[ 1 ]
مغنى اللبيب عن كتب الاعاريب تأليف الامام أبى محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف أبن أحمد بن عبد الله بن هشام، الانصاري، المصرى المتوفى في سنة 761 من الهجرة حققه وفصله، وضبط غرائبه محمد محيى الدين عبد الحميد عفا الله تعالى عنه منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم - ايران 1404 ه - ق الجزء الاول
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على سابغ نعمائه، والشكر له سبحانه على وافر آلائه، وصلاته وسلامه على صفوة الصفوة من رسله وأنبيائه، وعلى آله وصحبه وسائر أوليائه. اللهم إنى أحمدك حمد المعترف بتقصيره وقصوره، المقر بخطاياه وذنوبه، المؤمل في واسع رحمتك وعظيم فضلك، أن تشمله بعفوك، وتسبل عليه جميل سترك، فإنك - يا رب - أنعمت متفضلا، وتطولت مبتدئا، ولن يخيب راجيك، ولن يرد سائلك. وبعد، فإنى منذ أكثر من عشرين عاما أنشأت شرحا على كتاب (مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب) أوعب كتب العلامة أبى محمد عبد الله جمال الدين بن هشام الانصاري، المصرى، وكنت قد تنوقت في هذا الشرح على قدر ما يستحقه الاصل من العناية وبذل الوسع، وكنت أعود إليه بين الحين والحين فأزيد فيه ما يجد لى من البحث، حتى أوفيت على الغاية، وبلغت من ذلك ما تمنيت. ولكني لم أظفر إلى يوم الناس هذا بناشر يقوم بإظهاره لقراء العربية، إذ كان الناشرون لهذا النوع من المؤلفات إنما يقدمون على نشر ما يعتقدون أنهم رابحون من ورائه الربح الجزيل، فهم يقدرون ويقدرون ويقدرون ثم يقدمون أو يحجمون وقد كان من نصيب هذا الكتاب أن يحجم من عرفت من الناشرين عن الانفاق عليه، رغم تهافت كثرتهم على مؤلفاتي، وليس فيه من عيب عندهم إلا أنه كتاب كبير الحجم، وقراؤه في طبعات شروحه القديمة قلة لا نسد نهمهم، ولا تغنى عندهم، ومن آيات ذلك أنى عرضت على ثلاثة من الناشرين الواحد بعد الآخر التوفر على نشر هذا الكتاب، وكان أحدهم يوافق رضى النفس منشرح الصدر، حتى إذا علم أن الكتاب يقع في أربع مجلدات ضخام أوسعني عذرا.
[ 3 ]
يطلب من المكتبة التجارية الكبرى بمصر ص. ب 578 مطبعة المدنى 68 شارع العباسية - القاهرة
[ 4 ]
ولقد رأيت أن أحتال لظهور هذا الكتاب، فأظهر كتاب (مغنى اللبيب) أول الامر مجردا عن شرحي عليه: في مظهر يدعو إلى الرغبة فيه والاقبال عليه، حتى إذا عرفه من لم يكن يعرفه، وتطلبه من ليست له به سابقة، استطعت - إن كان في الاجل بقية - أن أخرجه مرة أخرى مع الشرح. فإلى إخوانى في مشارق البلاد العربية ومغاربها الذين أحسنوا الظن بى فرغبوا في أن أذيع هذا الشرح، وما فتئوا يتقاضونني أن أخرجه لهم، أقدم كتاب (مغنى اللبيب) في مرأى يسر نواظرهم، ويطمئن قلوبهم، وأنا على موعدة معهم - إن شاء الله تعالى - أن أظهرهم على ما في هذا الكتاب الجليل من محاسن، وما بذله مؤلفه فيه من جهد، وما أفرغ في جمعه وتحقيقه من طاقة، والله المسئول أن يحقق لى ولهم الامال، وأن يجنبنى وإياهم الخطأ والخطل والزيغ، إنه سبحانه أكرم مسئول، وهو حسبى وإياهم ونعم الوكيل. كتبه المعتز بالله تعالى محمد محيى الدين عبد الحميد
[ 5 ]
ترجمة ابن هشام صاحب كتاب (مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب) هو الامام الذى فاق أقرانه، وشأى من تقدمه، وأعيا من يأتي بعده، الذى لا يشق غباره في سعة الاطلاع وحسن العبارة وجمال التعليل، الصالح الورع، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام، الانصاري، المصرى. ولد بالقاهرة، في ذى القعدة من عام ثمان وسبعمائة من الهجرة (سنة 1309 من الميلاد). لزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل، وتلا على ابن السراج، وسمع على أبى حيان ديوان زهير بن أبى سلمى المزني، ولم يلازمه ولا قرأ عليه غيره، وحضر دروس التاج التبريزي، وقرأ على التاج الفاكهانى شرح الاشارة له إلا الورقة الاخيرة، وحدث عن ابن جماعة بالشاطبية، وتفقه أول الامر على مذهب الشافعي، ثم تحنبل فحفظ مختصر الخرقى قبيل وفاته بخمس سنين. تخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وتصدر لنفع الطالبين، وانفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البارع، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التصرف في الكلام، وكانت له ملكة يتمكن بها من التعبير عن مقصوده بما يريد مسهبا وموجزا، وكان - مع ذلك كله - متواضعا، برا، دمث الخلق، شديد الشفقة، رقيق القلب.
[ 6 ]
قال عنه أبن خلدون: (مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه) وقال عنه مرة أخرى: (إن ابن هشام على علم جم يشهد بعلو قدره في صناعة النحو، وكان ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جنى واتبعوا مصطلح تعليمه، فأتى من ذلك بشئ عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه). ولابن هشام مصنفات كثيرة كلها نافع مفيد تلوح منه أمارات التحقيق وطول الباع، وتطالعك من روحه علائم الاخلاص والرغبة عن الشهرة وذيوع الصيت، ونحن نذكر لك من ذلك ما اطلعنا عليه أو بلغنا علمه مرتبا على حروف المعجم، وندلك على مكان وجوده إن علمنا أنه موجود، أو نذكر لك الذى حدث به إن لم نعلم وجوده، وهاكها: (1) الاعراب عن قواعد الاعراب، طبع في الآستانة وفى مصر، وشرحه الشيخ خالد الازهرى، وقد طبع هو وشرحه مرارا أيضا. (2) الالغاز، وهو كتاب في مسائل نحوية، صنفه لخزانة السلطان الملك الكامل، طبع في مصر. (3) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، طبع مرارا، وشرحه الشيخ خالد، ولنا عليه ثلاثة شروح: أحدها وجيز وقد طبع مرارا، وثانيها بسيط لا يزال رهين القماطر، وثالثها وسيط، مطبوع في ثلاثة أجزاء. (4) التذكرة، ذكر السيوطي أنه كتاب في خمسة عشر مجلدا، ولم نطلع على شئ منه (5) التحصيل والتفصيل، لكتاب التذييل والتكميل، ذكر السيوطي أنه عدة مجلدات. (6) الجامع الصغير، ذكره السيوطي، ويوجد في مكتبة باريس.
[ 7 ]
(7) الجامع الكبير، ذكره السيوطي. (8) رسالة في انتصاب (لغة) و (فضلا) وإعراب (خلافا) و (أيضا) و (هلم جرا) ونحو ذلك، وهى موجودة في دار الكتب المصرية وفى مكتبتي برلين وليدن، وهى برمتها في كتاب (الاشباه والنظائر النحوية) للسيوطي. (9) رسالة في استعمال المنادى في تسع آيات من القرآن الكريم، موجودة في مكتبة برلين. (10) رفع الخصاصة، عن قراء الخلاصة، ذكره السيوطي، وذكر أنه أربع مجلدات. (11) الروضة الادبية، في شواهد علوم العربية، يوجد بمكتبة برلين، وهو شرح شواهد كتاب اللمع لابن جنى. (12) شذور الذهب، في معرفة كلام العرب، طبع مرارا. (13) شرح البردة، ذكره السيوطي، ولعله شرح (بانت سعاد) الآتى. (14) شرح شذور الذهب المتقدم، طبع مرارا، ولنا عليه شرح طبع مرارا أيضا. (15) شرح الشواهد الصغرى، ذكره السيوطي، ولا ندرى أهو الروضة الادبية السابق ذكره، أم هو كتاب آخر ؟ (16) شرح الشواهد الكبرى، ذكره السيوطي أيضا، ولا ندرى حقيقة حاله. (17) شرح قصيدة (بانت سعاد) طبع مرارا. (18) شرح القصيدة اللغزية في المسائل النحوية، يوجد في مكتبة ليدن. (19) شرح قطر الندى، وبل الصدى، الآتى ذكره، طبع مرارا، ولنا عليه شرح طبع مرارا أيضا.
[ 8 ]
(21) عمدة الطالب، في تحقيق صرف ابن الحاجب، ذكره السيوطي، وذكر أنه في مجلدين. (22) فوح الشذا، في مسألة كذا، وهو شرح لكتاب (الشذا، في مسألة كذا) تصنيف أبى حيان، يوجد في ضمن كتاب (الاشباه والنظائر النحوية) للسيوطي. (23) قطر الندى وبل الصدى، طبع مرارا، ولنا عليه شرح مطبوع. (24) القواعد الصغرى، ذكره السيوطي. (25) القواعد الكبرى، ذكره السيوطي. (26) مختصر الانتصاف من الكشاف، وهو اختصار لكتاب صنفه ابن المنير في الرد على آراء المعتزلة التى ذكرها الزمخشري في تفسير الكشاف، واسم كتاب ابن المنير (الانتصاف من الكشاف) وكتاب ابن هشام يوجد في مكتبة برلين. (27) المسائل السفرية في النحو، ذكره السيوطي. (28) مغنى اللبيب عن كتب الاعاريب، طبع في طهران والقاهرة مرارا، وعليه شروح كثيرة، طبع منها عدد واف، من ذلك شرح للدمامينى وآخر للشمنى، وحاشية للامير وأخرى للدسوقي، ولنا عليه شرح مسهب، نسأل الله أن يوفق إلى طبعه، ومغنى اللبيب هذا هو الذى أقدمه اليوم في هذا الثوب القشيب. (29) موقد الاذهان وموقظ الوسنان، تعرض فيه لكثير من مشكلات النحو، يوجد في دار الكتب المصرية وفى مكتبتي برلين وباريس. وتوفى رحمه الله تعالى في ليلة الجمعة - وقيل: ليلة الخميس - الخامس من ذى القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة (سنة 1360 من الميلاد) رحمه الله رحمة واسعة وأسبغ على جدثه حلل الرضوان.
