ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    التشبيه

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد الأربعاء أبريل 10, 2013 12:03 pm

    التشبيه
    أولا (تعريف التشبيه)

    التشْبيه : بَيان أَن شَيْئا أَو أشْياء شاركَت غيرها في صفة أو أَكثر، بأَداة هي الكاف أَو نحوها ملفوظةً أَو ملحوظةً.

    نحو قول المَعَرِّيُّ في الْمَديح:

    أَنْتَ كالشَّمْس في الضِّياءِ وإِن جا وَزْتَ كيوانَ فِى عُلُوّ المكان.


    عَرفَ الشاعِرُ أَن مَمْدُوحَه وَ ضِيءٌ الوجهِ مُتَلألئُ الطلعة، فأَراد أن يأْتي له بمَثِيل تَقْوَى فيه الصفةُ، وهي الضياء والإشراقُ فلم يجد أقوى من الشمس، فضاهاه بها، ولبيان المضاهاة أتي بالكاف.

    وقال آخرُ:

    أَنْتَ كاللَّيْثِ في الشَّجَاعةِ والإقْدام وَالسَّيْفِ في قِراعِ الخُطوب .


    رأى الشاعر ممدوحه متصفاً بوصفَيْن، هما الشجاعة ومصارعة الشدائد، فَبحَث له عن نَظيرَيْن في كلٍّ منهما إِحدى هاتين الصفتين قويةً، فضاهاه بالأسدِ في الأولى، وبالسيف في الثانية، وبيَّن هذه المضاهاة بأَداة هي الكاف.

    وقال آخرُ:

    كأَنَّ أَخْلاقَكَ فِي لُطْفِها ورقَّةٍ فِيها نَسِيمُ الصَّباحْ


    وجَدَ الشاعرُ أخلاق صَدِيقِه دمِثَةً لَطِيفَةً تَرتاحُ لها النفسُ، فَعملَ على أنْ يأْتي لها بنظير تَتَجَلَّى فيه هذه الصَّفة وتَقْوَى، فرأَى أنَّ نسيمَ الصباح كذلك فَعَقَدَ المماثلة بينهما، وبيَّن هذه المماثلة بالحرف "كأن".

    وقال آخرُ :

    كأَنَّما الْماءُ فِي صفاءٍ وَقَدْ جَرَى ذَائِبُ اللُّجَيْن


    عَمِل الشاعِرُ على أَنْ يَجدَ مثيلاً للماء الصافي تَقْوَى فيه صِفَةُ الصفاء، فرأَى أَنَّ الفضة الذائبةَ تَتجلَّى فيها هذه الصفةُ فماثل بينهما، وبيَّن هذه المماثلة بالحرف "كأنَّ".

    فأَنتَ ترى في كل بيت من الأبيات الأَربعة أَنَّ شيئاً جُعِلَ مَثِيلَ شيء في صفةٍ مشتركة بينهما، وأَنَّ الذي دلّ على هذه المماثلة أَداةٌ هي الكاف أَو كأَن، وهذا ما يُسَمَّى بالتشبيه.

    ثانيًا(أركان التشبيه)

    انظر إلى هذا المثال:

    ( محمد مثل الأسد في الشجاعة)

    فنجد كلمة ( محمد) هي ما نريد تشبيهه لذلك تسمى( المشبه).
    وكلمة( الأسد) هي ما نريد التشبيه به لذلك تسمى (المشبه به).
    وكلمة(مثل) هي أداة التشبيه.
    وكلمة(الشجاعة) وهي الصفة التي اشتركت بين المشبه و المشبه به لذلك تسمى(وجه الشبه).

    إذن فلا بدَّ للتشبيه من أَركان أَربعة:

    1. الشيء الذي يراد تشبيهه ويسمَّى المشبَّه.

    2. والشيءَ الذي يُشَبَّه به ويُسمَّى المشبَّه به.

    (وهذان يسميان طرفي التشبيه).

    3. والصفةُ المشتركة بين الطرفين وتسمَّى وجه الشَّبَه، ويجب أَنْ تكون هذه الصفةُ في المشَبَّه به أَقوى وأَشهَرَ منها في المشبَّه كما رأَيت في الأمثلة.

    4. ثم أداةُ التشبيه وهي الكاف وكأَن ونحوهما .

    ثالثاً : أقسام التشبيه: من حيث ذكر الأداة ووجه الشبه أو حذفهما



    للتشبيه من حيث ذكر الأداة ووجه الشبه أو حذفهما أقسام خمسة:

    1. التشبيهُ الْمُرْسَلُ ما ذُكِرَتْ فِيه الأداةُ.

    نحو قول الشاعر:

    أنا كالماءَ إِنْ رَضيتُ صفاءً وإذَا مَا سَخطتُ كُنتُ لهيبا.


    يُشبه الشاعر نفسه في البيت الأَول في حال رضاه بالماء الصافي الهادئ، وفي حال غضبه بالنار الملتهبة، فهو محبوبٌ مخوف .

    وانظر إلى هذا المثال تجد أداة التشبيه مذكورة وهي ( الكاف) , والتشبيه الذي تذكر فيه الأداة يسمى ( تشبيه مرسلا)

    2. التشبيهُ الْمُؤَكَّد ما حُذِفتْ منهُ الأَداة.

    مثال: (الجَوَادُ في السرعة بَرْقٌ خاطِفٌ).

    نجده في هذا المثال شُبِّه الجوادُ بالبرق في السرعة، من غير أَن تذكر أداةُ التشبيه ، وذلك لتأكيدِ الادعاء بأَنَّ المشبَّه عينُ المشبَّه به، وهذا النوعُ يسمَّى ( تشبيهاً مؤكدًا).

    3. التشبيهُ الْمُجْمل ما حُذِف منه وجهُ الشبهِ.

    نحو قول ابنُ المعتزّ:

    وكأَنَّ الشمْسَ الْمُنِيرَةَ دِيـ ـنارٌ جَلَتْهُ حَدَائِدُ الضَّرَّابِ.


    يشبِّه ابنُ المعتز الشمس عند الشروق بدينار مجلوّ قريب عهده بدار الضرب، ولم يذكر وجه الشبه وهو (الاصفرارُ والبريق)، ويسمَّى هذا النوع من التشبيه، وهو الذي لم يذكرْ فيه وجهُ الشبه ( تشبيهاً مجملاً).


    4. التشبيهُ الْمُفَصَّلُ ما ذُكِرَ فيه وجهُ الشبهِ.

    نحو : ( الجندي كالأسد في الشجاعة)

    نلاحظ في هذا المثال أنه شبه الجندي بالأسد , وقد ذكر وجه الشبه و هو ( الشجاعة) و التشبيه الذي يذكر فيه وجه الشبه يسمى( التشبيه المفصل).

    5. التشبيه البليغُ ما حُذِفت منهُ الأَداةُ ووَجهُ الشبه .

    نحو قول وقدِ اعْتَزَمَ سيفُ الدولةِ سَفَرًا :

    أيْنَ أزْمَعْتَ أيُّهذا الهُمامُ؟ نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَى وأنتَ الغَمامُ .


    يسأَلُ المتنبي ممدوحه في تظاهر بالذعر والهلَع قائلا: أين تقصد؟ وكيف ترحل عنا؟ ونحن لا نعيشُ إلا بك، لأَنك كالغمام الذي يحيي الأَرض بعد موتها، ونحن كالنَّبتِ الذي لا حياة له بغير الغمامِ.

    وإذا تأَملت هذ التشبيه رأيت أنه من نوع التشبيه المؤكَّد، ولكنه جمع إلى حذف الأداة حذفَ وجه الشَّبه.

    وذلك لأَنَّ المتكلم عمد إِلى المبالغة والإِغراق في ادِّعاء أنَّ المشبَّه هو المشبَّه به نفْسُه؛ لذلك أَهملَ الأَداة التي تدلُّ على أَنَّ المشبَّه أَضعفُ في وجه الشبه من المشبَّه به، وأَهملَ ذكرَ وجه الشبه الذي ينمُ عن اشتراك الطرفين في صفة أو صفاتٍ دون غيرها.

    ويسمَّى هذا النوع بـ (التشبيه البليغِ)، وهو مظهرٌ من مظاهر البلاغة وميدان فسيحٌ لتسابق المجيدين من الشعراء والكتاب.

    رابعا: أقسام التشبيه من حيث نوع وجه الشبه:

    ينقسم التشبيه من حيث وجه الشبه إلى قسمين :

    تشبيه التمثيل , تشبيه غير التمثيل.

    ويُسمَّى التشبيهُ تمثيلاً إِذا كان وجهُ الشَّبه فيهِ صورةً مُنْتَزَعَةً منْ متعددٍ، وغيْرَ تَمْثِيل إِذَا لم يَكُنْ وجْهُ الشَّبَهِ كذلك.

    (أ ) تشبيه التمثيل:

    نحو قول البُحْتُريُّ:

    هُوَ بَحْرُ السّماحِ، والجُودِ، فازْدَدْ مِنْهُ قُرْباً، تَزْدَدْ من الفَقْرِ بُعْدا


    وقول امْرُؤُ الْقَيْس :

    وَلَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ عليَّ بأنواع الهُمومِ ليبتَلي


    انظر إلى المثالين السابقين تجد البحتري يشبه ممدوحَه بالبحر في الجود والسماح، وينصح للناس أن يقتربوا منه ليبتعدوا من الفقر.

    ويشبه امرؤ القيس الليل في ظلامه وهوْله بموج البحر، وأنَّ هذا الليل أرخَى حُجُبَهُ عليه مصحوبةً بالهموم والأحزان ليختبر صبْرَهُ وقوة احتماله.

    وإِذا تأملت وجْه الشبه في كل واحد من هذين التشبيهين رأيتَ أنه صفةٌ أو صفاتٌ اشتركتْ بين شيئين ليس غيرُ، هي هنا :

    اشتراك الممدوح والبحر في صفة الجودِ، واشتراكُ الليل وموجِ البحرِ في صفتين هما الظلمةُ والروعةُ.

    ويسمَّى وجه الشبه إذا كان كذلك مفردًا، وكونه مفردًا لا يمنع من تعدد الصفات المشتركة، ويسمَّى التشبيهُ الذي يكون وجه الشَّبه فيه كذلك تشبيهاً غير تمثيل.


    (ب) تشبيه غير التمثيل:

    نحو قول أبو فراس الحمداني:

    والماءُ يفصلُ بينَ زهـ رِ الروضِ ، في الشَّطَّينِ، فَصْلا


    كَبِسَاطِ وَشْيٍ، جَرّدَتْ أيْدِي القُيُونِ عَلَيْهِ نَصْلاَ

    يشبِّهُ أَبو فِراس حال ماء الجدول، وهو يجري بين روضتين على شاطئيه حلَّاهما الزَّهْر ببدائع ألوانه مُنْبثًّا بين الخُضرة الناضرة، بحال سيفٍ لماعٍ لا يزال في بريقِ جدَّته، وقد جرّدَه القُيُونُ على بساطٍ من حريرٍ مُطَرَّزٍ.

    أَينَ وجهُ الشبهِ؟ أتظنُّ أَنَّ الشاعر يريد أنْ يَعْقِدَ تشبيهين: الأَولُ تشبيهُ الجدول بالسيفِ، والثاني تشبيهُ الروضة بالبِساط الْمُوَشّى؟ لا، إِنّه لم يرد ذلك، إِنما يريد أَنْ يشبّه صورةً رآها بصورة تخيلها، يريدُ أنْ يشبِّه حال الجدول وهو بين الرياض بحالِ السيف فوق البساط الموشَّى، فوجهُ الشبه هنا صورةٌ لا مفردٌ، وهذه الصورةُ مأخوذةٌ أَو مُنْتَزَعَةٌ من أَشياء عدَّة، والصورة المشتركةُ بين الطرفين هي وجود بياضٍ مستطيلٍ حوله اخضرار فيه أَلوان مختلفةٌ.


    ففي هذا التشبيه رأيتَ أنَّ وجهَ الشَّبهِ فيها صورةٌ مكوَّنةٌ من أشياءَ عِدَّةٍ يسمَّى كلُّ تشبيهٍ فيها تمثيلاً.


    خامسا: التشبيه الضمني.

    التشبيهُ الضِّمنيُّ: تشبيهٌ لا يُوضعُ فيه الْمُشَبَّهُ والمشبَّهُ بهِ في صورةٍ من صُورِ التشبيهِ المعروفةِ ،بَلْ يُلْمَحان فِي الترْكِيبِ.

    أي أننا نفهم من الكلام ضمنا وجود تشبيه.

    وهذا النوع يُؤْتَى به لِيُفيدَ أن َّالحُكم الذي أُسْنِدَ إلَى المشَبَّهِ مُمكنٌ.

    قد يتخذ الكاتبُ أو الشاعر طريقة منَ البلاغة يوحي فيها بالتشبيه منْ غير أنْ يُصرِّحَ بها في صورةٍ من صورهِ المعروفة ، يفعلُ ذلك نُزوعاً إلى الابتكار، وإِقامةِ للدليل على الحكم الذي أَسندهُ إلى المشبَّه، ورغبةً في إخفاءِ التشبيه، لأَنَّ التشبيه كلما دقَّ وخَفيَ كان أبلغَ وأفعل في النفس.

    أمثلة مع التحليل:

    1- قال أَبو تمّام :

    لاَ تُنْكِرِي عَطَلَ الْكَريم مِنَ الْغِنَى فالسَّيْلُ حرْبٌ لِلْمكانِ الْعالِي


    في هذا البيت يقول أبو تمام لمنْ يخاطبها: لا تستنكري خلوَّ الرجل الكريم منَ الغنى فإنَّ ذلك ليس عجيباً، لأَن قِمَمَ الجبال وهي أشرفُ الأَماكن وأعلاها لا يستقرُّ فيها ماءُ السيلِ.

    ألم تلمح هنا تشبيهاً؟ ألم تر أنه يشبِّهُ ضِمْناً الرجلَ الكريمَ المحرومَ الغِنى بِقمّة الجبل وقد خلت منْ ماء السيل؟ ولكنه لم يضَعْ ذلك صريحاً بل أتى بجملة مستقلةٍ وضمَّنها هذا المعنى في صورة برهانٍ.

    2- قال ابن الرومي :

    قَدْ يَشِيبُ الْفَتَى وَلَيْسَ عجيباً … أَنْ يُرَى النَّورُ في الْقَضِيبِ الرَّطيبِ


    يقول ابن الروميِّ: إنَّ الشابَّ قد يشيبُ ولم تتقدمْ به السنُّ، وإنَّ ذلك ليس بعجيبٍ، فإنَّ الغصنَ الغضَّ الرطب قد يظهرُ فيه الزهر الأَبيضُ.

    فابنُ الرومي هنا لم يأْت بتشبيهٍ صريح فإنه لم يقل: إِنَّ الفتى وقد وَخَطَهُ الشيبُ كالغصنِ الرطيب حين إزهاره، ولكنه أتى بذلك ضمنًا.

    3- قال أَبو الطيبِ :

    مَنْ يَهُنْ يَسهُلِ الهَوانُ عليهِ ما لجرْحٍ بميتٍ إيلامُ


    يقول أبو الطيب: إنَّ الذي اعتادَ الهوانَ يسهلُ عليه تحمُّلهُ ولا يتأَلم له، وليس هذا الادعاءُ باطلاً؛ لأَنَّ الميتَ إذا جُرحَ لا يتأَلمُ، وفي ذلك تلميحٌ بالتشبيه في غير صراحةٍ.

    ففي الأبياتِ الثلاثة تجِدُ أركانَ التشبيهِ وتَلْمحُهُ ،ولكنك لا تجدُه في صورةٍ من صوره التي عرفتها، وهذا يسمَّى بالتشبيهِ الضمنيِّ.

    سادسا: التشبيه المقلوب.

    التشبيهُ المقلوبُ : هو جعل المشبَّهِ مشبَّهاً به بادِّعاءِ أَنَّ وجه الشبه فيه أَقوَى وأَظهرُ.

    الأمثلة مع التحليل:

    قال محمد بن وُهيْب الحمْيَريُّ :

    وبَدا الصباحُ كأن غُرَّتهُ وَجهُ الخليفة حينَ يُمْتَدحُ


    يقول الحِمْيَرِي: إِنَّ تباشير الصباح تشبه في التلألؤ وجه الخليفة عند سماعه المديح، فأنت ترى هنا أنَّ هذا التشبيه خرج عما كان مستقرًّا في نفسك منْ أنَّ الشيءَ يُشَبَّه دائماً بما هو أَقوَى منه في وجه الشبهِ، إذِ المألوفُ أَنْ يقال إِنَّ الخليفة يشبه الصباحَ، ولكنه عكس وقلب للمبالغة والإغراق بادعاءِ أَنَّ وجهَ الشبه أَقوَى في المشبَّه، وهذا التشبيهُ مظهرٌ من مظاهر الافتنان والإبداع.

    وقال البحتريُّ :

    كأن سَنَاها بالعَشِيِّ لصبُحها تبَسُّمُ عيسى حين يلفظُ بالوعْدِ


    يشبه البحترى برق السحابة الذي استمر لماعاً طوال الليل يتبسم ممدوحه حينما يَعِدُّ بالعطاء، ولا شك أَن لمعان البرق أَقوى من بريق الابتسام، فكان المعهود أن يشبه الابتسام بالبرق كما هي عادة الشعراء، ولكن البحتري قلب التشبيه .


    وقال حافظ إبراهيم :

    أحِنُّ لهم ودُونَهُمُ فَلاة ٌ كأنَّ فَسِيحَها صَدرُ الحَليمِ


    وهنا يشبه حافظ إبراهيم الفلاة بصدر الحليم في الاتساع، وهذا أَيضاً تشبيه مقلوب.

    سابعا: أغراض التشبيه :

    أَغْرَاضُ التشبيهِ كثيرةٌ منها ما يأْتي:

    (أ) بيانُ إِمْكانٍ المشبَّه: وذلك حِينَ يُسْنَدُ إِليْهِ أمْر مُسْتغْرَبٌ لا تزول غرابتُه إلا بذكر شبيهٍ له.

    نحو قول البحتريُّ :

    دانٍ على أيْدي العُفَاةِ، وَشَاسعٌ عَنْ كُلّ نِدٍّ في العلا، وَضَرِيبِ


    كالبَدْرِ أفرَطَ في العُلُوّ، وَضَوْءُهُ للعُصْبَةِ السّارِينَ جِدُّ قَرِيبِ.


    وصف البحتريُّ ممدوحَه في البيت الأول بأَنه قريبٌ للمحتاجين، بعيدُ المنزلة، بينه وبين نُظَرَائهِ في الكرم بَوْنٌ شاسعٌ.

    ولكنَّ البحتري حينما أَحسَّ أَنه وصف ممدوحَه بوصفين متضادينِ، هما القُربُ والبُعدُ، أَرادَ أَنْ يبينَ لك أَنَّ ذلك ممكنٌ، وأنْ ليس في الأمر تناقضٌ؛ فشبَّه ممدوحَه بالبدرِ الذي هو بعيدٌ في السماء ولكنَّ ضوءَه قريبٌ جدًّا للسائرين بالليل، وهذا أَحدُ أَغراض التشبيه وهو بيان إِمكانِ المشبَّه.

    (ب) بيانُ حالِهِ: وذلك حينما يكونُ المشبَّهُ غيرَ معروف الصفةِ قَبْلَ التشبيه فَيُفيدُهُ التشبيهُ الوصفَ.

    نحو قول النَّابغة الذُّبْيانيُّ يمدح النعمان بن المنذر:

    فإِنَّكَ شَمْسٌ والمُلُوكُ كَواكِبٌ إِذا طَلَعَتْ لَمْ يَبْدُ مِنْهنَّ كَوْكَبُ


    فالنَّابغة يُشبِّهُ ممدوحَه بالشمس ويشبِّه غيره من الملوك بالكواكبِ، لأَنَّ سطوةَ الممدوح تَغُضُّ من سطوةِ كل ملكٍ كما تخفِي الشمسُ الكواكبَ، فهو يريد أَنْ يبين حالَ المدوح وحالَ غيره من الملوك، وبيانُ الحال منْ أَغراض التشبيه أَيضاً.

    (جـ) بيانُ مقدار حالِهِ: وذلك إذا كان المشبَّهُ معروفَ الصفةِ قَبْلَ التشبيهِ مَعْرفَةً إِجْماليَّةً وكان التشبيه يُبَيِّنُ مقدارَ هذه الصفةِ.

    نحو قول المتنبي في وصف أسد :

    ما قُوبِلَتْ عَيْناهُ إلاّ ظُنّتَا تَحْتَ الدُّجَى نارَ الفَريقِ حُلُولا


    المتنبي هنا يصفُ عيْني الأَسدِ في الظلام بشدةِ الاحمرار والتوقدِ، حتى إِنَّ من يراهما من بُعْدٍ يظنهما ناراً لقومٍ حُلول مقيمين، فلو لم يعْمدِ المتنبي إِلى التشبيه لقال: إِنَّ عَيْنَي الأَسدِ محمرتانِ ولكنه اضْطْرَّ إِلى التشبيه لِيُبَيِّنَ مقدارَ هذا الاحمرار وعِظَمه، وهذا منْ أغراض التشبيه أيضاً.

    (د) تَقْريرُ حالِهِ: كما إذا كانَ ما أُسْنِدَ إِلى المشبَّه يحتاج إِلى التثبيت والإِيضاح بالمثال.

    نحو قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ}(الرعد:14).

    أمَّا الآيةُ الكريمة فإنها تتحدث في شأن مَنْ يعْبدونَ الأوثان، وأنهم إذا دعوا آلهتَهم لا يستجيبون لهم، ولا يرجعُ إليهم هذا الدعاءُ بفائدةٍ، وقدْ أرادَ الله جل شأْنه أنْ يُقرِّر هذه الحال ويُثَبتَها في الأَذهانِ، فشبَّهَ هؤلاءِ الوثنيينِ بمن يبسُط كفيهِ إلى الماء ليشربَ فلا يصلُ الماءُ إلى فمه بالبداهة؛ لأنه يَخْرُجُ من خلالِ أصابعه ما دامت كفاهُ مبسوطتينِ.

    فالغرضُ منْ هذا التشبيه تقريرُ حال المشبَّهِ، ويأْتي هذا الغرضُ حينما يكون المشبَّهُ أمرًا معنويًّا؛ لأَنَّ النفسَ لا تجزم بالمعنوياتِ جزمَها بالحسيَّات، فهي في حاجةٍ إلى الإقناعِ.


    (هـ) تَزْيينُ الْمُشَبَّهِ أو تَقْبيحُهُ.

    نحو قول أَبو الحسن الأَنباريِّ في مصلوبٍ :

    مَدَدْتَ يَدَيْكَ نَحْوَهُمُ احتِفاءً كَمَدّهِماَ إِلَيْهِمْ بالهباتِ


    بيتُ أبي الحسن الأنباري من قصيدةٍ نالتْ شهرةً في الأدب العربي لا لشيءٍ إلا أنها حسّنتْ ما أجمعَ الناسُ على قُبحه والاشمئزازَ منه "وهو الصَّلْبُ" فهو يشبّهُ مدَّ ذراعي المصلوبِ على الخشبة والناسُ حولَه بمدِّ ذراعيهِ بالعطاءِ للسائلينَ أيام حياتهِ.

    والغرضُ من هذا التشبيه التزيينُ، وأكثر ما يكون هذا النوع ُفي المديحِ والرثاء والفخر ووصفِ ما تميلُ إليه النفوسُ.

    وقال أَعرابي في ذم امرأَته:

    وتَفْتَحُ – لا كانتْ – فَماً لَو رَأَيْتَهُ توَهَّمْتَهُ باباً مِنَ النَّار يُفْتَحُ


    والأعرابيُّ في البيت الأخيرِ يتحدَّثُ عن امرأته في سُخط وألمٍ، حتى إِنه ليدعو عليها بالحرمانِ منَ الوجود فيقول: "لا كانتْ"، ويشبِّهُ فمها حينما تفتحُه ببابٍ من أبوابِ جهنَّم.

    والغرضُ من هذا التشبيه التقبيحُ، وأكثرُ ما يكونُ في الهجاءِ ووصفِ ما تنفِرُ منه النفسُ.

    ثامنا: بلاغة التشبيه.

