كتاب العين
أولاً: صاحبه:
هو الخليل بن أحمد اليحمدي الأزدي الفراهيدي.
وهو من أصل عربي، ولد في عُمان على الخليج العربي سنة100هـ، ونشأ في البصرة، وعرف بالبصري، وتلقى على أيدي كبار علمائها من أمثال أبي عمرو بن العلاء، وأيوب، وعاصم الأحول، كما تصدى للتدريس بمجالس البصرة، فتتلمذ على يديه كثير من أفاضل العلماء كالنْضر بن شميل، والأصمعي، وسيبويه.
وكان ذا ديانة، وعفاف وصيانة، وجود وزهد، وقناعة، وسماحة نفس.
وكان ذا عقلية جبارة، وموهبة فذة مبتكرة.
ولم يقف علمه عند اللغة فحسب، بل تفوق في علوم الشريعة وغيرها.
أثنى عليه العلماء، وأقروا بفضله، ونبوغه، وعبقريته.
قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "من أحب أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك - فلينظر إلى الخليل بن أحمد".
وقال حمزة الأصبهاني -رحمه الله-: "لم يكن للمسلمين أذكى عقلاً من الخليل".
كما أعجب به كثير من المستشرقين الذين اعترفوا بفضله، ونبوغه.
ثانياً: الاهتمام بكتاب العين وخلاصة الآراء حوله:
اهتم العلماء بكتاب العين، وكثر الجدال والخلاف حوله خصوصاً من ناحية تأليفه ومؤلفه؛ فمنذ عصر الخليل إلى عصرنا هذا والخلاف حوله كثير جداً.
ويكاد الخلاف في هذه المسألة يتلخص في الآراء التالية:
1- أن الخليل لم يؤلف كتاب العين، ولا صلة له به، وممن قال بذلك أبو علي القالي، وأستاذه أبو حاتم.
2- أن الخليل لم يضع نص كتاب العين، ولكنه صاحب الفكرة في تأليفه، فزعموا أن الفكرة للخليل، والتنفيذ لتلميذه الليث بن المظفر بن نصر الخراساني.
وأول من قال بذلك: الأزهري صاحب التهذيب.
3- أن الخليل لم ينفرد بتأليف كتاب العين، ولكن كان لغيره عون في ذلك؛ حيث مال أغلبهم إلى أن الليث هو الذي ساعد في إتمام الكتاب.
ولكن أصحاب هذا الرأي يختلفون فيما بينهم في تفسير اشتراك الليث مع الخليل، وإلى أي مدى عاون الليث في تأليف الكتاب؛ فمنهم من قال: إن الليث أعاد وضع الكتاب، وينسب ذلك إلى ابن المعتز، ومنهم من قال: الخليل وضعه والليث أكمله، وينسب هذا إلى أبي الطيب اللغوي.
4- أن الخليل عمل من كتاب العين أصوله، ورتب أبوابه، وصنف مواده، ولكن غيره حشا المفردات.
5- أن الخليل عمل كتاب العين، بمعنى أنه ألفه، وروي عنه.
ومن أشهر من قال بهذا ابن دريد، وابن فارس، والسيوطي، والمستشرق براونلتش.
قال ابن دريد -رحمه الله- في مقدمة الجمهرة: "وقد ألف أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفرهودي كتاب العين، فأتعب من تصدى لغايته، وعنَّى من سما إلى نهايته".
وقال ابن فارس -رحمه الله- في مقدمة كتابه المقاييس حينما تحدث عن مصادر كتابه: "فأعلاها وأشرفها كتاب أبي عبدالرحمن الخليل بن أحمد المسمى كتاب العين".
وقال السيوطي -رحمه الله-: "أول من صنف في جمع اللغة الخليل بن أحمد ألف في ذلك كتاب العين المشهور".
وأما المستشرق براونلتش فقد توصل بعد طول دراسة وتأمل إلى أن الكتاب للخليل، وبين سبباً لهذا وهو أن جُلَّ من تكلموا على العين اتفقوا على أن التنظيم والترتيب من صنع الخليل، وهذا هو جوهر المسألة، وهو المعنى بكلمة التأليف، أما الإضافة والحذف فلا تؤثر في كون الخليل مؤلف الكتاب.