[ 9 ]
بسم الله الرحمن الرحيم قال سيدنا ومولانا الشيخ الامام العالم العلامة جمال الدين رحلة الطالبين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن هشام، الانصاري، قدس الله روحه، ونور ضريحه (1) أما بعد حمد الله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله، فإن أولى ما تقترحه القرائح، وأعلى ما تجنح إلى تحصيله الجوانح، ما يتيسر به فهم كتاب الله المنزل، ويتضح به معنى حديث نبيه المرسل، فإنهما الوسيلة إلى السعادة الابدية، والذريعة إلى تحصيل المصالح الدينية والدنيوية، وأصل ذلك علم الاعراب، الهادى إلى صوب الصواب، وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة أنشأت بمكة زادها الله شرفا كتابا في ذلك، منورا من أرجاء قواعده كل حالك، ثم إننى أصبت به وبغيره في منصرفي إلى مصر، ولما من الله [ تعالى ] على في عام ستة وخمسين بمعاودة حرم الله، والمجاورة في خير بلاد الله، شمرت عن ساعد الاجتهاد ثانيا، واستأنفت العمل لا كسلا ولا متوانيا، ووضعت هذا التصنيف، على أحسن إحكام وترصيف، وتتبعت فيه مقفلات مسائل الاعراب فافتتحتها، ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونقحتها، وأغلاطا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهت عليها وأصلحتها. فدونك كتابا تشد الرحال فيما دونه، وتقف عنده فحول الرجال ولا يعدونه، إذ كان الوضع في هذا الغرض لم تسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله ومما حثني على وضعه أننى لما أنشأت في معناه المقدمة الصغرى المسماة ب (الاعراب عن قواعد الاعراب) حسن وقعها عند أولى الالباب، وسار نفعها في جماعة الطلاب مع أن الذى أودعته فيها بالنسبة إلى ما ادخرته عنها كشذرة من عقد نحر، بل
(1) تختلف النسخ في هذه التقدمة، وظاهر أنها ليست من كلام المؤلف
[ 10 ]
كقطرة من قطرات بحر، وها أنا بائح بما أسررته، مفيد لما قررته وحررته، مقرب فوائده للافهام، واضع فرائده على طرف الثمام، لينالها الطلاب بأدنى إلمام، سائل من حسن خيمه، وسلم من داء الحسد أديمه، إذا عثر على شئ طغى به القلم، أو زلت به القدم، أن يغتفر ذلك في جنب ما قربت إليه من البعيد، ورددت عليه من الشريد، وأرحته من التعب، وصيرت القاصي يناديه من كثب، وأن يحضر قلبه أن الجواد قد يكبو، وأن الصارم قد ينبو، وأن النار قد تخبو، وأن الانسان محل النسيان، وأن الحسنات يذهبن السيئات: 1 - ومن ذا الذى ترضى سجاياه كلها ؟ ! * كفى المرء نبلا أن تعد معايبه وينحصر في ثمانية أبواب. الباب الاول، في تفسير المفردات وذكر أحكامها. الباب الثاني، في تفسير الجمل وذكر أقسامها وأحكامها. الباب الثالث، في ذكر ما يتردد بين المفردات والجمل، وهو الظرف والجار والمجرور، وذكر أحكامهما. الباب الرابع، في ذكر أحكام يكثر دورها، ويقبح بالمعرب جهلها. الباب الخامس، في ذكر الاوجه التى يدخل على المعرب الخلل من جهتها. الباب السادس، في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها الباب السابع، في كيفية الاعراب الباب الثامن، في ذكر أمور كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية وأعلم أننى تأملت كتب الاعراب فإذا السبب الذى اقتضى طولها ثلاثة أمور، أحدها: كثرة التكرار، فإنها لم توضع لافادة القوانين الكلية، بل للكلام على الصور الجزئية. فتراهم يتكلمون على التركيب المعين بكلام، ثم حيث جاءت نظائره أعادوا
[ 11 ]
ذلك الكلام، ألا ترى أنهم حيث مر بهم مثل الموصول في قوله تعالى: (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) ذكروا أن فيه ثلاثة أوجه، وحيث جاءهم مثل الضمير المنفصل في قوله تعالى: (إنك أنت السميع العليم) ذكروا فيه ثلاثة أوجه أيضا، وحيث جاءهم مثل الضمير المنفصل في قوله تعالى: (كنت أنت الرقيب عليهم) ذكروا فيه وجهين، ويكررون ذكر الخلاف فيه إذا أعرب فصلا، أله محل باعتبار ما قبله أم باعتبار ما بعده أم لا محل له ؟ والخلاف في كون المرفوع فاعلا أو مبتدأ إذا وقع بعد إذا في نحو (إذا السماء انشقت) أو إن في نحو (وإن امرأة خافت) أو الظرف في نحو (أفى الله شك) أو لو في نحو (ولو أنهم صبروا) وفى كون أن وأن وصلتهما بعد حذف الجار في نحو (شهد الله أنه لا إله إلا هو) ونحو (حصرت صدورهم أن يقاتلوكم) في موضع خفض بالجار المحذوف على حد قوله: 2 - [ إذا قيل أي الناس شر قبيلة ؟ ] * أشارت كليب بالاكف الاصابع [ ص 643 ] أو نصب بالفعل [ المذكور ] على حد قوله: 2 - [ لدن بهز الكف يعسل متنه ] * فيه كما عسل الطريق الثعلب [ ص 525 و 576 ] وكذلك يكررون الخلاف في جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض، وعلى الضمير المتصل المرفوع من غير وجود الفاصل، وغير ذلك مما إذا استقصى أمل القلم، وأعقب السأم، فجمعت هذه المسائل ونحوها مقررة محررة في الباب الرابع من هذا الكتاب، فعليك بمراجعته، فإنك تجد به كنزا واسعا تنفق منه، ومنهلا سائغا ترده وتصدر عنه. والامر الثاني: إيراد ما لا يتعلق بالاعراب، كالكلام في اشتقاق اسم، أهو من السمة كما يقول الكوفيون أو من السمو كما يقول البصريون ؟ والاحتجاج لكل من الفريقين، وترجيح الراجح من القولين، وكالكلام على ألفه، لم حذفت
[ 12 ]
من البسملة خطا ؟ وعلى باء الجر ولامه، لم كسرتا لفظا ؟ وكالكلام على ألف ذا الاشارية، أزائدة هي كما يقول الكوفيون أم منقلبة عن ياء هي عين واللام ياء أخرى محذوفة كما يقول البصريون ؟ والعجب من مكى بن أبى طالب إذ أورد مثل هذا في كتابه الموضوع لبيان مشكل الاعراب مع أن هذا ليس من الاعراب في شئ، وبعضهم إذا ذكر الكلمة ذكر تكسيرها وتصغيرها، وتأنيثها وتذكيرها، وما ورد (1) فيها من اللغات، وما روى من القراآت، وإن لم ينبن على ذلك شئ من الاعراب. والثالث: إعراب الواضحات، كالمبتدأ وخبره والفاعل ونائبه، والجار والمجرور، والعاطف والمعطوف، وأكثر الناس استقصاء لذلك الحوفى. وقد تجنبت هذين الامرين وأتيت مكانهما بما يتبصر به الناظر، ويتمرن به الخاطر، من إيراد النظائر القرآنية، والشواهد الشعرية، وبعض ما اتفق في المجالس النحوية. ولما تم هذا التصنيف على الوجه الذى قصدته، وتيسر فيه من لطائف المعارف ما أردته واعتمدته، سميته ب (مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب) وخطابي به لمن ابتدأ في تعلم الاعراب، ولمن استمسك منه بأوثق الاسباب. ومن الله تعالى أستمد الصواب، والتوفيق إلى ما يحظينى لديه بجزيل الثواب، وإياه أسأل أن يعصم القلم من الخطأ والخطل، والفهم من الزيغ والزلل، إنه أكرم مسئول، وأعظم مأمول.
(1) في نسخة (وما ذكر فيها من اللغات) (*)
[ 13 ]
الباب الاول في تفسير المفردات، وذكر أحكامها وأعنى بالمفردات الحروف وما تضمن معناها الاسماء والظروف، فإنها المحتاجة إلى ذلك، وقد رتبتها على حروف المعجم، ليسهل تناولها، وربما ذكرت أسماء غير تلك وأفعالا، لمسيس الحاجة إلى شرحها. (حرف الالف) الالف المفردة - تأتى على وجهين: أحدهما: أن تكون حرفا ينادى به القريب، كقوله: 4 - أفاطم مهلا بعض هذا التدلل * [ وإن كنت قد أزمعت صرمى فأجملي ] ونقل ابن الخباز عن شيخه أنه للمتوسط، وأن الذى للقريب (يا) وهذا خرق لاجماعهم. والثانى: أن تكون للاستفهام، وحقيقته: طلب الفهم، نحو (أزيد قائم) وقد أجيز الوجهان في قراءة الحرميين (أمن هو قانت آناء الليل) وكون الهمزة فيه للنداء هو قول الفراء، ويبعده أنه ليس في التنزيل نداء بغير (يا) ويقربه سلامته من دعوى المجاز، إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته، ومن دعوى كثرة الحذف، إذ التقدير عند جعلها للاستفهام: أمن هو قانت خير أم هذا الكافر، أي المخاطب بقوله تعالى: (قل تمتع بكفرك قليلا) فحذف شيئان: معادل الهمزة والخبر، ونظيره في حذف المعادل قول أبى ذؤيب الهذلى: 5 - دعاني إليها القلب، إنى لامره * سميع، فما أدرى أرشد طلابها [ ص 43 و 628 ] تقديره: أم غى، ونظيره في مجئ الخبر كلمة (خير) واقعة قبل أم (أفمن يلقى
[ 14 ]
في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة) ولك أن تقول: لا حاجة إلى تقدير معادل في البيت، لصحة قولك: ما أدرى هل طلابها رشد، وامتناع أن يؤتى لهل بمعادل، وكذلك لا حاجة في الآية إلى تقدير معادل، لصحة تقدير الخبر بقولك: كمن ليس كذلك، وقد قالوا في قوله تعالى: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت): إن التقدير: كمن ليس كذلك، أو لم يوحدوه، ويكون (وجعلوا لله شركاء) معطوفا على الخبر على التقدير الثاني، وقالوا: التقدير في قوله تعالى: (أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) أي كمن ينعم في الجنة، وفى قوله تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) أي كمن هداه الله، بدليل (فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء) أو التقدير: ذهبت نفسك عليهم حسرة، بدليل قوله تعالى: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) وجاء في التنزيل موضع صرح فيه بهذا الخبر وحذف المبتدأ، على العكس مما نحن فيه، وهو قوله تعالى: (كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما) أي أمن هو خالد في الجنة يسقى من هذه الانهار كمن هو خالد في النار، وجاءا مصرحا بهما على الاصل في قوله تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله). والالف أصل أدوات الاستفهام، ولهذا خصت بأحكام: أحدها: جواز حذفها، سواء تقدمت على (أم) كقول عمر بن أبى ربيعة: 6 - بدالى منها معصم حين جمرت * وكف خضيب زينت ببنان فو الله ما أدرى وإن كنت داريا * بسبع رميت الجمر أم بثمان ؟ أراد أبسبع، أم لم تتقدمها كقول الكميت: 7 - طربت وما شوقا إلى البيض أطرب * ولا لعبا منى وذو الشيب يلعب أراد أوذو الشيب يلعب ؟ واختلف في قول عمر بن أبى ربيعة:
[ 15 ]
8 - ثم قالوا: تحبها ؟ قلت: بهرا * عدد الرمل والحصى والتراب فقيل: أراد أتحبها، وقيل إنه خبر، أي أنت تحبها، ومعنى (قلت بهرا) قلت أحبها حبا بهرنى بهرا، أي غلبنى غلبة، وقيل: معناه عجبا، وقال المتنبي: 9 - أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا * والبين جار على ضعفى وما عدلا أحيا: فعل مضارع، والاصل أأحيا، فحذفت همزة الاستفهام، والواو للحال، والمعنى التعجب من حياته، يقول: كيف أحيا وأقل شئ قاسيته قد قتل غيرى، والاخفش يقيس ذلك في الاختيار عند أمن اللبس، وحمل عليه قوله تعالى: (وتلك نعمة تمنها على) وقوله تعالى: (هذا ربى) في المواضع الثلاثة، والمحققون على أنه خبر، وأن مثل ذلك يقوله من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكى كلامه ثم يكر عليه بالابطال بالحجة، وقرأ ابن محيصن (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) وقال عليه الصلاة والسلام لجبريل عليه السلام: (وإن زنى وإن سرق ؟) فقال: (وإن زنى وإن سرق). الثاني: أنها ترد لطلب التصور، نحو (أزيد قائم أم عمرو) ولطلب التصديق، نحو (أزيد قائم ؟) وهل مختصة بطلب التصديق، نحو (هل قام زيد) وبقية الادوات مختصة بطلب التصور، نحو (من جاءك ؟ وما صنعت ؟ وكم مالك ؟ وأين بيتك ؟ ومتى سفرك ؟). الثالث: أنها تدخل على الاثبات كما تقدم، وعلى النفى نحو (ألم نشرح لك صدرك) (أو لما أصابتكم مصيبة) وقوله: 10 - ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد * إذا ألاقى الذى لاقاه أمثالى ؟ [ ص 69 ] ذكره بعضهم، وهو منتقض بأم، فإنها تشاركها في ذلك، تقول: أقام زيد أم لم يقم ؟. الرابع: تمام التصدير، بدليلين، أحدهما: أنها لا تذكر بعد (أم) التى للاصراب كما يذكر غيرها، لا تقول: أقام زيد أم أقعد، وتقول: أم هل قعد،
[ 16 ]
والثانى: أنها إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم قدمت على العاطف تنبيها على أصالتها في التصدير، نحو (أو لم ينظروا) (أفلم يسيروا) (أثم إذا ما وقع آمنتم به) وأخواتها تتأخر عن حروف العطف كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة، نحو (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ؟) (فأين تذهبون) (فأنى تؤفكون) (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) (فأى الفريقين) (فما لكم في المنافقين فئتين) هذا مذهب سيبويه والجمهور، وخالفهم جماعة أولهم الزمخشري، فزعموا أن الهمزة في تلك المواضع في محلها الاصلى، وأن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، فيقولون: التقدير في (أفلم يسيروا) (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) (أفإن مات أو قتل انقلبتم) (أفما نحن بميتين): أمكثوا فلم يسيروا في الارض، أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا، أتؤمنون به في حياته فإن مات أو قتل انقلبتم، أنحن مخلدون فما نحن بميتين، ويضعف قولهم ما فيه من التكلف، وأنه غير مطرد [ في جميع المواضع ] أما الاول فلدعوى حذف الجملة، فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال: إنه أسهل منه، لان المتجوز فيه على قولهم أقل لفظا، مع أن في هذا التجوز تنبيها على أصالة شئ في شئ، أي أصالة الهمزة في التصدير، وأما الثاني فلانه غير ممكن في نحو (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) وقد جزم الزمخشري في مواضع بما يقوله الجماعة، منها قوله في (أفأمن أهل القرى): إنه عطف على (فأخذناهم بغتة) وقوله في (أئنا لمبعوثون أو آباؤنا) فيمن قرأ بفتح الواو: إن (آباؤنا) عطف على الضمير في (مبعوثون) وإنه اكتفى بالفصل بينهما بهمزة الاستفهام، وجوز الوجهين في موضع، فقال في قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون): دخلت همزة الانكار على الفاء العاطفة جملة على جملة، ثم توسطت الهمزة بينهما، ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون.