    تنْشأُ بلاغةُ التشبيه منْ أنه ينتقل بكَ منَ الشيء نفسِه إلى شيءٍ طريفٍ يشبهه، أو صورةٍ بارعة تمثِّله.

    وكلما كان هذا الانتقالُ بعيدًا قليلَ الخطورة بالبال، أو ممتزجاً بقليل أو كثيرٍ من الخيال، كان التشبيهُ أروعَ للنفس وأدعَى إلى إعجابها واهتزازها.

    فإذا قلتَ: فلانٌُ يُشبه فلاناً في الطول.

    أو إِنَّ الأرضَ تشبهُ الكره في الشكل.

    أو أَنَّ الجزرَ البريطانية تشبهُ بلادَ اليابان.

    لم يكنْ لهذه التشبيهاتِ أثرٌ للبلاغةِ؛ لظهورِ المشابهةِ وعدم احتياج العثور عليها إلى براعةٍ وجهْدٍ أدبيٍّ، ولخلوها منَ الخيال.

    وهذا الضربُ منَ التشبيه يُقصَدُ به البيانُ والإيضاح وتقريبُ الشيء إلى الأفهام، وأكثر ما يستعمل في العلوم والفنون.

    ولكنكَ تأخذكَ رَوْعةُ التشبيه حينما تسمعُ قول المعري يَصِف نجماً:

    يُسرِعُ اللّمحَ في احمرارٍ كما تُسرِعُ في اللّمحِ مُقلةُ الغَضبانِ


    فإنَّ تشبيهَ لمحات النجم وتأَلقِه مع احمرارِ ضوئه بسرعةِ لمحةِ الغضبان من التشبيهاتِ النادرة التي لا تنقادُ إلا لأَديب.

    ومنْ ذلك قولُ الشاعر:

    وكأنَ النُّجُومَ بينَ دُجاها سُننٌ لاحَ بينهُنَّ ابتداعُ


    فإِنَّ جمال هذا التشبيه جاء من شعورك ببراعة الشاعر وحذقه في عقد المشابهة بين حالتين ما كان يخطر بالبال تشابههما، وهما حالةُ النجوم في رُقْعةِ الليل بحال السُّننِ الدينية الصحيحة متفرقةً بين البدعِ الباطلةٍ.

    ولهذا التشبيه روْعةٌ أخرى جاءََت منْ أَنَّ الشاعر تخيّل أنَّ السنن مضيئةٌ لمَّاعةٌ، وأَنَّ البدعَ مظلمةٌ قاتمةٌ.

    ومنِ أبدع التشبيهاتِ قولُ المتنبي :

    بَليتُ بِلى الأطْلالِ إنْ لم أقِفْ بها وُقوفَ شَحيحٍ ضاعَ في التُّرْبِ خاتمُهْ


    يدعو على نفسه بالبلى والفناءِ إِذا هو لم يقفْ بالأَطلال ليذكرَ عهد مَن كانوا بها، ثم أَراد أَنْ يصوِّرَ لك هيئةَ وقوفه فقال: كما يقفُ شحيِحٌ فقد خاتمهُ في التراب.

    مَنْ كان يُوفَّقُ إلى تصوير حال الذاهلِ المتحير المحزون المطرقِ برأسه المنتقل منْ مكان إِلى مكان في اضطراب ودهشة بحال شحيحٍ فقد في التراب خاتمًا ثميناً؟ ولو أردنا أن نورد لك أمثلة منْ هذا النوع لطالَ الكلامُ.

    هذه هي بلاغةُ التشبيه من حيث مبلَغ طرافته وبُعد مرماهُ ومقدار ما فيه من خيالٍ، أمَّا بلاغته من حيثُ الصورةُ الكلاميةُ التي يوضع فيها أيضًا:

    فأقلُّ التشبيهات مرتبةً في البلاغة : ما ذكرتْ أركانُه جميعُها؛ لأنَّ بلاغةَ التشبيه مبنيَّةٌ على ادعاءِ أَنَّ المشبّه عين المشبَّه به، ووجودُ الأداة ووجهِ الشبه معاً يحولان دون هذا الادعاء، فإذا حذفتِ الأَداةُ وحدها، أو وجهُ الشبه وحده، ارتفعت درجةُ التشبيه في البلاغة قليلاً، لأَنَّ حذف أحد هذين يقوي ادعاءَ اتحاد المشبَّه والمشبَّه به بعض التقوية.

    وأمَّا أبلغ أنواع التشبيهِ : فالتشبيهُ البليغُ، لأنه مبنيٌّ على ادِّعاء أنَّ المشبَّه والمشبَّه به شيءٌ واحدٌ.

    هذا- وقد جرى العربُ والمُحدَثون على تشبيه الجوادِ بالبحر والمطر، والشجاعِ بالأَسد، والوجه الحسن بالشمس والقمر، والشَّهمِ الماضي في الأُمور بالسيف، والعالي المنزلة بالنَّجم، والحليم الرزين بالجبلِ، والأَمانيِّ الكاذبة بالأحلامِ، والوجه الصبيح بالدينار، والشعر الفاحم بالليل، والماء الصافي باللجَيْنِ، والليل بموج البحر، والجيش بالبحر الزاخر، والخيْل بالريح والبرْق، والنجوم بالدرر والأَزهار، والأَسنان بِالبَرْدِ واللؤلؤ، والسفُنِ بالجبال ،والجداولِ بالحيات الملتوية، والشّيْبِ بالنهار ولمْع السيوف، وغُرَّةِ الفرس بالهلال. ويشبهون الجبانَ بالنَّعامة والذُّبابةِ، واللئيم بالثعلب، والطائشَ بالفَراش، والذليلَ بالوتدِ. والقاسي بالحديد والصخر، والبليدَ بالحِمار، والبخِيل بالأرض المُجْدِيَة.

    وقد اشتهر رجالٌ من العرب بِخلال محمودةٍ فصاروا فيها أعلاماً فجرَى التشبيهُ بهم:

    فيشبه الكريم بحاتم.
    والعادل بعُمر.
    والحليم بالأحْنَف.
    والفصيح بسحْبان.
    والخطيب بقُسٍّ .
    والشجاع بعْمرو بن مَعْديكرب.
    والحكيمُ بلقمان.
    والذكيُّ بإياس.

    واشتهر آخرين بصفاتٍ ذميمة فجرَى التشبيهُ بهم أَيضاً:

    فيشبه العِييُّ بباقِل .
    والأحمقُ بهبَنَّقَةَ.
    والنادمُ بالكُسعِيّ.
    والبخيل بمارد.
    والهجَّاءُ بالحُطيّئَة.
    والقاسي بالحجاج.

    ===========
    كتاب البلاغة الواضحة: على الجارم و مصطفى أمين.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس مايو 29, 2014 10:16 am

    التشبيه البليغ
    هو ما اقتصر فيه على ذكر الْمُشَبَّهِ والْمُشَبَّهِ بِهِ فقط؛ دون ذكر الأداة أو وجه الشبه.
    وجه الجمال في التشبيه البليغ أنه يوحي للسامع أن المشبه والمشبه به هما شيئ واحد.
    مثال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ أَخِيهِ."
    يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن بالمرآة في صفائها وجلائها ونقائها ووضوحها. فالمؤمن لأخيه المؤمن هو المرآة الصافية التي يرى فيها نفسه على حقيقتها كما هي، بلا تزييف ولا تزويق.
    وكذلك ينبغي أن يكون المؤمن لأخيه المؤمن؛ يكون واضحا صفيا نقيا جليا، يُريه حقيقة نفسه دون تزييف ولا تزويق.
    وفي الحديث لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أداةَ تشبيه، بل ساق العبارة على وجه يوحي بأن المشبه والمشبه به شيئا واحدا في الحقيقة. وهذا من أبلغ الأساليب في سَوْقِ التشبيه.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد الإثنين أغسطس 25, 2014 5:11 am

    للتّشبيه روعة وجمال، وموقع حسنٌ في البلاغة؛ وذلك لإخراجه الخفي إلى الجلي، وإدنائه البعيد من القريب، يزيد المعاني رفعة ووضوحاً ويكسبُها جمالا وفضلا، ويكسوها شرفا ونُبلا، فهو فن واسع النطاق، فسيح الخطو، ممتدُ الحواشي مُتَشعب الأطراف مُتوعر المسلك، غامض المدرك، دقيق المجرى غزير الجدَوى.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 10, 2015 9:38 pm

    من كتاب عقود الجمان:

    التَّشْبِيهُ
    551 هُوَ الدَّلاَلَةُ عَلَى اشْتِرَاكِ = أَمْرٍ لِآخَرَ بِمَعْنًى زَاكِ
    552 لاَ كَاسْتِعَارَةٍ بِتَحْقِيقٍ وَلاَ = كِنَايَةٍ وَلاَ كَتَجْرِيدٍ خَلاَ
    553 فَدَخَلَ الَّذِي أَدَاتَهُ فَقَدْ = كَقَوْلِهِ "صُمٌّ" وَنَحْوِ "ذَا أَسَدْ"
    554 أَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: أَدَاتُهُ = وَوَجْهُهُ وَالطَّرَفَانِ ذَاتُهُ
    555 وَهَهُنَا يُنْظَرُ فِي هَذِي وَفِي = أَقْسَامِهِ وَغَرَضٍ مِنْهُ وَفِيْ
    556 فَالطَّرَفَانِ مِنْهُ حِسِّيَّانِ = مُخْتَلِفَانِ أَوْ فَعَقْلِيَّانِ
    557 كَالْخَدِّ وَالْوَرْدِ، وَنُورٍ وَهُدَى، = وَالسَّبْعِ وَالْمَوْتِ، وَجَهْلٍ وَرَدَى
    558 فَكُلُّ مَا تُدْرِكُ إِحْدَى الْخَمْسِ = إِيَّاهُ أَوْ مَادَتَهُ فَالْحِسِّيْ(1)
    559 مِنْهُ الْخَيَالِيُّ كَتَشْبِيهِ الشَّقِيقْ = بِعَلَمِ الْيَاقُوتِ، وَالْعُودِ الرَّقِيقْ
    560 بِالرُّمْحِ مِنْ زَبْرَجَدٍ فِي النَّظْمِ = وَغَيْرُهُ الْعَقْلِيْ وَمِنْهُ الْوَهْمِيْ
    561 مَا لَيْسَ مُدْرَكًا وَلَوْ قَدْ أُدْرِكَا = كَانَ بِحِسٍّ لاَ سِوَاهُ مُدْرَكَا
    562 وَمِنْهُ ذُو الْوِجْدَانِ نَحْوُ الْأَلَمِ = وَوَجْهُهُ ذُو الاِشْتِرَاكِ فَاعْلَمِ
    563 وَلَوْ تَخَيُّلاً كَتَشْبِيهِ النُّجُمْ = بِسُنَنٍ بَيْنَ ابْتِدَاعٍ فِي الظُّلَمْ
    564 وَوَجْهُهُ حُصُولُ شَيْءٍ أَزْهَرَا = أَبْيَضَ فِي جَنْبِ ظَلاَمٍ أَغْبَرَا
    565 وَذَاكَ فِي السُّنَّةِ لَيْسَ يُوجَدُ = إِلاَّ عَلَى التَّخْيِيلِ فِيمَا يَرِدُ
    566 لِأَنَّ الاِبْتِدَاعَ يَجْعَلُ الرَّدِي = كَالْمَاشِ فِي الظُّلْمَةِ لَيْسَيَهْتَدِي
    567 وَعَكْسُهُ السُّنَّةُ فَهْيَ وَالْهُدَى = كَالنُّورِ ثُمَّ شَاعَ هَذَا وَغَدَا
    568 يَطْرُقُ فِي الْخَيَالِ أَنَّ الثَّانِي = مِمَّا لَهُ الْبَيَاضُ كَاللَّمْعَانِ
    569 وَأَوَّلٌ خِلاَفُهُ فَهْوَ كَمَنْ = تَشْبِيهُهُ بِالشَّيْبِ فِي الشَّبَابِ عَنْ
    570 مِنْ ثَمَّ وَجْهُ "النَّحْوُ فِي الْكَلاَمِ = كَالْمِلْحِ" إِذْ يَكُونُ فِي الطَّعَامِ
    571 هُوَ الصَّلاَحُ بِالْوُجُودِ وَالْفَسَادْ = بِالْفَقْدِ لاَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعِبَادْ:
    572 "كَوْنُ الْقَلِيلِ مُصْلِحًا وَتُـفْسِدُ = كَثْرَتُهُ"فَالنَّحْوُ حَقًّا يَفْقِدُ
    573 تَفَاوُتًا، وَالْوَجْهَ قِسْمَيْنِ اقْسِمَنْ = فَغَيْرُ خَارِجٍ عَنِ الطَّرْفَيْنِ مَنْ
    574 شَبَّهَ فِي نَوْعٍ وَجِنْسٍ مِلْحَفَهْ = بِمِثْلِهَا وَخَارِجٌ وَهْوَ صِفَةْ
    575 مِنْهَا الْحَقِيقِيَّةُ كَالْحِسِّيَّةْ = كَيْفِيَّةٌ تَخْتَصُّ بِالْجِسْمِيَّةْ
    576 كَمُدْرَكِ الطَّرْفِ مِنَ اللَّوْنِ وَمِنْ = شَكْلٍ وَقَدْرٍ وَتَحَرُّكٍ زُكِنْ
    577 وَالسَّمْعِ مِنْ صَوْتٍ ضَعِيفٍ أَوْ قَوِيْ = وَالذَّوْقِ مِنْ طَعْمٍ كَرِيهٍ أَوْ شَهِيْ
    578 وَالشَّمِّ مِنْ رِيحٍ كَذَاكَ اللَّمْسِ مِنْ = حَرٍّ وَمِنْ بَرْدٍ وَيُبْسٍ وَخَشِنْ
    579 وَنَحْوِِ ذَلِكَ وَكَالْعَقْلِيَّةْ = كَيْفِيَّةٌ مِثْلُ الذَّكَا نَفْسِيَّةْ
    580 ثُمَّ الْإِضَافِيَّةُ كَالْإِزَالَةِ = لِلْحُجْبِ فِيالشَّمْسِ شَبِيهِ الْحُجَّةِ
    581 وَاقْسِمْهُ وَاحِدًا مُرَكَّبًا عَدَدْ = وَكُلُّهَا حِسِّيٌّ اَوْ عَقْلِيْ وَرَدْ
    582 فِي ثَالِثٍ مُخْتَلِفًا وَالْحِسِّيْ ثَمْ = طَرْفَاهُ حِسِّيَّانِ وَالْغَيْرُ أَعَمْ
    583 فَكُلُّ مَا شُبِّهَ بِالْحِسِّيِّ صَحْ = بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَوَضَحْ
    584 مُرَادُهُمْ بِالْحِسِّيْ مَا أَفْرَادُهُ = تُدْرَكُ بِالْحِسِّ وَذَا تَعْدَادُهُ
    585 اَلْوَاحِدُ الْحِسِّيُّ حُمْرَةٌ خَفَا = وَالطِّيبُ وَاللَّذَّةُ وّاللِّينُ وَفَا
    586 فِي الْخَدِّ بِالْوَرْدِ،وَصَوْتٍ قَدْ ضَعُفْ = بِالْهَمْسِ، وَالْعَنْبَرِ نَكْهَةٍ رُشِفْ
    587 وَالْجِلْدِ بِالْحَرِيرِ وَالشَّيْءِ بِمَنْ = وَالْوَاحِدُ الْعَقْلِيُّ كَالْخُلُوِّ عَنْ
    588 فَائِدَةٍ وَجُرْأَةٍ وَالاِهْتِدَا = مَعَ اسْتِطَابِ النَّفْسِ فِيمَا فَقَدَا
    589 نَفْعًا بِمَعْدُومٍ، وَعِلْمٍ بِفَلَقْ = وَالشَّخْصِ بِالسَّبُعْ، وَعِطْرٍ بِخُلُقْ
    590 وَذُو تَرَكُّبٍ غَدَا حِسِّيَّا = فِي مُفْرَدٍ طَرْفَاهُ كَالثُّرَيَّا
    591 شُبِّهَ بِالْعُنْقُودِ مِنْ كَرْمٍ لِمَا = حَوَتْهُ مِنْ صُورَتِهِ إِذْ نُظِمَا
    592 وَحَبُّهُ أًبْيَضُ وَاسْتَدَارَا = وَقَارَبَ الرُّؤْيَةَ وَالْمِقْدَارَا
    593 وَمَا تَرَكَّبَا كَقَوْلِيْ آخُذَا = مِنْ قَوْلِ بَشَّارٍ مُمَثِّلاً لِذَا:
    594 "وَالنَّقْعُ فَوْقَ رَأْسِنَا وَالْأَسْيُفُ = لَيْلٌ تَهَاوَى شُهْبُهُ وَتَخْطَفُ"(2)
    595 بِجَامِعِ السُّقُوطِ فِي أَجْرَامِ = مُشْرِقَةٍ طَوِيلَةِ الْأَجْسَامِ
    596 تَنَاسَبَتْ أَقْدَارُهَا مُفَرَّقَةْ = فِي جَنْبِ شَيْءٍ مُظْلِمٍ مُتَّسِقَةْ
    597 وَمَا تَخَالَفَا كَمَا الشَّقِيقُ مَرْ = وَالزُّهْرُ فِي الرُّبَى بِلَيْلٍ ذِي قَمَرْ
    598 وَحُسْنُهُ فِي هَيْئَةٍ بِهَا تَقَعْ = حَرَكَةٌ مَعْ وَصْفٍ اَوْ جُرِّدَ مَعْ
    599 تَحَرُّكٍ إِلَى جِهَاتٍ فَالْأُوَلْ = كَـ"الشَّمْسُ كَالْمِرآةِ فِي كَفِّ الْأَشَلْ"
    600 وَالثَّانِ كَالْبَرْقِ إِذَا بَدَا وَلاَحْ = كَمُصْحَفِ الْقَارِي انْطِبَاقًا وَانْفِتَاحْ (3)
    601 وَهَيْئَةُ السُّكُونِ رُبَّمَا تَلِي = "يُقْعَى جُلُوسُ الْبَدَوِيِّ الْمُصْطَلِي"
    602 وَذُو تَرَكُّبٍ إِلَى الْعَقْلِ انْتَسَبْ = مِثْلِ حِرْمَانِ انْتِفَاعٍ مَعْ تَعَبْ
    603 فِي مَثَلِ الْيَهُودِ بِالْحِمَارِ = وَالْحَمْلِ لِلتَّوْرَاةِ وَالْأَسْفَارِ
    604 وَرَاعِ فِي تَعَدُّدٍ مَا يَحْصُلُ = بِهِ إِذَا أُسْقِطَ مِنْهُ خَلَلُ
    605 وَذُو تَعَدُّدٍ مِنَ الْحِسِّيْ كَمَنْ = شَبَّهَ فَنًّا فِي صِفَاتِهِ بِفَنْ
    606 وَضِدُّهُ مَنْ بِالْغُرَابِ فِي الْحَذَرْ = شَبَّهَ طَيْرًا وَالْسِّـفَادِ وَالنَّظَرْ
    607 وَالثَّالِثُ التَّشْبِيهُ لِلْإِنْسَانِ = بِالشَّمْسِ فِي الْحُسْنِ وَرَفْعِ الشَّانِ (4)
    608 وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ وَجْهٌ لِلشَّبِيهْ = نَ التَّضَادِ لاِشْتِرَاكِ الضِّدِّ فِيهْ
    609 لِقَصْدِ تَمْلِيحٍ أَوِ التَّهَكُّمِ= كَوَصْفِهِ مُبَخَّلاً بِحَاتِمِ


    فَصْلٌ [ أداة التشبيه ]

    610 أَدَاتُهُ: (الْكَافُ) وَ(مِثْلُ) وَ(كَأَنْ) = وَالْأَصْلُ فِي (الْكَافِ) وَمَا أَشْبَهَ أَنْ
    611 تُولَى مُشَبَّهًا بِهِ وَرُبَّمَا = تُولَى سِوَاهُ "مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَا"
    612 قُلْتُ: وَلاَ يَكُونُ (مِثْلُ) إِلاَّ = فِي ذِي غَرَابَةٍ وَشَأْنٍ جَلاَّ
    613 وَرُبَّمَا يُذْكَرُ فِعْلٌ يُنْبِي = عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مُرِيدَ الْقُرْبِ
    614 "عَلِمْتُ زَيْدًا أَسَدًا" وَالْمُبْعِدُ= "حَسِبْتُهُ"، قُلْتُ: وَذَا مُنْتَقَدُ




    فَصْلٌ

    615 غَرَضُهُ يَعُودُ لِلْمُشَبَّهِ = فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ وَفِي أَغْلَبِهِ
    616 بَيَانُ إِمْكَانٍ وَحَالٍ وَكَذَا = قَدْرٍ وَتَقْرِيرٍ لَهَا، وَكُلُّ ذَا
    617 يَقْضِي بِأَنَّ الْوَجْهَ فِي الْمُشَبَّهِ = بِهِ أَتَمُّ وَهْوَ أَشْهَرُ بِهِ
    618 وَفِيهِ نَقْدٌ ثُمَّ لِلتَّشْوِيهِ = وَزِينَةٍ وَالظَّرْفِ كَالتَّشْبِيهِ
    619 لِلْفَحْمِ ذِي الْجَمْرِ بِبَحْرِ مِسْكِ = وَمَوْجُهُ مِنْ ذَهَبٍ ذِي سَبْكِ
    620 وَوَجْهُ ظَرْفٍ كَوْنُهُ يُبْرَزُ فِي = مُمْتَنِعٍ أَوْ قَلَّ فِي الذِّهْنِ يَفِي
    621 وَلِمُشَبَّهٍ بِهِ الْغَرَضُ عَمْ = إِمَّا لِإِيـهَامٍ بِأَنَّهُ أَتَمْ
    622 وَذَاكَ فِي الْمَقْلُوبِ أَوْ لِلاِهْتِمَامْ = كَجَائِعٍ شَبَّهَ خُبْزًا بِالتَّمَامْ
    623 إِظْهَارُ مَطْلُوبٍ وَكُلُّ ذَا إِذَا = إِلْحَاقُ نَاقِصٍ بِغَيْرٍ يُحْتَذَى
    624 وَقَدْ يُرَادُ الْجَمْعُ لِلشَّيْئَيْنِ فِي = أَمْرٍ وَلَمْ يُنْظَرْ لِنَقْصٍ أَوْ وَفِي
    625 فَالْأَحْسَنُ الْعُدُولُ لِلتَّشَابُهِ= وَذِكْرُهُ التَّشْبِيهَ مِنْ صَوَابِهِ

    (1) نور الأقاح:
    ذو الحس ما تدركه الخمس وما= عداه ذو العقل كما قد رسما
    (2)كأن مُثار النقع فوق رءوسنا= وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
    (3) ابن المعتز:
    فكأن البرق مصحف قارٍ= فانطباقا مرة وانفتاحا
    (4) الأول كقول الشاعر:
    قامت تظللني ومن عجب = شمس تظللني من الشمس
    والثاني كقول الشاعر:
    فإنك شمس والملوك كواكب = إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 10, 2015 9:38 pm

