ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:23 pm

    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:
    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. في ظل هذه الغربة التي نعيشها، وفي ظل حالة الضعف هذه التي سيطرت علىٰ المسلمين، والتي تكالب فيها أعداء الإسلام على الإسلام والمسلمين كما تكالب الأكلة علىٰ قصعتها، وأصبح الإسلام يُضرب من كل مكان حتىٰ ممن هم من بني جلدتنا ويتكلمون بكلامنا ممن اختلطوا بالغرب وأشربوا منهم، فأصبحوا سهامًا مُصوَّبة للطعن في دين الله عز وجل ، وأصبح الرويبضة يتكلم في أمر العامة، وما ذلك إلا لأنهم قُدّموا في الوقت الذي أخّر فيه العلماء العاملون الربانيون، فلا يُسمع منهم ولا يُؤبه لهم.
    ثم إنه لا سبيل للخروج مما نحن فيه إلا باتباع الأوائل، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلىٰ ما أصلح أولها. ولن يتأتى ذلك الاتباع إلا بالعلم والتعلم، وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك. واعلم أخي – حفظك الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله عز وجل لن ينزع العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور العلماء، إنما ينتزعه – في آخر الزمان- بقبض العلماء، حتىٰ إذا لم يجد الناس عالمًا اتخذوا رءوسًا جهالًا فسؤلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا وهذا ما نراه الآن يحدث بين أيدينا، فإن العالم من علمائنا يموت ولا نرىٰ من يسد فراغه، إلا بقايا من أهل العلم تركهم الله سبحانه وتعالى لنا نستنير بنورهم ونهتدي بهداهم، وهؤلاء وإن كانوا قلة، إلا أن بركتهم غزيرة والحمد لله.
    فعليك – أخي الكريم- أن تبادر وتسارع في طلب العلم وأخذه عن العلماء، ولا تكْسل. ولما كان طالب العلم في حاجة إلىٰ دراسة سيرة الحبيب المصطفىٰ صلى الله عليه وسلم دراسة منهجية دقيقة؛ كي يتأسىٰ به صلى الله عليه وسلم، ويستمد من خلقه وأدبه صلى الله عليه وسلم ورحمته بالعباد، وحلمه حتىٰ مع غير المسلم.فهذه سلسلة في سيرته صلى الله عليه وسلم، أقدمها للقراء الأعزاء في حلقات متوالية انشاء الله تعالى.

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:24 pm

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،، فهذه الحلقة الثانية من سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. فنبينا صلى الله عليه وسلم هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدٍّ بن عدنان.

    فأبو القاسم كنيته صلى الله عليه وسلم.
    روىٰ الحاكم في «مستدركه» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أبو القاسم، الله يعطي وأنا أقسم».
    والقاسم أكبر أبنائه – وقيل غير ذلك-.
    قال ابن القيم:
    "مات طفلا، وقيل: عاش إلىٰ أن ركب الدابة وسار علىٰ النجيبة."ا ه. والنجيبة هي القشرة الأرضية.
    ومحمد: اسمه صلى الله عليه وسم.
    ومن أسمائه أيضًا: أحمد:
    قال تعالىٰ حاكيًا عن عيسىٰ بن مريم: {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} [الصف: 6].
    وكذلك من أسمائه:
    الماحي، والحاشر، والعاقب.
    عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأنا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو الله بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَىٰ عقبىٰ، وَأَنَا الْعَاقِبُ».
    ومن أسمائه أيضًا صلى الله عليه وسلم:
    المقفي، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة.
    عَنْ أبي مُوسَىٰ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ».
    ومن أسمائه: المتوكل.
    عَنْ عبد الله بن عَمْرِو بن الْعَاصِ { أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ: {يا أيها النبي انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} [الأحزاب: 45]. قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عبدي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ الله حَتَّىٰ يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا الله، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا.
    قال ابن القيم:
    "وكلها نعوت ليست أعلاما محضة لمجرد التعريف بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به توجب له المدح والكمال".
    هذا وقد ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة حتىٰ أوصلها بعضهم إلىٰ ألف اسم، أعرضنا عنها لضعف أدلتها وعدم ثبوتها.
    ونسبه صلى الله عليه وسلم إلىٰ عدنان هو المتفق عليه.
    قال ابن القيم بعد ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم إلىٰ عدنان:
    "إلىٰ ههنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين، ولا خلاف فيه البتة".اهـ.
    ووقع الخلاف فيما بين عدنان إلىٰ إسماعيل، ثم فيما بين إسماعيل إلىٰ آدم – عليهما السلام.
    قال ابن القيم:
    وما فوق عدنان مختلف فيه.اهـ.
    وقال ابن سعد:
    "الأمر عندنا الإمساك عما وراء عدنان إلىٰ إسماعيل."اهـ.
    وقال البغوي في «شرح السنة»:
    ولا يصح حفظ النسب فوق عدنان.اهـ.
    فالذي عليه أهل التحقيق أن ما فوق عدنان ضعيف لا يثبت، والثابت فقط أنه صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل عليه السلام لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله اصْطَفَىٰ كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَىٰ قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَىٰ مِنْ قُرَيْشٍ بني هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بني هَاشِمٍ».
    فضعف ما بين النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ إسماعيل عليه السلام لا يعني ضعف نسبه إليه، بل هو صحيح ثابت كما دل عليه الحديث.
    فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم:
    عن واثلة بن الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الله اصْطَفَىٰ كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَىٰ قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَىٰ مِنْ قُرَيْشٍ بني هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بني هَاشِمٍ».
    وقد أقر أبو سفيان وهو لم يزل علىٰ الكفر بفضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله هرقل عن نسبه صلى الله عليه وسلم فقال: هو فينا ذو نسب.
    وقد ولد صلى الله عليه وسلم يتيمًا يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول من عام الفيل.
    فقد توفي أبوه وهو حمل صلى الله عليه وسلم وهو الراجح.
    قال ابن القيم:
    "واختُلِف في وفاة أبيه عبد الله، هل توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل، أو تُوفي بعد ولادته؟ علىٰ قولين: أصحهما: أنه توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حَمْلٌ".
    وقال ابن سعد بعدما ذكر أقوالًا كثيرة في تاريخ وفاة عبد الله:
    "والأول أثبت أنه توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل."اهـ.
    وقيل توفي عبد الله وهو في الخامسة والعشرين من عمره.
    وروي الإمام مسلم عَنْ أبي قَتَادَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ قَالَ: «ذَلكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ».
    قال الشيخ الألباني:
    "وأما تاريخ يوم الولادة، فقد ذُكر فيه وفي شهره أقوال ذكرها ابن كثير في الأصل، وكلها معلقة بدون أسانيد يمكن النظر فيها ووزنها بميزان علم مصطلح الحديث؛ إلا قول من قال: إنه في الثامن من ربيع الأول فإنه رواه مالك وغيره بالسند الصحيح عن محمد بن جبير بن مطعم، وهو تابعي جليل، ولعله لذلك صحح هذا القول أصحاب التاريخ واعتمدوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد ابن موسىٰ الخوارزمي، ورجحه أبو الخطاب ابن دحية والجمهور علىٰ أنه في الثاني عشر منه. والله أعلم".اهـ.
    وروىٰ الحاكم في «مستدركه» عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: (ولد النبي صلى الله عليه وسلم في عام الفيل).
    وسمي بعام الفيل لوقوع حادثة الفيل المشهورة فيه، والتي قاد فيها أبرهة الأشرم ابن الصباح الحبشي، نائب النجاشي علىٰ اليمن، بفيله العظيم جيشه العرمرم لهدم الكعبة المشرفة بيت الله الحرام. ولكن هيهات هيهات، فما قوة أبرهة بفيله العظيم وجيشه العرمرم الكبير بجوار قوة العلي القدير، إلا كقشة ضعيفة تتقاذفها أمواج عظيمة، بل هي أضعف.
    فالله تعالىٰ هو الذي خلقهم وهو الذي أعطاهم هذه القوة فهم لا يعجزونه. فما أن وصل أبرهة إلىٰ وادي محسِّر بين مزدلفة ومني حتىٰ برك الفيل وعجز عن الحركة إلا لوجهة أخرىٰ غير وجهة الكعبة، وهنالك أرسل عليهم رب البيت طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول.
    وحكىٰ الله تعالىٰ ما نزل بهم من عذاب في كتابه العزيز فقال تعالى:{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول}الفيل: 1- 5. وقال نُفيل بن حبيب حين نزل بهم العذاب:
    أيـن المفر والإلـه الطالـب
    والأشـرم المغلوب غير الغالب


    وقد ذكر القصة كاملة الإمام الطبري في تفسير سورة الفيل.
    وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:24 pm

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،، فهذه هي الحلقة الثالثة من سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. وكان آخر ما تكلمنا عنه في الحلقة الماضية:ذكر مولده صلى الله عليه وسلم. يقول صلى الله عليه وسلم: «أنا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَىٰ عِيسَىٰ، رَأَتْ أُمِّي حين حملت بي كأن نُورًا خرج منها أَضَاءَتْ له قُصُورُ بُصرىٰ من أرض الشَّامِ».
    فقوله: أنا دعوة إبراهيم:
    حيث دعا إبراهيم عليه السلام ربه بأن يبعث في العرب رسولًا منهم فقال:{ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم} [البقرة: 129].
    وقوله: وبشرىٰ عيسىٰ:
    وبشر به عيسىٰ بن مريم عليه السلام فقال: {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} [الصف: 6].
    وقوله: رأت أمي حين حملت بي كأن نورًا خرج منها أضاءت له قصور بُصرىٰ من أرض الشام:
    هذا لفظ الحاكم، وابن إسحاق، أما لفظ ابن سعد ففيه: رأت أمي كأنه خرج منها نورٌ أضاءت منه قصور الشام. ولذلك اختُلِف في وقت خروج هذا النور، أكان عند الحمل أم عند الولادة؟.
    وفسر ابن رجب الحنبلي هذا النور بأنه إشارة إلىٰ ما يجيء به من النور الذي اهتدىٰ به أهل الأرض، وزال به ظلمة الشرك منها، كما قال تعالىٰ: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم} [المائدة: 15- 16].اهـ.
    وقال ابن كثير رحمه الله:
    "وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلىٰ استقرار دينه ونبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلًا للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسىٰ بن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها، ولهذا جاء في الصحيحين: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَىٰ الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ولا من خالفهم حَتَّىٰ يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذَلِكَ» وفي «صحيح البخاري»: (وهم بالشام)".اهـ.
    ومما وقع في يوم مولده أيضًا ما رواه ابن إسحاق عن حسان بن ثابت قال: والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديًا يصرخ بأعلىٰ صوته علىٰ أطمة( أي: مكان عال ) يثرب: يا معشر يهود حتىٰ إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك ما بك؟! قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به.
    هذا ما صح من الآيات التي حدثت يوم ولادته صلى الله عليه وسلم ولا يصح بعد ذلك شيء.
    قال الألباني رحمه الله:
    "ذكر ارتجاس الإيوان، وسقوط الشرفات، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، وغير ذلك من الدلالات ليس فيه شيء".
    وقد أرضعته صلى الله عليه وسلم: حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية،وظهر بوجوده عندها من البركات ما ظهر. وقد ثبت رضاع النبي صلى الله عليه وسلم منها بأحاديث صحيحة منها:
    ما أخرجه الحاكم في «مستدركه» عن عتبة بن عبد السلمي: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف كان شأنك يا رسول الله؟ قال: «كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بني سَعْدِ بن بَكْرٍ ... الحديث» وبنو سعد بن بكر هم قوم حليمة السعدية.
    وحديث عبد الله بن جعفر الذي يرويه عن حليمة السعدية والتي تحكي فيه ما ظهر من بركاته صلى الله عليه وسلم، حيث قالت: خرجت مع زوجي وابن لي صغير في نسوة من بني سعد بن بكر، نلتمس الرضعاء. قال: وذلك في سنة شهبًا( أي: مجدبة، ليس فيها خضرة ولا ماء). لم تُبصر لنا شيئًا، قالت: فخرجت علىٰ أتان لي قمراء( أي: بيضاء) ومعنا شارف( وهي الناقة المسنة ) لنا، والله ما تبضُّ( بض الماء: أى: سال قليلا قليلا ) بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجوا الغيث والفرج، فخرجت علىٰ أتاني تلك، فلقد أذمَّت(أذمت:أي: أبطأت وحبست) بالركب حتىٰ شق ذلك عليهم، ضعفًا وعجفًا، حتىٰ قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عُرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجوا المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم، وما عسىٰ أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعًا، والله لأذهبن إلىٰ ذلك اليتيم فلآخذنه، قال: لا عليك أن تفعلي، عسىٰ الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت: فذهبت إليه وأخذته، وما حملني علىٰ أخذه إلا أني لم أجد غيره، قالت: فلما أخذته رجعت به إلىٰ رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتىٰ روي، وشرب معه أخوه حتىٰ روي، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلىٰ شارفنا تلك، فإذا هي حافل(أي:ممتلئة باللبن) فحلب منها فشرب وشربت معه حتىٰ انتهينا ريًا وشبعًا، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حمرهم، حتىٰ إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك! اربعي( أي: أرفقي ) علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلىٰ والله، إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها شأنًا، قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح عليَّ حين قدمنا به معنا شباعًا لُبَّنًا( لبنا: أي: ممتلئة باللبن ) فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتىٰ كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تبضُّ بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعًا لبنا. فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتىٰ مضت سنتان وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتىٰ كان غلامًا جفرًا( أي: قويا شديدا ).
    قالت: فقدمنا به علىٰ أمه ونحن أحرص علىٰ مكثه فينا، لما كنا نرىٰ من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت ابنك عندي حتىٰ يغلظ، فإني أخشىٰ عليه وباء مكة، قالت: فلم نزل بها حتىٰ ردته معنا.
    واخُتلف في صحة هذا الحديث بين المحدثين، فمن مصحح له ومضعف، كابن عساكر حيث قال: هذا حديث غريب جدًا وفيه ألفاظ ركيكة لا تشبه الصواب، وكذلك أعرض عنه الألباني في «صحيح السيرة» فلم يذكره، أما الذهبي فقال: هذا حديث جيد الإسناد.
    وقد أرضعته صلى الله عليه وسلم أيضًا ثويبة مولاة أبي لهب وكان ذلك قبل ذهابه إلىٰ السعدية.
    روي الإمام البخاري: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أَنْكِحْ أُخْتِي بنتَ أبي سُفْيَانَ، فَقَالَ: «أَوَ تُحِبِّينَ ذَلِكَ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ يشَارِكُنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ ذلك لَا يحل لِي»، فَقُلْتُ: فإِنَّا نَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بنتَ أبي سَلَمَةَ. قَالَ: «بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّهَا لم تكن رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَابْنَة أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بناتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ».
    قَالَ عُرْوَةُ: وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأبي لَهَبٍ كَانَ أبو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا مَاتَ أبو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أبو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ .
    ولما بلغ صلى الله عليه وسلم أربع سنوات أتاه ملكان فشقا صدره وغسلا قلبه ثم أعاداه.
    روىٰ الإمام مسلم في «صحيحه»: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذِهِ حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثم غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، قَالَ وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَىٰ أُمِّهِ – يَعْنِي: ظِئْرَهُ- فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ: وَكُنْتُ أَرَىٰ أَثَرَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ.
    قال ابن سعد:
    وكان عمره حينها أربع سنوات.
    وروىٰ الحاكم في «مستدركه»: عَنْ عُتْبَةَ بن عبد السُّلَمِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بني سَعْدِ بن بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ: يَا أَخِي اذْهَبْ فَأْتِنَا زادًا مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا، فَانْطَلَقَ أَخِي وكنت عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي، فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي للْقَفَا فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حِصْهُ – يعني: خطه- وَاخَتَتمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ، فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَىٰ الْأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أَنْ يَخِرَّ عَلَيَّ، فَقَالَا: لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي، وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَىٰ أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُهُ فَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ التبس بِي، فقَالَتْ: أُعِيذُكَ بِاللَّهِ، فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا فَجَعَلَتْنِي عَلَىٰ الرَّحْلِ وَرَكِبَتْ خَلْفِي حَتَّىٰ بَلَغْنَا أُمِّي، فَقَالَتْ: أَوَأَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي، وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ، فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ خَرَجَ مِنِّي نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ».
    ولما بلغ صلى الله عليه وسلم ست سنوات ماتت أمه بالأبواء بين مكة والمدينة فكفله جده عبد المطلب.
    قال ابن إسحاق:
    "توفيت آمنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين بالأبواء، بين مكة والمدينة: كانت قد قدمت به علىٰ أخواله من بني عدي بن النجار، تُزيره إياهم، فماتت وهي راجعة به إلىٰ مكة".
    قال ابن القيم:"ولا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة بالأبواء منصرفها من المدينة من زيارة أخواله، ولم يستكمل إذ ذاك سبع سنين".فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بن هاشم، وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتىٰ يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر، حتىٰ يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب، إذا رأي ذلك منهم: دعوا ابني، فوالله إن له لشأنًا؛ ثم يجلسه معه علىٰ الفراش، ويمسح ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع. وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:24 pm

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،، فهذه هي الحلقة الرابعة من سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
    فلما بلغ صلى الله عليه وسلم ثماني سنين هلك عبد المطلب بن هاشم، وذلك بعد عام الفيل بثماني سنين.
    فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب، وكان عبد المطلب – فيما يزعمون- يوصي به عمه أبا طالب، وذلك لأن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأب وأم، أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائز بن عبد بن عمران بن مخزوم.
    ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية عشرة خرج به عمه أبو طالب إلىٰ الشام، فلما بلغوا بصرىٰ رآه بحيراء الراهب، فتحقق فيه صفات النبوة فأمر عمه برده، فرجع به.
    عن أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ أبو طَالِبٍ إِلَىٰ الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَىٰ الرَّاهِبِ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَلْتَفِتُ. قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ الرَّاهِبُ حَتَّىٰ جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ الله رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنْ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا وَلَا يَسْجُدَانِ إِلَّا لِنَبِيٍّ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الْإِبِلِ، قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ، فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَىٰ فَيْءِ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَىٰ فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لَا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَىٰ الرُّومِ، فَإِنَّ الرُّومَ إِذَا رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَيَقْتُلُونَهُ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا بِسَبْعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنْ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: جِئْنَا إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ، لَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَّا بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ، وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بُعِثْنَا إِلَىٰ طَرِيقِكَ هَذَا، فَقَالَ: هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بِطَرِيقِكَ هَذَا. قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ الله أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ رَدَّهُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَبَايَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ؟ قَالُوا: أبو طَالِبٍ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّىٰ رَدَّهُ أبو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أبو بَكْرٍ بِلَالًا، وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنْ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ.
    قال الذهبي رحمه الله:
    تفرد به قُراد، واسمه عبد الرحمن بن غزوان، ثقة، احتج به البخاري، والنسائي، ورواه الناس عن قراد، وحسنه الترمذي، ثم قال: وهو حديث منكر جدًا، وأين كان أبو بكر؟ كان ابن عشر سنين، فإنه أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين ونصف، وأين كان بلال في هذا الوقت؟ فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث، ولم يكن ولد بعد، وأيضًا فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة؟ لأن ظل الغمامة يعدم فيء الشجرة التي نزل تحتها، ولم نر النبي صلى الله عليه وسلم ذكَّر أبا طالب قط بقول الراهب، ولا تذاكرته قريش، ولا حكته أولئك الأشياخ مع توافر همهم ودواعيهم علىٰ حكاية مثل ذلك، فلو وقع لاشتهر بينهم أيما اشتهار، وبقي عنده صلى الله عليه وسلم حسٌ من النبوة، ولما أنكر مجيء الوحي إليه أولًا بغار حراء وأتىٰ خديجة خائفًا علىٰ عقله، ولما ذهب إلىٰ شواهق الجبال ليرمي نفسه وأيضًا فلو أثر هذا الخوف في أبي طالب ورده كيف كانت تطيب نفسه أن يمكنه من السفر إلىٰ الشام تاجرًا لخديجة؟
    وفي الحديث ألفاظ منكرة تشبه ألفاظ الطرقية، مع أن ابن عائز قد روىٰ معناه في مغازيه دون قوله. وبعث معه أبو بكر بلالًا... إلىٰ آخره. فقال حدثنا الوليد بن مسلم أخبرني أبو داود سليمان بن موسىٰ فذكره بمعناه.اهـ.
    وقد أنكر أيضًا ذكر بلال فيها ابن سيد الناس، وابن القيم.
    قال الألباني رحمه الله:
    "وإعلال الحديث بأن فيه ذكر أبي بكر وبلال، وكان عمر أبي بكر إذ ذاك تسع سنين أو عشر، إنما هي دعوىٰ مبنية علىٰ أن عمره صلى الله عليه وسلم يومئذ ثنتا عشرة سنة، وهذا غير محفوظ، فإنه إنما ذكره مقيدًا بهذا الواقدي كما قال المؤلف والواقدي متروك متهم، فمن الممكن أن تكون القصة وقعت بعد ذلك بسنين، فلا يجوز إعلالها بمثل قول الواقدي المنكر".
    وذكر ابن عساكر أن بحيري كان يسكن قرية يقال لها (الكَفْر) بينها وبين بصرىٰ ستة أميال، وهي التي يقال لها (دير بحيرى) قال: ويقال إنه كان يسكن قرية يقال لها: منفعة بالبلقاء وراء زيرا. والله أعلم.
    ولما بلغ صلى الله عليه وسلم الخامسة عشرة كانت حرب الفجار بين قريش وهوازن.
    وقد وقعت حرب الفجار بين كنانة ومعهم قريش وبين هوازن.
    ولم يأت خبر مسند صحيح باشتراك النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحرب إلا ما ذكره ابن هشام في سيرته بدون إسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كنت أنبل علىٰ أعمامي» وهو خبر لا يصح إذ ليس له إسناد.
    واختُلف في عمر النبي صلى الله عليه وسلم وقت نشوب هذه الحرب.
    فقال ابن هشام:
    كان عمره صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة، أو خمس عشرة سنة.
    وقال ابن إسحاق:
    كان ابن عشرين سنة. وقيل عشر سنين وذلك لما ذُكر بأن بين الفجار وبين بنيان الكعبة خمس عشرة سنة وبين بناء الكعبة والمبعث خمس عشرة سنة كذلك فيكون عمره صلى الله عليه وسلم حينها عشر سنين.
    سبب الحرب:
    قال ابن هشام رحمه الله:
    وكان الذي هاجها أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، أجار لطيمة(وهي القافلة المحملة بالطيب) للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس، أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد منات بن كنانة: أتجيرها علىٰ كنانة، قال: نعم، وعلىٰ الخلق كله، فخرج فيها عروة الرحال وخرج البراض يطلب غفلته، حتىٰ إذا كان بتَيْمَن ذي الطلال بالعالية، غفل عروة، فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام، فلذلك سمي الفجار.
    اشتعال المعركة:
    فكان قتل البراض لعروة إيذانًا باشتعال الحرب بين الفريقين.
    حيث (أتىٰ آت قريشًا فقال: إن البراض قد قتل عروة، وهم في الشهر الحرام بعكاظ، فارتحلوا وهوازن لا تشعر بهم، ثم بلغهم الخبر فأتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم، فاقتتلوا حتىٰ جاء الليل، ودخلوا الحرم، فأمسكت عنهم هوازن، ثم التقوا بعد هذا اليوم أيامًا، والقوم متساندون علىٰ كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم -وقيل كان قائد قريش وكنانة حرب بن أمية بن عبد شمس- وعلىٰ كل قبيل من قيس رئيس منهم.
    وكان الظفر في أول النهار لقيس علىٰ كنانة، حتىٰ إذا كان في وسط النهار كان الظفر لكنانة علىٰ قيس.
    الصلح بين الفريقين:
    قال السهيلي:
    وكان آخر الفجار أن هوازن وكنانة تواعدوا للعام القابل بعكاظ، فجاءوا للوعد وكان حرب بن أمية رئيس قريش وكنانة، وكان عتبة بن ربيعة يتيمًا في حجره، فضنَّ به حرب، وأشفق من خروجه معه، فخرج عتبة بغير إذنه، فلم يشعروا إلا وهو علىٰ بعيره بين الصفين ينادي: يا معشر مضر، علام تتقاتلون؟ فقالت له هوازن: ما تدعو إليه؟ فقال: الصلح علىٰ أن ندفع لكم دية قتلاكم ونعفوا عن دمائنا، قالوا: وكيف؟ قال: ندفع إليكم رهنًا منا، قالوا: ومن لنا بهذا؟ قال: أنا، قالوا: ومن أنت؟ قال: عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فرضيت كنانة ورضوا، ودفعوا إلىٰ هوازن أربعين رجلًا فيهم حكيم بن حزام، فلما رأت بنو عامر ابن صعصعة الرهن في أيديهم عفوا عن الدماء وأطلقوهم، وانقضت حرب الفجار، وكان يقال لم يَسُدْ من قريش مملق(أي: فقير) إلا عتبة وأبو طالب بن عبد المطلب فإنهما سادا قريشًا مع الفقر....اهـ.
    ثم شهد صلى الله عليه وسلم حلف الفضول لنصرة المظلوم.
    روىٰ الإمام أحمد، عَنْ عبد الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ: أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ».
    وقام بعقد حلف الفضول نفس العشائر التي عقدت حلف المطيبين.
    ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ».
    ولا يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترك في الحلفين والدليل علىٰ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح في بعض النصوص بأنه لم يشهد للمشركين سوىٰ حلف واحد وقال: ما شهدت حلفًا لقريش إلا حلف المطيبين.
    قال ابن كثيررحمه الله:
    وزعم بعض أهل السير أنه أراد حلف الفضول، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيبين، قلت: هذا لا شك فيه، وذلك أن قريشًا تحالفوا بعد موت قصي، وتنازعوا في الذي كان جعله قصي لابنه عبد الدار في السقاية والرفادة، واللواء، والندوة، والحجابة، ونازعهم فيه بنو عبد الدار وقامت مع كل طائفة قبائل من قريش، وتحالفوا علىٰ النصرة لحزبهم، فأحضر أصحاب بني عبد مناف جَفنة فيها طيب، فوضعوا أيديهم فيها، وتحالفوا، فلما قاموا مسحوا أيديهم بأركان البيت، فسموا المطيبين، وكان هذا قديمًا، ولكن المراد بهذا الحلف، حلف الفضول وكان في دار عبد الله بن جدعان....اهـ.
    ثم أن حلف المطيبين القديم لا يحمل من معاني الانتصار للعدالة مثل حلف الفضول الذي شارك فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.اهـ.
    سبب انعقاد حلف الفضول:
    قال ابن كثيررحمه الله:
    وكان سببه أن رجلًا من زبيد قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل، فحبس عنه حقه، فاستعدىٰ عليه الزبيدي الأحلاف، عبد الدار، ومخزومًا، وجمعًا، وسهمًا، وعدي بن كعب، فأبوا أن يعينوا علىٰ العاص بن وائل، وزبروه – أن انتهروه- فلما رأىٰ الزبيدي الشر، أوفىٰ علىٰ أبي قُبيس عند طلوع الشمس، وقريش في أنديتهم حول الكعبة، فنادىٰ بأعلىٰ صوته:
    يا آل فهر لمظلومٍ بضاعته
    . ببطن مكة نائي الدار والنفرِ