[ 17 ]
فصل قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي، فترد لثمانية معان: أحدها: التسوية، وربما توهم أن المراد بها الهمزة الواقعة بعد كلمة (سواء) بخصوصها، وليس كذلك، بل كما تقع بعدها تقع بعد (ما أبالى) و (ما أدرى) و (ليت شعرى) ونحوهن، والطابط: أنها الهمزة الداخلة على جملة يصح حلول المصدر محلها، نحو (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) ونحو (ما أبالى أقمت أم قعدت) ألا ترى أنه يصح سواء عليهم الاستغفار وعدمه وما أبالى بقيامك وعدمه. والثانى: الانكار الابطالي، وهذه تقتضي أن ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب، نحو (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا) (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) (أفسحر هذا) (أشهدوا خلقهم) (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) (أفعيينا بالخلق الاول) ومن جهة إفادة هذه الهمزة نفى ما بعدها لزم ثبوته إن كان منفيا، لان نفى النفى إثبات، ومنه (أليس الله بكاف عبده) أي الله كاف عبده، ولهذا عطف (وضعنا) على (ألم نشرح لك صدرك) لما كان معناه شرحنا، ومثله (ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى) (ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل) ولهذا أيضا كان قول جرير في عبد الملك: 11 - ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح مدحا، بل قيل: إنه أمدح بيت قالته العرب، ولو كان على الاستفهام الحقيقي لم يكن مدحا ألبتة. والثالث: الانكار التوبيخى، فيقتضى أن ما بعدها واقع، وأن فاعله ملوم، (2 - مغنى اللبيب 1)
[ 18 ]
نحو (أتعبدون ما تنحتون) (أغير الله تدعون) (أئفكا آلهة دون الله تريدون) (أتأتون الذكران) (أتأخذونه بهتانا) وقول العجاج: 12 - أطربا وأنت قنسرى * والدهر بالانسان دوارى ؟ [ ص 681 ] أي أتطرب وأنت شيخ كبير ؟. والرابع: التقرير، ومعناه حملك المخاطب على الاقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه، ويجب أن يليها الشئ الذى تقرره به، تقول في التقرير بالفعل: أضربت زيدا ؟ وبالفاعل: أأنت ضربت زيدا، وبالمفعول: أزيدا ضربت، كما يجب ذلك في المستفهم عنه، وقوله تعالى: (أأنت فعلت هذا) محتمل لارادة الاستفهام الحقيقي، بأن يكونوا لم يعلموا أنه الفاعل، ولارادة التقرير، بأن يكونوا قد علموا، ولا يكون استفهاما عن الفعل ولا تقريرا به، لان الهمزة لم تدخل عليه، ولانه عليه الصلاة والسلام قد أجابهم بالفاعل بقوله: (بل فعله كبيرهم هذا). فإن قلت: ما وجه حمل الزمخشري الهمزة في قوله تعالى: (ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير) على التقرير ؟. قلت: قد اعتذر عنه بأن مراده التقرير بما بعد النفى، لا التقرير بالنفى، والاولى أن تحمل الآية على الانكار التوبيخى أو الابطالي، أي ألم تعلم أيها المنكر للنسخ. والخامس: التهكم، نحو (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا). والسادس: الامر، نحو (أأسلمتم) أي أسلموا. والسابع: التعجب، نحو (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل). والثامن: الاستبطاء، نحو (ألم يأن للذين آمنوا). وذكر بعضهم معاني أخر لا صحة لها.
[ 19 ]
تنبيه - قد تقع الهمزة فعلا، وذلك أنهم يقولون (وأى) بمعنى وعد، ومضارعه يئى بحذف الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة، كما تقول: وفى يفى، وونى ينى، والامر منه إه، بحذف اللام [ للامر ] وبالهاء للسكت في الوقف، وعلى ذلك يتخرج اللغز المشهور، وهو قوله: 13 - إن هند المليحة الحسناء * وأى من أضمرت لخل وفاء فإنه يقال: كيف رفع اسم إن وصفته الاولى ؟ والجواب: أن الهمزة فعل أمر، والنون للتوكيد، والاصل إين بهمزة مكسورة، وياء ساكنة للمخاطبة، ونون مشددة للتوكيد، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع النون المدغمة كما في قوله: 14 - لتقرعن على السن من ندم * إذا تذكرت يوما بعض أخلاقي وهند: منادى مثل (يوسف أعرض عن هذا) والمليحة: نعت لها على اللفظ كقوله: 15 - * يا حكم الوارث عن عبد الملك * والحسناء: إما نعت لها على الموضع كقول مادح عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه: 16 - يعود الفضل منك على قريش * وتفرج عنهم الكرب الشدادا فما كعب بن مامة وابن سعدى * بأجود منك يا عمرالجوادا وإما بتقدير أمدح، وإما نعت لمفعول به محذوف، أي عدى يا هند الخلة الحسناء، وعلى الوجهين الاولين فيكون إنما أمرها بإيقاع الوعد الوفى، من غير أن يعين لها الموعود، وقوله (وأى) مصدر نوعي منصوب بفعل الامر، والاصل وأيا مثل وأى من، ومثله (فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) وقوله (أضمرت) بتاء التأنيث محمول على معنى من مثل (من كانت أمك ؟).
[ 20 ]
(آ) بالمد - حرف لنداء البعيد، وهو مسموع، لم يذكره سيبويه، وذكره غيره. (أيا) حرف كذلك، وفى الصحاح أنه حرف لنداء القريب والبعيد، وليس كذلك، قال الشاعر: 17 - أيا جبلى نعمان بالله خليا * نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها وقد تبدل همزتها هاء، كقوله: 18 - فأصاخ يرجو أن يكون حيا * ويقول من فرح: هيا ربا (أجل) بسكون اللام - حرف جواب مثل نعم، فيكون تصديقا للمخبر، وإعلاما للمستخبر، ووعدا للطالب، فتقع بعد نحو (قام زيد) ونحو (أقام زيد) ونحو (أضرب زيدا) وقيد المالقى الخبر بالمثبت، والطلب بغير النهى، وقيل: لا تجئ بعد الاستفهام، وعن الاخفش هي بعد الخبر أحسن من نعم ونعم بعد الاستفهام أحسن منها، وقيل: تختص بالخبر، وهو قول الزمخشري وابن مالك وجماعة، وقال ابن خروف: أكثر ما تكون بعده. (إذن) فيها مسائل: الاولى: في نوعها، قال الجمهور: هي حرف، وقيل: اسم، والاصل في (إذن أكرمك) إذا جئتني أكرمك، ثم حذفت الجملة، وعوض التنوين عنها، وأضمرت أن، وعلى القول الاول، فالصحيح أنها بسيطة، لا مركبة من إذ وأن، وعلى البساطة فالصحيح أنها الناصبة، لا أن مضمرة بعدها. المسألة الثانية: في معناها، قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء، فقال الشلوبين: في كل موضع، وقال أبو على الفارسى: (في الاكثر، وقد تتمحض للجواب، بدليل أنه يقال لك: أحبك، فتقول: إذن أظنك صادقا،
[ 21 ]
إذ لا مجازاة هنا ضرورة) اه. والاكثر أن تكون جوابا لان أو لو مقدرتين أو ظاهرتين، فالاول كقوله: 19 - لئن عاد لى عبد العزيز بمثلها * وأمكنني منها إذا لا أقيلها وقول الحماسي: 20 - لو كنت من مازن لم تستبح إبلى * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا [ ص 257 ] إذا لقام بنصري معشر خشن * عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا فقوله (إذا لقام بنصري) بدل من (لم تستبح) وبدل الجواب جواب، والثانى نحو أن يقال: آتيك، فتقول: (إذن أكرمك) أي: إن أتيتني إذن أكرمك، وقال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله، إذن لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض) قال الفراء: حيث جاءت بعدها اللام فقبلها لو مقدرة، إن لم تكن ظاهرة. المسألة الثالثة: في لفظها عند الوقف عليها، والصحيح أن نونها تبدل ألفا، تشبيها لها بتنوين المنصوب، وقيل: يوقف بالنون، لانها كنون لن وإن، روى عن المازنى والمبرد، وينبنى على الخلاف في الوقف عليها خلاف في كتابتها، فالجمهور يكتبونها بالالف، وكذا رسمت في المصاحف، والمازني والمبرد بالنون، وعن القراء إن عملت كتبت بالالف، وإلا كتبت بالنون، للفرق بينها وبين إذا، وتبعه ابن خروف. المسألة الرابعة: في عملها، وهو نصب المضارع، بشرط تصديرها، واستقباله، واتصالهما أو انفصالهما بالقسم أو بلا النافية، يقال: آتيك، فتقول: (إذن أكرمك) ولو قلت (أنا إذن) قلت (أكرمك) بالرفع، لفوات التصدير، فأما قوله:
[ 22 ]
21 - لا تتركني فيهم شطيرا * إنى إذا أهلك أو أطيرا فمؤول على حذف خبر إن، أي إنى لا أقدر على ذلك، ثم استأنف ما بعده، ولو قلت (إذا يا عبد الله) قلت: (أكرمك) بالرفع، للفصل بغير ما ذكرنا، وأجاز ابن عصفور الفصل بالنداء، وابن بابشاذ الفصل بالنداء وبالدعاء، والكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل، والارجح حينئذ عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع، ولو قيل لك (أحبك) فقلت (إذن أظنك صادقا) رفعت، لانه حال تنبيه - قال جماعة من النحويين: إذا وقعت إذن بعد الواو أو الفاء جاز فيها الوجهان، نحو (وإذن لا يلبثون خلافك إلا قليلا) (فإذن لا يأتون الناس نقيرا) وقرئ شاذا بالنصب فيهما، والتحقيق أنه إذا قيل: (إن تزرنى أزرك وإذن أحسن إليك) فإن قدرت العطف على الجواب جزمت وبطل عمل إذن لوقوعها حشوا، أو على الجملتين جميعا جاز الرفع والنصب لتقدم العاطف، وقيل: يتعين النصب، لان ما بعدها مستأنف، أو لان المعطوف على الاول أول ومثل ذلك (زيد يقوم وإذن أحسن إليه) إن عطفت على الفعلية رفعت، أو على الاسمية فالمذهبان. (إن) المكسورة الخفيفة - ترد على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون شرطية، نحو (إن ينتهوا يغفر لهم) (وإن تعودوا نعد) وقد تقترن بلا النافية فيظن من لا معرفة له أنها إلا الاستثنائية، نحو (إلا تنصروه فقد نصره الله) (إلا تنفروا يعذبكم) (وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين) (وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن) وقد بلغني أن بعض من يدعى الفضل سئل في (إلا تفعلوه) فقال: ما هذا الاستثناء ؟ أمتصل أم منقطع ؟. الثاني: أن تكون نافية، وتدخل على الجملة الاسمية، نحو (إن الكافرون
[ 23 ]
إلا في غرور) (إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم) ومن ذلك (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) أي: وما أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به، فحذف المبتدأ، وبقيت صفته، ومثله (وإن منكم إلا واردها) وعلى الجملة الفعلية نحو (إن أردنا إلا الحسنى) (إن يدعون من دونه إلا إناثا) (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) (إن يقولون إلا كذبا). وقول بعضهم: لا تأتى إن النافية إلا وبعدها إلا كهذه الآيات، أو لما المشددة التى بمعناها كقراءة بعض السبعة (إن كل نفس لما عليها حافظ) بتشديد الميم، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، مردود بقوله تعالى: (إن عندكم من سلطان بهذا) (قل إن أدرى أقريب ما توعدون) (وإن أدرى لعله فتنة لكم) وخرج جماعة على إن النافية قوله تعالى: (إن كنا فاعلين)، (قل إن كان للرحمن ولد) وعلى هذا فالوقف هنا، وقوله تعالى: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) أي في الذى ما مكناكم فيه، وقيل: زائدة، ويؤيد الاول (مكناهم في الارض ما لم نمكن لكم) وكأنه إنما عدل عن ما لئلا يتكرر فيثقل اللفظ، قيل: ولهذا لما زادوا على ما الشرطية ما قلبوا ألف ما الاولى هاء فقالوا: مهما، وقيل: بل هي في الآية بمعنى قد، وإن من ذلك (فذكر إن نفعت الذكرى) وقيل في هذه الآية: إن التقدير وإن لم تنفع، مثل (سرابيل تقيكم الحر) أي والبرد، وقيل: إنما قيل ذلك بعد أن عمهم بالتذكير ولزمتهم الحجة، وقيل: ظاهره الشرط ومعناه ذمهم واستبعاد لنفع التذكير فيهم، كقولك: عظ الظالمين إن سمعوا منك، تريد بذلك الاستبعاد، لا الشرط. وقد اجتمعت الشرطية والنافية في قوله تعالى: (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) الاولى شرطية، والثانية نافية، جواب للقسم الذى أذنت به اللام الداخلة على الاولى، وجواب الشرط محذوف وجوبا. وإذا دخلت على الجملة الاسمية لم تعمل عند سيبويه والفراء، وأجاز الكسائي
[ 24 ]
والمبرد إعمالها عمل ليس، وقرأ سعيد بن جبير (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) بنون مخففة مكسورة لالتقاء الساكنين، ونصب عبادا وأمثالكم، وسمع من أهل العالية (إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية) و (إن ذلك نافعك ولا ضارك) ومما يتخرج على الاهمال الذى هو لغة الاكثرين قول بعضهم: (إن قائم) وأصله إن أنا قائم، فحذفت همزة أنا اعتباطا، وأدغمت نون إن في نونها، وحذفت ألفها في الوصل، وسمع (إن قائما) على الاعمال، وقول بعضهم نقلت حركة الهمزة إلى النون ثم أسقطت على القياس في التخفيف بالنقل ثم سكنت النون وأدغمت مردود، لان المحذوف لعلة كالثابت، ولهذا تقول (هذا قاض) بالكسر لا بالرفع، لان حذف الياء لالتقاء الساكنين، فهى مقدرة الثبوت، وحينئذ فيمتنع الادغام، لان الهمزة فاصلة في التقدير، ومثل هذا البحث في قوله تعالى: (لكنا هو الله ربى). الثالث: أن تكون مخففة من الثقيلة، فتدخل على الجملتين: فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين، لنا قراءة الحرميين وأبى بكر (وإن كلا لما ليوفينهم) وحكاية سيبويه (إن عمرا لمنطلق) ويكثر إهمالها، نحو (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) وقراءة حفص (إن هذان لساحران) وكذا قرأ ابن كثير إلا أنه شدد نون هذان، ومن ذلك (إن كل نفس لما عليها حافظ) في قراءة من خفف لما وإن دخلت على الفعل أهملت وجوبا، والاكثر كون الفعل ماضيا ناسخا، نحو (وإن كانت لكبيرة) (وإن كادوا ليفتنونك) (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) ودونه أن يكون مضارعا ناسخا، نحو (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك) (وإن نظنك لمن الكاذبين) ويقاس على النوعين اتفاقا، ودون هذا أن يكون ماضيا غير ناسخ، نحو قوله: 22 - شلت يمينك إن قتلت لمسلما * جلت عليك عقوبة المتعمد
[ 25 ]
ولا يقاس عليه خلافا للاخفش، أجاز (إن قام لانا، وإن قعد لانت) ودون هذا أن يكون مضارعا غير ناسخ كقول بعضهم (إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه) ولا يقاس عليه إجماعا، وحيث وجدت إن وبعدها اللام المفتوحة كما في هذه المسألة فاحكم عليها بأن أصلها التشديد، وفى هذه اللام خلاف يأتي في باب اللام، إن شاء الله تعالى. الرابع: أن تكون زائدة، كقوله: 23 - ما إن أتيت بشئ أنت تكرهه * [ إذن فلا رفعت سوطي إلى يدى ] وأكثر ما زيدت بعد (ما) النافية إذا دخلت على جملة فعلية كما في البيت، أو اسمية كقوله. 24 - فما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا وفى هذه الحالة تكف عمل (ما) الحجازية كما في البيت، وأما قوله: 25 - بنى غدانة ما إن أنتم ذهبا * ولا صريفا ولكن أنتم الخزف في رواية من نصب ذهبا وصريفا، فخرج على أنها نافية مؤكدة لما. وقد تزاد بعد ما الموصولة الاسمية كقوله: 26 - يرجى المرء ما إن لا براه * وتعرض دون أدناه الخطوب [ ص 679 ] وبعد ما المصدرية كقوله: 27 - ورج الفتى للخير ما إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [ ص 38 و 304 و 679 ] وبعد ألا الاستفتاحية كقوله: 28 - ألا إن سرى ليلى فبت كئيبا * أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا وقبل مدة الانكار، سمع سيبويه رجلا يقال له: أتخرج إن أخصبت البادية ؟ فقال: أأنا إنيه ؟ منكرا أن يكون رأيه على خلاف ذلك، وزعم ابن الحاجب أنها تزاد بعد لما الايجابية، وهو سهو، وإنما تلك أن المفتوحة.