    شرح عقود الجمان للسيوطي

    التشبيه
    [هو الدلالة على اشتراك = أمر لآخر بمعنى زاكى
    لا كاستعارة بتحقيق ولا = كناية ولا كتجريد خلا
    فدخل الذي أداته فقد = كقوله صم ونحو ذا أسد
    أركانه أربعة أداته = ووجه والطرفان ذاته
    وههنا ينظر في هذى وفي = أقسامه وغرض منه وفي
    فالطرفان منه حسيان = مختلفان أو فعقليان
    كالخد والورد ونور وهدى = والسبع والموت وجهل وردى
    فكل ما يدرك إحدى الخمس = إياه أو مادته فالحسى
    منه الخيالي كتشبيه الشقيق = بعلم الياقوت والعود الرقيق
    بالرمح من زبرجد في النظم = وغيره العقلي ومنه الوهمي
    ما ليس مدركًا ولو قد أدركا = كان بحس لا سواء مدركا
    ومنه ذو الوجدان نحو اللم = ووجهه ذو الاشتراك فاعلم]
    التشبيه الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى لا على وجه الاستعارة التحقيقية نحو رأيت أسدًا في الحمام ولا على وجه الاستعارة بالكناية نحو أنشبت المنية أظفارها ولا على وجه التجريد الآتي في البديع نحو لقيت من زيد أسدًا فإن في كل من هذه الثلاثة دلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى ولا يسمى شيء منها تشبيهًا فدخل فيه ما حذف منه الأداة وهو خبر مبتدأ أو ما في حكمه إما مع الشمبه نحو قوله تعالى – صم بكم عمي – أو لا نحو زيد أسد فإن المحققين على أنه تشبيه بليغ لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون في الآية تقديرًا: أي المنافقون صمّ وفي زيد أسد صريحا وإنما تطلق الاستعارة حيث يطوى ذكر المستعار له ويجعل الكلام خلوا عنه صالحا لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام ومن ثم ترى المفلقين السحرة يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا. وقال الشيخ بهاء الدين الذي يتضح لي أن الصواب أن ذلك على قسمين: تارة يقصد به التشبيه فتكون أداته مقدرة، وتارة يقصد به الاستعارة فلا ويكون الأسد مستعملاً في حقيقته ويكون ذكر زيد والإخبار عنه بما لا يصلح له حقيقة قرينة صارفة إلى الاستعارة دالة عليها فإن قامت قرينة على حذف الأداة صرنا إليه وإلا فنحن بين إضمار واستعارة والاستعارة أولى. والنظر هنا في أركان التشبيه وأقسامه والغرض منه فأركانه أربعة: طرفاه المشبه والمشبه به والوجه والأداة وهو بهذا الاعتبار شبيه بالقياس، فالطرفان إما حسيان أو عقليان أو مختلفان بأن يكون المشبه حسيًا والمشبه به عقليًا أو عكسه فالأول كالخدّ والورد في المبصرات كقوله:
    ما لدهر إلا لربيع المستنير إذا = أتى الربيع أتاك النور والنور
    فالأرض ياقوتة والجو لؤلؤة = والنبت فيروزج والماء بلور
    [شرح عقود الجمان: 78]
    وكالنكهة والعنبر في المشمومات والصوت الضعيف والهمس في المسموعات والريق والشهد في المذوقات والجلد الناعم والحرير في الملبوسات. والثاني كالعلم والحياة لأنهما جهتا إدراك النور والهدى قال:
    أخو العلم حيّ خالد بعد موته = وأوصاله تحت التراب رميم
    وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى = يظن من الأحياء وهو عديم
    والثالث كالسبع والموت. والرابع كالعطر والخلق الكريم والجهل والهلاك والمراد بالحسي المدرك هو أو مادته بإحدى الحواس الخمس الظاهرة: البصر والسمع والشم والذوق واللمس، فدخل فيه بسبب قولنا أو مادته الخيالي وهو المعدوم الذي يفرض مجتمعا من أمور كل واحد منها مما يدرك بالحس كقوله:
    وكأن محمر الشقيق = إذا تصوّب أو تصعد
    أعلام ياقوت نشر = ن على رماح من زبرجد
    فإن كلاً من العلم والياقوت والرمح والزبرجد محسوس لكن المركب الذي هذه الأمور مادته ليس بمحسوس لأنه غير موجود والحس لا يدرك إلا ما هو موجود، والعقلي ما عدا ذلك فدخل فيه الوهمي وهو ما لبس مدركًا بإحدى الحواس ولكنه لو أدرك لكان بها مدركًا كما في قوله:
    * ومسنونة زرق كأنياب أغوال * فأنياب الأغوال مما لا يدركه الحس لعدم وجوده كما ثبت في الصحيح ولا غول مع أنها لو أدركت لم تدرك إلا بحاسة البصر، والوجداني وهو ما يدرك بالقوى الباطنية كاللذة والألم والجوع والشبع والهم والفرح ونحو ذلك وقولي ووجهه إلخ متعلق بالأبيات الآتية:
    [ولو تخيلا كتشبيه النجم = بسنن بين ابتداع في الظلم
    ووجهه حصول شيء أزهرا = أبيض في جنب ظلام أغبرا
    وذاك في السنة ليس يوجد = إلا على التخييل فيما يرد
    لأن الابتداع يجعل الردى = كالماش في الظلمة ليس يهتدي
    وعكسه السنة فهي والهدى = كالنور ثم شاع هذا وغدا
    يطرق في الخيال إن الثاني = مما له البياض كاللمعان
    وأول خلافه فهو كمن = تشبيهه بالشيب في الشباب عن
    من ثم وجه النحو في الكلام = كالملح إذ يكون في الطعام
    هو الصلاح بالوجود والفساد = بالفقد لا ما قاله بعض العباد
    كن القليل مصلحا ويفسد = كثرته فالنحو حقا يفقد]
    وجه التشبيه ما يشتركان فيه أي المعنى الذي قصد اشتراك الطرفين فيه تحقيقًا أو تخييلاً بأن لا يوجد ذلك المعنى إلا على سبيل التخيل والتأويل كما في قوله:
    وكأن النجوم بين دجاها = سنن لاح بينهن ابداع
    فإن وجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من حصول أشياء مشرقة بيض في جوانب شيء مظلم أسود وتلك الهيئة غير موجودة في المشبه به وهو السنن بين الابتداع إلا على طريق التخييل، لأنه لما كانت البدعة وكل الجهالات تجعل صاحبها كمن يمشي في الظلمة ولا يهتدي للطريق ولا يأمن أن ينال مكروهًا شبهت بها ولزم بطريق العكس أن تشبه السنة وكل ما هو علم بالنور لأن السنة والعلم يقابل
    [شرح عقود الجمان: 79]
    البدعة والجهل كما أن النور يقابل الظلمة وشاع ذلك حتى تخيل أن السنة ونحوها مما له بياض وإشراق نحو تركتكم على الحنيفية البيضاء وتخيل أن الأول وهو البدعة ونحوها على خلاف ذلك أي مما له ظلام وسواد كقولك شاهدت سواد الكفر من جبين فلان فصار بسبب ذلك تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع كتشبيهها ببياض الشيب في سواد الشباب من أجل ذلك أي وجوب اشتراك الطرفين في وجه التشبيه كأن وجه الشبه في قولهم النحو في الكلام كالملح في الطعام هو الصلاح بوجوده والفساد يعدمه. لا ما قيل كون القليل مصلحا والكثير مفسدا لأن المشبه وهو النحو لا يشترك في هذا المعنى إذ لا يقبل التفاوت بالقلة والكثرة لأن المراد رعاية قواعده واستعمال أحكامه كرفع الفاعل ونصب المفعول وهذه إن وجدت في الكلام بكمالها صلح وإن لم توجد فسد فقولي أول الأبيات الآتية تفاوتا متعلق بيفقد مفعوله:
    [تفاوتا والوجه قسمين اقسمن = فغير خارج عن الطرفين من
    شبه في نوع وجنس ملحفه = بمثلها وخارج وهو صفه
    منها الحقيقة كالحسية = كيفية تختص بالجسمية
    كمدرك الطرف من اللون ومن = شكل وقدر وتحرك زكن
    والسمع من صوت ضعيف أو قوى = والذوق من طعم كريه أو شهى
    والشم من ريح كذاك اللمس من = حر ومن برد ويبس وخشن
    ونحو ذلك وكالعقلية = كيفية مثل الذكا نفيسه
    ثم الإضافية كالإزالة = للحجب في الشمس شبيه الحجة]
    ينقسم وجه التشبيه إلى خارج عن حقيقة الطرفين وغير خارج فالثاني كما في تشبيه ثوب بآخر في الجنس والنوع كما يقال هذا القميص مثل هذا في كونهما كتانا وهذا الثوب مثله في كونه قميصا والأول صفة أي معنى قائم بهما وهما قسمان: حقيقية أي هيئة متمكنة في الذات وهي نوعان حسية أي تدرك بإحدى الحواس كالكيفيات الجسمية أي المختصة بالأجسام مما يدرك بالبصر من الألوان والأشكال والمقادير والحركات والسمع من الأصوات الضعيفة والقوية وما بينهما والذوق من المطعوم والشم من الروائح واللمس من الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة والخشونة والملاسة واللين والصلابة والخفة والثقل وما يتصل بها من البلة والجفاف واللزوجة وغير ذلك. والنوع الثاني عقلية كالكيفيات النفسانية من الذكاء والعلم والغضب والحلم والكرم والبخل والشجاعة والجبن وسائر الغرائز. القسم الثاني إضافية بأن يكون معنى متعلقًا بشيئين كإزالة الحجاب في تشبيه الحجة بالشمس فإنها ليست هيئة متقررة في ذات الحجة ولا في ذات الحجاب:
    [واقسمه واحدا مركبا عدد = وكلها حسي أو عقلي ورد
    في ثالث مختلفا والحس ثم = طرفاه حسيين والغير أعم
    فكل ما شبه بالحسي صح = بغيره من غير عكس ووضح
    مرادهم بالحس ما أفراده = تدرك بالحس وذا تعداده
    الواحد الحسي حمرة خفا = والطيب واللذة واللين وفا
    في الخد بالورد وصوت قد ضعف = بالهمس والعنبر نكهة رشف
    [شرح عقود الجمان: 80]
    والجلد بالحرير والشيء بمن = والواحد العقلي كالعراء عن
    فائدة وجرأة والاهتدا = مع استطاب النفس فيما نقدا
    نفعا بمعدوم وعلم بفلق = والشخص بالسبع وعطر بخلق]
    ينقسم وجه التشبيه أيضًا إلى ثلاثة أقسام: واحد مركب من متعدد تركيبًا حقيقيًا بأن تكون حقيقة ملتئمة من أمور مختلفة أو اعتباريًا بأن تكون هيئة انتزعها العقل من عدة أمور وإلى متعدد بأن ينظر إلى عدة أمور ويقصد اشتراك الطرفين في كل منها ليكون كل منها وجه تشبيه بخلاف المركب فإنه لم يقصد اشتراك الطرفين في كل من تلك الأمور بل في الهيئة المنتزعة أو في الحقيقة الملتئمة منها وكل واحد من هذه الثلاثة إما حسي أو عقلي فهذه ستة ويختص الثالث بأن يكون مختلفًا بعضه حسي وبعضه عقلي فهي سبعة والحسي طرفاه حسيان لا غير إذ لا يدرك بالحسّ شيء غير المحسوس والعقلي أعم لجواز أن يدرك بالعقل من المحسوس شيء فكل ما صح فيه التشبيه بالوجه الحسي صح بالوجه العقلي ولا عكس كما صرحت به من زيادتي وهو معنى قول التلخيص ولذلك يقال التشبيه بالوجه العقلي أعم والمراد بكون وجه التشبيه حسيًا أن أفراده مدركة بالحسّ كالحمرة التي تدرك بالبصر جزئياتها الحاصلة في المرائي فالواحد الحسي كالحمرة والخفاء وطيب الرائحة ولذة الطعم ولين الملمس في تشبيه الخد بالورد والصوت الضعيف بالهمس والنكهة بالعنبر والشيء بالمن والجلد الناعم بالحرير والواحد العقلي كالعراء عن الفائدة والجرأة والهداية واستطابة النفس في تشبيه العديم النفع بالمعدوم والعلم بالنور والشجاع بالأسد والعطر بخلق كريم ومن الأول وطرفاه حسيان قول ابن سكرة:
    الخد ورد والصدغ عالية = والريق خمر والثغر من برد
    ومن الثاني وطرفاه حسيان حديث الترمذي «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق» وحديث ابن ماجه «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» شبهوا بالسفينة والنجوم في مطلق حصول النجاة والاهتداء، ومنه وطرفاه عقليان قوله:
    أخلاقه نكت في المجد أيسرها = لطف يؤلف بين الماء والنار
    لو زرته لرأيت الناس في رجل = والدهر في ساعة والأرض في دار
    ومنه وطرفاه عقلي وحسي قوله:
    كأن ثباته للقلب قلب = وهيبته جناح للجناح
    وعكسه:
    وأرض كأخلاق الكريم قطعتها = وقد كحل الليل السماك فأبصرا
    وقوله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن. يحتمل أن يكون حسيا بحيث أن الرجل والمرأة في المعانقة كاللباس المشتمل وعقليًا على معنى أن كلا منهما يصون صاحبه من الوقوع في الفضيحة كاللباس الساتر:
    [وذو تركب غدا حسيا = في مفرد طرفاه كالثريا
    شبه بالعنقود من كرم لما = حوته من صورته إذ نظما
    وحبه أبيض واستدارا = وقارب الرؤية والمقدارا
    وما تركبا كقولي أخذا = من قول بشار مماثلا لذا
    والنقع فوق رءوسنا والأسيف = ليل تهاوى شهبه وتخطف
    [شرح عقود الجمان: 81]
    بجامع السقوط في أجرام = مشرقة طويلة الأجسام
    تناسقت أقدارها مفرقة = في جنب شيء مظلم متسقة
    وما تخالفا كما الشقيق مر = والزهر في ربا بليل ذي قمر
    وحسنه في هيئة بها نقع = حركة أو وصف أو جرد مع
    تحرك إلى جهات فالأول = كالشمس كالمرآة في كف الأشل
    والثاني كالبرق إذا بدا ولاح = كمصحف القارى انطباقا وانفتاح
    وهيئة السكون ربما تلى = يقمى جلوس البدوى المصطلى
    المركب الحسي من وجه التشبيه إما مفردان أو مركبان بأن يقصد إلى عدة أشياء مختلفة فينتزع منها هيئة ويجعلها مشبها ومشبها به أو أحدهما مفرد والآخر مركب فالمركب الذي طرفاه مفردان كقوله:
    وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى = كعنقود ملاحية حين نورا
    شبه الثريا بعنقود عنب لما حواه من الهيئة الحاصلة من تقارب الصور البيض المستديرة الصغار المقادير في المرائي على الكيفية المخصوصة لا شديدة الافتراق ولا الانضمام إلى المقدار المخصوص من الطول والعرض فنظر إلى عدة أشياء وقصد إلى هيئة حاصلة منها والطرفان مفردان وهما الثريا والعنقود والذي طرفاه مركبان كقول بشار:
    كأن مثار النقع فوق رءوسنا = وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
    لما فيه من الهيئة الحاصلة من سقوط أجرام مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار متفرقة في جوانب شيء مظلم فهو مركب وكذا الطرفان لأنه لم يقصد تشبيه الليل بالنقع والكواكب بالسيوف بل عمد إلى تشبيه هيئة السيوف وقد سلت من أغمادها وهي تعلو وترسب وتجيء وتذهب وتضطرب اضطرابًا شديدًا وتتحرك بسرعة إلى جهات مختلفة وعلى أحوال تنقسم بين الاعوجاج والاستقامة والارتفاع والانخفاض مع التلاقي والتداخل والتصادم والتلاحق وكذا في جانب المشبه به فإن للكواكب في تهاويها تواقعا وتداخلاً واستطالة لأشكالها. ويحكى عن بشار أنه قال لما سمعت قول امرئ القيس كأن قلوب الطير البيت لم يستقر لي قرار حسدا له حتى قلت هذا البيت في صفة الحرب، والذي طرفاه مختلفان بأن يكون الأول مفردا والثاني مركبًا كما مر في تشبيه الشقيق بأعلام ياقوت نشرت على رماح من زبرجد من الهيئة الحاصلة من نشر أجرام حمر مبسوطة على رءوس أجرام خضر مستطيلة فالمشبه مفرد وهو الشقيق والمشبه به مركب، وعكسه تشبيه نهار مشمس شابه زهر الربا بليل مقمر في قوله:
    تريا نهارا مشمسا قد شابه = زهر الربا فكأنما هو مقمر
    ومن بديع المركب الحسي ما يجيء في الهيئات التي تقع عليها الحركة سواء قرنت بشيء من أوصاف الجسم كالشكل واللون أو جردت حتى لا يراد غيرها ولا بد حينئذ من اختلاف حركات إلى جهات مختلفة له ليتحقق التركيب، فالأول كقوله * والشمس كالمرآة في كف الأشل * لما فيه من الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة مع تموج الإشراق حتى يرى الشعاع كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة ثم يبدو له فيرجع إلى الانقباض والثاني كقوله: فكأن البرق مصحف قار = فانطباقا مرة وانفتاحا
    [شرح عقود الجمان: 82]
    وجه التركيب أن المصحف يتحرك في حالتي الانطباق والانفتاح إلى جهتين في كل حالة إلى جهة بخلاف حركة الرحى والسهم مثلا فلا تركيب فيها لاتحادها، وقد يقع التركيب في هيئة السكون كقول المتنبي في صفة الكلب * يقعى جلوس البدوى المصطلى * لما فيه من الهيئة الحاصلة من موقع كل عضو منه في إقعائه فإن لكل موقعا خاصا وللمجموع صورة خاصة مؤلفة من تلك المواقع وكذلك صورة جلوس البدوى عند الاصطلاء بالنار موقدة على الأرض:
    [وذو تركب إلى العقل انتسب = كمثل حرمان انتفاع مع تعب
    في مثل اليهود بالحمار = والحمل للتوراة والأسفار
    وراع في تعدد ما يحصل = به إذا أسقط منه خلل]
    المركب العقلي من وجه الشبه كحرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه في قوله تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} وربما ينزع وجه الشبه من متعدد فيقع الخطأ لوجوب انتزاعه من أكثر كما إذا انتزع من الشطر الأول من قوله:
    كما أبرقت قوما عطاشا غمامه = فلما رأوها أقشعت وتجلت
    لوجوب انتزاعه من الجميع فإن المراد التشبيه باتصال ابتداء مطمع بانتهاء مؤيس فليراع ما يختل بإسقاطه المعنى:
    [وذو تعدد من الحسي كمن = شبه فنافى صفاته بفن
    وضده من بالغراب في الحذر = شبه طيرا والفساد والنظر
    والثالث التشبيه للإنسان = بالشمس في الحسن ورفع الشان
    وربما يؤخذ وجه للتشبيه = من التضاد لاشتراك الضدّ فيه
    لقصد تمليح أو التهكم = كوصفه مبخلا بحاتم]
    التعدد الحسي كاللون والطعم والرائحة في تشبيه فاكهة بأخرى وكقوله:
    حكت لونا ولينا واعتدالا = ولحظا قاتلا سمر الرماح
    والعقلى كحدة النظر وكمال الحذر وإخفاء السفاد في تشبيه طائر بالغرب وكقول أبي العلاء:
    والخل كالماء يبدي لي ضمائره = مع الصفاء ويخفيها مع الكدر
    والمختلف كسحن الطلعة ونباهة الشأن في تشبيه إنسان بالشمس، وقد ينتزع وجه الشبه من نفس التضاد لاشتراك الضدين فيه ثم ينزل منزلة التناسب بواسطة تمليح أي تحسين أو تهكم أي سخرية واستهزاء فيقال للجبان ما أشبهه بالأسد وللبخيل إنه حاتم.
    فصل
    [أداته الكاف ومثل وكأن = والأصل في الكاف وما أشبه أن
    تولى مشبها به وربما = تولى سواه مثل الدنيا كما
    قلت ولا يكون مثل إلا = في ذي غرابة وشأن جلا
    وربما يذكر فعل ينبي = عنه فإن كان مريد القرب
    علمت زيدا أسدا والمبعد = حسبته قلت وذا منتقد]
    [شرح عقود الجمان: 83]
    أداة التشبيه الكاف ومثل وكأن ونحوها مما يشتق من المماثلة والمشابهة كنحو وشبه ولا يستعمل مثل إلا في حال أوصفه لها شأن وفيها غرابة نبه عليه الطيبي والأصل في الكاف وما أشبهها كلفظ نحو وشبه ومثل بخلاف تماثل وتشابه وتكافأ أن يليه المشبه به لفظًا نحو زيد كالأسد أو تقديرًا نحو: أو كصيب من السماء على تقدير أو كمثل ذي صيب وربما يليه غيره نحو: واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء الآية ليس المراد تشبيه الدنيا بالماء بل تشبيه حالها في بهجتها وما يعقبها من الهلاك بحال النبات الحاصل من الماء يكون أخضر ثم ييبس فتطيره الرياح وربما يذكر فعل ينبيء عن التشبيه فيؤتي في التشبيه القريب بنحو علمت زيدا أسدا الدال على التحقيق وفي البعيد حسبت زيدا أسدا الدال على الظن وعدم التحقيق هكذا قال في التلخيص. واعترض بأن في مثل كون هذه الأفعال منبئة عن التشبيه نوع خفاء والأظهر أن الفعل ينبئ عن حال التشبيه في القرب والبعد وأن الأداة محذوفة مقدرة لعدم استقامة المعنى بدونه نحو زيد أسد لا أن علمت منبئ عنه وقد مشى على ذلك الطيبي.
    فصل
    [غرضه يعود للمشبه = في أكثر الأمر وفي أغلبه
    بيان إمكان وحال وكذا = قدر وتقرير لها وكل ذا
    يقضي بأن الوجه في المشبه = به أتم وهو أشهر به
    وفيه نقد ثم للتشويه = وزينة والظرف كالتشبيه
    للفحم ذي الجمر ببحر مسك = وموجه من ذهب ذي سبك
    ووجه ظرف كونه يبرز في = ممتنع أو قل في الذهن يفي
    وبمشبه به الغرض عم = إما لإبهام بأنه أتم
    وذاك في المقلوب أو للاهتمام = كجائع يشبه خبزا بالتمام
    إظهار مطلوب وكل ذا إذا = إلحاق ناقص بغير يحتذي
    وقد يراد الجمع للشيئين في = أمر ولم ينظر لنقص أو وفى
    فالأحسن العدول للتشابه = وذكره التشبيه من صوابه]
    الغرض من التشبيه هو ما يقصده المتكلم في إيراده وهو عائد إلى المشبه غالبًا وقد يعود إلى المشبه به فالأول على وجوه: أحدها بيان إمكان وجوده بأن يكون أمرًا غريبًا يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه فيستشهد له بالتشبيه كقول المتنبي:
    فان تفق الأنام وأنت منهم = فان المسك بعض دم الغزال
    فإنه لما ادعى أن الممدوح فاق الناس حتى صار أصلا برأسه وجنسا بنفسه وكان هذا في الظاهر كالممتنع احتج لهذه الدعوى وبين إمكانها بأن شبه هذه الحال بحال المسك الذي هو من الدماء ثم إنه لا يعد من الدماء لما فيه من الأوصاف الشريفة التي لا توجد في الدم والتشبيه فيه ضمني لا صريح. ثانيها بيان حال المشبه بأنه على أي وصف من الأوصاف كما في تشبيه ثوب بآخر في السواد إذا علم السامع لون المشبه به دون المشبه. ثالثها بيان قدر حال المشبه في القوة والضعف والزيادة والنقصان كما في تشبيه الثوب الأسود بالغراب في شدة السواد وكقوله:
    [شرح عقود الجمان: 84]
    فأصبحت من ليلى الغداة كقابض = على الماء خانته فروج الأصابع
    رابعها تقرير حال المشبه في نفس السامع وتقوية شأنه كما في تشبيه من لا يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء. قال صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش على الحجر ومثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب على الماء» رواه الطبراني في الكبير من حديث أبي الدرداء.
    وقال ابن العميد:
    ذي ملة يأتيك أثبت عهده = كالخط يرسم في بسيط الماء
    قال صاحب التلخيص وهذه الأغراض الأربعة تقتضي أن يكون وجه التشبيه في المشبه به أتم وأن يكون المشبه به بوجه الشبه أشهر وأعرف قال الشيخ سعد الدين والتحقيق أن بيان الإمكان والحال لا يقتضيان الأشهرية ليصح القياس ويتم الاحتجاج في الأول ويعلم الحال في الثاني وكذا بيان المقدار لا يقتضي الأتمية بل أن يكون المشبه به على حد مقدار المشبه لا أزيد ولا أنقص لتعين مقدار المشبه على ما هو عليه. وأما تقرير الحال فيقتضي الأمرين جميعًا لأن النفس إلى الأتم والأشهر أميل فالتشبيه به لزيادة التقرير والتقوية أجدر وإلى ذلك أشرت بقولي وفيه نقد. خامسها وسادسها قصد تشويه المشبه أي تقبيحه في عين السامع وتزيينه ليرغب عنه أو فيه كما في تشبيه وجه مجدور بسلحة جامدة قد نقرتها الديكة وتشبيه وجه أسود بمقلة الظبي قال ابن الرومي:
    تقول هذا مجاج النحل تمدحه = وإن تعب قلت ذاقئ الزنابير
    سابعها قصد استظرافه كما في تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب ووجه ظرفه إبرازه في صورة الممتنع عادة وقد يكون الظرف لكون المشبه به نادر الحضور في الذهن إما مطلقًا كالمذكور أو عند حضور المشبه كقول ابن المعتز في البنفسج:
    ولا زوردية تعلو بزرقتها = بين الرياض على حمر اليواقيت
    كأنها فوق قامات ضعفن بها = أوائل النار في أطراف كبريت
    فإن صورة اتصال النار بأطراف الكبريت لا يندر حضورها في الذهن ندرة بحر من المسك موجه الذهب لكن يندر حضورها عند حضور البنفسج فيستظرف. ويحكى أن جريرا قال أنشدني عدى * عرف الديار توهما فاعتادها * فلما بلغ قوله * يرجى أإن كأن إبرة روقة * رحمته وقلت قد وقع ما عساه أن يقول فلما بلغ قوله * قلم أصاب من الدواة مدادها * استحالت الرحمة حسدا له لأنه رآه حين افتتح التشبيه بذكر ما لا يحضر له شبه في بدء الفكرة فرحمه وحين رآه ظفر بأقرب صفة من أبعد موصوف حسده. وأما القسم الثاني وهو ما يعود من الغرض إلى المشبه به فمرجعه إما لا يهام أنه أتم من المشبه في وجه الشبه وذلك في التشبيه المقلوب بأن يجعل الناقص مشبهًا به قصدا إلى ادعاء أنه أكمل كقوله:
    وبدا الصباح كأن غرّته = وجه الخليفة حين يمتدح
    قصد إيهام أن وجهه أتم من الصباح في الضوء والضياء وقوله:
    في طلعة البدر شيء من محاسنها = وللقضيب نصيب من تثنيها
    فإن العادة أن تشبه الطلعة بالبدر والقدّ بالقضيب فعكس مفضلاً لحسن الطلعة على البدر والقد على القضيب قال المعرى:
    [شرح عقود الجمان: 85]
    ظلمناك في تشبيه صدغيك بالمسك = وقاعدة التشبيه نقصان ما يحكى
    وإما لبيان الاهتمام بالمشبه به كتشبيه الجائع وجها بالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف ويسمى إظهار المطلوب ولا يحسن إلا في مقام الطمع كما روى أن الصاحب بن عباد مدح قاضي سجستان بقوله * وعالم يعرف بالسجزى * وأشار إلى الندماء بإجازة هذا النصف فلما انتهت النوبة إلى شريف قال * أشهى إلى النفس من الخبز * فأمر بإحضار المائدة ثم هذا الذي ذكر من جعل أحد الشيئين مشبها والآخر مشبهًا به إنما يكون إذا أريد إلحاق الناقص بالزائد حقيقة أو ادعاء، فإن أريد الجمع بين شيئين في أمر من الأمور من غير قصد إلى كون أحدهما ناقصًا والآخر زائدًا سواء وجد أم لا فالأحسن ترك التشبيه إلى الحكم بالتشابه ليكون كل من الشيئين مشبهًا ومشبهًا به احترازًا من ترجيح أحد المتساويين كقوله:
    تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي = فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب
    فوالله ما أدري أبالخمر أسبلت = جفوني أم من عبرتي كنت أشرب
    لما اعتقد التساوي بين الدمع والخمر ترك التشبيه إلى التشابه ويجوز أيضًا التشبيه في مثل ذلك لسبب من الأسباب كزيادة الاهتمام وكون الكلام فيه.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 10, 2015 9:39 pm