وأضاف -أيضاً إلى هذا- أن تلميذه الليث قد قام بنصيب كبير في نقل االكتاب عن الخليل، وربما أثبت فيه أشياء بعد أن استأذن الخليل في ذلك.
وانتهى من هذا إلى أن الخليل هو المؤلف، وأن المخرج للكتاب هو الليث.
"الرأي الراجح"
لعل الرأي الراجح الصحيح هو أن الخليل هو واضع كتاب العين كما نص على ذلك صراحة ابن دريد، وابن فارس، والسيوطي وغيرهم.
وأما ما وجد فيه من أشياء لا يمكن نسبتها إلى الخليل، مثل التصحيف أو التحريف أو مسائل لا تسير وفق مذهبه البصري، أو حكايات عن المتأخرين عنه، أو المعاصرين له فذلك كله إنما هو من عمل النساخ، أو غيرهم من قد يتعمدون ذلك.
ثم إن الآراء الأخرى أغلبها استنتاجي يعتمد فقط على الرواية دون النظر إلى وقائع الأمور.
ثالثاً: المنهج الذي سار عليه الخليل في كتاب العين:
يمكن إيجاز المنهج الذي سار عليه الخليل في كتاب العين على النحو التالي:
1- اتبع نظام التقليبات الصوتية وبدأ بأبعد الحروف مخرجاً: حيث رتب المواد على أساس مخارج الحروف - كما مر- فبدأ بأبعدها مخرجاً وهي الحلقية( ع ح هـ خ غ)، ثم حروف أقصى اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى (ق ك)، ثم وسط اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى (ج ش)، ثم حرف الضاد على اختلاف في مخرجه (ض)، ثم طرف اللسان مع أطراف الثنايا السفلى (ص س ز)، ثم مع أصول الثنايا العليا( ط د ت)، ثم مع أطراف الثنايا العليا (ظ ذ ث)، ثم مع اللثة العليا (ر ل ن)، ثم حروف الشفتين (ف ب م)، وأخيراً الحروف الجوفية (و ا ي).
وقد سمى كل حرف منها كتاباً، وسمى المعجم كله بأول حرف بدأ به، وهو العين.
قال السيوطي -رحمه الله-: "فائدة: ترتيب كتاب العين ليس على الترتيب المعهود الآن في الحروف، وقد أكثر الأدباء من نظم الأبيات في ترتيبه؛ من ذلك قول أبي الفرج سلمة بن عبد الله بن لادن المعافِري الجزيري:
يا سائلي عن حروف العين دونكها في رتبة ضمها وزنٌ وإحْصاء
العين والحاء ثم الهاء والخاء والغين والقاف ثم الكاف أكْفاء
والجيم والشين ثم الضادُ يتبعها صاد وسين وزاي بعدها طاء
والدال والتاء ثم الطاء متَّصل بالظاء ذال وثاء بعدها راء
واللام والنون ثم الفاء والباء والميم والواو والمهموز والياء
2- جمع الكلمات المكونة من حروف واحدة في موضع واحد، واتبع فيها نظام التقليبات -كما مر- .
3- لاحظ الأبنية حسب مقدار حروف الكلمة؛ حيث يبدأ بالثنائي، ثم الثلاثي، ثم الرباعي، ثم الخماسي.
4- أرجع الكلمة إلى حروفها الأصلية وذلك بتجريدها من الزوائد، وإرجاعِ المعتل إلى أصله، مثال ذلك: استغفر تكون: غفر، وقال: قول، وباع: بيع وهكذا. . .
5- استشهد بالكتاب، والسنة، كما استشهد بالمأثور من كلام العرب، ونادراً ما يَنْسِب ما يَذْكُر.
6- ينبه على المهمل والمستعمل في بداية كل مادة وتقليباتها مثال ذلك: باب العين والكاف، والدال، عكد، دعك، دكع، مستعملات، عدك كدع، كعد مهملات.
رابعاً: المآخذ على كتاب العين:
1- استشهاده بشعر بعض المُحدثين، واحتواؤه على حكايات عن بعض المتأخرين الذين جاؤوا بعد وفاة الخليل كأبي إسحاق الزجاج، وكراع النمل وغيرهما.