[ 26 ]
وزيد على هذه المعاني الاربعة معنيان آخران، فزعم قطرب أنها قد تكون بمعنى قد كما مر في (إن نفعت الذكرى) وزعم الكوفيون أنها تكون بمعنى إذ، وجعلوا منه (واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وقوله عليه الصلاة والسلام (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ونحو ذلك مما الفعل فيه محقق الوقوع، وقوله: 29 - أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا * جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم ؟ [ ص 35 و 36 ] قالوا: وليست شرطية، لان الشرط مستقبل، وهذه القصة قد مضت. وأجاب الجمهور عن قوله تعالى (إن كنتم مؤمنين) بأنه شرط جئ به للتهييج والالهاب، كما تقول لابنك: إن كنت ابني فلا تفعل كذا. وعن آية المشيئة بأنه تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل، أو بأن أصل ذلك الشرط، ثم صار يذكر للتبرك، أو أن المعنى لتدخلن جميعا إن شاء الله أن لا يموت منكم أحد قبل الدخول، وهذا الجواب لا يدفع السؤال، أو أن ذلك من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه حين أخبرهم بالمنام، فحكى ذلك لنا، أو من كلام الملك الذى أخبره في المنام. وأما البيت فمحمول على وجهين: أحدهما: أن يكون على إقامة السبب مقام المسبب، والاصل أتغصب إن افتخر مفتخر بسبب حز أذنى قتيبة، إذ الافتخار بذلك يكون سببا للغضب ومسببا عن الحز. الثاني: أن يكون على معنى التبين، أي أتغضب إن تبين في المستقبل أن أذنى قتيبة حزتا فيما مضى، كما قال الآخر: 30 - إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * ولم تجدى من أن تقرى به بدا أي يتبين أنى لم تلدني لئيمة.
[ 27 ]
وقال الخليل والمبرد: الصواب (أن أذنا) بفتح الهمزة من أن، أي لان أذنا، ثم هي عند الخليل أن الناصبة، وعند المبرد أنها أن المخففة من الثقيلة. ويرد قول الخليل أن أن الناصبة لايليها الاسم على إضمار الفعل، وإنما ذلك لان المكسورة، نحو (وإن أحد من المشركين استجارك). وعلى الوجهين يتخرج قول الآخر: 31 - إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن * عارا عليك، ورب قتل عار [ ص 134 و 503 ] أي إن يفتخروا بسبب قتلك، أو إن يتبين أنهم قتلوك. (أن) المفتوحة الهمزة الساكنة النون - على وجهين: اسم، وحرف. والاسم على وجهين: ضمير المتكلم في قول بعضهم (أن فعلت) بسكون النون، والاكثرون على فتحها وصلا، وعلى الاتيان بالالف وقفا، وضمير المخاطب في قولك (أنت، وأنت، وأنتما، وأنتم، وأنتن) على قول الجمهور: إن الضمير هو أن والتاء حرف خطاب. والحرف على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع، وتقع في موضعين، أحدهما: في الابتداء، فتكون في موضع رفع نحو (وأن تصوموا خير لكم) (وأن تصبروا خير لكم) (وأن يستعففن خير لهن) (وأن تعفوا أقرب للتقوى) وزعم الزجاج أن منه (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) أي خير لكم، فحذف الخبر، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، وقيل في (فالله أحق أن تخشوه): إن أحق خبر عما بعده، والجملة خبر عن اسم الله سبحانه، وفى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) كذلك، والظاهر فيهما أن الاصل أحق بكذا. والثانى: بعد لفظ دال
[ 28 ]
على معنى غير اليقين، فتكون في موضع رفع نحو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) (وعسى أن تكرهوا شيئا) الآية، ونحو (يعجبنى أن تفعل) ونصب نحو (وما كان هذا القرآن أن يفترى) (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) (فأردت أن أعيبها) وخفض نحو (أوذينا من قبل أن تأتينا) (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) (وأمرت لان أكون) ومحتملة لهما نحو (والذى أطمع أن يغفر لي) أصله في أن يغفر لى، ومثله (أن تبروا) إذا قدر في أن تبروا أو لئلا تبروا، وهل المحل بعد حذف الجار جر أو نصب ؟ فيه خلاف، وسيأتى، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، واختلف في المحل من نحو (عسى زيد أن يقوم) فالمشهور أنه نصب على الخبرية، وقيل: على المفعولية، وإن معنى (عسيت أن تفعل) قاربت أن تفعل، ونقل عن المبرد، وقيل: نصب بإسقاط الجار أو بتضمين الفعل معنى قارب، نقله ابن مالك عن سيبويه، وإن المعنى دنوت من أن تفعل أو قاربت أن تفعل، والتقدير الاول بعيد، إذ لم يذكر هذا الجار في وقت، وقيل: رفع على البدل سد مسد الجزأين كما سد في قراءة حمزة (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم) مسد المفعولين. وأن هذه موصول حرفي، وتوصل بالفعل المتصرف، مضارعا كان كما مر، أو ماضيا نحو (لو لا أن من الله علينا) (ولو لا أن ثبتناك) أو أمرا كحكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم). هذا هو الصحيح. وقد اختلف من ذلك في أمرين: أحدهما: كون الموصولة بالماضي والامر هي الموصولة بالمضارع، والمخالف في ذلك ابن طاهر، زعم أنها غيرها، بدليلين، أحدهما: أن الداخلة على المضارع تخلصه للاستقبال، فلا تدخل على غيره كالسين وسوف، والثانى: أنها لو كانت الناصبة لحكم على موضعهما بالنصب كما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية، ولا قائل به.
[ 29 ]
والجواب عن الاول أنه منتقض بنون التوكيد، فإنها تخلص المضارع للاستقبال وتدخل على الامر باطراد واتفاق، وبأدوات الشرط فإنها أيضا تخلصه مع دخولها على الماضي باتفاق. وعن الثاني أنه إنما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية لانها أثرت القلب إلى الاستقبال في معناه فأثرت الجزم في محله، كما أنها لما أثرت التخليص إلى الاستقبال في معنى المضارع أثرت النصب في لفظه. الامر الثاني: كونها توصل بالامر، والمخالف في ذلك أبو حيان، زعم أنها لا توصل به، وأن كل شئ سمع من ذلك فأن فيه تفسيرية، واستدل بدليلين، أحدهما: أنهما إذا قدرا بالمصدر فات معنى الامر، الثاني: أنهما لم يقعا فاعلا ولا مفعولا، لا يصح (أعجبني أن قم) ولا (كرهت أن قم) كما يصح ذلك مع الماضي ومع المضارع. والجواب عن الاول أن فوات معنى الامرية في الموصولة بالامر عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضى والاستقبال في الموصولة بالماضي والموصولة بالمضارع عند التقدير المذكور، ثم إنه يسلم مصدرية أن المخففة من المشددة مع لزوم مثل ذلك فيها في نحو (والخامسة أن غضب الله عليها) إذ لا يفهم الدعاء من المصدر إلا إذا كان مفعولا مطلقا نحو سقيا ورعيا. وعن الثاني أنه إنما امتنع ما ذكره لانه لا معنى لتعليق الاعجاب والكراهية بالانشاء، لا لما ذكر، ثم ينبغى له أن لا يسلم مصدرية كى، لانها لا تقع فاعلا ولا مفعولا، وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل. ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم) وأجاب عنها بأن الباء محتملة للزيادة مثلها في قوله: 32 - [ هن الحرائر لا ربات أخمرة * سود المحاجر ] لا يقرأن بالسور [ ص 109 و 675 ]
[ 30 ]
وهذا وهم فاحش، لان حروف الجر - زائدة كانت أو غير زائدة - لا تدخل إلا على الاسم أو ما في تأويله. تنبيه - ذكر بعض الكوفيين وأبو عبيدة أن بعضهم يجزم بأن، ونقله اللحيانى عن بعض بنى صباح من ضبة، وأنشدوا عليه قوله: 33 - إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا * تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب وقوله: 34 - أحاذر أن تعلم بها فتردها * فتتركها ثقلا على كما هيا وفى هذا نظر، لان عطف المنصوب عليه يدل على أنه مسكن للضرورة، لا مجزوم. وقد يرفع الفعل بعدها كقراءة ابن محيصن (لمن أراد أن يتم الرضاعة)، وقول الشاعر: 35 - أن تقرآن على أسماء ويحكما * منى السلام وأن لا تشعرا أحدا [ ص 697 ] وزعم الكوفيون أن أن هذه هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل، والصواب قول البصريين: إنها أن الناصبة أهملت حملا على (ما) أختها المصدرية، وليس من ذلك قوله: 36 - ولا تدفنني في الفلاة، فإننى * أخاف إذا مامت أن لا أذوقها كما زعم بعضهم، لان الخوف هنا يقين، فأن مخففة من الثقيلة. الوجه الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته نحو (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا) (علم أن سيكون) (وحسبوا أن لا تكون) فيمن رفع تكون، وقوله: 37 - زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا * أبشر بطول سلامة يا مربع
[ 31 ]
وأن هذه ثلاثية الوضع، وهى مصدرية أيضا، وتنصب الاسم وترفع الخبر، خلافا للكوفيين، زعموا أنها لا تعمل شيئا، وشرط اسمها أن يكون ضميرا محذوفا، وربما ثبت كقوله: 38 - فلو أنك في يوم الرخاء سألتنى * طلاقك لم أبخل وأنت صديق وهو مختص بالضرورة على الاصح، وشرط خبرها أن يكون جملة، ولا يجوز إفراده، إلا إذا ذكر الاسم فيجوز الامران، وقد اجتمعا في قوله: 39 - بأنك ربيع وغيث مربع * وأنك هناك تكون الثمالا الثالث: أن تكون مفسرة بمنزلة أي، نحو (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك) (ونودوا أن تلكم الجنة) وتحتمل المصدرية بأن يقدر قبلها حرف الجر، فتكون في الاول أن الثنائية لدخولها على الامر، وفى الثانية المخففة من الثقيلة لدخولها على الاسمية. وعن الكوفيين إنكار أن التفسيرية البتة، وهو عندي متجه، لانه إذا قيل (كتبت إليه أن قم) لم يكن قم نفس كتبت كما كان الذهب نفس العسجد في قولك: هذا عسجد أي ذهب، ولهذا لو جئت بأى مكان (أن) في المثال لم تجده مقبولا في الطبع. ولها عند مثبتها شروط: أحدها: أن تسبق بجملة، فلذلك غلط من جعل منها (وآخر دعواهم أن الحمد لله). والثانى: أن تتأخر عنها جملة، فلا يجوز (ذكرت عسجدا أن ذهبا) بل يجب الاتيان بأى أو ترك حرف التفسير، ولا فرق بين الجملة الفعلية كما مثلنا والاسمية نحو (كتبت إليه أن ما أنت وهذا). والثالث: أن يكون في الجملة السابقة معنى القول كما مر، ومنه (وانطلق
[ 32 ]
الملا منهم أن امشوا) إذ ليس المراد بالانطلاق المشى، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أنه ليس المراد بالمشى المشى المتعارف، بل الاستمرار على الشئ. وزعم الزمخشري أن التى في قوله تعالى: (أن اتخذى من الجبال بيوتا) مفسرة، ورده أبو عبد الله الرازي بأن قبله (وأ
مغنى اللبيب عن كتب الاعاريب تأليف الامام أبى محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف أبن أحمد بن عبد الله بن هشام، الانصاري، المصرى المتوفى في سنة 761 من الهجرة حققه وفصله، وضبط غرائبه محمد محيى الدين عبد الحميد عفا الله تعالى عنه منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم - ايران 1404 ه - ق الجزء الاول
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على سابغ نعمائه، والشكر له سبحانه على وافر آلائه، وصلاته وسلامه على صفوة الصفوة من رسله وأنبيائه، وعلى آله وصحبه وسائر أوليائه. اللهم إنى أحمدك حمد المعترف بتقصيره وقصوره، المقر بخطاياه وذنوبه، المؤمل في واسع رحمتك وعظيم فضلك، أن تشمله بعفوك، وتسبل عليه جميل سترك، فإنك - يا رب - أنعمت متفضلا، وتطولت مبتدئا، ولن يخيب راجيك، ولن يرد سائلك. وبعد، فإنى منذ أكثر من عشرين عاما أنشأت شرحا على كتاب (مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب) أوعب كتب العلامة أبى محمد عبد الله جمال الدين بن هشام الانصاري، المصرى، وكنت قد تنوقت في هذا الشرح على قدر ما يستحقه الاصل من العناية وبذل الوسع، وكنت أعود إليه بين الحين والحين فأزيد فيه ما يجد لى من البحث، حتى أوفيت على الغاية، وبلغت من ذلك ما تمنيت. ولكني لم أظفر إلى يوم الناس هذا بناشر يقوم بإظهاره لقراء العربية، إذ كان الناشرون لهذا النوع من المؤلفات إنما يقدمون على نشر ما يعتقدون أنهم رابحون من ورائه الربح الجزيل، فهم يقدرون ويقدرون ويقدرون ثم يقدمون أو يحجمون وقد كان من نصيب هذا الكتاب أن يحجم من عرفت من الناشرين عن الانفاق عليه، رغم تهافت كثرتهم على مؤلفاتي، وليس فيه من عيب عندهم إلا أنه كتاب كبير الحجم، وقراؤه في طبعات شروحه القديمة قلة لا نسد نهمهم، ولا تغنى عندهم، ومن آيات ذلك أنى عرضت على ثلاثة من الناشرين الواحد بعد الآخر التوفر على نشر هذا الكتاب، وكان أحدهم يوافق رضى النفس منشرح الصدر، حتى إذا علم أن الكتاب يقع في أربع مجلدات ضخام أوسعني عذرا.