    أَقْسَامُ التَّشْبِيهِ
    626 فَبِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ مُفْرَدُ = بِمُفْرَدٍ كِلاَهُمَا مُقَيَّدُ
    627 أَمْ لاَ أَوِ الْخِلاَفُ فِيهِمَا حَصَلْ = كَـ"الشَّمْسُ كَالْمِرْآةِ فِي كَفِّالْأَشَلْ"
    628 وَذُو تَرَكُّبٍ بِهِ وَمُفْرَدِ = وَعَكْسُهُ وَالطَّرَفَيْنِ فَاعْدُدِ
    629 بِالْمُشْبَهَاتِ فَابْدَأَنْ أَوْ لاَ، تَحِقْ = وَالْأَوَّلُ الْمَلْفُوفُ وَالثَّانِي فُرِقْ
    630 كَـ"النَّشْرُ مِسْكٌ وَالْوُجُوهُ أَنْجُمُ = والرِّيقُ خَمْرٌ وَالْبَنَانُ عَنَمُ"
    631 وَإِنْ تُعَدِّدْ أَوَّلاً فَالتَّسْوِيَهْ = أَوْ ثَانِيًا تَشْبِيهَ جَمْعٍ سَمِّيَهْ
    632 وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ تَمْثِيلٌ غَدَا = مُنْتَزَعًا مِنْ عَدَدٍ وَقَيَّدَا
    633 بِكَوْنِهِ غَيْرَ الْحَقِيقِيْ يُوسُفُ = وَغَيْرُ تَمْثِيلٍ لَهُ مُخَالِفُ
    634 وَمُجْمَلٌ مَا وَجْهُهُ لَمْ يُذْكَرِ = فَظَاهِرٌ وَذُو خَفًا بِالنَّظَرِ
    635 فَمِنْهُ مَا مِنْ وَصْفِ طَرْفَيْهِ عَرَى = أَوْ مُشْبَهٍ أَوْ وَصْفُ كُلٍّ ذُكِرَا
    636 وَغَيْرُهُ مُفَصَّلٌ، وَالْمُبْتَذَلْ = فِيهِ إِلَى مُشَـبَّهٍ بِهِ انْتَقَلْ
    637 مِنْ غَيْرِ تَدْقِيقٍ وَغَيْرُهُ الْغَرِيبْ = إِذْ وَجْهُهُ فِي ظَاهِرٍ غَيْرُ قَرِيبْ
    638 لِكَثْرَةِ التَّفْصِيلِ أَوْ حُضُورِ = مُشَبَّهٍ بِهِ عَلَى نُدُورِ
    639 لِبُعْدِ مَا نَاسَبَ أَوْ وَهْمِيَّا = يَأْتِيكَ أَوْ مُرَكَّبًا عَقْلِيَّا
    640 كَذَا خَيَالِيًّا كَذَاكَ الْحِسِّي = تَكْرَارُهُ قَلَّ كَبَيْتِ الشَّمْسِ
    641 وَكَثْرَةُ التَّفْصِيلِ أَنْ يَنْظُرَ فِي = أَكْثَرَ مِنْ وَصْفٍ وَأَوْجُهًا يَفِي
    642 أَعْرَفُهَا أَخْذُكَ بَعْضًا وَتَدَعْ = بَعْضًا وَأَنْ تَعْتَبِرَ الْكُلَّ وَمَعْ
    643 كَثْرَتِهُ فَهْوَ الْبَلِيغُ وَالْغَرِيبْ = لِبُعْدِهِ وَقَدْ يُجَاءُ فِي الْقَرِيبْ
    644 بِنُكْتَةٍ تُغْرِبُهُ كَذِكْرِ = شَرْطٍ وَمَا مُحَسِّنٌ ذُو حَصْرِ
    645 وَبِاعْتِبَارٍ فِي الْأَدَاةِ تُخْزَلُ = مُؤَكَّدٌ وَمَا عَدَاهُ مُرْسَلُ
    646 وَبِاعْتِبَارِ غَرَضٍ فَإِنْ وَفَى = إِفَادَةً كَأَنْ يَكُونَ أَعْرَفَا
    647 بِوَجْهِهِ فِي حَالِهِ الْمُشْبَهُ بِهْ = أَوْ بَالِغَ التَّمَامِ فِي ذِي سَبَبِهْ
    648 أَوْ حُكْمُهُ لَيْسَ مُخَاطَبٌ جَحَدْ= فَذَاكَ مَقْبُولٌ وَمَا عَدَاهُ رَدْ
    خَاتِمَةٌ
    649 أَعْلاَهُ فِي الْقُوَّةِ حَذْفُ وَجْهِهِ = وَآلَةٍ أَوْ فَمَعَ الْمُشَبَّهِ
    650 فَحَذْفُ وَجْهٍ أَوْ أَدَاةٍ هَكَذَا = وَقَدْ خَلاَ عَنْ قُوَّةٍ خِلاَفُ ذَا
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 10, 2015 9:39 pm

    شرح عقود الجمان للسيوطي

    أقسام التشبيه
    [فباعتبار الطرفين مفرد = بمفرد كلاهما مقيد
    أم لا أم الخلاف فيهما حصل = كالشمس كالمرآة في كف الأشل
    وذو تركب به ومفرد = وعكسه والطرفين فاعدد
    بالمشبهات فابد أن أو لا تحق = والأول الملفوف والثاني فرق
    كالنشر مسك والوجوه أنجم = والريق خمر والبنان عندم
    وإن تعدّد أو لا فالتسوية = أو ثانيًا تشبيه جمع سميه]
    التشبيه له أقسام باعتبارات. فينقسم باعتبار طرفه إلى أربعة أقسام لأنه إما تشبيه مفرد بمفرد وهما مقيدان كقولهم لمن لا يحصل من سعيه على طائل هو كالراقم على الماء في المشبه الساعي مفرد مقيد بأن لا يحصل من سعيه على شيء والمشبه به الراقم مقيد بكون رقمه على الماء لأن وجه الشبه هو التسوية بين الفعل وعدمه وهو موقوف على اعتبار هذين القيدين أو غير مقيدين كتشبيه الخد بالورد أو مختلفين نحو * والشمس كالمرآة في كف الأشل * المشبه به وهو المرآة مقيد بكونه في كف الأشل بخلاف المشبه وهو الشمس وعكسه نحو المرآة في كف الأشل كالشمس وإما تشبيه مركب بمركب بأن يكون كل من الطرفين كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامت وتلاصقت حتى صارت شيئًا واحدًا كما تقدم في قوله كأن مثار النقع البيت وإما تشبيه مركب بمفرد كقوله:
    يا صاحبي تقصيا نظريكما = تريا وجوه الأرض كيف تصور
    تريا نهارا مشمسا قد شابه = زهر الربا فكأنما هو مقمر
    فالمشبه وهو نهار مشمس شابه زهر الربا مركب والمشبه به مفرد وهو مقمر أو عكسه أي تشبيه مفرد بمركب كما مر من تشبيه الشقيق وهو مفرد بأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد وهو مركب من عدة أمور. وينقسم باعتبار تعدد الطرفين أيضًا إلى أربعة أقسام فإن تعدد أو بدئ
    [شرح عقود الجمان: 86]
    بالمشبهات أولاً ثم بالمشبهات بها فملفوف كقوله:
    كأن قلوب الطير رطبا ويابسا = لدى وكرها العناب والحشف البالي
    شبه الرطب واليابس من قلوب الطير بالعناب والحشف البالي، ومنه في تشبيه ثلاثة بثلاثة قوله:
    ليل وبدر وغصن * شعر ووجه وقد = خمر ودر وورد * ريق وثغر وخد
    وأربعة بأربعة قول الشاعر:
    ثغر وخد ونهد وإحمرار يد = كالطلع والورد والرمان والبلح
    وخمسة بخمسة قول أبي الفرج الواوا:
    قالت متى الظعن يا هذا فقلت لها = إما غدا زعموا أو لا فبعد غد
    فأمطرت لؤلؤًا من نرجس وسقت = وردا وعضت على العناب بالبرد
    وستة بستة قول ابن جابر:
    إن شئت ظبيا أو هلالا أو دجى = أو زهر غصن في الكثيب الأملد
    فلاحظها ولوجهها ولشعرها = ولخدها والقد والردف اقصد
    وسبعة بسبعة قول النجم البارزي:
    يقطع بالسكين بطيخة ضحى = على طبق في مجلس لأصاحبه
    كشمس ببرق قد بدا وأهله = لدى هالة في الأفق بين كواكبه
    وثمانية بثمانية قول الآخر:
    خدود وأصداغ وقد ومقلة = وثغر وأرياق ولحن ومعرب
    وورد وسوسان وبان ونرجس = وكأس وجريال وجنك ومطرب
    وعشرة بعشرة قوله:
    فرع جبين محيا معطف كفل = صدغ فم وجنات ناظر ثغر
    ليل هلال صباح بانة كثب = آس إقاح شقيق نرجس در
    وإن أتى بمشبه ومشبه به ثم بآخر وآخر فمفروق كقوله:
    النشر مسك والوجوه دنا = نير وأطراف الأكف عنم
    وإن تعدد الأول فقط أي المشبه دون المشبه به فتشبيه تسوية كقوله:
    صدغ الحبيب وحالي = كلاهما كالليالي
    أو الثاني: أي المشبه به دون المشبه فتشبيه جمع كقوله:
    كأنما يبسم عن لؤلؤ = منضد أو برد أو إقاح
    [وباعتبار الوجه تمثيل غدا = منتزعا من عدد وقيدا
    بكونه غير الحقيقي يوسف = وغير تمثيل له مخالف
    ومجمل ما وجهه لم يذكر = فظاهر وذو خفا بالنظر
    فمنه ما من وصف طرفيه عرا = أو مشبه أو وصف كل ذكرا
    وغيره مفصل والمبتذل = فيه إلى مشبه به انتقل
    من غير تدقيق وغيره الغريب = إذ وجهه في ظاهر غير قريب
    [شرح عقود الجمان: 87]
    لكثرة التفصيل أو حضور = مشبه به على ندور
    لبعد ما ناسب أو وهميا = يأتيك أو مركبا عقليا
    كذا خياليا كذاك الحسي = تكراره قل كبيت الشمس
    وكثرة التفصيل أن ينظر في = أكثر من وصف وأوجها بفي
    أعرفها أخذك بعضا وتدع = بعضا وإن تعتبر الكل ومع
    كثرته فهو البليغ والغريب = لبعده وقد يجاء في القريب
    * بنكتة تغربه كذكر = شرط وما محسن ذو حصر]
    ينقسم التشبيه باعتبار وجهه إلى تمثيل وغيره فالأول ما كان وجه الشبه فيه وصفا منتزعا من متعدد كما سبق من تشبيه الثريا ومثار النقع وغير ذلك وكقوله:
    اصبر على مضض الجو = د فإن صبرك قاتله
    كالنار تأكل نفسها = إن لم تجد ما نأكله
    شبه الحسود المتروك بغائلته بالنار التي لا تمد بالحطب فيسرع إليه الفناء وقيده السكاكي بكونه غير حقيقي كما في تشبيه مثل اليهود بمثل الحمار فإن وجه التشبيه هو حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع الكد والتعب في حمله فهو وصف مركب من متعدد عائد إلى التوهم. والثاني بخلافه وهو ما لا يكون وجهه منتزعًا من متعدد ويزيد السكاكي ولا يكون وهميا واعتباريًا بل حقيقيًا فتشبيه الثريا بالعنقود المنور تمثيل عند الجمهور دونه. وينقسم أيضًا باعتباره إلى مجمل ومفصل: فالأول ما لم يذكر وجهه وهو ظاهر يفهمه كل أحد كزيد أسد: أي في الشجاعة. وخفى لا يدركه إلا الخواص بالنظر كقول فاطمة الأتمارية فيما رواه المبرد في الكامل أنها لما سئلت عن بنيها وهم عمارة وربيع وقيس وأنس أيهم أفضل؟ فقالت عمارة لا بل فلان ثم قالت ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها: أي هم متناسبون في الشرف كما أن الحلقة متناسبة الأجزاء في الصورة بحيث يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطا، ثم من الجمل ما لم يذكر فيه وصف المشبه ولا المشبه به أي الوصف المشعر بوجه التشبيه ومنه ما ذكر فيه وصفها ومنه ما ذكر فيه وصف المشبه به فقط فالأول نحو زيد أسد والثاني كقوله:
    صدفت عنه فلم تصدف مواهبه = عني وعاوده ظني فلم يخب
    كالغيث إن جئته وافاك ريقه = وإن ترحلت عنه لج في الطلب
    وصف المشبه به وهو الغيث بأن يصيبك جئته أو ترحلت عنه والمشبه وهو الممدوح بالإعطاء حال الطلب وعدمه والإقبال والإعراض. والثالث كقولها هم كالحلقة المفرغة لا يدري أني طرفاها، أما المفصل فهو ما ذكر وصفه كقوله:
    وثغره في صفاء = وأدمى كاللآلى
    وربما يتسامح بذكر ما يستلزمه كقولهم للكلام الفصيح هو كالعسل في الحلاوة فإن الجامع لازمها وهو ميل الطبع. وينقسم أيضًا باعتباره إلى قريب مبتذل وبعيد غريب، فالأول ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به من غير تدقيق نظر لظهور وجهه في بادئ الرأي لكونه أمرًا إجماليًا فإن الجملة أسبق إلى نفس من التفصيل لأن الشيء يدرك إجمالاً أولاً، ثم إن أمعن النظر أدرك تفصيله
    [شرح عقود الجمان: 88]
    أو ككون التفصيل مع غلبة حضور المشبه به في الذهن مطلقًا لتكراره على الحس كتشبيه الشمس بالمرآة المجلوة في الاستذارة والاستنارة أو عند حضور المشبه لقرب المناسبة كتشبيه الجرة الصغيرة بالكوز في المقدار والشكل وإنما كان مبتذلاً مع أن فيه تفصيلاً لمعارضة التكرار والقرب للتفصيل، والبعيد ما لا ينتقل فيه إلا بعد فكرة ونظر لخفائه وذلك إما لكثرة التفصيل فيه كقوله:
    * والشمس كالمرآة في كف الأشل * كما سبق تقريره أو لندور حضور المشبه به إما عند حضور المشبه لبعد المناسبة كما في تشبيه البنفسج بنار الكبريت أو مطلقًا لكونه وهميًا كقوله:
    * ومسنونة زرق كأنياب أغوال * أو مركبا عقليا كما تقدم في مثل أو مركبا خياليا كما في تشبيه الشقيق بأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد، أو قليل التكرار على الحس كقوله:
    * والشمس كالمرآة في كف الأشل * فربما يقضي الرجل دهره ولا يتفق له أن يرى مرآة في كف أشل فالغرابة فيه من جهة الندور ومن جهة كثرة التفصيل والمراد بالتفصيل أن ينظر في أكثر من وصف أي اثنين فصاعدا وله وجوه فاعرفها ومن وجهة أن تأخذ بعض الأوصاف وتدع بعضا كقوله في الرمح:
    حملت ردينيا كأن سنانه = سنا لهب لم يتصل بدخان
    فاعتبر في اللهب الشكل واللون واللمعان وترك الاتصال بالدخان ونفاه وأن تعتبر الجميع كما تقدم في تشبيه الثريا بالعنقود وكلما كان التركيب من أمور أكثر كان التشبيه أبعد من الذهن وأبلغ لغرابته ولأن نيل الشيء بعد طلبه ألذ كقوله تعالى {إنما مثل الحياة الدنيا إلى قوله كأن لم تغن بالأمس} فإنها عشر جمل وقع التركيب من مجموعها بحيث لو سقط منها شيء اختل التشبيه إذ المقصود تشبيه حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها واغترار الناس بها بحال ماء نزل من السماء وأنبت أنواع العشب وزين بزخرفها وجه الأرض كالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة حتى إذا طمع أهلها فيها ظنوا أنها مسلمة من الجوائح أتاها بأس الله فجأة فكأنها لم تكن بالأمس وقال ابن المعتز:
    كأنا وضوء الصبح يستعجل الدجى = نظير غرابا ذا قوادم جون
    شبه ظلام الليل عند انفجار الصبح بغربان لها قوادم بيض ثم جعل قوة ظهور الضوء ودفعه الظلام كأنه يستعجله ثم راعى معنى الاستعجال في قوله نطير غرابا لأن الطائر إذا أزعج كان أسرع منه في الطيران إذا كان على اختيار منه، وقد يتصرف في التشبيه القريب بما يجعله غريبا ويخرجه عن الابتذال كذكر شرط ويسمى التشبيه المشروط كقوله:
    عزماته مثل النجوم ثواقبا = لو لم يكن للثاقبات أفول
    تشبيه العزم بالنجم مبتذل إلا أن اشتراط عدم الأفول أخرجه إلى الغرابة، ومثله قول الآخر
    يكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا = لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا
    والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت = والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا
    وقوله:
    لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا = إلا بوجه ليس فيه حياء
    فتشبيه الوجه بالشمس مبتذل إلا أن حديث الحياء وما فيه من الدقة والخفاء أخرجه إلى الغرابة وقوله:
    فوالله ما أدري أزهر خميلة = بطرسك أم در يلوح عن نحر
    فإن كان زهرا فهو صنع سحابة = وإن كان درا فهو من لجة البحر
    فإن تشبيه الحظ الحسن بالزهر والدر مبتذل لكن لما قيد الزهر بقوله خميلة وقوله يلوح على نحر ثم
    [شرح عقود الجمان: 89]
    ضم إليه التعليل بقوله صنع سحابة ولجة البحر خرج إلى الغرابة والحسن ومثله:
    إن كان خطك درا = فليس ذلك نكرا
    لأن كفك بحر = والبحر يقذف درا
    وقال الآخر:
    وملتفتات في النقاب كأنما = هززن سيوفا وانتضين خناجرا
    سفرن بدورا وانتقين أهلة = ومسن غصونا والتفتن جا ذرا
    فإن أخذ مع التشبيه معنى كل قيد من القيود زاد حسنا وكمالاً. ومما يخرج إلى الحسن الجمع بين عدة تشبيهات كقوله:
    أنا من خده وعينيه والثغر = ومن ريقه البعيد المرام
    بين ورد ونرجس وتلالى = اقحوان وبابلي المدام
    [وباعتبار في الأداة يخزل = مؤكد وما عداه مرسل]
    ينقسم التشبيه باعتبار أداته إلى مؤكد وهو ما حذفت فيه الأداة كقوله تعالى {وهي تمر مر السحاب} أي مثل مر السحاب وقول الشاعر:
    والريح تعبث بالغصون وقد جرى = ذهب الأصيل على لجين الماء
    وإلى مرسل وهو ما لم تحذف فيه الأداة:
    [وباعتبار غرض فان وفي = إفادة كأن يكون أعرفا
    بوجهه في حالة المشبه به = أو بالغ التمام في ذي سببه
    أو حكم ليس مخاطب جحد = فذاك مقبولوما عداه رد]
    ينقسم التشبيه باعتبار الغرض إلى مقبول ومردود فالأول الوافي بإفادة الغرض كأن يكون المشبه به أعرف شيء بوجه التشبيه في بيان حاله أو أتم شيء فيه في إلحاق الناقص بالكامل أو مسلم الحكم عند المخاطب في بيان إمكانه أو مساويًا له في بيان قدره والمردود بخلافه مثاله تشبيه الشيء بالمسك في الرائحة فإنه مقبول لأن المسك أعرف الأشياء فيها ولو شبه به في السواد لكان مردودًا لأنه ليس معروفًا من هذه الجهة عرفانه من تلك قال عبد الباقي اليمني في كتابه اللهم إلا أن يذكر الغرض مصرحًا به كقول القائل:
    أشبهك المسك وأشبهته = في لونه قائمة قاعده
    لا شك إذ لونكما واحد = أنكما من طينة واحدة
    غرضه ذكر اللون لأن محبوبته سوداء وعلل ذلك بكونهما من طينة واحدة.
    خاتمة
    [أعلاه في القوة حذف وجهه = وآلة أو ذاك مع مشبه
    فحذف وجه أو أداة هكذا = وقد خلا عن قوة خلاف ذا]
    تقدم أن أركان التشبيه أربعة فالمشبه به مذكور قطعا والمشبه إما مذكور أو محذوف وعلى التقديرين فوجه الشبه إما مذكور أو محذوف وعلى التقادير فالأداة إما مذكورة أو محذوفة فهي ثمان مراتب وأعلاها في قوة المبالغة ما حذف فيه وجهه وأداته فقط نحو زيد أسد أو مع حذف المشبه نحو أسد في مقام الإخبار عن زيد ويليه ما حذف الوجه فقط أو الأداة فقط أو مع حذف المشبه وهو معنى
    [شرح عقود الجمان: 90]
    قولي هكذا نحو زيد كالأسد ونحو كالأسد في مقام الإخبار عن زيد ونحو زيد أسد في الشجاعة ونحو أسد في الشجاعة عند الإخبار عن زيد ولا قوة لخلاف ذلك بأن تذكر الأداة والوجه إما مع المشبه أو بدونه نحو زيد كالأسد في الشجاعة ونحو كالأسد في الشجاعة خبرا عن زيد لأن القوة إما لعموم وجه الشبه ظاهرا أو لحمل المشبه به على المشبه بأنه هو هو فما اشتمل على الوجهين جميعا فهو غاية القوة وما خلا عنهما فلا قوة له وما اشتمل على أحدهما فقط فهو متوسط.
    فائدة. الحاص من أنواع التشبيه السابقة: ملفوف ومفروق وتسوية وجمع وتمثيل وتفضيل ومؤكد ومشروط ومقلوب وفي روضة الفصاحة التشبيه سبعة: معلق ومشروط وتفضيل ومؤكد وعكس وإضمار وتسوية وفسر التفضيل بأن تشبه شيئًا بشيء ثم تفضله عليه كقوله:
    حسبت جماله بدرا منيرا = وأين البدر من ذاك الجمال
    قال الشيخ بهاء الدين وفيه نظر بل فيه رجوع عن التشبيه وسيأتي في البديع وفسر العكس بأن يشبه كلا من الشيئين بالآخر كقوله:
    رق الزجاج وراقت الخمر = فتشابها وتشاكل الأمر
    فكأنما خمر ولا قدح = وكأنما قدح ولا خمر
    وفسر الإضمار بأن يذكر قضية ويذكر بعدها أخرى لارتباط لها بها دون إضمار التشبيه فيكون مضمرا مقصودا كقوله:
    وأخصب آمالي بفيض يمينه = وهل تجدب الآفاق والغيث هطال
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 10, 2015 9:53 pm

