إطلاق الحكم وتقييده
قد يؤتى بكل من (المسند) و(والمسند اليه) مطلقاً، بدون أيّ قيد، نحو: (جواد عالم) وذلك فيما إذا لم يتعلّق غرض بذكر الخصوصيات، وإنما المقصود أصل الكلام.
وقد يؤتى بأحدهما، أو كليهما مقيّداً، لتوقّف الكلام أو مقصود المتكلّم عليه، فلو حذف القيد لكان الكلام كاذباً أو غير مقصود، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}(الأنبياء:16)
فلو حذف الحال (لاعبين) لكان الكلام كذباً، وقال تعالى: { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} (النور: من الآية35) فلو حذف (يكاد) لفات الغرض المقصود الّذي هو افادة المقاربة.
والتقييد يكون
أ - بالتوابع الخمسة: نعت وتأكيده، وعطف بيان، وعطف نسق ،وبدل، وضمير الفصل.
ب - والمفاعيل الخمسة: المفعول به ، و المفعول له ، و المفعول معه ، والمفعول فيه، و المفعول المطلق.
ج – والنواسخ.
د - وأدوات الشرط.
هـ - والنفي.
و – والحال.
ز - والتمييز.
ح - كما يكون بالظرف.
ط - و بالجار و المجرور.
التقييد بالنعت
أما التقييد بالنعت ـ وهو المعبّر عنه بالصفة ـ فيأتي لأغراض:
1 ـ تخصيص المنعوت بصفة تميزه عما عداه، وهذا يكون في النكرة نحو: (جائني رجل عالم).
2 ـ توضيح المنعوت، وهذا وما بعده يكون في المعرفة، نحو: (قام زيد العالم).
3 ـ تأكيد النعوت، نحو قوله تعالى: { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } (البقرة: من الآية196).
4 ـ مدح المنعوت، نحو قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم}.
5 ـ ذم المنعوت، نحو قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} (المسد:4).
6 ـ الترحّم على المنعوت، قال الشاعر: (أتى الرجل المسكين فليط بعضكم).
التقييد بالتأكيد
وأمّا التقييد بالتأكيد فيأتي لتقريره، ودفع توهّم عدم الشمول، ونحوه، وذلك في موارد:
1 - مجرّد التقرير، نحو قوله : (الله الله يكفي كلّ مشكلة...).
2 - دفع توهّم المجاز، نحو قوله : (أتى الأمير نفسه عند المساء...) لئلاّ يتوهّم أن الآتي أحد خواص الأمير، وإنما عبّر به مجازاً، نحو: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} (الفجر:22)
3 ـ دفع توهّم عدم الشمول، نحو قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} (الحجر:30) لئلاً يستبعد سجدة جميع الملائكة مع كثرتهم المخرجة عن العدّ، وتباعد أماكنكم، واختلاف أعمالهم...
4 ـ زيادة التشريف بتكرار المؤكدّ، نحو قوله تعالى: { اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (البقرة: من الآية35).
5 ـ زيادة التحقير والإهانة، نحو قوله : (خبيث أنت أنت ولا سواك...).
التقييد بعطف البيان
وأمّا التقييد بعطف البيان ـ الذي هو لتوضيح المتبوع باسم مختصّ به، سواء كان العطف أجلى من المعطوف، أم حصل الجلاء التام بضميمة أحدهما الى الآخر ـ فيأتي لاغراض:
1 ـ مجرد التوضيح، اذا اقتضى الحال ذلك، نحو قوله: ( محمد الجواد أتاك عبد...).
2 ـ زيادة المدح، نحو قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ}(المائدة: من الآية97).
3 ـ زيادة الذم، نحو قوله : (طحلب الأشتر يطلب العلى...).
4 ـ زيادة الترحّم، نحو قوله : (وزمعة المسكين في آخر الركب...).
فطحلب والأشتر اسمان، وكذا زمعة ومسكين.