[ 3 ]
يطلب من المكتبة التجارية الكبرى بمصر ص. ب 578 مطبعة المدنى 68 شارع العباسية - القاهرة
[ 4 ]
ولقد رأيت أن أحتال لظهور هذا الكتاب، فأظهر كتاب (مغنى اللبيب) أول الامر مجردا عن شرحي عليه: في مظهر يدعو إلى الرغبة فيه والاقبال عليه، حتى إذا عرفه من لم يكن يعرفه، وتطلبه من ليست له به سابقة، استطعت - إن كان في الاجل بقية - أن أخرجه مرة أخرى مع الشرح. فإلى إخوانى في مشارق البلاد العربية ومغاربها الذين أحسنوا الظن بى فرغبوا في أن أذيع هذا الشرح، وما فتئوا يتقاضونني أن أخرجه لهم، أقدم كتاب (مغنى اللبيب) في مرأى يسر نواظرهم، ويطمئن قلوبهم، وأنا على موعدة معهم - إن شاء الله تعالى - أن أظهرهم على ما في هذا الكتاب الجليل من محاسن، وما بذله مؤلفه فيه من جهد، وما أفرغ في جمعه وتحقيقه من طاقة، والله المسئول أن يحقق لى ولهم الامال، وأن يجنبنى وإياهم الخطأ والخطل والزيغ، إنه سبحانه أكرم مسئول، وهو حسبى وإياهم ونعم الوكيل. كتبه المعتز بالله تعالى محمد محيى الدين عبد الحميد
[ 5 ]
ترجمة ابن هشام صاحب كتاب (مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب) هو الامام الذى فاق أقرانه، وشأى من تقدمه، وأعيا من يأتي بعده، الذى لا يشق غباره في سعة الاطلاع وحسن العبارة وجمال التعليل، الصالح الورع، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام، الانصاري، المصرى. ولد بالقاهرة، في ذى القعدة من عام ثمان وسبعمائة من الهجرة (سنة 1309 من الميلاد). لزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل، وتلا على ابن السراج، وسمع على أبى حيان ديوان زهير بن أبى سلمى المزني، ولم يلازمه ولا قرأ عليه غيره، وحضر دروس التاج التبريزي، وقرأ على التاج الفاكهانى شرح الاشارة له إلا الورقة الاخيرة، وحدث عن ابن جماعة بالشاطبية، وتفقه أول الامر على مذهب الشافعي، ثم تحنبل فحفظ مختصر الخرقى قبيل وفاته بخمس سنين. تخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وتصدر لنفع الطالبين، وانفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البارع، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التصرف في الكلام، وكانت له ملكة يتمكن بها من التعبير عن مقصوده بما يريد مسهبا وموجزا، وكان - مع ذلك كله - متواضعا، برا، دمث الخلق، شديد الشفقة، رقيق القلب.
[ 6 ]
قال عنه أبن خلدون: (مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه) وقال عنه مرة أخرى: (إن ابن هشام على علم جم يشهد بعلو قدره في صناعة النحو، وكان ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جنى واتبعوا مصطلح تعليمه، فأتى من ذلك بشئ عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه). ولابن هشام مصنفات كثيرة كلها نافع مفيد تلوح منه أمارات التحقيق وطول الباع، وتطالعك من روحه علائم الاخلاص والرغبة عن الشهرة وذيوع الصيت، ونحن نذكر لك من ذلك ما اطلعنا عليه أو بلغنا علمه مرتبا على حروف المعجم، وندلك على مكان وجوده إن علمنا أنه موجود، أو نذكر لك الذى حدث به إن لم نعلم وجوده، وهاكها: (1) الاعراب عن قواعد الاعراب، طبع في الآستانة وفى مصر، وشرحه الشيخ خالد الازهرى، وقد طبع هو وشرحه مرارا أيضا. (2) الالغاز، وهو كتاب في مسائل نحوية، صنفه لخزانة السلطان الملك الكامل، طبع في مصر. (3) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، طبع مرارا، وشرحه الشيخ خالد، ولنا عليه ثلاثة شروح: أحدها وجيز وقد طبع مرارا، وثانيها بسيط لا يزال رهين القماطر، وثالثها وسيط، مطبوع في ثلاثة أجزاء. (4) التذكرة، ذكر السيوطي أنه كتاب في خمسة عشر مجلدا، ولم نطلع على شئ منه (5) التحصيل والتفصيل، لكتاب التذييل والتكميل، ذكر السيوطي أنه عدة مجلدات. (6) الجامع الصغير، ذكره السيوطي، ويوجد في مكتبة باريس.
[ 7 ]
(7) الجامع الكبير، ذكره السيوطي. (8) رسالة في انتصاب (لغة) و (فضلا) وإعراب (خلافا) و (أيضا) و (هلم جرا) ونحو ذلك، وهى موجودة في دار الكتب المصرية وفى مكتبتي برلين وليدن، وهى برمتها في كتاب (الاشباه والنظائر النحوية) للسيوطي. (9) رسالة في استعمال المنادى في تسع آيات من القرآن الكريم، موجودة في مكتبة برلين. (10) رفع الخصاصة، عن قراء الخلاصة، ذكره السيوطي، وذكر أنه أربع مجلدات. (11) الروضة الادبية، في شواهد علوم العربية، يوجد بمكتبة برلين، وهو شرح شواهد كتاب اللمع لابن جنى. (12) شذور الذهب، في معرفة كلام العرب، طبع مرارا. (13) شرح البردة، ذكره السيوطي، ولعله شرح (بانت سعاد) الآتى. (14) شرح شذور الذهب المتقدم، طبع مرارا، ولنا عليه شرح طبع مرارا أيضا. (15) شرح الشواهد الصغرى، ذكره السيوطي، ولا ندرى أهو الروضة الادبية السابق ذكره، أم هو كتاب آخر ؟ (16) شرح الشواهد الكبرى، ذكره السيوطي أيضا، ولا ندرى حقيقة حاله. (17) شرح قصيدة (بانت سعاد) طبع مرارا. (18) شرح القصيدة اللغزية في المسائل النحوية، يوجد في مكتبة ليدن. (19) شرح قطر الندى، وبل الصدى، الآتى ذكره، طبع مرارا، ولنا عليه شرح طبع مرارا أيضا.
[ 8 ]
(21) عمدة الطالب، في تحقيق صرف ابن الحاجب، ذكره السيوطي، وذكر أنه في مجلدين. (22) فوح الشذا، في مسألة كذا، وهو شرح لكتاب (الشذا، في مسألة كذا) تصنيف أبى حيان، يوجد في ضمن كتاب (الاشباه والنظائر النحوية) للسيوطي. (23) قطر الندى وبل الصدى، طبع مرارا، ولنا عليه شرح مطبوع. (24) القواعد الصغرى، ذكره السيوطي. (25) القواعد الكبرى، ذكره السيوطي. (26) مختصر الانتصاف من الكشاف، وهو اختصار لكتاب صنفه ابن المنير في الرد على آراء المعتزلة التى ذكرها الزمخشري في تفسير الكشاف، واسم كتاب ابن المنير (الانتصاف من الكشاف) وكتاب ابن هشام يوجد في مكتبة برلين. (27) المسائل السفرية في النحو، ذكره السيوطي. (28) مغنى اللبيب عن كتب الاعاريب، طبع في طهران والقاهرة مرارا، وعليه شروح كثيرة، طبع منها عدد واف، من ذلك شرح للدمامينى وآخر للشمنى، وحاشية للامير وأخرى للدسوقي، ولنا عليه شرح مسهب، نسأل الله أن يوفق إلى طبعه، ومغنى اللبيب هذا هو الذى أقدمه اليوم في هذا الثوب القشيب. (29) موقد الاذهان وموقظ الوسنان، تعرض فيه لكثير من مشكلات النحو، يوجد في دار الكتب المصرية وفى مكتبتي برلين وباريس. وتوفى رحمه الله تعالى في ليلة الجمعة - وقيل: ليلة الخميس - الخامس من ذى القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة (سنة 1360 من الميلاد) رحمه الله رحمة واسعة وأسبغ على جدثه حلل الرضوان.