2- خلطه بعض المواد الرباعية الخماسية.
3- احتواؤه على كثير من التصحيفات التي لا تليق بالخليل.
4- بناء المعجم على أساس صوتي، وذكر المادة وتقليباتها في موضع واحد؛ فهذا يجعل البحث عن الكلمات صعباً؛ إذ لا بد من معرفة مخارج الأصوات، ومعرفة التقليبات لمن يريد الكشف في العين عن معنى كلمة حتى يسهل عليه ذلك.
وهذا من أكبر الأسباب التي قللت من الاستفادة من مثل هذا المعجم.
وقد طبع المعجم طبعة جديدة صدرت عن دار الكتب العربية بيروت لبنان1424هـ ، وترتيب وتحقيق د. عبدالحميد هنداوي.
وهذه الطبعة رتَّبت المعجم ترتيباً أبجدياً عادياً؛ فلعل فيه تسهيلاً وتيسيراً.
5- أما ما في العين من آراء نحوية إنما هو على مذهب الكوفيين، وبخلاف مذهب البصريين.
مع أن مذهب الخليل كان يتبع المذهب البصري.
6-أخذ بعض العلماء على الخليل إنفراده بكثير من الألفاظ، مثل قوله: التاسوعاء: اليوم التاسع من المحرم، وقد استدرك ذلك عليه الزبيدي بقوله: "لم أسمع بالتاسوعاء، وأهل العلم مختلفون في عاشوراء، فمنهم من قال: إنه اليوم العاشر من المحرم، ومنهم من قال: إنه اليوم التاسع".
ودافع السيوطي عن ذلك بقوله: "إن الانفراد أمر طبيعي، وحكمه القبول إن كان المنفرد به من أهل الضبط والإتقان كأبي زيد، والخليل، والأصمعي".
7- اشتمل كتاب العين على أخطاء صرفية واشتقاقية كقوله: "ليس في الكلام نون أصلية في صدر الكلمة".
قال الزبيدي في استدراكه: "جاءت كثيراً نحو: نهشل، ونعنع".
هذه جملة من المآخذ على كتاب العين، وقد اعتذر له كثير من الباحثين والمنصفين.
يقول الدكتور أمين فاخر: "ويبدو أن هذه المآخذ يرجع معظمها إلى عمل النساخ الذين خلطوا بين متن الكتاب الذي هو للخليل، وبين الهوامش التي وضعها بعض المتأخرين من تلاميذ الخليل حينما رأوا أن يدونوا ملاحظاتهم على الكتاب)".
وقال السيوطي -رحمه الله-: "وقد طالعته إلى آخره، فرأيت وجه التخطئة فيما خُطِّئ به غالبُه من جهة التصريف والاشتقاق؛ كذكر حرفٍ مزيد في مادة أصلية، أو مادة ثلاثية في مادة رباعية ونحو ذلك، وبعضُه ادعى فيه التصحيف، وأما أنه يُخَطأ في لفظه من حيث اللغة بأن يقال: هذه اللفظة كذب، أو لا تعرف فمعاذ الله لم يقع ذلك.
وحينئذ لا قدح في كتاب العين؛ لأن الأولَ الإنكارُ فيه راجع إلى الترتيب والوضْعِ في التأليف، وهذا أمر هين؛ لأن حاصله أن يقال: الأولى نقل هذه اللفظة من هذا الباب وإيرادها في هذا الباب.
وهذا أمر سهل، وإن كان مقام الخليل ينزه عن ارتكاب مثل ذلك، إلا أنه لا يمنع الوثوق بالكتاب، والاعتماد عليه في نقل اللغة.
والثاني إن سُلِّم فيه ما ادعي من التصحيف يقال ما قالته الأئمة: ومن ذا الذي سلم من التصحيف؟ كما سيأتي في النوع الثالث والأربعين مع أنه قليل جداً".
وهكذا يتبين لنا من خلال ما مضى منزلة كتاب العين، وأن المآخذ عليه - إذا وجدت - لا تنقص من قيمته، ويكفيه فخراً أنه أول معجم لغوي شامل في العربية.