التقييد بعطف النسق
وأمّا التقيد بعطف النسق ـ وهو العطف بالحرف ـ فيأتي لأمور أهمّها:
1 ـ تفصيل المسند إليه باختصار، نحو قوله : (جاء محمد وعلي وفاطمة) لم يقل: جاء محمد وجاء علي وجاءت فاطمة.
ثم إنّ حروف العطف الثلاثة: الواو والفاء وثم، وكلها مشتركة في التفصيل مع الاختيار، إلا أن (الواو) لمطلق الجمع، سابقاً كان المعطوف على المعطوف عليه، أو مقارناً، أو لاحقاً.
و(الفاء) للجمع مع الترتيب بتقديم المعطوف عليه على المعطوف مع تراخ ما.
و(ثم) مع تراخ معتد به، هذا في الظاهر، ولكن قد يعدل عنه مع القرينة، كما ذكر في كتب النحو.
2 - رد السامع إلى الصواب مع الاختصار، نحو: (جاء زيد لا عمرو) أو (لم يجئ زيد لكن عمرو).
3 - صرف الحكم من المسند إليه إلى غيره، نحو: (زارني زيد بل عمرو).
4 - الشك من المتكلّم أو التشكيك للسامع نحو : (جاءني زيد أو عمرو).
5 ـ الإبهام على السامع، نحو قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(سـبأ: من الآية24).
6 ـ الإباحة، نحو قوله : (تعلم فقهاً أو نحواً).
7 ـ التخيير، نحو قوله : (تزوج هنداً أو أُختها).
التقييد بالبدل
وأمّا التقييد بالبدل فيأتي لزيادة التقرير والإيضاح، والبدل على خمسة أقسام:
1 ـ بدل الكلّ، نحو قوله : (جاء الأمير محمد بن علي...).
2 ـ بدل البعض، نحو قوله : (ألحّ رجال الدين أهل التفقّه).
3 ـ بدل الاشتمال،نحو قوله : (الا إنما القرآن أحكامه التي...).
4 ـ بدل البدل، نحو قوله : (حبيبي نجم لامع، شمس مشرق...).
5 ـ بدل الغلط ويقع من البلغاء كغيرهم، إذ البليغ بليغ لا معصوم، وكلامه بليغ وإن
وقع فيه غلط، نحو قوله : (جاء زيد بكر).
التقييد بضمير الفصل
وأمّا التقييد بضمير الفصل فلأغراض:
1 ـ التخصيص وقصر المسند على المسند إليه، نحو قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (التوبة: من الآية104).
2 ـ تمييز الخبر عن الصفة، نحو قوله عليه السلام: (المتّقون هم أهل الفضائل).
التقييد بالمفاعيل الخمسة
وأمّا التقييد بالمفاعيل فيأتي لأغراض:
1 ـ بيان نوع الفعل، نحو قوله : (جلست جلوس المتواضع).
2 ـ بيان عدد الفعل، نحو قوله : (ضربت ضربتين).
3 ـ بيان توكيد الفعل في المطلق، نحو قوله : (أحسنت احساناً).
4 ـ بيان ما وقع عليه الفعل، نحو قوله تعالى: { لَقِيَا غُلاماً } (الكهف: من الآية74).
5 ـ بيان ما وقع فيه الفعل، نحو قوله : (هنا امكث زماناً).
6 ـ بيان ما وقع لأجله الفعل، نحو قوله : (ضرب أخاه تأديباً...).
7 ـ بيان ما وقع مقارناً معه، نحو قوله : (فقلت لها سيري وزوجك بكرة...).
حذف المفاعيل
أمّا حذف المفاعيل فلأغراض:
1 ـ التعميم مع رعاية الاختصار، نحو قوله تعالى: { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ}(يونس: من الآية25). أي: جميع عباده.
2 ـ الاعتماد على المتقدّم اختصاراً، نحو قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ }(الرعد: من الآية39). أي: ويثبت ما يشاء.