[ 9 ]
بسم الله الرحمن الرحيم قال سيدنا ومولانا الشيخ الامام العالم العلامة جمال الدين رحلة الطالبين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن هشام، الانصاري، قدس الله روحه، ونور ضريحه (1) أما بعد حمد الله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله، فإن أولى ما تقترحه القرائح، وأعلى ما تجنح إلى تحصيله الجوانح، ما يتيسر به فهم كتاب الله المنزل، ويتضح به معنى حديث نبيه المرسل، فإنهما الوسيلة إلى السعادة الابدية، والذريعة إلى تحصيل المصالح الدينية والدنيوية، وأصل ذلك علم الاعراب، الهادى إلى صوب الصواب، وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة أنشأت بمكة زادها الله شرفا كتابا في ذلك، منورا من أرجاء قواعده كل حالك، ثم إننى أصبت به وبغيره في منصرفي إلى مصر، ولما من الله [ تعالى ] على في عام ستة وخمسين بمعاودة حرم الله، والمجاورة في خير بلاد الله، شمرت عن ساعد الاجتهاد ثانيا، واستأنفت العمل لا كسلا ولا متوانيا، ووضعت هذا التصنيف، على أحسن إحكام وترصيف، وتتبعت فيه مقفلات مسائل الاعراب فافتتحتها، ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونقحتها، وأغلاطا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهت عليها وأصلحتها. فدونك كتابا تشد الرحال فيما دونه، وتقف عنده فحول الرجال ولا يعدونه، إذ كان الوضع في هذا الغرض لم تسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله ومما حثني على وضعه أننى لما أنشأت في معناه المقدمة الصغرى المسماة ب (الاعراب عن قواعد الاعراب) حسن وقعها عند أولى الالباب، وسار نفعها في جماعة الطلاب مع أن الذى أودعته فيها بالنسبة إلى ما ادخرته عنها كشذرة من عقد نحر، بل
(1) تختلف النسخ في هذه التقدمة، وظاهر أنها ليست من كلام المؤلف
[ 10 ]
كقطرة من قطرات بحر، وها أنا بائح بما أسررته، مفيد لما قررته وحررته، مقرب فوائده للافهام، واضع فرائده على طرف الثمام، لينالها الطلاب بأدنى إلمام، سائل من حسن خيمه، وسلم من داء الحسد أديمه، إذا عثر على شئ طغى به القلم، أو زلت به القدم، أن يغتفر ذلك في جنب ما قربت إليه من البعيد، ورددت عليه من الشريد، وأرحته من التعب، وصيرت القاصي يناديه من كثب، وأن يحضر قلبه أن الجواد قد يكبو، وأن الصارم قد ينبو، وأن النار قد تخبو، وأن الانسان محل النسيان، وأن الحسنات يذهبن السيئات: 1 - ومن ذا الذى ترضى سجاياه كلها ؟ ! * كفى المرء نبلا أن تعد معايبه وينحصر في ثمانية أبواب. الباب الاول، في تفسير المفردات وذكر أحكامها. الباب الثاني، في تفسير الجمل وذكر أقسامها وأحكامها. الباب الثالث، في ذكر ما يتردد بين المفردات والجمل، وهو الظرف والجار والمجرور، وذكر أحكامهما. الباب الرابع، في ذكر أحكام يكثر دورها، ويقبح بالمعرب جهلها. الباب الخامس، في ذكر الاوجه التى يدخل على المعرب الخلل من جهتها. الباب السادس، في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها الباب السابع، في كيفية الاعراب الباب الثامن، في ذكر أمور كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية وأعلم أننى تأملت كتب الاعراب فإذا السبب الذى اقتضى طولها ثلاثة أمور، أحدها: كثرة التكرار، فإنها لم توضع لافادة القوانين الكلية، بل للكلام على الصور الجزئية. فتراهم يتكلمون على التركيب المعين بكلام، ثم حيث جاءت نظائره أعادوا
[ 11 ]
ذلك الكلام، ألا ترى أنهم حيث مر بهم مثل الموصول في قوله تعالى: (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) ذكروا أن فيه ثلاثة أوجه، وحيث جاءهم مثل الضمير المنفصل في قوله تعالى: (إنك أنت السميع العليم) ذكروا فيه ثلاثة أوجه أيضا، وحيث جاءهم مثل الضمير المنفصل في قوله تعالى: (كنت أنت الرقيب عليهم) ذكروا فيه وجهين، ويكررون ذكر الخلاف فيه إذا أعرب فصلا، أله محل باعتبار ما قبله أم باعتبار ما بعده أم لا محل له ؟ والخلاف في كون المرفوع فاعلا أو مبتدأ إذا وقع بعد إذا في نحو (إذا السماء انشقت) أو إن في نحو (وإن امرأة خافت) أو الظرف في نحو (أفى الله شك) أو لو في نحو (ولو أنهم صبروا) وفى كون أن وأن وصلتهما بعد حذف الجار في نحو (شهد الله أنه لا إله إلا هو) ونحو (حصرت صدورهم أن يقاتلوكم) في موضع خفض بالجار المحذوف على حد قوله: 2 - [ إذا قيل أي الناس شر قبيلة ؟ ] * أشارت كليب بالاكف الاصابع [ ص 643 ] أو نصب بالفعل [ المذكور ] على حد قوله: 2 - [ لدن بهز الكف يعسل متنه ] * فيه كما عسل الطريق الثعلب [ ص 525 و 576 ] وكذلك يكررون الخلاف في جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض، وعلى الضمير المتصل المرفوع من غير وجود الفاصل، وغير ذلك مما إذا استقصى أمل القلم، وأعقب السأم، فجمعت هذه المسائل ونحوها مقررة محررة في الباب الرابع من هذا الكتاب، فعليك بمراجعته، فإنك تجد به كنزا واسعا تنفق منه، ومنهلا سائغا ترده وتصدر عنه. والامر الثاني: إيراد ما لا يتعلق بالاعراب، كالكلام في اشتقاق اسم، أهو من السمة كما يقول الكوفيون أو من السمو كما يقول البصريون ؟ والاحتجاج لكل من الفريقين، وترجيح الراجح من القولين، وكالكلام على ألفه، لم حذفت
[ 12 ]
من البسملة خطا ؟ وعلى باء الجر ولامه، لم كسرتا لفظا ؟ وكالكلام على ألف ذا الاشارية، أزائدة هي كما يقول الكوفيون أم منقلبة عن ياء هي عين واللام ياء أخرى محذوفة كما يقول البصريون ؟ والعجب من مكى بن أبى طالب إذ أورد مثل هذا في كتابه الموضوع لبيان مشكل الاعراب مع أن هذا ليس من الاعراب في شئ، وبعضهم إذا ذكر الكلمة ذكر تكسيرها وتصغيرها، وتأنيثها وتذكيرها، وما ورد (1) فيها من اللغات، وما روى من القراآت، وإن لم ينبن على ذلك شئ من الاعراب. والثالث: إعراب الواضحات، كالمبتدأ وخبره والفاعل ونائبه، والجار والمجرور، والعاطف والمعطوف، وأكثر الناس استقصاء لذلك الحوفى. وقد تجنبت هذين الامرين وأتيت مكانهما بما يتبصر به الناظر، ويتمرن به الخاطر، من إيراد النظائر القرآنية، والشواهد الشعرية، وبعض ما اتفق في المجالس النحوية. ولما تم هذا التصنيف على الوجه الذى قصدته، وتيسر فيه من لطائف المعارف ما أردته واعتمدته، سميته ب (مغنى اللبيب، عن كتب الاعاريب) وخطابي به لمن ابتدأ في تعلم الاعراب، ولمن استمسك منه بأوثق الاسباب. ومن الله تعالى أستمد الصواب، والتوفيق إلى ما يحظينى لديه بجزيل الثواب، وإياه أسأل أن يعصم القلم من الخطأ والخطل، والفهم من الزيغ والزلل، إنه أكرم مسئول، وأعظم مأمول.
(1) في نسخة (وما ذكر فيها من اللغات) (*)
[ 13 ]
الباب الاول في تفسير المفردات، وذكر أحكامها وأعنى بالمفردات الحروف وما تضمن معناها الاسماء والظروف، فإنها المحتاجة إلى ذلك، وقد رتبتها على حروف المعجم، ليسهل تناولها، وربما ذكرت أسماء غير تلك وأفعالا، لمسيس الحاجة إلى شرحها. (حرف الالف) الالف المفردة - تأتى على وجهين: أحدهما: أن تكون حرفا ينادى به القريب، كقوله: 4 - أفاطم مهلا بعض هذا التدلل * [ وإن كنت قد أزمعت صرمى فأجملي ] ونقل ابن الخباز عن شيخه أنه للمتوسط، وأن الذى للقريب (يا) وهذا خرق لاجماعهم. والثانى: أن تكون للاستفهام، وحقيقته: طلب الفهم، نحو (أزيد قائم) وقد أجيز الوجهان في قراءة الحرميين (أمن هو قانت آناء الليل) وكون الهمزة فيه للنداء هو قول الفراء، ويبعده أنه ليس في التنزيل نداء بغير (يا) ويقربه سلامته من دعوى المجاز، إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته، ومن دعوى كثرة الحذف، إذ التقدير عند جعلها للاستفهام: أمن هو قانت خير أم هذا الكافر، أي المخاطب بقوله تعالى: (قل تمتع بكفرك قليلا) فحذف شيئان: معادل الهمزة والخبر، ونظيره في حذف المعادل قول أبى ذؤيب الهذلى: 5 - دعاني إليها القلب، إنى لامره * سميع، فما أدرى أرشد طلابها [ ص 43 و 628 ] تقديره: أم غى، ونظيره في مجئ الخبر كلمة (خير) واقعة قبل أم (أفمن يلقى
[ 14 ]
في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة) ولك أن تقول: لا حاجة إلى تقدير معادل في البيت، لصحة قولك: ما أدرى هل طلابها رشد، وامتناع أن يؤتى لهل بمعادل، وكذلك لا حاجة في الآية إلى تقدير معادل، لصحة تقدير الخبر بقولك: كمن ليس كذلك، وقد قالوا في قوله تعالى: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت): إن التقدير: كمن ليس كذلك، أو لم يوحدوه، ويكون (وجعلوا لله شركاء) معطوفا على الخبر على التقدير الثاني، وقالوا: التقدير في قوله تعالى: (أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) أي كمن ينعم في الجنة، وفى قوله تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) أي كمن هداه الله، بدليل (فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء) أو التقدير: ذهبت نفسك عليهم حسرة، بدليل قوله تعالى: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) وجاء في التنزيل موضع صرح فيه بهذا الخبر وحذف المبتدأ، على العكس مما نحن فيه، وهو قوله تعالى: (كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما) أي أمن هو خالد في الجنة يسقى من هذه الانهار كمن هو خالد في النار، وجاءا مصرحا بهما على الاصل في قوله تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله). والالف أصل أدوات الاستفهام، ولهذا خصت بأحكام: أحدها: جواز حذفها، سواء تقدمت على (أم) كقول عمر بن أبى ربيعة: 6 - بدالى منها معصم حين جمرت * وكف خضيب زينت ببنان فو الله ما أدرى وإن كنت داريا * بسبع رميت الجمر أم بثمان ؟ أراد أبسبع، أم لم تتقدمها كقول الكميت: 7 - طربت وما شوقا إلى البيض أطرب * ولا لعبا منى وذو الشيب يلعب أراد أوذو الشيب يلعب ؟ واختلف في قول عمر بن أبى ربيعة:
[ 15 ]
8 - ثم قالوا: تحبها ؟ قلت: بهرا * عدد الرمل والحصى والتراب فقيل: أراد أتحبها، وقيل إنه خبر، أي أنت تحبها، ومعنى (قلت بهرا) قلت أحبها حبا بهرنى بهرا، أي غلبنى غلبة، وقيل: معناه عجبا، وقال المتنبي: 9 - أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا * والبين جار على ضعفى وما عدلا أحيا: فعل مضارع، والاصل أأحيا، فحذفت همزة الاستفهام، والواو للحال، والمعنى التعجب من حياته، يقول: كيف أحيا وأقل شئ قاسيته قد قتل غيرى، والاخفش يقيس ذلك في الاختيار عند أمن اللبس، وحمل عليه قوله تعالى: (وتلك نعمة تمنها على) وقوله تعالى: (هذا ربى) في المواضع الثلاثة، والمحققون على أنه خبر، وأن مثل ذلك يقوله من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكى كلامه ثم يكر عليه بالابطال بالحجة، وقرأ ابن محيصن (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) وقال عليه الصلاة والسلام لجبريل عليه السلام: (وإن زنى وإن سرق ؟) فقال: (وإن زنى وإن سرق). الثاني: أنها ترد لطلب التصور، نحو (أزيد قائم أم عمرو) ولطلب التصديق، نحو (أزيد قائم ؟) وهل مختصة بطلب التصديق، نحو (هل قام زيد) وبقية الادوات مختصة بطلب التصور، نحو (من جاءك ؟ وما صنعت ؟ وكم مالك ؟ وأين بيتك ؟ ومتى سفرك ؟). الثالث: أنها تدخل على الاثبات كما تقدم، وعلى النفى نحو (ألم نشرح لك صدرك) (أو لما أصابتكم مصيبة) وقوله: 10 - ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد * إذا ألاقى الذى لاقاه أمثالى ؟ [ ص 69 ] ذكره بعضهم، وهو منتقض بأم، فإنها تشاركها في ذلك، تقول: أقام زيد أم لم يقم ؟. الرابع: تمام التصدير، بدليلين، أحدهما: أنها لا تذكر بعد (أم) التى للاصراب كما يذكر غيرها، لا تقول: أقام زيد أم أقعد، وتقول: أم هل قعد،
[ 16 ]
والثانى: أنها إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم قدمت على العاطف تنبيها على أصالتها في التصدير، نحو (أو لم ينظروا) (أفلم يسيروا) (أثم إذا ما وقع آمنتم به) وأخواتها تتأخر عن حروف العطف كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة، نحو (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ؟) (فأين تذهبون) (فأنى تؤفكون) (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) (فأى الفريقين) (فما لكم في المنافقين فئتين) هذا مذهب سيبويه والجمهور، وخالفهم جماعة أولهم الزمخشري، فزعموا أن الهمزة في تلك المواضع في محلها الاصلى، وأن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، فيقولون: التقدير في (أفلم يسيروا) (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) (أفإن مات أو قتل انقلبتم) (أفما نحن بميتين): أمكثوا فلم يسيروا في الارض، أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا، أتؤمنون به في حياته فإن مات أو قتل انقلبتم، أنحن مخلدون فما نحن بميتين، ويضعف قولهم ما فيه من التكلف، وأنه غير مطرد [ في جميع المواضع ] أما الاول فلدعوى حذف الجملة، فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال: إنه أسهل منه، لان المتجوز فيه على قولهم أقل لفظا، مع أن في هذا التجوز تنبيها على أصالة شئ في شئ، أي أصالة الهمزة في التصدير، وأما الثاني فلانه غير ممكن في نحو (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) وقد جزم الزمخشري في مواضع بما يقوله الجماعة، منها قوله في (أفأمن أهل القرى): إنه عطف على (فأخذناهم بغتة) وقوله في (أئنا لمبعوثون أو آباؤنا) فيمن قرأ بفتح الواو: إن (آباؤنا) عطف على الضمير في (مبعوثون) وإنه اكتفى بالفصل بينهما بهمزة الاستفهام، وجوز الوجهين في موضع، فقال في قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون): دخلت همزة الانكار على الفاء العاطفة جملة على جملة، ثم توسطت الهمزة بينهما، ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون.