    ومحرمٍ أشعثٍ لم يقض عُمْرته
    يا للرجال وبين الحِجْرِ والحَجَرِ

    إنَّ الحرام لمن تمت كرامته
    ولا حرامَ لثوب الفاجر الغُدَرِ

    فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب، وقال ما لهذا مترك، فاجتمعت هاشم، وزهرة، وتيم بن مرة، في دار عبد الله بن جدعان، فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في ذي القعدة، في شهر حرام، فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يدًا واحدة مع المظلوم علىٰ الظالم حتىٰ يؤدىٰ إليه حقه ما بلَّ بحرٌ صوفةً وما رسا ثَبيْرٌ وحراءُ مكانهما، وعلىٰ التأسي في المعاش، ثم مشوا إلىٰ العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فردوها إليه.
    وقال الزبير بن عبد المطلب في ذلك:
    حَلَفْتُ لنعقدنْ حلفًا عليهم
    وإن كنا جميعًا أهل دارِ

    نسميه الفضولَ إذا عقدنا
    يعز به الغريب لذي الجوار

    ويعلم من حوالي البيت أنَّا
    أُباهُ الضيم نمنع كلَّ عارِ

    وقال أيضًا:
    إن الفضولَ تعاقدوا وتحالفوا
    ألاَّ يقيم ببطن مكة ظالمُ

    أمرٌ عليه تعاقدوا وتواثقوا
    فالجارُ والمعترُّ فيهم سالم

    سبب تسميته بحلف الفضول:
    قال ابن كثير:
    فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وقالوا لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر ... .اهـ.
    وقيل سمي بذلك لأن الداعي إليه ثلاثة من أشرافهم اسم كل واحد منهم فضل وهم: الفضل بن فضالة، والفضل بن وداعة، والفضل بن الحارث، وقيل هم: الفضيل بن شُراعة، والفضل بن وداعة، والفضل بن قضاعة.
    ولما بلغ صلى الله عليه وسلم الخامسة والعشرين تزوج خديجة رضي الله عنها.
    وقد تزوجها رضي الله عنها وكان آنذاك في الخامسة والعشرين من عمره، وخديجة رضي الله عنها في الأربعين من عمرها.
    وذكر ابن إسحاق أنها كانت في الثامنة والعشرين، وهو الأرجح؛ لأن ابن اسحاق أوثق من الواقدي.
    وتشير روايات ضعيفة – بل معظمها واهٍ- إلىٰ تفاصيل تتعلق بزواج الرسول من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وهي تحدد بداية التعارف بينهما عن طريق عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة، التي كانت ثرية تضارب بأموالها وقد ذهب بتجارتها إلىٰ قريش مرتين – قرب خميس مشيط وكانت تابعة لليمن- أو حباشة – سوق بتهامة من نواحي مكة- أو الشام، فربح بتجارتها وحكي لها غلامها ميسرة الذي صحبه عن أخلاقه وطباعه، فأعجبت به، وقد خطبها لأبيها خويلد بن أسد فزوجه منها....اهـ.
    وقيل مات خويلد بن أسد قبل الفجار، وقيل مات في الفجار وكان زعيم قومه فيها والذي زوجها هو عمها عمرو بن أسد.
    ولما بلغ صلى الله عليه وسلم الخامسة والثلاثين اختلفت قريش فيمن يضع الحجر الأسود مكانه فحكم بينهم.
    روىٰ الإمام أحمد: عن السائب بن عبد الله أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ يَبْنِي الْكَعْبَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: وَكان لِي حَجَرٌ أَنَا نَحَتُّهُ بِيَدَيَّ أَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ الله، قال: وكنت أَجِيءُ بِاللَّبَنِ الْخَاثِرِ(أي: الغليظ) الَّذِي أَنْفَسُهُ(أي: أبخل به) عَلَىٰ نَفْسِي فَأَصُبُّهُ عَلَيْهِ، فَيَجِيءُ الْكَلْبُ فَيَلْحَسُهُ، ثُمَّ يَشْغَرُ(أي: يبول) فَيَبُولُ عليه. قال: فَبَنَيْنَا حَتَّىٰ بَلَغْنَا مَوْضِعَ الْحَجَرِ، وَلا يَرَىٰ الْحَجَرَ أَحَدٌ، فَإِذَا هُوَ وَسْطَ حِجَارَتِنَا مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ، يَكَادُ يَتَرَاءَىٰ مِنْهُ وَجْهُ الرَّجُلِ. فَقَالَ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ: نَحْنُ نَضَعُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: نَحْنُ نَضَعُهُ، فَقَالُوا: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ حَكَمًا. فقَالُوا: أَوَّلَ رَجُلٍ يَطْلُعُ مِنْ الْفَجِّ، فَجَاءَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَتَاكُمْ الْأَمِينُ، فَقَالُوا لَهُ، فَوَضَعَهُ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ دَعَا بُطُونَهُمْ، فرفعوا بنوَاحِيهِ مَعَهُ فَوَضَعَهُ هُوَ صلى الله عليه وسلم.
    وروىٰ الطيالسي عن علي رضي الله عنه قال: لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش، فلما أرادوا وضع الحجر تشاجروا، من يضعه؟ فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة، فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل بطن أن يأخذوا بطائفة من الثوب، فرفعوه، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه صلى الله عليه وسلم.
    وروىٰ البخاري في «صحيحه»: عن جابر بن عبد الله أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَه عَلَىٰ مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ؟ قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَىٰ مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رؤي بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صلى الله عليه وسلم.
    نكتفي بهذا القدر ونكمل في الحلقة القادمة، ان شاء الله تعالى.
    وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:25 pm

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول، وبعد،، فمع الدرس الرابع من دروس من دروس سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولما بلغ صلى الله عليه وسلم الثامنة والثلاثين ترادفت عليه علامات نبوته وتحدث بها الرهبان والكهان.
    فقد مهد الله تعالىٰ لبعثه: نبيه صلى الله عليه وسلم بإرهاصات وعلامات منذ ولادته، منها ما هو حسي بأحداث تحدث له، كالذي رأته أمه حين ولادته وما حدث له أثناء رضاعه عند حليمة السعدية، وقصة بحيرى الراهب وتسليم الحجر عليه، وغير ذلك.
    ومنها ما هو معنوي ظهر في أخلاقه صلى الله عليه وسلم، كتركه الكذب، وتركه شرب الخمر خلافًا لعادة الرجال في ذلك الوقت، وعدم سجوده لصنم حتىٰ أقسم زيد بن حارثة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مس صنمًا قط حتىٰ أكرمه الله بالوحي.
    وعدم طوافه بالبيت عُريانًا وغيرها من صفات الرجولة والشهامة حتىٰ قَالَتْ له خَدِيجَةُ: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَىٰ نَوَائِبِ الْحَقِّ.
    وحتىٰ يشاهد هذه العلامات كل من حوله ويرونها رأي العين، ويتناقلونها بينهم، حتىٰ إذا ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم لا يكونون في عجبة من أمره. وكان ما أراده الله عز وجل فما أن بُعث النبي صلى الله عليه وسلم إلا سارع كثير من المقربين إليه وغير المقربين بالإيمان به والدخول في دعوته المباركة، ولم يبق إلا من ختم الله علىٰ قلبه، أو من أراد الله أن يؤخر إسلامه إلىٰ حين آخر.
    ولذلك حتىٰ الذين لم يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم كانوا علىٰ يقين أنه علىٰ حق وأنه لا يكذب، وذلك لما علموه عنه من أخلاق كريمة، ومما حدث له من أحداث قبل نبوته، ومن تحديث الكهان والرهبان وأهل الكتاب به صلى الله عليه وسلم، ولكن ما منعهم أن يؤمنوا به وأن يجحدوا بتلك العلامات إلا الكبر، قال تعالىٰ: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل: 14]، وقال تعالىٰ: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}[الأنعام: 33].
    فلما كان قبيل بعثته صلى الله عليه وسلم ترادفت عليه علامات نبوته وتكاثرت وحدث بها الأحبار والرهبان والكهان، فأما الأحبار والرهبان فبما علموه من كتبهم، وأما الكهان فبما تأتيهم به شياطينهم من استراق السمع.
    ومن ذلك ما رواه البخاري في «صحيحه»: عَنْ عبد الله بن عُمَرَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَىٰ دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي، قَالَ كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ، فَقَالَتْ:
    أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا(أي:يأسها من استراق السمع)
    وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا

    وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا
    قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ(الجليح: الرجل الوقح المجاهر بالعداوة) أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله، فَوَثَبَ الْقَوْمُ فقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَىٰ: يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا(أي: لبثنا) أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ.
    وصرح ابن حجر أن الرجل هو: سواد بن قارب، كما جاء في بعض طرق الحديث.
    وكان من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم أن مُنعت الشياطينُ من استراق السمع.
    وعندها قالت الجنُّ:{وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا}[الجن: 8- 9].
    ومن هواتف الجان أيضًا ما رواه أبو نعيم عن جابر بن عبد الله، قال: إن أول خبر كان بالمدينة بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة بالمدينة كان لها تابع من الجن، فجاء في صورة طائر أبيض، فوقع علىٰ حائط لهم، فقالت له: ألا تنزل إلينا وتحدثنا ونحدثك، وتخبرنا ونخبرك؟ فقال لها: إنه قد بعث نبي بمكة حرم الزنا، ووضع منا القرار.
    وكان من تحديث يهود ما أخرجه ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَلَمَةَ بن سَلَامَةَ بن وَقْشٍ وَكَانَ مِنْ أهل بَدْرٍ قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ يَهُودَ فِي بني عبد الْأَشْهَلِ، قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ حتىٰ وقف علىٰ بني عبد الْأَشْهَلِ – قَالَ سَلَمَةُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيهِ سِنًّا، عَلَيَّ بُرْدَةٌ مُضْطَجِعًا فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي- فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ، وَالْبَعْثَ، وَالْحِسَابَ، وَالْمِيزَانَ، وَالْجَنَّةَ، وَالنَّارَ.
    قال: فقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوْثَانٍ لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْتِ.
    فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ! أو تَرَىٰ هَذَا كَائِنًا، إِنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَىٰ دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ؟! قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ، أَنَّ لَهُ عظة مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمَ تَنُّورٍ فِي الدار يُحَمُّونَهُ، ثُمَّ يُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ فيطينونه عَلَيْهِ، وَأَنْ يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا.
    قَالُوا: وَيْحَكَ يا فلان! فمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ يُبْعَثُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ.
    قَالُوا: وَمَتَىٰ تَرَاهُ؟
    قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ: إِنْ يَسْتَنْفِدْ هَذَا الْغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ.
    قَالَ سَلَمَةُ: فَوَاللَّهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّىٰ بَعَثَ الله محمدًا رَسُولَهُ  وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؛ فَآمَنَّا بِهِ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا.
    قال: فَقُلْنَا له: ويحك يَا فُلَانُ! أَلَسْتَ بِالَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: بَلَىٰ وَلكن لَيْسَ بِهِ( ).
    وروىٰ ابن إسحاق أيضًا عن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا: إن مما دعانا إلىٰ الإسلام – مع رحمة الله تعالىٰ وهداه لنا- لما كنا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم.
    فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلىٰ الله، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزلت هذه الآية:{ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}[البقرة: 89].
    وروىٰ عن عاصم بن عمر بن قتادة أيضًا عن شيخ من بني قريظة قال لي: هل تدري عمَّ كان إسلام ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعيد، وأسد بن عبيد؟ - نفر من بني هدل إخوة بني قريظة؛ كانوا معهم في جاهليتهم، ثم كانوا سادتهم في الإسلام- قال: قلت: لا والله. قال: فإن رجلًا من اليهود من أرض الشام يقال له ابن الهيِّبان قدم علينا قبل الإسلام بسنين، فحلَّ بين أظهرنا، لا والله، ما رأينا رجلًا قط لا يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا، فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له: اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا. قيقول: لا والله، حتىٰ تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة. فنقول: كم؟ فيقول: صاعًا من تمر، أو مدين من شعير. قال: فنخرجها، ثم يخرج بنا إلىٰ ظاهر حرتنا فيستقي لنا، فوالله ما يبرح مجلسه حتىٰ يمر السحاب ويسقي. قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث.
    قال: ثم حضرته الوفاة عندنا، فلما عرف أنه ميت قال: يا معشر يهود! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلىٰ أرض البؤس والجوع؟ قال: قلنا: أنت أعلم.
    قال: فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف(أي: أترقب) خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلدة مهاجره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلكم زمانه، فلا تُسْبَقَنَّ إليه يا معشر يهود! فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه.
    فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصر بني قريظة، قال هؤلاء الفتية –وكانوا شبابًا أحداثًا: يا بني قريظة! والله إنه للنبي الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان. قالوا: ليس به.
    قالوا: بلىٰ والله، إنه لهو بصفته. فنزلوا فأحرزوا دمائهم وأموالهم وأهليهم.
    ومن تحديث الرهبان به ما جاء في قصة إسلام سلمان الفارسي وأنه كان مجوسيًا ثم دخل كنيسة نصارىٰ فأعجبته عبادتهم، فدخل دينهم، ثم استوصىٰ قس الكنيسة عند وفاته فأوصاه بالذهاب إلىٰ قس الموصل الذي أوصاه عند وفاته بالذهاب إلىٰ قس نصيبين الذي أوصاه عند وفاته أيضًا بقس عمورية، فأوصاه بإتباع النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه له.
    وتنبؤ ورقة بن نوفل به عندما ذهبت به خديجة رضي الله عنها إليه.
    وتنبؤ هرقل بانتشار دعوته صلى الله عليه وسلم وقوله: فإن كان ما تقول حقًا فسيملك موضع قدمي هاتين.
    وكذلك قصة ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وخروجهما من مكة بحثًا عن الدين الحق حتىٰ انتهيا إلىٰ راهب بالموصل، فقال الراهب لزيد: إن الذي تلتمس يوشك أن يظهر.
    فكانت هذه الآيات والمعجزات التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم من قبيل الإرهاصات الدالة علىٰ تميزه عن غيره من الحنيفيين الذين عاصروه، وأن الله عز وجل سيختاره بالذات لأمر عظيم.
    ولما بلغ صلى الله عليه وسلم التاسعة والثلاثين حُبب إليه الخلوة فكان يخلو بغار حراء شهر رمضان يتحنف فيه.
    روىٰ البخاري في «صحيحه»: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، - قال الزهري: أحد رواه الحديث، والتحنث: التَّعبد اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ-، قَبْلَ أَنْ يرجع إِلَىٰ أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَىٰ خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا. وجاء في رواية ابن إسحاق أن ذلك كان في شهر رمضان.
    وقبل مبعثه بستة أشهر كان وحيه منامًا، وكان لا يرىٰ رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
    جاء في حديث عائشة السابق أنها قالت: كان أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَىٰ رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ.
    قال ابن حجررحمه الله:
    هذا ظاهر في أن الرؤيا الصادقة كانت قبل أن يحبب إليه الخلاء، ويحتمل أن تكون لترتيب الأخبار، فيكون تحبيب الخلوة سابقًا علىٰ الرؤيا الصادقة، والأول أظهر ... .اهـ.
    نكتفي بهذا القدر، ونكمل في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى. وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:25 pm