3 ـ اختصار الكلام بدون الأمرين السابقين، للاعتماد على القرينة العقلية، نحو قوله تعالى: {َ يغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ }(آل عمران: من الآية129) أي يغفر الذنوب، فإن الغفران لايكون إلا عن ذنب.
4 ـ استهجان التصريح، نحو قوله : (ما رأيت منّي ولا أبصرت منها، في زمان..) أي العورة.
5 ـ البيان بعد الابهام، لكونه أوقع في النفس، نحو قوله تعالى: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ}(الكهف: من الآية29) أي: فمن شاء الإيمان.
6 ـ المحافظة على السجع، نحو قوله تعالى: { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} (الأعلى:10) أي يخشى الله، ولم يذكر لفظ الجلالة لتناسب رؤس الآي.
7 ـ المحافظة على الوزن، قال المتنبّي: (بناها فأعلى، والقنا يقرع القنا...). أي: فأعلاها، لم يذكر المفعول تحفّظاً على الوزن.
8 ـ تعيّن المفعول، فيكون ذكره لغواً، نحو قوله : (رعت شاء قومي، والمعاشب كثرة...) أي عشباً.
9 ـ قصد المتكلّم الفعل فقط، فلا يذكر المفعول كما لا يذكر الفاعل، كقولك: (سرت عاصفة في البلد، فاقتُلع وهُدم)، والمعنى: قلعت العاصفة الأشجار وهدمت الأبنية.
10 ـ قصد المتكلم الفعل والفاعل، نحو قوله تعالى: { وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} (القصص: من الآية23) إذ المقصود وقوع الذود منهما، أما أن المذود إبل أم شاء أم بقر، فليس من محل الكلام.
تقديم المفاعيل
ثم إن الأصل في المفعول وغيره من المعمولات أن يتأخر عن العامل، لكنه قد يعكس فيقدم على العامل لأغراض:
1 ـ التخصيص، نحو قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:5).
2 ـ رد المخاطب الى الصواب، في كلام قدّم معموله، فنقدّمه نحن أيضاً موافقة لكلامه، كقوله: (وقال: أعمراً نصرت؟ فقلت مجيب مقاليه: عمراً نصرت).
3 ـ مراعاة السجع، نحو قوله تعالى: {خذوه فغّوه ثم الجحيم صلوه} (الحاقة:31).
4 ـ استعجال التبرّك والتلذّذ بذكره، نحو قوله : (محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم اتبعت وليس عندي...).
5 ـ كون المتقدّم محل الكلام، نحو قوله : (الله اجعل نصب عينيك ولا...).
6 ـ كون المتقدم محط الكلام يدل على الإنكار، كقوله: (أبعد طول التجارب تنخدع بالزخارف)؟
التقييد بالنواسخ
وأمّا التقييد بالنواسخ، وهي(20):
1 ـ الحروف المشبّهة بالفعل.
2 ـ (لا) النافية للجنس.
3 ـ الأفعال الناقصة.
4 ـ أفعال المقاربة.
5 ـ (ما) و(لا) و(ان) المشبّهات بـ (ليس).
6 ـ أفعال القلوب.
فلبيان الأغراض التي تؤديها معاني هذه النواسخ وذلك مثل:
1 ـ التأكيد في (إنّ) و(وأنّ).
2 ـ التشبيه في (كأن).
3 ـ الاستدراك في (لكن).
4 ـ الترجّي في (لعلّ).
5 ـ التمنّي في (ليت).
6 ـ نفي الجنس في (لا).
7 ـ الاستمرار أو حكاية الحال الماضية في (كان).
8 ـ التوقيت بزمن معيّن كالنهار واللّيل والصباح والمساء والضحى في (ظل) و(بات) و(أصبح) و(أمسى) و(أضحى).
9 ـ التوقيت بحالة معينة في (ما دام).
10 ـ الاستمرار مع خصوصية في (ما فتى) و(ما برح) و(ما زال) و(ما انفك).
11 ـ المقاربة في (كاد) و(كرب) و(أوشك) و(عسى).