[ 17 ]
فصل قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي، فترد لثمانية معان: أحدها: التسوية، وربما توهم أن المراد بها الهمزة الواقعة بعد كلمة (سواء) بخصوصها، وليس كذلك، بل كما تقع بعدها تقع بعد (ما أبالى) و (ما أدرى) و (ليت شعرى) ونحوهن، والطابط: أنها الهمزة الداخلة على جملة يصح حلول المصدر محلها، نحو (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) ونحو (ما أبالى أقمت أم قعدت) ألا ترى أنه يصح سواء عليهم الاستغفار وعدمه وما أبالى بقيامك وعدمه. والثانى: الانكار الابطالي، وهذه تقتضي أن ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب، نحو (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا) (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) (أفسحر هذا) (أشهدوا خلقهم) (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) (أفعيينا بالخلق الاول) ومن جهة إفادة هذه الهمزة نفى ما بعدها لزم ثبوته إن كان منفيا، لان نفى النفى إثبات، ومنه (أليس الله بكاف عبده) أي الله كاف عبده، ولهذا عطف (وضعنا) على (ألم نشرح لك صدرك) لما كان معناه شرحنا، ومثله (ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى) (ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل) ولهذا أيضا كان قول جرير في عبد الملك: 11 - ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح مدحا، بل قيل: إنه أمدح بيت قالته العرب، ولو كان على الاستفهام الحقيقي لم يكن مدحا ألبتة. والثالث: الانكار التوبيخى، فيقتضى أن ما بعدها واقع، وأن فاعله ملوم، (2 - مغنى اللبيب 1)
[ 18 ]
نحو (أتعبدون ما تنحتون) (أغير الله تدعون) (أئفكا آلهة دون الله تريدون) (أتأتون الذكران) (أتأخذونه بهتانا) وقول العجاج: 12 - أطربا وأنت قنسرى * والدهر بالانسان دوارى ؟ [ ص 681 ] أي أتطرب وأنت شيخ كبير ؟. والرابع: التقرير، ومعناه حملك المخاطب على الاقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه، ويجب أن يليها الشئ الذى تقرره به، تقول في التقرير بالفعل: أضربت زيدا ؟ وبالفاعل: أأنت ضربت زيدا، وبالمفعول: أزيدا ضربت، كما يجب ذلك في المستفهم عنه، وقوله تعالى: (أأنت فعلت هذا) محتمل لارادة الاستفهام الحقيقي، بأن يكونوا لم يعلموا أنه الفاعل، ولارادة التقرير، بأن يكونوا قد علموا، ولا يكون استفهاما عن الفعل ولا تقريرا به، لان الهمزة لم تدخل عليه، ولانه عليه الصلاة والسلام قد أجابهم بالفاعل بقوله: (بل فعله كبيرهم هذا). فإن قلت: ما وجه حمل الزمخشري الهمزة في قوله تعالى: (ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير) على التقرير ؟. قلت: قد اعتذر عنه بأن مراده التقرير بما بعد النفى، لا التقرير بالنفى، والاولى أن تحمل الآية على الانكار التوبيخى أو الابطالي، أي ألم تعلم أيها المنكر للنسخ. والخامس: التهكم، نحو (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا). والسادس: الامر، نحو (أأسلمتم) أي أسلموا. والسابع: التعجب، نحو (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل). والثامن: الاستبطاء، نحو (ألم يأن للذين آمنوا). وذكر بعضهم معاني أخر لا صحة لها.
[ 19 ]
تنبيه - قد تقع الهمزة فعلا، وذلك أنهم يقولون (وأى) بمعنى وعد، ومضارعه يئى بحذف الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة، كما تقول: وفى يفى، وونى ينى، والامر منه إه، بحذف اللام [ للامر ] وبالهاء للسكت في الوقف، وعلى ذلك يتخرج اللغز المشهور، وهو قوله: 13 - إن هند المليحة الحسناء * وأى من أضمرت لخل وفاء فإنه يقال: كيف رفع اسم إن وصفته الاولى ؟ والجواب: أن الهمزة فعل أمر، والنون للتوكيد، والاصل إين بهمزة مكسورة، وياء ساكنة للمخاطبة، ونون مشددة للتوكيد، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع النون المدغمة كما في قوله: 14 - لتقرعن على السن من ندم * إذا تذكرت يوما بعض أخلاقي وهند: منادى مثل (يوسف أعرض عن هذا) والمليحة: نعت لها على اللفظ كقوله: 15 - * يا حكم الوارث عن عبد الملك * والحسناء: إما نعت لها على الموضع كقول مادح عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه: 16 - يعود الفضل منك على قريش * وتفرج عنهم الكرب الشدادا فما كعب بن مامة وابن سعدى * بأجود منك يا عمرالجوادا وإما بتقدير أمدح، وإما نعت لمفعول به محذوف، أي عدى يا هند الخلة الحسناء، وعلى الوجهين الاولين فيكون إنما أمرها بإيقاع الوعد الوفى، من غير أن يعين لها الموعود، وقوله (وأى) مصدر نوعي منصوب بفعل الامر، والاصل وأيا مثل وأى من، ومثله (فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) وقوله (أضمرت) بتاء التأنيث محمول على معنى من مثل (من كانت أمك ؟).
[ 20 ]
(آ) بالمد - حرف لنداء البعيد، وهو مسموع، لم يذكره سيبويه، وذكره غيره. (أيا) حرف كذلك، وفى الصحاح أنه حرف لنداء القريب والبعيد، وليس كذلك، قال الشاعر: 17 - أيا جبلى نعمان بالله خليا * نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها وقد تبدل همزتها هاء، كقوله: 18 - فأصاخ يرجو أن يكون حيا * ويقول من فرح: هيا ربا (أجل) بسكون اللام - حرف جواب مثل نعم، فيكون تصديقا للمخبر، وإعلاما للمستخبر، ووعدا للطالب، فتقع بعد نحو (قام زيد) ونحو (أقام زيد) ونحو (أضرب زيدا) وقيد المالقى الخبر بالمثبت، والطلب بغير النهى، وقيل: لا تجئ بعد الاستفهام، وعن الاخفش هي بعد الخبر أحسن من نعم ونعم بعد الاستفهام أحسن منها، وقيل: تختص بالخبر، وهو قول الزمخشري وابن مالك وجماعة، وقال ابن خروف: أكثر ما تكون بعده. (إذن) فيها مسائل: الاولى: في نوعها، قال الجمهور: هي حرف، وقيل: اسم، والاصل في (إذن أكرمك) إذا جئتني أكرمك، ثم حذفت الجملة، وعوض التنوين عنها، وأضمرت أن، وعلى القول الاول، فالصحيح أنها بسيطة، لا مركبة من إذ وأن، وعلى البساطة فالصحيح أنها الناصبة، لا أن مضمرة بعدها. المسألة الثانية: في معناها، قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء، فقال الشلوبين: في كل موضع، وقال أبو على الفارسى: (في الاكثر، وقد تتمحض للجواب، بدليل أنه يقال لك: أحبك، فتقول: إذن أظنك صادقا،
[ 21 ]
إذ لا مجازاة هنا ضرورة) اه. والاكثر أن تكون جوابا لان أو لو مقدرتين أو ظاهرتين، فالاول كقوله: 19 - لئن عاد لى عبد العزيز بمثلها * وأمكنني منها إذا لا أقيلها وقول الحماسي: 20 - لو كنت من مازن لم تستبح إبلى * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا [ ص 257 ] إذا لقام بنصري معشر خشن * عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا فقوله (إذا لقام بنصري) بدل من (لم تستبح) وبدل الجواب جواب، والثانى نحو أن يقال: آتيك، فتقول: (إذن أكرمك) أي: إن أتيتني إذن أكرمك، وقال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله، إذن لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض) قال الفراء: حيث جاءت بعدها اللام فقبلها لو مقدرة، إن لم تكن ظاهرة. المسألة الثالثة: في لفظها عند الوقف عليها، والصحيح أن نونها تبدل ألفا، تشبيها لها بتنوين المنصوب، وقيل: يوقف بالنون، لانها كنون لن وإن، روى عن المازنى والمبرد، وينبنى على الخلاف في الوقف عليها خلاف في كتابتها، فالجمهور يكتبونها بالالف، وكذا رسمت في المصاحف، والمازني والمبرد بالنون، وعن القراء إن عملت كتبت بالالف، وإلا كتبت بالنون، للفرق بينها وبين إذا، وتبعه ابن خروف. المسألة الرابعة: في عملها، وهو نصب المضارع، بشرط تصديرها، واستقباله، واتصالهما أو انفصالهما بالقسم أو بلا النافية، يقال: آتيك، فتقول: (إذن أكرمك) ولو قلت (أنا إذن) قلت (أكرمك) بالرفع، لفوات التصدير، فأما قوله:
[ 22 ]
21 - لا تتركني فيهم شطيرا * إنى إذا أهلك أو أطيرا فمؤول على حذف خبر إن، أي إنى لا أقدر على ذلك، ثم استأنف ما بعده، ولو قلت (إذا يا عبد الله) قلت: (أكرمك) بالرفع، للفصل بغير ما ذكرنا، وأجاز ابن عصفور الفصل بالنداء، وابن بابشاذ الفصل بالنداء وبالدعاء، والكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل، والارجح حينئذ عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع، ولو قيل لك (أحبك) فقلت (إذن أظنك صادقا) رفعت، لانه حال تنبيه - قال جماعة من النحويين: إذا وقعت إذن بعد الواو أو الفاء جاز فيها الوجهان، نحو (وإذن لا يلبثون خلافك إلا قليلا) (فإذن لا يأتون الناس نقيرا) وقرئ شاذا بالنصب فيهما، والتحقيق أنه إذا قيل: (إن تزرنى أزرك وإذن أحسن إليك) فإن قدرت العطف على الجواب جزمت وبطل عمل إذن لوقوعها حشوا، أو على الجملتين جميعا جاز الرفع والنصب لتقدم العاطف، وقيل: يتعين النصب، لان ما بعدها مستأنف، أو لان المعطوف على الاول أول ومثل ذلك (زيد يقوم وإذن أحسن إليه) إن عطفت على الفعلية رفعت، أو على الاسمية فالمذهبان. (إن) المكسورة الخفيفة - ترد على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون شرطية، نحو (إن ينتهوا يغفر لهم) (وإن تعودوا نعد) وقد تقترن بلا النافية فيظن من لا معرفة له أنها إلا الاستثنائية، نحو (إلا تنصروه فقد نصره الله) (إلا تنفروا يعذبكم) (وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين) (وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن) وقد بلغني أن بعض من يدعى الفضل سئل في (إلا تفعلوه) فقال: ما هذا الاستثناء ؟ أمتصل أم منقطع ؟. الثاني: أن تكون نافية، وتدخل على الجملة الاسمية، نحو (إن الكافرون
[ 23 ]
إلا في غرور) (إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم) ومن ذلك (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) أي: وما أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به، فحذف المبتدأ، وبقيت صفته، ومثله (وإن منكم إلا واردها) وعلى الجملة الفعلية نحو (إن أردنا إلا الحسنى) (إن يدعون من دونه إلا إناثا) (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) (إن يقولون إلا كذبا). وقول بعضهم: لا تأتى إن النافية إلا وبعدها إلا كهذه الآيات، أو لما المشددة التى بمعناها كقراءة بعض السبعة (إن كل نفس لما عليها حافظ) بتشديد الميم، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، مردود بقوله تعالى: (إن عندكم من سلطان بهذا) (قل إن أدرى أقريب ما توعدون) (وإن أدرى لعله فتنة لكم) وخرج جماعة على إن النافية قوله تعالى: (إن كنا فاعلين)، (قل إن كان للرحمن ولد) وعلى هذا فالوقف هنا، وقوله تعالى: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) أي في الذى ما مكناكم فيه، وقيل: زائدة، ويؤيد الاول (مكناهم في الارض ما لم نمكن لكم) وكأنه إنما عدل عن ما لئلا يتكرر فيثقل اللفظ، قيل: ولهذا لما زادوا على ما الشرطية ما قلبوا ألف ما الاولى هاء فقالوا: مهما، وقيل: بل هي في الآية بمعنى قد، وإن من ذلك (فذكر إن نفعت الذكرى) وقيل في هذه الآية: إن التقدير وإن لم تنفع، مثل (سرابيل تقيكم الحر) أي والبرد، وقيل: إنما قيل ذلك بعد أن عمهم بالتذكير ولزمتهم الحجة، وقيل: ظاهره الشرط ومعناه ذمهم واستبعاد لنفع التذكير فيهم، كقولك: عظ الظالمين إن سمعوا منك، تريد بذلك الاستبعاد، لا الشرط. وقد اجتمعت الشرطية والنافية في قوله تعالى: (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) الاولى شرطية، والثانية نافية، جواب للقسم الذى أذنت به اللام الداخلة على الاولى، وجواب الشرط محذوف وجوبا. وإذا دخلت على الجملة الاسمية لم تعمل عند سيبويه والفراء، وأجاز الكسائي
[ 24 ]
والمبرد إعمالها عمل ليس، وقرأ سعيد بن جبير (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) بنون مخففة مكسورة لالتقاء الساكنين، ونصب عبادا وأمثالكم، وسمع من أهل العالية (إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية) و (إن ذلك نافعك ولا ضارك) ومما يتخرج على الاهمال الذى هو لغة الاكثرين قول بعضهم: (إن قائم) وأصله إن أنا قائم، فحذفت همزة أنا اعتباطا، وأدغمت نون إن في نونها، وحذفت ألفها في الوصل، وسمع (إن قائما) على الاعمال، وقول بعضهم نقلت حركة الهمزة إلى النون ثم أسقطت على القياس في التخفيف بالنقل ثم سكنت النون وأدغمت مردود، لان المحذوف لعلة كالثابت، ولهذا تقول (هذا قاض) بالكسر لا بالرفع، لان حذف الياء لالتقاء الساكنين، فهى مقدرة الثبوت، وحينئذ فيمتنع الادغام، لان الهمزة فاصلة في التقدير، ومثل هذا البحث في قوله تعالى: (لكنا هو الله ربى). الثالث: أن تكون مخففة من الثقيلة، فتدخل على الجملتين: فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين، لنا قراءة الحرميين وأبى بكر (وإن كلا لما ليوفينهم) وحكاية سيبويه (إن عمرا لمنطلق) ويكثر إهمالها، نحو (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) وقراءة حفص (إن هذان لساحران) وكذا قرأ ابن كثير إلا أنه شدد نون هذان، ومن ذلك (إن كل نفس لما عليها حافظ) في قراءة من خفف لما وإن دخلت على الفعل أهملت وجوبا، والاكثر كون الفعل ماضيا ناسخا، نحو (وإن كانت لكبيرة) (وإن كادوا ليفتنونك) (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) ودونه أن يكون مضارعا ناسخا، نحو (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك) (وإن نظنك لمن الكاذبين) ويقاس على النوعين اتفاقا، ودون هذا أن يكون ماضيا غير ناسخ، نحو قوله: 22 - شلت يمينك إن قتلت لمسلما * جلت عليك عقوبة المتعمد
[ 25 ]
ولا يقاس عليه خلافا للاخفش، أجاز (إن قام لانا، وإن قعد لانت) ودون هذا أن يكون مضارعا غير ناسخ كقول بعضهم (إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه) ولا يقاس عليه إجماعا، وحيث وجدت إن وبعدها اللام المفتوحة كما في هذه المسألة فاحكم عليها بأن أصلها التشديد، وفى هذه اللام خلاف يأتي في باب اللام، إن شاء الله تعالى. الرابع: أن تكون زائدة، كقوله: 23 - ما إن أتيت بشئ أنت تكرهه * [ إذن فلا رفعت سوطي إلى يدى ] وأكثر ما زيدت بعد (ما) النافية إذا دخلت على جملة فعلية كما في البيت، أو اسمية كقوله. 24 - فما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا وفى هذه الحالة تكف عمل (ما) الحجازية كما في البيت، وأما قوله: 25 - بنى غدانة ما إن أنتم ذهبا * ولا صريفا ولكن أنتم الخزف في رواية من نصب ذهبا وصريفا، فخرج على أنها نافية مؤكدة لما. وقد تزاد بعد ما الموصولة الاسمية كقوله: 26 - يرجى المرء ما إن لا براه * وتعرض دون أدناه الخطوب [ ص 679 ] وبعد ما المصدرية كقوله: 27 - ورج الفتى للخير ما إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [ ص 38 و 304 و 679 ] وبعد ألا الاستفتاحية كقوله: 28 - ألا إن سرى ليلى فبت كئيبا * أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا وقبل مدة الانكار، سمع سيبويه رجلا يقال له: أتخرج إن أخصبت البادية ؟ فقال: أأنا إنيه ؟ منكرا أن يكون رأيه على خلاف ذلك، وزعم ابن الحاجب أنها تزاد بعد لما الايجابية، وهو سهو، وإنما تلك أن المفتوحة.