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،، فهذا هو اللقاء السادس من لقاءات سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
    ولما أتم النبي صلى الله عليه وسلم الأربعين من عمره – علىٰ القول الراجح من أقوال أهل العلم- وذلك لما رواه البخاري بسنده عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِأَرْبَعِينَ سَنَةً.
    ولما رواه مسلم بسنده: عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّهُ قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ، وَلَا بِالْآدَمِ، وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبِطِ، بَعَثَهُ الله عَلَىٰ رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
    لما أتم الأربعين أنعم الله عليه بنور النبوة والإيمان ليبدد به ظلمات الكفر والطغيان، حيث اختاره الله تعالىٰ نبيًا له ورسولاً في الأرض، ونورًا يُهدىٰ به إلىٰ الجنة، وقد وصفه الله بذلك فقال:{يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}[المائدة: 15- 16].
    فكانت بعثته صلى الله عليه وسلم والنور الذي جاء به حجة علىٰ الناس، فمن تبعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
    اللهم اجعلنا من أتباعه إلىٰ أن نلقاك يا رب العالمين.
    فكيف كان نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم لأول مرة؟ وأين كان هذا؟ وما الذي حدث له صلى الله عليه وسلم حينها؟ وكيف كان موقف من حوله منه حين أخبرهم بذلك؟
    هذا ما سنعرفه من خلال الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري رحمه الله عن السيدة عائشة رضي الله عنها وبعض جمل الحديث من «مدرج الزهري» أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَىٰ رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ – وَهُوَ التَّعبد اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ- قَبْلَ أَنْ يَنْزِحَ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَىٰ خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّىٰ جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّىٰ بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّىٰ بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ:{اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم}[العلق: 1- 3] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَىٰ خَدِيجَةَ بنتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّىٰ ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَىٰ نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَىٰ نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّىٰ أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بن نَوْفَلِ بن أَسَدِ بن عبد الْعُزَّىٰ ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ الله أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَىٰ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَىٰ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ الله عَلَىٰ مُوسَىٰ يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟» قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ.
    وكان نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم في المرة الأولىٰ يوم الاثنين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سبب صيامه ليوم الاثنين قال: «ذلك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أنزل عليَّ فيه».
    وكان ذلك في شهر رمضان.
    فترة الوحي:
    ثم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة، كما ثبت ذلك في بعض طرق حديث عائشة السابق، وفي «الصحيحين» عن جَابِر بن عبد الله أَنَّهُ سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الْوَحْيُ فَتْرَةً» ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم كم كانت مدة فترة الوحي، واختلفت فيه أقوال العلماء اختلافًا شديدًا.
    إلا أن المبارك فوري قال في كتابه «الرحيق المختوم»: "وقد ظهر لي شيء غريب بعد إدارة النظر في الروايات وفي أقوال أهل العلم ولم أر من تعرض له منهم، وهو أن هذه الأقوال والروايات تفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجاور بحراء شهرًا واحدًا، وهو شهر رمضان من كل سنة، وذلك من ثلاث سنوات قبل النبوة، وأن سنة النبوة كانت هي آخر تلك السنوات الثلاث، وأنه كان يتم جواره بتمام شهر رمضان، فكان ينزل بعده من حراء صباحًا – أي: لأول يوم من شهر شوال- ويعود إلىٰ البيت. وقد ورد التنصيص في رواية «الصحيحين» علىٰ أن الوحي الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفترة إنما نزل وهو راجع إلىٰ بيته بعد إتمام جواره بتمام الشهر. أقول فهذا يفيد أن الوحي الذي نزل عليه بعد الفترة إنما نزل في أول يوم من شهر شوال بعد نهاية شهر رمضان الذي تشرف فيه بالنبوة والوحي، وأنه كان آخر مجاورة له بحراء، وإذا ثبت أن أول نزول كان في ليلة الاثنين الحادية والعشرين من شهر رمضان فهذا يعني أن فترة الوحي كانت لعشرة أيام فقط، وأن الوحي نزل بعدها صبيحة يوم الخميس لأول شوال من السنة الأولىٰ من النبوة".
    وأما ما ذكر في حديث عائشة رضي الله عنها عن محاولة النبي صلى الله عليه وسلم التردِّي من شواهق الجبال فقد ذهب ابن حجر إلىٰ أنه بلاغ مرسل من مراسيل الزهري ومراسيل الزهري ضعيفة.
    وردَّ الألبانيُّ هذه الزيادة بعلتين:
    الأولىٰ: تفرد معمر بها دون يونس وعقيل فهي شاذة.
    الثانية: أنها مرسلة معضلة ولم تأت من طريق موصولة يحتج بها.
    ثم ذكر أنها زيادة منكرة من حيث المعنىٰ، إذ لا يليق بالنبي المعصوم أن يحاول قتل نفسه مهما كان الدافع له علىٰ ذلك.
    عودة الوحي:
    ثم حدث النبي صلى الله عليه وسلم عن عودة الْوَحْيِ إليه مرة أخرىٰ فَقَالَ: «فَبَيْنَما أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَىٰ كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ الله تَعَالَىٰ:{يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر}[المدثر: 1- 5] ثم حمي الوحي وتتابع».
    فلما نزلت يا أيها المدثر كان إيذانًا له صلى الله عليه وسلم ببدء الدعوة إلىٰ الله، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلىٰ الله سرًا حفاظًا منه علىٰ الدعوة وعلىٰ من معه من المؤمنين وهم قلة، وحتىٰ لا يعلم المشركون بذلك فيقضون علىٰ الدعوة في مهدها.
    وأكد العلماء علىٰ أن هذه الفترة كانت ثلاث سنوات، فقد اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة في دعوة من يغلب علىٰ ظنه أنه سيدخل في هذا الدين، وسوف يكتم أمره، وهذا من باب السياسة الشرعية، والنظر المصلحي للدعوة إذا كان الجهر يضر بها.
    وأسلم معه صلى الله عليه وسلم السابقون الأولون مثل خديجة وعلي وزيد وأبي بكر وغيرهم.
    فقد علمنا فيما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يدعو من يغلب علىٰ ظنه أنه سيدخل هذا الدين، وأنه سوف يكتم أمره.
    فكانت خديجة رضي الله عنها أول من دعاها النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ الإسلام فأسلمت، ثم ثنىٰ النبي صلى الله عليه وسلم بأمين سره وموضع ثقته أبي بكر فأسلم، ولم يتردد، يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: صَدَقَ...».
    فكان الصديق رضي الله عنه أول داعية في الإسلام.
    وكان ببركة إسلامه ودعوته ثلة مباركة دخلت في الدين وكانت من السابقين الأولين وكان لها في الإسلام أعظم بذل وبلاء، فرضي الله عنهم أجمعين، منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه ذو النورين والزبير بن العوام وهو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص خال المصطفىٰ صلى الله عليه وسلم، وطلحة بن عبيد الله، وكل هؤلاء الذين دخلوا الإسلام علىٰ يد أبي بكر من العشرة المبشرين رضي الله عنهم أجمعين.
    وكان أول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب رضي الله عنها، وكان ابن ثماني سنين، وقيل أكثر من ذلك، وكان من سابق سعادته أنه كان في كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان غلامًا لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها.
    ثم دخل بعد هذه الثلة الفاضلة التي سبقت لها السعادة وسبقت إلىٰ الإيمان والعبادة، ثلة أخرىٰ كريمة فاضلة منهم أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، وسعيد بن زيد من العشرة المبشرين، وخباب بن الأرت، وعبد الله بن مسعود، وأسماء، وكانت متزوجة بالزبير بن العوام.
    وتوالىٰ إسلام الأفاضل من قريش، فأسلم جعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، والأرقم بن أبي الأرقم، وعثمان بن مظعون، وعمار بن ياسر، وصهيب بن سنان الرومي.
    وكان من السابقين بلال بن رباح، وعمر بن عبسه السلمي، وياسر وسمية والدا عمار، والمقداد بن الأسود.
    ثم أُمر صلى الله عليه وسلم بالجهر فجهر فعاداه قومه.
    وكانت نزول آية الشعراء:{وأنذر عشيرتك الأقربين}[الشعراء: 214] إيذانًا له صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة المباركة، وانتهاء المرحلة السرية.
    عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ:{وأنذر عشيرتك الأقربين}صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بني فِهْرٍ يَا بني عَدِيٍّ» – لِبُطُونِ قُرَيْشٍ- حَتَّىٰ اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ فَجَاءَ أبو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ:{تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب}[المسد: 1- 2].
    ثم شمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ساعديه، وألقىٰ النوم والراحة وراء ظهره، وأخذ يدعو إلىٰ الله وإلىٰ دين ربه عز وجل فهو لا يريد أن يضيع لحظة واحدة في غير الدعوة إلىٰ الله.
    ولم تكن الدعوة سهلة يسيرة، ولم يكن طريقها مفروشا بالورود، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد واجه من الصعوبات والمشقة مالا يتحمله غيره، وصدق الله تعالىٰ إذ يقول:{إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا}[المزمل: 5].
    وكان سبب هذه الصعوبات أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث علىٰ فترة من الرسل حتىٰ إن كفار قريش قد ورثوا عبادة الأصنام والأوثان كابرًا عن كابر، فلم تكن عندهم أدنىٰ موافقة علىٰ ترك دين آبائهم وأجدادهم إلىٰ التدين بهذا الدين الجديد، بل كانوا يقولون:{إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون}[الزخرف: 22].
    ورغم ذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم كل الحرص، وبذل كل الجهد حتىٰ يخرج هؤلاء من عبادة الأوثان إلىٰ عبادة رب الأنام، ومن عبادة العباد إلىٰ عبادة رب العباد، حتىٰ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير في الأسواق يقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا الله تُفْلِحُوا».
    حتىٰ إن الله تعالىٰ لما رأىٰ منه كل هذا الجهد والحزن الذي ملأ قلبه حتىٰ كاد يقتله الحزن لخوفه عليهم من عذاب ربهم، رأف الله تعالىٰ به فأنزل عليه:{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين}[الشعراء: 3]. وأنزل:{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}[الكهف: 6]. أي: فلعك قاتل نفسك أسفًا وحزنًا لعدم إيمانهم بك وبرسالتك فلا تحزن كل هذا الحزن{فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}[الرعد: 40].
    ثم استمر النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته التي واجه فيها صناديد قريش وكبراءها فآذوه أشد إيذاء وتعداه هذا الإيذاء إلىٰ أصحابه صلى الله عليه وسلم ، بأبي هو وأمي ونفسي وأهلي صلى الله عليه وسلم.
    نكتفي بهذا القدر، ونذكر في المرة القادمة_إن شاء الله تعالى_ صورا من تعذيب المشركين للصحابة رضي الله عنهم وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:25 pm

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،، نستكمل سويا سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتعرضه صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم للإيذاء من قبل المشركين.
    حيث اعتقد كفار مكة أن إيذاءهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتعذيبهم لأصحابه سينال من عزيمتهم ويوهن قوتهم فيرضخون لهم ويطيعونهم فيما أرادوا، ولكن هيهات، هيهات، فما نالت هذه الأفعال من عزيمة الأبطال شيئًا، بل زادتهم قوة وصلابة. فكما علمت أخي الكريم لم يقف هذا الإيذاء عند حد معين، ولا علىٰ شخص معين، بل فاق كل الحدود ونال من كل شخص نطق بكلمة التوحيد{وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحكيم}[البروج: 8]. وإليك أخي الكريم بعض الصور لما لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين: عَنْ عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأبو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ أبو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَىٰ سَلَا جَزُورِ بني فُلَانٍ فَيَأْخُذُهُ، فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَىٰ الْقَوْمِ([1]) فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَىٰ بَعْضٍ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ، لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ النبي صلى الله عليه وسلم، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّىٰ انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ، فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ([2]) فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَىٰ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأبي جَهْلِ بن هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بن رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بن عُقْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بن خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ» وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّىٰ صَرْعَىٰ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَىٰ الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. قَالَ أبو إِسْحَقَ: الْوَلِيدُ بن عُقْبَةَ غَلَطٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ([3]).
    وقد وقع شك من الراوي في «صحيح البخاري» أهو أمية بن خلف أم أُبيّ؟ والصحيح أنه أمية فهو الذي قتل يوم بدر أما أبي فقد قتل يوم أحد، وقد تقطعت أوصال أمية فلم يلق في البئر. واعلم أخي الكريم أكرمك الله أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم لم يكن بسبب إيذائهم له صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يغضب لنفسه قط، وإنما كان ذلك لردهم دعوته وعدم قبولها. عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بن الْعَاصِ أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: بَيْنَما النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بن أبي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا فَأَقْبَلَ أبو بَكْرٍ حَتَّىٰ أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وقَالَ:{أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله}[غافر: 28]([4]). وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أبو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّىٰ – يمينًا يحلف بها- لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَىٰ رَقَبَتِهِ أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، قَالَ: فَأَتَىٰ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَىٰ رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ: قِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا» قَالَ: فَأَنْزَلَ الله تعالى:{أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب}العلق: 6-19]([5]). وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «لَقَدْ أُوذِيتُ فِي الله تعالى وَمَا يُؤْذَىٰ أَحَدٌ، وَأُخِفْتُ في الله وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ»([6]). وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أن أبا جَهْلٍ جاء إِلَىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي، فَنَهَاهُ، فَتَهَدَّدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَتُهَدِّدُنِي؟! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَكْثَرُ أَهْلِ الْوَادِي نَادِيًا! فَأَنْزَلَ الله:{فليدع ناديه سندعالزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ الزَّبَانِيَةُ([7]). ولما نزلت{تبت يدا أبي لهب وتب} أقبلت أم جميل أروىٰ بنت حرب، امرأة أبي جهل وهي تنشد: مذمم أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه فلما رأها أبو بكر قال: يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لن تراني» وقرأ قرآنًا فاعتصم به، فوقفت علىٰ أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر إني أُخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها([8]). وكأنَّ الله تعالىٰ أراد ألا يُسب نبيه من هؤلاء. فعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ الله عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟!» قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ»([9]). وكان الْمُشْرِكُونَ إذا سمعوا القرآن يجهر به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه مستخفيًا يسبون الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فأمره الله تَعَالَىٰ أن يتوسط بالقراءة بحيث يسمعه أتباعه دون المشركين، فأنزل الله تعالىٰ:{ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا}[الإسراء: 110]([10]).
    ولكن الله تعالىٰ قد كفىٰ نبيه صلى الله عليه وسلم المستهزئين وعصمه منهم فلم يضروه بشيء، وقد تجلت هذه الرعاية وظهرت لما اجتمع كفار قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ فَتَعَاهَدُوا بِاللَّاتِ وَالْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الْأُخْرَىٰ، لَوْ قَدْ رَأَيْنَا مُحَمَّدًا قُمْنَا إِلَيْهِ قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ نُفَارِقْهُ حَتَّىٰ نَقْتُلَهُ، فلما علمت بذلك فَاطِمَةُ رضي الله عنها أقبلت تَبْكِي حَتَّىٰ دَخَلَتْ عَلَىٰ أَبِيهَا صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: هَؤُلَاءِ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِكَ فِي الْحِجْرِ قَدْ تَعَاهَدُوا أَنْ لَوْ قَدْ رَأَوْكَ قَامُوا إِلَيْكَ فَقَتَلُوكَ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وقَدْ عَرَفَ نَصِيبَهُ من ذلك، فقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا بنيَّةُ أَدْنِي وَضُوءًا»، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمْ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا هَذَا هو، فَخَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ، وَعُقِرُوا فِي مَجَالِسِهِمْ فَلَمْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ، وَلَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ رَجُلٌ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّىٰ قَامَ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَحَصَبَهُمْ بِهَا، وَقَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ. قَالَ ابن عباس: فَمَا أَصَابَتْ رَجُلًا مِنْهُمْ حَصَاةٌ إِلَّا قَدْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا([11]). ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رغم كل هذا الإيذاء والتعنت ضده وضد دعوته رؤفًا بهم رحيمًا، حتىٰ إن جِبْرِيلَ لما جاءه ومعه مَلَكُ الْجِبَالِ – يوم العقبة- وعرض عليه صلى الله عليه وسلم أَنْ يطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُه لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»([12]). فهل عرفت البشرية مثل هذه الرحمة؟ كلا والله ما عرفت ولن تعرف. بأبي هو وأمي ونفسي.
    ([1]) هو عقبة بن أبي معيط كما ثبت في بعض الروايات.
    ([2]) أي صغيرة.
    ([3]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3854)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: ما لقي النبي r وأصحابه من المشركين بمكة، مسلم (1794) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي r من أذىٰ المشركين والمنافقين. وهذا سياق مسلم، والسابع هو عمارة بن الوليد، وقع تسميته في بعض الروايات.
    ([4]) «صحيح البخاري» (3856) كتاب: مناقب الأنصار، باب: ما لقي النبي r وأصحابه من المشركين بمكة.
    ([5]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4958) كتاب: التفسير، تفسير سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق، مسلم (2797)، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: إن الإنسان ليطغىٰ، أن رآه استغنىٰ، والسياق له.
    ([6]) صحيح: أخرجه أحمد (12151)، الترمذي (2472) كتاب: صفة القيامة والرقاق والورع عن رسول الله r، صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2222)، «صحيح الجامع» (5001).
    ([7]) صحيح: أخرجه أحمد (3045)، والترمذي (3349) كتاب: التفسير، باب: ومن سورة اقرأ باسم ربك، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (275).
    ([8]) صحيح: أخرجه الحاكم (3376) كتاب: التفسير، تفسير سورة بني إسرائيل، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي «التعليقات الحسان» (6477)، «صحيح السيرة» للألباني (138).
    ([9]) صحيح: أخرجه البخاري (3533)، كتاب: المناقب، باب: ما جاء في أسماء رسول الله r، أحمد 2/244، 340، 366.
    ([10]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4722)، كتاب: التفسير، سورة بني إسرائيل، مسلم (446) كتاب: الصلاة، باب: التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية بين الجهر والإسرار إذا خاف من الجهر مفسدة.
    ([11]) صحيح: أخرجه أحمد 1/303، 368، وصححه الشيخ أحمد شاكر.
    ([12]) متفق عليه: البخاري (3231) كتاب: بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم: آمين، والملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرىٰ غفر له ما تقدم من ذنبه، ومسلم (1795) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي r من أذىٰ المشركين والمنافقين.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:26 pm

    هذا ما لاقاه النبي ، أما عن أصحابه رضوان الله عليهم.
    فهذا بلال بن رباح – رضي الله عنه وأرضاه- عذب بلال في الله عذابًا لا يتحمَّلُه بشر، حتىٰ إن المشركين ألبسوه أدرع الحديد وصهروه في الشمس هو ومن معه من السابقين فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم علىٰ ما أرادوا إلا بلال. عَنْ ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَأبو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَهُ الله بِعَمِّهِ، وَأَمَّا أبو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ الله بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، فصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ من أحد إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَىٰ مَا أَرَادُوا إِلَّا بِلَالٌ، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي الله، وَهَانَ عَلَىٰ قَوْمِهِ، فأخذوه فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ فجعلوا يَطُوفُونَ بِهِ شِعَابَ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ([1]). قال الذهبي: من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله([2]). وظل المشركون يعذبون بلالاً حتىٰ إن كان أمية بن خلف – عليه لعائن الله- يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه علىٰ ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع علىٰ صدره، ثم يقول له: لا والله لا تزال هكذا حتىٰ تموت، أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزىٰ، فيقول وهو في ذلك البلاء: أحد أحد([3]). وظل بلال يتحمل هذا التعذيب الشديد الذي يفوق طاقات البشر وهو يردد كلمته الخالدة: أحد، أحد، حتىٰ اشتراه الصديق فأعتقه في سبيل الله. عن قيس قال: اشترىٰ أبو بكر بلالاً وهو مدفون في الحجارة بخمس أواقٍ من ذهب، فقالوا: لو أبيت إلا أُوقية لبعناكه، قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته([4]). فكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: أبو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا([5]). ثم أمكن الله بلالاً من عدوه أمية بن خلف في غزوة بدر فاقتص منه. يقول عبد الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ: كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بن خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي([6]) بِمَكَّةَ وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ: لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَاتَبْتُهُ عبد عَمْرٍو فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ خَرَجْتُ إِلَىٰ جَبَلٍ لِأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ فَخَرَجَ حَتَّىٰ وَقَفَ عَلَىٰ مَجْلِسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أُمَيَّةُ بن خَلَفٍ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا خَلَّفْتُ لَهُمْ ابْنَهُ لِأَشْغَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَبَوْا حَتَّىٰ يَتْبَعُونَا وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا فَلَمَّا أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ: ابْرُكْ فَبَرَكَ فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِي لِأَمْنَعَهُ فَتَخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي حَتَّىٰ قَتَلُوهُ وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بِسَيْفِهِ([7]). صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة: وكان ممن عذب في الله عمار وأبواه ياسر وسمية رضي الله عنهم. قال ابن حجر في ترجمة عمار: كان من السابقين الأولين هو وأبوه وكانوا ممن يعذب في الله([8]). وقال ابن عبد البر: كان عمار وأمه سمية ممن عذب في الله([9]). فكان الكفار يلبسوهم أدرع الحديد فيصهروهم في الشمس حتىٰ قتل ياسر. وأما سمية فقيل أن أبا جهل طعنها في قبلها فماتت فكانت أول شهيدة في الإسلام([10]). وقيل طُعنت في فخذها فسرىٰ الرمح إلىٰ فرجها فماتت شهيدة([11]). فلما قتل والدا عمار واشتد عليه العذاب تابعهم علىٰ ما أرادوا وقلبه كاره له، قال ابن حجر: واتفقوا علىٰ أنه نزلت فيه:{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} [النحل: 106]([12]). وكان من مناقب آل ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بهم وهم يعذبون ويقول: «أبشروا آل عمار وآل ياسر فإن موعدكم الجنة»([13]). وكان خباب ابن الأرتِّ ممن عذب في الله: قال ابن عبد البر: وكان قديم الإسلام ممن عذب في الله، وصبر علىٰ دينه([14]). وقال ابن حجر: وروىٰ البارودي، أنه أسلم سادس ستة، وهو أول من أظهر إسلامه وعذب عذابًا شديدًا لأجل ذلك([15]). حتىٰ إن خبابًا ذهب إلىٰ النبي صلى الله عليه وسلم يشكو له شدة ما يلقونه من المشركين، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فقال له هو وجماعة من الصحابة: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا،ثم يؤتىٰ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَىٰ رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ الله تعالىٰ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّىٰ يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَىٰ حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا الله وَالذِّئْبَ عَلَىٰ غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»([16]). وقد جَاءَ خَبَّابٌ يومًا إِلَىٰ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه فَقَالَ له: ادْنُ، فَمَا أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلَّا عَمَّارٌ، فَجَعَلَ خَبَّابٌ يُرِيهِ آثَارًا بِظَهْرِهِ مِمَّا عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ([17]). ولم يتوقف إيذاء المشركين للمسلمين علىٰ الإيذاء الجسدي فقط، بل إنَّ المشركين استحلوا أموالهم فأكلوها بالباطل. قال خباب: كنت رجلاً قينًا([18]). وَكَانَ عَلَىٰ الْعَاصِ بن وَائِلٍ دين، فَأَتَيْتُهُ، أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لَا والله، لا أَقْضِيكَ حَتَّىٰ تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّىٰ تموت ثُمَّ تبعث، قَالَ: فإني إذا مت ثُمَّ أُبْعَثَ، جئتني ولي ثم مَال وَوَلَد فأعطيك، فأنزل الله:{أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا} إلىٰ قوله:{ونرثه ما يقول ويأتينا فردا} [مريم: 77- 80]([19]). وكان ممن عذب صهيب الرومي: قال ابن حجر نقلاً عن البغوي: وكان من المستضعفين ممن يعذب في الله([20]). ولما أقبل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه إلىٰ مكة مؤمنًا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْجِعْ إِلَىٰ قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ أَمْرِي» فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّىٰ أَتَىٰ الْمَسْجِدَ، فَنَادَىٰ بِأَعْلَىٰ صَوْتِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، فثَارَ عليه الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّىٰ أَضْجَعُوهُ، فَأَتَىٰ الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ! أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ، وَأَنَّ طَرِيقَ تُجَّارِكُمْ إِلَىٰ الشَّامِ عَلَيْهِمْ، فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ مِنْ الْغَدِ بِمِثْلِهَا، وَثَارُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ فَأَنْقَذَهُ([21]). فهذا قليل من كثير مما لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم من كفار مكة لإرغامهم علىٰ ترك عقيدة التوحيد. ووالله ما كان هذا منهم لتكذيبهم له صلى الله عليه وسلم، فهم يعلمون جيدًا أنه الصادق، وقد شهدوا له بذلك حتىٰ بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي حملهم علىٰ ذلك جحودهم وظلمهم وكبرهم! قال تعالىٰ:{فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}[الأنعام: 33]. وقال تعالىٰ:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}[النمل: 14]، وكانوا ينكرون علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون:{أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب}[ص: 5] وكان من أسباب محاربتهم للدعوة أن قالوا:{لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}[الزخرف: 31]. فلم يكن عندهم أدنىٰ استعداد لترك دين الآباء والأجداد حتىٰ قالوا:{اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32]. ثم التجأ المشركون بعد ذلك إلىٰ أسلوب آخر ألا وهو أسلوب التشكيك – أي: تشكيك المؤمنين في دينهم ونبيهم- فلجأوا إلىٰ طلب المستحيلات، حتىٰ يعجز عنها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يغمزُون بعد ذلك أصحابه أنه لو كان نبيًا حقًا لما عجز عن ذلك، فكانوا يطالبونه بهذه الآيات ويقولون حتىٰ تطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين، وهم لا ينوون في قرارة أنفسهم إلا نكران هذه الآيات. فلما علم الله منهم أنهم يطالبون بهذه الآيات علىٰ وجه العناد لا علىٰ وجه طلب الهدىٰ، والرشاد لم يجابوا إلىٰ كثير مما طلبوا ولا ما إليه رغبوا، لعلم الحق سبحانه أنهم لو عاينوا وشاهدوا ما أرادوا لاستمروا في طغيانهم يعمهون، ولظلوا في غيِّهم وضلالتهم يترددون([22]). عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا وَنُؤْمِنُ بِكَ، قَالَ: «وَتَفْعَلُوا؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لك: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ الصَّفَا لَهُمْ ذَهَبًا، فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ، قَالَ: «بَلْ بَابُ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ»([23]).
    ([1]) حسن: أخرجه أحمد 1/404، وابن ماجه (150) باب: فضائل أصحاب الرسول ، والحاكم 3/284، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في «صحيح السيرة» (121). ويرد علىٰ هذا الحديث إشكالان: الأول: في قول ابن مسعود: فأما رسول الله فمنعه الله بعمه. وظاهر هذا أن ابن مسعود ينفي تعرض النبي للإيذاء، وهذا ليس مراد ابن مسعود بلا شك، وإلا فقد أوذي النبي كما ثبت ذلك في الأحاديث التي رواها ابن مسعود نفسه، إذًا فمراد ابن مسعود أن النبي لم يُحبس ولم يُسجن كبقية المستضعفين وذلك لحماية عمه له. والله أعلم. والثاني: قول ابن مسعود: فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم علىٰ ما أرادوا إلا بلالاً. فظاهر هذا أن الصحابة رضوان الله عليهم قد رجعوا عن دين الإسلام إلىٰ الكفر مرة أخرىٰ، وهذا أيضًا ليس مراد ابن مسعود بلا شك، لأن هؤلاء الصحابة الذين ذكرهم لم يرتد منهم أحد بل ظلوا أعمدة للإسلام وحماة له حتىٰ وفاتهم ، إذًا فمراد ابن مسعود أنه ما منهم من أحد إلا وقد أخذ برخصة الله تعالىٰ مع ثبوت الإيمان في قلبه.
    ([2]) «سير أعلام النبلاء» 3/206.
    ([3]) «سيرة ابن هشام» 1/262.
    ([4]) «سير أعلام النبلاء» 3/210، وقال الذهبي: إسناده قوي.
    ([5]) صحيح: أخرجه البخاري (3754)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب بلال بن رباح.
    ([6]) الصاغية: بصاد مهملة وغين معجمة خاصة الرجل، مأخوذ من صاغ إليه إذا مال، قال الأصمعي: صاغية الرجل كل ما يميل إليه، ويطلق علىٰ الأهل والمال.اهـ. «فتح الباري» 4/561.
    ([7]) صحيح: أخرجه البخاري (2301)، كتاب: الوكالة، باب: إذا وكل المسلم حربيًا في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز.
    ([8]) «الإصابة» 2/1300، ط. دار المعرفة، بيروت.
    ([9]) «الاستيعاب» (548)، ط. دار المعرفة، بيروت.
    ([10]) «الإصابة» 4/2542.
    ([11]) «الاستيعاب» (896).
    ([12]) «الإصابة» 2/1300.
    ([13]) ذكره الألباني في «صحيح السيرة» (155) وقال: أخرجه الحاكم في «المستدرك» 3/388، 389 من طريق أبي الزبير عن جابر، وقال: صحيح علىٰ شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، إلا أن أبا الزبير مدلس، وقد عنعنه. وقد أخرجه عنه ابن سعد 3/249 من الطريق نفسها ولم يذكر فيه جابرًا، وقد ذكره الهيثمي 9/293 من مسنده وقال: رواه الطبراني في «الأوسط»، ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن عبد العزيز المقوم وهو ثقة، ثم ذكر له شاهدًا من حديث عثمان بن عفان مرفوعًا مثله، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.
    ([14]) «الاستيعاب» (236).
    ([15]) «الإصابة» 1/473.
    ([16]) صحيح: أخرجه البخاري (3852)، كتاب: «مناقب الأنصار»، باب: ما لقي النبي وأصحابه من المشركين بمكة.
    ([17]) صحيح: أخرجه ابن ماجه (153) باب: «فضائل أصحاب الرسول r» وابن سعد 3/165، وصححه الألباني في «صحيح السيرة» (157).
    ([18]) بفتح القاف وسكون الياء وأصل القين الحداد ثم صار كل صائغ عند العرب قينًا، وقال الزجاج: القين الذي يصلح الأسنة. «فتح الباري».
    ([19]) متفق عليه: أخرجه البخاري (2425)، كتاب: الخصومات، باب: التقاضي، ومسلم (2795) كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: سؤال اليهود النبي عن الروح.
    ([20]) «الإصابة» 2/909.
    ([21]) صحيح: أخرجه مسلم (2473) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أبي ذر.
    ([22]) «البداية والنهاية» 3/56.
    ([23]) صحيح: أخرجه أحمد 1/345، وابن جرير في «التفسير» 15/108، والحاكم 2/362، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، قال الألباني وهو كما قالا «صحيح السيرة» (152-153).
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:26 pm