12 ـ الإنشاء والشروع في (طفق) و(جعل) و(أنشأ) و(أخذ) و(علق).
13 ـ النفي المطلق في (ما) و(لا) و(لات) و(ان).
14 ـ اليقين في (وجد) و(ألفى) و(درى)و(علم).
15 ـ الظن في (خال)و(زعم) و(حسب).
16 ـ التحوّل في (اتخذ)و(جعل) و(صيّر).
وهكذا... وهكذا...
التقييد بالشرط
وأمّا التقييد بالشرط فيأتي لأغراض تؤدّيها معاني أدوات الشرط، ولذا تختلف الأغراض باختلاف معاني الأدوات:
1 ـ الزمن في: (متى) و(أيّان).
2 ـ المكان في (أين) و(أنّى)و(حيثما).
3 ـ الحال في (كيفما).
4 ـ التعليق في (إنْ) و(إذا) و(لو).
لكن مع فرق بينهما:
أمّا (إن) فلما يحتمل وقوعه وعدمه، والأكثر عدم الوقوع، قال تعالى: { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ }(الكهف: من الآية29).
وأما (إذا) فلما يكثر وقوعه ويقطع المتكلّم بتحقّقه مستقبلاً، قال تعالى: { فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ }(لأعراف: من الآية131).
وأمّا (لو) فللشرط في الماضي مع القطع بانتفائه، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا }(الانبياء: من الآية22).
التقييد بالنفي
وأمّا التقييد بالنفي فلسلب النسبة على وجه خاص، وذلك حسبب ما تفيده حروف النفي:
1 ـ النفي مطلقاً في (لا).
2 ـ نفي الحال إذا دخلت على المضارع في (ما) و(إن) و(لات).
3 ـ نفي الاستقبال في (لن).
4 ـ نفي الماضي في (لم) و(لمّا)، لكن في (لمّا) ينسحب النفي إلى ما بعد زمان التكلّم، ويختصّ بالمتوقّع، فيُقابل(لمّا) في النفي (قد) في الاثبات، ويكون منفيّها قريباً من الحال، نحو قوله تعالى: { وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}(الحجرات: من الآية14).
ويقيد المسند بالنفي لكون الكلام بدونه لا يستقيم، نحو قوله تعالى: { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ}(الذريات: من الآية57), فإنّ المقصود في هذا المورد نفي الإرادة لا إثباتها.
التقييد بالحال
وأمّا التقييد بالحال فيأتي لبيان هيئة صاحب الحال وتقييد عاملها.
نحو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} (الأنبياء:16)
ونحو قوله سبحانه: { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى }(النساء: من الآية43) فإنّ المقصود: نفي الخلق لاعباً، ونفي الصلاة في السكر، لا مطلقاً.
التقييد بالتمييز
وأمّا التقييد بالتمييز فيأتي لبيان الإبهام الواقع في ذات أو صفة، نحو: (منوان عسلاً) و(طاب زيد نفساً) فإن محل الفائدة هو القيد وبدونه لا يتم المقصود.
التقييد بالظرف ونحوه
وأمّا التقييد بالظرف والجار والمجرور فيأتي لبيان كون المقصود من الكلام ذلك، حتى أنه لو لم يقيّد لفات المقصود
نحو قوله تعالى: { لا رَيْبَ فِيهِ}(البقرة: من الآية2)
ونحو قوله سبحانه: { وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى }(صّ: من الآية25).
تقديم ما حقّه التأخير
ثم إن الأصل تقدّم العامل على المعمول، وتقدّم بعض المفردات كالفاعل على البعض الآخر كالمفعول.
لكن ربما يقدم ما حقه التأخير لأغراض:
1 ـ التخصيص.
2 ـ الاهتمام.
3 ـ التبرّك.
4 ـ التلذّذ.
5 ـ مراعاة الفاصلة أو الوزن، وغير ذلك.
==========
كتاب البلاغة : (المعاني . البياني . البديع) للشيرازي.