[ 26 ]
وزيد على هذه المعاني الاربعة معنيان آخران، فزعم قطرب أنها قد تكون بمعنى قد كما مر في (إن نفعت الذكرى) وزعم الكوفيون أنها تكون بمعنى إذ، وجعلوا منه (واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وقوله عليه الصلاة والسلام (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ونحو ذلك مما الفعل فيه محقق الوقوع، وقوله: 29 - أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا * جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم ؟ [ ص 35 و 36 ] قالوا: وليست شرطية، لان الشرط مستقبل، وهذه القصة قد مضت. وأجاب الجمهور عن قوله تعالى (إن كنتم مؤمنين) بأنه شرط جئ به للتهييج والالهاب، كما تقول لابنك: إن كنت ابني فلا تفعل كذا. وعن آية المشيئة بأنه تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل، أو بأن أصل ذلك الشرط، ثم صار يذكر للتبرك، أو أن المعنى لتدخلن جميعا إن شاء الله أن لا يموت منكم أحد قبل الدخول، وهذا الجواب لا يدفع السؤال، أو أن ذلك من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه حين أخبرهم بالمنام، فحكى ذلك لنا، أو من كلام الملك الذى أخبره في المنام. وأما البيت فمحمول على وجهين: أحدهما: أن يكون على إقامة السبب مقام المسبب، والاصل أتغصب إن افتخر مفتخر بسبب حز أذنى قتيبة، إذ الافتخار بذلك يكون سببا للغضب ومسببا عن الحز. الثاني: أن يكون على معنى التبين، أي أتغضب إن تبين في المستقبل أن أذنى قتيبة حزتا فيما مضى، كما قال الآخر: 30 - إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * ولم تجدى من أن تقرى به بدا أي يتبين أنى لم تلدني لئيمة.
[ 27 ]
وقال الخليل والمبرد: الصواب (أن أذنا) بفتح الهمزة من أن، أي لان أذنا، ثم هي عند الخليل أن الناصبة، وعند المبرد أنها أن المخففة من الثقيلة. ويرد قول الخليل أن أن الناصبة لايليها الاسم على إضمار الفعل، وإنما ذلك لان المكسورة، نحو (وإن أحد من المشركين استجارك). وعلى الوجهين يتخرج قول الآخر: 31 - إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن * عارا عليك، ورب قتل عار [ ص 134 و 503 ] أي إن يفتخروا بسبب قتلك، أو إن يتبين أنهم قتلوك. (أن) المفتوحة الهمزة الساكنة النون - على وجهين: اسم، وحرف. والاسم على وجهين: ضمير المتكلم في قول بعضهم (أن فعلت) بسكون النون، والاكثرون على فتحها وصلا، وعلى الاتيان بالالف وقفا، وضمير المخاطب في قولك (أنت، وأنت، وأنتما، وأنتم، وأنتن) على قول الجمهور: إن الضمير هو أن والتاء حرف خطاب. والحرف على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع، وتقع في موضعين، أحدهما: في الابتداء، فتكون في موضع رفع نحو (وأن تصوموا خير لكم) (وأن تصبروا خير لكم) (وأن يستعففن خير لهن) (وأن تعفوا أقرب للتقوى) وزعم الزجاج أن منه (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) أي خير لكم، فحذف الخبر، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، وقيل في (فالله أحق أن تخشوه): إن أحق خبر عما بعده، والجملة خبر عن اسم الله سبحانه، وفى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) كذلك، والظاهر فيهما أن الاصل أحق بكذا. والثانى: بعد لفظ دال
[ 28 ]
على معنى غير اليقين، فتكون في موضع رفع نحو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) (وعسى أن تكرهوا شيئا) الآية، ونحو (يعجبنى أن تفعل) ونصب نحو (وما كان هذا القرآن أن يفترى) (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) (فأردت أن أعيبها) وخفض نحو (أوذينا من قبل أن تأتينا) (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) (وأمرت لان أكون) ومحتملة لهما نحو (والذى أطمع أن يغفر لي) أصله في أن يغفر لى، ومثله (أن تبروا) إذا قدر في أن تبروا أو لئلا تبروا، وهل المحل بعد حذف الجار جر أو نصب ؟ فيه خلاف، وسيأتى، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، واختلف في المحل من نحو (عسى زيد أن يقوم) فالمشهور أنه نصب على الخبرية، وقيل: على المفعولية، وإن معنى (عسيت أن تفعل) قاربت أن تفعل، ونقل عن المبرد، وقيل: نصب بإسقاط الجار أو بتضمين الفعل معنى قارب، نقله ابن مالك عن سيبويه، وإن المعنى دنوت من أن تفعل أو قاربت أن تفعل، والتقدير الاول بعيد، إذ لم يذكر هذا الجار في وقت، وقيل: رفع على البدل سد مسد الجزأين كما سد في قراءة حمزة (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم) مسد المفعولين. وأن هذه موصول حرفي، وتوصل بالفعل المتصرف، مضارعا كان كما مر، أو ماضيا نحو (لو لا أن من الله علينا) (ولو لا أن ثبتناك) أو أمرا كحكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم). هذا هو الصحيح. وقد اختلف من ذلك في أمرين: أحدهما: كون الموصولة بالماضي والامر هي الموصولة بالمضارع، والمخالف في ذلك ابن طاهر، زعم أنها غيرها، بدليلين، أحدهما: أن الداخلة على المضارع تخلصه للاستقبال، فلا تدخل على غيره كالسين وسوف، والثانى: أنها لو كانت الناصبة لحكم على موضعهما بالنصب كما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية، ولا قائل به.
[ 29 ]
والجواب عن الاول أنه منتقض بنون التوكيد، فإنها تخلص المضارع للاستقبال وتدخل على الامر باطراد واتفاق، وبأدوات الشرط فإنها أيضا تخلصه مع دخولها على الماضي باتفاق. وعن الثاني أنه إنما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية لانها أثرت القلب إلى الاستقبال في معناه فأثرت الجزم في محله، كما أنها لما أثرت التخليص إلى الاستقبال في معنى المضارع أثرت النصب في لفظه. الامر الثاني: كونها توصل بالامر، والمخالف في ذلك أبو حيان، زعم أنها لا توصل به، وأن كل شئ سمع من ذلك فأن فيه تفسيرية، واستدل بدليلين، أحدهما: أنهما إذا قدرا بالمصدر فات معنى الامر، الثاني: أنهما لم يقعا فاعلا ولا مفعولا، لا يصح (أعجبني أن قم) ولا (كرهت أن قم) كما يصح ذلك مع الماضي ومع المضارع. والجواب عن الاول أن فوات معنى الامرية في الموصولة بالامر عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضى والاستقبال في الموصولة بالماضي والموصولة بالمضارع عند التقدير المذكور، ثم إنه يسلم مصدرية أن المخففة من المشددة مع لزوم مثل ذلك فيها في نحو (والخامسة أن غضب الله عليها) إذ لا يفهم الدعاء من المصدر إلا إذا كان مفعولا مطلقا نحو سقيا ورعيا. وعن الثاني أنه إنما امتنع ما ذكره لانه لا معنى لتعليق الاعجاب والكراهية بالانشاء، لا لما ذكر، ثم ينبغى له أن لا يسلم مصدرية كى، لانها لا تقع فاعلا ولا مفعولا، وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل. ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم) وأجاب عنها بأن الباء محتملة للزيادة مثلها في قوله: 32 - [ هن الحرائر لا ربات أخمرة * سود المحاجر ] لا يقرأن بالسور [ ص 109 و 675 ]
[ 30 ]
وهذا وهم فاحش، لان حروف الجر - زائدة كانت أو غير زائدة - لا تدخل إلا على الاسم أو ما في تأويله. تنبيه - ذكر بعض الكوفيين وأبو عبيدة أن بعضهم يجزم بأن، ونقله اللحيانى عن بعض بنى صباح من ضبة، وأنشدوا عليه قوله: 33 - إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا * تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب وقوله: 34 - أحاذر أن تعلم بها فتردها * فتتركها ثقلا على كما هيا وفى هذا نظر، لان عطف المنصوب عليه يدل على أنه مسكن للضرورة، لا مجزوم. وقد يرفع الفعل بعدها كقراءة ابن محيصن (لمن أراد أن يتم الرضاعة)، وقول الشاعر: 35 - أن تقرآن على أسماء ويحكما * منى السلام وأن لا تشعرا أحدا [ ص 697 ] وزعم الكوفيون أن أن هذه هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل، والصواب قول البصريين: إنها أن الناصبة أهملت حملا على (ما) أختها المصدرية، وليس من ذلك قوله: 36 - ولا تدفنني في الفلاة، فإننى * أخاف إذا مامت أن لا أذوقها كما زعم بعضهم، لان الخوف هنا يقين، فأن مخففة من الثقيلة. الوجه الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته نحو (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا) (علم أن سيكون) (وحسبوا أن لا تكون) فيمن رفع تكون، وقوله: 37 - زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا * أبشر بطول سلامة يا مربع
[ 31 ]
وأن هذه ثلاثية الوضع، وهى مصدرية أيضا، وتنصب الاسم وترفع الخبر، خلافا للكوفيين، زعموا أنها لا تعمل شيئا، وشرط اسمها أن يكون ضميرا محذوفا، وربما ثبت كقوله: 38 - فلو أنك في يوم الرخاء سألتنى * طلاقك لم أبخل وأنت صديق وهو مختص بالضرورة على الاصح، وشرط خبرها أن يكون جملة، ولا يجوز إفراده، إلا إذا ذكر الاسم فيجوز الامران، وقد اجتمعا في قوله: 39 - بأنك ربيع وغيث مربع * وأنك هناك تكون الثمالا الثالث: أن تكون مفسرة بمنزلة أي، نحو (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك) (ونودوا أن تلكم الجنة) وتحتمل المصدرية بأن يقدر قبلها حرف الجر، فتكون في الاول أن الثنائية لدخولها على الامر، وفى الثانية المخففة من الثقيلة لدخولها على الاسمية. وعن الكوفيين إنكار أن التفسيرية البتة، وهو عندي متجه، لانه إذا قيل (كتبت إليه أن قم) لم يكن قم نفس كتبت كما كان الذهب نفس العسجد في قولك: هذا عسجد أي ذهب، ولهذا لو جئت بأى مكان (أن) في المثال لم تجده مقبولا في الطبع. ولها عند مثبتها شروط: أحدها: أن تسبق بجملة، فلذلك غلط من جعل منها (وآخر دعواهم أن الحمد لله). والثانى: أن تتأخر عنها جملة، فلا يجوز (ذكرت عسجدا أن ذهبا) بل يجب الاتيان بأى أو ترك حرف التفسير، ولا فرق بين الجملة الفعلية كما مثلنا والاسمية نحو (كتبت إليه أن ما أنت وهذا). والثالث: أن يكون في الجملة السابقة معنى القول كما مر، ومنه (وانطلق
[ 32 ]
الملا منهم أن امشوا) إذ ليس المراد بالانطلاق المشى، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أنه ليس المراد بالمشى المشى المتعارف، بل الاستمرار على الشئ. وزعم الزمخشري أن التى في قوله تعالى: (أن اتخذى من الجبال بيوتا) مفسرة، ورده أبو عبد الله الرازي بأن قبله (وأ