    ثم سأل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشق لهم القمر شقين فأجابهم الله لهذا
    فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَىٰ عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ، وَفِرْقَةً دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اشْهَدُوا»([1]).
    فلما انشق القمر قال كفار قريش: سحركم ابن أبي كبشه، فقال: رجل منهم: إن محمدًا إن كان سحر القمر فإنه لا يبلغ من سحره أن يسحر الأرض كلها، فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا، فسألوا فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك([2]).ثم التجأ المشركون بعد ذلك إلىٰ أسلوب المجادلة. عن جابر رضي الله عنه قال: اجتمعت قريش يومًا فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرَّق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه، وينظر ماذا يرد عليه؟ فقالوا: ما نعلم أحدًا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد! فأتاه عتبة فقال: يا محمد! أنت خيرٌ أم عبد الله؟ فسكت رسول اللهصلى الله عليه وسلم، فقال: أنت خيرٌ أم عبد المطلب؟ فسكت رسول لله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك، فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم، فتكلم حتىٰ نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة([3]) قط أشأم علىٰ قومه منك، فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتىٰ لقد طار فيهم أن في قريش ساحرًا، وأن في قريش كاهنًا، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلىٰ([4])، أن يقوم بعضنا إلىٰ بعض بالسيوف حتىٰ نتفانىٰ، أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة، جمعنا لك حتىٰ تكون أغنىٰ قريش رجلاً واحدًا، وإن كان إنما بك الباءة، فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فرغت؟» قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم ح م تنزيل من الرحمن الرحيم» إلىٰ أن بلغ: «فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود»[فصلت: 1- 13] فقال عتبة: حسبك، ما عندك غير هذا؟ قال: «لا» فرجع إلىٰ قريش، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئًا أرىٰ أنكم تكلمونه إلا كلمته. قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم، ثم قال: لا والذي نصبها بيِّنة، ما فهمت شيئًا مما قال، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قالوا: ويلك أيكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟! قال: لا والله، ما فهمت شيئًا مما قال، غير ذكر الصاعقة([5]).
    ثم عقد النبي صلى الله عليه وسلم اجتماعات سرية بالمسلمين في دار الأرقم ليُعلِّمهم شرائع الإسلام. كانت هذه الدار في أصل الصفا بعيدة عن أعين الطغاة ومجالسهم، فاختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجتمع فيها بالمسلمين سرًا، فيتلوا عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وليؤدي المسلمون عبادتهم وأعمالهم، ويتلقوا ما أنزل علىٰ رسوله وهم في أمن وسلام، وليدخل من يدخل في الإسلام ولا يعلم به الطغاة من أصحاب السطوة والنقمة. ومما لم يكن يُشك فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اجتمع بالمسلمين علنًا لحاول المشركون بكل ما عندهم من القسوة والغلظة أن يحولوا بينه وبين ما يريد من تزكية نفوسهم ومن تعليمهم الكتاب والحكمة، وربما أفضىٰ ذلك إلىٰ مصادمة الفريقين، بل قد وقع ذلك فعلاً، فقد ذكر ابن إسحاق أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجتمعون في الشعاب، فيصلون فيها سرًا، فرآهم نفر من كفار قريش، فسبوهم وقاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً منهم فسال دمه، وكان أول دم هريق في الإسلام. ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلىٰ تدمير المسلمين وإبادتهم، فكان من الحكمة السرية والاختفاء، فكان عامة الصحابة يخفون إسلامهم وعبادتهم وإجتماعهم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهراني المشركين لا يصرفه عن ذلك شيء، ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرًا، نظرًا لصالحهم وصالح الإسلام([6]).
    ([1]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4867)، كتاب: «التفسير»، باب: قوله تعالىٰ وانشق القمر، ومسلم (2802)، كتاب: صفة القيامة، باب: انشقاق القمر.
    ([2]) «عيون الأثر» 1/207.
    ([3]) السخل: المولود المحبب إلىٰ أبويه، وهو في الأصل ولد الغنم. «النهاية في غريب الحديث والأثر» ابن الأثير، ط. دار المعرفة، بيروت.
    ([4]) أي ما ننتظر إلا وقتًا قليلاً قدر ما تصيح الحُبلىٰ ثم تضع.
    ([5]) صحيح: أخرجه الحاكم 2/506، 507، وقال: صحيح علىٰ شرط البخاري، ووافقه الذهبي، قال الألباني: وهو كما قالا انظر «صحيح السيرة» 159، 160.
    ([6]) «الرحيق المختوم» 97، 98.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:27 pm

    وفي السنة الخامسة من البعثة: هاجر جماعة من الصحابة إلىٰ الحبشة – بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم حفاظًا علىٰ دينهم، منهم: عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وجعفر بن أبي طالب، فأقاموا بها عشر سنين، وكان وقوع ذلك مرتين، وذكر أهل السير أن الأولىٰ كانت في شهر رجب من سنة خمس من المبعث، وأن أول من هاجر منهم أحد عشر رجلا وأربع نسوة، وقيل: وامرأتان، وقيل: كانوا إثنىٰ عشر رجلاً، وقيل: عشرة، وأنهم خرجوا مشاة إلىٰ البحر فاستأجروا سفينة بنصف دينار([1]). سبب الهجرة إلىٰ الحبشة: تقول أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها: لما ضاقت مكة، وأوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شيء مما يكره ومما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بأرض الحبشة ملكًا لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتىٰ يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه»، فخرجنا إليها أرسالاً، حتىٰ اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلىٰ خير جار، آمنين علىٰ ديننا، ولم نخش فيها ظلمًا([2]). المهاجرون الأولون إلىٰ الحبشة: كان عثمان بن عفان أول من خرج إلىٰ أرض الحبشة، ومعه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم([3])، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، ومعه امرأته سهلة بنت سهيل، فولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة، ثم تبعهم مصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وأبو سلمة بن عبد الأسد، ومعه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة، ومعه امرأته ليلىٰ بنت أبي حثمة، وأبو سَبرة بن أبي رُهُم العامري، وامرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو، وسهيل بن بيضاء. فهؤلاء أحد عشر رجلاً وخمسة نسوة. قيل: وكان عليهم عثمان بن مظعون. وهو قول أكثر أهل السير. وقيل: كان عليهم عثمان بن عفان. والله أعلم.رجوع المهاجرين إلىٰ مكة مرة أخرىٰ: ثم حدث بعد ذلك أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ بمكة فلما وصل إلىٰ آية السجدة منها سَجَدَ وسجد معه المسلمون والمشركون وحتىٰ الجن سجدوا، ومَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ إِلَّا سَجَدَ([4]). فوصل هذا الخبر إلىٰ مهاجري الحبشة ولكن بصورة أخرىٰ، حيث وصلهم أن مشركي مكة قد أسلموا، فرجعوا. حتىٰ إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوار، أو مستخفيًا، فكان ممن دخل عليه مكة منهم فأقام بها حتىٰ هاجر إلىٰ المدينة فشهد معه بدرًا، ومن حبس عنه حتىٰ فاته بدر وغيره، ومن مات بمكة([5]). وكان ممن دخل منهم بجوار: عثمان بن مظعون دخل بجوارٍ من الوليد بن المغيرة، وأبو سلمة بن عبد الأسد دخل بجوار من أبي طالب بن عبد المطلب، وكان خاله، فأم أبي سلمة هي بَرَّةُ بنت عبد المطلب([6]). عثمان بن مظعون يرد جوار الوليد: فلما رأىٰ عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة، قال: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذىٰ في الله مالا يصيبني، لنقص كبير في نفسي، فمشىٰ إلىٰ الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وَفَتْ ذمَّتُك، قد رددت إليك جوارك، فقال له: لم يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي، قال: لا، ولكني أرضىٰ بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره! قال: فانطلقْ إلىٰ المسجد فارددْ علىٰ جواري علانية كما أجرتك علانية، قال: فانطلقا فخرجا حتىٰ أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد عليَّ جواري، قال: صدق قد وجدته وفيًا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره، ثم انصرف عثمان([7]).قصة أبي سلمة في جواره: لما استجار أبو سلمة بأبي طالب، مشىٰ إليه رجال من بني مخزوم، قالوا: يا أبا طالب، لقد منعت منا ابن أخيك محمدًا، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا؟ قال: إنه استجار بي، وهو ابن أختي، وأنا إن لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي، فقام أبو لهب فقال: يا معشر قريش، والله لقد أكثرتم علىٰ هذا الشيخ، ما تزالون تتواثبون عليه في جواره من بين قومه، والله لتنتهنَّ عنه أو لنقومنَّ معه في كل ما قام فيه حتىٰ يبلغ ما أراد، قال فقالوا: بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة، وكان لهم وليًا وناصرًا علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبقوا علىٰ ذلك([8]). دخول أبي بكر في جوار ابن الدُّغُنَّة ورد جواره عليه: روىٰ ابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها قالت: حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذىٰ، ورأىٰ من تظاهر قريش علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما رأىٰ، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له، فخرج أبو بكر مهاجرًا، حتىٰ سار مكة يومًا أو يومين، لقيه ابن الدغنة([9]) أخو بني الحارث بن عبد مناف بن كنانة، وهو يومئذ سيد الأحابيش([10]) فقال ابن الدغنة: أين أبو بكر؟ قال: أخرجني قومي وآذوني، وضيقوا عليَّ، قال: ولم؟ فوالله إنك لتزين العشيرة، وتعين علىٰ النوائب، وتفعل المعروف، وتُكسب المعدوم، ارجع فأنت في جواري، فرجع معه حتىٰ إذا دخل مكة قام ابن الدغنة فقال: يا معشر قريش، إني قد أجرت ابن أبي قحافة، فلا يعرضنَّ له أحد إلا بخير، قالت: فكفوا عنه، قالت: وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جُمح، فكان يصلي فيه، وكان رجلاً رقيقًا، إذا قرأ القرآن استبكىٰ، قالت: فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته، قال: فمشىٰ رجال من قريش إلىٰ ابن الدغنة، فقالوا: يا ابن الدغنة، إن لم تُجرْ هذا الرجل ليُؤذينا إنه رجل إذا صلىٰ وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكي وكانت له هيئة ونحوٌ، فنحن نتخوف علىٰ صبياننا ونسائنا وضَعَفَتِنا أن يفتنهم، فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع ما شاء، قالت: فمشىٰ ابن الدغنة إليه فقال له: يا أبا بكر، إني لم أُجرك لتؤذىٰ قومك، إنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه، وتأذُّوا بذلك منك، فادخل بيتك، فاصنع فيها ما أحببت، قال: أو أرُدُّ عليك جوارك وأرضىٰ بجوار الله؟ قال: فاردد علىٰ جواري، قال: قد رددته عليك، قالت: فقام ابن الدغنة فقال: يا معشر قريش، إن ابن أبي قحافة قد رد عليَّ جواري فشأنكم بصاحبكم([11]).
    ([1]) «فتح الباري» 7/227.
    ([2]) سيأتي تخريجه.
    ([3]) رُوي أن النبي r قال: إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام. أخرجه البيهقي في «الدلائل» والفسوي في «المعرفة والتاريخ» وهو حديث ضعيف لا يصح.
    ([4]) صحيح: انظر: «صحيح البخاري» (1067، 1070، 1071) كتاب: سجود القرآن.
    ([5]) «سيرة ابن هشام» 1/247.
    ([6]) «سيرة ابن هشام» 1/248. بتصرف يسير.
    ([7]) «سيرة ابن هشام» 1/248، 249.
    ([8]) «سيرة ابن هشام» 1/249.
    ([9]) ابن الدغنة: ضبط بفتح الدال وكسر الغين وفتح النون مخففة، وبضم الدال والغين وفتح النون مشددة، فالأول ضبط المحدثين، والثاني ضبط أهل اللغة، وفي القاموس أو بضم فسكون كخرمة، قال السهيلي: والدُغنة اسم امرأة عُرف بها الرجال، والدغن: الغيم بعد المطر. من تعليق محمد محي الدين عبد الحميد علىٰ «سيرة ابن هشام».
    ([10]) الأحابيش: هم أحياء من القارة انضموا إلىٰ بني ليث، والتحبش: التجمع، وقيل: حالفوا قريشًا تحت جبل يسمىٰ حُبْشيًا بأسفل مكة فسموا بذلك. من تعليقات الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد علىٰ «سيرة ابن هشام».
    ([11]) «سيرة ابن هشام» 1/250، 251. بتصرف يسير.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:27 pm

    الهجرة الثانية إلىٰ الحبشة:
    واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرىٰ، وعلىٰ نطاق أوسع، ولكن كانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها، فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، بيد أن المسلمين كانوا أسرع، ويسر الله لهم السفر، فانحازوا إلىٰ نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا([1]). وكان عدد المهاجرين في هذه المرة نحو ثمانين رجلاً كما جاء في حديث ابن مسعود([2]). قريش ترسل عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلىٰ النجاشي ليردَّ المسلمين: عز علىٰ المشركين أن يجد المهاجرون مأمنًا لأنفسهم ودينهم، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين وهما: عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة – قبل أن يسلما- وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته([3]). ولنترك إحدىٰ شهود العيان تحكىٰ لنا تفاصيل ما دار هناك في أرض الحبشة، وما دار بين النجاشي ورسولا قريش.تقول أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار، النجاشي، أمنَّا علىٰ ديننا، وعبدنا الله، لا نؤذىٰ ولا نسمع شيئًا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أن يبعثوا إلىٰ النجاشي فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يُستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمَّروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلىٰ كل بطريق هدية قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا للنجاشي هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم، قالت: فخرجَا فقدما علىٰ النجاشي، ونحن عنده بخير دار، وعند خير جار، فلم يبعد من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد صبا إلىٰ بلد الملك منَّا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلىٰ الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يُسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلىٰ بهم عينًا وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم، ثم إنهما قربا هداياهم إلىٰ النجاشي، فقبلها منهم، ثم كلماه فقالا له: أيها الملك، إنه قد صبا إلىٰ بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعماهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلىٰ بهم عينًا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه، قالت: ولم يكن شيء أبغض إلىٰ عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك، قومهم أعلىٰ بهم عينًا وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما فليرداهم إلىٰ بلادهم وقومهم، قال: فغضب النجاشي ثم قال: لا ها الله، ايْمُ الله، إذن لا أسلمهم إليهما ولا أُكادُ، قومًا جاوروني نزلوا بلادي واختاروني علىٰ من سواي، حتىٰ أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم؟ فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلىٰ قومهم، وإن كانوا علىٰ غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني، قالت: ثم أرسل إلىٰ أصحاب رسول الله فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا r، كائن في ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه، وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا علىٰ ذلك حتىٰ بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلىٰ الله، لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، قال: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنَّا، واتبعناه علىٰ ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلىٰ عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلىٰ بلدك، واخترناك علىٰ من سواك، ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه عليَّ، فقرأ عليه صدرًا من (كهيعص)، قالت: فبكىٰ والله النجاشي حتىٰ أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتىٰ أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسىٰ ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا ولا أُكادُ، قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لأنبئنهم غدًا عيبهم عندهم، ثم أستأصل به خضراءهم، قالت: فقال له عبد الله ابن أبي ربيعة، وكان أتقىٰ الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا، قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسىٰ بن مريم عبد، قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسىٰ بن مريم قولاً عظيمًا فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه؟ قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثله([4]) فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسىٰ إذا سألكم عنه؟َ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبيا، كائنًا في ذلك ما هو كائن([5])، فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسىٰ بن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلىٰ مريم العذراء البتول([6]). قالت: فضرب النجاشي يده إلىٰ الأرض فأخذ منها عودًا، ثم قال: ما عدا عيسىٰ ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله!([7]) اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي، والسيوم: الآمنون، من سبكم غُرِّم ثم من سبكم غُرِّم، فما أُحب أن لي دَبْرًا ذهبًا وأني آذيت رجلاً منكم، والدبر بلسان الحبشة الجبل، ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علىٰ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه، قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار، قالت: فوالله إنا علىٰ ذلك إذ نزل به، يعني من ينازعه في ملكه، قالت: فوالله ما علمنا حزنًا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفًا أن يظهر ذلك علىٰ النجاشي([8]) فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه، قالت: وسار النجاشي وبينهما عُرضُ النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يخرج حتىٰ يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا، قالت: وكان من أحدث القوم سنًا، قالت: فنفخوا له قربة يجعلها في صدره، ثم سبح عليها حتىٰ خرج إلىٰ ناحية النيل التي بها ملتقىٰ القوم، ثم انطلق حتىٰ حضرهم، قالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور علىٰ عدوه والتمكين له في بلاده، واستوسق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حتىٰ قدمنا علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة([9]).
    ([1]) «الرحيق المختوم» (99).
    ([2]) حسن: أخرجه أحمد 4/4400، الحاكم 2/623 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وابن سيد الناس في «عيون الأثر»، وقال أحمد شاكر: إسناده حسن، وصححه الألباني في «صحيح السيرة» 164، 166.
    ([3]) «الرحيق المختوم» (99)، بطارقته: جمع بطريق، وهو الحاذق بالحرب وأمورها بلغة الروم، وهو ذو منصب وتقدم عندهم. «النهاية في غريب الحديث».
    ([4]) أي: ولم ينزل بنا همٌّ مثله، خوفًا من النجاشي وأن ذلك يخالف عقيدته.
    ([5]) وهذا موقف عظيم نتعلمه من صحابة رسول الله r، حيث لم يحملهم ما هم فيه من شدة وبلاء علىٰ الكذب والتدليس وأن يقولوا في عيسىٰ بن مريم خلاف عقيدتهم التي تخالف عقيدة النصارىٰ، بل قالوا: نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا، كائنًا في ذلك ما هو كائن، فكان ما كان من النجاشي أن أجلسهم في أرضه وتحت حمايته مطمئنين وصدق رسول الله r حيث يقول: «فإن الصدق طمأنينة» الترمذي (2518)، وأحمد 1/200، وصححه الألباني «صحيح الجامع» (3378). بل إن ذلك أدىٰ إلىٰ إسلام النجاشي. فتعلموا يا شباب الصحوة من سيرة النبي r، ومواقف صحابته، فهؤلاء والله الذين يُقتدىٰ بهم، فإن اقتديتم بهم فنعم الاقتداء.
    ([6]) امرأة بتول: أي منقطعة عن الرجال، لا شهوة لها فيهم، وبها سُميت مريم أم المسيح عليهما السلام. «النهاية في غريب الحديث».
    ([7]) النخير: صوت الأنف. قال ابن الأثير: فتناخرت بطارقته أي تكلمت وكأنه كلام مع غضب ونفور. «النهاية في غريب الحديث».
    ([8]) أي: أن يظهر ذلك الرجل علىٰ النجاشي فيغلبه.
    ([9]) صحيح: أخرجه أحمد 2/1740، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وابن اسحاق في «السيرة» 1/229-232، وصححه الشيخ الألباني في «صحيح السيرة» (170-178).
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:28 pm

