلى علم، من ابن وابنة اتفاقا، أو بنت عند قوم من العرب، فأما قوله 886 - بجارية من قيس بن ثعلبه * [ كريمة أخوالها والعصبه ] فضرورة، ويحذف لالتقاء الساكنين قليلا كقوله: فألفيته غير مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا [ 793 ] وإنما آثر ذلك على حذفه للاضافة لارادة تماثل المتعاطفين في التنكير، وقرئ (قل هو الله أحد الله الصمد) (ولا الليل سابق النهار) بترك تنوين أحد وسابق وبنصب النهار. واختلف لم ترك التنوين (1) في نحو " قبضت عشرة ليس غير " فقيل: لانه مبنى كقبل وبعد، وقيل: لنية الاضافة وإن الضمة إعراب وغير متعينة لانها لسم ليس، لا محتملة لذلك وللخبرية، ويرده ان هذا التركيب مطرد، ولا يحذف تنوين مضاف لغير مذكور باطراد، إلا إن أشبه في اللفظ المضاف نحو " قطع الله يد ورجل من قالها " فإن الاول مضاف للمذكور، والثانى لمجاورته له مع أنه المضاف إليه في المعنى كأنه مضاف إليه لفظا حذف أل تحذف للاضافة المعنوية، وللنداء نحو " يا رحمن " إلا من اسم الله تعالى، والجمل المحكية، قيل: والاسم المشبه به نحو " يا الخليفة هيبة " وسمع " سلام عليكم "

    (1) في نسخة " لم ترك تنوين غير في نحو - إلخ ". (*)

    [ 645 ]

    بغير تنوين، فقيل: على إضمار أل، ويحتمل عندي كونه على تقدير المضاف إليه، والاصل سلام الله عليكم، وقال الخليل في " ما يحسن بالرجل خير منك أن يفعل كذا " هو على نية أل في خير، ويرده أنه لا تجامع من الجارة للمفضول، وقال الاخفش: اللام زائدة، وليس هذا بقياس، والتركيب قياسي، وقال ابن مالك، خير بدل، وإبدال المشتق ضعيف، وأولى عندي أن يخرج على قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبنى * [ فمضيت ثمت قلت لا يعنينى ] [ 142 ] حذف لام الجواب وذلك ثلاثة: حذف لام جواب لو نحو (لو نشاء جعلناه أجاجا) وحذف لام لقد، يحسن مع طول الكلام نحو (قد أفلح من زكاها) وحذف لام لافعلن يختص بالضرورة كقول عامر بن الطفيل: 887 - وقتيل مرة أثأرن، فإنه * فرغ، وإن أخاكم لم يثأر حذف جملة القسم كثير جدا، وهو لازم مع غير الباء من حروف القسم، وحيث قيل " لافعلن " أو " لقد فعل " أو " لئن فعل " ولم يتقدم جملة قسم فثم جملة قسم مقدرة، نحو (لاعذبنه عذابا شديدا) الآية (ولقد صدقكم الله وعده) (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم) واختلف في نحو " لزيد قائم " ونحو " إن زيدا قائم، أو لقائم " هل يجب كونه جوابا لقسم أولا ؟ حذف جواب القسم يجب إذا تقدم عليه أو اكتنفه ما يغنى عن الجواب، فالاول نحو " زيد قائم والله " ومنه " إن جاءني زيد والله أكرمته " والثانى نحو " زيد والله قائم " فإن قلت " زيد والله إنه قائم، أو لقائم " احتمل كون المتأخر عنه خبرا عن المتقدم عليه، واحتمل كونه جوابا وجملة القسم وجوابه الخبر.

    [ 646 ]