قد يؤتى بكل من (المسند) و(والمسند اليه) مطلقاً، بدون أيّ قيد، نحو: (جواد عالم) وذلك فيما إذا لم يتعلّق غرض بذكر الخصوصيات، وإنما المقصود أصل الكلام.
وقد يؤتى بأحدهما، أو كليهما مقيّداً، لتوقّف الكلام أو مقصود المتكلّم عليه، فلو حذف القيد لكان الكلام كاذباً أو غير مقصود، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ}(الأنبياء:16)
فلو حذف الحال (لاعبين) لكان الكلام كذباً، وقال تعالى: { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} (النور: من الآية35) فلو حذف (يكاد) لفات الغرض المقصود الّذي هو افادة المقاربة.
والتقييد يكون
أ - بالتوابع الخمسة: نعت وتأكيده، وعطف بيان، وعطف نسق ،وبدل، وضمير الفصل.
ب - والمفاعيل الخمسة: المفعول به ، و المفعول له ، و المفعول معه ، والمفعول فيه، و المفعول المطلق.
ج – والنواسخ.
د - وأدوات الشرط.
هـ - والنفي.
و – والحال.
ز - والتمييز.
ح - كما يكون بالظرف.
ط - و بالجار و المجرور.
التقييد بالنعت
أما التقييد بالنعت ـ وهو المعبّر عنه بالصفة ـ فيأتي لأغراض:
1 ـ تخصيص المنعوت بصفة تميزه عما عداه، وهذا يكون في النكرة نحو: (جائني رجل عالم).
2 ـ توضيح المنعوت، وهذا وما بعده يكون في المعرفة، نحو: (قام زيد العالم).
3 ـ تأكيد النعوت، نحو قوله تعالى: { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } (البقرة: من الآية196).
4 ـ مدح المنعوت، نحو قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم}.
5 ـ ذم المنعوت، نحو قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} (المسد:4).
6 ـ الترحّم على المنعوت، قال الشاعر: (أتى الرجل المسكين فليط بعضكم).
التقييد بالتأكيد
وأمّا التقييد بالتأكيد فيأتي لتقريره، ودفع توهّم عدم الشمول، ونحوه، وذلك في موارد:
1 - مجرّد التقرير، نحو قوله : (الله الله يكفي كلّ مشكلة...).
2 - دفع توهّم المجاز، نحو قوله : (أتى الأمير نفسه عند المساء...) لئلاّ يتوهّم أن الآتي أحد خواص الأمير، وإنما عبّر به مجازاً، نحو: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} (الفجر:22)
3 ـ دفع توهّم عدم الشمول، نحو قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} (الحجر:30) لئلاً يستبعد سجدة جميع الملائكة مع كثرتهم المخرجة عن العدّ، وتباعد أماكنكم، واختلاف أعمالهم...
4 ـ زيادة التشريف بتكرار المؤكدّ، نحو قوله تعالى: { اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (البقرة: من الآية35).
5 ـ زيادة التحقير والإهانة، نحو قوله : (خبيث أنت أنت ولا سواك...).
التقييد بعطف البيان
وأمّا التقييد بعطف البيان ـ الذي هو لتوضيح المتبوع باسم مختصّ به، سواء كان العطف أجلى من المعطوف، أم حصل الجلاء التام بضميمة أحدهما الى الآخر ـ فيأتي لاغراض:
1 ـ مجرد التوضيح، اذا اقتضى الحال ذلك، نحو قوله: ( محمد الجواد أتاك عبد...).
2 ـ زيادة المدح، نحو قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ}(المائدة: من الآية97).
3 ـ زيادة الذم، نحو قوله : (طحلب الأشتر يطلب العلى...).
4 ـ زيادة الترحّم، نحو قوله : (وزمعة المسكين في آخر الركب...).
فطحلب والأشتر اسمان، وكذا زمعة ومسكين.