===============
دعوة الإسلام
أولاً: صاحبه:
هو الخليل بن أحمد اليحمدي الأزدي الفراهيدي.
وهو من أصل عربي، ولد في عُمان على الخليج العربي سنة100هـ، ونشأ في البصرة، وعرف بالبصري، وتلقى على أيدي كبار علمائها من أمثال أبي عمرو بن العلاء، وأيوب، وعاصم الأحول، كما تصدى للتدريس بمجالس البصرة، فتتلمذ على يديه كثير من أفاضل العلماء كالنْضر بن شميل، والأصمعي، وسيبويه.
وكان ذا ديانة، وعفاف وصيانة، وجود وزهد، وقناعة، وسماحة نفس.
وكان ذا عقلية جبارة، وموهبة فذة مبتكرة.
ولم يقف علمه عند اللغة فحسب، بل تفوق في علوم الشريعة وغيرها.
أثنى عليه العلماء، وأقروا بفضله، ونبوغه، وعبقريته.
قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "من أحب أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك - فلينظر إلى الخليل بن أحمد".
وقال حمزة الأصبهاني -رحمه الله-: "لم يكن للمسلمين أذكى عقلاً من الخليل".
كما أعجب به كثير من المستشرقين الذين اعترفوا بفضله، ونبوغه.
ثانياً: الاهتمام بكتاب العين وخلاصة الآراء حوله:
اهتم العلماء بكتاب العين، وكثر الجدال والخلاف حوله خصوصاً من ناحية تأليفه ومؤلفه؛ فمنذ عصر الخليل إلى عصرنا هذا والخلاف حوله كثير جداً.
ويكاد الخلاف في هذه المسألة يتلخص في الآراء التالية:
1- أن الخليل لم يؤلف كتاب العين، ولا صلة له به، وممن قال بذلك أبو علي القالي، وأستاذه أبو حاتم.
2- أن الخليل لم يضع نص كتاب العين، ولكنه صاحب الفكرة في تأليفه، فزعموا أن الفكرة للخليل، والتنفيذ لتلميذه الليث بن المظفر بن نصر الخراساني.
وأول من قال بذلك: الأزهري صاحب التهذيب.
3- أن الخليل لم ينفرد بتأليف كتاب العين، ولكن كان لغيره عون في ذلك؛ حيث مال أغلبهم إلى أن الليث هو الذي ساعد في إتمام الكتاب.
ولكن أصحاب هذا الرأي يختلفون فيما بينهم في تفسير اشتراك الليث مع الخليل، وإلى أي مدى عاون الليث في تأليف الكتاب؛ فمنهم من قال: إن الليث أعاد وضع الكتاب، وينسب ذلك إلى ابن المعتز، ومنهم من قال: الخليل وضعه والليث أكمله، وينسب هذا إلى أبي الطيب اللغوي.
4- أن الخليل عمل من كتاب العين أصوله، ورتب أبوابه، وصنف مواده، ولكن غيره حشا المفردات.
5- أن الخليل عمل كتاب العين، بمعنى أنه ألفه، وروي عنه.
ومن أشهر من قال بهذا ابن دريد، وابن فارس، والسيوطي، والمستشرق براونلتش.
قال ابن دريد -رحمه الله- في مقدمة الجمهرة: "وقد ألف أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفرهودي كتاب العين، فأتعب من تصدى لغايته، وعنَّى من سما إلى نهايته".
وقال ابن فارس -رحمه الله- في مقدمة كتابه المقاييس حينما تحدث عن مصادر كتابه: "فأعلاها وأشرفها كتاب أبي عبدالرحمن الخليل بن أحمد المسمى كتاب العين".
وقال السيوطي -رحمه الله-: "أول من صنف في جمع اللغة الخليل بن أحمد ألف في ذلك كتاب العين المشهور".
وأما المستشرق براونلتش فقد توصل بعد طول دراسة وتأمل إلى أن الكتاب للخليل، وبين سبباً لهذا وهو أن جُلَّ من تكلموا على العين اتفقوا على أن التنظيم والترتيب من صنع الخليل، وهذا هو جوهر المسألة، وهو المعنى بكلمة التأليف، أما الإضافة والحذف فلا تؤثر في كون الخليل مؤلف الكتاب.