    فضل مهاجري الحبشة:
    عَنْ أبي مُوسَىٰ رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أبو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أبو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ: بِضْعٌ، وَإِمَّا قَالَ: فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَىٰ النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بن أبي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّىٰ قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَكَانَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لِأَهْلِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَىٰ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَىٰ النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَىٰ حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَىٰ أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ: الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ؟ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ. قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ، قَالَ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْكُمْ فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي الله وَفِي رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَايْمُ الله لَا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّىٰ أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَىٰ وَنُخَافُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَسْأَلُهُ وَاللَّهِ لَا أَكْذِبُ، وَلَا أَزِيغُ، وَلَا أَزِيدُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا نَبِيَّ الله إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَمَا قُلْتِ لَهُ؟» قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ: «لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ»، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَىٰ، وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنْ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ، وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أبو بُرْدَةَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: لَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَىٰ وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي([1]). فائدة: اختلف أهل المغازي والسير فيمن أرسلته قريش مع عمرو بن العاص إلىٰ النجاشي، فقال بعضهم أرسلت قريش إلىٰ النجاشي مرتين، فمرة أرسلوا مع عمرو بن العاص عبد الله بن أبي ربيعة، ومرة أرسلوا معه عمارة بن الوليد، وقال آخرون لم ترسل قريش إلىٰ النجاشي إلا مرة واحدة وانقسم أصحاب هذا القول إلىٰ فريقين فريق قال: كان مع عمرو بن العاص عبد الله بن أبي ربيعة – وهم الأكثرون- وفريق قال كان معه عمارة بن الوليد. وسبب هذا هو الاختلاف الذي وقع في الروايات التي ذكرتْ قصة الهجرة إلىٰ الحبشة حيث ذُكر في حديثي أبي موسىٰ وابن مسعود عمارة بن الوليد مع عمرو ابن العاص، وأما حديث أم سلمة فذكر فيه عبد الله بن أبي ربيعة مع عمرو بن العاص. والحقيقة؛ فإن الناظر في الروايات يعلم يقينًا أن قول من قال كان هذا مرتين فكان في أحدهما عمارة بن الوليد وفي الأخرىٰ عبد الله بن أبي ربيعة، قول بعيد كل البعد عن الحقيقة والصواب، وذلك لأن الروايات الثلاثة ذُكر فيها الحوار الذي دار بين الأطراف الثلاثة، النجاشي، والمسلمين، ورسوليْ قريش، وجاء ذكر الحوار في جميع الروايات هو هو لم يتغير حتىٰ عندما قال عمرو بن العاص: إنهم يقولون في عيسىٰ قولاً عظيمًا، فأرسل النجاشي إلىٰ المسلمين يسألهم عن ذلك فأجابه جعفر بن أبي طالب فأخذ النجاشي عودًا من الأرض وقال: ما عدا عيسىٰ بن مريم ما قلت هذا العود. فلأن الحوار واحد في الروايات الثلاثة يبعد جدًا أن تكون القصة قد تكررت، وإلا لو حدث هذا مرتين لَما أعاد عمرو بن العاص قولته في المرة الثانية، ولما كان أرسل النجاشي للمسلمين مرة أخرىٰ يسألهم عما يقولون في عيسىٰ بن مريم، وكان يكفيه أن يقول علمنا قولهم في عيسىٰ بن مريم قبل ذلك. فبهذا يُعلم أن هذا القول غير صحيح. فيبقىٰ قول من قال كان هذا مرة واحدة، وكما سبق ذهب أصحاب هذا القول إلىٰ أن المرسَل مع عمرو بن العاص هو عمارة بن الوليد، وذهب بعضهم أنه عبد الله بن أبي ربيعة وهو الصواب. وذلك لأن عبد الله بن أبي ربيعة جاء ذكره في حديث أم سلمة رضي الله عنها وهو حديث سنده مسلسل بالثقات غير ابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يسار إمام أهل المغازي والسير وقد قال عنه الحافظ في "التقريب": صدوق يدلس. وقد أمنا من تدليسه حيث صرح بالتحديث فقال حدثني الزهريُّ. وأما حديثي أبي موسىٰ وابن مسعود فمدارهما علىٰ أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله بن عبيد ثقة ولكنه مدلس لا تقبل روايته إلا إذا صرح بالتحديث ولم يصرح في الروايتين، حيث قال في حديث أبي موسىٰ: عن أبي بردة، وقال في حديث ابن مسعود: عن عبد الله بن عتبة. ثم هو قد اختلط بأخرة والراوي عنه حديث أبي موسىٰ هو إسرائيل بن يونس وهو ممن أخذ عنه بعد الاختلاط. والراوي عنه حديث ابن مسعود وهو حُديج بن معاوية وهو صدوق يخطئ كما قال الحافظ، وضعفه ابن معين وغيره. فالظاهر هنا أن ذكر عمارة بن الوليد في الحديث وَهمٌ من أبي إسحاق السَبيعي أي مما اختلط عليه فيه، خاصة وأن عبد الله بن أبي ربيعة وعمارة بن الوليد من قبيلة واحدة وهي بني مخزوم فلذلك أرىٰ أنه شبِّه عليه فيه. والله أعلم. فائدة أخرىٰ: رُوي في سبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة أن النبي صلى الله عليه وسلم مدح آلهتهم فقال: تلك الغرانيق العلىٰ، وإن شفاعتهن لترتجىٰ. وقد رُوي هذا الحديث من طرق كثيرة بلغت العشرة ذكرها الشيخ الألباني في كتابه «نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق» وكلها طرق ضعيفة لا يقوىٰ بعضها بعضًا كما أوضح ذلك الشيخ الألباني رحمه الله. فائدة ثالثة: ذهب بعض أهل السير إلىٰ أنَّ أبا موسىٰ الأشعري كان مع من هاجروا إلىٰ الحبشة من مكة، وذلك لما رواه أبو نعيم في الدلائل أن أبا موسىٰ قال: أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلىٰ أرض النجاشي، وهذا غير صحيح، والصحيح أن أبا موسىٰ خرج من بلده باليمن قاصدًا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فالقته السفينة إلىٰ النجاشي بالحبشة هو ومن معه فوافقوا جعفر بن أبي طالب فأقاموا معه حتىٰ قدموا علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر([2]). فهذا الحديث هو الثابت، أما الحديث السابق فرواه أبو نعيم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة، وأبو إسحاق قد اختلط كما سبق وإسرائيل ممن أخذ عنه بعد الاختلاط. والله أعلم.
    ([1]) متفق عليه: أخرجه البخاري (4230، 4231) كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر، مسلم (2502، 2503) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم.
    ([2]) سبق تخريجه.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:28 pm

    وفي السنة السادسة من البعثة: أسلم حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فعز الإسلام بإسلامهما.
    ولقد كان إسلام الفاروق عمر وأسد الله حمزة، نصرًا وفتحًا كبيرًا للإسلام والمسلمين.
    فهما لم يكونا مجرد رجلين عاديين كبقية الرجال ولا شخصين كبقية الأشخاص، إنما كانا رضي الله عنهما جبلين شامخين، وأسدين جسورين، وبطلين كبيرين، دحض الله بهما جحافل المشركين، وأذل بهما طوائف الحاقدين والمعاندين، وأعز بهما الإسلام والمسلمين. يقول ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ([1]).ويقول ابن مسعود أيضًا: ما كنا نقدر علىٰ أن نصلي عند الكعبة حتىٰ أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتل قريشًا حتىٰ صلىٰ عند الكعبة وصلينا معه([2]).وقال أيضًا: إن إسلام عمر كان فتحًا، وإن هجرته كانت نصرًا، وإن إمارته كانت رحمة([3]). وأما حمزة فكان فتىٰ قوي الشكيمة تهابه قريش ويعملون له حسابًا، حتىٰ إنه لما ضرب أبا جهل – عليه لعائن الله- علىٰ رأسه بالقوس ما استطاع أبو جهل أن يتفوه بكلمة مع قوة أبي جهل وجبروته. إسلام حمزة رضي الله عنه : وقد ذكر قصة إسلام حمزة رضي الله عنه ابن إسحاق فقال: مرَّ أبو جهل برسول الله عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره، من العيب لدينه والتضعيف لأمره، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاةٌ لعبد الله بن جُدْعان في مسكن لها تسمع ذلك منه، ثم انصرف عنه، فعمد إلىٰ نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشحًا قوسه راجعًا من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلىٰ أهله حتىٰ يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر علىٰ نادٍ من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز فتىٰ في قريش وأشدهم شكيمة. فلما مرَّ بالمولاة، وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىٰ بيته، قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفًا من أبي الحكم ابن هشام، وَجَدَهُ ههنا جالسًا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم ، فاحتمل حمزة الغضبُ لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعىٰ ولم يقف علىٰ أحد، مُعدًّا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسًا في القوم فأقبل نحوه، حتىٰ إذا قام علىٰ رأسه رفع القوس فضربه بها فشجَّه شجة منكرة، ثم قال: أتشتمه وأنا علىٰ دينه أقول كما يقول؟ فَرُدَّ ذلك علىٰ إن استطعت، فقامت رجال من بني مخزوم إلىٰ حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة، فإني والله قد سببتُ ابن أخيه سبًا قبيحًا، وتمَّ حمزة رضي الله عنه علىٰ إسلامه، وعلىٰ ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله. فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزَّ وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه([4]).إسلام عمر رضي الله عنه: روىٰ البخاري عَنْ عبد الله بن عُمَرَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ. بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ عمر: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَىٰ دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ: فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ، جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا، وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا، قَالَ عُمَرُ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله، فَوَثَبَ الْقَوْمُ، قُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَىٰ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ([5]).قال الحافظ ابن حجر: لَمَّحَ الْمُصَنِّف بِإِيرَادِ هَذِهِ الْقِصَّة فِي بَاب: إِسْلَام عُمَر بِمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَة وَطَلْحَة عَنْ عُمَر مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ سَبَب إِسْلَامه, فَرَوَىٰ أبو نُعَيْم فِي «الدَّلَائِل» أَنَّ أَبَا جَهْل جَعَلَ لِمَنْ يَقْتُل مُحَمَّدًا مِائَة نَاقَة, قَالَ عُمَر: فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا الْحَكَم آلضَّمَان صَحِيح؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَقَلَّدَتُ سَيْفِي أُرِيدهُ, فَمَرَرْت عَلَىٰ عِجْل وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَذْبَحُوهُ, فَقُمْت أَنْظُر إِلَيْهِمْ, فَإِذَا صَائِح يَصِيح مِنْ جَوْف الْعِجْل: يَا آلَ ذَرِيح, أَمْر نَجِيح, رَجُل يَصِيح بِلِسَانِ فَصِيح. قَالَ عُمَر: فَقُلْت فِي نَفْسِي إِنَّ هَذَا الْأَمْر مَا يُرَاد بِهِ إِلَّا أَنَا([6]). فكان هذا سبب إسلامه رضي الله عنه. فلما أسلم عمر رضي الله عنه كان هذا عزًا للإسلام استجابة لدعوة الحبيب المصطفىٰ صلى الله عليه وسلم : «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأبي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بن الْخَطَّابِ» قَالَ – يعني: ابن عمر- وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ([7]).
    ([1]) صحيح: أخرجه البخاري (3863) كتاب: مناقب الأنصار، باب: إسلام عمر بن الخطاب t.

    ([2]) صحيح: أخرجه ابن سعد في «الطبقات» 3/270، وصححه الشيخ الألباني في «صحيح السيرة» (188).
    ([3]) انظر: «صحيح السيرة» (188).
    ([4]) «سيرة ابن هشام» 1/203، 204.
    ([5]) صحيح: أخرجه البخاري (3866)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: إسلام عمر بن الخطاب t.
    ([6]) «فتح الباري» 7/220.
    ([7]) صحيح: أخرجه الترمذي، كتاب: المناقب، باب: في مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب t، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (2907).
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:29 pm

    وفي السنة السابعة من البعثة: تعاهدت قريش علىٰ قطيعة بني هاشم إلا أن يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة، وذكر خبر الصحيفة ابن إسحاق حيث قال: "فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدًا أصابوا به أمنًا وقرارًا، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم، وأن عمر قد أسلم، فكان هو وحمزة بن عبد المطلب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجعل الإسلام يفشو في القبائل، اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابًا يتعاقدون فيه علىٰ بني هاشم، وبني المطلب، علىٰ أن لا ينكحوا إليهم ولا يُنكحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا، ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة، ثم تعاهدوا وتواثقوا علىٰ ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدًا علىٰ أنفسهم، وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي – قال ابن هشام: ويقال: النضر بن الحارث- فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشُلَّ بعضُ أصابعه"([1]). وفي هذه السنة: اعتزل بنو هاشم بن عبد مناف وتبعهم إخوانهم بنو المطلب بن عبد مناف مع أبي طالب إلىٰ شعب أبي طالب، فأقاموا به ثلاث سنين، إلىٰ أن سعىٰ المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وزمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد في نقض الصحيفة، فخرج بنو هاشم وبنو المطلب من الشعب في أواخر السنة التاسعة. قال ابن إسحاق: " فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلىٰ أبي طالب بن عبد المطلب فدخلوا معه في شعبه واجتمعوا إليه، وخرج من بني هاشم أبو لهب، عبد العزىٰ بن عبد المطلب، إلىٰ قريش فظاهرهم([2]). فَأَقَامُوا عَلَىٰ ذَلِكَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا, وَجَزَمَ مُوسَىٰ بن عُقْبَة بِأَنَّهَا كَانَتْ ثَلَاث سِنِينَ حَتَّىٰ جَهِدُوا وَلَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِمْ شَيْء مِنْ الْأَقْوَات إِلَّا خُفْيَة, حَتَّىٰ كَانُوا يُؤْذُونَ مَنْ اِطَّلَعُوا عَلَىٰ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَىٰ بَعْض أَقَارِبه شَيْئًا مِنْ الصِّلَات, إِلَىٰ أَنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَة نَفَر مِنْ أَشَدّهمْ فِي ذَلِكَ صَنِيعًا هِشَام بن عَمْرو بن الْحَارِث الْعَامِرِيّ, وَكَانَتْ أُمّ أَبِيهِ تَحْت هَاشِم بن عبد مَنَافٍ قَبْل أَنْ يَتَزَوَّجهَا جَدّه, فَكَانَ يَصِلَهُمْ وَهُمْ فِي الشِّعْب, ثُمَّ مَشَىٰ إِلَىٰ زُهَيْر بن أبي أُمَيَّة وَكَانَتْ أُمّه عَاتِكَة بنت عبد الْمُطَّلِب فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ فَوَافَقَهُ, وَمَشَيَا جَمِيعًا إِلَىٰ الْمُطْعِم بن عَدِيّ وَإِلَىٰ زَمْعَة بن الْأَسْوَد فَاجْتَمَعُوا عَلَىٰ ذَلِكَ, فَلَمَّا جَلَسُوا بِالْحِجْرِ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرُوهُ وَتَوَاطَئُوا عَلَيْهِ فَقَالَ أبو جَهْل: هَذَا أَمْر قُضِيَ بِلَيْلٍ، وَفِي آخِر الْأَمْر أَخْرَجُوا الصَّحِيفَة فَمَزَّقُوهَا وَأَبْطَلُوا حُكْمهَا، وَذَكَرَ اِبْن هِشَام أَنَّهُمْ وَجَدُوا الْأَرَضَة قَدْ أَكَلَتْ جَمِيع مَا فِيهَا إِلَّا اِسْم الله، وقيل أنها لَمْ تَدَع اِسْمًا لِلَّهِ إِلَّا أَكَلَتْهُ.والله أعلم([3]). وفي السنة العاشرة من البعثة: مات أبو طالب، ثم ماتت خديجة رضي الله عنها بعده بثلاثة أيام، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لموتهما حزنًا شديدًا، ونالت قريش منه صلى الله عليه وسلم مالم تنلْه في حياة عمه أبي طالب، روىٰ البخاري عَنْ هِشَامٍ بن عروة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَىٰ الْمَدِينَةِ بِثَلَاثٍ([4]). وكان ذلك بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام فقط([5]) وهما نصيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم اللذان كانا يصدان عنه أذىٰ قريش واعتداءاتهم عليه صلى الله عليه وسلم، لمكانتهما بين قريش. ولذلك حزن النبي صلى الله عليه وسلم لموتهما حزنًا شديدًا. واشتهر هذا العام عند أهل التاريخ والسير بعام الحزن. وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا علىٰ إسلام عمه أبي طالب أشد الحرص حتىٰ لحظة وفاته ولكنَّ إرادة الله غالبة. روىٰ الإمام البخاري عَنْ الْمُسَيَّبِ بن حَزْن رضي الله عنه قال: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أبو جَهْلٍ، فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله»، فَقَالَ أبو جَهْلٍ وَعبد الله بن أبي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عبد الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّىٰ قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: هو عَلَىٰ مِلَّةِ عبد الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ»، فَنَزَلَتْ:{ما كان للنبي والذين آمنوا أنيستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}[التوبة: 113]، وَنَزَلَتْ:{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}[القصص: 56]([6]). ومع ذلك فقد نفعه دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم. عن العباس بن عبد الْمُطَّلِبِ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جاء إلىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء؟ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ، فقَالَ: «نعم هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ([7]) مِنْ نَارٍ وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ»([8]). فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذىٰ ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب([9]).
    ([1]) «سيرة ابن هشام» 1/238.
    ([2]) «سيرة ابن هشام» 1/238.
    ([3]) «فتح الباري» 7/232. بتصرف يسير.
    ([4]) صحيح: أخرجه البخاري (3896) كتاب: مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي عائشة، وقدومها المدينة، وبنائه عليها.
    ([5]) ذكر ذلك البيهقي في «دلائل النبوة» 2/352، 353 وغيره، ونقله ابن سيد الناس في «عيون الأثر» 1/227.
    ([6]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3884) كتاب: مناقب الأنصار، باب: قصة أبي طالب، ومسلم (24) كتاب: الإيمان.
    ([7]) الضحضاح: ما رقَّ من الماء علىٰ وجه الأرض إلىٰ نحو الكعبين.
    ([8]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3885)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: قصة أبي طالب، عن أبي سعيد الخدري، ومسلم (209) كتاب: الإيمان، باب: شفاعة النبي لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه.
    ([9]) «عيون الأثر» 1/227.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:29 pm

    وفي شوال من هذه السنة: عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم علىٰ عائشة وهي بنت ست سنين، ولم يبن بها إلا في السنة الأولىٰ من الهجرة، وهي بنت تسع سنين رضي الله عنها .
    قَالَتْ عائشة رضي الله عنها : تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بنتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بني الْحَارِثِ بن خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي([1]) فَوَفَىٰ جُمَيْمَةً([2]) فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا، لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّىٰ أَوْقَفَتْنِي عَلَىٰ بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لَأُنْهِجُ، حَتَّىٰ سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَىٰ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَىٰ خَيْرِ طَائِرٍ([3]) فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي([4]) إِلَّا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ضُحًىٰ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بنتُ تِسْعِ سِنِينَ([5]).وروىٰ الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بنتُ سِتٍّ، وَبَنَىٰ بِهَا وَهِيَ بنتُ تِسْعٍ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بنتُ ثَمَانِ عَشْرَةَ([6]).وجاء في بعض الروايات الصحيحة أيضًا عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد عليها وهي بنت سبع سنين([7]). قال الإمام النووي رحمه الله:وَأَمَّا قَوْلهَا فِي رِوَايَة: (تَزَوَّجَنِي وَأَنَا بنت سَبْع), وَفِي أَكْثَر الرِّوَايَات (بِنْت سِتّ) فَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّهُ كَانَ لَهَا سِتّ وَكَسْر، فَفِي رِوَايَة اِقْتَصَرَتْ عَلَىٰ السِّنِينَ, وَفِي رِوَايَة عَدَّتْ السَّنَة الَّتِي دَخَّلَتْ فِيهَا. وَاَللَّه أَعْلَم([8]). وكان ذلك في شهر شوال لما رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي شَوَّالٍ وَبَنَىٰ بِي فِي شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحْظَىٰ عِنْدَهُ مِنِّي؟([9]). وكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها بوحي من الله تعالى.قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ([10]) فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ»([11]). قال ابن حجر: وَعِنْد الْآجُرّيّ مِنْ وَجْهٍ آخَر عَنْ عَائِشَة: (لَقَدْ نَزَلَ جِبْرِيل بِصُورَتِي فِي رَاحَته – أي: في كفه- حِين أُمِرَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَوَّجنِي) وَيُجْمَع بَيْن هَذَا وَبَيْن مَا قَبْله – أنها كانت في قطعة حرير- بِأَنَّ الْمُرَاد أَنَّ صُورَتهَا كَانَتْ فِي الْخِرْقَة وَالْخِرْقَة فِي رَاحَته, وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون نَزَلَ بِالْكَيْفِيَّتَيْنِ لِقَوْلِهَا فِي نَفْس الْخَبَر: (نَزَلَ مَرَّتَيْنِ).اهـ([12]).فهذا وحي من الله لأن رؤيا الأنبياء وحي، وعصمتهم في المنام كاليقظة.ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكرًا إلا عائشة رضي الله عنها.روىٰ الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله: أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ؟ قَالَ: «فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا» تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلملَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا([13]).
    ([1]) فتمزق شعري بالزاي أن تقطع، وللكشمهيني فتمرَّق بالراء أي انتتف. «فتح الباري» 7/265.
    ([2]) فوفىٰ أي: كثر. قال ابن حجر في «الفتح» 7/265: وفي الكلام حذف تقديره ثم فصلت من الوعك فتربىٰ شعري فكثر، وقولها (جميمة) بالجيم مصغر الجُمة بالضم وهي مجمع شعر الناصية، ويقال للشعر إذا سقط عن المنكبين جمة، وإذا كان إلىٰ شحمة الأذن وفرة.اهـ.
    ([3]) قال ابن حجر: (علي خير طائر) أي علىٰ خير حظ ونصيب.
    ([4]) قال ابن حجر: (فلم يرعني) بضم الراء وسكون العين أي لم يفزعني شيء إلا دخوله عليَّ.
    ([5]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3894)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي عائشة، وقدومها المدينة، وبنائه بها، ومسلم (1422) كتاب: النكاح، باب: تزويج الأب البكر الصغيرة.
    ([6]) صحيح: أخرجه مسلم (1422) كتاب: النكاح، باب: تزويج الأب البكر الصغيرة.
    ([7]) انظر التخريج السابق.
    ([8]) «شرح مسلم» للنووي 5/186.
    ([9]) صحيح: أخرجه مسلم (1423) كتاب: النكاح، باب: التزوج والتزويج في شوال واستحباب الدخول فيه.
    ([10]) السرقة بفتح المهملة والراء والقاف هي: القطعة.
    ([11]) متفق عليه: أخرجه البخاري (5078) كتاب: النكاح، باب: نكاح الأبكار، ومسلم (2438) كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل عائشة رضي الله تعالىٰ عنها.
    ([12]) «فتح الباري» 9/87.
    ([13]) صحيح: أخرجه البخاري (5077) كتاب: النكاح، باب: نكاح الأبكار.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:29 pm