التقييد بعطف النسق
وأمّا التقيد بعطف النسق ـ وهو العطف بالحرف ـ فيأتي لأمور أهمّها:
1 ـ تفصيل المسند إليه باختصار، نحو قوله : (جاء محمد وعلي وفاطمة) لم يقل: جاء محمد وجاء علي وجاءت فاطمة.
ثم إنّ حروف العطف الثلاثة: الواو والفاء وثم، وكلها مشتركة في التفصيل مع الاختيار، إلا أن (الواو) لمطلق الجمع، سابقاً كان المعطوف على المعطوف عليه، أو مقارناً، أو لاحقاً.
و(الفاء) للجمع مع الترتيب بتقديم المعطوف عليه على المعطوف مع تراخ ما.
و(ثم) مع تراخ معتد به، هذا في الظاهر، ولكن قد يعدل عنه مع القرينة، كما ذكر في كتب النحو.
2 - رد السامع إلى الصواب مع الاختصار، نحو: (جاء زيد لا عمرو) أو (لم يجئ زيد لكن عمرو).
3 - صرف الحكم من المسند إليه إلى غيره، نحو: (زارني زيد بل عمرو).
4 - الشك من المتكلّم أو التشكيك للسامع نحو : (جاءني زيد أو عمرو).
5 ـ الإبهام على السامع، نحو قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}(سـبأ: من الآية24).
6 ـ الإباحة، نحو قوله : (تعلم فقهاً أو نحواً).
7 ـ التخيير، نحو قوله : (تزوج هنداً أو أُختها).
التقييد بالبدل
وأمّا التقييد بالبدل فيأتي لزيادة التقرير والإيضاح، والبدل على خمسة أقسام:
1 ـ بدل الكلّ، نحو قوله : (جاء الأمير محمد بن علي...).
2 ـ بدل البعض، نحو قوله : (ألحّ رجال الدين أهل التفقّه).
3 ـ بدل الاشتمال،نحو قوله : (الا إنما القرآن أحكامه التي...).
4 ـ بدل البدل، نحو قوله : (حبيبي نجم لامع، شمس مشرق...).
5 ـ بدل الغلط ويقع من البلغاء كغيرهم، إذ البليغ بليغ لا معصوم، وكلامه بليغ وإن
وقع فيه غلط، نحو قوله : (جاء زيد بكر).
التقييد بضمير الفصل
وأمّا التقييد بضمير الفصل فلأغراض:
1 ـ التخصيص وقصر المسند على المسند إليه، نحو قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (التوبة: من الآية104).
2 ـ تمييز الخبر عن الصفة، نحو قوله عليه السلام: (المتّقون هم أهل الفضائل).
التقييد بالمفاعيل الخمسة
وأمّا التقييد بالمفاعيل فيأتي لأغراض:
1 ـ بيان نوع الفعل، نحو قوله : (جلست جلوس المتواضع).
2 ـ بيان عدد الفعل، نحو قوله : (ضربت ضربتين).
3 ـ بيان توكيد الفعل في المطلق، نحو قوله : (أحسنت احساناً).
4 ـ بيان ما وقع عليه الفعل، نحو قوله تعالى: { لَقِيَا غُلاماً } (الكهف: من الآية74).
5 ـ بيان ما وقع فيه الفعل، نحو قوله : (هنا امكث زماناً).
6 ـ بيان ما وقع لأجله الفعل، نحو قوله : (ضرب أخاه تأديباً...).
7 ـ بيان ما وقع مقارناً معه، نحو قوله : (فقلت لها سيري وزوجك بكرة...).
حذف المفاعيل
أمّا حذف المفاعيل فلأغراض:
1 ـ التعميم مع رعاية الاختصار، نحو قوله تعالى: { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ}(يونس: من الآية25). أي: جميع عباده.
2 ـ الاعتماد على المتقدّم اختصاراً، نحو قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ }(الرعد: من الآية39). أي: ويثبت ما يشاء.