    ويجوز في غير ذلك، نحو (والنازعات غرقا) الآيات، أي لتبعثن، بدليل ما بعده، وهذا المقدر هو العامل في (يوم ترجف) أو عامله اذكر، وقيل: الجواب (إن في ذلك لعبرة) وهو بعيد لبعده، ومثله (ق والقرآن المجيد) أي لنهلكن، بدليل (كم أهلكنا) أو إنك لمنذر، بدليل (بل عجبوا أن جاءهم منذر) وقيل: الجواب مذكور، فقال الاخفش (قد علمنا) وحذفت اللام للطول مثل (قد أفلح من زكاها) وقال ابن كيسان (ما يلفظ من قول) الآية، الكوفيون (بل عجبوا) والمعنى لقد عجبوا، بعضهم (إن في ذلك لذكرى) ومثله (ص والقرآن ذى الذكر) أي إنه لمعجز، أو (إنك لمن المرسلين) أو ما الامر كما يزعمون، وقيل: مذكور، فقال الكوفيون والزجاج (إن ذلك لحق) وفيه بعد، الاخفش (إن كل إلا كذب الرسل) الفراء وثعلب (ص) لان معناها صدق الله، ويرده أن الجواب لا يتقدم، وقيل: (كم أهلكنا) وحذفت اللام للطول. حذف جملة الشرط هو مطرد بعد الطلب نحو (فاتبعوني يحببكم الله) أي فإن تتبعوني يحببكم الله (فاتبعني أهدك) (ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل). وجاء بدونه نحو (إن أرضى واسعة فإياى فاعبدون) أي فإن لم يتأت إخلاص العبادة لى في هذه البلدة فإياى فاعبدون في غيرها (أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولى) أي إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولى (أو تقولوا لو أنا أنزل) علينا الكتاب لكنا أهدى منهم، فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله) أي إن صدقتم فيما كنتم تعدون به من أنفسكم فقد جاءكم بينة وإن كذبتم فلا أحد أكذب منكم فمن أظلم، وإنما جعلت هذه الآية من حذف جملة الشرط فقط - وهى من حذفها وحذف جملة الجواب - لانه قد ذكر في اللفظ جملة قائمة مقام الجواب، وذلك يسمى جوابا تجوزا كما سيأتي،

    [ 647 ]

    وجعل منه الزمخشري وتبعه ابن مالك بدر الدين (فلم تقتلوهم) أي إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم، ويرده أن الجواب المنفى بلم لا تدخل عليه الفاء. وجعل منه أبو البقاء (فذلك الذى يدع اليتيم) أي إن أردت معرفته فذلك، وهو حسن وحذف جملة الشرط بدون الاداة كثير كقوله: 888 - فطلقها فلست لها بكف ء * وإلا بعل مفرقك الحسام أي وإلا تطلقها. حذف جملة جواب الشرط وذلك واجب إن تقدم عليه أو اكتنفه ما يدل على الجواب: فالاول نحو " هو ظالم إن فعل " والثانى نحو " هو إن فعل ظالم " (وإنا إن شاء الله لمهتدون) ومنه " والله إن جاءني زيد لاكرمنه " وقول ابن معطى: * اللفظ إن يفد هو الكلام * إما من ذلك ففيه ضرورة، وهو حذف الجواب مع كون الشرط مضارعا، وإما الجواب الجملة الاسمية وجملتا الشرط والجواب خبر ففيه ضرورة أيضا، وهى حذف الفاء كقوله: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [ 81 ] ووهم ابن الخباز إذ قطع بهذا الوجه، ويجوز حذف الجواب في غير ذلك نحو (فإن استطعت أن تبتغى نفقا في الارض) الآية، أي فافعل (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) الآية، أي لما آمنوا به، بدليل (وهم يكفرون بالرحمن) والنحويون يقدرون: لكان هذا القرآن، وما قدرته أظهر (لو تعلمون علم اليقين) أي لارتدعتم وما ألهاكم التكاثر (ولو افتدى به) أي ما تقبل منه (ولو كنتم في بروج مشيدة) أي لادرككم (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون) أي أعرضوا، بدليل ما بعده (أئن

    [ 648 ]

    ذكرتم) أي تطيرتم (ولو جئنا بمثله مددا) أي لنفد (ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤسهم) أي لرأيت أمرا فظيعا (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم) أي لهلكتم (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به) قال الزمخشري: تقديره ألستم ظالمين، بدليل (إن الله لا يهدى القوم الظالمين) ويرده أن جملة الاستفهام لا تكون جوابا إلا بالفاء مؤخرة عن الهمزة نحو " إن جئتك أفما تحسن إلى " ومقدمة على غيرها نحو " فهل تحسن إلى ". تنبيه - التحقيق أن من حذف الجواب مثل (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت) لان الجواب مسبب عن الشرط، وأجل الله آت سواء أوجد الرجاء أم لم يوجد، وإنما الاصل فليبادر بالعمل فإن أجل الله لآت، ومثله (وإن تجهر بالقول) أي فاعلم أنه غنى عن جهرك (فإنه يعلم السر) (وإن يكذبوك) أي فتصبر (فقد كذبت رسل من قبلك) (إن يمسسكم قرح) أي فاصبروا (فقد مس القوم قرح مثله) (ومن يتبع خطوات الشيطان) أي يفعل الفواحش والمنكرات (فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا) أي يغلب (فإن حزب الله هم الغالبون) (وإن عزموا الطلاق) أي فلا تؤذوهم بقول ولا فعل، فإن الله يسمع ذلك ويعلمه (فإن تولوا) أي فلا لوم على (فقد أبلغتكم). حذف الكلام بجملته. يقع ذلك باطراد في مواضع: أحدها: بعد حرف الجواب، يقال: أقام زيد ؟ فتقول: نعم، وألم يقم زيد ؟ فتقول: نعم، إن صدقت النفى، وبلى، إن أبطلته، ومن ذلك قوله: 889 - قالوا: أخفت ؟ فقلت: إن، وخيفتى * ما إن تزال منوطة برجائي