وأضاف -أيضاً إلى هذا- أن تلميذه الليث قد قام بنصيب كبير في نقل االكتاب عن الخليل، وربما أثبت فيه أشياء بعد أن استأذن الخليل في ذلك.
وانتهى من هذا إلى أن الخليل هو المؤلف، وأن المخرج للكتاب هو الليث.
"الرأي الراجح"
لعل الرأي الراجح الصحيح هو أن الخليل هو واضع كتاب العين كما نص على ذلك صراحة ابن دريد، وابن فارس، والسيوطي وغيرهم.
وأما ما وجد فيه من أشياء لا يمكن نسبتها إلى الخليل، مثل التصحيف أو التحريف أو مسائل لا تسير وفق مذهبه البصري، أو حكايات عن المتأخرين عنه، أو المعاصرين له فذلك كله إنما هو من عمل النساخ، أو غيرهم من قد يتعمدون ذلك.
ثم إن الآراء الأخرى أغلبها استنتاجي يعتمد فقط على الرواية دون النظر إلى وقائع الأمور.
ثالثاً: المنهج الذي سار عليه الخليل في كتاب العين:
يمكن إيجاز المنهج الذي سار عليه الخليل في كتاب العين على النحو التالي:
1- اتبع نظام التقليبات الصوتية وبدأ بأبعد الحروف مخرجاً: حيث رتب المواد على أساس مخارج الحروف - كما مر- فبدأ بأبعدها مخرجاً وهي الحلقية( ع ح هـ خ غ)، ثم حروف أقصى اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى (ق ك)، ثم وسط اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى (ج ش)، ثم حرف الضاد على اختلاف في مخرجه (ض)، ثم طرف اللسان مع أطراف الثنايا السفلى (ص س ز)، ثم مع أصول الثنايا العليا( ط د ت)، ثم مع أطراف الثنايا العليا (ظ ذ ث)، ثم مع اللثة العليا (ر ل ن)، ثم حروف الشفتين (ف ب م)، وأخيراً الحروف الجوفية (و ا ي).
وقد سمى كل حرف منها كتاباً، وسمى المعجم كله بأول حرف بدأ به، وهو العين.
قال السيوطي -رحمه الله-: "فائدة: ترتيب كتاب العين ليس على الترتيب المعهود الآن في الحروف، وقد أكثر الأدباء من نظم الأبيات في ترتيبه؛ من ذلك قول أبي الفرج سلمة بن عبد الله بن لادن المعافِري الجزيري:
يا سائلي عن حروف العين دونكها في رتبة ضمها وزنٌ وإحْصاء
العين والحاء ثم الهاء والخاء والغين والقاف ثم الكاف أكْفاء
والجيم والشين ثم الضادُ يتبعها صاد وسين وزاي بعدها طاء
والدال والتاء ثم الطاء متَّصل بالظاء ذال وثاء بعدها راء
واللام والنون ثم الفاء والباء والميم والواو والمهموز والياء
2- جمع الكلمات المكونة من حروف واحدة في موضع واحد، واتبع فيها نظام التقليبات -كما مر- .
3- لاحظ الأبنية حسب مقدار حروف الكلمة؛ حيث يبدأ بالثنائي، ثم الثلاثي، ثم الرباعي، ثم الخماسي.
4- أرجع الكلمة إلى حروفها الأصلية وذلك بتجريدها من الزوائد، وإرجاعِ المعتل إلى أصله، مثال ذلك: استغفر تكون: غفر، وقال: قول، وباع: بيع وهكذا. . .
5- استشهد بالكتاب، والسنة، كما استشهد بالمأثور من كلام العرب، ونادراً ما يَنْسِب ما يَذْكُر.
6- ينبه على المهمل والمستعمل في بداية كل مادة وتقليباتها مثال ذلك: باب العين والكاف، والدال، عكد، دعك، دكع، مستعملات، عدك كدع، كعد مهملات.
رابعاً: المآخذ على كتاب العين:
1- استشهاده بشعر بعض المُحدثين، واحتواؤه على حكايات عن بعض المتأخرين الذين جاؤوا بعد وفاة الخليل كأبي إسحاق الزجاج، وكراع النمل وغيرهما.