3 ـ اختصار الكلام بدون الأمرين السابقين، للاعتماد على القرينة العقلية، نحو قوله تعالى: {َ يغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ }(آل عمران: من الآية129) أي يغفر الذنوب، فإن الغفران لايكون إلا عن ذنب.
4 ـ استهجان التصريح، نحو قوله : (ما رأيت منّي ولا أبصرت منها، في زمان..) أي العورة.
5 ـ البيان بعد الابهام، لكونه أوقع في النفس، نحو قوله تعالى: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ}(الكهف: من الآية29) أي: فمن شاء الإيمان.
6 ـ المحافظة على السجع، نحو قوله تعالى: { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} (الأعلى:10) أي يخشى الله، ولم يذكر لفظ الجلالة لتناسب رؤس الآي.
7 ـ المحافظة على الوزن، قال المتنبّي: (بناها فأعلى، والقنا يقرع القنا...). أي: فأعلاها، لم يذكر المفعول تحفّظاً على الوزن.
8 ـ تعيّن المفعول، فيكون ذكره لغواً، نحو قوله : (رعت شاء قومي، والمعاشب كثرة...) أي عشباً.
9 ـ قصد المتكلّم الفعل فقط، فلا يذكر المفعول كما لا يذكر الفاعل، كقولك: (سرت عاصفة في البلد، فاقتُلع وهُدم)، والمعنى: قلعت العاصفة الأشجار وهدمت الأبنية.
10 ـ قصد المتكلم الفعل والفاعل، نحو قوله تعالى: { وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} (القصص: من الآية23) إذ المقصود وقوع الذود منهما، أما أن المذود إبل أم شاء أم بقر، فليس من محل الكلام.
تقديم المفاعيل
ثم إن الأصل في المفعول وغيره من المعمولات أن يتأخر عن العامل، لكنه قد يعكس فيقدم على العامل لأغراض:
1 ـ التخصيص، نحو قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:5).
2 ـ رد المخاطب الى الصواب، في كلام قدّم معموله، فنقدّمه نحن أيضاً موافقة لكلامه، كقوله: (وقال: أعمراً نصرت؟ فقلت مجيب مقاليه: عمراً نصرت).
3 ـ مراعاة السجع، نحو قوله تعالى: {خذوه فغّوه ثم الجحيم صلوه} (الحاقة:31).
4 ـ استعجال التبرّك والتلذّذ بذكره، نحو قوله : (محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم اتبعت وليس عندي...).
5 ـ كون المتقدّم محل الكلام، نحو قوله : (الله اجعل نصب عينيك ولا...).
6 ـ كون المتقدم محط الكلام يدل على الإنكار، كقوله: (أبعد طول التجارب تنخدع بالزخارف)؟
التقييد بالنواسخ
وأمّا التقييد بالنواسخ، وهي(20):
1 ـ الحروف المشبّهة بالفعل.
2 ـ (لا) النافية للجنس.
3 ـ الأفعال الناقصة.
4 ـ أفعال المقاربة.
5 ـ (ما) و(لا) و(ان) المشبّهات بـ (ليس).
6 ـ أفعال القلوب.
فلبيان الأغراض التي تؤديها معاني هذه النواسخ وذلك مثل:
1 ـ التأكيد في (إنّ) و(وأنّ).
2 ـ التشبيه في (كأن).
3 ـ الاستدراك في (لكن).
4 ـ الترجّي في (لعلّ).
5 ـ التمنّي في (ليت).
6 ـ نفي الجنس في (لا).
7 ـ الاستمرار أو حكاية الحال الماضية في (كان).
8 ـ التوقيت بزمن معيّن كالنهار واللّيل والصباح والمساء والضحى في (ظل) و(بات) و(أصبح) و(أمسى) و(أضحى).
9 ـ التوقيت بحالة معينة في (ما دام).
10 ـ الاستمرار مع خصوصية في (ما فتى) و(ما برح) و(ما زال) و(ما انفك).
11 ـ المقاربة في (كاد) و(كرب) و(أوشك) و(عسى).