    [ 649 ]

    فإن إن هنا بمعنى نعم، وأما قوله: ويقلن: شيب قد علا * ك وقد كبرت فقلت: إنه [ 49 ] فلا يلزم كونه من ذلك، خلافا لاكثرهم، لجواز أن لا تكون الهاء للسكت، بل اسما لان على أنها المؤكدة والخبر محذوف، أي إنه كذلك. الثاني: بعد نعم وبئس إذا حذف المخصوص، وقيل: إن الكلام جملتان نحو (إنا وجدناه صابرا نعم العبد). والثالث: بعد حروف النداء في مثل (ياليت قومي يعلمون) إذا قيل: إنه على حذف المنادى: أي يا هؤلاء. الرابع: بعد إن الشرطية كقوله: 890 - قالت بنات العم يا سلمى وإن * كان فقيرا معدما ؟ قالت: وإن أي: وإن كان كذلك رضيته. الخامس: في قولهم " افعل هذا إما لا " أي إن كنت لا تفعل غيره فافعله. حذف أكثر من جملة في غير ما ذكر، أنشد أبو الحسن: 891 - إن يكن طبك الدلال فلو في * سالف الدهر والسنين الخوالى أي إن كان عادتك الدلال فلو كان هذا فيما مضى لاحتملناه منك، وقالوا في قوله تعالى (فقلنا اضربوه ببعضها، كذلك يحيى الله الموتى): إن التقدير فضربوه فحيى فقلنا: كذلك يحيى الله، وفى قوله تعالى: (أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون) الآية: إن التقدير: فأرسلون إلى يوسف لاستعبره الرؤيا فأرسلوه فأتاه وقال له يا يوسف، وفى قوله تعالى (فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم) إن التقدير فأتياهم فأبلغاهم الرسالة فكذبوهما فدمرناهم. تنبيه - الحذف الذى يلزم النحوي النظر فيه هو ما اقتضته الصناعة، وذلك

    [ 650 ]

    بأن يجد خبرا بدون مبتدأ أو بالعكس، أو شرطا بدون جزاء أو بالعكس، أو معطوفا بدون معطوف عليه، أو معمولا بدون عامل، نحو (ليقولن الله) ونحو (قالوا خيرا) ونحو " خير عافاك الله " وأما قولهم في نحو (سرابيل تقيكم الحر) إن التقدير: والبرد، ونحو (وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل) إن التقدير ولم تعبدنى، ففضول في فن النحو، وإنما ذلك للمفسر، وكذا قولهم، يحذف الفاعل لعظمته وحقارة المفعول أو بالعكس أو للجهل به أو للخوف عليه أو منه أو نحو ذلك، فإنه تطفل منهم على صناعة البيان، ولم أذكر بعض ذلك في كتابي جريا على عادتهم، وأنشد متمثلا: 892 - وهل أنا إلا من غزية: إن غوت * غويت، وإن ترشد غزية أرشد بل لانى وضعت الكتاب لافادة متعاطى التفسير والعربية جميعا، وأما قولهم في " راكب الناقة طليحان " إنه على حذف عاطف ومعطوف، أي والناقة، فلازم لهم، ليطابق الخبر المخبر عنه، وقيل: هو على حذف مضاف، أي أحد طليحين، وهذا لا يتأنى في نحو " غلام زيد ضربتهما ". الباب السادس من الكتاب في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين، والصواب خلافها. وهى كثيرة، والذى يحضرني الآن منها عشرون موضعا. أحدها: قولهم في لو " إنها حرف امتناع لامتناع " وقد بينا الصواب في ذلك في فصل لو، وبسطنا القول فيه بما لم نسبق إليه. والثانى: قولهم في إذا غير الفجائية " إنها ظرف لما يستقبل من الزمان وفيها معنى الشرط غالبا " وذلك معيب من جهات: إحداها: أنهم يذكرونه في كل موضع، وإنما ذلك تفسير للاداة من حيث

    [ 651 ]