    وفي شوال من هذه السنة: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة رضي الله عنها.
    عن عائشة رضي الله عنها قالت: لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيجَةُ، جَاءَتْ خَوْلَةُ بنتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أَلَا تَزَوَّجُ؟ قَالَ: «مَنْ؟» قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا، قَالَ: «فَمَنْ الْبِكْرُ؟» قَالَتْ: ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ الله إِلَيْكَ، عَائِشَةُ ابنة أبي بَكْرٍ، قَالَ: «وَمَنْ الثَّيِّبُ؟» قَالَتْ: سَوْدَةُ بنت زَمْعَةَ، قَدْ آمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ عَلَىٰ مَا تَقُولُ، قَالَ: «فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ» فَدَخَلَتْ بَيْتَ أبي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ رُومَانَ، مَاذَا أَدْخَلَ الله عَلَيْكُمْ مِنْ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ! قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: انْتَظِرِي أَبَا بَكْرٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَ، فَجَاءَ أبو بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَاذَا أَدْخَلَ الله عَلَيْكُمْ مِنْ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ! قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ، قَالَ: وَهَلْ تَصْلُحُ لَهُ؟! إِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ، فَرَجَعَتْ إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ قَالَ: «ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ: أَنَا أَخُوكَ، وَأَنْتَ أَخِي فِي الْإِسْلَامِ، وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي» فَرَجَعَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: انْتَظِرِي، وَخَرَجَ قَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ مُطْعِمَ بن عَدِيٍّ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَىٰ ابْنِهِ، وَاللَّهِ مَا وَعَدَ مَوْعِدًا قَطُّ فَأَخْلَفَهُ –لِأبي بَكْرٍ- فَدَخَلَ أبو بَكْرٍ عَلَىٰ مُطْعِمِ بن عَدِيٍّ وَعِنْدَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ الْفَتَىٰ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أبي قُحَافَةَ، لَعَلَّكَ مُصْبٍ صَاحِبَنَا مُدْخِلُهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ إِنْ تَزَوَّجَ إِلَيْكَ؟ فقَالَ أبو بَكْرٍ لِلْمُطْعِمِ بن عَدِيٍّ: أقَوْلَ هَذِهِ تَقُولُ؟ قَالَ: إِنَّهَا تَقُولُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ أَذْهَبَ الله مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ عِدَتِهِ الَّتِي وَعَدَهُ، فَرَجَعَ فَقَالَ لِخَوْلَةَ: ادْعِي لِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَدَعَتْهُ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ بنتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ خَرَجَتْ فَدَخَلَتْ عَلَىٰ سَوْدَةَ بنتِ زَمْعَةَ فَقَالَتْ: مَاذَا أَدْخَلَ الله عَلَيْكِ مِنْ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ! قَالَتْ: ومَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَخْطُبُكِ عَلَيْهِ! قَالَتْ: وَدِدْتُ، ادْخُلِي إِلَىٰ أبي فَاذْكُرِي ذَلكَ لَهُ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أَدْرَكَهُ السِّنُّ، قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ الْحَجِّ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَحَيَّتْهُ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: خَوْلَةُ بنتُ حَكِيمٍ، قَالَ: فَمَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي مُحَمَّدُ بن عبد الله أَخْطُبُ عَلَيْهِ سَوْدَةَ، فقَالَ: كُفْؤ كَرِيمٌ، مَاذَا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ؟ قَالَتْ: تُحِبُّ ذَاكَ، قَالَ: ادْعُيهَا لِي، فَدَعَتُهَا، قَالَ: أَيْ بنيَّةُ، إِنَّ هَذِهِ تَزْعُمْ أَنَّ مُحَمَّدَ بن عبد الله بن عبد الْمُطَّلِبِ قَدْ أَرْسَلَ يَخْطُبُكِ، وَهُوَ كُفْؤ كَرِيمٌ، أَتُحِبِّينَ أَنْ أُزَوِّجَكِ بِهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: ادْعِيهِ لِي، فَجَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، فَجَاءَهَا أَخُوهَا عبد بن زَمْعَةَ مِنْ الْحَجِّ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ: لَعَمْرُكَ إِنِّي لَسَفِيهٌ يَوْمَ أَحْثِي فِي رَأْسِي التُّرَابَ؛ أَنْ تَزَوَّجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَوْدَةَ بنتَ زَمْعَةَ([1]).ولما أسنَّت السيدة سودة وهبت نوبتها للسيدة عائشة رضي الله عنها.عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّىٰ يَبْلُغَ إِلَىٰ الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا، وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بنتُ زَمْعَةَ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ الله يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْهَا. قَالَتْ نَقُولُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ الله تعالى وَفِي أَشْبَاهِهَا، أُرَاهُ قَالَ:{وإن امرأة خافت من بعلهانشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهماصلحا}[النساء: 128]([2]).
    ([1]) إسناده حسن: أخرجه أحمد 6/210، 211، الطبري في «التاريخ» 3/162، ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثانىٰ» (3060، 3061)، والطبراني 23/57، البيهقي في «الدلائل» 2/411، 412 مرسلاً عن أبي سلمة ويحيىٰ بن عبد الرحمن بن حاطب، ووصله البيهقي 2/411 فرواه عن يحيىٰ بن عبد الرحمن عن عائشة، قال الذهبي في «السير» 1/182 إسناده حسن.
    ([2]) صحيح: البخاري (5212) كتاب: النكاح، باب: المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها وكيف يقسم ذلك، ومسلم (1463) كتاب: الرضاع، باب: جواز هبتها نوبتها لضرتها، مختصرًا، ورواه بتمامه أبو داود (2135) كتاب: النكاح، باب: في القسم بين النساء، وقال الألباني: حسن صحيح.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس أبريل 11, 2013 3:30 pm

    وفي هذه السنة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ الطائف يدعوهم إلىٰ الإسلام، فأبوا، وآذوه، فرجع مهمومًا، فثبته الله بأمرين: أرسل إليه ملك الجبال، وأسلم علىٰ يديه مجموعة من الجنِّ، ثم دخل مكة في جوار المطعم بن عدي.
    لما مات أبو طالب وخديجة رضي الله عنها، واشتدَّ إيذاء قريش له صلى الله عليه وسلم؛ قرر النبي صلى الله عليه وسلم الخروج إلىٰ مكان آخر غير مكة يلقي فيه دعوته، لعلَّه يجد من ينصره ويؤويه حتىٰ يبلِّغ كلمة التوحيد.فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ الطائف يلتمس النُصرة من ثقيف، فلم يجد ما كان يتمنَّاه، بل ناله منهم مالم ينله من أحد قط.روىٰ البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: هَلْ أَتَىٰ عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَىٰ ابْنِ عبد يَالِيلَ بن عبد كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَىٰ مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَىٰ وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ»، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعبد الله وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»([1]).ثم لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الرجوع إلىٰ مكة، ونزل بوادي نخلة القريب من مكة يصلي ويقرأ القرآن، نزل عليه مجموعة من الجن فلما سمعوه أنصتوا، قالوا: صه، وكانوا تسعة: أحدهم زوبعة، فأنزل الله تعالى:{وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} إلى قوله:{ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين} [الأحقاف: 29- 32]([2]).ورويَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة – بعد رجوعه- في جوار المطعم بن عدي([3]).ولذلك قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم فِي أُسَارَىٰ بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بن عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَىٰ لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ»([4]).

    ([1]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3231) كتاب: بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرىٰ غفر له ما تقدم من ذنبه، مسلم (1795) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي من أذىٰ المشركين والمنافقين. فصلىٰ الله عليك وسلم يا حبيبي يا رسول الله، فوالله الذي لا إله غيره لقد رُزقت رحمة لو وُزعت علىٰ أهل هذه البسيطة منذ خلق الله آدم عليه السلام إلىٰ قيام الساعة لوسعتهم، وأُعطيت رأفة لو قسِّمت علىٰ أهلها لقسمتهم، وكيف لا وقد قال الله تعالىٰ فيك:{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107]. فأين أعداء الله من مثل هذه الرحمة؟ وأين الحاقدون الزاعمون أنك جئت بالقتل وسفك الدماء؟ يفعلون الأفاعيل ثم يرموننا بها{فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}[الحج: 46].
    ([2]) صحيح: أخرجه الحاكم 2/456، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وصححه الوادعي في «الصحيح المسند من أسباب النزول» (252).
    ([3]) أخرجه الطبري في «التاريخ» 1/555 بإسناد منقطع.
    ([4]) صحيح: أخرجه البخاري (4024) كتاب: المغازي، باب: شهود الملائكة بدرًا.
    ([5]) حسن: أخرجه أحمد 3/322، قال ابن حجر في «فتح الباري» 7/222: إسناده حسن.
    ([6]) صحيح: أخرجه أبو داود (3734)، كتاب: السنة، باب: في القرآن، الترمذي (2934) كتاب: فضائل القرآن، باب: رقم (24)، ابن ماجه (201) في المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية، أحمد 3/390، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي».
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:40 am

    وفي السنة الحادية عشرة من البعثة: عرض نفسه الكريمة علىٰ القبائل في موسم الحج كعادته، فآمن به ستة من رؤساء الأنصار، ورجعوا إلىٰ المدينة ففشا فيهم الإسلام.
    كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغل مواسم الحج وإقبال الناس وتوافدهم إلىٰ بيت الله الحرام للدعوة إلىٰ دينه ورسالته لعلَّ أحدًا أن يستجيب له فيؤويه وينصره بعدما كذبه قومه. عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًىٰ يَقُولُ: «مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّىٰ أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ؟» حَتَّىٰ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ أَوْ مِنْ مُضَرَ فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ فَيَقُولُونَ: احْذَرْ غُلَامَ قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنُكَ، وَيَمْشِي بَيْنَ رِجَالِهِمْ، وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، حَتَّىٰ بَعَثَنَا الله إِلَيْهِ مِنْ يَثْرِبَ فَآوَيْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنَّا فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّىٰ لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ([1]). وعنه أيضًا قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بالْمَوْقِفِ فيقول: «هل من رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي»([2]). وعن أبي الزِّنَادِ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ رَبِيعَةُ بن عَبَّادٍ مِنْ بني الدِّئلِ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا فأسلم، قَالَ: رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ، وَهُوَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا الله تُفْلِحُوا» وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ وَضِيءُ الْوَجْهِ أَحْوَلُ، ذُو غَدِيرَتَيْنِ([3]) يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ، يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَذَكَرُوا لِي نَسَبَ رَسُولِ الله r وَقَالُوا: هَذَا عَمُّهُ أبو لَهَبٍ([4]). وكان من القبائل التي عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه عليها؛ قبيلة كنْده، وبطن من بني كلب يقال لهم بنو عبد الله، وبنو حنيفة، وبنو عامر بن صعصعة، ومحارب بن خصفة، وفزارة، وغسان، ومرَّة، وسُليم، وعبس، وبنو نضر، والحارث بن كعب، وعذرة، والحضارمة، فلم يستجب منهم أحد. وتصدىٰ النبي صلى الله عليه وسلم لسويد بن الصامت الذي كان يسميه قومه (الكامل) لجلده، وشرفه، ونسبه، فدعاه إلىٰ الإسلام، فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعرضها عليَّ»، فعرضها عليه؛ فقال له: «إنَّ هذا لكلام حسن؛ والذي معي أفضل منه، قرآن أنزله الله تعالىٰ عليَّ هو هدىٰ ونور» فتلا عليه رسول الله r القرآن ودعاه إلىٰ الإسلام، فلم يبْعُد منه، وقال: إنَّ هذا لقول حسن، ثم انصرف عنه، فقدم المدينة علىٰ قومه، فلم يلبث أنْ قتله الخزرج، فإن كان رجال من قومه ليقولون: إنا لنراه قد قتل وهو مسلم، وكان قتله قبل يوم بعاث([5]). وعرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه علىٰ بني عبد الأشهل حيث قدموا يلتمسون الحلف من قريش علىٰ قومهم من الخزرج، فعرض عليهم الإسلام، وقال لهم: «هل لكم في خير مما جئتم له؟» فقالوا له: وما ذاك؟ قال: «أنا رسول الله بعثني إلىٰ العباد، أدعوهم إلىٰ أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، وأنزل عليَّ الكتاب» قال: ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، قال: فقال إياس بن معاذ وكان غلامًا حدثًا: أي قوم، هذا والله خير مما جئتم له، قال: فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء، فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، قال: فصمت إياس، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرفوا إلىٰ المدينة، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، قال: ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك، قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومه عند موته أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله تعالىٰ ويكبره ويحمده ويسبحه حتىٰ مات، فما كانوا يشكون أن قد مات مسلمًا([6]). فلما أراد الله تعالى إظهار دينه، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم؛ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه علىٰ القبائل كعادته فالتقىٰ برهط من الخزرج أراد الله بهم خيرًا. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «من أنتم؟» قالوا: نفر من الخزرج، قال: «أمن موالي يهود؟» قالوا: نعم، قال: «أفلا تجلسون أكلمكم؟» قالوا: بلىٰ، فجلسوا معه، فدعاهم إلىٰ الله تعالى، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، قال: وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام، أن يهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان وكانوا قد عزُّوهم([7]) ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم: إن نبيًا مبعوث الآن قد أظل زمانه، نتَّبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر، ودعاهم إلىٰ الله، قال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلموا والله إنه للنبيّ الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسىٰ أن يجمعهم الله تعالىٰ بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلىٰ أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك، ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلىٰ بلادهم، وقد آمنوا وصدَّقوا، وهم ستة نفر جميعهم من الخزرج: 1- أسعد بن زرارة بن عُدَي، أبو أُمامة. 2- عوف بن الحارث بن رفاعه، وهو ابن عفراء. 3- رافع بن مالك بن العجلان. 4- قطبة بن عامر بن حَديدة. 5- عقبة بن عامر بن نابي. 6- جابر بن عبد الله بن رئاب([8]). تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا فَقَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ([9]). قال ابن حجر: (كَانَ يَوْم بُعَاث) بِهِ وَقْعَة بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج, فَقُتِلَ فِيهَا كَثِير مِنْهُمْ. وَكَانَ رَئِيس الْأَوْس فِيهِ حُضَيْر وَالِد أُسَيْدِ بن حُضَيْر وَكَانَ يُقَال لَهُ حُضَيْر الْكَتَائِب وَبِهِ قُتِلَ, وَكَانَ رَئِيس الْخَزْرَج يَوْمَئِذٍ عَمْرو بن النُّعْمَان الْبَيَاضِيّ فَقُتِلَ فِيهَا أَيْضًا, وَكَانَ النَّصْر فِيهَا أَوَّلًا لِلْخَزْرَجِ ثُمَّ ثَبَّتَهُمْ حُضَيْر فَرَجَعُوا وَانْتَصَرَتْ الْأَوْس وَجُرِحَ حُضَيْر يَوْمئِذٍ فَمَاتَ فِيهَا, وَذَلِكَ قَبْل الْهِجْرَة بِخَمْسِ سِنِينَ وَقِيلَ: بِأَرْبَعٍ وَقِيلَ: بِأَكْثَر وَالْأَوَّل أَصَحّ, وَذَكَرَ أبو الْفَرَج الْأَصْبَهَانِيُّ أَنَّ سَبَب ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ قَاعِدَتهمْ أَنَّ الْأَصِيل لَا يُقْتَل بِالْحَلِيفِ, فَقَتَلَ رَجُل مِنْ الْأَوْس حَلِيفًا لِلْخَزْرَجِ, فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيدُوهُ فَامْتَنَعُوا, فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ الْحَرْب لِأَجْلِ ذَلِكَ, فَقُتِلَ فِيهَا مِنْ أَكَابِرهمْ مَنْ كَانَ لَا يُؤْمِن, أَيْ يَتَكَبَّر وَيَأْنَف أَنْ يَدْخُل فِي الْإِسْلَام حَتَّىٰ لَا يَكُون تَحْت حُكْم غَيْره, وَقَدْ كَانَ بَقِيَ مِنْهُمْ مِنْ هَذَا النَّحْو عبد الله بن أبي بن سَلُول وَقِصَّته فِي ذَلِكَ مَشْهُورَة مَذْكُورَة فِي هَذَا الْكِتَاب وَغَيْره([10]).اهـ.

    ([1]) حسن: أخرجه أحمد 3/322، قال ابن حجر في «فتح الباري» 7/222: إسناده حسن.
    ([2]) صحيح: أخرجه أبو داود (3734)، كتاب: السنة، باب: في القرآن، الترمذي (2934) كتاب: فضائل القرآن، باب: رقم (24)، ابن ماجه (201) في المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية، أحمد 3/390، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي».
    ([3]) غديرتان: تثنية غديرة، أي ذؤابة، وهي الشعر المضفور الذي أُدخل بعضه في بعض.
    ([4]) حسن بمجموع الطرق: أخرجه أحمد 4/341، وله شواهد أخرجها ابن هشام في «السيرة» 2/18، الطبراني في «الكبير» (4587)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثانىٰ» (962)، البيهقي في «السنن» 9/7، و «الدلائل» 2/185.
    ([5]) «سيرة ابن هشام» 2/21.
    ([6]) «سيرة ابن هشام» 2/21.
    ([7]) عزوهم: غلبوهم وقهروهم.
    ([8]) «سيرة ابن هشام» 2/21، 23 مختصرًا.
    ([9]) صحيح: أخرجه البخاري (3777)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: مناقب الأنصار. سرواتهم: أشرافهم.
    ([10]) «فتح الباري» 7/138، 139.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:40 am

    وفي السنة الثانية عشرة من البعثة: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلىٰ المسجد الأقصىٰ، ثم عرج به إلىٰ سدرة المنتهىٰ ففرض الله عليه وعلىٰ أمته الصلوات الخمس.
    حيث كافأ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وسرَّىٰ عنه برحلة الإسراء والمعراج؛ فأراه من آياته الكبرىٰ ما جعل قلبه صلى الله عليه وسلم يطيب ويطمئن ويثبت، وينكشف عنه ما ألمَّ به من همّ وحزن وأسىٰ بعد وفاة عمه وزوجته رضي الله عنها، وما لاقاه من إعراض قومه عن دعوته صلى الله عليه وسلم.فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحزنه الإيذاء الشخصي له صلى الله عليه وسلم؛ إنما الذي كان يحزنه صلى الله عليه وسلم ويكاد يقتله؛ هو إعراضهم عن الدعوة ورفضهم لها؛ رحمة منه صلى الله عليه وسلم وشفقة عليهم، ولذلك يقول الله تعالى له صلى الله عليه وسلم:{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} [الكهف: 6]،{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} [الشعراء: 3].وحادثة الإسراء والمعراج صحيحة ثابتة بالقرآن والسنة:أما ثبوتها بالقرآن ففي قول الله تعالىٰ:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}[الإسراء: 1]، وقوله تعالىٰ:{والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى}
    [النجم: 1- 18].وقد فصّل النبي صلى الله عليه وسلم أحداث هذه الرحلة المباركة تفصيلاً دقيقًا، بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أحاديث صحيحة.يقول صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ([1]) في الحجر مضطجعًا([2]) بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ ([3]) إذا أتاني آتٍ فشق([4]) من النحر إلىٰ مراقّ البطن([5]) فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي([6]) ثم غسله بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جاء بطست من ذهب ممتلئ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ([7]) ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَىٰ طَرْفِهِ([8]) فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَىٰ الله مِنْهُ قَالَ فَارْفَضَّ عَرَقًا([9]) فَرَكِبْتُهُ حَتَّىٰ أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ([10]) فَصَلَّيْتُ بالنبيين والمرسلين إمامًا([11]) ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عليه السلام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ([12]) ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَىٰ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَلَمَّا جِئْتُ إِلَىٰ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَىٰ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَىٰ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَىٰ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَال: هَذَا آدَمُ وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بنيهِ فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَىٰ([13]) ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّىٰ أَتَىٰ السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ قَالَ: هَذَا يَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا ثُمَّ قَالَا مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَىٰ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّىٰ أَتَىٰ السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَىٰ إِدْرِيسَ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّىٰ أَتَىٰ السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ففتح فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّىٰ أَتَىٰ السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَىٰ قَالَ: هَذَا مُوسَىٰ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَىٰ قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي، يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَىٰ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَىٰ فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَىٰ وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ فَرَجَعْتُ، فَمَرَرْتُ عَلَىٰ مُوسَىٰ فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بني إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا فَرَجَعْتُ إِلَىٰ مُوسَىٰ فَقَالَ: مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَىٰ مُوسَىٰ فَقَالَ: مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَىٰ مُوسَىٰ فَقَالَ: مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَىٰ مُوسَىٰ فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ قُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بني إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قَالَ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّىٰ اسْتَحْيَيْتُ وَلَكِنِّي أَرْضَىٰ وَأُسَلِّمُ قَالَ فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَىٰ مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي» ([14]).فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ، يقول صلى الله عليه وسلم: «فَظِعْتُ بِأَمْرِي([15]) وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ» فَقَعَدَ – بأبي هو وأمي ونفسي صلى الله عليه وسلم- مُعْتَزِلًا حَزِينًا، فَمَرَّ عَدُوُّ الله أبو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّىٰ جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟! فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ»، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: «إِنَّهُ أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ»، قَالَ: إِلَىٰ أَيْنَ؟ قَالَ: «إِلَىٰ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟! قَالَ: «نَعَمْ».قَالَ: فَلَمْ يُرِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِذَا دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟! فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ».فَقَالَ: هَيَّا مَعْشَرَ بني كَعْبِ بن لُؤَيٍّ!حتىٰ قَالَ: فَانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، وَجَاءُوا حَتَّىٰ جَلَسُوا إِلَيْهِمَا.قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي.فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ».قَالُوا: إِلَىٰ أَيْنَ؟ قال: «إِلَىٰ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ».قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَىٰ رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ؛ زَعَمَ!قَالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَىٰ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَىٰ الْمَسْجِدَ.فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّىٰ الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ، قَالَ: فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ؛ حَتَّىٰ وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ – أَوْ عُقَيْلٍ- فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ».قَالَ: «وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ».

    ([1]) البخاري (3207).
    ([2]) البخاري (3887).
    ([3]) البخاري (3207).
    ([4]) البخاري (3887).
    ([5]) البخاري (3207). أي إلىٰ ما رقّ من الجلد وهو ما يكون أسفل البطن.
    ([6]) مسلم (164).
    ([7]) البخاري (349).
    ([8]) مسلم (164).
    ([9]) أحمد 3/164، الترمذي (3131)، وقال: حسن غريب، وصحح إسناده الألباني في «صحيح الترمذي».
    ([10]) مسلم (162).
    ([11]) انظر: «الإسراء والمعراج» للألباني (14).
    ([12]) مسلم (162).
    ([13]) البخاري (349).
    ([14]) صحيح: أخرجه البخاري (3887)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: المعراج.
    ([15]) أي اشتد عليَّ وهبْتُه. (نهاية).
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:41 am

    قَالَ: فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ؛ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ([1]).