    الجوهر المكنون

    التشبيه

    تَشْبِيهُنَا دَلالَةٌ عَلَى اشْتِرَاكْ = أَمْرَيْنِ فِي مَعْنًى بِآلَةٍ أَتَاكْ
    أَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ وَجْهٌ أَدَاهْ = وَطَرَفَاهُ فَاتَّبِعْ سُبْلَ النَّجَاهْ
    فَصْلٌ وَحِسِّيَّانِ مِنْهُ الطَّرَفَانْ = أَيْضاً وَعَقْلِيَّانِ أَوْ مُخْتَلِفَانْ
    وَالْوَجْهُ مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ = وَدَاخِلاً وَخَارِجاً تُلْفِيهِ
    وَخَارِجٌ وَصْفٌ حَقِيقيٌّ جَلا = بِحِسٍّ اوْ عَقْلٍ وَنِسْبِيٍّ تَلا
    وَوَاحِداً يَكُونُ أَوْ مُؤَلَّفَا = أَوْ مُتَعَدِّداً وَكُلٌّ عُرِفَا
    بِحِسٍّ أَوْ عَقْلٍ وَتَشْبِيهٍ نُمِي = فِي الضِّدِّ لِلتَّلْمِيحِ وَالتَّهَكُّمِ
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 10, 2015 9:53 pm

    حلية اللب المصون للشيخ: أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري


    قال:
    (الْبَابُ الأَوَّلُ:التَّشْبِيهُ)


    تَشْبِيهُنَا دَلالَةٌ عَلَى اشْتِرَاكْ = أَمْرَيْنِ فِي مَعْنًى بِآلَةٍ أَتَاكْ
    أَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ وَجْهٌ أَدَاهْ = وَطَرَفَاهُ فَاتَّبِعْ سُبْلَ النَّجَاهْ
    أقول: (التشبيه) لغة التمثيل واصطلاحا الدلالة على (مشاركة) أمر لأمر في المعنى بآلة مخصوصة كالكاف ملفوظة أو مقدرة فخرج نحو زيد وعمرو وقاتل زيد عمرا والاستعارة التحقيقية نحو رأيت أسدا في الحمام والمكنية نحو أنشبت المنية أظفارها والتجريد الآتي في البديع نحو رأيت من زيد أسدا ودخل نحو زيد أسد فإن المحققين على أنه تشبيه بليغ لا استعارة لأن المستعار له مذكور ولا تكون الإستعارة إلا حيث يطوى ذكره ويجعل الكلام خاليا عنه. و(أركانه أربعة وجه وأداة و طرفان) نحو زيد كالأسد في الشجاعة فالوجه المعني الجامع بين زيد والأسد وهو الشجاعة والأداة آلة وهي الكاف والطرفان زيد والأسد وقد يقتصر على لفظهما قال:

    فَصْلٌ وَحِسِّيَّانِ مِنْهُ الطَّرَفَانْ = أَيْضاً وَعَقْلِيَّانِ أَوْ مُخْتَلِفَانْ
    أقول: (طرفا التشبيه) إما (حسيان) كالخد والورد أو (عقليان) كالعلم والحياة أو (مختلفان) بأن يكون (المشبه حسيا والمشبه به عقليا) كالسبع والموت أو عكسه كالموت والسبع والمراد (بالحسي) المدرك هو أو مادته بأحدى (الحواس) الخمس الظاهرة فدخل الخيالي وهو المعدوم الذي فرض مجتمعا من أمور كل واحد منها مما يدرك (بالحس) كقوله:

    وكأن محمر الشقيـ = ـق إذا تصوب او تضعد
    أعلام ياقوت نشر = ن على رماح من زبرجد
    فإن كلا من (الأعلام والياقوت والزبرجد والرمح) (محسوس) لكن المركب الذي هذه الأمور مادته ليس (بمحسوس) لأنه غير موجود و(الحس) لا يدرك إلا ما هو موجود و(العقلي) ما عدا ذلك فيشمل الوهمي وهو ما ليس مدركا بإحدى (الحواس) ولكنه لو أدرك لكان بها مدركا كقوله: أيقتلني (... )
    الشرفي مضاجعي = ومسنونة زرق كأنياب أغوال
    (فأنياب الأغوال) مما لا يدركه (الحس) لعدم وجودها ولو أدركت لم تدرك إلا بحس البصر قال:

    وَالْوَجْهُ مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ = وَدَاخِلاً وَخَارِجاً تُلْفِيهِ
    وَخَارِجٌ وَصْفٌ حَقِيقيٌّ جَلا = بِحِسٍّ اوْ عَقْلٍ وَنِسْبِيٍّ تَلا
    وَوَاحِداً يَكُونُ أَوْ مُؤَلَّفَا = أَوْ مُتَعَدِّداً وَكُلٌّ عُرِفَا
    بِحِسٍّ أَوْ عَقْلٍ وَتَشْبِيهٍ نُمِي = فِي الضِّدِّ لِلتَّلْمِيحِ وَالتَّهَكُّمِ
    أقول: وجه (التشبيه) هو المعنى الذي قصد (اشتراك) الطرفين فيه كالشجاعة في (تشبيه) الرجل الشجاع بالأسد ويكون داخلا في حقيقة (الطرفين وخارجا) عنها فالأول كما في (تشبيه) ثوب بآخر في الجنس كقولك هذا القميص مثل هذا في كونهما كتانا والثاني كمتلو هذا المثال وهو إما وصف حقيقي أو إضافي والأول قسمان (حسي) أي مدرك بإحدى (الحواس) بالبصر من الألوان والأشكال والمقادير والحركات والسمع من الأصوات الضعيفة والقوية وما بينهما والذوق من الطعوم والشم من الروائح واللمس من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والخشونة والملاسة واللين والصلابة والخفة والثقل وما يقابلها من البلة والجفاف واللزوجة وغير ذلك. و(عقلي) كالكيفيات النفسانية من الذكاء والعلم والغضب والحلم والكرم والبخل والشجاعة والجبن وسائر الغرائز والإضافي أن يكون معنى متعلقا بشيئين كإزالة الحجاب في (تشبيه) الحجة بالشمس فإنها ليست هيئة متقررة في ذات الحجة ولا في ذات الحجاب فمراد المصنف بالنسبي الإضافي وينقسم وجه الشبه أيضا إلى ثلاثة أقسام واحد ومركب من متعدد تركيبا (حقيقيا) بأن تكون (حقيقة) ملتئمة من أمور مختلفة أو اعتباريا بأن تكون هيئة انتزعها (العقل) من عدة أمور وإلى متعدد بأن ينظر إلى عدة أمور ويقصد اشتراك الطرفين في كل واحد منها ليكون كل منها وجه (تشبيه) بخلاف المركب فإنه لم يقصد اشتراك الطرفين في كل من تلك الأمور بل في الهيئة المنتزعة أو في (الحقيقة) الملتئمة منها وكل واحد من هذه الثلاثة إما (حسي أو عقلي) فهذه ستة ويختص المتعدد بالإختلاف بأن يكون بعضه (حسيا) وبعضه (عقليا) فالأقسام سبعة: مثال الواحد الحسي تشبيه ثوب بآخر في لونه. و(العقلي تشبيه) العلم بالنور في الاهتداء ومثال المركب الحسي قوله: وقد لاح بالفخر الثريا كما ترى كعنقود (ملاحية) حين نورا فالوجه هنا الهيئة الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرات الصغار المقادير في رأي العين فنظر إلى عدة أشياء وقصد إلى الهيئة الحاصلة منها. و(العقلي) كقوله تعالى {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا }الوجه حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في أصطحابه وهو أمر (عقلي) مأخوذ من أمور متعددة لأنه روعي من جهة الحمار فعل مخصوص وهو الحمل ومحمول مخصوص وهو الأسفار المشتملة على العلوم وكون الحمار جاهلا بما فيها وكذلك روعي من جهة المشبه أيضا فعل مخصوص وهو الحمل للتوراة لأنها بأيديهم ومحمول مخصوص وهو التوراة المشتملة على العلوم وكون اليهود جاهلين بما فيها (حقيقة) أو حكما لعدم عملهم بمقتضاها. ومثال (المتعدد الحسي تشبيه) فاكهة بأخرى في اللون والطعم والرائحة و(العقلي تشبيه) رجل بآخر في العلم والحلم والحياء. ومثال (المتعدد) المختلف حسن الطلعة وكمال الشرف في (تشبيه) رجل بالشمس ثم وجه (الشبه) يكون مأخوذا من التضاد فينزل منزلة التناسب فيشبه الشيء بما قام به معنى مضاد لما قام بذلك (المشبه) وذلك إذا كان القصد التهكم أي الاستهزاء (بالمشبه أو التلميح) أي جعل الكلام مليحا متسظرفا (كتشبيه) البخيل بحاتم فإن كان القصد السخرية فالأول أو الانبساط مع المخاطب فالثاني (فالتلميح) هنا بتقديم الميم خلاف ما يأتي في البديع فإنه بتقديم اللام.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 10, 2015 9:54 pm

    حاشية المنياوي على حلية اللب المصون للشيخ: مخلوف بن محمد البدوي المنياوي


    قال:
    (الْبَابُ الأَوَّلُ:التَّشْبِيهُ)


    تَشْبِيهُنَا دَلالَةٌ عَلَى اشْتِرَاكْ = أَمْرَيْنِ فِي مَعْنًى بِآلَةٍ أَتَاكْ
    أَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ وَجْهٌ أَدَاهْ = وَطَرَفَاهُ فَاتَّبِعْ سُبْلَ النَّجَاهْ
    أقول: (التشبيه) لغة التمثيل واصطلاحا الدلالة على (مشاركة) أمر لأمر في المعنى بآلة مخصوصة كالكاف ملفوظة أو مقدرة فخرج نحو زيد وعمرو وقاتل زيد عمرا والاستعارة التحقيقية نحو رأيت أسدا في الحمام والمكنية نحو أنشبت المنية أظفارها والتجريد الآتي في البديع نحو رأيت من زيد أسدا ودخل نحو زيد أسد فإن المحققين على أنه تشبيه بليغ لا استعارة لأن المستعار له مذكور ولا تكون الإستعارة إلا حيث يطوى ذكره ويجعل الكلام خاليا عنه. و(أركانه أربعة وجه وأداة و طرفان) نحو زيد كالأسد في الشجاعة فالوجه المعني الجامع بين زيد والأسد وهو الشجاعة والأداة آلة وهي الكاف والطرفان زيد والأسد وقد يقتصر على لفظهما قال:

    فَصْلٌ وَحِسِّيَّانِ مِنْهُ الطَّرَفَانْ = أَيْضاً وَعَقْلِيَّانِ أَوْ مُخْتَلِفَانْ
    أقول: (طرفا التشبيه) إما (حسيان) كالخد والورد أو (عقليان) كالعلم والحياة أو (مختلفان) بأن يكون (المشبه حسيا والمشبه به عقليا) كالسبع والموت أو عكسه كالموت والسبع والمراد (بالحسي) المدرك هو أو مادته بأحدى (الحواس) الخمس الظاهرة فدخل الخيالي وهو المعدوم الذي فرض مجتمعا من أمور كل واحد منها مما يدرك (بالحس) كقوله:

    وكأن محمر الشقيـ = ـق إذا تصوب او تضعد
    أعلام ياقوت نشر = ن على رماح من زبرجد
    فإن كلا من (الأعلام والياقوت والزبرجد والرمح) (محسوس) لكن المركب الذي هذه الأمور مادته ليس (بمحسوس) لأنه غير موجود و(الحس) لا يدرك إلا ما هو موجود و(العقلي) ما عدا ذلك فيشمل الوهمي وهو ما ليس مدركا بإحدى (الحواس) ولكنه لو أدرك لكان بها مدركا كقوله: أيقتلني (... )
    الشرفي مضاجعي = ومسنونة زرق كأنياب أغوال
    (فأنياب الأغوال) مما لا يدركه (الحس) لعدم وجودها ولو أدركت لم تدرك إلا بحس البصر قال:

    وَالْوَجْهُ مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ = وَدَاخِلاً وَخَارِجاً تُلْفِيهِ
    وَخَارِجٌ وَصْفٌ حَقِيقيٌّ جَلا = بِحِسٍّ اوْ عَقْلٍ وَنِسْبِيٍّ تَلا
    وَوَاحِداً يَكُونُ أَوْ مُؤَلَّفَا = أَوْ مُتَعَدِّداً وَكُلٌّ عُرِفَا
    بِحِسٍّ أَوْ عَقْلٍ وَتَشْبِيهٍ نُمِي = فِي الضِّدِّ لِلتَّلْمِيحِ وَالتَّهَكُّمِ
    أقول: وجه (التشبيه) هو المعنى الذي قصد (اشتراك) الطرفين فيه كالشجاعة في (تشبيه) الرجل الشجاع بالأسد ويكون داخلا في حقيقة (الطرفين وخارجا) عنها فالأول كما في (تشبيه) ثوب بآخر في الجنس كقولك هذا القميص مثل هذا في كونهما كتانا والثاني كمتلو هذا المثال وهو إما وصف حقيقي أو إضافي والأول قسمان (حسي) أي مدرك بإحدى (الحواس) بالبصر من الألوان والأشكال والمقادير والحركات والسمع من الأصوات الضعيفة والقوية وما بينهما والذوق من الطعوم والشم من الروائح واللمس من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والخشونة والملاسة واللين والصلابة والخفة والثقل وما يقابلها من البلة والجفاف واللزوجة وغير ذلك. و(عقلي) كالكيفيات النفسانية من الذكاء والعلم والغضب والحلم والكرم والبخل والشجاعة والجبن وسائر الغرائز والإضافي أن يكون معنى متعلقا بشيئين كإزالة الحجاب في (تشبيه) الحجة بالشمس فإنها ليست هيئة متقررة في ذات الحجة ولا في ذات الحجاب فمراد المصنف بالنسبي الإضافي وينقسم وجه الشبه أيضا إلى ثلاثة أقسام واحد ومركب من متعدد تركيبا (حقيقيا) بأن تكون (حقيقة) ملتئمة من أمور مختلفة أو اعتباريا بأن تكون هيئة انتزعها (العقل) من عدة أمور وإلى متعدد بأن ينظر إلى عدة أمور ويقصد اشتراك الطرفين في كل واحد منها ليكون كل منها وجه (تشبيه) بخلاف المركب فإنه لم يقصد اشتراك الطرفين في كل من تلك الأمور بل في الهيئة المنتزعة أو في (الحقيقة) الملتئمة منها وكل واحد من هذه الثلاثة إما (حسي أو عقلي) فهذه ستة ويختص المتعدد بالإختلاف بأن يكون بعضه (حسيا) وبعضه (عقليا) فالأقسام سبعة: مثال الواحد الحسي تشبيه ثوب بآخر في لونه. و(العقلي تشبيه) العلم بالنور في الاهتداء ومثال المركب الحسي قوله: وقد لاح بالفخر الثريا كما ترى كعنقود (ملاحية) حين نورا فالوجه هنا الهيئة الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرات الصغار المقادير في رأي العين فنظر إلى عدة أشياء وقصد إلى الهيئة الحاصلة منها. و(العقلي) كقوله تعالى {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا }الوجه حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في أصطحابه وهو أمر (عقلي) مأخوذ من أمور متعددة لأنه روعي من جهة الحمار فعل مخصوص وهو الحمل ومحمول مخصوص وهو الأسفار المشتملة على العلوم وكون الحمار جاهلا بما فيها وكذلك روعي من جهة المشبه أيضا فعل مخصوص وهو الحمل للتوراة لأنها بأيديهم ومحمول مخصوص وهو التوراة المشتملة على العلوم وكون اليهود جاهلين بما فيها (حقيقة) أو حكما لعدم عملهم بمقتضاها. ومثال (المتعدد الحسي تشبيه) فاكهة بأخرى في اللون والطعم والرائحة و(العقلي تشبيه) رجل بآخر في العلم والحلم والحياء. ومثال (المتعدد) المختلف حسن الطلعة وكمال الشرف في (تشبيه) رجل بالشمس ثم وجه (الشبه) يكون مأخوذا من التضاد فينزل منزلة التناسب فيشبه الشيء بما قام به معنى مضاد لما قام بذلك (المشبه) وذلك إذا كان القصد التهكم أي الاستهزاء (بالمشبه أو التلميح) أي جعل الكلام مليحا متسظرفا (كتشبيه) البخيل بحاتم فإن كان القصد السخرية فالأول أو الانبساط مع المخاطب فالثاني (فالتلميح) هنا بتقديم الميم خلاف ما يأتي في البديع فإنه بتقديم اللام.