    هي، وعلى المعرب أن يبين في كل موضع: هل هي متضمنة لمعنى الشرط أم لا ؟ وأحسن مما قالوه أن يقال، إذا أريد تفسيرها من حيث هي: ظرف مستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه صالح لغير ذلك. والثانية: أن العبارة التى تلقى للمتدربين يطلب فيها الايجار لتخف على الالسنة: إذ الحاجة داعية إلى تكرارها، وكان أخصر من قولهم لما يستقبل من الزمان أن يقولوا: مستقبل. والثالثة: أن المراد أنها ظرف موضوع للمستقبل، والعبارة موهمة أنها محل للمستقبل، كما تقول: اليوم ظرف للسفر، فإن الزمان قد يجعل ظرفا للزمان مجازا كما تقول: كتبته في يوم الخميس في عام كذا، فإن الثاني حال من الاول، فهو ظرف له على الاتساع، ولا يكون بدلا منه، إذ لا يبدل الاكثر من الاقل على الاصح، ولو قالوا " ظرف مستقبل " لسلموا من الاسهاب والايهام المذكورين والرابعة: أن قولهم " غالبا " راجع إلى قولهم " فيه معنى الشرط " كذا يفسرونه، وذلك يقتضى أن كونه ظرفا وكونه للزمان وكونه للمستقبل لا يتخلفن، وقد بينا في بحث إذا أن الامر بخلاف ذلك. الثالث: قولهم " النعت يتبع المنعوت في أربعة من عشرة " وإنما ذلك في النعت الحقيقي، فأما السببي فإنما يتبع في اثنين من خمسة: واحد من أوجه الاعراب، وواحد من التعريف والتنكير، وأما الافراد والتذكير وأضدادهما فهو فيها كالفعل تقول: مررت برجلين قائم أبواهما، وبرجال قائم آباؤهم، وبرجل قائمة أمه وبامرأة قائم أبوها، وإنما يقول: قائمين أبواهما، وقائمين آباؤهم، من يقول أكلوني البراغيث، وفى التنزيل (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) غير أن الصفة الرافعة للجمع يجوز فيها في الفصيح أن تفرد، وأن تكسر، وهو أرجح على الاصح كقوله:

    [ 652 ]

    893 - بكرت عليه بكرة فوجدته * قعودا عليه بالصريم عواذله وصح الاستشهاد بالبيت لان هذا الحكم ثابت أيضا للخبر والحال. والرابع: قولهم في نحو (فكلا منها رغدا) " إن رغدا نعت مصدر محذوف " ومثله (واذكر ربك كثيرا) وقول ابن دريد: واشتعل المبيض في مسوده * مثل اشتعال النار في جزل الغضا [ 677 ] أي أكلا رغدا، وذكرا كثيرا، واشتعالا مثل اشتعال النار. قيل: ومذهب سيبويه والمحققين خلاف ذلك، وأن المنصوب حال من ضمير مصدر الفعل، والاصل فكلاه، واشتعله، أي فكلا الاكل واشتعل الاشتعال ودليل ذلك قولهم " سير عليه طويلا " ولا يقولون طويل، ولو كان نعتا للمصدر لجاز، وبدليل أنه لا يحذف الموصوف إلا والصفة خاصة بجنسه، تقول " رأيت كاتبا " ولا تقول: رأيت طويلا، لان الكتابة خاصة بجنس الانسان دون الطول وعندي فيما احتجوا به نظر، أما الاول فلجواز أن المانع من الرفع كراهية اجتماع مجازين: حذف الموصوف، وتصيير الصفة مفعولا على السعة، ولهذا يقولون " دخلت الدار " بحذف في توسعا، ومنعوا " دخلت الامر " لان تعلق الدخول بالمعاني مجاز، وإسقاط الخافض مجاز، وتوضيحه أنهم يفعلون ذلك في صفة الاحيان، فيقولون: سير عليه زمن طويل، فإذا حذفوا الزمان قالوا: طويلا، بالنصب لما ذكرنا، وأما الثاني فلان التحقيق أن حذف الموصوف إنما يتوقف على وجدان الدليل، لا على الاختصاص، بدليل (وألنا له الحديد أن اعمل سابغات) أي دروعا سابغات، ومما يقدح في قولهم مجئ نحو قولهم " اشتمل الصماء " أي الشملة الصماء، والحالية متعذرة لتعريفه. والخامس: قولهم " الفاء جواب الشرط " والصواب أن يقال: رابطة لجواب الشرط، وإنما جواب الشرط الجملة.