12 ـ الإنشاء والشروع في (طفق) و(جعل) و(أنشأ) و(أخذ) و(علق).
13 ـ النفي المطلق في (ما) و(لا) و(لات) و(ان).
14 ـ اليقين في (وجد) و(ألفى) و(درى)و(علم).
15 ـ الظن في (خال)و(زعم) و(حسب).
16 ـ التحوّل في (اتخذ)و(جعل) و(صيّر).
وهكذا... وهكذا...
التقييد بالشرط
وأمّا التقييد بالشرط فيأتي لأغراض تؤدّيها معاني أدوات الشرط، ولذا تختلف الأغراض باختلاف معاني الأدوات:
1 ـ الزمن في: (متى) و(أيّان).
2 ـ المكان في (أين) و(أنّى)و(حيثما).
3 ـ الحال في (كيفما).
4 ـ التعليق في (إنْ) و(إذا) و(لو).
لكن مع فرق بينهما:
أمّا (إن) فلما يحتمل وقوعه وعدمه، والأكثر عدم الوقوع، قال تعالى: { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ }(الكهف: من الآية29).
وأما (إذا) فلما يكثر وقوعه ويقطع المتكلّم بتحقّقه مستقبلاً، قال تعالى: { فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ }(لأعراف: من الآية131).
وأمّا (لو) فللشرط في الماضي مع القطع بانتفائه، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا }(الانبياء: من الآية22).
التقييد بالنفي
وأمّا التقييد بالنفي فلسلب النسبة على وجه خاص، وذلك حسبب ما تفيده حروف النفي:
1 ـ النفي مطلقاً في (لا).
2 ـ نفي الحال إذا دخلت على المضارع في (ما) و(إن) و(لات).
3 ـ نفي الاستقبال في (لن).
4 ـ نفي الماضي في (لم) و(لمّا)، لكن في (لمّا) ينسحب النفي إلى ما بعد زمان التكلّم، ويختصّ بالمتوقّع، فيُقابل(لمّا) في النفي (قد) في الاثبات، ويكون منفيّها قريباً من الحال، نحو قوله تعالى: { وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}(الحجرات: من الآية14).
ويقيد المسند بالنفي لكون الكلام بدونه لا يستقيم، نحو قوله تعالى: { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ}(الذريات: من الآية57), فإنّ المقصود في هذا المورد نفي الإرادة لا إثباتها.
التقييد بالحال
وأمّا التقييد بالحال فيأتي لبيان هيئة صاحب الحال وتقييد عاملها.
نحو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} (الأنبياء:16)
ونحو قوله سبحانه: { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى }(النساء: من الآية43) فإنّ المقصود: نفي الخلق لاعباً، ونفي الصلاة في السكر، لا مطلقاً.
التقييد بالتمييز
وأمّا التقييد بالتمييز فيأتي لبيان الإبهام الواقع في ذات أو صفة، نحو: (منوان عسلاً) و(طاب زيد نفساً) فإن محل الفائدة هو القيد وبدونه لا يتم المقصود.
التقييد بالظرف ونحوه
وأمّا التقييد بالظرف والجار والمجرور فيأتي لبيان كون المقصود من الكلام ذلك، حتى أنه لو لم يقيّد لفات المقصود
نحو قوله تعالى: { لا رَيْبَ فِيهِ}(البقرة: من الآية2)
ونحو قوله سبحانه: { وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى }(صّ: من الآية25).
تقديم ما حقّه التأخير
ثم إن الأصل تقدّم العامل على المعمول، وتقدّم بعض المفردات كالفاعل على البعض الآخر كالمفعول.
لكن ربما يقدم ما حقه التأخير لأغراض:
1 ـ التخصيص.
2 ـ الاهتمام.
3 ـ التبرّك.
4 ـ التلذّذ.
5 ـ مراعاة الفاصلة أو الوزن، وغير ذلك.
==========
كتاب البلاغة : (المعاني . البياني . البديع) للشيرازي.