    الباب الأول التشبيه
    قوله: (دلالة) أي من المتكلم أي إتيان بما يدل ع ق.
    قوله: (أركانه.. إلخ) إن قيل هذه الأربعة ليست داخلة في ماهيته، إذ هي الدلالة المضافة لهذه الأربعة إضافة تعلقية، ومن المعلوم أن المتعلق الذي هو في مغنى المضاف إليه في التعريف ليس جزء الماهية المعرف، فإن المعلى عدم البصر وليس البصر من حقيقته، فكيف تجعل أركانا قلقا لما أشبهت في انتفاء الشيء عند انتفائها سماها أركانا ا هـ ع ق.بإيضاح.
    قوله: (سبل) بكون الباء.
    قوله: (التمثيل) أي إفادة أن هذا مثل هذا أي تركيب كان، فيشمل الإفادة بخاصم زيد عمرا وقاتل بكر خالدا ورأيت أسدًا وغير ذلك فهو أعم من الاصطلاحي.
    قوله: (الدلالة.. إلخ) الأمر الأول هو المشبه والثاني المشبه به والمعنى هو وجه الشبه.
    قوله: (كالكاف) وكشبه ويحاكي.
    قوله: (ملحوظة) وصف ثان لآلة.
    قوله: (فخرج) أي بقيد الآلة المخصوصة إذ ليست موجودة فيما ذكر.
    قوله: (نحو جاء.. إلخ) أي دلالة نحو جاء.. إلخ.
    قوله: (نحو رأيت من زيد أسدا) والمشاركة فيه واضحة، فإنه لما دل على تجريد أسد من زيد دل على مشاركته للأسد في الشجاعة وضرورة فتأمل.
    قوله: (تشبيه بليغ) حذفت منه الأداة والوجه كما سيفيده.
    قوله: (لأن المستعارة له) أي على أنه استعارة.
    قوله: (ولا تكون الاستعارة) أي التصريحية التي ادعى أن منها زيد أسدا.
    قوله: (وقد يقتصر على لفظهما) فيكون تشبيها بليغا حذفت منه الأداة والوجه.
    قوله: (فصل) هو من جملة البيت.
    قوله: (أيضًا) مقدم من تأخير أي وعقليان أيضًا.
    قوله: (إما حسيان) وأما نفس التشبيه فلا يمكن أن يكون حسيا لا أنه تصديق على الصحيح خلافا لمن قال هو إنشاء وليس شيء من التصديقات حسيا كذا في يس ا هـ صبان.
    قوله:( كالخد والورد) أي الجزئيين إذ الكليان غير حسيين ا هـ منه.
    قوله:( كالعلم والحياة) ووجه الشبه بينهما كونهما جهتي إدراك كذا في المفتاح والإيضاح، فالمراد بالعلم هنا الملكة التي يقتدر بها على الإدراكات الجزئية لا نفس الإدراك، ولا يخفى أنها جهة وطريق إلى الإدراك كالحياة قاله السعد.
    قوله:( كالسبع والموت) فالسبع حسي والموت عقلي، لأنه عدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيا ا هـ منه والجامع في هذا المثال الإهلاك في كل.
    قوله:( كالموت والسبع) والجامع سرعة اغتيال كل.
    قوله: (المدرك) هو كالخد والورد.
    وقوله: (أو مادته) أي أصله الذي تحصل منه وتحققت به حقيقته التركيبية كما سيأتي في المثال ا هـ يعقوبي.
    قوله: (فدخل) أي في الحيسي بسبب زيادة قوله أو مادته قاله السعد.
    قوله: (وهو المعدوم الذي فرض مجتمعا.. إلخ) إنما سمي هذا النوع بالخيالي لاجتماعه من صور محفوظة في الخيال الذي هو خزانة الحس المشترك الذي يتأدى إليه جميع المدركات الحسية ا هـ صبان عن الفنري.
    قوله: (وكأن محمر الشقيق) الإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف، والشقيق نور يفتح كالورد وأوراقه حمر وفيها بين تلك الأوراق وهو وسطه سواد وكثيرا ما تنبته الأرض الجبالية، وإ ضافته إلى النعمان في قولهم شقائق النعمان، لأنه كان كثيرا في أرض يحميها النعمان، وهو ملك من ملوك الحيرة قيل، والنعمان يسمى به كل ملك في ذلك البلد، وأشهرهم النعمان ابن المنذر.
    وقوله: (إذا تصوب متعلق بمقتضى كأن) أي مال إلى أسفل أو تصعيد: أي مال إلى أعلى وميله إلى العلو والسفل بتحريك الريح له.
    وقوله: (أعلام ياقوت) الأعلام جمع علم، وهو ما يشد فوق الرمح، وهي بالياقوت الحجر النفيس المعلوم بشرط أن يكون أحمر، وهو أغلب الياقوت.
    وقوله: (على رماح.. إلخ) الرماح جمع رمح، وهو معلوم، والزبرجد حجر نفيس أخضر ا هـ يعقوبي مع زيادة صبانية.
    وقوله: (بمقتضى.. إلخ) أي بفعل تقتضيه كأن وتفيد معناه وهو أشبه.
    قوله: (ما عدا ذلك) أي ما لا يكون هو ولا مادته بتمامها مدركا بإحدى الحواس الظاهرة سواء أدرك بعضها أم لا ا هـ من السعد والصبان.
    قوله: (وهو ما ليس مدركا.. إلخ) فهو يتميز عن الخيالي السابق بأن لا يوجد لمادته ولا لنفسه حتى يدرك هو أو مادته بالحواس، ويتميز عن العقلي الصرف بأنه لو وجد وأدرك لأدرك بالحواس بخلاف العقلي المحض، فإنه يوجد ويدرك بغير الحواس كالعلم والحياة، وإنما جعل هذا الوهمي من قبيل العقلي هنا مع أنه لو وجد وأدرك أدرك بالحواس، لأنه معدوم فصار إدراكه إدراك ما لا يحس في الحالة الراهنة، فألحق بالمعقول الذي لا يحس ا هـ يعقوبي.
    قوله:( كقوله) أي كمشبه به في قول امرئ القيس.
    قوله: (أيقتلني) الاستفهام للإنكار والمشرفي نسبة إلى مشارف اليمن: أي أعاليها والنسبة إلى الجمع إفرادية ومسنونة: أي سهام مسنونة عطف على المشرفي.
    قوله: (ما يشتركان فيه) أي معنى يشتركان فيه بأن يتصف به كل منهما إما تحقيقا كالوجه في قولك زيد كالأسد في الجراءة وإما تخييلا كما في قوله:
    وكأن النجوم بين دجاه = سفن لاح بينهن ابتداع
    فإن وجه الشبه بين النجوم في الدجى جمع دجية وهي الظلمة، وبين السنن في الابتداع: أي البدع هو ظهور أشياء مشرقة في جنب شيء أسود وهو في النجوم مع الظلمة حقيقي، وفي السنن مع البدع تخييلي: أي يتخيل ذلك في السنن مع البدع، ولم يتحقق وسبب التخيل أنه كثيرا ما تشبه السنة وما بمعناها كالهدى، والعلم بالنور في الاهتداء بكل منهما إلا أن الاهتداء بالسنة، وما في معناها في المعقولات وبالنور في المحسوسات وتشبه البدع، وما بمعناها من المعصية بالظلمة في الضلال وعدم الأمن من مكروه، فأوجب ذلك التشبيه وتلك المقارنة التي بين طرفيه تخيل الإشراق للسنة وما بمعناها وتخيل السواد للبدعة، وما بمعناها لأن الشيء يتخيل فيه الوهم ما في مقارنه، وكثر ذلك التخيل حتى صار كأن المعنى حقيقي فيهما فصح التشبيه بذلك الوجه المتخيل، وفهم من قوله يشتركان أن الوجه في الحقيقة كلي لتعذر الاشتراك في الجزئي لاستحالة وجوده في محلين، وإنما يقع الاشتراك في الكلي بوجود الحصص المطابقة له في متعدد، فإذا قيل هو كالأسد في الشجاعة، فالوجه المشترك فيه هو الشجاعة الكلية الموجودة في الطرفين بوجود بعض جزئياتها فيهما وعلى هذا فتسمية الوجه محسوسا كما يأتي، إنما ذلك باعتبار حسية أفراد الوجه كالحمرة والصفرة ونحو ذلك وعلم من ذلك أيضًا أن الوجه إذا لم يوجد في الطرفين معا بطل التشبيه لعدم وجود المشاركة في الاتصاف كأن يجعل الوجه في تشبيه النحو بالملح حيث يقال النحو في الكلام، كالملح في الطعام كون الكثير منهما مفسدا لما هو فيه والقليل مصلحا إذا لم يوجد هذا المعنى في النحو وهو كون كثيره مفسدا للكلام وقليله مصلحا له، إذ لا يقبل قلة ولا كثرة لأنه في كل كلام معنى واحد إن وجد صح إعراب الكلام وإلا بطل، وإنما الوجه المصحح للتشبيه بينهما كون اعتبار كل منهما ووجوده في الجملة في مصاحبه مصلحا له وانتفائه عنه مفسدًا له ا هـ ع ق.
    قوله: (وداخلا) مفعول ثان لقوله تلفيه بمعنى تجده فالواو داخلة على تلفيه قال ع ق، والمراد بكونه داخلا أن لا يكون خارجيا بدليل مقابلته بالخارج، فدخل فيه ما كان نفس الماهية النوعية، إذ ليست بخارجة عن الحقيقة، لأنها نفسها كأن يقال لغرض من الأغراض زيد كعمرو في الإنسانية ودخل ما كان جزءًا من جنس أو فصل كأن يقال لغرض من الأغراض أيضًا زيد كعمرو في الإنسانية، ودخل ما كان جزءًا من جنس أو فصل كأن يقال لغرض من الأغراض أيضًا زيد كعمرو في الحيوانية أو الناطقية، فالخارج هو الذي ليس نفس الماهية ولا جزءها ا ه.
    ـوقوله: (عن الحقيقة) أي حقيقة الظرفين.
    وقوله: (لأنها نفس) أي مع زيادة قيد التشخص، وقوله ما كان جزءًا من جنس ومنه مثال الشارح تأمل.
    قوله: (حقيقي) أي معنى متقرر في نفسه بأن لا يكون نسبيًا يتعقل بين شيئين.
    وقوله: (جلا) أي ظهر تصوره من ير توقف على شيئين وقوله بحس خبر لمحذوف: أي وظهروه بحس أي بسببه وكذا يقال في أو عقل.
    وقوله: (ونسبي) عطف على حقيقي أفاده ع ق.
    قوله: (ونسبي) أي ذو نسبة بين شيئين لا يتعقل إلا بهما.
    وقوله: (تلا) أي تبع الحقيقي في الذكر وهو تكملة.
    قوله: (وواحدا يكون.. إلخ) أي وينقسم وجه الشبه ثانيا قسمة أخرى وهي أن يكون واحدا.. إلخ كما أشار إليه الشارح.
    قوله: (وتشبيه) مبتدأ خبره نمى، أو هي صفة له والخبر للتمليح والمسوغ على الأول التنويع وعلى الثاني الوصف أفاده المصنف في شرحه.
    قوله: (نمى) أي نسب.
    وقوله: (في الضد) حال من نائب فاعل نمى.
    وقوله: (للتلميح) متعلق بنمى.
    قوله: (قصد) أي قص المتكلم، وإنما قال قصد ولم يقل اشترك الطرفان فيه لأنهما قد يشتركان في أمور كثيرة ولا يقصد منهما في التشبيه إلا أمر خاص كزيد والأسد، فإنهما يشتركان في الجود والجوهرية والجسمية والحيوانية وغيرها مع أنه لا يفسد شيء من ذلك في تشبيه به أفاده المصنف في شرحه.
    قوله:( كالشجاعة) المناسب كالجراءة لأن الشجاعة منتفية عن الأسد، إذ هي الإقدام عن رؤية وذلك يخص النفس العاقلة أفاده الصبان عن سم وسيأتي أن بعض المحققين يخالف هذا.
    قوله: (في تشبيه.. إلخ) أي حال كونها مقصوده في تشبيه.. إلخ.
    قوله: (في كونهما كتانا) يصح اعتبار الكتان نوعا أيضًا إذ هذه الأمور يكفي فيها اعتبار المعتبر أفاده الصبان.
    قوله:( كمثل هذا المثال) يعني الشجاعة في تشبيه الرجل بالأسد.
    قوله: (بالبصر) بدل من قوله بإحدى والبصر معنى قائم بالحدقة يتعلق بالألوان والأكوان التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ا هـ يعقوبي.
    قوله: (والأشكال) جمع شكل وهو عبارة عن الهيئة الحاصلة للجسم باعتبار وضع أجزائه الاتصالية بعضها مع بعض، فيحدث من ذلك في ظاهره طول مخصوص وعرض مخصوص ودورة مخصوصة وما يرجع لذلك، فكون أجزائه على ذلك الوضع الموجب لتلك الحالة من طول وعرض.. إلخ هو الشكل ا هـ يعقوبي.
    قوله: (والمقادير) جمع مقدار وهو كون أجزاء الشيء على كثرة مخصوصة أو قلة كذلك متصلة ومنفصلة ا هـ منه.
    قوله: (والحركات) جمع حركة وهي حصول الجسم حصولا أوليا في الحيز الثاني وتسمى النقلة ا هـ منه.
    قوله: (والسمع) عطف على البصر وهو صفة تدر بها الأصوات قائمة بالباطن من الصماخ ا هـ منه.
    قوله: (من الأصوات) بيان لما يدرك بالسمع والصوت كيفية تحصل من التموج المعلول للقرع الذي هو إمساس عنف، والقلع الذي هو تفريق عنيف بشرط مقاومة المقروع للقارع والمقلوه للقالع أفاده السعد.
    قوله: (والذوق) وهو صفة قائمة باللسان بها تدرك النفس طعم المطعومات ا هـ يعقوبي.
    قوله: (الطعوم) هي الكيفيات الموجودة في المطعومات كالحلاوة والمرارة والملوحة والحموضة ا هـ منه.
    قوله: (والشم) هو معنى قائم بباطن الأنف تدرك به الروائح ا هـ منه.
    قوله: (واللمس) هو قوة سار به في ظاهر البدن تدرك الملموسات ولا يضر تفاوت أجزاء ظاهر البدن في الإحساس لاشتراكها في مطلق الإدراك ا هـ منه.
    قوله: (من الحرارة) وهي قوة من شأنها تفريق المختلفات وجمع المؤتلفات، ولهذا إذا أوقد على خطب ذهب الجزء الهوائي، وهو المتكيف بصورة الدخان صاعدا لأصله من الهواء والجزء الترابي وهو المتكيف بصورة التراب متراكما إلى الأرض، وانعزل المائي والناري وكل ذلك بالمعاينة وكذلك إذا أوقد على معدن حتى ذاب انعزل زبده وخبثه عن صفيه.
    وقوله: (والبرودة) وهي قوة من شأنها جمع المؤتلفات وغيرها، ولذلك إذا برد المعدن المذاب التصق خبثه بصفيه.
    وقوله: (والرطوبة) هي كيفية تقتضي سهولة التشكل والالتصاق والتفريق في الجسم القائمة هي به.
    وقوله: (واليبوسة) هي بعكسها أي كيفية تقتضي صعوبة التفريق والالتصاق والتشكل.
    وقوله: (والخشونة) هي كيفية حاصلة من كون بعض أجزاء الجسم أخفض وبعضها أرفع وتلك الكيفية حروشة تدرك عند اللمس ويدرك بالبصر ملزوم تلك الخشونة، وهو كون الأجزاء على الوضع المخصوص من علو البعض وانخفاض البعض على وجه مشاهد مخصوص.
    وقوله: (والملاسة) هي كيفية حاصلة من استواء الأجزاء: أي أجزاء الجسم في الموضع مع الالتصاق.
    وقوله: (واللين) هو كيفية تقتضي قبول الغمز: أي التداخل إلى الباطن ويكون للشيء القائمة هي به قوام فيها تماسك غير سيال، فالماء على هذا ليس له لين لأن قوامه أي جواهره فيها تماسك مع السيلان، فيدخل في الصلابة وهو بعيد.
    وقوله: (والصلابة) هي تقابل اللين فهي كيفية لا تقتضي قبول الانغماز والتداخل إلى الباطن، فالأولى ككيفية العجين، والثانية ككيفية الحجر والجبر اليابس.
    وقوله: (والخفة) هي كيفية تقتضي في الجيم أن يتحرك إلى صوب: أي جهة المحيط لو لم يعقه عائق كالييئس الخفيف، فإنه لولا الطائق لارتفع إلى العلو.
    وقوله: (والنقل) هو كيفية تقتضي في الجسم أن يتحرك إلى الجهة المركز لو لم يعقه عائق كالرصاص المحمول، فإنه لولا حمله لنزل إلى أسفل.
    وقوله: (من البلل) هو اتصال المائع بسطح الجسم، فإن داخله فهو انتفاع.
    وقوله: (والجفاف) هو عدم اتصال المائع بسطح غير مائع.
    وقوله: (واللزوجة) هي من اللوج الذي هو اللزوم، وهي كيفية تقتضي سهولة التشكل وعسر التفرق بأن يمتد الجسم عند محاولة التفرق كبعض أنواع الصمغ الممضوغ، وكالمصطكي ويقابلها الهشاشة فهي كيفية تقتضي سهولة التفرق وعسر الاتصال بعد التفرق بعد التفرق، كالخبز اليابس المعجون بالسمن.
    وقوله: (وغير ذلك) كاللطافة والكثافة ا هـ منه ثم إنه قد يجتمع الرطوبة واللين واللزوجة وكذا اليبوسة مع الصلابة والصلابة والهشاشة كما يفهم من بيانه تأمل.
    قوله: (النفسانية) أي المختصة بذوات الأنفس الناطقة المتعلقة بالباطن ولها أثر في الظاهر.
    وقوله: (من الذكاء) هو شدة قوة العقل المعدة لاكتساب النفس بها الآراء الدقيقة.
    وقوله: (والعلم) هو الإدراك المفسر بحصول صورة الشيء عند العقل.
    وقوله: (والغضب) هو حركة للنفس مبدؤها إرادة الانتقام.
    وقوله: (والحلم) وهو أن تكون النفس مطمئنة بحيث لا يحركها الغضب بسهولة ولا تضطرب عند إصابة المكروه.
    وقوله: (والكرم) هو ملكة للنفس يصدر عنها الإعطاء.
    وقوله: (والبخل) هو قوة للنفس يصدر عنها المنع مما يطلب.
    وقوله: (والشجاعة) هي ملكة للنفس يصدر عنها بسهولة اقتحام الشدائد.
    وقوله: (والجبن) هو ملكة للنفس يصدر عنها الفرار من الشدائد المتلفة.
    وقوله: (وسائر الغرائز) جمع غريزة وهي الطبيعة التي تمكنها في النفس كأنها مغروزة فيها، وهي ملكة متمكنة في النفس تصدر عنها الأفعال الملائمة لها بسهولة مثل ما مر، ومثل القدرة فيصدر عنها الأفعال الاختيارية من العقوبة وغيرها، والعجز فيصدر عنه تعذر الفعل عند المحاولة ا هـ منه ومن السعد.
    قوله: (أن يكون معنى متعلقا.. إلخ) يحتمل أن معنى اسم يكون ويحتمل أنه خبر، وأن الاسم ضمير مستتر يعود على الإضافي وعلى كل، فالمناسب حذف أن يكون لأن الإضافي ليس نفس كونه متعلقا ولا كون المعنى متعلقا.. إلخ، بل هو نفس المعنى المتعلق.. إلخ كما في عبارة السعد.
    قوله: (فإنها) أي الإزالة.
    وقوله: (ليست هيئة.. إلخ) أي بل متعلقة بين المزيل الذي هو الشمس أو الحجة والمزال الذي هو الحجاب أفاده اليعقوبي.
    قوله: (في ذات الحجة) وكذا في الشمس وكان على الشارح ذكرها.
    قوله: (ولا في ذات الحجاب) غير محتاج إليه لأن الكلام في الطرفين، وهو ليس منهما حتى لو فرض أنها هيئة متقررة فيه لم يضر، وكأنه أراد المبالغة في كونها أمرا اعتباريا ا هـ صبان.
    قوله: (فمراد.. إلخ) تفريع على مقابلة الحقيقي بالإضافي في حل عبارة المصنف تأمل.
    قوله: (واحد) المراد به ما يعد في العرف واحدا لا الذي لا جزء له أصلا، وذلك كقولك خده كالورد في الحمرة، فهذا واحد وإن اشتملت الحمرة على مطلق اللونية ومطلق القبض للبصر يعقوبي.
    قوله: (ومركب.. إلخ) هو بقسميه بمنزلة الواحد في عدم اعتبار التعدد.
    قوله: (بأن تكون حقيقة ملتئمة.. إلخ) قال الصبان قال في المطول وبهذا أي شمول ما هو بمنزلة الواحد للحقيقة الملتئمة يشعر لفظ المفتاح وفيه نظر ستعرفه ا هـ، وحاصله أن الحقيقة الملتئمة كالإنسانية من قبيل الواحد دون المنزل منزلته ا هـ، أي فالمناسب قصر المركوب على ما يسمى باعتباريا، ولذا قصر الأصل التمثيل على الاعتباري، ونفى السعد فيما بعد كون الحقيقة الملتئمة مما أذكر من المركب، وإنما ذكرها هنا مجاراة للسكاكي، فكان على الشارح أن يقتصر في التقسيم على الاعتباري كما اقتصر عليه في التمثيل تبعا للأصل.
    قوله: (من أمور مختلفة) المراد بالجمع ما فوق الواحد دسوقي.
    قوله: (انتزعها العقل) أي استحضرها.
    وقوله: (من عدة أمور) أي من ملاحظتها، أي وتلك الأمور لم يصر مجموعها حقيقة واحدة بخلاف أمور التركيب الحقيقي وحاصله أن المركب تركيبا اعتباريا لا حقيقة له في حد ذاته بل هو هيئة يلاحظها العقل من عدة أمور، بحيث لا يصح التشبيه إلا باعتبار تعلقها بمجموع الأجزاء ا هـ منه وسيأتي في الشارح مثالان لقسيميه الحسي والعقلي.
    قوله: (بل في الهيئة المنتزعة) أي في التركيب الاعتباري.
    وقوله: (أو في الحقيقة الملتئمة) منها في التركيب الحقيقي صبان.
    قوله: (سبعة) ادعى المصنف في شرحه أنها كلها داخلة في النظم وليس كذلك إذ لم يذكر فيه المختلف ولا يؤخذ منه ففي كلامه قصور مع التضمين ولو قال بعد قوله ونسبي تلا:

    يأتي مركبا وواحدا عدد = والكل حسيا وعقليا يعد
    واختلف العدد وتشبيه نمى.. إلخ لسلم منهما والعدد بتسكين الدال للوزن تأمل.
    قوله: (الثريا) اسم لجملة أنجم مجتمعة.
    وقوله:( كما ترى حال) من الثريا والكاف بمعنى على، وقوله ملاحية بضم الميم وتشديد اللام عنب أبيض في حبه طول وتخفيف اللام أكثر قاله السعد.
    وقوله: (نورا) أي انفتح نوره.
    قوله: (الحاصلة) أي المتحققة قال اليعقوبي وفسرنا الحاصلة بالمتحققة إشارة إلى أن حقيقة الهيئة متحققة خارجا بالتقارن تحقق الأعم بالأخص، وأنها نفس ذلك التقارن ا هـ دسوقي.
    قوله: (من تقارن الصور) من ابتدائية، وإضافة تقارن إلى الصور من إضافة الصفة للموصوف، والمراد بالصور المتقارنة صور النجوم في الثريا وصور حبات العنب في العنقود ا هـ منه.
    قوله: (فنظر) أي الشاعر في وجه الشبه وكذا الضمير في قصد ويحتمل بناء الفعلين للمفعول.
    قوله:( كقوله تعالى) أي كوجه الشبه في قوله.. إلخ.
    قوله: (مثل الذين) المثل القصة العجيبة صبان.
    قوله: (ثم لم يحملوها) أي لم يعلموا بما فيها فعبر عن عدم العمل بعدم الحمل لأن حملهم كلا حمل.
    قوله: (حرمان) مصدر حرمه الشيء كعلمه وضربه منعه الشيء، فإضافته إلى الانتفاع من إضافة المصدر إلى مفعوله ا هـ أطول ا هـ منه.
    قوله: (جاهلا بما فيها) أراد لازم الجهل وهو عدم الانتفاع لأن الجهل عدم العلم عما أنه أن يعلم فلا يتصف به الحمار.
    قوله: (حقيقة أو حكما) المناسب الاقتصار على حكما كما هو واضح وقد اقتصر عليه غيره.
    قوله: (في اللون.. إلخ) فكل واحد من كل قسم من الثلاثة يصح كونه وجه شبه بخلاف المركب بقسميه.
    قوله: (حسن الطلعة.. إلخ) الأول حسي والثاني عقلي والمراد بالطلعة الوجه.
    قوله: (فينزل) عطف على مأخوذ والفاء للترتيب الإخباري، وإلا فالتنزيل قبل الأخذ أفاده الدسوقي.
    قوله: (فيشبه.. إلخ) ووجه الشبه عند التنزيل المذكور، وهو الوجه عند عدمه فإذا أردت التصريح بوجه الشبه في قولك للجبان هو أسد تمليحًا أو تهكمًا لم يتأت لك أن تقول في الشجاعة لكن الحاصل في الجبان إنما هو ضد الشجاعة، فنزلنا تضادهما منزلة التناسب وجعلنا الجبن بمنزلة الشجاعة على سبيل التمليح أو الهزؤ أفاده السعد.
    قوله: (كتشبيه.. إلخ) أي كوجه النسبة المأخوذ من التضاد في تشبيه.. إلخ.
    قوله: (فإن كان.. إلخ) أي فهو صالح للأمرين.
    قوله: (خلاف ما يأتي.. إلخ) وهو الإشارة إلى قصة أو مثل أو شعر.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 10, 2015 9:55 pm

    أَدَاتُهُ كَافٌ كَأَنَّ مِثْلُ = وَكُلُّ مَا ضَاهَاهُ ثُمَّ الأَصْلُ
    إِيلاءُ مَا كَالْكَافِ مَا شُبِّهَ بِهْ = بِعَكْسِ مَا سِوَاهُ فَاعْلَمْ وَانْتَبِهْ
    وَغَايَةُ التَّشْبِيهِ كَشْفُ الْحَالِ = مِقْدَارٍ اوْ مَكَانٍ اوْ إِيصَالِ
    تَزْيِينٍ اوْ تَشْوِيهٍ اهْتِمَامِ = تَنْوِيهٍ اسْتِظْرَافٍ اوْ إِيهَامِ
    رُجْحَانُهُ فِي الْوَجْهِ بِالْمَقْلُوبِ = كَاللَّيْثُ مِثْلُ الْفَاسِقِ الْمَصْحُوبِ
    وَبِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ يَنْقَسِمْ = أَرْبَعَةً تَرْكِيباً إِفْرَاداً عُلِمْ
    وَبِاعْتِبَارِ عَدَدٍ مَلْفُوفٍ اوْ = مَفْرُوقٍ اوْ تَسْوَيَةِ جَمْعٍ رَأَوْا
    وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ تَمْثِيلٌ إِذَا = مِنْ مُتَعَدِّدٍ تَرَاهُ أُخِذَا
    وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ أَيْضاً مُجْمَلُ = خَفِيٌّ اوْ جَلِيٌّ اوْ مُفَصَّلُ
    وَمِنْهُ بِاعْتِبَارِهِ أَيْضاً قَرِيبْ = وَهُوَ جَلِيُّ الْوَجْهِ عَكْسُهُ الْغَرِيبْ
    لِكَثْرَةِ التَّفْصِيلِ أَوْ لِنُدْرَةِ = فِي الذِّهْنِ كَالتَّرْتِيبِ فِي كَنُهْيَةِ
    وَبِاعْتِبَارِ آلَةٍ مُؤَكَّدُ = بِحَذْفِهَا وَمُرْسَلٌ إِذْ تُوجَدُ
    وَمِنْهُ مَقْبُولٌ بِغَايَةٍ يَفِي = وَعَكْسُهُ الْمَرْدُودُ وَالتَّعَسُّفِ
    وَأَبْلَغُ التَّشْبِيهِ مَا مِنْهُ حُذِفْ = وَجْهٌ وَآلَةٌ يَلِيهِ مَا عُرِفْ
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 10, 2015 9:55 pm

    حلية اللب المصون للشيخ: أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري


    قال:
    (فَصْلٌ فِي أَدَاةِ التَّشْبِيهِ وَغَايَتِهِ وَأَقْسَامِهِ)

    أَدَاتُهُ كَافٌ كَأَنَّ مِثْلُ = وَكُلُّ مَا ضَاهَاهُ ثُمَّ الأَصْلُ
    إِيلاءُ مَا كَالْكَافِ مَا شُبِّهَ بِهْ = بِعَكْسِ مَا سِوَاهُ فَاعْلَمْ وَانْتَبِهْ
    أقول: (أداة التشبيه الكاف وكأن ومثل) ونحوها مما يشتق من (المماثلة) كنحو و(مثل والأصل في الكاف وما أشبهها) كلفظ نحو (ومثل وشبه) أن يليه المشبه به لفظا نحو زيدا كأسد أو تقديرا نحو أو كصيب من السماء أي (كمثل) ذوي صيب وربما يليه غيره نحو واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه الآية ليس المراد (تشبيه) الدنيا بالماء بل (تشبيه) حالها في بهجتها وما يتعلق بها من الهلاك بحال النبات الحاصل من الماء يكون أخضر ثم ييبس فتطيره الرياح بخلاف عكس الكاف ونحوها نحو كأن فإنه يليها المشبه لا المشبه به نحو كأن زيدا أسد. قال:

    وَغَايَةُ التَّشْبِيهِ كَشْفُ الْحَالِ = مِقْدَارٍ اوْ مَكَانٍ اوْ إِيصَالِ
    تَزْيِينٍ اوْ تَشْوِيهٍ اهْتِمَامِ = تَنْوِيهٍ اسْتِظْرَافٍ اوْ إِيهَامِ
    رُجْحَانُهُ فِي الْوَجْهِ بِالْمَقْلُوبِ = كَاللَّيْثُ مِثْلُ الْفَاسِقِ الْمَصْحُوبِ
    أقول: (غاية التشبيه) أي فائدته أمور: منها (كشف حال المشبه) أي بيان أنه على أي وصف من الأوصاف (كتشبيه) ثوب بثوب في لونه إذا كان لونه مجهولا للمخاطب. ومنها بيان (مقدار حال المشبه) إذا كان السامع يعلمها إجمالا كما في تشبيه الثوب الأسود بالغراب في شدة السواد. ومنها بيان إمكان وجوده بأن يكون أمرا غريبا يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه فيستشهد له (بالتشبيه) كقوله:
    فإن تفق الأنام ولأنت منهم = فإن المسك بعض دم الغزال
    فإنه لما أدعى أن الممدوح فاق الناس حتى صار أصلا برأسه وجنسا بنفسه وكان هذا في الظاهر كالممتنع احتج لهذه الدعوى وبين إمكانها بأن (شبه) هذه الحالة بحالة (المسك) الذي هو من (الدماء) ثم إنه لا يعد من (الدماء) لما فيه من الأوصاف الشريفة التي لا توجد في (الدم) و(التشبيه) فيه ضمني لا تصريحي. ومنها إيصال (حال المشبه) أي تقريرها في نفس السامع وتقوية شأنه كما في (تشبيه) من لم يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء. ومنها (تزيين المشبه) ليرغب فيه (كتشبيه) وجه أسود بمقلة الظبي. ومنها (تشويهه) أي تقبيحه ليرغب عنه (كتشبيه) وجه مجدور بسلحة جامدة وقد نقرتها الديكة. ومنها (الاهتمام بالمشبه) به كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف ويسمى إظهار المطلوب. ومنها (التنويه بالمشبه) في إظهاره وشهرته كتشبيه رجل خامل الذكر برجل مشهور بين الناس. ومنها (استطراف المشبه) أي عده طريفا حديثا بديعا كما في تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب لإبراز المشبه في صورة الممتنع عادة. ومنها (إيهام رجحان المشبه) على المشبه به في وجه الشبه وذلك في التشبيه المقلوب كقوله

    وبدا الصباح كأن غرته = وجه الخليفة حين يمتدح
    ففيه (إيهام) أن (وجه) الخليفة أتم من الصباح في الوضوح والضياء ومنه مثال المتن وهو (الليث مثل الفاسق المصحوب) (فالفاسق الصاحب) مثل الأسد في عدم أمن غائلته وعوده على صاحبه بالضرر ففيه (إيهام) أن (الفاسق المصحوب أرجح من الليث في وجه الشبه). قال:
    وَبِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ يَنْقَسِمْ = أَرْبَعَةً تَرْكِيباً إِفْرَاداً عُلِمْ
    أقول: (ينقسم التشبيه باعتبار الطرفين إلى أربعة أقسام): الأول( تشبيه مفرد بمفرد) كتشبيه الخد بالورد. الثاني (تشبيه مفرد بمركب) كتشبيه الشقيق بأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد.
    الثالث (تشبيه مركب بمركب) بأن يكون في كل من الطرفين كيفية حاصلة من عدة أشياء قد تضامنت حتى عادت شيئا واحدا كما في قوله:

    كأن مثار النقع فوق رؤوسنا = وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
    الرابع (تشبيه مركب بمفرد) كما في تشبيه نهار مشمس قد شابه زهر الربا بليل مقمر فالمشبه مركب والمشبه به مفرد قال:

    وَبِاعْتِبَارِ عَدَدٍ مَلْفُوفٍ اوْ = مَفْرُوقٍ اوْ تَسْوَيَةِ جَمْعٍ رَأَوْا
    أقول: (ينقسم التشبيهباعتبار تعدد) طرفيه إلى (ملفوف) وهو أن يؤتى أولا (بالمشبهات) على طريق العطف أو غيره ثم بالمشبه بها كذلك كقوله في وصف العقاب بكثرة اصطياد الطيور: كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي شبه الطري من قلوب الطير بالعناب واليابس منها بالحشف البالي وإلى مفروق وهو أن يؤتي بمشبه ومشبه به ثم آخر وآخر كقوله: النشر مسك والوجوه دنا نير وأطراف الأكف عتم وإلى (تشبيه التسوية) وهو أن يتعدد المشبه به كقوله: صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي
    وإلى (تشبيه الجمع) وهو أن يتعدد المشبه به دون المشبه كتشبيه الثغر باللؤلؤ المنضد أو البرد أو الأقاح في قوله: كأنما يبسم عن لؤلؤ منضد أو برد أو إقاح قال:

    وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ تَمْثِيلٌ إِذَا = مِنْ مُتَعَدِّدٍ تَرَاهُ أُخِذَا
    أقول: (ينقسم التشبيه باعتبار وجه الشبه) إلى (تمثيل) وهو ما كان وجه الشبه فيه وصفا منتزعا من (متعدد) كما في إني (أراك) تقدم رجلا وتؤخر أخرى فالمشبه هيئة منتزعة من أمور متعددة والمشبه به كذلك وإلى غير( تمثيل) وهو ما ليس (وجهه )كذلك نحو الصالح في هذا الزمان كالكبريت الأحمر. قال:
    وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ أَيْضاً مُجْمَلُ = خَفِيٌّ اوْ جَلِيٌّ اوْ مُفَصَّلُ
    أقول: (ينقسم التشبيه أيضا باعتبار الوجه) إلى (مجمل) وهو ما لم يذكر فيه وجه الشبه كالمثال المتقدم والوجه الغرة ومن الوجه ما هو خفي لا يفهمه إلا الخواص كقول بعضهم: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها أي هم متناسبون في الشرف كما أن الحلقة متناسبة الأجزاء في الصورة ومنه ما هو ظاهر يفهمه كل أحد نحو زيد كالأسد وإلى (مفصل) وهو ما ذكر فيه وجه الشبه كقوله: وثغره في صفاء وأدمعي كاللآلي قال:

    وَمِنْهُ بِاعْتِبَارِهِ أَيْضاً قَرِيبْ = وَهُوَ جَلِيُّ الْوَجْهِ عَكْسُهُ الْغَرِيبْ
    لِكَثْرَةِ التَّفْصِيلِ أَوْ لِنُدْرَةِ = فِي الذِّهْنِ كَالتَّرْتِيبِ فِي كَنُهْيَةِ
    أقول: (ينقسم التشبيه أيضا باعتبار وجهه) إلى (قريب) مبتذل وهو ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به من غير احتياج إلى تأمل كتشبيه الجرة الصغيرة بالكوز في المقدار والشكل وإلى غريب وهو ما لا ينتقل فيه إلا بعد الفكر كتشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل إما لكثرة التفصيل في الوجه كهذا المثال أو (ندور) حصول المشبه به في الذهن لكونه وهميا كأنياب الأغوال أو مركبا خياليا نحو:أعلام ياقوت نشر = ن على رماح من زبرجد أو مركبا عقليا نحو كمثل الحمار يحمل أسفارا والمراد (بالنهية) العقل أي كالمركب العقلي
    في بعض النسخ (لكثرة التفصيل) بعد النسبة وهو بضم الباء معطوف بحذف العاطف وآل في النسبة عوض من المضاف إليه أي ومن أسباب الغرابة بعد نسبة المشبه به عن المشبه فيقل بذلك حضور الشبه به (في الذهن) حين حضور المشبه. قال:

    وَبِاعْتِبَارِ آلَةٍ مُؤَكَّدُ = بِحَذْفِهَا وَمُرْسَلٌ إِذْ تُوجَدُ
    وَمِنْهُ مَقْبُولٌ بِغَايَةٍ يَفِي = وَعَكْسُهُ الْمَرْدُودُ وَالتَّعَسُّفِ
    وَأَبْلَغُ التَّشْبِيهِ مَا مِنْهُ حُذِفْ = وَجْهٌ وَآلَةٌ يَلِيهِ مَا عُرِفْ
    أقول: (ينقسم التشبيه باعتبار أداته) إلى (مؤكد ومرسل) فالمؤكد ما (حذفت أداته) نحو زيد أسد و(المرسل) ما ذكرت فيه الأداة نحو زيد كالبدر وسمي مرسلا لإرساله عن التأكيد المتقضي بظاهره أن المشبه عين المشبه به ثم من التشبيه ما هو (مقبول) وهو الوافي بأي غرض من الأغراض المتقدمة وما هو (مردود وهو عكسه) أي الغير الوافي بذلك والبليغ من التشبيه ما (حذف) منه وجه الشبه وأداة التشبيه نحو زيد أسد أو مع (حذف المشبه) نحو أسد في مقام الإخبار عن زيد ويليه حذف أحدهما أي الوجه أو الأداة أي فقط أو مع حذف المشبه نحو زيد كالأسد ونحو كالأسد عند الإخبار عن زيد ونحو زيد أسد في الشجاعة ونحو أسد في الشجاعة عند الإخبار عن زيد ولا قوة لذكرهما معا مع ذكر المشبه أو بدونه نحو زيد كالأسد في الشجاعة ونحو كالأسد في الشجاعة خبرا عن زيد.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    التشبيه Empty رد: التشبيه

    مُساهمة من طرف أحمد السبت يناير 10, 2015 9:56 pm

    قال:
    (فَصْلٌ فِي أَدَاةِ التَّشْبِيهِ وَغَايَتِهِ وَأَقْسَامِهِ)

    أَدَاتُهُ كَافٌ كَأَنَّ مِثْلُ = وَكُلُّ مَا ضَاهَاهُ ثُمَّ الأَصْلُ
    إِيلاءُ مَا كَالْكَافِ مَا شُبِّهَ بِهْ = بِعَكْسِ مَا سِوَاهُ فَاعْلَمْ وَانْتَبِهْ
    أقول: (أداة التشبيه الكاف وكأن ومثل) ونحوها مما يشتق من (المماثلة) كنحو و(مثل والأصل في الكاف وما أشبهها) كلفظ نحو (ومثل وشبه) أن يليه المشبه به لفظا نحو زيدا كأسد أو تقديرا نحو أو كصيب من السماء أي (كمثل) ذوي صيب وربما يليه غيره نحو واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه الآية ليس المراد (تشبيه) الدنيا بالماء بل (تشبيه) حالها في بهجتها وما يتعلق بها من الهلاك بحال النبات الحاصل من الماء يكون أخضر ثم ييبس فتطيره الرياح بخلاف عكس الكاف ونحوها نحو كأن فإنه يليها المشبه لا المشبه به نحو كأن زيدا أسد. قال:

    وَغَايَةُ التَّشْبِيهِ كَشْفُ الْحَالِ = مِقْدَارٍ اوْ مَكَانٍ اوْ إِيصَالِ
    تَزْيِينٍ اوْ تَشْوِيهٍ اهْتِمَامِ = تَنْوِيهٍ اسْتِظْرَافٍ اوْ إِيهَامِ
    رُجْحَانُهُ فِي الْوَجْهِ بِالْمَقْلُوبِ = كَاللَّيْثُ مِثْلُ الْفَاسِقِ الْمَصْحُوبِ
    أقول: (غاية التشبيه) أي فائدته أمور: منها (كشف حال المشبه) أي بيان أنه على أي وصف من الأوصاف (كتشبيه) ثوب بثوب في لونه إذا كان لونه مجهولا للمخاطب. ومنها بيان (مقدار حال المشبه) إذا كان السامع يعلمها إجمالا كما في تشبيه الثوب الأسود بالغراب في شدة السواد. ومنها بيان إمكان وجوده بأن يكون أمرا غريبا يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه فيستشهد له (بالتشبيه) كقوله:
    فإن تفق الأنام ولأنت منهم = فإن المسك بعض دم الغزال
    فإنه لما أدعى أن الممدوح فاق الناس حتى صار أصلا برأسه وجنسا بنفسه وكان هذا في الظاهر كالممتنع احتج لهذه الدعوى وبين إمكانها بأن (شبه) هذه الحالة بحالة (المسك) الذي هو من (الدماء) ثم إنه لا يعد من (الدماء) لما فيه من الأوصاف الشريفة التي لا توجد في (الدم) و(التشبيه) فيه ضمني لا تصريحي. ومنها إيصال (حال المشبه) أي تقريرها في نفس السامع وتقوية شأنه كما في (تشبيه) من لم يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء. ومنها (تزيين المشبه) ليرغب فيه (كتشبيه) وجه أسود بمقلة الظبي. ومنها (تشويهه) أي تقبيحه ليرغب عنه (كتشبيه) وجه مجدور بسلحة جامدة وقد نقرتها الديكة. ومنها (الاهتمام بالمشبه) به كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف ويسمى إظهار المطلوب. ومنها (التنويه بالمشبه) في إظهاره وشهرته كتشبيه رجل خامل الذكر برجل مشهور بين الناس. ومنها (استطراف المشبه) أي عده طريفا حديثا بديعا كما في تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب لإبراز المشبه في صورة الممتنع عادة. ومنها (إيهام رجحان المشبه) على المشبه به في وجه الشبه وذلك في التشبيه المقلوب كقوله

    وبدا الصباح كأن غرته = وجه الخليفة حين يمتدح
    ففيه (إيهام) أن (وجه) الخليفة أتم من الصباح في الوضوح والضياء ومنه مثال المتن وهو (الليث مثل الفاسق المصحوب) (فالفاسق الصاحب) مثل الأسد في عدم أمن غائلته وعوده على صاحبه بالضرر ففيه (إيهام) أن (الفاسق المصحوب أرجح من الليث في وجه الشبه). قال:
    وَبِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ يَنْقَسِمْ = أَرْبَعَةً تَرْكِيباً إِفْرَاداً عُلِمْ
    أقول: (ينقسم التشبيه باعتبار الطرفين إلى أربعة أقسام): الأول( تشبيه مفرد بمفرد) كتشبيه الخد بالورد. الثاني (تشبيه مفرد بمركب) كتشبيه الشقيق بأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد.
    الثالث (تشبيه مركب بمركب) بأن يكون في كل من الطرفين كيفية حاصلة من عدة أشياء قد تضامنت حتى عادت شيئا واحدا كما في قوله:

    كأن مثار النقع فوق رؤوسنا = وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
    الرابع (تشبيه مركب بمفرد) كما في تشبيه نهار مشمس قد شابه زهر الربا بليل مقمر فالمشبه مركب والمشبه به مفرد قال:

    وَبِاعْتِبَارِ عَدَدٍ مَلْفُوفٍ اوْ = مَفْرُوقٍ اوْ تَسْوَيَةِ جَمْعٍ رَأَوْا
    أقول: (ينقسم التشبيهباعتبار تعدد) طرفيه إلى (ملفوف) وهو أن يؤتى أولا (بالمشبهات) على طريق العطف أو غيره ثم بالمشبه بها كذلك كقوله في وصف العقاب بكثرة اصطياد الطيور: كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي شبه الطري من قلوب الطير بالعناب واليابس منها بالحشف البالي وإلى مفروق وهو أن يؤتي بمشبه ومشبه به ثم آخر وآخر كقوله: النشر مسك والوجوه دنا نير وأطراف الأكف عتم وإلى (تشبيه التسوية) وهو أن يتعدد المشبه به كقوله: صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي
    وإلى (تشبيه الجمع) وهو أن يتعدد المشبه به دون المشبه كتشبيه الثغر باللؤلؤ المنضد أو البرد أو الأقاح في قوله: كأنما يبسم عن لؤلؤ منضد أو برد أو إقاح قال:

    وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ تَمْثِيلٌ إِذَا = مِنْ مُتَعَدِّدٍ تَرَاهُ أُخِذَا
    أقول: (ينقسم التشبيه باعتبار وجه الشبه) إلى (تمثيل) وهو ما كان وجه الشبه فيه وصفا منتزعا من (متعدد) كما في إني (أراك) تقدم رجلا وتؤخر أخرى فالمشبه هيئة منتزعة من أمور متعددة والمشبه به كذلك وإلى غير( تمثيل) وهو ما ليس (وجهه )كذلك نحو الصالح في هذا الزمان كالكبريت الأحمر. قال:
    وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ أَيْضاً مُجْمَلُ = خَفِيٌّ اوْ جَلِيٌّ اوْ مُفَصَّلُ
    أقول: (ينقسم التشبيه أيضا باعتبار الوجه) إلى (مجمل) وهو ما لم يذكر فيه وجه الشبه كالمثال المتقدم والوجه الغرة ومن الوجه ما هو خفي لا يفهمه إلا الخواص كقول بعضهم: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها أي هم متناسبون في الشرف كما أن الحلقة متناسبة الأجزاء في الصورة ومنه ما هو ظاهر يفهمه كل أحد نحو زيد كالأسد وإلى (مفصل) وهو ما ذكر فيه وجه الشبه كقوله: وثغره في صفاء وأدمعي كاللآلي قال:

    وَمِنْهُ بِاعْتِبَارِهِ أَيْضاً قَرِيبْ = وَهُوَ جَلِيُّ الْوَجْهِ عَكْسُهُ الْغَرِيبْ
    لِكَثْرَةِ التَّفْصِيلِ أَوْ لِنُدْرَةِ = فِي الذِّهْنِ كَالتَّرْتِيبِ فِي كَنُهْيَةِ
    أقول: (ينقسم التشبيه أيضا باعتبار وجهه) إلى (قريب) مبتذل وهو ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به من غير احتياج إلى تأمل كتشبيه الجرة الصغيرة بالكوز في المقدار والشكل وإلى غريب وهو ما لا ينتقل فيه إلا بعد الفكر كتشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل إما لكثرة التفصيل في الوجه كهذا المثال أو (ندور) حصول المشبه به في الذهن لكونه وهميا كأنياب الأغوال أو مركبا خياليا نحو:أعلام ياقوت نشر = ن على رماح من زبرجد أو مركبا عقليا نحو كمثل الحمار يحمل أسفارا والمراد (بالنهية) العقل أي كالمركب العقلي
    في بعض النسخ (لكثرة التفصيل) بعد النسبة وهو بضم الباء معطوف بحذف العاطف وآل في النسبة عوض من المضاف إليه أي ومن أسباب الغرابة بعد نسبة المشبه به عن المشبه فيقل بذلك حضور الشبه به (في الذهن) حين حضور المشبه. قال:

    وَبِاعْتِبَارِ آلَةٍ مُؤَكَّدُ = بِحَذْفِهَا وَمُرْسَلٌ إِذْ تُوجَدُ
    وَمِنْهُ مَقْبُولٌ بِغَايَةٍ يَفِي = وَعَكْسُهُ الْمَرْدُودُ وَالتَّعَسُّفِ
    وَأَبْلَغُ التَّشْبِيهِ مَا مِنْهُ حُذِفْ = وَجْهٌ وَآلَةٌ يَلِيهِ مَا عُرِفْ
    أقول: (ينقسم التشبيه باعتبار أداته) إلى (مؤكد ومرسل) فالمؤكد ما (حذفت أداته) نحو زيد أسد و(المرسل) ما ذكرت فيه الأداة نحو زيد كالبدر وسمي مرسلا لإرساله عن التأكيد المتقضي بظاهره أن المشبه عين المشبه به ثم من التشبيه ما هو (مقبول) وهو الوافي بأي غرض من الأغراض المتقدمة وما هو (مردود وهو عكسه) أي الغير الوافي بذلك والبليغ من التشبيه ما (حذف) منه وجه الشبه وأداة التشبيه نحو زيد أسد أو مع (حذف المشبه) نحو أسد في مقام الإخبار عن زيد ويليه حذف أحدهما أي الوجه أو الأداة أي فقط أو مع حذف المشبه نحو زيد كالأسد ونحو كالأسد عند الإخبار عن زيد ونحو زيد أسد في الشجاعة ونحو أسد في الشجاعة عند الإخبار عن زيد ولا قوة لذكرهما معا مع ذكر المشبه أو بدونه نحو زيد كالأسد في الشجاعة ونحو كالأسد في الشجاعة خبرا عن زيد.