    [ 653 ]

    والسادس: قولهم " العطف على عاملين " والصواب على معمولي عاملين. والسابع: قولهم " بل حرف إضراب " والصواب حرف استدراك وإضراب، فإنها بعد النفى والنهى بمنزلة لكن سواء. والثامن: قولهم في نحو " ائتنى أكرمك ": إن الفعل مجزوم في جواب الامر، والصحيح أنه جواب لشرط مقدر، وقد يكون إنما أرادوا تقريب المسافة على المتعلمين. والتاسع: قولهم في المضارع في مثل " يقوم زيد ": فعل مضارع مرفوع لخلوه من ناصب وجازم، والصواب أن يقال: مرفوع لحلوله محل الاسم، وهو قول البصريين، وكأن حاملهم على ما فعلوا إرادة التقريب، وإلا فما بالهم يبحثون على تصحيح قول البصريين في ذلك، ثم إذا أعربوا أو عربوا قالوا خلاف ذلك ؟. والعاشر: قولهم " امتنع نحو سكران من الصرف للصفة والزيادة، ونحو عثمان للعلمية والزيادة " وإنما هذا قول الكوفيين، فأما البصريون فمذهبهم أن المانع الزيادة المشبهة لالفى التأنيث، ولهذا قال الجرجاني: وينبغى أن تعدموا مع الصرف ثمانية لا تسعة، وإنما شرطت العلمية أو الصفة لان الشبه لا يتقوم إلا بأحدهما، ويلزم الكوفيين أن يمنعوا صرف نحو عفريت - علما - فإن أجابوا بأن المعتبر هو زيادتان بأعيانهما، سألناهم عن علة الاختصاص، فلا يجدون مصرفا عن التعليل بمشابهة ألفى التأنيث، فيرجعون إلى ما اعتبره البصريون. والحادي عشر: قولهم في نحو قوله تعالى (فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) " إن الواو نائبة عن أو " ولا يعرف ذلك في اللغة، وإنما يقوله بعض ضعفاء المعربين والمفسرين، وأما الآية فقال أبو طاهر حمزة بن الحسين الاصفهانى في كتابه المسمى " الرسالة المعربة عن شرف الاعراب " القول فيها

    [ 654 ]

    بأن الواو بمعنى أو عجز عن درك الحق، فاعلموا أن الاعداد التى تجمع قسمان: قسم يؤتى به ليضم بعضه إلى بعض وهو الاعداد الاصول، نحو (ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة) ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) وقسم يؤتى به لا ليضم بعضه إلى بعض، وإنما يراد به الانفراد، لا الاجتماع، وهو الاعداد المعدولة كهذه الآية وآية سورة فاطر، وقال: أي منهم جماعة ذوو جناحين جناحين وجماعة ذوو ثلاثة ثلاثة وجماعة ذوو أربعة أربعة، فكل جنس مفرد بعدد، وقال الشاعر: 894 - ولكنما أهلى بواد أنيسه * ذئاب تبغى الناس مثنى وموحدا ولم يقولوا ثلاث وخماس ويريدون ثمانية كما قال تعالى (ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) وللجهل بمواقع هذه الالفاظ استعملها المتنبي في غير موضع التقسيم، فقال: أحاد أم سداس في أحاد * لييلتنا المنوطة بالتنادي [ 60 ] وقال الزمخشري: فإن قلت الذى أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين اثنين أو ثلاث أو أربع، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع ؟ قلت: الخطاب للجميع، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراده من العدد الذى أطلق له، كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، ولو أفردت لم يكن له معنى. فإن قلت: لم جاء العطف بالواو دون أو ؟ قلت: كما جاء بها في المثال المذكور، ولو جئت فيه بأولا علمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسمة على تثنية وبعضها على تثليث وبعضها على تربيع، وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذى دلت عليه الواو، وتحريره أن الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون

    [ 655 ]

    من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع، إن شاؤوا مختلفين في تلك الاعداد وإن شاؤا متفقين فيها، محظورا عليهم ما وراء ذلك. وأبلغ من هذه المقالة في الفساد قول من أثبت واو الثمانية، وجعل منها (سبعة وثامنهم كلبهم) وقد مضى في باب الواو أن ذلك لا حقيقة له، واختلف فيها هنا فقيل: عاطفة خبر هو جملة على خبر مفرد، والاصل هم سبعة وثامنهم كلبهم، وقيل: للاستئناف، والوقف على سبعة، وإن في الكلام تقريرا لكونهم سبعة، وكأنه لما قيل سبعة قيل: نعم وثامنهم كلبهم، واتصل الكلامان، ونظيره (إن الملوك إذا دخلوا قرية) الآية، فإن (وكذلك يفعلون) ليس من كلامها، ويؤيده أنه قد جاء في المقالتين الاوليين (رجما بالغيب) ولم يجئ مثله في هذه المقالة، فدل على مخالفتها لهما فتكون صدقا، ولا يرد ذلك بقوله تعالى (ما يعلمهم إلا قليل) لانه يمكن أن يكون المراد ما يعلم عدتهم أو قصتهم قبل أن نتلوها عليك إلا قليل من أهل الكتاب الذين عرفوه من الكتب، وكلام الزمخشري يقتضى أن القليل هم الذين قالوا سبعة، فيندفع الاشكال أيضا، ولكنه خلاف الظاهر، وقيل: هي واو الحال، أو الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوق الاسم بالصفة كمررت برجل ومعه سيف، فأما الواو الاولى فلا حقيقة لها، وأما واو الحال فأين عامل الحال إن قدرت هم ثلاثة أو هؤلاء ثلاثة، فإن قيل على التقدير الثاني: هو من باب (وهذا بعلى شيخا) قلنا: العامل المعنوي لا يحذف. الثاني عشر: قولهم " المؤنث المجازى يجوز معه التذكير والتأنيث " وهذا يتداوله الفقهاء في محاوراتهم، والصواب تقييده بالمسند إلى المؤنث المجازى، وبكون المسند فعلا أو شبهه، وبكون المؤنث ظاهرا، وذلك نحو " طلع الشمس، ويطلع الشمس، وأطالع الشمس " ولا يجوز: هذا الشمس، ولا هو الشمس، ولا الشمس