2- خلطه بعض المواد الرباعية الخماسية.
3- احتواؤه على كثير من التصحيفات التي لا تليق بالخليل.
4- بناء المعجم على أساس صوتي، وذكر المادة وتقليباتها في موضع واحد؛ فهذا يجعل البحث عن الكلمات صعباً؛ إذ لا بد من معرفة مخارج الأصوات، ومعرفة التقليبات لمن يريد الكشف في العين عن معنى كلمة حتى يسهل عليه ذلك.
وهذا من أكبر الأسباب التي قللت من الاستفادة من مثل هذا المعجم.
وقد طبع المعجم طبعة جديدة صدرت عن دار الكتب العربية بيروت لبنان1424هـ ، وترتيب وتحقيق د. عبدالحميد هنداوي.
وهذه الطبعة رتَّبت المعجم ترتيباً أبجدياً عادياً؛ فلعل فيه تسهيلاً وتيسيراً.
5- أما ما في العين من آراء نحوية إنما هو على مذهب الكوفيين، وبخلاف مذهب البصريين.
مع أن مذهب الخليل كان يتبع المذهب البصري.
6-أخذ بعض العلماء على الخليل إنفراده بكثير من الألفاظ، مثل قوله: التاسوعاء: اليوم التاسع من المحرم، وقد استدرك ذلك عليه الزبيدي بقوله: "لم أسمع بالتاسوعاء، وأهل العلم مختلفون في عاشوراء، فمنهم من قال: إنه اليوم العاشر من المحرم، ومنهم من قال: إنه اليوم التاسع".
ودافع السيوطي عن ذلك بقوله: "إن الانفراد أمر طبيعي، وحكمه القبول إن كان المنفرد به من أهل الضبط والإتقان كأبي زيد، والخليل، والأصمعي".
7- اشتمل كتاب العين على أخطاء صرفية واشتقاقية كقوله: "ليس في الكلام نون أصلية في صدر الكلمة".
قال الزبيدي في استدراكه: "جاءت كثيراً نحو: نهشل، ونعنع".
هذه جملة من المآخذ على كتاب العين، وقد اعتذر له كثير من الباحثين والمنصفين.
يقول الدكتور أمين فاخر: "ويبدو أن هذه المآخذ يرجع معظمها إلى عمل النساخ الذين خلطوا بين متن الكتاب الذي هو للخليل، وبين الهوامش التي وضعها بعض المتأخرين من تلاميذ الخليل حينما رأوا أن يدونوا ملاحظاتهم على الكتاب)".
وقال السيوطي -رحمه الله-: "وقد طالعته إلى آخره، فرأيت وجه التخطئة فيما خُطِّئ به غالبُه من جهة التصريف والاشتقاق؛ كذكر حرفٍ مزيد في مادة أصلية، أو مادة ثلاثية في مادة رباعية ونحو ذلك، وبعضُه ادعى فيه التصحيف، وأما أنه يُخَطأ في لفظه من حيث اللغة بأن يقال: هذه اللفظة كذب، أو لا تعرف فمعاذ الله لم يقع ذلك.
وحينئذ لا قدح في كتاب العين؛ لأن الأولَ الإنكارُ فيه راجع إلى الترتيب والوضْعِ في التأليف، وهذا أمر هين؛ لأن حاصله أن يقال: الأولى نقل هذه اللفظة من هذا الباب وإيرادها في هذا الباب.
وهذا أمر سهل، وإن كان مقام الخليل ينزه عن ارتكاب مثل ذلك، إلا أنه لا يمنع الوثوق بالكتاب، والاعتماد عليه في نقل اللغة.
والثاني إن سُلِّم فيه ما ادعي من التصحيف يقال ما قالته الأئمة: ومن ذا الذي سلم من التصحيف؟ كما سيأتي في النوع الثالث والأربعين مع أنه قليل جداً".
وهكذا يتبين لنا من خلال ما مضى منزلة كتاب العين، وأن المآخذ عليه - إذا وجدت - لا تنقص من قيمته، ويكفيه فخراً أنه أول معجم لغوي شامل في العربية.
===============
دعوة الإسلام