    [فصل: في أداة التشبيه وغايته وأقسامه]
    قوله: (أداته) أي الآلة الحالة عليه.
    وقوله:( كأن ربما) تستعمل للشك أو الظن كقولك كأن زيدا مريد للقيام، أي أشك في إرادته القيام أو أظنها ع ق.
    قوله: (ما كالكاف) أي ما كان منها غير مشعر بالفعل مبادرة ولا كان نفس الفعل ع ق.
    قوله: (الكاف) ويلزم إذا دخلت على أن المفتوحة كلمة ما فيقال كما أن زيدا قائم، ولا يقال كأن زيدا قائم لئلا يلتبس بكلمة كأن صبان عن الأطول.
    قوله: (أو نحوها) أي مثل أو ما في معناها.
    قوله: (مما يشتق من المماثلة) اسما أو فعلا ولا يرد أن الفعل ليس في معنى مثل الذي هو اسم، لأن المراد ما في معناه في الجملة أي ولو بطريق التضمن ا هـ ضبان، ثم إن في كلامه قصورا، إذ لا يشمل لفظ نحو ولا كل ما أخذ من مادة المشابهة، فالمناسب أن يقول كما قال ع ق مما دل على معناه، وحينئذ فقوله كنحو لا يناسب ما قبله كما هو واضح.
    وقوله: (ومثل) المناسب حذفه لما في ذكره من تشبيه الشيء بنفسه، ولا يقال أنه مثل بفتح الثاء، لأن هذا اللفظ بمعنى القصة العجيبة كما مر فلا يقع أداة التشبيه كما لا يخفى.
    قوله: (وما أشبهها) المراد به ما لا يدخل إلا على أحد أركان التشبيه، وهو ما يكون الداخل عليه مجرورا لا غير، واحترز به عن نحو كأن وشبيبه ويشابه بل عن مماثل فإن قولنا زيد مماثل عمرو لم يل المماثل المشبه به بل المشبه وهو الضمير المستتر فيه، ولذا قيدنا المجرور بقولنا لا غير إذ عمرو في المثال المذكور يجوز نصبه ا ه.
    قوله: (أو كصيب) فيعل من صاب يصوب أي نزل، ويطلق على المطر وعلى السحاب أيضًا ا هـ فنرى ا هـ صبان.
    قوله: (أي كمثل ذوي صيب) تقدير ذوي لاقتضاء الضمائر في يجعلون أصابعهم في آذانهم مرجعا، وتقدير مثل ليناسب المعطوف عليه أي كمثل الذي استوقد نارا ا هـ منه.
    قوله: (بحال النبات.. إلخ) ولا حاجة إلى تقدير كمثل ما، لأن المعتبر هو الكيفية الحاصلة من مضمون الكلام المذكور بعد الكاف، واعتبارها مستغن عن هذا التقدير قاله السعدز
    قوله: (بخلاف عكس.. إلخ) وضع الشارح خلاف موضع عكس في المصنف، وعكس موضع سوى ولو أبقى سوى لكان أوضح، ومراده بعكس الكاف ونحوها مالا يطرد دخوله على المجرور تأمل.
    قوله: (وغاية التشبيه) أي الغرض الحامل على إيجاد التشبيه، فإن غاية إيجاد الشيء هي الغرض الحامل عليه أمور جلها عائد للمشبه ع ق.
    وقوله: (أي الغرض) لا منافاة بينه وبين ما للشارح كما لا يخفى.
    وقوله: (عائد للمشبه) أي لأن المقصود من التشبيه بيان حاله، فيكون الغرض منه عائدًا إليه قاله عبد الحكيم، ثم إن المصنف قدم الغرض كأصله على بيان أحوال التشبيه لكونه أهم.
    قوله: (مقدار حال المشبه) أي مرتبتها.
    قوله: (إذا كان.. إلخ) هذا هو الفارق بين بيان الحال وبيان المقدار.
    قوله:( كما في تشبيه) أي كبيان المقدار الذي في تشبيه.
    قوله: (وجوده) أي المشبه.
    قوله: (وأنت منهم) أي بحسب الأصل فلا ينافي صيرورته جنسا برأسه ا هـ صبان.
    قوله: (فإن المسك.. إلخ) وقد فاقه فحالك كحال المسك، وليس جواب الشرط بل علة الجواب المحذوف المقامة هي مقامه تقديره فلا استيعاد ا هـ منه.
    قوله: (فإنه) أي الشاعرز
    قوله: (في الظاهر) أي بادئ الرأي قبل النظر في الأدلة، والالتفات إلى النظائر.
    وقوله:( كالممتنع) الظاهر أنه يغني عن الكاف قوله في الظاهر ا هـ منه.
    قوله: (احتج لهذه الدعوى) أي المدعي بدليل وبين إمكانها.
    قوله: (وبين إمكانها) إنما قال بين إمكانها، ولم يقل وقوعها مع أن الملحق به واقع للإشارة إلى أن الحالة المدعاة أمر غريب أعظم في النفوس من أن يدعي عدم وقوعه، بل الأليق به أن ينفي إمكانه، فبين بالوقوع المستلزم للإمكان أفاده اليعقوبي.
    قوله: (بأن شبه هذه الحال.. إلخ) تشبيه مركب بمركب ا هـ يعقوبي.
    قوله: (ضمني) إذ هو مدلول عليه بذكر لازمه وهو وجه الشبه، أي التفوق على الأمثال في قوله فإن تفق الأنام وقوله *فإن المسك بعض دم الغزال* أي وقد فاقه فلم يذكر التشبيه صريحا بل كناية بذكر لازمه ا هـ صبان بتصرف.
    قوله:( كما في تشبيه.. إلخ) فإنك تجد فيه من تقرير عدم الفائدة، وتقوي شأنه ما لا تجده في غيره، لأن الفكر بالحسيات أتم منه بالعقليات لتقدم الحسيات، وفرط إلف النفس بها قاله السعد.
    وقوله: (لأن الفكر) أي الجزم.
    وقوله: (لتقدم الحسيات) أي في إدراك النفس إياها، لأن النفس خلقت خالية من العلوم، وأول ما تدركه المحسوسات بواسطة آلات، ثم بعد الإدراك المذكور وتنبهها لما بينها من المشاركات والمباينات إجمالا يحصل لها عدم كلية هي العقليات أفاده الفنري.
    قوله: (من لم يحصل) من حصل بتخفيف الصاد.
    وقوله: (من سعيه) أي عمله أو كسبه.
    وقوله: (على طائل) على زائدة في فاعل يحصل، أو متعلقة بيحصل على تضمينه معنى يطلع، وفاعله ضمير يرجع إلى من أفاده الدسوقي عن الفنري.
    قوله: (بمقلة الظبي) أي التي سوادها مستحسن طبعا، والمقلة شحمة العين التي تجمع السواد والبياض، أو هي هما أو الحدقة، والمراد هنا المعنى الأول وصحة التشبيه مبنية على ما نقله السعد عن الأصمعي أن عين الظبي والبقر الوحشيين إنما يظهر فيه البياض والسواد بعد الموت، وأما حال الحياة فعيونهن سود كلها ا هـ صبان.
    قوله: (مجذور) أي عليه آثار الجدوى والسلحة العذرة الجامدة التي لا طراوة فيها، ونقرتها ثقبتها بالمنقار والديكة بكسر الدال، وفتح الباء جمع ديك، وفي لفط قد إشعار بأن أثر النقر باق في السلحة بعده لا أنه يزول بالزمان، وإنما أشعر لأنه للتقريب ا هـ من الصبان والفتري.
    قوله: (بالرغيف) في الاستدارة واستلذاذ النفس به.
    قوله: (إظهار المطلوب) فلا يحسن إلا في مقام الطمع في شيء كما قاله السكاكي ا هـ صبان.
    قوله: (التنويه بالمشبه) أي رفع ذكره.
    وقوله: (في إظهاره) أي في حال إرادة إظهاره.
    قوله: (استطراف) بالطاء المهملة ا هـ صبان.
    قوله: (حديثا بديعا) تفسير طريفا بالطاء المهملة ا هـ منه.
    قوله:( كما في تشبيه فحم.. إلخ) وجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من وود شيء مضطرب مائل للحمرة في وشط شيء أسود مضطرب، ومما زداد به استطراف المسبه هنا كونه شيئًا تافها محتقرا أظهر في صورة شيء رفيع لا تصل إليه الأثمان ا هـ منه.
    قوله: (جمر موقد) في القاموس الجمر النار الموقدة فلا حاجة إلى قوله موقد ا هـ أطول ا هـ منه.
    قوله: (في التشبيه) أي المقلوب وهو الذي يجعل فيه الناقص في الوجه مشبها به قصدًا إلى ادعاء أنه أكمل قاله السعد وللأطول هنا كلام راجعة في الصبان.
    قوله: (غرته) الغرة بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم استعير لبياض الصبح قاله السعد، وإضافة الغرة التي هي البياض التام إلى ضمير الصباح من إضافة الخاص إلى العام على احتمال المراد بالصباح مطلق الضياء، وانظر باقي الاحتمالات في الصبان.
    وقوله: (حين يمتدح) فيه دلالة على اتصاف الممدوح بمعرفة حق المادح، وتعظيم شأنه عدا الحاضرين بالإصغاء والارتياح له، وعلى كماله في الكرم حيث يتصف بالبشر والطلاقة عند استماع المديح قاله السعد.
    قوله: (ففيه إيهام أن وجه.. إلخ) حيث جعل مشبها به، والمتبادر من أصل التشبيه أن المشبه به أقوى أفاده ع ق وكذا يقال فيما يأتي.
    قوله: (تركيبا إفرادا) تمييزان لاعتبار محولان عن المضاف إليه أي وباعتبار تركيب الطرفين وإفرادهما تأمل.
    قوله:( كتشبيه الشقيق.. إلخ) فالمشبه مفرد وهو الشقيق والمشبه به مركب، وهو الهيئة الحاصلة من مجموع الأعلام الياقوتية المنشورة على الرماح الزبرجدية، ووجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من نشر أجرام مبسوطة على رءوس أجرام خضر مستطيلة.
    قوله:( كأن مثار) بضم الميم اسم مفعول من أثار الغبار هيجه وحركه والنقع الغبار، والإضافة من إضافة الصفة للموصوف.
    وقوله: (فوق.. إلخ) أي منعقدا فوق.
    وقوله: (وأسيافنا) الواو بمعنى مع فأسيافنا مفعول معه، وعامله مثار لأن فيه معنى الفعل وحروفه ولم تجعله منصوبًا بكأن عطفا على اسمها، وهو مثار لئلا يتوهم أنهما تشبيهان مستقلان كل منهما تشبيه مفرد بمفرد، وأن المعنى كأن النقع المسار ليل، وكأن أسيافنا كواكبه، وهذا لا يصح الحمل عليه لما صر جوابه من أنه متى أمكن حمل التشبيه على المركب، فلا يعدل عنه إلى الحمل على المفرد، لأنه يفوت معه الدقة التركيبية المرعية في وجه الشبه.
    وقوله: (تهاوى كواكبه) أي تتساقط طائفة بعد طائفة لا واحدا بعد واحد كما في الأطول.
    وقوله: (طائفة.. إلخ) لأن هو المناسب لتساقط السيوف حينئذ، وإنما كان الطرفان مركبين لأن المشبه هو الهيئة المنتزعة من السيوف المسلولة المقاتل بها مع انعقاد الغبار فوق رءوسهم بالهيئة المنتزعة من النجوم وتساقطها بالليل إلى جهات متعددة ا هـ من الدسوقي.
    قوله: (شابه) أي خالطه.
    قوله: (زهر) بفتح الهاء وسكونها والربى جمع ربوة وهي المكان المرتفع، وأراد بالزهر النبات مطلقا كما تفيده عبارة السعد وسنذكرها، وخص الربى لأنها أندى وأشد خضرة ولأنها المقصود بالنظر.
    قوله: (بليل مقمر) بجامع ضعف الضوء في كل أما في الليل المقمر فظاهر، وأما في النهار المذكور فلما قاله السعد من أن الأزهار باخضرارها قد نقصت من ضوء الشمس حتى صار يضرب إلى السواد.
    قوله: (فالمشبه مركب) وهو النهار المشمس الذي شابه زهر الربى، أي الهيئة المنتعزة من ذلك دسوقي.
    قوله: (والمشبه به مفرد) وهو الليل المقمر.
    قوله: (وباعتبار.. إلخ) الواو داخلة على ملفوف وهو خبر لمحذوف، وقوله باعتبار يصح جعله حالا من ضمير ملفوف أو مفروق أو من أحد الأخيرين، وأن أبيت إلا أن هذه أعلام فقل إنه حال من واحد من هذه المتعاطفات بناء على جواز مجيء الحال من الخبر وحذف من الباقي للدلالة على كل تأمل.
    قوله: (ملفوف) سمى بذلك للف المتشابهات فيه أي ضم بعضها إلى بعض وكذلك المشبهات بها.
    وقوله: (أو مفروق) سمى بذلك لأنه فرق بين المشبهات والمشبهات بها بالمشبهات.
    وقوله: (أو تسوية) سمى بذلك لأن المتكلم سوى بين شيئين أو أكثر بواحد في التشبيه.
    وقوله: (جمع) سمى بذلك لأن المتكلم جمع فيه للمشبه وجوه شبه، أو لأنه جمع له أمورا مشبها بها قاله الدسوقي ويتضح هذا يتبين الشارح لهذه الأقسام.
    قوله: (رأوا) أكمل به البيت أي علم البيانيون ذلك ويحتمل أنه من الرأي.
    قوله: (تعدد طرفيه) الظاهر أن الإضافة على معنى في أي تعدد واقع في طرفيه أي مجموعهما، فيشمل ما إذا كان في أحدهما أو فيهما تأمل.
    قوله: (أن يؤتي بالمشبهات.. إلخ) أراد بالجمع ما فوق الواحد وكذا في المشبه بها، والكلام حينئذ تشبيهان لا واحد هذا، وقد تبع الشارح السعد قال الصبان ويجب أن يقال أو بالعكس لئلا يخرج نحو كالعناب والحشف البالي قلوب الطير رطبا ويابسا ا هـ.
    قوله: (أو غيره) كأنه أراد به مثل قولنا كالقمرين زيد وعمرو إذا أريد تشبيه أحدهما بالشمس، والآخر بالقمر بقرينة قاله الصبان والدسوقي عن الأطول، وفيه أنه لم يؤت بالمشبهات على طريق غير العطف مع كونه ليس على ترتيب الصورة التي الكلام فيها، فالمناسب التمثيل بقولك الزيدان كالشمس والقمر إذا أريد تشبيه كل واحد بواحد بقرينة تأمل.
    قوله:( كذلك) أي بطريق العطف كما في البيت الآتي أو غيره كقولك زيد وعمرو كالقمرين تأمل.
    قوله: (العقاب) هو مؤنث صبان.
    قوله:( كأن.. إلخ) شبه الرطب من قلوب الطير بالعناب واليابس منها بالحشف البالي فهما تشبيهان كما علمت.
    قوله: (رطبا ويابسا) هما حالان من القلوب، والعامل هو كأن لتضمنها معنى التشبيه، أي أشبه قلوب الطير حال كونها رطبا ويابسا ولما كانت الرطوبة واليبوسة لا يجتمعان في محل واحد علم أن كلا منهما وصف لما ثبت له الآخر، فلزم كونهما حالين على التوزيع، فالضمير في كل منهما يعود إلى موصوفه وهو البعض المشمول للقلوب ا هـ يعقوبي.
    وقوله: (فالمضير.. إلخ) أي فطابقت كل حال صحبها فلا اعتراض بعدم المطابقة حيث لم يقل رطبة.
    قوله: (وكرها) هو عش الطائر وإن لم يكن فيه صبان.
    وقوله: (العناب) هو حب أحمر مائل للكدرة قدر قلوب الطير قال الدسوقي.
    وقوله: (والحشف) هو أراد التمر قاله السعد ووصفه بالبالي تأكيدًا الهيئة التشبيه، فإنه أشبه بالقلب اليابس في شكله ولونه وتكامشه من الجديد قاله اليعقوبي.
    قوله: (ثم آخر وآخر) أي مشبه ومشبه به.
    قوله: (النشر مسك) أي الرائحة الطيبة منهن كرائحة المسك.
    وقوله: (دنانير) أي كالدنانير من الذهب في الاستدارة والاستنارة مع مخالطة الصفرة بأنها مما يستحسن في ألوان النساء، والأطراف الأصابع العنم شجر أحمر لين الأغصان محمر تشبه بأغصانه أصابع الجواري الخضبة، فقد شبه النشر بالمسك والوجوه بالدنانير وأطراف الأكف بالعنم جاعلا كل مشبه مع مقابله ا هـ يعقوبي.
    وقوله: (لأنها.. إلخ) أي وإنما جعلت من وجه الشبه لأنها.. إلخ.
    فوله: (صدغ الحبيب) بضم الصاد وهو ما بين الأذن والعين، ويطلق على الشعر المتدلي من الرأس على هذا الموضع وهو المراد هنا.
    وقوله:( كلاهما كالليالي) أي في السواد إلا أنه في حاله تخييلي، فقد تعدد المشبه وهو صدغ الحبيب وحاله واتحد به وهو الليالي، وإنما كان المشبه به متحدًا لأن المراد بالتعدد هنا وجود معنيين مختلفي المفهوم والمصدوق لا وجود أجزاء الشيء مع تساويها كالليالي ا هـ دسوقي.
    قوله:( كأنما.. إلخ) قال السعد شبه ثغره بثلاثة أشياء ا هـ، أي جعل كل واحد منها مشبها به، وقد نبه على هذا بأو ونظر في كونه من باب التشبيه بأن المشبه به أعني الثغر غير مذكور لفظا ولا تقديرا أجيب بأن تشبيه بثلاثة أشياء ضمني، لأن تشبيه التبسم بالتبسم عن أحد الثلاثة يستلزم تشبيه الثغر بإحدها كذا في الأطول قاله الصبان.
    قوله: (يبسم) بكسر السين وحكى بعضهم ضمها، أي يتبسم وضميره يرجع إلى الأغيد قبل والمنضد المنظم، والبرد حب الغمام والأقاح جمع أقحوان بضم الهمزة نبت طيب الريح حواليه. رق أبيض ووسطه أصفر كما في الصحاح، فتشبيه الأسنان بالأقحوان باعتبار لون ما حواليه من الورق، وحسن انتظامه مع قطع النظر عما في الوسط من الأصفر هذا هو الأقرب ا هـ من السعد والصبان والدسوقي.
    قوله: (وباعتبار الوجه) أي تركيبا وعدمه ويقال في إعراب.
    قوله: (وباعتبار.. إلخ) ما مر في البيت قله.
    وقوله: (تمثيل.. إلخ) أي وغير تمثيل، إذ لم يكن وجهه مأخوذًا من متعدد، ثم إنه لا يرد أنه تقسيم للشيء إلى نفسه وغيره، لأن التمثيل يرادف التشبيه يشهد لذلك كلام الكشاف حيث يستعمله استعمال التشبيه، لأنه مشترك بين مطلق التشبيه وأخض منه، وما هو نفس المقسم المعنى الأعم والمقسم ما هو أخص، فلا إشكال وبهذا اندفع أيضًا أن تعريفه بقوله وهو ما وجهه منتزع من متعدد غير منعكس لخروج بعض أفراد التمثيل عنه قاله الصبان عن الأطول.
    قوله: (منتزعا) أي مأخوذًا يعقوبي.
    قوله: (في إني أراك.. إلخ) لا يخفى أن هذا خارج عن الموضوع لأنه من باب الاستعارة، فالمناسب أن يقول كما من تشبيه الثريا وتشبيه مثل النقع مع الأسياف.
    قوله: (فالمشبه هيئة.. إلخ) أي ووجه الشبه منتزع من المتعددين، فبيان التعدد في الطرفين ليس هو المقصود بل لينبني عليه المقصود، فلا اعتراض بأن المناسب للمقام إفادة انتزاع الوجه لا الطرفين لكن كان الأولى التصريح بهذا المقصود تأمل، وسيأتي بيان الهيآت الثلاثة في المثال في الاستعارة التمثيلية.
    قوله:( كالكبريت الأحمر) أي في العزة فوجه الشبه هنا واحد.
    قوله: (خفى أو جلى) صفة لمجمل وتقسيم له.
    وقوله: (أو مفصل) عطف على مجمل قاله المصنف.
    قوله: (المفرغة) أي المصبوبة في قالب بعد أن أذيب ما هي منه ا هـ صبان.
    قوله: (طرفاها) المراد طرفها الأعلى وطرفها الأسفل الملائمان للأفضل والأدنى، وإذا لم يعلم الأعلى والأدنى لم يعلم الوسط أطول أ هـ، صبان.
    قوله: (متناسبون.. إلخ) أي متشاكلون فيه بحيث يمتنع تعيين بعضهم فاضلا وبعضهم مفضولا.
    وقوله: (متناسبة الأجزاء) أي بحيث يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطا لكونها لا انفصال في جوفها ولا جوانبها أفاده السعد، ثم إن قول الشارح أي هم.. إلخ بيان لوجه الشبه كما لا يخفى.
    قوله: (وثغره.. إلخ) فقد ذكر وجه الشبه وهو الصفاء بين المشبه وهو الثغر والأدمع والمشبه به وهو اللآلئ.
    قوله: (لكثرة التفصيل.. إلخ) اعلم أن غرابة التشبيه حاصلة بغرابة وجه الشبه وغرابة الوجه تكون لوجهين أشار لأحدهما بقوله لكثرة.. إلخ، وللآخر بقوله أو لندرة.. إلخ، والمراد بالتفصيل اعتبار أوصاف كثيرة في التشبيه على وجه لطيف لا يدركه إلا الخاصة ع ق.
    قوله: (أو لندرة في الدهن) أي ندرة حضور المشبه به في ذهن الإنسان، وذلك يستتبع ندرة إدراك الوجه به، فتحصل الغرابة المقتضية لاختصاص الخواص بذلك الإدراك القليل ع ق، ثم إن ندرة حضور المشبه به، إما عند حضور المشبه لبعد المناسبة كما في تشبيه البنفسج بنار الكبريت، وإما مطلقا لكونه وهميا أو مركبا خياليا أو مركبا عقليا، وقول المصنف كالتركيب في كنهية بكاف التمثيل بعد الجار كالتي قبله وكسر النون وسكون الهاء وفتح الياء مخففة أي كندرة ذي التركيب.. إلخ، يشمل هذين الوجهين إذ يدخل تحت الكاف الأولى ندرة غير مركب كالوهمي ونار الكبريت وتحت الثانية الخيال نأمل.
    قوله: (مبتذل) أي ممتهن محتقر لأنه يتناوله كل أحد وهذا الابتذال عند ظهور وجه الشبه وظهور ثبوته للطرفين.
    قوله: (وهو ما ينتقل فيه.. إلخ) والمنتقل هو المتكلم الذي هو مريد التشبيه، ويلزم من قرب انتقاله قرب فهم السامع صبان.
    قوله: (وهو ما ينتقل فيه.. إلخ) لعدم حضور المشبه به في الذهن.
    قوله:( كتشبيه الشمس.. إلخ) فإن الرجل ربما ينقضي عمره ولا يتفق له أن يرى مرآة في يد أشل قاله السعد، فالمشبه به هنا بعيد عن الفكر لا ينتقل إليه بسرعة لشدة ندرته، ووجه الشبه هو الهيئة المجتمعة من الاستدارة والإشراق وسرعة الحركة واتصالها وتموج الإشراق، واضطرابه بسبب تلك الحركة حتى يظهر الشعاع كأنه يفيض من جانب الدائرة، ثم يضعف ويبقى مترددا بين الانبساط تارة والانقباض أخرى بسبب الحركة الاضطرابية، وإذا تأملت حال الشمس عند الطلوع وجدتها كالمرآة في جميع ما ذكر، لأنها تروح مضطربة كما تضطرب المرآة في كف الأشل، وقد اشتمل على تفاصيل كثيرة قاله المصنف في شرحه.
    قوله:( كهذا المثال) وقد علمت وجود الغرابة فيه من بعد المشبه به فالغرابة فيه من وجهين.
    قوله: (لكونه وهميا) أي وهو بعيد عن الفكر لعدم وجوده أصلا وكذا المركب الخيالي.
    قوله: (أو مركبا عقليا) لأن الاعتبارات التي تركب منها لا يكاد يستحضرها مجموعة إلا الخواص فهي غير حاضرة في الفكر.
    قوله: (نحو كمثل الحمار.. إلخ) فإن المشبه قد اعتبر فيها كون الحمار حاملا لشيء، وكون المحمول أبلغ ما ينتفع به وكون الحمل بمشقة وتعب وهذه الاعتبارات المدلولات للقصة عقلية، وإن كان متعلقها حسيا.
    قوله: (والمراد بالنهية.. إلخ) به فسرها المصنف في شرحه.
    وقوله: (أي كالمركب العقلي) حل معنى لقوله كالتركيب.. إلخ، لكنه غير واف فالمناسب زيادة ونحوه ليتم المعنى.
    قوله: (وفي بعض النسخ.. إلخ) وهي التي شرح عليها المصنف، والمراد بالنسبة المناسبة كما يؤخذ من شرح المصنف.
    قوله: (العاطف) أي على كثرة التفضيل.
    قوله: (وباعتبار آلة) أي ذكرا وإسقاطا.
    قوله: (بحذفها) متعلق بمحذوف أي وهو ما وجد بحذفها أي معه.
    وقوله: (إذ توجد) أي وذلك إذ.. إلخ، ثم إن قوله بحذفها صادق بحذف الوجه معها وانفرادها بسكن إذا حذف بلغ التأكيد النهاية وإلا توسط من ع ق، والظاهر أنه لا مانع من تعلق الظرف الأول بمؤكد والثاني بمرسل نعم الأول أبعد عن الركة.
    قوله: (ذو التعسف) أي التكلف والأخذ على غير طريق لم يقبل ا هـ منه.
    قوله: (وأبلغ التشبيه) أي أقواه مبالغة.
    قوله: (المقتضي.. إلخ) ظاهره أنه وصف للتأكيد وعبارة السعد فصار مرسلا عن التأكيد المستفاد من حذف الأداة المشعر بحسب الظاهر بأن.. إلخ، هو فيها وصف للحذف، وهذا هو المتعين لأن التأكيد إنما حصل من الحذف بسبب هذا الإشعار والعينية فليس هو المقتضي لها تأمل.
    قوله: (الوافي.. إلخ) كأن يكون المشبه به أعرف الطرفين بوجه الشبه فيما إذا كان الغرض بيان حال المشبه، وأتم الطرفين فيه في إلحاق الناقص بكامل ومسلم الحكم فيه معروفة عند المخاطب في بيان الإمكان أفاده الأصل والسعد.
    قوله: (الغير الوافي) كما في تشبيه الممدوح بفوقه الأقران بإنسان آخر لا يسلم فيه الوجه ع ق.
    قوله: (والبليغ) أي الفرد الكامل منه بدليل وأبلغ التشبيه ومثله في الأصل.
    قوله: (ما حذف منه.. إلخ) أي فقط بدليل ومع حذف المشبه أي أو مع.
    قوله: (في مقام الأخبار) أي الحاصل حال إجابة السائل عن حال زيد في الجراءة.
    قوله: (نحو زيد.. إلخ) هذا وما بعده لما حذف فيه الوجه، وقوله ونحو.. إلخ مثالان لما حذف فيه الأداة.
    قوله: (ولا قوة لذكرهما.. إلخ) اعلم أن صور المقام ثمانية، وذلك أن الأركان أربعة المشبه به مذكور قطعا، والمشبه إما مذكور أو محذوف وعلى التقديرين، فوجه الشبه إما مذكور أو محذوف، فهذه ثمانية أقواها الأولان في الشارح ويليهما الأربعة بعدهما ولا قوة للأخيرين. وبيان ذلك أن القوة إما لعموم وجه الشبه ظاهر، أو ذلك عند حذفه أو لحمل المشبه به على المشبه ظاهرا وذلك عند حذف الأداة فما اشتغل على الوجهين جميعا، فهو في غاية القوة وما خلا عنهما فلا قوة له وما اشتمل على أحدهما فقط فهو متوسط أفاده السعد.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 7:22 pm