    [ 656 ]

    هذا، أو هو، ولا يجوز في غير ضرورة " الشمس طلع " خلافا لابن كيسان، واحتج بقوله: 895 - [ فلا مزنة ودقت ودقها ] * ولا أرض أبقل إبقالها [ ص 670 ] قال: وليس بضرورة لتمكنه من أن يكون " أبقلت ابقالها " بالنقل، ورد بأنا لا نسلم أن هذا الشاعر ممن لغته تخفيف الهمزة بنقل أو غيره. الثالث عشر: قولهم " ينوب بعض حروف الجر عن بعض " وهذا أيضا مما يتداولونه ويستدلون به، وتصحيحه بإدخال قد على قولهم ينوب، وحينئذ فيتعذر استدلالهم به، إذ كل موضع ادعوا فيه ذلك يقال لهم فيه: لا نسلم أن هذا مما وقعت فيه النيابة، ولو صح قولهم لجاز أن يقال: مررت في زيد، ودخلت من عمرو، وكتبت إلى القلم، على أن البصريين ومن تابعهم يرون في الاماكن التى ادعيت فيها النيابة أن الحرف باق على معناه، وأن العامل ضمن معنى عامل يتعدى بذلك الحرف، لان التجوز في الفعل أسهل منه في الحرف. الرابع عشر: قولهم " إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الاولى، وإذا أعيدت معرفة أو أعيدت المعرفة معرفة أو نكرة كان الثاني عين الاول " وحملوا على ذلك ما ورى " لن يغلب عسر يسرين " قال الزجاج: ذكر العسر مع الالف واللام ثم ثنى ذكره، فصار المعنى إن مع اليسر يسرين، اه‍. ويشهد للصورتين الاوليين أنك تقول: اشتريت فرسا ثم بعت فرسا، فيكون الثاني غير الاول، ولو قلت. ثم بعت الفرس، لكان الثاني عين الاول، وللرابع قول الحماسي: 896 - صفحنا عن بنى ذهل * وقلنا: القوم إخوان عسى الايام أن يرجعن قوما كالذى كانوا ويشكل على ذلك أمور ثلاثة.

    [ 657 ]

    أحدها: أن الظاهر في آية (ألم نشرح) أن الجملة الثانية تكرار للجملة الاولى كما تقول " إن لزيد دارا إن لزيد دارا " وعلى هذا فالثانية عين الاولى والثانى: أن ابن مسعود قال: لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، إنه لن يغلب عسر يسرين، مع أن الآية في قراءته وفى مصحفه مرة واحدة، فدل على ما ادعيناه من التأكيد، وعلى أنه لم يستفد تكرر اليسر من تكرره، بل هو من غير ذلك كأن يكون فهمه مما في التنكير من التفخيم فتأوله بيسر الدارين والثالث: أن في التنزيل آيات ترد هذه الاحكام الاربعة، فيشكل على الاول قوله تعالى (الله الذى خلقكم من ضعف) الآية، (وهو الذى في السماء إله، وفى الارض إله) والله إله واحد سبحانه وتعالى، وعلى الثاني قوله تعالى (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) فالصلح الاول خاص، وهو الصلح بين الزوجين، والثانى عام، ولهذا يستدل بها على استحباب كل صلح جائز، ومثله (زدناهم عذابا فوق العذاب) والشئ لا يكون فوق نفسه، وعلى الثالث قوله تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) فإن الملك الاول عام، والثانى خاص (هل جزاء الاحسان إلا الاحسان) فإن الاول العمل والثانى الثواب (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) فإن الاولى القاتلة والثانية المقتولة، وكذلك بقية الآية. وعلى الرابع (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) وقوله: 897 - [ بلاد بها كنا وكنا من أهلها ] * إذ الناس ناس والزمان زمان (1) فإن الثاني لو ساوى الاول في مفهومه لم يكن في الاخبار به عنه فائدة، وإنما هذا من باب قوله:

    (1) المحفوظ: * إذ الناس ناس والبلاد بلاد * ورأيته بالقافية التى رواها المؤلف في رسالة للبديع الهمذانى أثرها صاحب اليتيمة 4 / 271 وذكر البديع أنه لرجل من عاد، وفيه " وكنا نحبها ". (*)

    [ 658 ]

    * أنا أبو النجم وشعرى شعرى * [ 536 ] أي وشعرى لم يتغير عن حالته. فإذا ادعى أن القاعدة فيهن إنما هي مستمرة مع عدم القرينة، فأما إن وجدت قرينة فالتعويل عليها، سهل الامر. وفى الكشاف " فإن قلت: ما معنى لن يغلب عسر يسرين ؟ قلت: هذا حمل على الظاهر، وبناء على قوة الرجاء، وأن وعد الله لا يحمل إلا على أبلغ ما يحتمله اللفظ، والقول فيه أن الجملة الثانية يحتمل أن تكون تكريرا للاولى كتكرير (ويل يومئذ للمكذبين) لتقرير معناها في النفوس (1) وكتكرير المفرد في نحو جاء زيد زيد، وأن تكون الاولى عدة بأن العسر مردوف باليسر لا محالة، والثانية عدة مستأنفة بأن العسر متبوع باليسر لا محالة، فهما يسران على تقدير الاستئناف وإنما كان العسر واحد لان اللام إن كانت فيه للعهد في العسر الذى كانوا فيه فهو هو، لان حكمه حكم زيد في قولك " إن مع زيد مالا إن مع زيد مالا " وإن كانت للجنس الذى يعلمه كل أحد فهو هو أيضا، وأما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفا فقد تناول بعضا آخر، ويكون الاول ما تيسر لهم من الفتوح في زمنه عليه الصلاة والسلام، والثانى ما تيسر في أيام الخلفاء، ويحتمل أن المراد بهما يسر الدنيا ويسر الآخرة مثل (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) وهما الظفر والثواب " اه ملخصا. وقال بعضهم: الحق أن في تعريف الاول ما يوجب الاتحاد، وفى التنكير يقع الاحتمال، والقرينة تعين، وبيانها هنا أنه عليه الصلاة والسلام كان هو وأصحابه في عسر الدنيا، فوسع الله عليهم بالفتوح والغنائم، ثم وعد عليه الصلاة والسلام بأن الآخرة خير له من الاولى، فالتقدير: إن مع العسر في الدنيا يسرا في الدنيا وإن مع

    (1) في نسخة " في النفس ". (*)

    [ 659 ]

    العسر في الدنيا يسرا في الآخرة، للقطع بأنه لا عسر عليه في الآخرة، فتحققنا اتحاد العسر، وتيقنا أن له يسرا في الدنيا ويسرا في الآخرة. الخامس عشر: قولهم " يجب أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحبها " وهذا مشهور في كتبهم وعلى ألسنتهم، وليس بلازم عند سيبويه، ويشهد لذلك أمور: أحدها: قولك " أعجبني وجه زيد متبسما، وصوته قارئا " فإن صاحب الحال معمول للمضاف أو لجار مقدر، والحال منصوبة بالفعل. والثانى قوله: لمية موحشا طلل * [ يلوح كأنه خلل ] [ 125 ] فإن صاحب الحال عند سيبويه النكرة، وهو عنده مرفوع بالابتداء، وليس فاعلا كما يقول الاخفش والكوفيون، والناصب للحال الاستقرار الذى تعلق به الظرف. والثالث: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) فإن (أمة) حال من معمول إن وهو (أمتكم) وناصب الحال حرف التنبيه أو اسم الاشارة، ومثله (وإن هذا صراطي مستقيما) وقال: ها بينا ذا صريح النصح فاصغ له * [ وطع فطاعة مهد نصحه رشد ] [ 801 ] العامل حرف التنبيه، ولك أن تقول: لا نسلم أن صاحب الحال طلل، بل ضميره المستتر في الظرف، لان الحال حينئذ حال من المعرفة، وأما جواب ابن خروف بأن الظرف إنما يتحمل الضمير إذا تأخر عن المبتدأ فمخالف لاطلاقهم ولقول أبى الفتح في: [ ألا يا نخلة من ذات عرق ] * عليك ورحمة الله السلام [ 579 ]

    [ 660 ]