    ([1]) صحيح الإسناد: أخرجه أحمد 1/309، الطبراني (12782)، وحسنه الحافظ في «الفتح» 7/199، وقال الألباني في «الإسراء والمعراج» (82): سنده صحيح. وقد اختلف علماء أهل السنة والجماعة في رؤية النبي ربه في هذه الليلة ليلة الإسراء والمعراج. فنسب بعض العلماء لابن عباس أنه يقول بالرؤية وتبعوه في ذلك. يقول ابن عباس: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسىٰ، والرؤية لمحمد. أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (577)، النسائي في «الكبرىٰ» (11539)، والحاكم 1/15 بسند صحيح. وقال أيضًا في قوله تعالىٰ:{والنجم إذا هوى} إلى آخر الآيات[النجم: 13، 14]. قال: رأىٰ ربه فتدلىٰ فكان قاب قوسين أو أدنىٰ. حسن صحيح: أخرجه الترمذي (3280)، وقال: حديث حسن، وابن حبان (57)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (933)، وقال الألباني في «صحيح الترمذي»: حسن صحيح. وقالت أم المؤمنين عائشة ومن تبعها: لم يره. عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ: ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَىٰ الله الْفِرْيَةَ، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَىٰ رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَىٰ الله الْفِرْيَةَ، قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي، أَلَمْ يَقُلْ الله تعالى:{أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه مرة أخرى عند سدرة المنتهى}، فَقَالَتْ
    أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ الله فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَىٰ صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَىٰ الْأَرْضِ» فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ الله يَقُولُ:{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ الله يَقُولُ:{ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا}صحيح: أخرجه مسلم (177)، كتاب: الإيمان. وفي لفظ لمسلم أيضًا: أن مسروقًا سأل عائشة هل رأىٰ محمد ربه؟ فقالت: سبحان الله لقد قف شعري لما قلت. والذي عليه الجمهور أنَّ النبي لم ير ربه بعينيه قط إنما رآه بفؤاده، وأنه لا تعارض بين ما ذهب إليه ابن عباس وما ذهبت إليه عائشة، وذلك أنه ثبت عن ابن عباس أنه قال: رآه بقلبه. مسلم (176). وفي لفظ أنه قال: رآه بفؤاده مرتين. قال الحافظ ابن حجر: جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة، وأخرىٰ مقيدة فيجب حمل مطلقها علىٰ مقيدها... وعلىٰ هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يُحمل نفيها علىٰ رؤية البصر، وإثباته علىٰ رؤية القلب ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب، لا مجرد حصول العلم؛ لأنه كان عالمًا بالله علىٰ الدوام، بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أنّ الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه، كما تخلق الرؤية بالعين لغيره، الرؤية لا يشترط لها شيء مخصوص عقلاً، ولو جرت العادة خلقها في العين.اهـ.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:42 am

    وفي موسم الحج من هذه السنة: وافاه اثنا عشر رجلاً من الأنصار بعضهم ممن لقي النبي صلى الله عيه وسلم في الموسم السابق، فبايعوه عند العقبة فسميت ببيعة العقبة الأولى ٰ وأرسل معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن فأسلم علىٰ يديه كثير من أهل المدينة. فلما كان موسم الحج من العام الثاني عشر من البعثة – أي بعد عام فقط من التقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالأنصاريين الستة أقبل علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من الأنصار قوامه اثنا عشر رجلاً، عشرة من الخزرج وهم: 1- أسعد بن زرارة. 2- عوف بن الحارث بن رفاعة ابن عفراء. 3- رافع بن مالك بن العجلان. 4- قُطْبة بن عامر بن حديدة. 5- عقبة بن عامر بن نابي. 6- معاذ بن الحارث بن عفراء. 7- ذكوان بن عبد قيس. 8- عبادة بن الصامت. 9- يزيد بن ثعلبة. 10- العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان. واثنان من الأوس وهم: 11- أبو الهيثم بن التيهان، واسمه مالك([1]). 12- عُويم بن ساعدة([2]). لم يتخلف من الستة الأُول إلا جابر بن عبد الله بن رئاب فقط. فبايع هذا الوفد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية. يقول عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ وكان ممن شهد البيعة: إِنِّي لَمِنْ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَىٰ أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا نَنْتَهِبَ، وَلَا نَعْصِيَ، فَالْجَنَّةُ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَىٰ الله([3]). وفي رواية قال عُبَادَةَ: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَعَالَوْا بَايِعُونِي عَلَىٰ أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَىٰ مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَىٰ الله، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ الله فَأَمْرُهُ إِلَىٰ الله إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ»، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ عَلَىٰ ذَلِكَ([4]). أول سفير في الإسلام: فانطلق القوم – بعد ذلك- عائدين إلىٰ المدينة المنورة، فأرسل معهم النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، فكان مصعب يسمىٰ في المدينة بالمقرئ. وكان منزله علىٰ أسعد بن زرارة، وكان يصلي بهم، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض([5]). أول جمعة بالمدينة المنورة وإمامها: قام سفير الإسلام مصعب بن عمير بمهمته علىٰ أكمل وجه؛ فدعا إلىٰ دين الله وأقرأ الناس وعلمهم وفقههم في الدين، وانتشر الإسلام بالمدينة، فأقيمت أول جمعة في الإسلام بالمدينة المنورة، وأمَّ المسلمين فيها أسعد بن زرارة ([6]). عَنْ عبد الرَّحْمَنِ بن كَعْبِ بن مَالِكٍ – وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ- عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بن مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لِأَسْعَدَ بن زُرَارَةَ، فَقُلْتُ لَهُ إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لِأَسْعَدَ بن زُرَارَةَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بنا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ([7]) مِنْ حَرَّةِ بني بَيَاضَةَ([8]) فِي نَقِيعٍ([9]) يُقَالُ لَهُ نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ([10]) قُلْتُ كَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ([11]).
    ([1]) التيهان: يخفف ويثقل، كقوله ميّت وميْت. «سيرة ابن هشام» 2/24.
    ([2]) ذكر ابن اسحاق أسماء أصحاب بيعة العقبة الأولىٰ والثانية «سيرة ابن هشام» 2/22، 24 قال: حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة عن أشياخ من قومه. قلت: وعاصم تابعي، قال ابن حجر: ثقة، عالم بالمغازي. (تقريب). وقال الذهبي: صدوق علامة بالمغازي. (كاشف).
    ([3]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3893)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: وفود الأنصار إلىٰ النبي بمكة وبيعة العقبة، ومسلم (1709)، كتاب: الحدود، باب: الحدود كفارات لأهلها.
    ([4]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3892)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: وفود الأنصار إلىٰ النبي بمكة وبيعة العقبة، ومسلم (1709)، كتاب: الحدود، باب: الحدود كفارة لأهلها.
    ([5]) «سيرة ابن هشام» 2/24 بتصرف. قال بعض أهل السير أنّ النبي أرسل مع مصعب ابن عمير ابن أم مكتوم، وممن قال بذلك العلامة ابن سيد الناس حيث قال في «عيون الأثر» 1/265: فلما انصرفوا – أي: أصحاب البيعة- بعث رسول الله معهم ابن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن.اهـ. قلت: الصواب أنّ النبي لم يرسل إلا مصعب بن عمير فقط كما نص علىٰ ذلك أكثر أهل السير. وأظن أن الوهم دخل علىٰ من قال بذلك مما رواه البخاري في «صحيحه» (3924، 3925) عن البراء بن عازب قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانوا يقرئون الناس... الحديث. قلت: الصحيح أن هذا الحديث إنما يتحدث فيه البراء عن الهجرة لا عن البيعة ولا عن من أرسله رسول الله مع أصحاب البيعة. ومما يدل علىٰ ذلك: 1- أنه لم يرد في الحديث قط ذكر البيعة، إنما ورد ذكر الهجرة صريحًا في إحدىٰ روايات الحديث كما ذكر ذلك ابن حجر في «فتح الباري» 7/306 حيث قال: في رواية عن شعبة عند الحاكم في «الإكليل» عن عبد الله بن رجاء في روايته (من المهاجرين).اهـ. 2- ما ذُكر في الرواية نفسها حيث قال البراء: ثم قدم علينا عمار بن ياسر وبلال وسعد، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي، ثم قدم النبي ... الحديث. فهذا يوضح أنه يتكلم في شأن الهجرة. وقد فهم ذلك الإمام البخاري فبوب علىٰ الحديث باب: مقدم النبي وأصحابه المدينة. فيُعلم مما سبق أن النبي أرسل مصعب وحده. ثم إن مصعب رجع إلىٰ مكة قبل البيعة الثانية – كما ذكر ذلك أهل السير- ثم هاجر إلىٰ المدينة مرة أخرىٰ لما أذن لهم النبي بالهجرة وكان أول المهاجرين إلىٰ المدينة – كما دل عليه حديث البراء السابق- ثم استأنف مصعب نشاطه السابق في إقراء الناس وتعليمهم، وتبعه ابن أم مكتوم وكان يساعده في مهمته. والله أعلم.
    ([6]) رُوي أن الذي أم المسلمين في هذه الجمعة مصعب بن عمير وهو ضعيف. قال ابن كثير: وقد روىٰ الدارقطني عن ابن عباس أن رسول الله كتب إلىٰ مصعب بن عمير يأمره بإقامة الجمعة، وفي إسناده غرابة. والله أعلم. «البداية والنهاية» 3/163.
    ([7]) الهزم: المنخفض من الأرض، والنبيت: موضع.
    ([8]) حرة: بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء هي الأرض ذات الحجارة السود.
    ([9]) هو المنخفض من الأرض يستنقع فيه الماء.
    ([10]) نقيع الخَضَمات: موضع بنواحي المدينة.
    ([11]) حسن: أخرجه أبو داود (1069)، كتاب: الصلاة، باب: الجمعة في القرىٰ، وابن ماجه (1082)، كتاب: الصلاة، باب: فرض الجمعة. والمعنىٰ أنه جمّع في قرية يقال لها هزم النبيت، هي كانت في حرّة بني بياضة في المكان الذي يجتمع فيه الماء، واسم ذلك المكان نقيع الخضمات، وتلك القرية هي علىٰ ميل من المدينة. «عون المعبود» 2/425.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:42 am

    وفي السنة الثالثة عشرة من البعثة في موسم الحج: وافاه سبعون رجلاً من الأنصار فبايعوه عند العقبة أيضًا علىٰ أن يمنعوه إن هاجر إليهم مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم، فأخرجوا له اثني عشر نقيبًا، فقال صلى الله عليه وسلم للنقباء: «أنتم علىٰ قومكم كفلاء» فسميت ببيعة العقبة الثانية. كانت بيعة العقبة الثانية في الموسم التالي مباشرة. يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وكان ممن شهد هذه البيعة: مَكَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ، وَمَجَنَّةَ، وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًىٰ يَقُولُ: "مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّىٰ أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ"؟ حَتَّىٰ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ أَوْ مِنْ مُضَرَ فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ فَيَقُولُونَ: احْذَرْ غُلَامَ قُرَيْشٍ، لَا يَفْتِنُكَ، وَيَمْشِي بَيْنَ رِجَالِهِمْ وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، حَتَّىٰ بَعَثَنَا الله إِلَيْهِ مِنْ يَثْرِبَ، فَآوَيْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنَّا، فَيُؤْمِنُ بِهِ، وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّىٰ لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ ائْتَمَرُوا جَمِيعًا، فَقُلْنَا: حَتَّىٰ مَتَىٰ نَتْرُكُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ؟ فَرَحَلَ إِلَيْهِ مِنَّا سَبْعُونَ رَجُلًا حَتَّىٰ قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ حَتَّىٰ تَوَافَيْنَا، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله: علام نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «تُبَايِعُونِي عَلَىٰ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَالنَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَىٰ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَأَنْ تَقُولُوا فِي الله لَا تَخَافُونَ فِي الله لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَعَلَىٰ أَنْ تَنْصُرُونِي، فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمْ الْجَنَّةُ» فَقُمْنَا إِلَيْهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بن زُرَارَةَ، وَهُوَ مِنْ أَصْغَرِهِمْ – وفي رواية البيهقي: وهو أصغر السبعين إلا أنا- فَقَالَ: رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، فَإِنَّا لَمْ نَضْرِبْ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ الله، وَإِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنَّ تَعَضَّكُمْ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَىٰ ذَلِكَ وَأَجْرُكُمْ عَلَىٰ الله، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خيفة، فَبَيِّنُوا ذَلِكَ، فَهُوَ عُذْرٌ لَكُمْ عِنْدَ الله، قَالُوا: أَمِطْ عَنَّا يَا أَسْعَدُ، فَوَاللَّهِ لَا نَدَعُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ أَبَدًا، وَلَا نَسْلُبُهَا أَبَدًا، قَالَ: فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ، وأَخَذَ عَلَيْنَا وَشَرَطَ، وَيُعْطِينَا عَلَىٰ ذَلِكَ الْجَنَّةَ([1]). وعن كَعْبِ بن مَالِكِ قَالَ: خَرَجْنَا فِي الحجة التي بايعنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم

    بالعقبة مع مشركي قومنا، وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بن مَعْرُورٍ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، حتىٰ إذا كنا بظاهر البيداء قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ تعلموا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي تُوَافِقُونِي عَلَيْهِ أَمْ لَا؟! فقُلْنَا: وَمَا هو يا أبا بشر؟ قَالَ: إني قَدْ أردت أَنْ أصلي إلىٰ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ ولا أجعلها مِنِّي بِظَهْرٍ، فَقُلْنَا: لا وَاللَّهِ لا تفعل، والله مَا بَلَغَنَا أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَّا إِلَىٰ الشَّامِ، قَالَ: فإِنِّي والله لمصل إِلَيْهَا، فكان إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ توجه إِلَىٰ الْكَعْبَةِ وتوجهنا إلىٰ الشام، حَتَّىٰ قَدِمْنَا مَكَّةَ، فقَالَ لي البراء: يَا ابْنَ أَخِي انْطَلِقْ إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، حتىٰ أسْأَلْهُ عَمَّا صَنَعْتُ، فلقد وجدت فِي نَفْسِي بخِلَافِكُمْ إِيَّايَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ بالأبطح، فقلنا: هل تدلنا علىٰ محمد؟ قَالَ: وهَلْ تَعْرِفَانِهِ إن رأيتماه؟ قُلْنَا: لَا والله، قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبَّاسَ؟ فقُلْنَا: نَعَمْ، وقد كُنَّا نَعْرِفُه، كان يختلف إلينا بالتجارة، فقَالَ: إِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فانظروا الْعَبَّاسِ، قَالَ: فهو الرجل الذي معه، قال: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رسول الله صلى الله عليه وسلم والْعَبَّاسُ ناحية المسجد جالسين، فَسَلَّمْنَا، ثُمَّ جَلَسْنَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟» قَالَ: نَعَمْ، هَذَا الْبَرَاءُ بن مَعْرُورٍ سَيِّدُ قَوْمِهِ وَهَذَا كَعْبُ بن مَالِكٍ، فَوَاللَّهِ مَا أَنْسَىٰ قَوْلَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: «الشَّاعِرُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ له الْبَرَاءُ: يَا رسول الله إِنِّي قد رأيت فِي سَفَرِي هَذَا رأيًا، وقد أحببت أن أسألك عنه قال: «وما ذاك؟» قال: رَأَيْتُ أَلَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيَّةَ مِنِّي بِظَهْرٍ فَصَلَّيْتُ إِلَيْهَا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ كُنْتَ عَلَىٰ قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا»، فَرَجَعَ إِلَىٰ قِبْلَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وصَلَّىٰ مَعَنَا إِلَىٰ الشَّامِ. ثم وَاعَدْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم الْعَقَبَةَ، أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ونحن سبعون رجلًا للبيعة، وَمَعَنَا عبد الله بن عَمْرِو بن حَرَامٍ والد جَابِرٍ، وإنه لعلىٰ شركه، فأخذناه وَقُلْنَا: يَا أَبَا جَابِرٍ والله إنا لنرغب بك أن تموت علىٰ ما أنت عليه فتَكُونَ لهذه النَّارِ غَدًا حطبًا، وإن الله قد بعث رَسُولًا يأمر بتوحيده وعبادته وقد أَسْلَمَ رجلا من قومك، وقد واعدنا رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم للبيعة فأسم وطهر ثيابه، وحضرها معنا فكان نقيبًا، فلما كانت الليلة التي واعدنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنىٰ أول الليل مع قومنا، فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فرشنا تسلل القطا، حتىٰ اجْتَمَعْنَا بالعقبة، فأتىٰ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وعَمُّهُ الْعَبَّاسُ، ليس معه غيره، أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ، فكان أَوَّلَ مُتَكَلِّمٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ إِنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَهُوَ فِي مَنَعَةٍ من قومه وبلاده، قد منعناه ممن هو علىٰ مثل رأينا منه، وقد أبىٰ إلا الانقطاع إليكم، وإلىٰ ما دعوتموه إليه، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما وعدتموه، فأنتم وما تحملتم، وإن كنتم تخشون من أنفسكم خُذلانًا فاتركوه في قومه، فإنه في منعة من عشيرته وقومه، فَقُلْنَا قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ، تَكَلَّمْ يَا رَسُولَ الله، فَتَكَلَّمَ وَدَعَا إِلَىٰ الله، وتلا القرآن وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، فأجبناه بالإيمان والتصديق له، وقلنا له: خذ لربك ولنفسك فقَالَ: «إني أُبَايِعُكُمْ عَلَىٰ أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا منعتم مِنْهُ أَبْنَاءَكُمْ ونِسَاءَكُمْ» فأجابه الْبَرَاءُ بن مَعْرُورٍ فقَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ الله فَنَحْنُ أَهْلُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فعرض في الحديث أبو الْهَيْثَمِ بن التَّيِّهَانِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالًا، وَإِنَّا لقَاطِعُوهَا، فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ الله أَظْهَرَكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَىٰ قَوْمِكَ وَتَدَعَنَا؟ فقَالَ: «بَلْ الدَّمَ الدَّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ» فقال له البراء بن معرور: ابسط يدك يا رسول الله نبايعك. فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا» فَأَخْرَجُوهم له، فكان نقيب بني النجار؛ أسعد بن زرارة، ونقيب بني سلمة، البراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام، ونقيب بني ساعدة، سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، ونقيب بني زريق، رافع بن مالك، ونقيب بني الحارث بن الخزرج، عبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، ونقيب بني عوف بن الخزرج، عبادة بن الصامت – وبعضهم جعل بدل عبادة بن الصامت خارجة بن زيد- ونقيب بني عمرو بن عوف، سعد بن خيثمة، ونقيب بني عبد الأشهل – وهم من الأوس- أسيد بن حضير، وأبو الهيثم بن التيهان، قال: فأخذ الْبَرَاءُ بيد رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليها، وكان أول من بايع، وتتابع الناس فبايعوا، فصرخ الشيطان علىٰ العقبة بأنفذ صوت سمعته قط، فقال: يا أَهْلَ الْجُبَاجِبِ([2]) هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصُّبَاةُ مَعَهُ قَدْ أَجْتمَعُوا عَلَىٰ حَرْبِكُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَزَبُّ الْعَقَبَةِ، هَذَا ابْنُ أَزْيَبَ، أَمَا وَاللَّهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ ارْفَعُوا إِلَىٰ رِحَالِكُمْ». فَقَالَ الْعَبَّاسُ بن عُبَادَةَ أخو بني سالم: يا رسول الله وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَئِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَىٰ أَهْلِ مِنًىٰ غَدًا بِأَسْيَافِنَا، فَقَالَ: «إنا لَمْ نؤمَرْ بِذَلِكَ»، فرحنا إلىٰ رحالنا فاضطجعنا، فلما أَصْبَحْنَا، أقبلت جُلَّةُ من قُرَيْشٍ فيهم الحارث بن هشام، فتىٰ شاب وعليه نعلان له جديدتان، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ إِلَىٰ صَاحِبِنَا لتَسْتَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، وإنه وَاللَّهِ مَا مِنْ الْعَرَبِ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيْنَا أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِنْكُمْ، فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ قومنا من المشركين يَحْلِفُونَ لَهُمْ بِاللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَمَا فعلناه، فلما تثور القوم لينطلقوا قُلْتُ كَلِمَةً كَأَنِّي أُشْرِكَهم في الكلام: يَا أَبَا جَابِرٍ – يريد عبد الله بن عمرو- أَنْتَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا وكهل من كهولنا، لا تستطيع أَنْ تَتَّخِذَ مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَىٰ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ، فرَمَىٰ بِهِمَا إِلَيَّ، وقَالَ: وَاللَّهِ لتلبسنهما، فقَالَ أبو جَابِرٍ: مهلًا أَحْفَظْتَ لعمر الله الرجل – يقول: أخجلته- أردُدْ عليه نَعْلَيْهِ، فَقُلْتُ: لا وَاللَّهِ لَا أَرُدَّهُمَا، فقَالَـ: صُلْحٌإني لأرجو أن أسلبه([3]).
    ([1]) صحيح: أخرجه أحمد 3/32، 339- 340، الحاكم 2/624، 625، وصححه وأقره الذهبي.
    ([2]) الجُباجب: جمع جُبجب –بالضم- وهو المستوي من الأرض، وهي ههنا أسماء منازل بمنيً (نهاية).
    ([3]) صحيح: أخرجه ابن إسحاق، في «السيرة» 2/27، 33، أحمد 3/46، 462، ابن جرير الطبري في «تاريخه» 2/90، 93، وقال الألباني في تحقيق «فقه السيرة» (177): هذا سند صحيح.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:42 am

    فأمر النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ أصحابه بالهجرة إلىٰ المدينة، وأقام صلى الله عليه وسلم ينتظر الإذن بالهجرة وحبس معه أبا بكر وعليًا، وقد رأىٰ النبي صلى الله عليه وسلم دار الهجرة في رؤية منامية أراها الله إياه؛ فكان ذلك وحيًا من الله وإيذانًا له صلى الله عليه وسلم بأن يأمر أصحابه بالهجرة لبدء مرحلة جديدة من الجهاد والدعوة في سبيل الله، عسىٰ أن تكون أفضل من سابقتها. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ» –وَهُمَا الْحَرَّتَانِ- فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ وَرَجَعَ عامة مَنْ كَانَ هَاجَرَ بأَرْضِ الْحَبَشَةِ إلىٰ المدينة وَتَجَهَّزَ أبو بَكْرٍ قِبَل المدينة فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «عَلَىٰ رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» فقَالَ أبو بَكْرٍ: وهَلْ تَرْجُوا ذَلِكَ بِأبي أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَحَبَسَ أبو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وهو الخبط أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ([1]). وعَنْ أبي مُوسَىٰ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَىٰ أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلِي إِلَىٰ أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ»([2]). بداية الرحلة إلىٰ المدينة: بدأ الصحابة رضوان الله عليهم في الاستعداد والخروج إلىٰ المدينة المنورة، حيث علموا أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا لهم، إذن منه صلى الله عليه وسلم بالخروج([3]) فخرجوا. فكان أَوَّلُ مَنْ خرج مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَبِلَالٌ، وسعد، وعَمَّارُ بن يَاسِرٍثم خرج عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم([4]). وكان من أوائل المهاجرين أيضًا أبو سلمة وكان لخروجه قصة عجيبة تحكيها السيدة أم سلمة حيث تقول: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلىٰ المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقودُ بي بعيرَه، فلما رأته رجالُ بني الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهْط أبي سَلمَة، فقالوا: لا والله، لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا بنيّ سَلمَة بينهم حتىٰ خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو الْمُغيرَة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلىٰ المدينة. قالت: ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غَدَاة فأجلس بالأبطح فما أزال أبكي حتىٰ أُمْسِي، سنةً أو قريبًا منها، حتىٰ مرّ بي رجلٌ من بني عمّي، أحدُ بني الْمُغيرَة، فرأىٰ ما بي فرحمني، فقال لبني الْمُغِيرَة: ألا تُخْرجون هذه المسكينة! فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين وَلدها! قالت: فقالوا لي: الحَقي بزوجك إن شئتِ. قالت: وردّ بنو عبد الأسد إليّ عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بَعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خَلْقِ الله، قالت: فقلت: أَتبلَّغ بمن لقيت حتىٰ أقْدَم علي زوجي؛ حتىٰ إذا كنت بالتّنْعيم لَقِيتُ عثمانَ بن طلحة بن أبي طلحة، أخا بني عبد الدار؛ فقال لي: إلىٰ أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلت أريد زوجي بالمدينة. قال: أو ما معك أحد؟ قالت: فقلت: لا والله، إلا الله وبُنَيّ هذا. قال: والله مالك من مَتْرك، فأخذ بخطام البعير، وانطلق معي يَهْوِىٰ بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قط، أرىٰ أنه كان أكْرَمَ منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عَنِّي، حتىٰ إذا نزلت استأخر ببعيري، فحطّ عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحىٰ إلىٰ شجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرَّواح قام إلىٰ بعيري فقّدمه فَرَحَلَه، ثم استأخر عَنِّي، وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويتُ علىٰ بعيري أتىٰ فأخذ بخطامه، فقاده، حتىٰ ينزل بي. فلم يزل يصنع ذلك بي حتىٰ أَقْدمني المدينة، فلما نظر إلىٰ قرية بني عمرو بن عوف بُقباء، قال: زوجك في هذه القرية –وكان أبو سلمة نازلاً بها- فادخليها علىٰ بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلىٰ مكة، قال: فكانت تقول: والله ما أعلم أهلَ بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آلَ أبي سَلمَة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة([5]). وتأخر النبي صلى الله عليه وسلم وحبس معه أبا بكر – كما تقدم- وعليًا أيضًا ليؤدي الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يُخشىٰ عليه إلا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته([6]).
    ([1]) صحيح: أخرجه البخاري (3905) كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة، وأحمد 6/198.
    ([2]) صحيح: أخرجه مسلم (2272)، كتاب: الرؤيا، باب: رؤيا النبي.
    ([3]) ولذلك تقول السيدة عائشة في الحديث لما قال لهم النبي: «أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ...» تقول: فهاجر من هاجر قبل المدينة.
    ([4]) صحيح: أخرجه البخاري (3924، 3925)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: مقدم النبي وأصحابه إلىٰ المدينة.
    ([5]) أخرجه ابن إسحاق في «السيرة» 2/44، بسند متصل صرح فيه بالتحديث، قال: حدثني أبي إسحاق ابن يسار، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، عن جدته أم سلمة به، وسلمة بن عبد الله قال عنه ابن حجر في «التقريب»: مقبول، ووثقه ابن حبان.
    ([6]) «سيرة ابن هشام» 2/55.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:43 am