    إن الاولى حمله على العطف على ضمير الظرف، لا على تقديم المعطوف على المعطوف عليه، وقد اعترض عليه بأنه تخلص عن ضرورة بأخرى، وهى العطف مع عدم الفصل، ولم يعترض بعدم الضمير، وجوابه أن عدم الفصل أسهل، لوروده في النثر ك‍ " مررت برجل سواء والعدم " حتى قيل: إنه قياس، وأما جواب ابن مالك بأن الحمل على طلل أولى لانه ظاهر، فإنما يصح لو ساوى الظاهر الضمير في التعريف، وأما البواقى فاتحاد العامل فيها موجود تقديرا، إذ المعنى أشير إلى أمتكم وإلى صراطي، وتنبه لصريح النصح بينا، وأما مسألتا المضاف إليه فصلاحية المضاف فيهما للسقوط جعل المضاف إليه كأنه معمول الفعل، وعلى هذا فالشرط في المسألة اتحاد العامل تحقيقا أو تقديرا. السادس عشر: قولهم " يغلب المؤنث على المذكر في مسألتين: إحداهما ضبعان في تثنية ضبع للمؤنث، وضبعان للمذكر، إذ لم يقولوا ضبعانان، والثانية: التأريخ، فإنهم أرخوا بالليالى دون الايام " ذكر ذلك الجرجاني وجماعة، وهو سهو، فإن حقيقة التغليب: أن يجتمع شيئان فيجرى حكم أحدهما على الآخر، ولا يجتمع الليل والنهار، ولا هنا تعبير عن شيئين بلفظ أحدهما على الآخر، وإنما أرخت العرب بالليالى لسبقها، إذ كانت أشهرهم قمرية، والقمر إنما يطلع ليلا، وإنما المسألة الصحيحة قولك: كتبته لثلاث بين يوم وليلة، وضابطها: أن يكون معنا عدد مميز بمذكر ومؤنث، وكلاهما مما لا يعقل، وفصلا من العدد بكلمة بين، قال: 898 * - فطافت ثلاثا بين يوم وليلة * السابع عشر: قولهم في نحو (خلق الله السموات) إن السموات مفعول به، والصواب أنه مفعول مطلق: لان المفعول المطلق ما يقع عليه اسم المفعول بلا قيد، نحو

    [ 661 ]

    قولك " ضربت ضربا " والمفعول به ما لا يقع عليه ذلك إلا مقيدا بقولك به كضربت زيدا، وأنت لو قلت السموات مفعول كما تقول الضرب مفعول كان صحيحا، ولو قلت السموات مفعول به كما تقول زيد مفعول به لم يصح. وقد يعارض هذا بأن يصاغ لنحو السموات في المثال اسم مفعول تام، فيقال: فالسموات مخلوقة، وذلك مختص بالمفعول به. إيضاح آخر: المفعول به ما كان موجودا قبل الفعل الذى عمل فيه، ثم أوقع الفاعل به فعلا، والمفعول المطلق ما كان الفعل العامل فيه هو فعل إيجاده، والذى غر أكثر النحويين في هذه المسألة أنهم يمثلون المفعول المطلق بأفعال العباد، وهم إنما يجرى على أيديهم إنشاء الافعال لا الذوات (1)، فتوهموا أن المفعول المطلق لا يكون إلا حدثا، ولو مثلوا بأفعال الله تعالى لظهر لهم أنه لا يختص بذلك، لان الله تعالى موجد للافعال والذوات (2) جميعا، لا موجد لهما في الحقيقة سواه سبحانه وتعالى، وممن قال بهذا الذى ذكرته الجرجاني وابن الحاجب في أماليه. وكذا البحث في " أنشأت كتابا " و " عمل فلان خيرا " و (آمنوا وعملوا الصالحات). وزعم ابن الحاجب في شرح المفصل وغيره أن المفعول المطلق يكون جملة، وجعل من ذلك نحو " قال زيد عمرو منطلق " وقد مضى رده، وزعم أيضا في " أنبأت زيدا عمرا فاضلا " أن الاول مفعول به، والثانى والثالث مفعول مطلق، لانهما نفس النبأ، قال: بخلاف الثاني والثالث في " أعلمت زيدا عمرا فاضلا " فإنهما متعلقا العلم، لا نفسه، وهذا خطأ، بل هما أيضا منبأ بهما، لا نفس النبأ، وهذا الذى قاله لم يقله أحد، ولا يقتضيه النظر الصحيح. الثامن عشر: قولهم في كاد: إثباتها نفى، ونفيها إثبات، فإذا قيل " كاد

    (1) في نسخة " لا الذات ". (2) في نسخة " للذوات والافعال جميعا ". (*)

    [ 662 ]

    يفعل " فمعناه أنه لم يفعل، وإذا قيل " لم يكد يفعل " فمعناه

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 7:24 pm