    السنة الأولىٰ من الهجرة
    في ربيع الأول من هذه السنة: هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلىٰ المدينة.
    حيث رد الله تعالىٰ كيد المشركين واستطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج ومعه أبو بكر من مكة متوجهين إلىٰ المدينة لم يرهما أحد. وتعود بداية هذه الرحلة المباركة عندما كان أبو بكر جالسا في بيته وقت الظَّهِيرَةِ قَالَ له قَائِلٌ: هَذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أبي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ عائشة: فَجَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأبي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ»، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ»، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ»، قَالَ أبو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله إِحْدَىٰ رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بِالثَّمَنِ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بنتُ أبي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَىٰ فَمِ الْجِرَابِ فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأبو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عبد الله بن أبي بَكْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّىٰ يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَىٰ عَلَيْهِمَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ مَوْلَىٰ أبي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّىٰ يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ([1]). وفي تلك الأثناء تفطَّن المشركون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قد خرجا فأخذوا يبحثون عنهما في كل مكان حتىٰ وصلوا إلىٰ الْغَارِ وهما فيه، ثم قربوا منه بشدة حتىٰ إن أبا بكر رضي الله عنه سمع صرير أقدامهم حول الغار فرفع رأسه فَإِذَا هو بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ فقال: يَا رسول الله لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا، قَالَ: «اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ اثْنَانِ الله ثَالِثُهُمَا»([2]). ثم اسْتَأْجَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأبو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بني الدِّيلِ وَهُوَ مِنْ بني عبد بن عَدِيٍّ([3]) هَادِيَا خِرِّيتًا – وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بن وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَهُوَ عَلَىٰ دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ([4]). ثم انتظروا حَتَّىٰ قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلَا الطَّرِيقُ لَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ([5]). فانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ([6]). يقول أبو بكر رضي الله عنه: فأَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا كُلَّهَا حَتَّىٰ قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلَا الطَّرِيقُ فَلَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ حَتَّىٰ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدُ فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا فَأَتَيْتُ الصَّخْرَةَ فَسَوَّيْتُ بِيَدِي مَكَانًا يَنَامُ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ظِلِّهَا ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً، ثُمَّ قُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ الله! وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَىٰ الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضْ الضَّرْعَ مِنْ الشَّعَرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَىٰ فَحَلَبَ لِي فِي قَعْبٍ مَعَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، قَالَ: وَمَعِي إِدَاوَةٌ أَرْتَوِي فِيهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ فَوَافَقْتُهُ اسْتَيْقَظَ فَصَبَبْتُ عَلَىٰ اللَّبَنِ مِنْ الْمَاءِ حَتَّىٰ بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله اشْرَبْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَشَرِبَ حَتَّىٰ رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟»، قُلْتُ: بَلَىٰ، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَمَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بن مَالِكٍ، قَالَ: وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنْ الْأَرْضِ([7])، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أُتِينَا فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا»، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَارْتَطَمَتْ – ساخت- فَرَسُهُ إِلَىٰ بَطْنِهَا فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ، أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا الله فَنَجَا([8]). فلما نجا سراقة قصَّ علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار قريش وأنهم جعلوا فيه الدِّيَةَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ منهِمْ ثم عَرَضْ علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم الزَّادَ وَالْمَتَاعَ يقول سراقة: فَلَمْ يَرْزَآنِي، وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَل سراقة النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ فَأَمَرَ عَامِرَ بن فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ([9]). ثم وفىٰ سراقة بما وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم - حيث وعده أن يرد عنهما الطلب- فكان لَا يَلْقَىٰ أَحَدًا إِلَّا قَالَ: قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا ههُنَا فَلَا يَلْقَىٰ أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ([10]). وكان من شأن سراقة أنه كان جالسا فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمه بني مُدْلِجٍ يقول سراقة: فأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّىٰ قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّىٰ أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّىٰ دَنَوْتُ مِنْهُمْ فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَىٰ كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ تُقَرِّبُ بِي حَتَّىٰ إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأبو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّىٰ بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ([11]) سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّىٰ جِئْتُهُمْ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنْ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم([12]). ثم ذكر سراقة رضي الله عنه الحوار الذي دار بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
    ([1]) صحيح: أخرجه البخاري (3905)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة، وأحمد 6/198. لقنٌ ثقِف: أي حسن الاستماع لما يقال، الدلجة: السير أول الليل، المنيحة: الناقة، رسْل: لبن، خريتًا: دليلاً.
    ([2]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3922)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة، مسلم (2381)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر.
    ([3]) هو عبد الله بن أُريقط.
    ([4]) صحيح: أخرجه البخاري (3905)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة، أحمد 6/198.
    ([5]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3917)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة، مسلم (2009)، كتاب: الزهد، باب: في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل.
    ([6]) صحيح: أخرجه البخاري (3905)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة، أحمد 6/198.
    ([7]) أرض جلْدة: أي أرض صُلبة. (النهاية).
    ([8]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3917)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة، مسلم (2009)، كتاب: الزهد والرقائق، باب: في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل.
    ([9]) صحيح: أخرجه البخاري (3906)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة.
    ([10]) متفق عليه: انظر: التخريج قبل السابق.
    ([11]) دخان.
    ([12]) صحيح: أخرجه البخاري (3906)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:43 am

    ثم مضىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقي في الطريق الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارًا قافلين من الشام فكسا الزبيرُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض. ومرَّ النبيُ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ومولىٰ أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط علىٰ خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ثم تسقي وتطعم فسألوها لحمًا وتمرًا ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئًا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىٰ شاة في كسر الخيمة فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد» قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم قال: «هل بها من لبن» قالت: هي أجهد من ذلك، قال: «أتأذنين لي أن أحلبها» قالت: بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبًا فاحلبها، فدعا بها رسول اللهصلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وسمىٰ الله تعالىٰ ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت فاجترت فدعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجًا حتىٰ علاه البهاء، ثم سقاها حتىٰ رويت وسقىٰ أصحابه حتىٰ رووا وشرب آخرهم حتىٰ أراضوا ثم حلب فيه الثانية علىٰ هدة حتىٰ ملأ الإناء، ثم غادره عندها ثم بايعها وارتحلوا عنها، فقل ما لبثت حتىٰ جاءها زوجها أبو معبد يسوق أعنزًا عجافًا يتساوكن هزالاً مخهن قليل، فلما رأىٰ أبو معبد اللبن أعجبه، قال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حائل ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال: صفيه لي يا أم معبد ، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزريه صعلة وسيم قسيم، في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صهل وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأباه من بعيد وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق فصلاً لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا تشنأه من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفون به إن قال سمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلىٰ أمره، محفود محشود لا عابس ولا مفند، قال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلىٰ ذلك سبيلاً، وأصبح صوت بمكة عاليًا يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
    جزىٰ الله رب الناس خير جزائه


    رفيقين حلا خيمتي أم معبد

    هما نزلاها بالهدىٰ واهتدت به


    فقد فاز من أمسىٰ رفيق محمد

    فيا لـقصي ما زوىٰ الله عنكم


    به من فعال لا تجازىٰ وسؤدد

    ليهن أبا بكر سعادة جده


    بصحبته من يسعد الله يسعد

    وليهن بني كعب مقام فتاتهم


    ومقعدها للمؤمنين بمرصد

    سلوا أختكم عن شاتها وإنائها


    فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

    ودعاها بشاة حائل فتحلبت


    عليه صريًا ضرة الشاة مزبد

    فغادره رهنًا لديها لحالب


    يرددها في مصدر بعد مورد([1])


    ثم مضىٰ النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر فَالْتَفَتَ أبو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بنا فَالْتَفَتَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ» فَصَرَعَهُ الْفَرَسُ ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ([2])، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله مُرْنِي بِمَا شِئْتَ قَالَ: «فَقِفْ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بنا» قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَىٰ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ([3]). وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أشرف علىٰ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأبو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ وَنَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم شَابٌّ لَا يُعْرَفُ([4]) قَالَ: فَيَلْقَىٰ الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ، فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، قَالَ: فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ([5]). وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَىٰ الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّىٰ يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فَلَمَّا أَوَوْا إِلَىٰ بُيُوتِهِمْ أَوْفَىٰ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَىٰ أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ([6]) لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ([7]) يَزُولُ بِهِمْ السَّرَابُ([8]) فَلَمْ يَمْلِكْ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَىٰ صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ([9]) فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَىٰ السِّلَاحِ فَتَلَقَّوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِ الْحَرَّةِ([10]).
    ([1]) حسن: الحاكم 3/9، 10، وحسنه الألباني، تخريج «فقه السيرة» (179).
    ([2]) الحمحمة: صوت الفرس دون الصهيل (نهاية).
    ([3]) صحيح: أخرجه البخاري (3911)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلىٰ المدينة، وقيل: هذا الفارس هو سراقة بن مالك فالقصة واحدة. والله أعلم.
    ([4]) أي من حيث الشيب، فالشيب كان قد دخل علىٰ أبي بكر دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الأكبر سنًا- يظهر كأنه شاب.
    ([5]) الحديث السابق.
    ([6]) الأطم: الحصن.
    ([7]) أي عليهم الثياب البيض.
    ([8]) قيل معناه ظهرت حركتهم للعين «فتح الباري».
    ([9]) جدكم: بفتح الجيم أي حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه (فتح).
    ([10]) صحيح: أخرجه البخاري (3906)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلىٰ المدينة.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:44 am

    ثم عَدَلَ النبي صلى الله عليه وسلم بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّىٰ نَزَلَ بِهِمْ فِي بني عَمْرِو بن عَوْفٍ([1]) وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أبو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَامِتًا فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّىٰ أَصَابَتْ الشَّمْسُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ أبو بَكْرٍ حَتَّىٰ ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ فَلَبِثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي بني عَمْرِو بن عَوْفٍ أربع عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَىٰ التَّقْوَىٰ وَصَلَّىٰ فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم([2]). وصلىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة حين ارتحل من قباء إلىٰ المدينة، صلاها في طريقه ببني سالم، وهي أول جمعة صلاها وأول خطبة خطبها في الإسلام؛ حيث مكث النبي صلى الله عليه وسلم-كما تقدم- بقباء أربعة عشر يومًا بنىٰ خلالها مسجد قباء، ثم أراد النبي صلى الله عليه وسلم دخول المدينة المنورة، فخرج من بين أظهرهم يوم الجمعة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة([3]). و كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل إلىٰ بني النجار لما عقد العزم علىٰ التحرك من قباء إلىٰ المدينة فجاءوه متقلدي سيوفهم، حرسًا له صلى الله عليه وسلم. فلما أشرف حبيبنا صلى الله عليه وسلم علىٰ المدينة ليلاً استقبله أهلها استقبالاً حافلاً، وفرحوا بمقدمه عليهم ما لم يفرحوا بشيء مثله قط. يقول أنس بن مالك: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ لَعِبَتْ الْحَبَشَةُ لَقُدُومِهِ فَرَحًا بِذَلِكَ، لَعِبُوا بِحِرَابِهِمْ([4]) ويقول أَنَسُ بن مَالِكٍ: فأقام فيهم – أي: في بني عَمْرِو بن عَوْفٍ- أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَىٰ مَلَإِ بني النَّجَّارِ، قَالَ: فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ، قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَىٰ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ رَاحِلَتِهِ وَأبو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلَأُ بني النَّجَّارِ حَوْلَهُ([5])، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ الله، جَاءَ نَبِيُّ الله([6]). فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَسُولُ الله فَقَالَ: «أَنْزِلُ عَلَىٰ بني النَّجَّارِ أَخْوَالِ عبد الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ» فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ وَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ فِي الطُّرُقِ يُنَادُونَ يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله، يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله([7])، فَقَالَ النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟»، فَقَالَ أبو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ الله هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا»، قَالَ: قُومَا عَلَىٰ بَرَكَةِ الله([8]). فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في دار الصحابي الجليل خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فِي السُّفْلِ، وَأبو أَيُّوبَ فِي الْعِلْوِ، فَانْتَبَهَ أبو أَيُّوبَ لَيْلَةً فَقَالَ: نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَتَنَحَّوْا فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «السُّفْلُ أَرْفَقُ»، فَقَالَ: لَا أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا، فَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُلُوِّ، وَأبو أَيُّوبَ فِي السُّفْلِ، فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهُ لَمْ يَأْكُلْ، فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ» قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ أَوْ مَا كَرِهْتَ. قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَىٰ([9]).
    ([1]) ومنازلهم بقباء، وهي علىٰ فرسخ من المسجد النبوي بالمدينة. والفرسخ: يزيد علىٰ 5كم.
    ([2]) الحديث السابق.
    ([3]) انظر: «سيرة ابن هشام» 2/62.
    ([4]) صحيح الإسناد: أخرجه أبو داود (4923)، كتاب: الآداب، باب: في النهي عن الغناء، قال الألباني: صحيح الإسناد.
    ([5]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3932)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة، مسلم (524)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: ابتناء مسجد النبي.
    ([6]) متفق عليه: واللفظ للبخاري (3911)، وهو في مسلم (524).
    ([7]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3917)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة، مسلم (2009)، كتاب: الزهد والرقائق، باب: في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل عن البراء، واللفظ لمسلم.
    ([8]) انظر التخريج قبل السابق.
    ([9]) صحيح: أخرجه مسلم (2053)، كتاب: الأشربة، باب: إباحة أكل الثوم، وأنه ينبغي لمن أراد خطاب الكبار تركه. وكذا ما في معناه، وأخرجه أحمد 5/415. قوله: وكان النبي يُؤتىٰ، أي يأتيه جبريل، فكره النبي أكل الثوم حتىٰ لا يؤذيه برائحته.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:44 am

    وحينما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان راكبًا رَاحِلَتَهُ سَارَ بها حَتَّىٰ بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بن زُرَارَةَ فَقَالَ رَسُولُ الله حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ الله الْمَنْزِلُ»، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَا: لَا بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ الله فَأَبَىٰ رَسُولُ الله أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّىٰ ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ بناهُ مَسْجِدًا وَطَفِقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بنيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
    هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ


    هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ


    وَيَقُولُ:
    اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ


    فَارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ([1])


    وكانت في هذه الأرض التي بنىٰ عليها المسجد قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ فَأَمَرَ رَسُولُ الله بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً([2]). وكَانَ النبي صلى الله عليه وسلم قبل بناء المسجد يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ([3]). صفة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: يقول عبد الله بن عمر: كان الْمَسْجِدَ عَلَىٰ عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ. فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أبو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَىٰ بنيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَىٰ جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ([4]) وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ([5]).
    ([1]) صحيح: أخرجه البخاري (3906)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلىٰ المدينة.
    ([2]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3932)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلىٰ المدينة، مسلم (524)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
    ([3]) التخريج السابق.
    ([4]) القَصَّةُّ: الجير المحروق.
    ([5]) صحيح: أخرجه البخاري (446)، كتاب: الصلاة، باب: بنيان المسجد. الساج: نوع من الخشب يُؤتىٰ به من الهند. وفعْلُ عثمان لا يقتضي الزخرفة إنما هو قام بتحسين المسجد فقط، وإلا فزخرفة المساجد وتشييدها والتباهي بها قد أتىٰ النهي عنه من قِبل النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة. ويكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود (448)، وصححه الألباني: «ما أمرتُ بتشييد المساجد» قال ابن عباس: لتُزخْرفنها كما زخرفت اليهود والنصارىٰ.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:44 am

    وفي هذه السنة وهي السنة الأولى من الهجرة: أسلم حبر اليهود عبد الله بن سلام رضي الله عنه ويحكي عبد الله بن سلام رضي الله عنه بداية دخول الإسلام قلبه فيقول رضي الله عنه: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»([1]). ثم أراد عبد الله بن سلام أن يتيقن من أمر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ، مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَىٰ أَبِيهِ أَوْ إِلَىٰ أُمِّهِ؟ فقَالَ: «أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا»، قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: «أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَىٰ الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ([2])، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ» قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، قَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّ رَجُلٍ عبد الله بن سَلَامٍ فِيكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عبد الله بن سَلَامٍ؟» قَالُوا: أَعَاذَهُ الله مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عبد الله، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ الله([3]).
    ([1]) صحيح: أخرجه أحمد 5/451، الترمذي (2485)، ابن ماجه (1334)، الحاكم 4/159، ابن أبي شيبة 8/536، وصححه الألباني في «صحيح سنن الترمذي».
    ([2]) زيادة كبد الحوت: هي القطعة الزائدة التي تكون معلقة في الكبد، وهي من ألذ الطعام.
    ([3]) صحيح: أخرجه البخاري (3938)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم امض لأصحابي هجرتهم» ومرْثيه لمن مات بمكة، أحمد 3/108، 189، وعبد بن حميد (1389).
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:44 am

    وفيها: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ بناته وزوجته سودة بنت زمعة زيد بن حارثة، وأبا رافع فحملاهنَّ من مكة إلىٰ المدينة ما عدا زينب.
    وفيها: هاجر آل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
    ولما رجع عبد الله بن أريقط الديلي إلىٰ مكة بعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، زيد بن حارثه وأبا رافع مولىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليأتوا بأهاليهم من مكة، وبعثا معهم بحملين وخمسمائة درهم ليشتروا بها إبلاً من قُدَيْد، فذهبوا فجاءوا ببنتي النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وأم كلثوم، وزوجتيه سودة وعائشة، وأمها أم رومان وأهل النبي وآل أبي بكر، صحبة عبد الله بن أبي بكر([1]).
    وفي ربيع الآخر من هذه السنة: زِيْدَ في صلاة الحضر ركعتان وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين.
    عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: فَرَضَ الله الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ([2]). قال ابن جرير رحمه الله: وفي هذه السنة – يعني: السنة الأولىٰ من الهجرة- زِيْدَ في صلاة الحضر – فيما قيل- ركعتان، وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين، وذلك بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر ربيع الآخر لمضيِّ اثنتيْ عشرة ليلة منه([3]).
    وفيها: ولد عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وهو أول مولود للمهاجرين في الإسلام.
    عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعبد الله بن الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ([4]) فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ([5]). وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ عبد الله بن الزُّبَيْرِ، أَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً فَلَاكَهَا([6])، ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، فَأَوَّلُ مَا دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ النَّبِيِّ ([7]).
    وفيها: ولد النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو أول مولد للأنصار بعد الهجرة.
    قال ابن كثير رحمه الله: فكان أول مولود ولد في الإسلام – يعني: عبد الله بن الزبير- من المهاجرين، كما أن النعمان بن بشير أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة ([8]).
    وفيها: تُوفِّي من الصحابة كُلْثوم بن الهدم، وأسعد بن زرارة رضي الله عنهما.
    قال ابن جرير رحمه الله: كان أول من توفي بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة من المسلمين – فيما ذُكر- صاحب منزلهِ كلثوم بن الهدم، لم يلبث بعد مقدمه إلا يسيرًا حتىٰ مات، ثم توفي بعده أسعد بن زرارة، وكانت وفاته في سنة مقدمه، قبل أن يَفْرَغَ بناءُ المسجد، بالذُّبحة أو الشهقة([9]).
    ([1]) «البداية والنهاية» 3/234.
    ([2]) متفق عليه: أخرجه البخاري (350)، كتاب: الصلاة، باب: كيف فُرضت الصلوات في الإسراء، مسلم (685)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين وقصرها.
    ([3]) نقلاً عن «البداية والنهاية» 3/245.
    ([4]) أي مُقربٌ قد دنا وضعُها لولدها.
    ([5]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3909)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة، مسلم (2146)، كتاب: الآداب، باب: استحباب تحنيك المولود عند ولادته.
    ([6]) أي: مضغها.
    ([7]) صحيح: أخرجه البخاري (3910)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي وأصحابه إلىٰ المدينة.
    ([8]) «البداية والنهاية» 3/243.
    ([9]) «تاريخ الطبري» 2/8. قوله: صاحبُ منزله، حيث قيل أن النبي لما نزل بقباء نزل بمنزله.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    السيرة النبوية الشريفة [كاملة] Empty رد: السيرة النبوية الشريفة [كاملة]

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة أبريل 12, 2013 6:45 am

    وفيها: شرع الأذان.
    فلما اطمأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين، واجتمع أمر الأنصار، استحكم أمر الإسلام، فقامت الصلاة، وفرضت الزكاة والصيام، وقامت الحدود، وفرض الحلال والحرام، وتبوأ الإسلام بين أظهرهم، وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين قدمها- إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها، بغير دعوة، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- حين قدمها- أن يجعل بوقًا كبوق يهود الذي يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس، فنُحت يُضرب به للمسلمين للصلاة، فبينما هم علىٰ ذلك إذ رأىٰ عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه، أخو بلحارث ابن الخزرج، النداء([1]). عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلمبالناقوس يُعْمل ليُضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي – وأنا نائم- رجل يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله! أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعوا به إلىٰ الصلاة، قال: أفلا أدلك علىٰ ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلىٰ، فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أنَّ محمدا رسول الله، حي علىٰ الصلاة، حي علىٰ الصلاة، حي علىٰ الفلاح، حي علىٰ الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، حي علىٰ الصلاة، حي الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحتُ، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بما رأيت، فقال: «إنها لرؤيا حقٍ إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذنْ به فإنه أندىٰ صوتًا منك». فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته، فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما أُريَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلله الحمد»([2]).
    ([1]) «سيرة ابن هشام» 2/70، 71.
    ([2]) صحيح: أخرجه أبو داود (499)، كتاب: الصلاة، باب: كيف الأذان، الترمذي (189)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في بَدْء الأذان، ابن ماجه (706)، كتاب: الأذان والسنة فيها، باب: بدء الأذان، وقال الألباني في «صحيح سنن أبي داود»: حسن صحيح.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 7:37 pm